الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب التمييز
مدخل
…
باب التمييز:
"هذا باب التمييز":
وهو في الأصل مصدر "ميز": إذا خلص شيئًا من شيء، وفرق بين متشابهين.
وقولهم في الاسم المميز: "تمييز" مجاز من إطلاق المصدر على اسم الفاعل كـ: "الطلع" و"النجم"، بمعنى الطالع والناجم، قاله أبو البقاء.
و"التمييز" في الاصطلاح "اسم نكرة، بمعنى "من"، مبين لإبهام اسم أو" إبهام "نسبة"، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
356-
اسم بمعنى من مبين نكره
…
..............................
"فخرد بالفصل الأول" وهو نكرة، المشبه بالمفعول به "نحو: زيد حسن وجهه" بالنصب، فإن فيه ما في "حسن وجهًا" إلا التنكير، فلا يكون تمييزًا لعدم تنكيره، "وقد مضى" في باب المعرف بالأداة "أن قوله" وهو رشيد اليشكري: [من الطويل]
452-
رأيتك لما أن عرفت وجوهنا
…
"صددت وطبت النفس يا قيس عن عمرو"
"محمول على زيادة: أل" عند البصريين1 كما زيدت في: [من الرجز]
453-
باعد أم العمرو عن أسيرها
خالف في ذلك الكوفيون وابن الطراوة2، فأجازوا تعريف التمييز متمكسين بنحو ما أولناه.
"و" خرج بالفصل "الثاني" وهو بمعنى "من""الحال" نحو: "جاء زيد راكبًا""فإنه بمعنى: في حال كذا، لا بمعنى: من3".
452- تقدم تخريج البيت برقم 131.
1 انظر الارتشاف 2/ 384.
453-
تقدم تخريج الرجز برقم 51.
2 الارتشاف 2/ 384، وهمع الهوامع 1/ 252.
3 شرح التسهيل 2/ 379.
"و" خرج بالفصل "الثالث" وهو مبين لإبهام اسم أو نسبة اسم "لا" التبرئة "نحو: "لا رجل"، و" ثاني مفعولي "أستغفر""نحو:"[من البسيط]
454-
"أستغفر الله ذنبا لست محصيه"
…
رب العباد إليه الوجه والعمل
"فإنهما" أي: "رجل" و"ذنبا""وإن كانا على معنى: من" بدليل صحة اقترانهما بها نحو: "لا من رجل"، و"أستغفر الله من ذنب" "لكنها" أي:"من""ليست" فيهما "للبيان" فلا يكونان مبينين، "بل هي في الأول" وهو "لا رجل""للاستغراق" للجنس، ولذلك بني اسم "لا" معها، "وفي الثاني" وهو أستغفر الله ذنبًا "للابتداء"، كأنه لما أراد الاستغفار ابتدأ منه بالجانب المتناهي، وهو الأول، وترك الجانب الأعلى الذي لا يتناهى، لكونه غير محدود، فكأنه قال: أستغفر الله مبتدئًا من أول الذنوب إلى ما لا يتناهى.
قال الموضح في الحواشي: وليس المراد بقولهم في التمييز: بمعنى "من" أن تكون "من" مقدرة قبله، لئلا يخرج عنه المحول عن الفاعل والمفعول والمبتدأ وتمييز العدد، وإنما المراد أن الاسم جيء به لتبيين الجنس كما يجاء بـ"من" المبينة للجنس، لا أن ثم "من" مقدرة. ا. هـ.
"وحكم التمييز النصب"؛ لأنه من الفضلات. "والناصب لمبين الاسم هو ذلك الاسم المبهم"، واختلف في صحة إعماله مع أنه جامد، فقيل: شبهه باسم الفاعل؛ لأنه طالب له في المعنى "كـ: عشرين درهمًا"، فإنه شبيه بـ"ضاربين زيدًا"، و"رطل زيتًا"، فإنه شبيه بـ"ضارب عمرًا" في الاسمية والطلب المعنوي ووجود ما به التمام وهو التنوين والنون.
