الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب المفعول فيه
مدخل
…
باب المفعول فيه:
"هذا باب المفعول فيه": "وهو المسمى" عند البصريين "ظرفًا" دون الكوفيين؛ لأن الظرف في اللغة الوعاء، وهو متناهي الأقطار، كالجراب والعدل، والذي يسمونه ظرفًا من المكان ليس كذلك، وسماه الفراء محلا، والكسائي وأصحابه يسمون الظروف صفات، ولا مشاحة في الاصطلاح.
"الظرف ما ضمن معنى "في"" الظرفية "باطراد، من اسم وقت، أو" من "اسم مكان، أو" من "اسم عرضت دلالته على أحدهما، أو" من اسم "جار مجراه"، أي: مجرى أحدهما.
"فالمكان والزمان كـ"امكث هنا أزمنا""، فـ"هنا" اسم إشارة من أسماء المكان، و"أزمنا" جمع "زمن" من أسماء الزمان.
"و" الاسم "الذي عرضت دلالته على أحدهما" أي: الزمان أو المكان "أربعة":
أحدها: "أسماء العدد المميزة بهما" أي: بالزمان والمكان "كـ: سرت عشرين يوما ثلاثين فرسخا"، فـ"عشرين": مفعول فيه منصوب نصب ظرف الزمان؛ لأنه لما ميز بـ"يوما" وهو من أسماء الزمان؛ عرضت له اسمية الزمان، و"ثلاثين": مفعول فيه منصوب نصب ظرف المكان؛ لأنه لما ميز بـ"فرسخا" وهو من أسماء المكان؛ عرضت له اسمية المكان.
"و" الثاني: "ما أفيد به كلية أحدهما" أي: الزمان والمكان "أو جزئيته كـ: سرت جميع اليوم جميع الفرسخ، أو: كل اليوم كل الفرسخ"، فـ"جميع" و"كل" مفعول فيهما منصوبان نصب ظرف الزمان وظرف المكان؛ لأنهما لما أضيفا إلى
الزمان والمكان عرضت لهما اسمية الزمان والمكان، وصارا دالين على كليتهما؛ لأنهما من الألفاظ الدالة على العموم والإحاطة. "أو: بعض اليوم بعض الفرسخ، أو: نصف اليوم نصب الفرسخ"، فـ"بعض" و"نصف" مفعول فيهما منصوبان نصب ظرف الزمان وظرف المكان؛ لأنهما لما أضيفا إلى الزمان والمكان عرضت لهما اسمية الزمان والمكان، فصار دالين على جزئيتي الزمان والمكان؛ لأنهما من الألفاظ الدالة على الجزئية إلا أن "بعض" يدل على جزء مبهم، و"نصف" يدل على جزء معين من جهة المقدار.
"و" الثالث: "ما كان صفة لأحدهما" أي: الزمان والمكان "كـ: جلست طويلًا من الدهر شرقي الدار"، فـ"طويلًا" و"شرقي" مفعول فيهما منصوبان نصب ظرف الزمان والمكان؛ لأنهما لما وصف بهما الزمان والمكان عرضت لهما اسمية الزمان والمكان.
فـ"طويلا": صفة للزمان، و"من الدهر": بيان له، و"شرقي": صفة للمكان، وذكر "الدار" معين له، والأصل: زمنا طويلًا، ومكانا شرقيا.
"و" الرابع: "ما كان مخفوضا بإضافة أحدهما" أي: الزمان والمكان "ثم" حذف المضاف، "وأنيب عنه" المضاف إليه "بعد حذفه" أي: المضاف، "والغالب في هذا" المضاف إليه "النائب" عن المضاف المحذوف "أن يكون مصدرًا و" الغالب "في" المضاف المحذوف "المنوب عنه أن يكون زمانًا، ولا بد من كونه معينا لوقت أو لمقدار"، فالمعين للوقت نحو:"جئتك صلاة العصر" أو "قدوم الحاج" فـ"صلاة" و"قدوم": مفعول فيهما منصوبان نصب ظرف الزمان؛ لأنهما لما نابا عن الزمان عرضت لهما اسمية الزمان فانتصبا انتصابه. والأصل: وقت صلاة العصر، ووقت قدوم الحاج، فحذف المضاف؛ وهو وقت؛ المعين لوقت "المجيء" وأنيبت عنه المصدر وهو "صلاة" و"قدوم"، "و" المعين للمقدار نحو:"انتظرتك حلب ناقة، أو: نحر جزور" فـ"حلب" و"نحر" مفعول فيهما، والأصل: مقدار حلب ناقة، ومقدار نحر جزور، ففعل فيهما ما تقدم.
