الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب الحال
مدخل
…
باب الحال:
"هذا باب الحال":
وألفها منقلبة عن واو، لقولهم في جمعها أحوال، وفي تصغيرها حويلة، واشتقاقها من التحول وهو التنقل، ويجوز فيها التذكير والتأنيث لفظًا ومعنى، والمذكور في هذا الباب حدها ثم صفاتها ثم تخصيص صاحبها ثم الترتيب بينها وبين صاحبها ثم بينها وبين عاملها ثم تعددها ثم توكيدها ثم انقسامها إلى مفرد وظرف وجملة ثم حذف حاملها.
"الحال نوعان: مؤكدة" هي التي يستفاد معناها بدون ذكر ما، "وستأتي ومؤسسة"، ويقال لها: المبينة، "وهي" التي لا يستفاد معناها بدون ذكرها، وحدها:"وصف، فضلة، مذكورة لبيان الهيئة" للفاعل أو المفعول أو لهما معًا، فالأول:"كـ"جئت راكبًا"" فـ"راكبًا" مبين لهيئة الفاعل، وهو التاء. "و" الثاني: نحو: "زيد "ضربته مكتوفًا"" فـ"مكتوفًا" مبين لهيئة المفعول، وهو الهاء، "و" الثالث: نحو: "زيد "لقيته راكبين"" فـ"راكبين" مبين لهيئة الفاعل، وهو تاء المتكلم، ولهيئة المفعول، وهو هاء الغائب، ولا يكون لغير الفاعل والمفعول، وما خالف ذلك يؤول بهما نحو:"زيد في الدار جالسًا"، فـ"جالسًا" حال من ضمير الظرف المستتر فيه وهو فاعل معنى لا من المبتدأ على الأصح، و:{هَذَا بَعْلِي شَيْخًا} [هود: 72] فـ"شيخا" حال من "بعلي"، وهو مفعول معنى تقديره: أنبه على بعلي أو أشير إلى بعلي، قاله في المتوسط1.
1 المتوسط ص153.
"وخرج بذكر الوصف نحو: "القهقرى" في "رجعت القهقرى""، فإنه وإن كان مبينًا لهيئة الفاعل إلا أنه مصدر لا وصف، والمراد بالوصف ما كان صريحًا أو مؤولا به لتدخل الجملة وشبهها من الظرف والجار والمجرور إذا وقعت حالًا فإنها في تأويل الوصف.
"و" خرج "بذكر الفضلة الخبر في نحو: "زيد ضاحك" فإن "ضاحك" وإن كان مبينا للهيئة فهو عمدة لا فضلة، والمراد بالفضلة هنا ما يأتي بعد تمام الجملة، لا ما يستغني الكلام عنه، ليدخل نحو: "كسالى" من قوله تعالى: {قَامُوا كُسَالَى} [النساء: 142] ، فإن "كسالى" حال، ولا يستغني الكلام عنه.
"و" خرج "بالباقي" وهو قوله: مذكورة لبيان الهيئة "التمييز في نحو: "لله دره فارسًا" والنعت في نحو: "جاءني رجل راكب"، فإن""فارسًا" و"راكب" وإن حصل بهما بيان الهيئة فليسا مذكورين لذلك؛ لأن "ذكر التمييز لبيان جنس المتعجب منه" وهو الفروسية "وذكر النعت لتخصيص المنعوت" وهو رجل؛ بالنعت "وإنما وقع بيان الهيئة بهما ضمنا لا قصدًا"، ورب شيء يقصد لمعنى خاص وإن لزم منه معنى آخر، "وقال الناظم" في النظم:
332-
"الحال وصف فضلة منتصب
…
مفهم في حال كذا".........
بزيادة: "كذا" لبيان المراد. "فالوصف جنس يشمل الخبر والنعت والحال، وفضلة" فصل أول "مخرج للخبر" في نحو: "زيد ضاحك"، فإنه عمدة. "ومنتصب" فصل ثان "مخرج لنعتي المرفوع والمجرور، كـ: "جاء رجل راكب" و"مررت برجل راكب"" فإنهما وإن قيدا المنعوت فليسا بمنصوبين. "ومفهم في حال كذا" فصل ثالث "مخرج لنعت المنصوب كـ: "رأيت رجلًا راكبًا" فإنه" أي: النعت "إنما سيق" بكسر السين وسكون الياء المثناة تحت "لتقييد المنعوت" به "فهو لا يفهم في حال كذا بطريق القصد، وإنما أفهمه بطريق اللزوم"؛ لأن المقصود بالذات
التقييد بالنعت، وإن لزم منه بيان الهيئة بالعرض.
"وفي هذا الحد" الذي ذكره الناظم "نظر؛ لأن" المقصود من الحد تصور ماهية المحدود، وهي لا تتصور إلا بجميع أجزاء الحد، وقد جعل "النصب" جزءًا من الحد مع أنه "حكم" من أحكام المحدود. "والحكم فرع التصور" إذ لا يحكم على شيء إلا بعد تصوره. "والتصور" لماهية المحدود "موقوف على" جميع أجزاء "الحد".
ومن جملتها النصب وهو حكم، "فجاء الدور" وهو توقف الشيء على ما يوقف عليه، إما بمرتبة كتوقف "أ" على "ب" و"ب" على "أ"، أو بمراتب كتوقف "أ" على "ب" و"ب" على "ج" و"ج" على "أ" والدور مبطل للحد، وأجيب باختلاف الجهة، فإن الحكم ليس موقوفًا على التصور بكنه الحقيقة المتوقفة على الحد حى يلزم البطلان. وإنما هو متوقف على التصور بوجه ما، وذلك لا يتوقف على الحد، فلا يلزم البطلان. وفيه نظر؛ لأن الغرض من الحد معرفة المحدود بكنه حقيقته ليحكم عليه، والتصور: وجه ما لا يكفي في ذلك.
"فصل":
"للحال" من حيث هي "أربعة أوصاف:
أحدها: أن تكون متنقلة"، وهو الأصل فيها؛ لأنها مأخوذة من التحول، وهو التنقل، قاله أبو البقاء لا ثابتة دائمًا، والمراد أنها تنقسم باعتبار انتقال معناها ولزومه إلى قسمين:
منتقلة: "وذلك" الانتقال "غالب" فيها "لا لازم كـ: جاء زيد ضاحكًا"، ألا ترى أن الضحك يزايل زيدًا ويفارقه.
وثابتة: وذلك قليل، فلذلك قال: "وتقع وصفًا ثابتًا في ثلاث مسائل:
إحداها: أن تكون مؤكدة" لمضمون جملة قبلها "نحو: زيد أبوك عطوفًا" أو لعاملها نحو: "{وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا} " [مريم: 33]، أو لصاحبها نحو:{وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا} [يونس: 99] فإن الأبوة من شأنها العطف، والبعث من لازمه الحياة، والعموم من مقتضياته الجمعية1.
المسألة "الثانية: أن يدل عاملها على تجدد" ذات "صاحبها" وحدوثه، أو تجدد صفة له، فالأول "نحو: خلق الله الزرافة" بفتح الزاي أفصح من ضمها "يديها أطول من رجليها فـ: يديها" بدل من "الزرافة" "بدل بعض" من كل، "وأطول: حال ملازمة" من "يديها"، و"من رجليها" متعلق بـ"أطول"؛ لأنه اسم تفضيل، وعامل الحال "خلق"، وهو يدل على تجدد المخلوق. قال أبو البقاء: وبعضهم يقول: "يداها أطول" بالرفع، فـ"يداها": مبتدأ، و"أطول" خبره، والجملة حالية، ا. هـ.
ولا تتعين الحالية لجواز الوصفية؛ لأن الزرافة معرفة2 بـ"أل" الجنسية.
والثاني نحو: {وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا} [الأنعام: 114] فـ"الكتاب" قديم، والإنزال حادث، وهو أحد ما فسر به الحدوث في قوله تعالى:
1 شرح ابن الناظم ص228.
2 في "أ": "معرف".
{مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ} [الأنبياء: 2] قاله الموضح في شرح اللمحة، فجعله مما له ضابط، وسيأتي له ما يخالفه.
المسألة "الثالثة": أن يكون مرجعها إلى السماع "نحو: {قَائِمًا بِالْقِسْطِ} " من قوله تعالى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ} [آل عمران: 18] إذا أعرب "قائمًا" حالًا من فاعل "شهد"، وهو الله تعالى. واعتذر الزمخشري عن إفراده بالحال دون المعطوفين عليه؛ وإن كان مثل "جاء زيد وعمرو راكبًا" لا يجوز؛ بأن هذا إنما جاء لعدم الإلباس. وسكت عن بيان جهة تأخيره عن المعطوفين1.
قال التفتازاني2: كأنها للدلالة على علو مرتبتهما. "ونحو: {أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا} "[الأنعام: 114]، أي: مبينا فيه الحق والباطل، بحيث نفى التخليط والإلباس، "ولا ضابط لذلك بل هو موقوف على السماع"، فلا يقاس عليه.
"ووهم ابن الناظم" في شرح النظم، "فمثل بـ"مفصلًا" في الآية" المذكورة "للحال التي تجدد صاحبها3". قال في المغني4: وهذا سهو منه، فإن القرآن قديم. ا. هـ. وقال الدماميني في شرحه5: والسهو إنما هو منه؛ أي: من لموضح؛ فإن الإنزال يقتضي الانتقال، والقديم لا يقبله ا. هـ. وقال الشمني: الجواب عن هذا أن "أنزل"؛ الذي هو عامل في الحال؛ يدل على تجد مفعوله الذي هو صاحب الحال، ولا يلزم من دلالته على تجددِه تجددُه، لقيام الدليل القاطع على قدمه، وعلى صرف هذه الدلالة عن ظاهرها، على أن الذي يمتنع تجدده هو الكلام القائم بذاته تعالى. لا العبارة الدالة عليه، والمتصف بالنزول هو الثاني لا الأول، ا. هـ.
والوصف "الثاني: أن تكون مشتقة" من المصدر "لا جامدة، وذلك أيضًا غالب لا لازم" كـ: "جاء زيد ضاحكًا" فإن "ضاحكًا" مشتق من الضحك، وإلى هذين الوصفين أشار الناظم بقوله:
333-
وكونه منتقلا مشتقا
…
يغلب.....................
"وتقع جامدة مؤولة بالمشتق في ثلاث مسائل:
1 الكتاب 1/ 179.
2 حاشية الصبان 2/ 170.
3 شرح ابن الناظم ص228.
4 مغني اللبيب ص605.
5 في "ب"، "ط":"شرحيه".
إحداها: أن تدل على تشبيه نحو: كر زيد أسدًا، و: بدت الجارية قمرًا وتثنت غصنا" فـ"أسدا": حال من "زيد"، و"قمرًا": حال من الجارية،"وغصنا": حال من فاعل "تثنت" المستتر فيه، وهي أحوال جامدة مؤولة بمشتق، فـ"أسدا": مؤول بشجاعة، و"قمرًا": مؤول بمضيئة، و"غصنا": مؤول بمعتدلة، "أي: شجاعًا ومضيئة ومعتدلة". والمعنى فيهن على التشبيه. "وقالوا" في المثل: "وقع المصطرعان عدلي عير1" فـ"عدلي" بالتثنية: حال جامدة من "المصطرعان"، و"عير" بفتح العين المهملة: الحمار وحشيا كان أم أهليا، مضاف إليه، "وعدلي": مؤول بمصطحبين على تقدير مضاف "أي: مصطحبين اصطحاب عدلي حمار حين سقوطهما"، وقيل هذه الأمثلة ونحوها على حذف مضاف، والتقدير: مثل أسد، ومثل قمر، ومثل غصن، ومثل عدلي عير، وإليه يرشد قوله في النظم:
335-
................
…
وكر زيد أسدًا أي كأسد
أي: مثل أسد، وصرح بذلك في التسهيل فقال2: أو تقدير مضاف قبله، وهو أصرح في الدلالة على التشبيه؛ لأنها إذا أولت بالمشتق خفي فيها الدلالة على التشبيه.
المسألة "الثانية" من الثلاث: "أن يدل على مفاعلة" من الجانبين "نحو:""البر "بعته" زيدًا "يدا بيد"، فـ"زيدًا": حال من الفاعل والمفعول، و"بيد": بيان. قال سيبويه3: كما كان لك في "سقيا لك" بيانًا أيضًا، فيتعلق بمحذوف استؤنف للتبيين. قال في المغني4: وفيه معنى المفاعلة، "أي: متقابضين". "و" "زيد "كلمته فاه إلى في"" بالتشديد، فـ"فاه": حال من الفاعل والمفعول، و"إلى في": بيان وفيه معنى المفاعلة. "أي: متشافهين" وما ذهب إليه الموضح من أن "فاه" منصوب على الحال لكونه، واقعًا موقع مشافها ومؤديا معناه هو مذهب سيبويه5، وجرى عليه في التسهيل6.
1 المثل من شواهد أوضح المسالك 2/ 298، وشرح ابن الناظم ص229، وهو برواية:"وقعا كعكمي عير" في مجمع الأمثال 2/ 364، وفصل المقال ص198، وجمهرة الأمثال 2/ 328، 336.
2 التسهيل ص108.
3 الكتاب 1/ 394.
4 مغني اللبيب ص604.
5 الكتاب 1/ 391.
6 التسهيل ص108.
وزعم الفارسي أن "فاه" حال نائبة مناب جاعل، ثم حذف وصار العامل كلمته.
وذهب السيرافي إلى أنه اسم موضوع موضع المصدر الموضوع موضع الحال، والأصل: كلمته متشافهة، فوضع "فاه" موضع مشافهة، ومشافهة موضع مشافها.
وذهب الأخفش إلى أن الأصل: من فيه إلى في، فحذف حرف الجر، وانتصب "فاه" ورده المبرد بأنه تقدير لا يعقل؛ لأن الإنسان لا يتكلم من في غيره، وأجاب أبو علي بأنه إنما يقال ذلك في معنى كلمني وكلمته فهو من المفاعلة.
وذهب الكوفيون إلى أن أصله: جاعلًا فاه إلى في، فهو مفعول به، ورده السيرافي بامتناع كلمته وجهه إلى وجهي، وعينه إلى عيني، وهذا المثال لا يقاس عليه؛ لأن فيه إيقاع جامد موقع مشتق، ومعرفة موقع نكرة، ومركب موقع مفرد، والوارد منه قليل1.
المسألة "الثالثة" من الثلاث:"أن تدل على ترتيب كـ"ادخلوا رجلًا رجلًا" ورجلين رجلين2 ورجالًا رجالًا". وضابطه أن يأتي التفصيل بعد ذكر المجموع بجزئه مكررًا. قاله الرضي3.