وقيل: شبهه بـ"أفعل من"، وذلك في خامس مرتبة، فإن الفعل أصل لاسم الفاعل؛ لأنه يعمل معتمدًا وغير معتمد، واسم الفاعل لا يعمل إلا معتمدًا، وهو أصل للصفة المشبهة؛ لأنه يعمل في السببي والأجنبي، وهي لا تعمل إلا في السببي دون الأجنبي
454- البيت بلا نسبة في أدب الكاتب ص524، والأشباه والنظائر 4/ 16، والأصول 1/ 178، وأوضح المسالك 2/ 283، وتخليص الشواهد ص405، وخزانة الأدب 3/ 11، 9/ 124، والدرر 2/ 260، وشرح ابن الناظم ص250، وشرح أبيات سيبويه 1/ 420، وشرح التسهيل 2/ 379، وشرح شذور الذهب ص371، وشرح المرادي 2/ 174، وشرح المفصل 7/ 63، 8/ 51، والصاحبي في فقه اللغة ص181، والكتاب 1/ 37، ولسان العرب 5/ 26 "غفر"، والمقاصد النحوية 3/ 226، والمتقضب 2/ 321، وهمع الهوامع 2/ 82.
وهو أصل لـ"أفعل من"؛ لأنها ترفع الظاهر، وهو لا يرفعه إلا في مسألة واحدة، وهو أصل المقادير؛ لأنه يتحمل الضمير، وهي لا تتحمله، وصحح هذا القول؛ لأن حمل الشيء على ما هو به أشبه أولى.
"والناصب لمبين النسبة" عند سيبويه والمازني والمبرد ومتابعيهم1 "المسند من فعل أو شبهه"، فالفعل "كـ: طاب" زيد "نفسًا" فـ"نفسا" منصوب بـ"طاب"، "و" شبه الفعل نحو: "هو طيب أبوة"، فـ"أبوة" منصوب بـ"طيب"، هو صفة مشبهة "وعلم بهذا" التقدير والتفصيل "بطلان عموم قوله" في النظم:
356-
...................
…
"ينصب تمييزًا بما قد فسره"
فإنه يقتضي أن التمييز ينضب بما قد فسره، سواء أكان مفسرًا لإبهام اسم أو لنسبة، وليس كذلك، وأجاب عنه المرادي: بأن التمييز لما رفع إبهام نسبة الفعل إلى فاعله أو مفعوله فكأنه رفع الإبهام عنه، فاندرج بهذا الاعتبار تحت قوله:"بما قد فسره"، وذهب قوم إلى أن العامل في مميز النسبة هو الجملة التي انتصب عن تمامها لا الفعل ولا ما أشبهه، واختاره ابن عصفور2،ونسبه إلى المحققين، ولولا أن الناظم صرح في غير هذا الموضع وفي آخر الباب بأن ناصبه الفعل لحملت كلامه هنا على ما اختاره ابن عصفور.
1 مثل الفارسي، انظر الإيضاح 1/ 203، والارتشاف 2/ 377، وشرح المرادي 2/ 175.
2 الارتشاف 2/ 377.
"فصل":
"والاسم المبهم أربعة أنواع:
أحدها: العدد"، وهو قسمان: صريح وكناية: فالصريح "كـ: {أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا} [يوسف: 4]، والكناية كـ:"كم" الاستفهامية، نحو:"كم عبدًا ملكت؟ " وقدم الاسم على النسبة؛ لأن المفرد مقدم على المركب، وقدم العدد؛ لأنه أولى بالتمييز لوجهين: أحدهما: أنه يميز بالمقادير، نحو: أحد عشرًا رطلا أو شبرا أو قفيزًا، ولا يعكس.