"وقد يكون النائب" عن الزمان "اسم عين، نحو" قولهم في المثل: "لا أكلمه القارظين1" بالتثنية، "والأصل: مدة غيبة القارظين" فحذف "مدة" وأنيب عنها "غيبة" ثم "غيبة" وأنيب عنها "القارظين" وهو تثنية "قارظ" بالقاف والظاء المشالة: وهو الذي يجني القرظ؛ بفتح القاف والراء؛ وهو يدفع به.
1 المثل في مجمع الأمثال 1/ 211، والمستقصى 2/ 58، وكتاب الأمثال لمجهول ص55.
قال الجوهري1: "لا آتيك أو يئوب القارظ العنزي، وهما قارظان كلاهما من عنزة، خرجا في طلب القرظ فلم يرجعا" وطالت غيبتهما.
"وقد يكون المنوب عنه مكانًا نحو: جلست قرب زيد، أي: مكان قربه"، فحذف المضاف وهو "مكان" وأنيب عنه المصدر وهو "قرب"، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
310-
وقد ينوب عن مكان مصدر
…
وذاك في ظرف الزمان يكثر
وإنما كان ذلك كثيرًا في ظروف الزمان، وقليلًا في ظروف المكان، لقرب ظروف الزمان من المصدر، وبعد ظروف المكان منه، ألا ترى أن الزمان يشارك المصدر في دلالة الفعل عليهما؛ لأن الفعل يدل على المصدر بحروفه، وعلى الزمان بصيغته، بخلاف ظرف المكان، فإن دلالة الفعل عليه بالالتزام الخارجي، إذ كل فعل لا بد له من مكان يقع فيه، فلم يقو في ذلك قوة ظرف الزمان، ولم يبلغ رتبته، فكانت إقامة المصدر مقام الزمان كثيرة، ومقام المكان قليلة.
"والجاري مجرى أحدهما" أي: الزمان والمكان "ألفاظ مسموعة، توسعوا فيها، فنصبوها على تضمين معنى "في" كقولهم: "أحقا أنك ذاهب"، فـ"أحقا" منصوبة على الظرفية المتعلقة بالاستقرار على أنها خبر مقدم، و"أنك ذاهب" في تأويل مصدر مرفوع بالابتداء عند سيبويه2 والجمهور على حد: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ} [فصلت: 39] "والأصل: أفي حق" ذهابك فحذفت "في" وانتصب "حقا" على الظرفية، "وقد نطقوا بذلك" الحرف الجار في قوله: [من الوافر]
406-
أفي حق مواساتي أخاكم
…
...............................
و"قال" فائد؛ بالفاء؛ ابن المنذر القشيري: [من الطويل]
407-
"أفي الحق أني مغرم بك هائم"
…
وأنك لا خل هواك ولا خمر
1 الصحاح "قرظ".
2 الكتاب 3/ 134، 135.
406-
عجز البيت:
"بما لي ثم يظلمني السريس"
وتقدم تخريجه برقم 237.
407-
البيت لفائد بن المنذر في المقاصد النحوية 3/ 81 والحماسة البصرية 2/ 208، ولعابد بن المنذر في شرح شواهد المغني 1/ 172، ولمجنون ليلى في ديوانه ص127، ولأبي الطمحان القيني في محاضرات الأدباء 3/ 52، وبلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 232، وتخليص الشواهد ص177، والتمثيل والمحاضرة ص281، وخزانة الأدب 1/ 401، 10/ 274، والحماسة المغربية ص962، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص1267، ومغني اللبيب 1/ 55.