وفي النصب الجزء الثاني خلاف، ذهب الزجاج4 إلى أنه توكيد، وهذ ابن جني إلى أنه صفة للأول، وذهب الفارسي إلى أنه منصوب بالأول؛ لأنه لما وقع موقع الحال جاز أن يعمل.
قال المرادي: والمختار أنه وما قبله منصوبان بالعامل الأول؛ لأن مجموعهما هو الحال، ونظيره في الخبر "هذا حلو حامض" ولو ذهب إلى أن نصبه بالعطف على تقدير حذف الفاء والمعنى: رجلًا فرجلًا لكان مذهبا حسنا، ونص أبو الحسن على أنه لا يجوز أن يدخل حرف عطف في شيء من المكررات إلا الفاء خاصة. ا. هـ.
قال الرضي: أو "ثم" نحو: "مضوا كبكبة ثم كبكبة""أي: مترتبين5".
"وتقع" لحال "جامدة غير مؤولة بالمشتق في سبع مسائل، وهي أن تكون موصوفة" بمشتق أو شبهه.
1 انظر الآراء السابقة والردود عليها في الارتشاف 2/ 325، وشرح التسهيل 2/ 324.
2 سقطت من "ط".
3 شرح الرضي 2/ 34.
4 انظر همع الهوامع 1/ 238، وفي "أ":"الزجاجي".
5 شرح الرضي 2/ 34، أي: مترتبين هذا الترتيب المعين.
فالأول "نحو: {قُرْآَنًا عَرَبِيًّا} "[الزمر: 28]، فـ"قرآنا" حال من القرآن في قوله تعالى:{وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ} [الزمر: 28] والاعتماد فيها على الصفة، وهي "عربيا" " {فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا} " [مريم: 17] فـ"بشرًا" حال من فاعل تمثل، وهو الملك، والاعتماد فيه على الصفة، وهي "سويا".
والثاني نحو: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ، أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا} [الدخان: 4، 5] قاله1 أبو حيان2. "وتسمى3" الحال الجامدة الموصوفة "حالًا موطئة" بكسر الطاء؛ لأنها ذكرت توطئة للنعت بالمشتق أو شبهه هذا مقتضى كلامه، وبه صرح في المغني، فقال4: فإنما ذكر "بشرًا" توطئة لذكر سويا". ا. هـ.
وقال ابن بابشاذ5 في: {وَهَذَا كِتَابٌ مُصَدِّقٌ لِسَانًا عَرَبِيًّا} [الأحقاف: 12]"لسان": حال؛ لأنه لما نعت اللسان بعربي؛ والصفة والموصوف كالشيء الواحد؛ صارت الحال شبيهة بالمشتق، وصار "عربيا" هو الموطئة لكون اللسان حالًا، وليس حقيقة اللسان أن يكون [حالًا لكونه] 6 جامدًا لولا ما ذكر من الصفة. ا. هـ. فمقتضاه أن الموطئة هي الصفة الحال لا الحال الموصوفة، والموطئة لغة: المهيئة.
"أو دالة على سعر" بكسر السين المهملة "نحو:""هذا البر "بعته مدا بكذار"" فـ"مدا": حال من الهاء فـ"بكذا": بيان لـ"مدا".
"أو" دالة على "عدد نحو: {فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً} "[الأعراف: 142] فـ"أربعين": حال من "ميقات"، و"ليلة": تمييز.
"أو" دالة على "طور" بفتح الطاء المهملة وسكون الواو؛ أي: حال، قاله ابن الأنباري؛ "واقع فيه تفضيل" بالضاد المعجمة "نحو: هذا بسرًا" بضم الموحدة وسكون المهملة "أطيب منه رطبًا" بضم الراء وفتح الطاء؛ فـ"بسرًا" حال من فاعل "أطيب"، المستتر فيه، و"رطبًا": حال من الضمير المجرور بـ"من"، والمعنى: هذا في حال كونه بسرًا أطيب من نفسه في حال كونه رطبًا، وسيأتي بأوسع من هذا.
1 في "ط": "قال".
2 الارتشاف2/ 334.
3 في "أ": "سمي".
4 مغني اللبيب ص605.
5 شرح المقدمة المحسبة 2/ 311.
6 إضافة ضرورية من المصدر السابق.
"أو تكون نوعًا لصاحبها نحو: هذا مالك ذهبًا"، فـ"ذهبًا": حال من "مالك"، وهو نوع منه، فإن الذهب نوع من المال.
"أو فرعًا" له أي: لصاحبها "نحو: هذا حديدك خاتمًا"، فـ"خاتمًا": حال من حديدك، وهو فرع له، فإن الخاتم فرع الحديد، "و:{وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا} " [الأعراف: 74] فـ"بيوتًا": حال من "الجبال"، والبيوت فرع للجبال، وفي غالب النسخ: من الجبال بيوتًا، وهو سهو فإن "بيوتًا" على هذا مفعول به لا حال.
"أو أصلًا له" أي: لصاحبها "نحو: هذا خاتمك حديدًا"، فـ"حديدًا" حال من "خاتمك"، وهو أصل له، فإن الحديد أصل للخاتم، "و:{أأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا} " [الإسراء: 61] فـ"طينًا": حال، إما من الضمير المحذوف العائد على الموصول بناء على جواز حذف صاحب الحال، أو من الموصول1 المجرور باللام، وعلى التقديرين فالطين أصل للمخلوق، وهذا أحسن من جعل "طينًا" منصوبا بنزع الخافض، فإنه موقوف على السماع في غير "أن" و"إن" و"كي".
وهذه المسائل العشر2؛ غير مسألة العدد؛ مأخوذة من التسهيل، ونصه3: ويغني عن اشتقاقه وصفه، أو تقدير مضاف قبله، أو دلالته على مفاعلة، أو سعر، أو ترتيب، أو أصالة، أو تفريع، أو تنويع، أو طور واقع فيه تفضيل.
"تنبيه: أكثر هذه الأنواع" العشرة "وقوعًا مسألة السعر، والمسائل الثلاث الأول" جمع أولى، وهي ما دل على تشبيه أو مفاعلة أو ترتيب، "وإلى ذلك يشير قوله" في النظم:
334-
"ويكثر الجمود في سعر وفي
…
مبدي تأول بلا تكلف"
"ويفهم منه أنها تقع جامدة بقلة في مواضع أخر، وأنها لا تؤول بالمشتق4، كما لا تؤول الواقعة في التسعير. وقد بينتها كلها" بقولي أولًا: وتقع جامدة مؤولة بالمشتق في ثلاث مسائل، وبقولي ثانيًا: وتقع جامدة غير مؤولة بالمشتق في سبع مسائل إلى قولي5 في التنبيه: وإلى ذلك يشير.
1 في "ط": "الوصوف".
2 في "أ"، "ب":"العشرة".
3 التسهيل ص108.
4 في "ط": "بالمستثنى".
5 في "ب": "قوله".
"وزعم" بدر الدين "ابنه" أي: ابن الناظم في شرح النظم1 "أن" المسائل العشر "الجميع تؤول بالمشتق، وهذا تكلف" منه، "وإنما قلنا" نحن "به" أي: بالتأويل "في" المسائل "الثلاث الأول" وهي ما دل على تشبيه أو مفاعلة أو ترتيب "لأن اللفظ فيها مراد به غير معناه الحقيقي، فالتأويل فيها واجب"، وقد تقدم كيفيته وأما2 كيفية تأويل السبع الباقية على القول به فإن الأولى على معنى سويا في صفة البشر، والثانية على معنى مسعرًا، والثالثة على معنى معدودًا، والرابعة على معنى مطورًا، والخامسة على معنى منوعًا، والسادسة على معنى مفرعًا3 والسابعة على معنى متأصلًا4 أو مصنوعًا.
الوصف "الثالث" من أوصاف الحال: "أن تكون نكرة لا معرفة، وذلك لازم"؛ لأن الغالب كونها مشتقة، وصاحبها معرفة، فالتزم تنكيرها لئلا يتوهم كونها نعتًا إذا كان صاحبها منصوبًا وحمل غيره عليه، "فإن وردت بلفظ المعرفة أولت بنكرة" محافظة على ما استقر لها من لزوم التنكير. وعدل عن قول التسهيل5:"وقد يجيء معرفًا" إلى قوله: "بلفظ المعرفة"؛ لأنه ليس بمعرفة عند الجمهور، وإنما هو على صورة المعرفة، وإلى ذلك يشير قول الناظم:
336-
والحال إن عرف لفظًا فاعتقد
…
تنكيره معنى........................
وذلك أن العرب "قالوا: جاء وحده": فـ"وحده" حال من فاعل "جاء" المستتر فيه، وهو معرفة بالإضافة إلى الضمير، فيؤول بنكرة من لفظه أو من معناه "أي" متوحدًا أو "منفردًا6. و" قالوا:"رجع عوده على بدئه7" فـ"عوده" بفتح العين: حال من فاعل "رجع" المستتر وهو معرفة بالإضافة إلى الضمير، فيؤول بنكرة من لفظه أو من معناه "أي: عائدًا" أو راجعا، و"على بدئه": بيان، والمعنى: رجع آخره على أوله، قاله الجرمي، وقال أبو البقاء، معناه: رجع عائدًا في الحال. وقال الشاطبي: معناه راجعًا على
1 شرح ابن الناظم ص229، 230.
2 سقطت من "أ".
3 في "ب"، "ط":"مصوغا".
4 في "ب": "مفاضلا".
5 التسهيل ص108.
6 شرح ابن الناظم ص231، وشرح التسهيل 2/ 326.
7 مجمع الأمثال 1/ 162.
طريقه. "و" قالوا "ادخلوا الأول فالأول" فـ"الأول" المبتدأ به: حالًا من الواو في "ادخلوا"، و"الأول" الثاني: معطوف بالفاء، وهما بلفظ المعرف بـ"أل" فيؤولان بنكرة، "أي: مترتبين" واحدًا فواحدًا. "و" قالوا "جاءوا1 الجماء الغفير2" فـ"الجماء": حال من الواو في "جاءوا"، وهي بلفظ المعرف بـ"أل" فتؤول بنكرة "أي: جميعًا"، و"الغفير" بفتح الغين المعجمة وكسر الفاء: من الغفر بمعنى الستر والتغطية، فعيل بمعنى فاعل نعت الجماء، "والجماء" بالجيم والمد: تأنيث الجم، وهو الكثير، ومنه قوله تعالى: {وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا} [الفجر: 20] وكان القياس أن يقولوا: الجم الغفير أو الجماء الغفيرة، ولكنهم أنثوا الموصوف على معنى الجماعة، وذكروا الوصف حملًا للفعيل3 بمعنى الفاعل على الفعيل بمعنى المفعول، أي: الجماعة الكثيرة الساترة لوجه الأرض لكثرتها. "و" قالوا في الإبل: "أرسلها العراك" فـ"العراك" بكسر العين المهملة: حال من الهاء في "أرسلها"، هي بلفظ العرف بـ"أل" فيؤول بنكرة، "أي: معتركة"، قال لبيد:[من الوافر]
432-
فأرسلها العراك ولم يذدها
…
ولم يشفق على نغص الدخال
"والنغص" بفتح النون والغين المعجمة وبالصاد المهملة: مصدر، نغص الرجل إذا لم يتم مراده، "والدخال" بكسر الدال المهملة والخاء المعجمة: من المداخلة، و"العراك: مصدر عارك معاركة وعراكًا، أي: ازدحم، وصف إبلًا أوردها الماء مزدحمة. وخرجها والتي قبلها في شرح الشذور4 على زيادة "أل"، وما هنا أولى، ليكون التأويل في الجميع على نسق واحد الوصف.
"الرابع" من أوصاف الحال: "أن تكون نفس صاحبها في المعنى"؛ لأنها وصف له وخبر عنه، والوصف نفس الموصوف، والخبر نفس المخبر عنه، "فلذلك"
1 في "ب"، "ط":"جاء".
2 شرح ابن الناظم ص230، وشرح التسهيل 2/ 326.
3 في "ط": "الفعل".
432-
البيت للبيد في ديوانه ص86، وأساس البلاغة "نغص" وخزانة الأدب 3/ 192، وشرح أبيات سيبويه 1/ 20، وشرح المفصل 2/ 62، وشرح ابن عقيل 1/ 360، والكتاب 1/ 372، ولسان العرب 7/ 99، "نغص" 10/ 465، "عرك" 11/ 243، "دخل" والمقاصد النحوية 3/ 219، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 6/ 85، والإنصاف 2/ 822، وشرح ابن الناظم ص230، والمقتضب 3/ 237، وأوضح المسالك 2/ 304.
4 شرح شذور الذهب ص250.
الاتحاد "جاز: جاء زيد ضاحكًا"؛ لأن الضاحك هو "زيد" في المعنى، "وامتنع" أن يقال:"جاء زيد ضحكا"؛ لأن الضحك مصدر وزيد ذات، والمصدر يباين1 الذات، "وقد جاءت مصادر أحوالًا بقلة في المعارف كـ: جاء وحده، و: أرسلها العراك".
وفيها شذوذان: المصدرية والتعريف بالإضافة في الأول والأداة2 في الثاني.
وزعم سيبويه3 أن الذي جوز تعريفها أنها شبهت بالمصادر المنتصبة بأفعالها كـ: "الحمد لله"، و"العجب لزيد"، حيث كانت مصادر مثلها، وكانت غير الأول، وغير ما هي له صفات. ا. هـ.
وقال ابن الشجري4: الأصل: تعترك العراك، ثم أقيم المصدر مقام فعله المنتصب على الحال، وكذا التقدير في "جاء وحده" فهذه واقعة موقع الأحوال لا أحوال. ا. هـ.
وحكى الأصمعي5: "وحد يحد" كـ: "وعد يعد" فعلى هذا يقال: "وحد وحدة" مصدران لفعل مستعمل وهو "وحد" كما يقال: "وعدة وعدة" مصدران لـ"وعد".
وأجاز يونس والبغداديون أن يأتي الحال معرفة، وقاسوا على ذلك نحو:"ادخلوا الأول فالأول"6.
وأجاز الكوفيون مجيئها على صورة المعرفة إذا كان فيها معنى الشرط نحو: "عبد الله المحسن أفضل منه المسيء"، فـ: المحسن" و"المسيء" حالان، وصح مجيئهما بلفظ المعرفة لتأويلهما بالشرط، والتقدير: عبد الله إذا أحسن أحسن منه إذا أساء، فإن لم يتقدر بالشرط لم يصح تعريفها لفظًا، فلا يقال عندهم: "جاء عبد الله المحسن"، إذ لا يصح: جاء عبد الله إن أحسن6.