والثاني: أنه واجب النصب، ذكرهما في شرح الكافية1، وأفرد العدد عن المقادير بناء على أنه ليس من جملتها، وهو قول المحققين؛ لأن المراد بالمقدار ما لم ترد حقيقته بل مقداره، حتى إنه يصح إضافة المقدار إليه، والعدد ليس كذلك، ألا ترى أنك تقول:"عندي مقدار رطل زيتًا" ولا تقول "عندي مقدار عشرين رجلًا" قاله الموضح في شرح القطر2.
"و" النوع "الثاني: المقدار، وهو" ما يعرف به قدر الشيء، وينقسم ثلاثة أقسام؛ لأنه "إما مساحة كـ: شبر أرضا" و"ذراع نسيجا" "أو كيل كـ: قفيز برا"، ووقع في شرح لمع ابن جني لأبي البقاء: ومن الممسوح عندي "قفيزان شعيرا"؛ لأن القفيز عبارة عن ضرب قصبة في عشر قصبات في عرف الحساب، وهو عشر الجريب. ا. هـ.
ولم أراه لغيره "أو وزن كـ: منوين عسلًا" وتمرًا، "وهو تثنية: منا" بتخفيف النون والقصر، كـ: "عصا"، والمنا: آلة الوزن، يعرف بها مقادير الموزونات، فيقال في تثنيته: "منوان"، كما يقال في تثنية "عصا": "عصوان"، "ويقال فيه "من" بالتشديد" كـ: "ضب"، "وتثنيته: منان" بالتشديد، كما يقال في تثنية "ضب": "ضبان".
1 شرح الكافية الشافية 2/ 769.
2 شرح قطر الندى ص329.
"و" النوع "الثالث: ما يشبه المقدار" في الوزن والكيل والمساحة، فالأول "نحو:{مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا} [الزلزلة: 7] فـ"مثقال الذرة" شبيه بما يوزن به، وليس اسمًا لشيء يوزن به عرفًا. "و" الثاني: نحو: "نحي سمنا" فـ"النحي" بكسر النون وإسكان الحاء المهملة وبعدها ياء: اسم لوعاء السمن، وهو مما يشبه الكيل، وليس بكيل حقيقة، ويكون كبيرا وصغيرا. "و" الثالث نحو:" {وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا} "[الكهف: 109] فـ"مثل" شبيه بالمساحة، وليست مساحة حقيقية، وإنما هو دال على المماثلة من غير ضبط بحد، "وحمل على هذا" في الدلالة على المماثلة ما يفيد المغايرة، نحو:"إن لنا غيرها إبلًا" ووجه حمله عليه أنه غيره، وهم يحملون الغير على المثل ما يحملون المثل على المثل، ولم يحمل على غيره؛ لأنه لا وجه لإلحاقه بالمقدار إلا بأن يحمل على ما ألحق به، وهو المثل.
"و" النوع "الرابع: ما كان فرعًا للتمييز نحو": هذا "خاتم حديدًا، فإن "الخاتم" فرع "الحديد"" من جهة أنه مصنوع منه، فيكون الحديد هو الأصل، والخاتم مشتق منه، فهو فرعه بهذا الاعتبار، وضابطه: كل فرع حصل له بالتفريع اسم خاص يليه أصله، ويكون مما يصح إطلاق الاسم عليه. "ومثله" أي: مثل "خاتم حديدًا" في ذلك "باب ساجا"، فإن "الباب" فرع "الساج" والساج نوع من الخشب، "و: جبة خزا" فإن الجبة فرع الخز، والخز نوع من الحرير، "وقيل" في المنصوب بعد "الخاتم" وبعد "الباب" وبعد "الجبة": "إنه حال".
وينبني عليهما الخلاف في الاتباع، فمن خرج النصب على التمييز قال: إن التابع عطف بيان1. ومن خرجه على الحال، قال: إنه نعت2. والأول أولى؛ لأنه جامد جمودًا محضًا، فلا يحسن كونه حالًا ولا نعتًا.