فصرح بـ"في" وشبه هوى من هو مغرم بها؛ في كونه غير ثابت ولا مستقر على حاله؛ بماء العنب المتردد بين الخلية والخمرية، فلا هو خل صرف حتى يستعمل خلا، ولا هو خمر صرف حتى يستعمل خمرًا، فمن كان حال هواه بهذه المثابة، كيف يكون غرام من أغرم بها حقا؟
ولما كان قول الموضح: "والجاري مجرى أحدهما" شاملًا للزمان والمكان خصصه بقوله: "وهي جارية مجرى ظرف الزمان دون ظرف المكان، ولهذا يقع خبرًا عن المصادر" كما تقدم في "أحقا أنك ذاهب""دون الجثث" فلا يقال: "أحقا زيد".
وذهب المبرد وتبعه ابن مالك1 إلى أن "حقا" مصدر بدل من اللفظ بفعله، وأن ما بعدها من أن ومعمولها في تأويل مصدر مرفوع على الفاعلية على حد:{أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا} [العنكبوت: 51] ورده أبو حيان2. ومثله؛ أي: مثل "أحقا أنك ذاهب"؛ في الانتصاب على الظرفية المجازية" غير شك" أنك قائم، أو "جهد رأيي" أنك قائم، أو "ظنا مني أنك قائم"، فـ"غير شك" و"جهد رأيي"، و"ظنا مني" منصوبات على الظرفية الزمانية توسعا على إسقاط، "في"، والأصل: في غير شك، وفي جهد رأيي، وفي ظن مني، على وزان "أحقا"3.
"وخرج عن الحد" المذكور في النظم بقوله:
303-
الظرف وقت أو مكان ضمنا
…
في باطراد...........................
وتبعه الموضح "ثلاثة أمور:
أحدها: {وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ} [النساء: 127] إذا قدر بـ"في""، فإنه يصدق عليه أنه اسم ضمن معنى "في"، إذ التقدير: وترغبون في نكاحهن، وهو ليس بظرف، "فإن النكاح ليس بواحد مما ذكرنا"؛ لأنه ليس باسم زمان ولا مكان، أما إذا قدر بـ"عن" فليس مما نحن فيه.
"و" الأمر "الثاني: نحو: {يَخَافُوْنَ يَوْمًا} [النور: 37] من أسماء الزمان، "ونحو: {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} " [الأنعام: 124] من أسماء المكان، فإن "يومًا" و"حيث" وإن كانا من أسماء الزمان والمكان فليسا ظرفين، "فإنهما ليس على معنى: في"
1 شرح التسهيل 2/ 23، 24.
2 الارتشاف 2/ 226.
3 الارتشاف 2/ 225، 226.
إذ ليس المراد أن الخوف واقع في ذلك اليوم، والعلم واقع في ذلك المكان، وإنما المراد أنهم يخافون نفس اليوم، وأن الله تعالى يعلم نفس المكان المستحق لوضع الرسالة، "فانتصابهما على المفعول به"؛ لأن الفعل واقع عليهما لا فيهما، وناصب لفظ "يوما":"يخافون"، "وناصب" محل "حيث" فعل مضارع منتزع من لفظ "أعلم" تقديره "يعلم" حال كونه "محذوفًا" لدلالة "أعلم" عليه لا "أعلم" المذكور الذي هو اسم تفضيل؛ "لأن اسم التفضيل لا ينصب المفعول به إجماعًا"، هذا وقد قال الموضح في الحواشي ومن خطه نقلت: قال محمد بن مسعود بن الزكي في كتاب البديع: غلط من قال إن اسم التفضيل لا يعمل في المفعول به، لورود السماع بذلك، كقوله تعالى:{هُوَ أَهْدَى سَبِيلًا} [الإسراء: 84] وليس تمييزًا؛ لأنه ليس فاعلًا في المعنى كما هو في "زيد أحسن وجها" وقول العباس بن مرداس: [من الطويل]
408-
.....................
…
وأضرب منا بالسيوف القوانسا
ا. هـ. وفي الارتشاف لأبي حيان1: وقال محمد بن مسعود الغزني: أفعل التفضيل ينصب المفعول به قال الله تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ} [الأنعام: 117] . ا. هـ. وفي جعل "حيث" مفعولًا بها نظر؛ لأن هذا ضرب من التصرف.
وفي التسهيل2: إن تصرف "حيث" نادر. وشرحه المرادي بقوله: لم تجئ حيث فاعلا، ولا مفعولا بها، ولا مبتدأ، ا. هـ.