"و" جاءت مصادر أحوالًا "بكثرة في النكرات"، وفيها شذوذ واحد وهو المصدرية، وكان الأصل ألا تقع أحوالًا؛ لأنها غير صاحبها في المعنى، لكنهم لما كانوا
1 في "أ": "بيان".
2 في "ب": "الأدوات".
3 الكتاب 1/ 372.
4 أمالي ابن الشجري 2/ 284.
5 الارتشاف 340.
6 الارتشاف 2/ 377، وشرح ابن عقيل 1/ 388، وهمع الهوامع 1/ 239.
يخبرون بالمصادر عن الذوات كثيرًا واتساعًا نحو: "زيد عدل" فعلوا مثل ذلك في الحال1؛ لأنها خبر من الأخبار، وإلى ذلك الإشارة بقول الناظم:
337-
ومصدر منكر حالًا يقع
…
بكثرة........................
"كـ: "طلع" زيد "بغته"": حال من فاعل "طلع"، "وجاء ركضًا"، فـ"ركضًا" حال من فاعل "جاء"، و"قتلته صبرًا" وهو [أن يحبس حيا ثم يرمى حتى يقتل] 2؛ فـ"صبرًا": حال من مفعول "قتلته""وذلك" كله مع كثرته "على التأويل بالوصف"، فيؤول "بغتة" بوصف من "باغت"3، "أي: مباغتًا"، وقدره ابن عقيل4 "باغتًا" من بغت، يقال: بغته، أي: فجأه، والبغت: الفجأة، قال الشاعر5:[من الطويل]
ولكنهم كانوا ولم أدر بغتة
…
وأعظم شيء حين يفجؤك البغت
"و" يؤول "ركضًا" بوصف الفاعل من ركض، أي:"راكضًا"، والركض في الأصل: تحريك الرجل، ومنه {ارْكُضْ بِرِجْلِكَ} [ص: 42] ، ثم كثر حتى قيل:"ركض الفرس" إذا عدا، وليس بالأصل. "و" يؤول "صبرًا" بوصف المفعول من صبر، أي:"مصبورًا، أي: محبوسًا". ووقوع المصدر النكرة حالًا كثير. "ومع كثرة ذلك فقال" سيبويه و"الجمهور6: لا ينقاس مطلقًا" سواء أكان نوعًا من العالم أم لا، كما لا ينقاس المصدر الواقع نعتًا أو خبرًا بجامع الصفة المعنوية. "وقاسه المبرد فيما كان نوعا من العامل" فيه؛ لأنه حينئذ يدل على الهيئة، بنفسه "فأجاز" قياسًا "جاء زيد سرعة"؛ لأن السرعة نوع من المجيء، "ومنع جاء ضحكًا"؛ لأن الضحك ليس نوعًا من المجيء، قال الموضح في الحواشي: وإنما قاسه المبرد، ولم يقسه سيبويه؛ لأن سيبويه يرى أنه حال على التأويل، ووضع المصدر موضع الوصف لا ينقاس، كما أن عكسه لا ينقاس، والمبرد يرى
1 سقط من "ط".
2 ما بين المعقوفين سقط من "ب".
3 بعده في "ط": "لأنها بمعنى مفاجأة".
4 شرح ابن عقيل 1/ 328.
5 البيت ليزيد بن ضبة الثقفي في لسان العرب 2/ 11 "بغت" والتنبيه والإيضاح 1/ 157، وتاج العروس 4/ 445، "بغت" وبلا نسبة في تهذيب اللغة 8/ 82، وجمهرة اللغة ص255، 1043 ومجمل اللغة 1/ 279، ومقاييس اللغة 1/ 272.
6 الكتاب 1/ 370، وشرح التسهيل 2/ 328.
أنه مفعول مطلق حذف عامله لدليل، فهو عنده مقيس كما يحذف عامل سائر المفاعيل لدليل، فهذا الخلاف مبني على الخلاف في أنه حال مفعول مطلق. ا. هـ. ومن خطه نقلت.
وظاهر كلامه هنا أنه عند المبرد حال، وهو لا يقول بذلك "وقاسه الناظم" في التسهيل1، "وابنه" في شرح النظم2 "بعد "أما"" بفتح الهمزة وتشديد الميم "نحو: أما علما فعالم"، والأصل في هذا: أن رجلا وصف عنده شخص بعلم وغيره فقال للواصف: "أما علما فعالم"، "أي: مهما يذكر شخص في حال علم، فالمذكور عالم"، كأنه منكر ما وصف به من غير العلم، فصاحب الحال على هذا التقدير نائب الفاعل، "ويذكر" ناصب الحال، لما تقرر أن العام في صاحب الحال هو العامل في الحال، ويجوز أن يكون ناصب الحال ما بعد الفاء إذا كان صالحًا للعمل فيما قبلها وصاحبها ما فيه من ضمير، والحال على هذا مؤكدة، والتقدير: مهما يكن من شيء فالمذكور عالم في حال علم، فلو كان ما بعد الفاء لا يعمل فيما قبلها تعين أن يكون منصوبًا بفعل الشرط المقدر بعد "أما" نحو: "أما علمًا فلا علم له"، و"أما علمًا فإن له علمًا"، و"أما علمًا فهو ذو علم"؛ لأن المصدر لا يعمل في متقدم، فلو كان المصدر التالي "أما" معرفًا بـ"أل" فهو عند سيبويه مفعول له3، وذهب الأخفش إلى أن المعرف بـ"أل" والمنكر كليهما بعد "أما" مفعول مطلق4. وذهب الكوفيون إلى أنهما مفعول به بفعل مقدر، والتقدير: مهما تذكر علمًا فالذي وصفت عالم5. قال ابن مالك في شرح التسهيل6: وهذا القول عندي أولى بالصواب، وأحق ما اعتمد عليه في الجواب.
"و" قاساه7 أيضًا "بعد خبر شبه به مبتدؤه كـ: زيد زهير شعرًا" فـ"زهير" بالتصغير: خبر شبه به مبتدؤه، وهو "زيد" والتقدير: زيد مثل زهير في الشعر، وإنما حذف "مثل" ليزول لفظ التشبيه، فيكون الكلام أبلغ، "وشعرًا": حال في تقدير
1 التسهيل ص109.
2 شرح ابن الناظم ص232.
3 الكتاب 1/ 385، وشرح ابن الناظم ص232.
4 شرح ابن الناظم ص232، والارتشاف 2/ 329.
5 الارتشاف 2/ 344.
6 شرح التسهيل 2/ 330.
7 أي: ابن مالك في شرح التسهيل 2/ 328، 329، وابن الناظم في شرحه ص232.
الصفة، أي: شاعرًا، والعامل فيها ما في "زهير" من معنى الفعل، إذ معناه: مجيد، وصاحب الحال ضمير مستتر في "زهير"، لما تقرر من أن الجامد المؤول بالمشتق يتحمل الضمير، ويجوز أن يكون "شعرًا" تمييزًا لما انبهم في "مثل" المحذوفة، وهي العاملة فيه، قاله الخصاف في الإيضاح، واستظهره أبو حيان في الارتشاف1، والموضح في المغني2.
"أو قرن هو" أي: الخبر "بـ"أل" الدالة على الكمال نحو: أنت الرجل علمًا"، فـ"علمًا": حال، والعامل فيها ما في "الرجل" من معنى الفعل، إذ معناه الكامل، وفي الخاطريات لابن جني:"أنت الرجل فهمًا وأدبًا"، ويحتمل وجهين:
أحدهما: أن يكون في قولك: "أنت الرجل" معنى الفعل، أي: أنت الكامل فهمًا وأدبًا.
والثاني: أن يكون على معنى: تفهم فهمًا، وتأدب أدبًا. ا. هـ. قال في الارتشاف3: يحتمل عندي أن يكون تمييزًا، كأنه قال: أنت الكامل أدبًا، أي: أدبه، فهو محول عن الفاعل. ا. هـ. فيتحصل فيه ثلاثة آراء، حال، مفعول مطلق، تمييز.
ويتحصل من الخلاف في المصدر المنصوب أقوال: مذهب سيبويه أن المصدر هو الحال4. ومذهب المبرد والأخفش أنه مفعول مطلق غير منصوب بالفعل قبله5، وإنما عامله محذوف من لفظه، وذلك المحذوف هو الحال، ومذهب الكوفيين أنه مفعول مطلق6، وعامله الفعل المذكور، وليس في موضع الحال، وذهب جماعة إلى أنه مصدر على حذف مضاف، وتقديره "جاء ركضًا": جاء ذا ركضٍ، وكذا باقيها.
وعلى القول بالحالية فمذهب سيبويه عدم القياس، وذهب المبرد إلى قياسه فيما كان نوعًا من عامله، وقاسه الناظم وابنه7 في ثلاث مسائل بعد "أما"، وبعد خبر شبه به مبتدؤه، وفيما إذا كان الخبر مقرونًا بـ"أل" الدالة على الكمال.
1 الارتشاف 2/ 344.
2 مغني اللبيب ص574.
3 الارتشاف 2/ 343.
4 الكتاب 1/ 370.
5 شرح التسهيل 2/ 328، والارتشاف 2/ 342، وشرح ابن الناظم 232.
6 الارتشاف 2/ 342، وهمع الهوامع 1/ 238.
7 شرح ابن الناظم ص232.
"فصل":
"وأصل صاحب الحال التعريف"؛ لأنه محكوم عليه بالحال، وحق المحكوم عليه أن يكون معرفة؛ لأن الحكم على مجهول لا يفيد غالبًا، "ويقع" صاحب الحال "نكرة بمسوغ" يقربه من المعرفة، "كأن يتقدم عليه الحال نحو:"في الدار جالسًا رجل"، وقوله" وهو كثير عزة:[من م. الوافر]
433-
"لمية موحشًا طلل"
…
.........................
وتمامه عند الأعلم:
.............
…
يلوح كأنه خلل
وروي1: [من الوافر]
لمية موحشًا طلل قديم
…
عفاه كل أسحم مستديم
فـ"جالسًا" في المثال: حال من "رجل"، و"موحشًا" في البيت: حال من "طلل" وسوغ مجيء الحال من النكرة تقدم الحال على صاحبها.
وفي المغني2 أن تقديم النكرة عليها ليس لأجل تسويغ مجيء الحال منها، بل لئلا يلتبس الحال بالصفة حال كون صاحبها منصوبًا، وفي الرضي3 ما يوافقه، وعلى هذا
433- البيت لكثير عزة في ديوانه ص506، وخزانة الأدب 3/ 211، وشرح التسهيل 2/ 355، وشرح شواهد المغني 1/ 249، والكتاب 2/ 123، ولسان العرب 6/ 386، "وحش"، والمقاصد النحوية 3/ 163، وبلا نسبة في أسرار العربية ص147، وأوضح المسالك 2/ 310، وخزانة الأدب 6/ 43، والخصائص 2/ 492، وشرح الأشموني 1/ 247، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص1664، 1825، وشرح شذور الذهب ص24، 253، وشرح قطر الندى ص236، ولسان العرب 11/ 220 "خلل"، ومغني اللبيب 1/ 85، 2/ 436، 659.
1 البيت لكثير عزة في ملحق ديوانه ص536، وشرح المفصل 2/ 62، 564، وله أو لذي الرمة في خزانة الأدب 3/ 209، وبلا نسبة في أمالي ابن الحاجب 1/ 300.
2 مغني اللبيب ص477.
3 شرح الرضي 2/ 23.
فالمسوغ في المثال تقديم الخبر، وفي البيت هو أو الوصف، وما ذكر من أنه حال من النكرة هو ظاهر كلام سيبويه1، وقيل2: من الضمير المستكن في الظرف، وهذان القولان مبنيان على جواز الاختلاف بين عاملي الحال وصاحبها، والصحيح المنع؛ لأنه يجب أن يكون عاملهما واحدًا، وصحح ابن مالك في شرح التسهيل3 قول سيبويه، وعلله بأن الحال خبر، فجعلها لأظهر الاسمين أولى من جعلها لأغمضهما، قلنا: نعم لو تساويا، ولكن التعريف أولى بالترجيح به، وزعم ابن خروف4 أن الخبر إذا كان ظرفًا أو مجرورًا لا ضمير فيه عند سيبويه والفراء إلا إذا تأخر، ولا ضمير فيه إذا تقدم، ولهذا لا يؤكد، ولا يعطف عليه ولا يبدل منه، وتعقب منع العطف بقول ابن جني5 في:[من الوافر]
434-
................
…
عليك ورحمة الله السلام
إن العطف على الضمير في الظرف، "والطلل" بفتح الطاء المهملة واللام الأولى: ما شخص من آثار الديار، و"الموحش": هو القفر الذي لا أنيس فيه، و"خلل" بكسر الخاء المعجمة: جمع خلة؛ بكسر الخاء؛ وهي بطانة يغشى بها أجفان السيوف منقوشة بالذهب.
"أو يكون" صاحبها "مخصوصا إما بوصف كقراءة بعضهم"، وهو إبراهيم بن أبي عبلة:""وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقًا""6 [البقرة: 89] فـ"مصدقًا" حال من "كتاب" لتخصيصه بالوصف بالجار والمجرور بعده، وهذا لا دليل فيه لجواز كون "مصدقًا" حال من الضمير في الجار والمجرور الذي انتقل إليه بعد حذف الاستقرار على ما صححه في باب المبتدأ، "وقول الشاعر":[من البسيط]
435-
"نجيت يا رب نوحًا واستجبت له
…
في فلك ماخر في اليم مشحونًا"
1 الكتاب 2/ 122-124.
2 شرح التسهيل 2/ 333، والارتشاف 2/ 347.
3 شرح التسهيل 2/ 332.
4 الارتشاف 2/ 347، وشرح التسهيل 2/ 332.
5 الخصائص 2/ 386.
434-
صدر البيت:
"ألا يا نخلة من ذات عرق"
وهو للأحوص، وتقدم برقم 412.
6 في الرسم المصحقي: {مُصَدِّقٌ} بالرفع، وانظر قراءة ابن أبي عبلة في البحر المحيط 1/ 303 ومختصر ابن خالويه ص8.
435-
البيت بلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 312، وشرح ابن الناظم ص233، وشرح الأشموني 1/ 247، وشرح ابن عقيل 1/ 636، وشرح التسهيل 2/ 331، والمقاصد النحوية 3/ 149.