"والنسبة المبهمة نوعان: نسبة الفعل للفاعل نحو: {وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا} "[مريم: 4] فإن نسبة "اشتعل" إلى "الرأس" مبهمة، و"شيبًا" مبين لذلك الإبهام، وهذا التمييز محول عن الفاعل، والأصل: واشتعل شيب الرأس، فحول الإسناد من المضاف؛ وهو شيب؛ إلى المضاف إليه؛ وهو الرأس؛ فارتفع، ثم جيء بذلك المضاف الذي حول عنه الإسناد فضلة وتمييزًا.
1 قال بذلك المبرد، انظر المقتضب 3/ 259.
2 قال بذلك سيبويه، انظر الكتاب 2/ 117، 118.
"ونسبته للمفعول نحو: {وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا} "[القمر: 12] فإن نسبة "فجرنا" إلى "الأرض" مبهمة، و"عيونًا" مبين لذلك الإبهام، والأصل: وفجرنا عيون الأرض. فحول المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه، وجيء بالمضاف تمييزًا، هذا مذهب الجزولي1 وابن عصفور2 وابن مالك3 وأكثر المتأخرين4، وأنكره الشلوبين5، وحجته أن سيبويه لم يمثل بالمنقول عن المفعول، وتبعه تلميذه الأبدي6 وابن أبي الربيع7، وتأول الشلوبين "عيونا" في الآية على أنها حال مقدرة؛ لأنها حال التفجر لم تكن عيونًا، وإنما صارت عيونًا بعد ذلك. وأولها ابن أبي الربيع على وجهين: أحدهما: أن يكون بدل بعض من كل، على حذف الضمير، أي: عيونها، مثل: أكلت الرغيف ثلثًا، أي: ثلثه.
والثاني أن يكون مفعولًا على إسقاط الجار، أي: بعيون. ورده الموضح في شرح اللمحة.
"ولك في مميز الاسم" المفرد "أن تجره بإضافة الاسم" إليه إن حذف ما به تمامه من تنوين ظاهر أو مقدر أو نون تشبهه8 "كـ: شبر أرض" من الممسوحات "و: قفيز بر" من المكيلات، "و: منوي عسل" من الموزونات، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
358-
وبعد ذي وشبهها اجرره إذا
…
أضفتها كمد حنطة غذا
"إلا إذا كان الاسم عددًا" من أحد عشر إلى تسعة وتسعين، فإن تمييزه واجب النصب لما سيأتي، بخلاف ثلاثة عشرة وما بينها، ومائة وما فوقها، فتمييزه واجب الجر بالإضافة إلا ما شذ كـ:"خمسة أثوابًا" و"مائتين عامًا"، فلا يدخل الجواز شيئًا من واجب النصب وواجب الجر، فلا اعتراض عليه في الإطلاق، وإنما وجب النصب فيما كان "كـ: عشرين درهمًا" وامتنع جره؛ لأنه يضاف إلى غير التمييز نحو: "عشري رجل"، فلو أضيف إلى التمييز لزم الالتباس، فلا يعلم هل هو تمييز أو لا؟ ولم يعكس الأمر دفعًا
1 الجزولية ص222.
2 شرح الجمل 2/ 284.
3 شرح التسهيل 2/ 384.
4 منهم ابن عقيل في شرحه 1/ 347.
5 الارتشاف 2/ 378.
6 همع الهوامع 1/ 251، والارتشاف 2/ 378.
7 الارتشاف 2/ 378.
8 في "ب": "تثنية".