ولهذا قال الدماميني 3: ولو قيل: إن المراد: يعلم الفضل الذي هو في محل الرسالة لم يبعد، وفيه إبقاء "حيث" على ما عهد لها من ظرفيتها والمعنى: أن الله تعالى لن يؤتيكم مثل ما أوتي رسله من الآيات؛ لأنه يعلم ما فيهم من الذكاء، والطهارة، والفضل، والصلاحية للإرسال، ولستم كذلك. ا. هـ.
408- صدر البيت:
"أكر وأحمى للحقيقة منهم"
، وهو للعباس بن مرداس في ديوانه ص93، والأصمعيات ص205، وحماسة البحتري ص48، وخزانة الأدب 8/ 319، 321، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص441، 1700، ولسان العرب 6/ 184، "قنس"، ونوادر أبي زيد ص59، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 1/ 344، 4/ 79، وخزانة الأدب 7/ 10، وشرح الأشموني 1/ 291، ومغني اللبيب 2/ 618.
1 الارتشاف 3/ 225.
2 التسهيل ص96.
3 انظر قول الدماميني في حاشية الصبان 2/ 126.
"و" الأمر "الثالث: نحو: دخلت الدار، و: سكنت البيت، فانتصابهما" أي: "الدار"، و"البيت" "إنما هو على التوسع بإسقاط الخافض" وهو في الأصل: دخلت في الدار، وسكنت في البيت، فلما حذف الخافض نصبا على المفعول به توسعًا، كما حذف1 الجار ونصب2 ما بعده كقوله:[من الوافر]
409-
تمرون الديار........
…
............................
"لا" انتصابهما "على الظرفية، فإنه لا يطرد تعدي" سائر "الأفعال إلى: الدار، و: البيت، على معنى: في، لا تقول: صليت الدار، ولا: نمت البيت" لأن "الدار" و"البيت" من أسماء المكان3 المختصة4؛ لأن لها صورة وحدود محصورة، ولا يقبل النصب على الظرفية من أسماء المكان إلا المبهم، أو ما اتحدت مادته، ومادة عامله كما سيجيء.
1 في "ب"، "ط":"يحذف".
2 في "ب"، "ط": ينتصب".
409-
تمام البيت:
"تمرون الديار ولم تعوجوا
…
كلامكم علي إذا حرام"
3 في "ب": "الظروف"، بدل "أسماء المكان".
4 انظر الكتاب 1/ 159، وشرح التسهيل 2/ 200.
"فصل":
والظرف الزماني والمكاني "حكمه النصب، وناصبه اللفظ الدال على المعنى الواقع فيه"، سواء أكان اللفظ الدال فعلًا أم اسم فعل أم وصفًا أم مصدرًا، وهذا أشمل من قول الناظم:
304-
فانصبه بالواقع فيه........
…
................................
"ولهذا اللفظ ثلاث حالات:
إحداها: أن يكون مذكورًا" وإليه أشار الناظم بقوله:
304-
.......................
…
............."كامكث هنا أزمنا"
305-
............. مظهرًا
…
.........................
"وهذا هو الأصل"؛ لأن الأصل في العامل أن يكون مذكورًا.
"و" الحالة "الثانية: أن يكون محذوفًا، جوازًا" لدليل مقالي، "وذلك كقولك:"فرسخين، أو يوم الجمعة" بنصب "فرسخين" من ظروف المكان و"يوم الجمعة" من ظروف الزمان، "جوابًا لمن قال: كم سرت؟ أو متى صمت؟ " أي: سرت فرسخين، وصمت يوم الجمعة، والفرق بين "كم" و"متى" في الاستفهام أن "كم" يطلب بها تعيين المعدود مطلقًا زمان أو مكانا أو نحوهما، و"متى" يطلب بها تعيين الزمان خاصة.
"و" الحالة "الثالثة: أن يكون محذوفًا وجوبًا، وذلك في ست مسائل: وهي أن يقع صفة كـ: مررت بطائر فوق غصن" فـ"فوق" صفة لـ"طائر". "أو صلة كـ: رأيت الذي عندك" فـ"عندك" صلة "الذي". أو حالًا كـ: رأيت الهلال بين السحاب" فـ"بين" حال من "الهلال". "أو خبرًا كـ: زيد عندك" فـ"عندك" خبر "زيد" والناصب في الجميع محذوف وجوبًا تقديره: "استقر" أو "مستقر" إلا في الصلة فيتعين "استقر"، وهذه الأمثلة الأربعة ظروف مكان.