فـ"مشحونا": حال من "فلك" بوصفه بـ"ماخر"، ويحتمل أن يكون حالًا من الضمير المستتر في "ماخر"، وهو؛ بالخاء المعجمة؛ الذي يشق الماء شقا، و"الميم" بفتح الياء المثناة تحت وتشديد الميم: البحر، و"المشحون" بالشين المعجمة والحاء المهملة: المملوء.
"وليس منه" أي: من المختص بالوصف قوله تعالى: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ، أَمْرًا} [الدخان: 4، 5]"خلافًا للناظم" في شرح التسهيل1، "وابنه" في شرح النظم2، فإنهما أعربا "أمرًا" المنصوب حالًا من "أمر" المجرور بالإضافة، لكونه مختصا بالوصف بـ"حكيم" مع قولهما: إنه لا تأتي لحال من المضاف إليه إلا بشرط أن يكون المضاف بعض المضاف إليه، أو كبعضه، أو عاملًا في الحال، وذلك مفقود هنا، وخالف الناظم ذلك في شرح الكافية3، فجعله من التخصيص بالإضافة.
وفي نصب "أمرًا" أوجه:
أحدها: أنه على الاختصاص.
الثاني: على المفعول له.
الثالث: على المصدر من معنى "يفرق".
الرابع: على الحال من "كل" أو من ضمير الفاعل في "أنزلنا"، أي: آمرين، أو من ضمير المفعول، وهو الهاء في {أَنْزَلْنَاهُ} [الدخان: 3] ، أو من الضمير المستتر في "حكيم".
الخامس: أنه مفعول "منذرين".
"أو" مخصوصًا "بإضافة نحو: {فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً" لِلسَّائِلِينَ} [فصلت: 10] فـ"سواء" حال من "أربعة"، لاختصاصها بالإضافة إلى "أيام".
"أو" مخصوصًا "بمعمول" غير مضاف إليه "نحو: عجبت من ضرب أخوك شديدًا"، فـ"شديدًا" حال من "ضرب" لاختصاصه بالعمل في الفاعل، وهو "أخوك".
أو مخصوصًا بعطف نحو: "هؤلاء ناس وعبد الله منطلقين"، قاله الناظم في شرح العمدة4.
1 شرح التسهيل 2/ 331.
2 شرح ابن الناظم ص233.
3 شرح الكافية الشافية 2/ 737.
4 شرح العمدة 1/ 307.
"أو مسبوقًا بنفي نحو: {وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَهَا كِتَابٌ مَعْلُومٌ} "[الحجر: 4] فجملة: "ولها كتاب معلوم" حال من "قرية"، لكونها مسبوقة بالنفي، وزعم الزمخشري أنها صفة لقرية، وإنما توسطت الواو بينهما لتأكيد لصوق الصفة بالموصوف، وتابعه صاحب البديع وابن هشام الخضراوي، ورده ابن مالك من خمسة أوجه يطول ذكرها1. فإن قلت: فقد ذكر المرادي أن من المسوغات كون الحال جملة مقترنة بواو الحال2 قلت: إنما يحتاج إلى ذلك في الإيجاب نحو: {أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا} [البقرة: 259] أما في النفي فلا؛ [لأن الواو رفعت توهم كون الجملة نعتًا، قلت: لا يمتنع أن يكون للشيء مسوغات]3.
"أو بنهي نحو" قول الناظم:
339-
................. "لا
…
يبغ امرؤ على امرئ مستسهلًا".
فـ"مستسهلًا" حال من "امرئ" الأول لكونه مسبوقًا بالنهي، والبغي: التعدي، والاستسهال: الاستخفاف، والمعنى: لا يتعد امرؤ4 على امرئ مستخفا به، "وقوله" وهو قطري بن الفجاءة الخارجي كما قال ابن مالك في شرح العمدة5، لا الطرماح خلافًا لابن الناظم6:[من الكامل]
436-
"لا يركنن أحد إلى الإحجام
…
يوم الوغى متخوفا لحمام"
فـ"متخوفًا" حال من "أحد"، لكونه مسبوقًا بالنهي، و"الإحجام" بكسر الهمزة وسكون الحاء المهملة وبالجيم: النكوص والتأخر، و"الوغى" بالمعجمة: الحرب، و"الحمام" بكسر الحاء المهملة وتخفيف الميم: الموت.
1 شرح التسهيل 2/ 302، 303.
2 شرح المرادي 2/ 146.
3 سقط ما بين المعقوفين من "ط".
4 في "أ": "لا يتعدى امرئ".
5 شرح العمدة ص423.
6 شرح ابن الناظم ص234.
436-
البيت لقطري بن الفجاءة في ديوانه 171، وخزانة الأدب 10/ 163، والدرر 1/ 510، وشرح التسهيل 2/ 92، 303، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي 136، وشرح عمدة الحافظ 423، وشرح ابن عقيل 1/ 333 وشرح الكافية الشافية 2/ 739، والمقاصد النحوية 3/ 150، وللطرماح في شرح ابن الناظم 234، وبلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 314، وشرح الأشموني 1/ 247، وهمع الهوامع 1/ 240.
"أو استفهام، كقوله" وهو رجل من بني طيئ كما قال ابن مالك1: [من البسيط]
437-
"يا صاح هل حم عيش باقيا فترى"
…
لنفسك العذر في إبعادها الأملا
فـ"باقيًا" حال من "عيش" لكونه مسبوقًا بالاستفهام بـ"هل"، و"صاح": مرخم صاحب على غير قياس، "وحم" بضم الحاء المهملة: بمعنى قدر، "والإبعاد" بكسر الهمزة: مصدر أبعد، والأمل: مفعوله. وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
338-
ولم ينكر غالبًا ذو الحال إن
…
لم يتأخر أو يخصص أو يبن
339-
من بعد نفي أو مضاهيه
…
... ..................................
"وقد يقع" صاحب الحال "نكرة بلا مسوغ، كقولهم: عليه مائة بيضًا"، فـ"بيضًا" بلفظ الجمع: حال من "مائة"، وليس تمييزًا خلافًا لأبي العباس؛ لأن تمييز المائة لا يكون جمعًا منصوبا ولا مجرورًا، وهو من أمثلة سيبويه2 والدليل على أنه حال أنه لو رفع كان صفة للمائة، والمائة مبهمة الوصف.
"وفي الحديث": صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعدًا "وصلى وراءه رجال قيامًا" رواه مالك في الموطأ3، فـ"قيامًا" حال من رجال. وهو نكرة بلا مسوغ، لا يقال: التخصيص بالحكم كاف؛ لأنا نقول: لو كان كذلك لما احتيج إلى مسوغ أصلًا، وذهب بعضهم إلى عدم الاستدلال بالحديث لاحتمال كونه مرويا بالمعنى.
وإذا ثبت مجيء الحال من النكرة بلا مسوغ هل يقاس أو لا؟ ذهب سيبويه4 إلى الجواز والخليل ويونس إلى المنع5.
1 شرح التسهيل 2/ 332.
437-
البيت لرجل من طيئ في الدرر اللوامع 1/ 511، وشرح عمدة الحافظ ص423، والمقاصد النحوية 3/ 153، وبلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 316، وشرح ابن الناظم ص234، وشرح الأشموني 1/ 247، وشرح ابن عقيل 1/ 638، وشرح التسهيل 2/ 332، وهمع الهوامع 1/ 240.
2 الكتاب 2/ 112.
3 الموطأ 1/ 134، رقم 340، وأخرجه البخاري في الجماعة والإمامة برقم 656، وهو من شواهد أوضح المسالك 2/ 318، وشرح ابن عقيل 1/ 640، وشرح ابن الناظم ص234.
4 الكتاب 2/ 112-114.
5 الارتشاف 2/ 346.
"فصل":
"وللحال" المؤسسة "مع صاحبها ثلاث حالات"، كما أن للخبر مع المبتدأ ثلاث حالات:
"إحداها وهي الأصل: أن يجوز فيها أن تتأخر عنه، وأن تتقدم عليه" فاعلًا كان، أو مفعولًا كـ:""جاء زيد ضاحكا"، و"ضربت اللص مكتوفًا"، فلك في "ضاحكًا" و"مكتوفًا" أن تقدمهما على المرفوع" في الأول وهو "زيد"، "و" على "المنصوب" في الثاني وهو "اللص" فتقول:"جاء ضاحكًا زيد" و"ضربت مكتوفًا اللص"، هذا مذهب البصريين، ومنع الكوفيون تقديمها على المرفوع الظاهر: ثم قيل: عنهم مطلقًا، وقيل: إن تقدمت على رافعه، ومنعوا تقديمها على المنصوب الظاهر أيضًا، ثم قيل: عنهم مطلقًا، وقيل: إن لم يكن فعلًا.
الحالة "الثانية: أن تتأخر عنه وجوبًا، وذلك كأن تكون محصورة نحو: {وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ} "[الأنعام: 48] فـ"مبشرين، و"منذرين"، حالان من "المرسلين"، ولا يجوز تقديمهما على "المرسلين" لكونها محصورة، والمحصور يجب تأخيره، ويمكن أن يجيء فيه خلاف الكسائي السابق فيما إذا تقدم المحصور مع "إلا".
"أو يكون صاحبها مجرورًا إما بحرف غير زائد كـ: مررت بهند جالسة". فـ"جالسة" حال من "هند"، ولا يجوز تقديمها عليها. لا تقول: مررت جالسة بهند، هذا مذهب الجمهور، وعللوا منع ذلك بأن تعلق العامل بالحال ثان لتعلقه بصاحبه، فحقه إذا تعدى لصاحبه بواسطة أن يتعدى إليه بتلك الواسطة، لكن منع من ذلك أن الفعل لا يتعدى بحرف واحد إلى شيئين، فجعلوا عوضًا عن الاشتراك في الواسطة التزام التأخير، وإليه الإشارة بقول الناظم:
340-
وسبق حال ما بحرف جر قد
…
أبوا...............................
"وخالف في هذه" المسألة الأخيرة "الفارسي وابن جني وابن كيسان" وابن
برهان وابن ملكون وبعض الكوفيين1، "فأجازوا التقديم"، لضعف دليل المنع، "قال الناظم" في النظم:
340-
...................
…
...... "ولا أمنعه فقد ورد"
وقال في شرح التسهيل2: "و" التقديم "هو الصحيح، لوروده" في الفصيح "كقوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ} "[سبأ: 28] فـ"كافة" حال من المجرور، وهو "الناس"، وقد تقدم على صاحبه المجرور باللام "و" نحو "قول الشاعر":[من الطويل]
438-
"تسليت طرا عنكم بعد بينكم"
…
بذكراكم حتى كأنكم عندي
فـ"طرا" بمعنى جميعًا، حال من الكاف والميم، وقد تقدم على صاحبه المجرور بـ"عن".
"والحق أن" هذا "البيت" ونحوه "ضرورة"، أو "طرًّا" حال من "عنكم" محذوفة مدلولا عليها بـ"عنكم" المذكورة، "وأن: كافة" في الآية "حال من الكاف" في "أرسلناك"، "و" أن "التاء للمبالغة لا للتأنيث" قاله الزجاج3، ورده ابن مالك4 بأن إلحاق التاء للمبالغة مقصور على السماع، ولا يتأتى غالبًا إلا في أبنية المبالغة كـ: "علامة"، و"كافة" بخلاف ذلك، فإن حمل على "راوية" فهو حمل على شاذ، نقله الموضح عنه في الحواشي ولم يتعقبه. وقول الزمخشري: "إلا رسالة كافة" مصادم لنقل ابن برهان أن "كافة" لا تستعمل إلا حالًا. وأن الصفة لا تنوب عن الموصوف إلا إذا كان معتادًا ذكرها معه.
"و" قول ابن مالك وغيره إن "كافة" حال من "الناس"، "يلزمه تقديم الحال المحصورة" بـ"إلا" على صاحبها "و" يلزمه "تعدي "أرسل" باللام"، والأكثر تعديه بـ"إلى"، "والأول" وهو تقديم الحال"المحصورة" على صاحبها "ممتنع كما تقدم، "والثاني" وهو تعدي" أرسل" باللام "خلاف الأكثر" ويدفع الأول بأن
1 انظر شرح التسهيل 2/ 337، والارتشاف 2/ 348، وهمع الهوامع 1/ 241.
2 شرح التسهيل 2/ 336.
438-
البيت بلا نسبة في المسالك 2/ 321، وشرح ابن الناظم ص236، وشرح الأشموني 1/ 248، وشرح التسهيل 2/ 328، وشرح عمدة الحافظ ص426، والمقاصد النحوية 3/ 160.
3 معاني القرآن وإعرابه 4/ 254.
4 شرح التسهيل 2/ 337.
تقديم المحصور بـ"إلا" ليس ممتنعًا عند الجميع، كيف وقد قال الموضح في باب الفاعل في المحصور بـ"إلا": وأجاز البصريون والكسائي والفراء وابن الأنباري تقديمه على الفاعل، وأي فرق بين الحال والمفعول؛ لأن الاقتران بـ"إلا" يدل على المقصود، ويدفع الثاني بأن مخالفة الأكثر لا تضر، فإن تعدي "أرسل" باللام كثير، فصيح، واقع في التنزيل كقوله تعالى:{وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا} [النساء: 79] وفصل الكوفيون فأجازوا تقديم الحال على صاحبها المجرور بالحرف إن كان مضمرًا كـ"مررت ضاحكة بك" أو اسمين أحدهما مجرور نحو: "مررت مسرعين بزيد وعمرو"، أو كان الحال فعلًا نحو:"مررت تضحك بهند"، ومنعوه إذا لم يكن كذلك. واحترز بقوله أولًا:"بحرف غير زائد" من الزائد، فإنه يجوز تقديم الحال على صاحبها المجرور به اتفاقًا، كما يجوز التقديم على الفاعل والمفعول نحو:"ما جاءني راكبًا من أحد"، و"ما رأيت راكبًا من أحد".
"وإما" مجرورًا "بإضافة" بمعنى مضاف، من إطلاق المصدر على اسم المفعول "كـ: أعجبني وجهها مسفرة"، و" هذا شارب السويق ملتوتا"، فلا يجوز تقديم الحال على صاحبها واقعة بعد المضاف لئلا يلزم الفصل بين المضاف والمضاف إليه، ولا قبله؛ لأن نسبة المضاف إليه من المضاف كنسبة الصلة من الموصول، فكما لا يتقدم ما يتعلق بالصلة على الموصول كذلك لا يتقدم ما يتعلق بالصلة على الموصول كذلك لا يتقدم ما يتعلق بالمضاف إليه على المضاف. قاله ابن الناظم1، وفصل والده في شرح التسهيل فقال2: إن كانت الإضافة غير محضة جاز التقديم على المضاف نحو: "هذا ملتوتًا شارب3 السويق" بالخفض؛ لأن الإضافة فيه في نية الانفصال، فلا يعتد بها، وإن كانت محضة لم تجز بإجماع، ونازعه أبو حيان في القسمين4، ورد عليه الموضح ذلك في الحواشي، والاشتغال بذلك خروج عن المقصود.