لإضافة الشيء إلى نفسه؛ لأن العدد هو التمييز في المعنى، قاله في المتوسط، وزعم أنه الصواب. "أو مضافًا نحو:" {وَلَوْ جِئْنَا "بِمِثْلِهِ مَدَدًا} " [الكهف: 109] "و {مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا} " [آل عمران: 91] فـ"مددًا تمييز لـ"مثل"، و"ذهبًا" تمييز لـ"ملء"، ولا يجوز جرهما بالإضافة؛ لأن "مثل" و"ملء" مضافان مرة فامتنع إضافتهما مرة أخرى، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
359-
والنصب بد ما أضيف وجبا
…
إن كان مثل ملء الارض ذهبا
"فصل":
"مم مميز النسبة" التمييز "الواقع بعد ما يفيد التعجب" إما بصيغته الموضوعة له أو لا، فالأول "نحو:" أبو بكر "أكرم به أبًا وما أشجعه رجلًا. و" الثاني نحو: "لله دره فارسًا"، فـ"أبا" و"رجلا" و"فارسًا" تمييز لبيان جنس المتعجب منه المبهم في النسبة، والدر؛ بفتح الدال المهملة وتشديد الراء؛ في الأصل مصدر در اللبن يدر ويدر؛ بكسر الدال وضمها؛ درا ودرورًا كثر، ويسمى اللبن نفسه درا، وهو هنا كناية عن فعل الممدوح الصادر عنه، وإنما أضيف1 فعله إلى الله تعالى قصدًا لإظهار التعجب منه؛ لأنه تعالى منشئ العجائب. فمعنى قولهم: "لله دره فارسًا" ما أعجب فعله، ويحتمل أن يكون التعجب من لبنه الذي ارتضعه من ثدي أمه، أي: ما أعجب هذا اللبن الذي نزل به مثل هذا الولد الكامل في هذه الصفة، وكون "فارسًا من مميز النسبة إنما يتمشى إذا كان الضمير المضاف إليه "الدر" معلوم المرجع، أما إذا كان مجهوله كان من مميز الاسم لا من مميز النسبة؛ لأن الضمير مبهم، فيحتاج إلى ما يميزه، قاله في الحواشي، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
361-
وبد كل ما اقتضى تعجبا
…
ميز...........................
"و" من مميز النسبة التمييز "الواقع بعد اسم التفضيل"، وله حالتان: تارة يكون منصوبًا، وتارة يكون مجرورًا، "وشرط نصب هذا" الواقع بعد اسم التفضيل "كونه" سببيا، وذلك إذا كان "فاعلا معنى، نحو: زيد أكثر مالًا" وعلامة ذلك أن تجعل مكان اسم التفضيل فعلا من لفظه ومعناه، ويرفع التمييز به مع صحة المعنى، فتقول في مثالنا:"زيد كثر ماله"، وإلى هذه المسألة أشار الناظم بقوله:
360-
والفاعل المعنى انصبن بأفعلا
…
مفضلا...........................
1 في "ب"، "ط""أضاف".
"بخلاف" ما إذا لم يكن فاعلًا معنى، وهو ما كان اسم الفضيل بعضه "نحو:"مال زيد أكثر مال"، بالخفض، وعلامة أن يحسن وضع "بعض" موضع اسم التفضيل، ويضاف إلى جمع قائم مقام النكرة، فنقول في مثالنا:"مال زيد بعض الأموال"، ولا يستقيم في هذا المثال أن يكون "مال" فاعلًا معنى لفساد المعنى، فلا يقال:"مال زيد كثر ماله"؛ لأنه يؤدي إلى أن المال له مال.
وإنما وجب نصبه في الأولى وجره في الثانية؛ لأن اسم التفضيل مضاف إلى ما هو بعضه دون الأولى، "وإنما جاز: هو أكرم الناس رجلًا" بالنصب مع تخلف شرطه؛ وهو أن "رجلًا" لا يصح أن يكون فاعلًا في المعنى: إذ لا يقال:"هو كرم رجل" فتخبر عن "هو" بقولك: "كرم رجل" وإذا بطل شرط النصب كان حقه الجر، وإنما نصب "لتعذر إضافة "أفعل" مرتين"؛ لأنه أضيف أولًا إلى "الناس"، فلو أضيف ثانيًا إلى "رجل" لزم إضافته مرتين، وذلك ممتنع؛ لأن المضاف إلى شيء يمتنع إضافته إلى غيره.