ويستثنى من الظروف ما قطع عن الإضافة، ويبنى على الضم، فإنه لا يقع صفة، ولا صلة، ولا حالًا، ولا خبرًا، لا يقال:"مررت برجل أمام"، ولا "جاء الذي أمام"، ولا "رأيت الهلال أمام"، ولا "زيد أمام"؛ لئلا يجتمع عليها ثلاثة أشياء القطع والبناء ووقوعها موقع شيء آخر.
ومثل للزمان بمثالين، أحدهما قياسي، والآخر سماعي، فقال:"أو مشتغلًا عنه" العامل بنصبه لمحل ضميره، "كـ: يوم الخميس صمت فيه" فـ"يوم الخميس" منصوب بفعل محذوف وجوبًا يفسره "صمت" المذكور، والتقدير: صمت يوم الخميس فيه، ولم يقل: "صمته"؛ لأن ضمير الظرف لا ينصب على الظرفية، بل يجب جره بـ"في" كما مثل.
"أو مسموعًا بالحذف لا غير كقولهم" في المثل لمن ذكر أمرًا قد تقادم عهده: "حينئذ، الآن"1، فـ"حين" منصوبة لفظًا بفعل محذوف، وأضيفت إلى "إذ" إضافة بيان، أو إضافة أعم إلى أخص، و"الآن" منصوب محلا، وفتحته فتحة بناء؛ لأنه مبني لتضمنه معنى "أل"، و"أل" الموجودة فيه زائدة؛ لأنه علم على الزمان الحاضر كما تقدم، وناصبه فعل محذوف، "أي: كان ذلك حينئذ، واسمع الآن"، فهما جملتان، وأصلهما أن يقول المتكلم لمن يقول: كذا وكذا: "حينئذ الآن"، أي: كان ما تقول واقعًا حين إذ كان كذا، واسمع الآن ما أقول لك، فـ"حينئذ" مقتطع من جملة، و"الآن" مقتطع من جملة أخرى2.
وكان ينبغي للموضح أن يقول: ليس غير؛ لأنه يرى أن قولهم: "لا غير" لحنا، كما صرح به في المغني3، وبالغ في إنكاره في شرح شذوره4، والحق جوازه لورود السماع به، كما أوضحته في باب الإضافة.
ويستثنى من حذف الناصب ما لا يعمل محذوفًا كالمصدر واسم الفعل، وما جرى مجراهما، وشمل مسألتي الحذف قول الناظم:
304-
.........................
…
................ وإلا فانوه مقدرًا
فإن ذلك يعم الجائز والواجب.
1 المثل في شرح ابن الناظم ص201، والكتاب 1/ 224، 274، 2/ 129، وشرح المفصل 2/ 47.
2 انظر شرح ابن الناظم ص201، وشرح المفصل 2/ 47، وشرح المرادي 2/ 91.
3 مغني اللبيب ص209.
4 شرح شذور الذهب ص103.
"فصل":
"أسماء الزمان كلها صالحة للانتصاب على الظرفية، سواء في ذلك مبهمها كـ: حين، و: مدة. ومختصها كـ: يوم الخميس، ومعدودها كـ: يومين، أو: أسبوع"، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
305-
وكل وقت قابل ذاك.......
…
...................................
والمراد بالمختص ما يقع جوابًا لـ"متى" كـ: "يوم الخميس" كما مثل.
وبالمعدود ما يقع جوابًا لـ"كم" كـ: "يومين" و"أسبوع" كما مثل. والمبهم ما لا يقع جوابًا لشيء منهما كـ: "حين" و"مدة" كما مثل. تقول: "صمت مدة"، أو "يوم الخميس" أو "يومين". وبقي عليه ظرف الزمان المشتق نحو:"قعدت مقعد زيد"، تريد الزمان كما تفعل ذلك إذا أردت المكان، إذ لا فرق بينهما في صحة تقدير "في"، ونصبه على الظرفية1 قاله الشاطبي.