"وإنما يجيء الحال من المضاف إليه إذا كان المضاف بعضه كهذا5 المثال" المتقدم وهو:
أعجبني وجهها مسفرة. "وكقوله تعالى: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا} "[الحجر: 47] فـ"إخوانا": حال من المضاف إليه، وهو الهاء والميم، والصدور: بعضه وكقوله تعالى: " {أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا} "[الحجرات: 12] فـ"ميتًا":
1 شرح ابن الناظم ص237.
2 شرح التسهيل 2/ 335.
3 في جميع النسخ: "شارب ملتوتًا" والتصويب من الارتشاف 2/ 348.
4 الارتشاف 2/ 348.
5 في جميع النسخ: "هكذا"، والتصويب من أوضح المسالك 2/ 324.
حال من الأخ المضاف إليه اللحم، واللحم بعض الأخ "أو كبعضه نحو":{أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} " [النحل: 123] فـ"حنيفا" حال من إبراهيم، المضاف إليه الملة، والملة: كبعضه في حصة حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه، كما يصح ذلك في البعض الحقيقي، ألا ترى أنه لو قيل: "ونزعنا ما فيهم من غل"، و"يأكل أخاه"، و"اتبع إبراهيم" لكان صحيحًا1.
"أو" كان المضاف "عاملًا في الحال" كأن يكون مصدرًا أو وصفًا، فالأول "نحو:{إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا} [يونس: 4] فـ"جميعًا": حال من الكاف والميم المضاف إليه "مرجع"، و"مرجع": مصدر ميمي عامل في لحال النصب. "و" نحو: "أعجبني انطلاقك منفردًا"، فـ"منفردًا": حال من الكاف المضاف إليها "انطلاق"، و"انطلاق":مصدر غير ميمي عامل في الحال النصب. "و" الثاني: نحو: "هذا شارب السويق ملتوتًا" الآن أو غدًا، فـ"ملتوتًا" حال من "السويق" المضاف إليه شارب، و"شارب": اسم فاعل عامل في الحال النصب؛ لأنه بمعنى الحال أو الاستقبال، واعتماده على المخبر عنه. وإلى ذلك الإشارة بقول الناظم:
341-
ولا تجز حالًا من المضاف له
…
إلا إذا اقتضى المضاف عمله
342-
أو كان جزء ما له أضيفا
…
أو مثل جزئه فلا تحيفا
وإنما اشترطوا أحد هذه الشروط الثلاثة لئلا تنخرم قاعدته، وهي أن العامل في الحال هو العامل في صاحبها، وصاحبها إذا كان مضافًا إليه يكون معمولًا للمضاف، والمضاف لا يعمل في الحال إذا لم يشبه الفعل، فإذا كان المضاف مصدرًا أو صفة فالقاعدة موفاة؛ لأن الحال وصاحبها معمولان لشيء واحد، وإذا كان المضاف كأنه جزءًا من المضاف إليه أو كجزئه فلشدة اتصال الجزء بكله أو بما نزل منزلته صار المضاف كأنه صاحب الحال، فيكون العامل فيه هو العامل في الحال، بخلاف ما إذا لم يكن كذلك، فإنه لا سبيل إلى جعله صاحب حال. إذ لو قلت:"ضربت غلام هند جالسة"، أو نحو ذلك لم يجز، قال ابن مالك2: بلا خلاف. ونقل غيره عن بعض البصريين إجازة ذلك3، قال أبو حيان4: والذي تختاره أن المجرور بالإضافة إذا لم يكن في موضع رفع ولا نصب لا يجوز ورود الحال منه
1 في "أ": "في صدورهم" مكان "فيهم".
2 شرح التسهيل 2/ 342.
3 نقل ذلك ابن الشجري في أماليه 1/ 157، 2/ 327، 328.
4 الارتشاف 2/ 348.
سواء أكان المضاف1 جزأه أو كجزئه أو لم يكن، لما تقرر من أنه لا بد من اتحاد الحال وصاحبها في العامل، وأما "ميتًا" فيحتمل أن يكون حالًا من "لحم" و"إخوانًا" يحتمل أن يكون منصوبًا على المدح، "وحنيفًا" يحتمل أن يكن حالًا من "الملة" وذكر لأن الملة والدين بمعنى، أو من الضمير في اتبع:" انتهى بمعناه.
الحالة "الثالثة" من الحالات الثلاث: "أن تتقدم" الحال "عليه" أي: على صاحبها "وجوبًا، كما إذا كان صاحبها محصورًا" فيه "نحو: ما جاء راكبًا إلا زيد"، وفيه البحث السابق.
1 بعده في "أ"، "ط":"إليه".
"فصل":
"وللحال مع عاملها ثلاث حالات أيضًا:
إحداها وهي الأصل: أنه يجوز فيها أن تتأخر عنه"، كـ: "جاء زيد راكبا"، "وأن تتقدم عليه" كـ: "راكبًا جاء زيد"، "وإنما يكون ذلك إذا كان العامل" فيها "فعلًا متصرفًا"، وتصرفه يكون بتنقله في الأزمنة الثلاثة1، أي: يكون ماضيًا ومستقبلًا وحالًا، قاله أبو البقاء، فالماضي "كـ: جاء زيد راكبًا"، والمستقبل كـ: "قم مسرعًا" والحال كـ: "يوم زيد مسرعًا الآن".
"أو صفة تشبه الفعل المتصرف" في تضمن معنى الفعل وحروفه وقبول علاماته الفرعية، وهي علامة التأنيث والتثنية والجمع، وسواء في ذلك اسم الفاعل واسم المفعول والصفة المشبهة "كـ:"زيد منطلق مسرعًا"، فـ"مسرعًا" حال من فاعل "منطلق" المستتر فيه، "فلك في "راكبًا"" في "جاء زيد راكبًا" في المثال الأول، "و" في "مسرعًا" في "زيد منطلق مسرعًا" في المثال الثاني "أن تقدمهما على "جاء" وعلى "منطلق""، فتقول: راكبًا جاء زيد، ومسرعًا زيد منطلق أو زيد مسرعًا منطلق، هذا مذهب البصريين إلا الجرمي، فإنه لا يجيز تقديم الحال على عاملها، والأخفش فإنه لا يجيز تقديمها على الفعل في نحو: راكبًا زيد جاء، لبعدها عن العامل. ورد جمهور البصريين على الأخفش والجرمي بالسماع في الفصيح "كما قال الله تعالى:{خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ} [القمر: 7] فـ"خاشعًا" حال من الواو في "يخرجون"، وقد تقدم على عامله الفعل، وأجيب بأن هذا لا يتعين لجواز أن يكون "خاشعًا" صفة مفعول محذوف، والتقدير:{يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ} [القمر: 6] قومًا خاشعا أبصارهم، وقد صرح به غير واحد من المعربين، ويجاب بأن الأصل عدم الحذف، "وقالت العرب: شتى تئوب الحلبة2"، فـ"شتى": جمع شتيت، حال من الحلبة، وهم اسم
1 في "ط": "الثلاث".
2 المثل في مجمع الأمثال 1/ 358، وجمهرة الأمثال 1/ 541، والمستقصى 2/ 127، وكتاب الأمثال لابن سلام ص133، وهو من شواهد أوضح المسالك 2/ 372، وشرح ابن الناظم ص238.
ظاهر، وتقدمت فيه على عاملها، و"الحلبة": جمع حالب، و"تئوب": معنى ترجع "أي: متفرقين يرجع الحالبون"، وفيه رد على الكوفيين في منعهم تقديم حال الاسم الظاهر على عامله، وحكي أن ثعلبًا نوظر في هذه المسألة، وأنه انقطع بقولهم:"شتى تئوب الحرب"، أي: متفرقة1، ترجع الحرب، أي: إلى تفرق الكلمة ترجع الحرب. "وقال الشاعر" وهو يزيد بن مفرغ الحميري يخاطب بغلته: [من الطويل]
439-
عدس ما لعباد عليك إمارة
…
"أمنت وهذا تحملين طليق"
"فـ: تحملين": جملة "في موضع نصب على الحال" من فاعل "طليق" المستتر فيه، "وعاملها "طليق"، وهو صفة مشبهة"، وقد قدمت عليه. فإن قلت: معمول الصفة المشبهة لا يكون سببيا مؤخرًا، فكيف جاز تقديمه وكونه غير سببي؟ قلت: المراد بالمعمول المذكور ما عملها فيه بحق الشبه، وأما عملها في الحال فبما فيها من معنى الفعل، كما صرح به الموضح في بابها2، واستفدنا من تمثيله أنه لا فرق في ذلك بين كون الحال مفردًا أو جملة، ومنع الفراء وبعض المغاربة تقديم الجملة الحالية المصدرة بالواو فلا يقال:"والشمس طالعة جاء زيد"، والجمهور على الجواز.
والحق أن هذا البيت لا ينهض في الرد على الكوفيين3؛ لأنهم يقولون: بأن "هذا" اسم موصول، و"تحملين" صلته وعائده محذوف، والتقدير: والذي تحملينه طليق، كما مر في باب الموصول، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
343-
والحال إن ينصب بفعل صرفا
…
أو صفة أشبهت المصرفا
فجائز تقديمه.
الحالة "الثانية: أن تتقدم" الحال "عليه" أي: على عاملها "وجوبًا، كما إذا كان لها صدر الكلام نحو: كيف جاء زيد؟ " فـ"كيف" في موضع الحال من "زيد"، وهل هي ظرف أو اسم؟ قولان:
أحدهما: إنها ظرف شبيهة باسم المكان، كما أن "سواك" كذلك، ويعزى إلى سيبويه4.
1 في "ط": "متفرقين".
439-
تقدم تخريج البيت برقم 111.
2 أوضح المسالك 3/ 249.
3 في "ب": "على رأي" مكان "في الرد على".
4 الكتاب 2/ 350.
والثاني أنها ليست ظرفًا، وإنما هي اسم، ويعزى إلى الأخفش.
وعلى القولين يستفهم بها عن الأحوال، فعلى الأول يكون معناها في المثال المذكور، في أي حال جاء زيد؟ وعلى الثني: على أي حال جاء زيد؟ وعلى القول بالظرفية لا يفتقر إلى الاستقرار، بخلاف "أين" و"متى"، قاله أحمد بن الخباز في النهاية.
الحالة "الثالثة: أن تتأخر" الحال "عنه" أي: عن عاملها "وجوبا، وذلك في ست مسائل، وهي أن يكون العامل فعلًا جامدًا نحو: ما أحسنه مقبلًا"، فـ"مقبلا" حال من "الها"، وهي واجبة التأخير عن عاملها، لكونه فعلًا جامدًا لا يتصرف في نفسه فلا يتصرف في معموله بالتقديم عليه.
"أو" يكون العامل "صفة تشبه الفعل الجامد" في عدم قبول العلامات الفرعية، "وهو اسم التفضيل" فإنه لما لم يقبل علامة التأنيث والتثنية والجمع انحط عن درجة اسمي الفاعل والمفعول والصفة المشبهة فجعل موافقًا للجامد "نحو: هذا أفصح الناس خطيبًا"، فـ"خطيبًا" حال من فاعل "أفصح" المستتر فيه، ولا يجوز أن يتقدم على "أفصح"، لما تقدم.
"أو" يكون العامل "مصدرًا مقدرًا بالفعل وحرف مصدري نحو: يعجبني اعتكاف أخيك1 صائمًا"، فـ"صائمًا" حال من "أخيك"1، والعامل فيه المصدر المقدر بـ"أن" والفعل، ومعمول المصدر المقدر من "أن" والفعل لا يتقدم عليه.
"أو" يكون العامل "اسم فعل نحو: نزال مسرعا" فـ"مسرعا" حال من فاعل "نزال" المستتر فيه، ومعمول اسم الفعل لا يتقدم عليه.
"أو" يكون العامل "لفظًا مضمنا معنى الفعل" دون حروفه كاسم الإشارة "نحو: {فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً} "[النمل: 52] فـ"خاوية": حال من "بيوتهم"، والعامل فيه اسم الإشارة، وهو "تلك"، وفيها معنى الفعل، وهو "أشير" دون حروفه، فإن قلت: العامل في الحال وصاحبها يجب أن يكون واحدًا عند الجمهور، وهنا قد اختلف، فإن العامل في الحال معنى الإشارة، والعالم في صاحبها المبتدأ، قلت: العامل في الحال حقيقة إنما هو الفعل المدلول عليه باسم الإشارة تقديره: أشير إليها خاوية، والضمير المجرور هو صاحب الحال، والعالم فيه وفي الحال واحد. وذهب السهيلي إلى أن اسم الإشارة لا يعمل، وإنما العامل فعل محذوف تقديره: انظر إليها خاوية.
1 في "ط": "أخوك".
"و" حرف التشبيه نحو "قوله" وهو امرؤ القيس: [من الطويل]
440-
"كأن قلوب الطير رطبا ويابسًا"
…
لدى وكرها العناب والحشف البالي
فـ"رطبًا" و"يابسًا" حالان من "قلوب"، والعامل فيهما "كأن" لما فيه من معنى "أشبه"، وليس فيه حروفه. فإن قلت: كيف يصح أن يكون "رطبًا" و"يابسًا" حالين من قلوب؟ قلت: على معنى قسمًا رطبًا، وقسمًا يابسًا وليس المراد بالرطب ولا باليابس الفرد، قاله الدماميني والضمير في "وكرها" يعود على العقاب، وصفها بأنها لا تأكل قلوب الطير، وشبه الرطب بالعناب، واليابس بالحشف البالي، وهو أرذل التمر اليابس، وهو تشبيه ملفوف، وهو أن يأتي بالمشبهين ثم بالمشبه بهما.
"و" حرف التمني نحو: "ليت هندًا مقيمة عندنا"، فـ"مقيمة" حال من "هند"، والعامل فيها "ليت"، لما فيها من معنى "أتمنى" دون حروفه، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
345-
وعامل ضمن معنى الفعل لا
…
حروفه مؤخرًا لن يعملا
346-
كتلك ليت وكأن.......
…
................................