"فصل":
"ويجوز جر التمييز بـ"من" كـ: "رطل من زيت"". واختلف في معنى "من" التي يصرح بها مع التمييز، فقيل: للتبعيض، ولذلك لم تدخل في "طاب نفسًا" لأن "نفسا" ليست أعم من المبهم الذي انطوت عليه الجملة. وقال الشلوبين1: زائدة عند سيبويه2 لمعنى التبعيض. قال في الارتشاف3: ويدل على صحته أنه عطف على موضعها نصبًا، قال الحطيئة:[من البسيط]
455-
طافت أمامة بالركبان آونة
…
يا حسنه من قوام ما ومنتقبا
وبحث الموضح في الحواشي أنها لبيان الجنس، وهو ظاهر؛ لأن المشهور من مذاهب النحويين ما عد الأخفش أن "من" لا تزاد إلا في غير الإيجاب.
ولا4 يمتنع جر التمييز بـ"من" "إلا5 في ثلاث مسائل:
إحداها: تمييز العدد. كـ: عشرين درهمًا" لما سيأتي.
"الثانية: التمييز المحول عن المفعول، كـ: غرست الأرض شجرًا، ومنه" أي: من المحول عن المفعول "ما أحسن زيدًا أدبًا" فإنه محول عن المفعول، وأصله: ما أحسن أدب زيدٍ، "بخلاف: ما أحسنه" أي: زيدًا""رجُلا" فإنه ليس محولًا عن المفعول، إذ لا يصح "ما أحسن رجل زيد" مع أن المراد بالرجل نفس زيد.
1 الارتشاف 2/ 384.
2 الكتاب 4/ 225.
3 الارتشاف 2/ 384.
455-
البيت للحطيئة في ديوانه ص11، والارتشاف 2/ 384، وأمالي ابن الشجري 1/ 276، وخزانة الأدب 3/ 270، 289، والدرر 1/ 530، والمقاصد النحوية 3/ 242، وبلا نسبة في الخصائص 2/ 432، وشرح الأشموني 1/ 265، وهمع الهوامع 1/ 251.
4 سقط من "ط".
5 سقط من "ط".
و"الثالثة: ما كان فاعلا في المعنى إن كان محولًا عن الفاعل صناعة كـ: طاب زيد نفسًا"، إذ أصله: طابت نفس زيد، "أو" محولا "عن مضاف غيره"، كأن يكون مبتدأ، "نحو: زيد أكثر مالًا"، فـ"مالا" محول عن مبتدأ، "إذ أصله: مال زيد أكثر"، فحول المضاف، وجعل تمييزًا، وأقيم المضاف إليه مقامه، فارتفع على الابتداء مكانه، "بخلاف" ما كان فاعلًا في المعنى، ولم يكن محولًا "نحو: لله دره فارسًا، و: أبرحت جارًا" بكسر التاء خطابًا للمؤنثة، أخذا من قول الأعشى:[من المتقارب]
456-
أقول لها حين جد الرحيـ
…
ـل أبرحت ربا وأبرحت جارًا
"فإنهما" أي: فارسًا وجارًا "وإن كانا فاعلين معنى؛ إذ المعنى عظمت فارسا وعظمت جارًا، إلا أنهما غير محولين" عن الفاعل صناعة، "فيجوز دخول "من" عليهما"، فتقول:"من فارس" و"من جار" كقوله: [من السريع]
457-
يا سيدا ما أنت من سيد
…
موطأ الأكناف رحب الذراع
"ومن ذلك" الفاعل في المعنى الغير محول: "نعم رجلًا زيد1"، فـ"رجلًا" وإن كان فاعلًا معنى؛ إذ المعنى نعم الرجل زيد؛ إلا أنه غير محول، فلذلك "يجوز" دخول "من" عليه، فتقول:"نعم من رجل، قال" أبو بكر بن الأسود: [من الوافر]
458-
تخيره فلم يعدل سواه
…
"فنعم المرء من رجل تهامي"
بفتح التاء كـ: "يمان". واقتصر في النظم على استثناء مسألتين فقال:
362-
واجرر بمن إن شئت غير ذي العدد
…
والفاعل المعنى...........................