"والصالح لذلك" النصب على الظرفية "من أسماء المكان نوعان:
أحدهما: المبهم: وهو ما افتقر إلى غيره في بيان صورة مسماه، كأسماء الجهات" الست، فإنها مفتقرة في بيان صورة مسماها إلى غيرها، وهو ذكر المضاف إليها، وهذه العبارة أخذها من الشارح2، والإضافة فيها بيانية؛ أي: صورة في مسماه؛ والمراد ما افتقر إلى غيره في بيان حقيقته. وينحل إلى قولنا: "ما لا تعرف حقيقته بنفسه بل بما يضاف إليه" كـ: "مكان" فإنه لا تعرف حقيقته إلا بذكر المضاف إليه.
قال أبو البقاء في شرح لمع ابن جني: الإبهام يحصل في المكان من وجهين:
أحدهما: ألا يلزم مسماه، ألا ترى أن خلفك قدام لغيرك، وقد تتحول عن تلك الجهة، فيصير ما كان خلفك جهة أخرى لك؛ لأن الجهات تختلف باختلاف الكائن في المكان، فهي جهات له، وليس لكل واحدة منها3 حقيقة منفردة بنفسها.
1 انظر حاشية الصبان 2/ 128.
2 أي: في شرح ابن الناظم ص201.
3 في "أ": "منهما".
والوجه الثاني: أن هذه الجهات لا أمد لها معلوم، فـ"خلفك" اسم لما وراء ظهرك إلى آخر الدنيا. ا. هـ.
والجهات الست "نحو: أمام، ووراء، ويمين، وشمال، وفوق، وتحت"، تقول:"جلست أمامك، ووراءك، ويمينك، وشمالك، وفوقك، وتحتك"، وسميت الجهات الست باعتبار الكائن في المكان فإنه له ست جهات. "وشبهها في الشياع كـ: ناحية وجانب، ومكان"، تقول: "جلست ناحية عمرو، وجانب زيد، ومكان بكر".
واعترض "جانب" بأنه مما يتعين التصريح معه بـ"في". "وكأسماء المقادير كـ: ميل، وفرسخ، وبريد"، تقول "سرت ميلًا، وفرسخًا، وبريدًا"1.
النوع "الثاني: ما" اشتق من اسم الحدث الذي اشتق منه العامل، "واتحدت مادته ومادة عامله، كـ: ذهبت مذهب زيد، و: رميت مرمى عمرو"، لا فرق في ذلك بين الصحيح والمعتل، ولا بين المفرد؛ كما مثل؛ والجمع "نحو قوله تعالى:{وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ} " [الجن: 9] فـ"مذهب" و"مرمى" و"مقاعد" منصوبة على الظرفية، ومادتها ومادة عاملها متحدة، فإن عامل "مذهب" ذهب، "وعامل "مرمى" رمى، وعامل "مقاعد" نقعد، وقس على ذلك فعل الأمر نحو:"قم مقام زيد"، والوصف نحو:"أنا قائم مقامك"، والمصدر نحو:"عجبت من قيام زيد مقامك"2.
وإلى هذين النوعين أشار الناظم بقوله:
305-
........... وما
…
يقبله المكان إلا مبهما
وأشار إلى مثاله بقوله:
306-
نحو الجهات والمقادير وما
…
صيغ من الفعل............
وأشار إلى شرطه بقوله:
307-
وشرط كون ذا مقيسا أن يقع
…
ظرفا لما في أصله معه اجتمع
فلو اختلفت مادته ومادة عامله نحو: "رميت مذهب زيد" و"ذهبت مرمى عمرو" لم يجز في القياس أن يجعل ظرفًا بل يجب التصريح معه بـ"في""وأما قولهم: هو مني مقعد القابلة، و: مزجر الكلب، و: مناط الثريا فشاذ" نصبه لمخالفة مادته مادة2 عامله، "إذ التقدير: هو مني مستقر في مقعد القابلة"، وفي مزجر
1 انظر شرح ابن الناظم ص201، وشرح ابن عقيل 1/ 583.
2 في "ب"، "ط":"لمادة".