"أو" يكون العامل "عاملا آخر" غير ما تقدم "عرض له مانع" يمنع ما بعده أن يعمل فيما قبله، "نحو: لأصبر محتسبًا"، فـ"محتسبًا": حال من فاعل "أصبر" المستتر فيه، "و: لأعتكفن صائمًا"، فـ"صائما": حال من فاعل "أعتكف" المستتر فيه، ولا يجوز في "محتسبًا" و"صائمًا" أن يتقدما على عاملهما، "فإن ما في حيز لام الابتداء"، وهو "محتسبًا"، "و" ما في حيز "لام القسم"، وهو "صائمًا" "لا يتقدم عليهما"، أي: على لام الابتداء ولام القسم؛ لأنهما من أدوات الصدور1 فلو فصلت اللام جاز التقديم نحو: "لعن زيد محتسبًا أصبر".
"ويستثنى من "أفعل" التفضيل ما" إذا كان عاملًا في حالين لاسمين متحدي المعنى أو مختلفيه، وإحداهما مفضلة على الأخرى، فإنه يجب تقديم الحال الفاضلة" خوف اللبس، فالأول: كـ: "هذا بسرًا أطيب منه رطبًا". قال ابن خروف:
440- البيت لامرئ القيس في ديوانه ص38، وشرح شواهد المغني 1/ 342، 2/ 595، 819، والصاحبي في فقه اللغة ص244، ولسان العرب 1/ 206، "أدب" والمقاصد النحوية 3/ 216، والمنصف 2/ 117، وتاج العروس "بال" وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 7/ 64، وأوضح المسالك 2/ 329، ومغني اللبيب 1/ 218، 2/ 392، 439.
1 الارتشاف 2/ 350.
انتصب "بسرًا" عند سيبويه1 على الحال من الضمير في "أطيب"، وانتصب "رطبًا" على الحال أيضًا من الضمير المجرور بـ"من" والعامل فيهما "أطيب" بما تضمنته من معنى المفاضلة بين شيئين، كأنه قال: هذا في حال كونه بسرًا أطيب من نفسه في حال كونه رطبًا، يريد أن يفضل البسر على الرطب، قال: و"أطيب" ناب مناب عاملين؛ لأن التقدير: يزيد طيبه في حال كونه بسرًا على طيبه في حال كونه رطبًا، وأشار بذلك إلى التمر، والمعنى: بسره أطيب من رطبه. ا. هـ. وفي ذلك تصريح بأن اسم التفضيل عامل في حالين معًا وبه قال المازني في أظهر قوليه، والفارسي في تذكرته، وابن كيسان وابن جني2. وزعم المبرد3 والزجاج وابن السراج4 والسيرافي5 والفارسي في حلبياته6 أن الناصب "كان" محذوفة تامة صلة لـ"إذ" أو "إذا"، فإن قلت ذلك وهو بلح فالمقدر "إذا"، أو هو تمر فالمقدر "إذ"، والصاحبان المضمران في "كان". لا المضمر في "أطيب" والمجرور بـ"من" وقدم الظرف على "أطيب" لاتساعهم في الظروف، ولهذا جاز "أكل يوم لك ثوب" بالاتفاق، ولم يجز "زيد جالسًا في الدار" عند الجمهور: وحكى أبو حيان عن بعض أصحابه: أنه يجوز تقدير "كان" ناقصة بدليل "زيد المحسن أفضل من المسيء". فجاءا معرفتين، وإنما تتعدد الحال مع "أفعل" إذا كانتا فاضلتين، فإن كان الفاضل واحدًا رفعًا نحو:"هذا بسر أطيب منه عنب"، قاله الموضح في الحواشي. ونقل صاحب المتوسط7 عن الفارسي أن العامل في "بسرًا" هو "هذا"، أي: اسم الإشارة أو حرف التنبيه8.
"و" الثاني نحو: "قولك: زيد مفردًا أنفع من عمرو معانًا" فـ"مفردًا": حال من الضمير المستتر في "أنفع" الراجع إلى "زيد" و"معانًا": حال من عمرو، والعامل في الحالين "أنفع" أو "كان" المحذوفة على القولين السابقين، وفي هذا المثال رد
1 الكتاب 1/ 400.
2 الارتشاف 2/ 353، وشرح التسهيل 2/ 345، وشرح ابن الناظم ص241.
3 المقتضب 3/ 250، 251.
4 الأصول 2/ 359.
5 شرح التسهيل 3/ 344، وشرح ابن الناظم ص241.
6 المسائل الحلبيات ص179، 180، وانظر رأي المبرد والزجاج وابن السراج والسيرافي والفارسي في الارتشاف 2/ 353.
7 المتوسط ص158.
8 نقله ابن يعيش في شرح المفصل 2/ 60.
على من زعم أن العامل في المثال الأول إما "ها" التنبيه أو اسم الإشارة، لتخلفه هنا، وكان القياس وجوب تأخير الحالين في المثالين عن "أفعل" كما في الحال الواحدة، ولكن اغتفر تقدم الحال الفاضل1 فرقًا بين المفضل والمفضل عليه، إذ لو أخرا لالتبسا2، فإن قيل: اجعل أحدهما تاليًا لـ"أفعل" ولا لبس، قلنا: يؤدي إلى فصل "أفعل" من "من" ومجرورها، وهما كالموصول والصلة. فإن قيل: قد فصل بالظرف وعديله والتمييز.
قلنا: ذاك فصل جائز، وهذا فصل واجب في نوع خاص إذا لم يجز تقديمه، قاله في الحواشي، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
347-
ونحو زيد مفردًا أنفع من
…
عمرو معانا مستجاز لن يهن
"ويستثنى من المضمن معنى الفعل دون حروفه أن يكون" العامل "ظرفًا أو مجرورًا مخبرًا بهما" متأخرين عن المخبر عنه، "فيجوز بقلة توسط الحال بين المخبر عنه والمخبر به كقوله":[من الطويل]
441-
"بنا عاذ عوف وهو بادئ ذلة
…
لديكم" فلم يعدم ولاء ولا نصرًا
فوسط الحال؛ وهو: بادئ ذلة؛ بين المخبر عنه؛ وهو: الضمير المنفصل؛ والمخبر به، وهو لديكم، والأصل: وهو لديكم بادئ ذلة؛ وصاحب الحال الضمير المنتقل إلى الظرف، و"عوف": فاعل "عاذ" بالذال المعجمة، وقيدنا الظرف والمجرور بالتأخير لبيان محل الخلاف إذ لو تقدما على المخبر عنه نحو:"في الدار، أو عندك جالسًا زيد" جاز التوسط بلا خلاف؛ لأن الحال لم تتقدم على عاملها المضمن معنى الفعل دون حروفه، وذلك ظاهر. والخلاف المتقدم جار في الحال المفردة، والجملة المصدرة بالواو وغيرها، والظرف، والجار والمجرور ولا فرق في المفردة بين المضافة؛ كما تقدم في البيت؛ "و" غير المضافة "كقراءة بعضهم:"مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الْأَنْعَامِ خَالِصَةً لِذُكُورِنَا"" [الأنعام: 139] بنصب "خالصة"3 على الحال المتوسطة بين المخبر عنه؛ وهو "ما" الموصولة؛ والمخبر به، وهو "لذكورنا"، والأصل؛ والله أعلم: ما في بطون هذه الأنعام لذكورنا خالصة، و"ما"
1 في "ط": "الفاضلة".
2 في "أ": "النساء".
441-
البيت بلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 332، وشرح ابن الناظم ص240، وشرح الأشموني 1/ 252، والمقاصد النحوية 3/ 172.
3 الرسح المصحفي: {خَالِصَةٌ} بالرفع، وقرأها بالنصب ابن عباس والأعرج وقتادة وابن جبير، وانظر البحر المحيط 4/ 231، والمحتسب 1/ 232، ومعاني القرآن للفراء 1/ 358.
واقعة على الأجنة. وصاحب الحال الضمير المنتقل إلى الجار والمجرور بعد حذف الاستقرار، "وكقراءة الحسن" البصري ""وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٍ بِيَمِينِهِ"" [الزمر: 67] ، بنصب "مطويات"1 على الحال المتوسطة بين المخبر عنه وهو "السماوات" والمخبر به وهو "بيمينه" والأصل؛ والله أعلم: والسماوات بيمينه مطويات، وصاحب الحال الضمير المنتقل إلى الجار والمجرور، ففي هذه الأدلة على جواز تقديم الحال على عاملها الظرف والجار والمجرور. "وهو قول الأخفش2"وسبقه إلى ذلك الفراء3، "وتبعه الناظم" في التسهيل وشرحه4. وأشار إليه في النظم بقوله:
346-
.......... وندر
…
نحو سعيد مستقرا في هجر
"والحق" المنع، وهو قول جمهور البصريين5، "وأن البيت" المتقدم "ضرورة وأن: خالصة" في الآية الأولى، "ومطويات" في الثانية "معمولان لصلة: ما"، وهي في "بطون"، "ولـ: قبضته"، فـ"خالصة" معمولة للجار والمجرور قبلها على أنها حال من الضمير الذي في الصلة: و"مطويات"، معمولة لـ"قبضته" على أنها حال من الضمير المستتر فيها والتاء في "خالصة" للتأنيث باعتبار ما وقعت عليه من الأجنة. وقول البيضاوي6: التاء فيها للمبالغة كما في رواية 7، أو مصدر كـ: "العاقبة"
وقع موقع الخالص؛ فيه نظر؛ لأن تاء المبالغة في غير أبنية المبالغة، والمصدر الآتي على وزن فاعلة موقوفان على السماع، "فلا يقاس عليهما، "و" الحق "أن السماوات عطف على ضمير مستتر في "قبضته"" لتأويلها بالمشتق "لأنها بمعنى مقبوضة"، والمصدر إذا كان بمعنى المشتق يتحمل الضمير،"لا" "السماوات" "مبتدأ، و"بيمينه"" خبره، كما قال الأخفش، بل "بيمينه" "معمول الحال" لتعلقه بها، "لا عاملها"، أي: لا عامل الحال.
1 الرسم المصحفي {مَطْوِيَّاتٌ} بالرفع، وقرأها بالنصب عيسى والجحدري: انظر البحر المحيط 7/ 440، ومعاني القرآن للفراء 2/ 425.
2 شرح التسهيل 2/ 346، والارتشاف 2/ 355، وشرح ابن الناظم ص240.
3 الارتشاف 2/ 356.
4 التسهيل ص111، وشرح التسهيل 2/ 346.
5 الارتشاف 2/ 355.
6 أنوار التنزيل 2/ 210.
7 في "ط": "رواية".
"فصل":
"ولشبه الحال بالخبر" في المعنى "والنعت" في التقيد "جاز أن يتعدد لمفرد وغيره"، كما يتعدد الخبر والنعت، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
348-
والحال قد يجيء ذا تعدد
…
لمفرد فاعلم وغير مفرد
"فالأول" وهو أن تتعدد للمفرد "كقوله": [من الطويل]
442-
"علي إذا ما جئت ليلى بخفية
…
زيادة بيت الله رجلان حافيا"
فـ"رجلان حافيًا" حالان من فاعل "الزيارة" المحذوفة، والتقدير: علي زيارتي بيت الله حال كون رجلًا حافيًا، أي: ماشيا غير منتعل، ويحتمل أن يكونا حالين من ياء المتكلم المجرورة بـ"علي"، و"رجلان": بسكون الجيم وفي آخره نون، وقد صحفه بعض الأعجميين، فقرأه رجلاي بالإضافة إلى ياء المتكلم، وأعربه فاعلًا بـ"زيارة"، و"حافيًا" حالًا من ضمير المتكلم في رجلاي، نبه عليه الموضح في الحواشي. وهو موافق لما في شرح المفتاح للسيد الجرجاني، فإنه قال فيه: وقد صحف جماعة "رجلان" برجلاي إلى آخره.
"وليس منه" أي: من تعدد الحال لمفرد "نحو: {أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا} [آل عمران: 39] لأن من شروط التعدد عدم الاقتران بالعاطف عند الموضح.
"والثاني" وهو أن يتعدد لمتعدد، وفيه تفصيل، فينظر في الحال المتعدد "إن اتحد لفظه ومعناه ثني أو جمع"، فالتثنية "نحو:{وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ} " [إبراهيم: 33] فـ"دائبين" حال مؤسسة بمعنى: دائمين "والأصل: دائبة ودائبًا"، فلما اتفقا لفظًا ومعنى ثنيا، ولا يضر اختلافهما في التذكير والتأنيث، وأصل
442- البيت لمجنون ليلى في ديوانه ص233، وبلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 335، وشرح الأشموني 1/ 254، وشرح المغني 2/ 859، ولسان العرب 11/ 268، "رجل"، ومغني اللبيب 2/ 461.
الدءوب: مرور الشيء في العمل على عادة جارية فيه. "و" الجمع "نحو: {وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ " بِأَمْرِهِ} [النحل: 12] فـ"مسخرات" حال مؤكدة لعاملها لفظًا ومعنى، صرح بذلك ابن مالك في شرح العمدة1، وولده في شرح النظم2، والأصل: مسخرًا ومسخرا ومسخرة ومسخرًا ومسخرة، فلما اتحدت لفظًا ومعنى جمعت.
"وإذا اختلف" لفظه ومعناه "فرق بغير عطف كـ: "لقيته مصعدًا منحدرًا" ويقدر" الحال "الأول" من الحالين "للثاني" من الاسمين، "وبالعكس" فيقدر الثاني من الحالين للأول من الاسمين، ليتصل أحد الحالين بصاحبه، ولا يعدل عنه إلا لقرينة. فإن قلت: فما بال علماء البيان جوزوا في اللف والنشر جعل الأول من أوصاف النشر راجعًا إلى الأول من الأمور الملفوفة، والثاني للثاني، وهو أحسن عندهم من عدم الترتيب؟ قلت: أجيب بأنه إنما يجوز النشر عند الوثوق بفهم المعنى، وأن السامع يرد كل واحد من الأمور المتعددة إليه، فإذا اتصل أحد الحالين بصاحبه كان أعون على ذلك، فـ"مصعدًا" حال من "الها"، و"منحدرًا" حال من "التاء" على غير الترتيب "قال":[من الوافر]
443-
"عهدت سعاد ذات هوى معنى"
…
فزدت وعاد سلوانا هواها
فـ"ذات هوى": حال من "سعاد"، و"معنى": حال من "التاء" في "عهدت"، وقرينة التذكير والتأنيث أرشدت إلى ذلك، والمعنى: إني كنت أنا وسعاد متحابين، فأما أنا فصرت إلى ازدياد المحبة، وأما هي فاد هواها سلوانا.