456- البيت للأعشى في ديوانه ص99، والارتشاف 2/ 382، وجمهرة اللغة ص56، 275، وخزانة الأدب 2/ 302، 305، 306، وسمط اللآلي ص338، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي 1263، والكتاب 2/ 175، ولسان العرب 2/ 411 "برح"، ونوادر أبي زيد ص55، وبلا نسبة في أمالي ابن الحاجب 1/ 367، 404، وأوضح المسلك 2/ 367، والفاخر ص280.
457-
البيت للسفاح بن بكير في خزانة الأدب 6/ 95، 96، 98، والدرر 1/ 378، وشرح اختيارات المفضل ص1363، وشرح شواهد الإيضاح ص195، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 3/ 185، وخزانة الأدب 2/ 308، والدرر 2/ 292، وشرح شذور الذهب ص258، وشرح قطر الندى ص320 والمقرب 1/ 165، وهمع الهوامع 1/ 173، 2/ 90.
1 في "أ"، "ب":"زيدًا".
458-
البيت لأبي بكر بن الأسود المعروف بابن شعوب الليثي في الدرر 2/ 276، وشرح المفصل 7/ 133، والمقاصد النحوية 3/ 227، 4/ 14، وبلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 369، وخزانة الأدب 9/ 395، وشرح ابن الناظم ص253، وشرح الأشموني 1/ 265، والمقرب 1/ 69، وهمع الهوامع 2/ 86.
وإنما امتنع دخول "من" في المسائل الثلاث المتقدمة؛ لأن وضع "من" المبينة أن يفسر بها وبمصحوبها اسم جنس سابق صالح لحمل ما بعدها عليه، نحو:{أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ} [الكهف: 31] . وامتنع ذلك في العدد لعدم صحة الحمل، لكون العدد دالا على متعدد. والتمييز مفرد، وفي المحول عن الفاعل والمفعول؛ لأن التمييز مفسر للنسبة لا للفظ المذكور، وجاز دخولها في غير ذلك؛ لأن التمييز نفس المميز في المعنى.
وفي كلامه هنا أمور منها: أنه قيد الفاعل المعنوي بأن يكون محولًا صناعة، ولم أقف عليه لغيره. ومنها أنه تبع الشارح1 في جعل "لله دره فارسًا" و"نعم المرء من رجل" من تمييز الجملة، واعترضه المرادي بأنه تمييز مفرد لا تمييز جملة2. ومنها أنه حكم على "أبرحت جارًا" أنه غير3 محول، والمنقول عن الأعلم أنه مما انتصب عن تمام الكلام، وأنه منقول عن فاعل، وتقديره: أبرح جارك، فأسند الفعل إلى غيره ثم نصبه تفسيرًا، وذهب ابن خروف4 إلى أنه مما انتصب عن تمام الاسم، فالقول بأنه تمييز عن تمام الجملة وليس محولًا قول ثالث. ومنها أنه خالف كلامه في "نعم رجلًا زيد". فقال هنا: يجوز "نعم من رجل"، ومنع ذلك في شرح اللمحة فقال5: ولا تدخل "من" على ما كان منقولا أو مشبها بالمنقول أو بعد عدد، وقدم قبل ذلك أن المشبه بالمنقول قولهم:"نعم رجلًا زيد"، ووجه شبهه بالمنقول أن المعنى: نعم الرجل زيد، فكان هذا هو الأصل، ثم حول الإسناد عن الظاهر إلى المضمر، وجعل المرفوع تمييزًا لذلك الضمير. ا. هـ. فجعله محولًا، ومنع دخول "من" عليه. ومنها أن قوله: إذ المعنى عظمت فارسًا وعظمت جارًا، ليس فيه بيان أن "فارسًا" و"جارًا" فاعلان معنى، وكان حقه أن يرفعهما، ويقول: إذ المعنى عظمت فروسيتك وعظم جوارك، فيسند الفعل إلى أصل التمييز أو إلى التمييز، فتقول: عظم فارس وعظم جار.