الكلب، وفي مناط الثريا، "فعامله الاستقرار" المتعلق به "مني" الواقع خبرًا عن "هو" ومادة الاستقرار مخالفة لمادة "مقعد، ومزجر، ومناط"، والمعنى: هو مني في القرب مقعد القابلة من النفساء، وفي البعد مناط الثريا من الدبران، وفي التوسط مزجر الكلب من الزاجر، فـ"من" الأولى متعلقة بالاستقرار كما مر، و"من" الثانية الداخلة على النفساء والدبران والزاجر متعلقة باسم المكان نفسه؛ لأنه مشتق، "ولو أعمل في المقعد "قعد" وفي المزجر "زجر" وفي المناط "ناط" لم يكن شاذا"، لاتحاد المادة، ويصير المعنى هو مستقر مني قعد مقعد القابلة، وزجر مزجر الكلب، وناط مناط الثريا1.
وإنما استأثرت أسماء الزمان بصلاحية المبهم منها والمختص للظرفية عن أسماء المكان؛ لأن أصل العوامل الفعل ودلالته على الزمان أقوى من دلالته على المكان؛ لأنه يدل على الزمان تضمنا، وعلى المكان التزامًا.
1 انظر شرح ابن الناظم ص202، وشرح ابن عقيل 1/ 583.
"فصل":
"الظرف" الزماني والمكاني "نوعان:
متصرف وهو ما يفارق الظرفية إلى حالة لا تشبهها، كأن يستعمل مبتدأ، أو خبرًا، أو فاعلًا، أو مفعولًا" به، "أو مضافًا إليه، كـ: اليوم" فإنه يستعمل مبتدأ وخبرًا، "تقول: اليوم يوم مبارك" برفعهما1، وفاعلا تقول: "أعجبني اليوم، و" مفعولًا، به تقول: "أحببت يوم قدومك"، ومضافًا إليه تقول: "سرت نصف اليوم1" وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
308-
وما يرى ظرفًا وغير ظرف
…
فذاك ذو تصرف في العرف
"وغير متصرف وهو نوعان:
ما لا يفارق الظرفية أصلًا كـ: قط" في استغراق الماضي، "و: عوض" في استغراق المستقبل لا يستعملان إلا بعد نفي. "تقول: ما فعلته قط، و: لا أفعله عوض"، والمعنى ما فعلته في الزمن الماضي، ولا أفعله في الزمن المستقبل، و"قط" مشتقة من قططت الشيء أي: قطعته، فمعنى "ما فعلته قط" ما فعلته فيما انقضى من عمري؛ لأن الماضي ينقطع عن الحال والاستقبال، وهي مبنية، وعلة بنائها تضمنها معنى حرفي ابتداء الغاية وانتهائها، إذ المعنى: ما فعلته مذ خلقني الله تعالى إلى الآن، وبنيت على حركة فرارًا من التقاء الساكنين، وكانت ضمة في بعض لغاتها حملًا على "قبل، وبعد".
و"عوض" مشتقة من العوض، وسمي الزمان "عوض" لأن الدهر كلما مضى منه جزء خلفه آخر، فكان عوضًا منه، ويبنى على الحركات الثالث إذا لم يكن مضافًا.
والنوع الثاني "ما لا يخرج عنها" أي: الظرفية "إلا بعد دخول الجار عليه"، وهو "من" خاصة، قال في درة الغواص2: واختصت "من" بذلك لكونها أم الباب ولكن باب أم تمتاز بخاصة دون أخواتها "نحو: قبل، و: بعد" من أسماء الزمان،
1 سقط ما بين الرقمين من "ب".
2 درة الغواص ص14.
"و: لدن، و: عند" من أسماء المكان " فيحكم عليهن بعدم التصرف مع أن "من" تدخل عليهن" نحو: {لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ} [الروم: 4]، {آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا} [الكهف: 65] "إذ لم يخرجن عن الظرفية إلا إلى حالة شبيهة بها" أي: الظرفية "لأن الظرف والجار والمجرور أخوان" في التوسع فيهما، والتعلق بالاستقرار إذا وقعا صفة، أو صلة، أو خبرًا، أو حالًا، فإن جر شيء من الظروف بغير "من" كان متصرفًا نحو:{عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ} [المعارج: 37] والفرق أن "من" لكونها أم الباب كثرت زيادتها فلم يعتد بها. قال ابن مالك1: إن "من" الداخلة على "قبل، وبعد" وأخواتها زائدة. وإلى هذين النوعين أشار الناظم بقوله:
309-
وغير ذي التصرف الذي لزم
…
ظرفية أو شبهها من الكلم
1 شرح التسهيل 2/ 202.