"وقد تأتي" الحال المتعددة "على الترتيب"، فيقدر الأول للأول، والثاني للثاني "إن أمن اللبس، كقوله" وهو امرؤ القيس: [من الطويل]
444-
"خرجت بها أمشي تجر وراءنا"
…
على أثرينا ذيل مرط مرحل
1 شرح عمدة الحافظ 1/ 327.
2 شرح ابن الناظم ص242.
443-
البيت بلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 337، وشرح ابن الناظم ص242، وشرح التسهيل 2/ 350، وشرح شواهد المغني 1/ 901، ومغني اللبيب 2/ 565، والمقاصد النحوية 3/ 180.
444-
البيت لامرئ القيس في ديوانه ص14، وخزانة الأدب 11/ 427، والدرر 1/ 513، والارتشاف 2/ 359، وشرح التسهيل 2/ 350، وشرح شواهد الشافية ص286، وشرح شواهد المغني 2/ 652، 901، وشرح عمدة الحافظ ص462، ولسان العرب 5/ 246 "نير" وتاج العروس "رجل""رحل"، وبلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 339، ورصف المباني ص330، وشرح شافية ابن الحاجب 2/ 338، ومغني اللبيب 2/ 564، وهمع الهوامع 1/ 244.
فجملة "أمشي" حال من "التاء" في "خرجت"، وجملة "تجر" حال من "الها" المجرورة بالباء، والمعنى: أخرجتها من خدرها حال كوني ماشيًا، وحال كونها جارة على أثري قدمي وقدمها ذيل مرطها لتخفي الأثر عن القافة قصدًا للستر، "والمرط" بكسر الميم وسكون الراء: كساء من خز أو صوف، و"المرحل" بالحاء المهملة: ما فيه علم.
"ومنع الفارسي1 وجماعة2 النوع الأول" وهو تعدد الحال لمفرد؛ قائلين بأن صحاب الحال إذا كان واحدًا فلا يقتضي العامل إلا حالًا واحدة. "فقدروا نحو قوله: حافيًا" في البيت "صفة" لـ"رجلان"، "أو حالًا من ضمير: رجلان"، فتكون حالًا متداخلة لا مترادفة، "وسلموا الجواز إذا كان العامل اسم التفضيل3"، واتحد صاحب الحال "نحو: هذا بسرًا أطيب منه رطبًا"، وتقدم الكلام فيه.
1 انظر الارتشاف 2/ 358، وهمع الهوامع 1/ 244.
2 منهم ابن عصفور، انظر شرح ابن الناظم ص242، وشرح التسهيل 2/ 349، وهمع الهوامع 1/ 244.
3 في "ط": "تفضيل".
"فصل":
الحال بالنسبة إلى الزمان ثلاثة أقسام: مقارنة: وهو الغالب نحو: {وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا} [هود: 72] . ومقدرة: وهي المستقبلية نحو: {فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ} [الزمر: 73] ومحكية: وهي الماضية نحو: "جاء زيد أمس راكبًا"1.
1 انظر همع الهوامع 1/ 245.
"فصل":
"الحال ضربان:
مؤسسة": وتسمى مبينة أيضًا؛ لأنها تبين هيئة صاحبها، "وهي التي لا يستفاد معناها بدونها" أي: بدون ذكرها "كـ: جاء زيد راكبًا"، فلا يستفاد معنى الركوب إلا بذكر راكبًا، "وقد مضت" أول الباب.
ومؤكدة: وهو التي يستفاد معناها بدون ذكرها، وذهب الفراء1 والمبرد2 والسهيلي3 إلى إنكار المؤكدة، وما ورد من ذلك ردوه إلى المبينة، والصحيح الأول وهو قول الجمهور.
"والمؤكدة" ثلاثة أقسم؛ لأنها "إما" مؤكدة4 "لعاملها لفظًا ومعنى نحو: {وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا} "[النساء: 79] فـ"رسولًا" حال من الكاف وهي مؤكدة لعاملها، وهو "أرسلنا" لفظًا ومعنى لتوافقهما في اللفظ والمعنى، "وقوله":[من البسيط]
445-
"أصخ مصيخا لمن أبدى نصيحته"
…
والزم توقي خلط الجد باللعب
فـ"مصيخًا" حال من فاعل "أصخ" المستتر فيه، وهي مؤكدة لعاملها لفظًا ومعنى لتوافقهما في اللفظ5 وأصخ6؛ بالصاد المهملة والخاء المعجمة؛ من الإصخاء وهو
1 انظر الارتشاف 2/ 337، 362.
2 المقتضب 4/ 310، 311.
3 انظر الارتشاف 2/ 337، 362.
4 سقطت من "ب".
445-
البيت بلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 342، وشرح ابن الناظم ص244، وشرح الأشموني 1/ 255، وشرح التسهيل 2/ 357، وشرح عمدة الحافظ ص440، والمقاصد النحوية 3/ 185.
5 بعده في "ط": والمعنى: وذلك لأن الحدث المستفاد من الوصف مؤكد للحدث المستفاد من الفعل.
6 سقطت من "ب".
الإصغاء والاستماع، والمعنى أصخ حال كونك مصغيًا لمن أظهر نصيحته، وتحفظ من خلط الجد بالهزل.
"أو" مؤكدة لعاملها "معنى فقط" واللفظ مختلف نحو: " {فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا} "[النمل: 19] فـ"ضاحكًا" حال من فاعل "تبسم" وهي مؤكدة لعاملها معنى فقط؛ لأن التبسم نوع من الضحك، ولفظها مختلف، ومثله " {وَلَّى مُدْبِرًا} " [القصص: 31] ، فإن الإدبار نوع من التولي، ويجمع هذين النوعين قول الناظم:
349-
وعامل الحال بها قد أكدا
…
..............................
"وإما" مؤكدة "لصاحبها نحو: {لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا} [يونس: 99] فـ"جميعًا" حال من فاعل "آمن"، وهو "من" الموصولة مؤكدة لها1، وهذا القسم من استدراكات الموضح قال في المغني2 وغيره3: وأهمل النحويون4 ذكر المؤكدة لصاحبها.
"وإما" مؤكدة "لمضمون جملة" قبلها" معقودة" ومركبة "من اسمين معرفتين جامدين"، والتوكيد بها إما لبيان يقين: كـ: "هو زيد معلومًا"، أو فخر: كـ: "أنا فلان بطلًا"، أو تعظيم: كـ: "هو فلان جليلًا مهابًا"، أو تحقير: كـ: "هو فلان مأخوذًا مقهورًا"، أو تصاغر كـ:"أنا عبدك5 فقيرًا إليك"، أو وعيدًا كـ:"أنا فلان متمكنًا منك"، أو لمعنى غير ذلك:"كـ: زيد أبوك عطوفًا" قاله ابن الناظم في شرح النظم6. زاد أبوه في التسهيل7: "جمودًا محضًا" احترازًا من أن يكون أحد الاسمين8 في حكم المشتق، فإن الحال لا تكون حينئذ مؤكدة للجملة، ولا يحتاج إلى تقدير عامل، ولذلك جعل ابن مالك "زيد أبوك عطوفًا" من المؤكدة لعاملها على تأويل "الأب" بمشتق، فالعامل "الأب" لما فيه من معنى الاشتقاق، وخالفه الموضح9 في هذا تبعًا للشارح.
1 بعده في "ط": "لأن جميعًا يدل على الإحاطة، فهي مؤكدة للعموم الذي في من الموصولة".
2 مغني اللبيب ص606.
3 شرح شذور الذهب ص247.
4 منهم ابن الناظم في شرحه ص243، وابن مالك في شرح التسهيل 2/ 355.
5 في "ب": "عبيدك".
6 شرح ابن الناظم ص246.
7 التسهيل ص112.
8 بعده في "ب": "مشتقا أو".
9 مغني اللبيب ص606.
"وهذه الحال" المؤكدة1 لمضمون جملة قبلها "واجبة التأخير عن الجملة المؤكدة1"؛ لأنها مؤكدة لها، وحق المؤكد أن يتأخر عن المؤكد، "وهي معمولة" عند سيبويه2 "لمحذوف وجوبًا" مقدر بعد الخبر، "تقديره: أحقه، ونحوه" كـ:"اعرفه" إن كان المبتدأ غير "أنا"، وإن كان "أنا" فالتقدير: أحقني أو اعرفني. وقال الزجاج3: العامل هو الخبر لتأويله بمسمى، وقال ابن خروف4: العامل هو المبتدأ لتضمنه معنى "تنبه5".وكلا القولين ضعيف، لاستلزام الأول المجاز، والثاني جواز تقديم الحال على الخبر، وهو ممتنع لعدم تمام الجملة، فالعامل إذن محذوف وجوبًا. لتنزل الجملة المذكورة منزلة البدل من اللفظ، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
350-
وإن تؤكد جملة فمضمر
…
عاملها ولفظها يؤخر
1 في "ب": "المذدور".
2 الكتاب 2/ 78، 79.
3 انظر قول الزجاج في شرح ابن الناظم ص244، وشرح التسهيل 2/ 358، والارتشاف 2/ 263.
4 انظر قول ابن خروف في شرح ابن الناظم 244، وشرح التسهيل 2/ 358، والارتشاف 2/ 263.
5 في "ب"، "ط":"انتبه".
"فصل":
"تقع الحال اسمًا مفردًا" عن الجملة وشبهها "كما مضى" من نحو: "جئت راكبًا"، و"ضربت اللص مكتوفًا".
"و" تقع "ظرفًا كـ: رأيت الهلال بين السحاب"، فـ"بين": ظرف مكان من موضع الحال من "الهلال".
"وجارا ومجرورًا نحو: {فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ} "[القصص: 79] فـ"في زينته" جار ومجرور في موضع الحال من فاعل "خرج" المستتر فيه، العائد إلى "قارون"، "و" إذا وقع الظرف وعديله حالا فإنهما "يتعلقان بمستقر" إن قدرا في موضع المفرد، "أو استقر" إن قدرا في موضع الجملة، وعليه الأكثرون حال كون مستقرا أو استقر "محذوفين وجوبًا" لكونهما كونًا مطلقًا، وأما قوله تعالى:{فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ} [النمل: 40] فمحمول على عدم التزلزل والانتقال. لا أنه1 كون مطلق. وشرط الظرف والمجرور أن يكونا تامين كما تقدم، فلو كانا ناقصين لم يجز أن يكون حالين، فلا يقال: هذا زيد اليوم، ولا فيك، قاله أبو حيان2.
"و" تقع الحال" جملة" اسمية أو فعلية، وذلك مفهوم من إطلاق قول الناظم:
351-
"و" موضع الحال يجيء "جملة"
…
....................................
"بثلاثة شروط:
أحدها: كونها خبرية"، وهي المحتملة للصدق والكذب، وهذا الشرط مجمع عليه؛ لأن الحال بمثابة النعت، وهو لا يكون بجملة إنشائية، فإن قلت: قد تقدم أن الحال لها شبه بالخبر والنعت، والخبر يكون بالإنشائية، فلم غلبتم شبه النعت على شبه الخبر؟
1 في "ب": "لأنه" مكان "لا أنه".
2 الارتشاف 2/ 357.
قلنا: الحال وإن كان كخبر المبتدأ في المعنى إلا أنها قيد. والقيود تكون ثابتة مع ما قيد بها، والإنشاء لا1 خارج له بل يظهر مع اللفظ، ويزول بزواله، فلا يصلح للقيد، ولهذا لم يقع الإنشاء شرطًا ولا نعتًا، هذا حاصل جواب الحديثي. "وغلط من قال" وهو الأمين المحلي في كتابه المفتاح ومن خطه نقلت "في قوله" وهو بعض المولدين:[من السريع]
446-
"اطلب ولا تضجر من مطلب"
…
فآفة الطالب أن يضجرا
أما ترى الحبل بتكراره
…
في الصخرة الصماء قد أثرا
"إن "لا" ناهية، و" إن "الواو للحال"، قال في المغني2: وهذا خطأ، "والصواب" في الواو "أنها عاطفة" إما مصدرًا يسبك من "أن" والفعل على مصدر متوهم من الأمر السابق، أي: ليكن منكم طلب وعدم ضجر. أو جملة على جملة، وعلى الأول ففتحة "تضجر" إعراب و"لا" نافية، والعطف مثل قولك:"ائتني ولا أجفوك" بالنصب.
وعلى الثاني فالفتحة بناء للتركيب، والأصل: ولا تضجرن بنون التوكيد الخفيفة فحذفت للضرورة، و"لا" ناهية، والعطف "مثل {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا} " [النساء: 36] . انتهى كلامه في المغني قبيل الجملة المفسرة ثم أعاد المسألة في النوع الثامن من الجهة السادسة فقال: ثم الأصح أن الفتحة؛ يعني فتحة "تضجر"؛ إعراب مثلها في "لا تأكل السمك وتشرب اللبن" لا بناء لأجل نون توكيد محذوفة. ا. هـ.
الشرط "الثاني: أن تكون" الجملة "غير مصدرة بدليل استقبال"؛ لأن الغرض من الحال تخصيص وقوع مضمون عاملها بوقت حصول مضمون الحال، وذلك ينافي الاستقبال، واعترض بأن الحال بالمعنى الذي نحن بصدده تجامع كلا من الأزمنة الثلاثة على السواء، ولا يناسب الحال معنى الزمان الحاضر المقابل للاستقبال إلا في إطلاق لفظ الحال على كل منهما اشتراكًا لفظيا، وذلك لأن يقتضي امتناع تصدير الحال بعلم الاستقبال. وأجيب بأن الأفعال إذا وقعت قيودًا لما له اختصاص بأحد الأزمنة فهم منها استقباليتها وحاليتها وماضويتها بالنظر إلى ذلك المقيد، لا بالنظر إلى زمن التكلم كما في معانيها الحقيقية، وحينئذ يظهر صحة كلامهم في اشتراط التجريد من علامة الاستقبال. إذ
1 سقطت من "ب".
446-
البيتان لبعض المولدين في الدرر 1/ 515، والبيت الأول في المقاصد النحوية 3/ 217، وبلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 347، وشرح الأشموني 1/ 256، ومغني اللبيب 2/ 398، وهمع الهوامع 1/ 246.
2 مغني اللبيب 2/ 398.