1 شرح ابن الناظم ص252.
2 شرح المرادي 2/ 183.
3 سقطت من "ب".
4 الارتشاف 2/ 381.
5 انظر قوله في همع الهوامع 1/ 251.
"فصل":
"لا يتقدم التمييز على عامله إذا كان اسمًا" جامدًا "كـ: رطل زيتًا، أو فعلًا جامدًا نحو: ما أحسنه رجلًا"؛ لأن الجامد لا يتصرف في نفسه فلا يتصرف في معموله بتقديمه عليه. "وندر تقدمه على" الفعل "المتصرف كقوله" وهو رجل من بني طيئ: [من المتقارب]
459-
"أنفسنا تطيب بنيل المنى"
…
وداعي المنون ينادي جهارًا
فـ"نفسًا" تمييز مقدم على عامله؛ وهو تطيب؛ لأنه فعل متصرف "وقاس على ذلك المازني والمبرد والكسائي1"، قال الناظم في شرح العمدة2: بقولهم أقول قياسًا على سائر الفضلات المنصوبة بفعل متصرف، وجعله في النظم قليلًا فقال:
363-
وعامل التمييز قدم مطلقًا
…
والفعل ذو التصريف نزرًا سبقا
ولم يجز سيبويه3 والجمهور ذلك؛ لأن الغالب في التمييز المنصوب بفعل متصرف أن يكون فاعلًا في الأصل، وقد حول الإسناد عنه إلى غيره لقصد المبالغة، فلا يغير عما كان مستحقه4 من وجوب التأخير لما فيه من الإخلال بالأصل.
459- البيت لرجل من طيئ في شرح عمدة الحافظ ص477، وبلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 372، وشرح الأشموني 1/ 296، وشرح شواهد المغني 2/ 862، وشرح التسهيل 2/ 389، وشرح المرادي 2/ 186، ومغني اللبيب 2/ 463، والمقاصد النحوية 3/ 241.
1 انظر هذه الآراء في التسهيل ص115، وشرح التسهيل 2/ 389، وشرح ابن الناظم ص253، والارتشاف 2/ 385.
2 شرح عمدة الحافظ 1/ 359.
3 الكتاب 1/ 205.
4 في "ب"، "ط":"يستحقه".
وقيل لأن التمييز كالنعت في الإيضاح، والنعت لا يتقدم على عامله، فكذلك ما أشبهه، قاله الفارسي، واستحسنه ابن خروف، والبيت ونحوه ضرورة. كما قال في المغني1، ويحتمل أن يكون "نفسًا" منصوبة بفعل محذوف دل عليه المذكور، فالتقدير:
أتطيب نفسًا تطيب.
وأما إذا كان العامل وصفًا فقياس من أجاز التقديم في الفعل أن يجيزه مع الوصف إلا مع اسم التفضيل، واتفق الجميع على جواز تقديم التمييز على المميز إذا كان العامل متقدمًا نحو:"طاب نفسا زيد"، قاله ابن الضائع، وهذا يرد قول الفارسي: إن التمييز كالنعت؛ لأن النعت لا يتقدم على المنعوت. قاله ابن عصفور2.
1 مغني اللبيب ص603.
2 شرح الجمل 2/ 284.