لو صدرت بها لفهم كونها مستقبلة بالنظر إلى عاملها. "وغَلِطَ من أعرب"، كالحوفي، "سيهدين؛ من قوله تعالى:{إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ} [الصافات: 99] حالًا1" مفعول أعرب، وبيان غلطه من جهة الصناعة ظاهر، وأما من جهة المعنى؛ فلأنه صير معنى الآية: سأذهب مهديا2، فصرف التنفيس إلى الذهاب، وهو في الآية للهداية، وأجيب بأن "مهديا" وقع بعد الذهاب الذي فيه تنفيس، فيلزم أن يكون أيضًا فيه تنفيس كالمقيد قاله الدماميني. وأما قولهم: "لأضربنه إن ذهب وإن مكث"، فإنما جاز وقوع الشرطية فيه حالًا وإن كانت مصدرة بدليل استقبال وهو "إن"؛ لأن المعنى لأضربنه على كل حال، إذ لا يصح اشتراط وجود الشيء وعدمه لشيء واحد. قاله في المغني3.
وقال المطرزي4: طريق جعل الشرطية حالًا أن تجعلها خبرًا لمن الحال له تقول في: "جاء زيد إن تسأله يعطك": جاء زيد وهو إن تسأله يعطك، وتكون الحال حينئذ هي الجملة الاسمية.
الشرط "الثالث: أن تكون" الجملة "مرتبطة إما بالواو والضمير" معًا لتقوية الربط "نحو:"{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ "خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ" حَذَرَ الْمَوْتِ} [البقرة: 243] فجملة "هم ألوف" حال من الواو في "خرجوا" وهي مرتبطة بالواو والضمير وهو "هم"، "أو بالضمير فقط" دون الواو، و"نحو:{اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ} " [البقرة: 36] فـ"بعضكم": مبتدأ، و"عدو": خبره، و"لبعض" يتعلق بـ"عدو" والجملة حال من الواو في "اهبطوا"، "أي: متعادين" يضل بعضكم بعضًا، وهي مرتبطة بالضمير فقط، وهو الكاف والميم، والخطاب لآدم وحواء بدليل:{اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا} [طه: 123] وجمع ضميرهما؛ لأنهما أصل البشر فكأنهما جمع الجنس، وقيل الضمير لهما ولإبليس والحية، وصحح الزمخشري الأول5.
"أو" مرتبطة "بالواو فقط" دون الضمير "نحو: {لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ} "[يوسف: 14] فجملة "ونحن عصبة" حال من "الذئب" مرتبطة بالواو فقط، ولا دخل لـ"نحن" في الربط؛ لأنها لم ترجع إلى صاحب الحال، وإنما جعلت الواو في باب الحال
1 مغني اللبيب 2/ 398.
2 في "ب": "مذهبا".
3 مغني اللبيب 2/ 399.
4 انظر قول المطرزي في الارتشاف 2/ 363، وهمع الهوامع 1/ 246.
5 الكشاف 1/ 63.
رابطة؛ لأنها تدل على الجمع1، والغرض اجتماع جملة الحال مع عامل صاحبها.
"وتجب الواو" في موضعين:
أحدهما: أن يفقد الضمير نحو: "جاء زيد وما طلعت الشمس".
والثاني: "قبل "قد"" حال كونها "داخلة على مضارع" مثبت "نحو: {لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ" أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ} [الصف: 5] فجملة "تعلمون" حال من الواو في تؤذونني، وهي حال مقررة2 للإنكار، فإن "قد" لتحقيق العلم، والعلم بنبوته يوجب تعظيمه، ويمنع من إيذائه قاله البيضاوي3.
"وتمتنع" الواو "في سبع صور:
إحداها: الواقعة بعد عاطف" حالًا على حال كما قاله4 المرادي5 "نحو: {فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ} " [الأعراف: 4] فجملة "هم قائلون" من القيلولة؛ حال معطوفة على "بياتًا" وهو مصدر في موضع الحال، والمعنى: جاءها عذابنا حال كونهم بائتين أو قائلين نصف النهار، ولا يقال: أو وهم قائلون، كراهة اجتماع حرفي عطف6.
الصورة "الثانية": الحال "المؤكدة لمضمون الجملة" قبلها "نحو: هو الحق لا شك فيه، و: {ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ} [البقرة: 2] فكل من جملتي "لا شك فيه" و"لا ريب فيه" حال مؤكدة لمضمون الجملة قبلها، وكما لا تدخل الواو في التوكيد في نحو: جاء زيد نفسه لا تدخل هنا؛ لأن المؤكد نفس المؤكد في المعنى، فلو دخلت الواو في التوكيد في صورة عطف الشيء على نفسه.
الصورة "الثالثة: الماضي التالي "إلا"" الإيجابية "نحو:"{وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ " إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ "} [الحجر: 11] فجملة "كانوا به يسهزئون" حال من الهاء والميم في "يأتيهم"، ولا تقترن بالواو عند ابن مالك7، وصرح شارح اللب8 بجواز
1 في "ط": "الجملة".
2 في "أ"، "ب":"مقدرة".
3 أنوار التنزيل 4/ 102.
4 في "ب"، "ط":"قال".
5 انظر شرح المرادي 2/ 167.
6 بعده في "ط": "صورة".
7 شرح التسهيل 2/ 361.
8 العباب في شرح اللباب لعبد الله العجمي 2/ 84.
الواو وتركها فيما إذا كان الماضي تاليًا "إلا" كقوله: [من البسيط]
447-
نعم امرأ هرم لم تعر نائبة
…
إلا وكان لمرتاع بها وزرا
الصورة "الرابعة: الماضي المتلو بـ"أو"، نحو: لأضربنه ذهب أو مكث"، فجملة "ذهب" حال من الهاء، وهي متلوة بـ"أو" فلا تقترن بالواو؛ لأنها في تقدير شرط، أي: إن ذهب وإن مكث، وفعل الشرط لا يقترن بالواو، فكذلك ما كان في تقديره.
الصورة "الخامسة: المضارع المنفي بـ"لا" نحو: {وَمَا لَنَا لَا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ} "[المائدة: 84] فجملة
"نؤمن بالله" حال من الضمير المجرور باللام. ولم تقترن بالواو؛ لأن المضارع المنفي بـ"لا" بمنزلة اسم الفاعل المضاف إليه "غير"، فجرى مجراه في الاستغناء عن الواو، ألا ترى أن معناه: ما لنا غير
مؤمنين، فكما لا يقال: ما لنا وغير مؤمنين لا يقال: ما لنا ولا نؤمن. قاله ابن مالك في شرح الكافية. وجعل ابن الناظم ترك الواو قبل "لا" أكثريا، وأنشد على مجيء الواو قول مالك بن رقية:[من الوافر]
448-
.................
…
وكنت ولا ينهنهني الوعيد
وقول مسكين الدارمي: [من الرمل]
449-
أكسبته الورق البيض أبا
…
ولقد كان ولا يدعى لأب
الصورة "السادسة: المضارع المنفي بـ"ما" كقوله": [من الطويل]
450-
"عهدتك ما تصبو وفيك شبيبة"
…
فما لك بعد الشيب صبا متيما
أنشده ابن مالك في شرح التسهيل1، فجملة "تصبو": حال من الكاف في "عهدتك"، ولم تقترن بالواو لما تقدم في "لا" و"صبا" حال، والمعنى: كنت حالة الصبا غير لاه، وصرت في حال الشيخوخة لاهيا، وكان مقتضى الحال عكس ذلك.
447- البيت بلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 375، وشرح الأشموني 2/ 374، وشرح التسهيل 1/ 163، 2/ 169.
448-
صدر البيت:
"تفانى مصعب وبنو أبيه"
، وهو لمالك بن رقية في أمالي القالي 3/ 127، والمقاصد النحوية 3/ 192، وبلا نسبة في شرح ابن الناظم ص246، وشرح الأشموني 1/ 257.
449-
البيت لمسكين الدارمي في ديوانه ص22، وسمط اللآلي ص352، والمقاصد النحوية 3/ 193، وبلا نسبة في شرح ابن الناظم ص246، وشرح الأشموني 1/ 257.
450-
البيت بلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 354، والدرر 1/ 516، وشرح الأشموني 1/ 257، وشرح التسهيل 2/ 360، وهمع الهوامع 1/ 246.
1 شرح التسهيل 2/ 360.
الصورة "السابعة: المضارع المثبت" المجرد من "قد""كقوله تعالى: {وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ} "[المدثر: 6] فجملة "تستكثر" حال من فاعل "تمنن" المستتر فيه، ولم تقترن بالواو؛ لأنه يشبه اسم الفاعل في الزنة والمعنى، والواو لا تدخل اسم الفاعل فكذلك ما أشبهه، وإليه أشار الناظم بقوله:
352-
وذات بدء بمضارع ثبت
…
حوت ضميرا ومن الواو خلت
"وأما نحو قوله" وهو عنترة العبسي: [من الكامل]
451-
"علقتها عرضًا وأقتل قومها"
…
زعما لعمر أبيك ليس بمزعم
فجملة "وأقتل قومها" حال من "التاء" في "علقتها"، وهي مقترنة بالواو مع المضارع المثبت، واختلف في تخريجها "فقيل: ضرورة. وقيل: الواو عاطفة" لا واو الحال، "والمضارع مؤول بالماضي"، والتقدير: وقتلت قومها، فعدل عن لفظ الماضي إلى لفظ المضارع قصدًا لحكاية الحال الماضية، ومعناها أن يفرض ما كان في الزمان الماضي واقعًا في هذا الزمان، فيعبر عنه بلفظ المضارع، وهذا القول منسوب في التلخيص البياني واقعًا في هذا الزمان، فيعبر عنه بلفظ المضارع، وهذا القول منسوب في التلخيص البياني إلى الشيخ عبد القاهر. "وقيل:" هي "واو الحال، والمضارع خبر لمبتدأ محذوف، أي: وأنا أقتل" قومها، والجملة من المبتدأ والخبر هي الحال، وعليه اقتصر في الناظم فقال:
353-
وذات واو بعدها انو مبتدا
…
له المضارع اجعلن مسندًا
و"علقتها": مبني للمفعول، "وعرضًا" بفتح العين المهملة والراء، و"زعمًا" بفتح الزاي والعين المهملة: مصدر زعم؛ بكسر العين: يزعم؛ بفتحها: زعمًا؛ بفتحتين: أي: طمع يطمع طمعًا كـ: فرح يفرح فرحًا، والمزعم: المطمع.
451- البيت لعنترة في ديوانه ص191، وجمهرة اللغة ص816، وخزانة الأدب 6/ 131، ولسان العرب 12/ 267 "زعم"، والمقاصد النحوية 3/ 188، وبلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 356، وشرح ابن الناظم ص245، وشرح الأشموني 1/ 256، وشرح التسهيل 2/ 367، ومجالس ثعلب 1/ 241.
"فصل":
"وقد يحذف عامل الحال" إذا كان فعلًا "جوازًا لدليل حالي كقولك لقاصد السفر: "راشدًا"، و" قولك "للقادم من حج: "مأجورًا". أو" لدليل "مقالي"، كأن تقع في جواب استفهام كقولك:"راكبًا"، لمن قال لك كيف جئت؟ أو جواب نفي "نحو:{بَلَى قَادِرِينَ} [القيامة: 4]، أو جواب شرط نحو:{فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالا أَوْ رُكْبَانًا} [البقرة: 239] فهذه أحوال منصوبة بعامل محذوف جوازًا، فـ"راشدًا": منصوب "بإضمار "تسافر"، و""مأجورًا": منصوب بإضمار "رجعت، و""قادرين" منصوب بإضمار "نجمعها، و""رجالًا": منصوب بإضمار "صلوا"، ولو قيل: تسافر راشدًا1، ورجعت مأجورًا، ونجمعها2 قادرين، وصلوا رجالا، لجاز، ولكن القراءة سنة متبعة.
"و" يحذف3 "وجوبًا قياسًا في أربع" صور:
إحداها: السادة مسد الخبر "نحو: ضربني زيدًا قائمًا". والأصل: حاصل إذا كان قائمًا. أو ضربه قائمًا على الخلاف في تقديره، ولا يجوز ذكره لما فيه من الجمع بين العوض والمعوض.
"و" الثانية: الحال المؤكدة لمضمون جملة قبلها "نحو: زيد أبوك عطوفًا"، والأصل: أحقه، ولا يجوز ذكره لتنزل الجملة قبله4 منزلة البدل من اللفظ، "و" هاتان الصورتان "قد مضتا"، فالأولى في باب المبتدأ، والثانية قريبًا هنا.
1 في "ط": "راشد".
2 في "ط": "نجمعهما".
3 سقطت من "ط".
4 في "ب": "فيه".
"و" الصورة الثالثة: هي "التي يبين بها ازدياد" في المقدار "أو نقص" فيه "بتدريج" فيهما، فالأول "كـ: تصدق بدينار فصاعدًا، و" الثاني نحو:"اشتره بدينار فسافلا"، فـ"صاعدًا" و"سافلًا" حالان، والفاء الداخلة عليهما عطفت عاملًا قد حذف وبقي معموله من عطف الإخبار عن الإنشاء، والأصل: تصدق بدينار فذهب المتصدق به صاعدًا، واشتره بدينار فانحط المشترى به سافلًا، قال أبو البقاء: ولا يجوز هنا من حروف العطف إلا الفاء.
"و" الصورة الرابعة: "ما ذكر" بدلا من اللفظ بالفعل "لتوبيخ نحو: أقائمًا وقد قعد الناس، و" لمن لا يثبت على حال: "أتميميا مرة وقيسيا أخرى"، فـ"قائمًا": حال منصوبة بفعل محذوف وجوبًا "أي: أتوجد"، و"تميميا، وقيسيا": حالان منصوبان بفعل محذوف وجوبًا أي: "أتتحول. و" يحذف "سماعًا في غير ذلك نحو: هنيئا لك"، فـ"هنيئًا لك" حال محتملة للتأسيس والتأكيد، منصوبة بفعل محذوف. "أي: ثبت لك الخبر هنيئًا"، على التأسيس. "أو هنأك" ذلك "هنيئًا"، على التأكيد، وهذا التقدير مأخوذ من قول سيبويه1: وإنما نصب "هنيئًا" لأنه ذكر أن خبرًا أصابه إنسان. فقلت: "هنيئًَا" كأنك قلت: ثبت لك هنيئًا أو هنأك ذلك هنيئًا.
ا. هـ. فحذف الفعل وقامت الحال مقامه قاله ابن الشجري. "وهنأ" بتخفيف النون وبالهمز، يقال: هنئ يهنأن كـ: "علم يعلم" وهنؤ يهنؤ، كـ:"ظرف يظرف". وإلى حذف عامل الحال أشار الناظم بقوله:
355-
والحال قد يحذف ما فيها عمل وبعض ما يحذف ذكره حظل أي: منع.
1 الكتاب 1/ 317.