الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب شرح المعرب والمبني
مدخل
…
باب شرح المعرب والمبني:
"هذا باب شرح المعرب و" شرح "المبني" المشتقين من الإعراب والبناء.
وإنما قدم على أصله، وإن كان معرفة المشتق متوقفة على معرفة المشتق منه، لطول الكلام على الإعراب والنباء، تأصيلا وتفريعا.
"الاسم" بعد التركيب "ضربان"، أشار به إلى أن في كلام الناظم حذفا، والتقدير: والاسم منه معرب ومنه مبني على حد: {فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ} [هود: 105] ، فاندفع الاعتراض بأن عبارة النظم تقتضي بظاهرها أن من الاسم هذين الشيئين، ومن شيء آخر وهو لم يذكره، ضرب "معرب، وهو الأصل" في الأسماء، وهو ما تغير آخره بسبب العوامل الداخلة عليه، "ويسمى" الاسم المعرب "متمكنا"، لتمكنه في باب الاسمية. ثم إن كان منصرفا فسمي أمكن، وإلا سمي غير أمكن. وإنما يعرب الاسم إذا لم يشبه الحرف، وإنما كان في الأصل فيه الإعراب، لاختصاصه بتعاقب معان عليه، كالفاعلية والمفعولية، والإضافة تفتقر في التمييز بينها إلى الإعراب. "و" ضرب "مبني".
وذهب قوم إلى أن الإضافة لياء المتكلم لا معرب ولا مبني، وسموه خصيا، وليس بشيء، "و" المبني:"هو الفرع، ويسمى" لعدم إعرابه "غير متمكن" في الاسمية. "وإنما يبنى الاسم إذا أشبه الحرف" لا الفعل عند الناظم، شبها قويا يدنيه منه، أي: يقرب الشبه المذكور الاسم من الحرف، وهذا معنى قول الناظم:
15-
................
…
لشبه من الحروف مدني
"وأنواع" هذا "الشبه ثلاثة" هنا، "أحدها الشبه الوضعي"، أي: المنسوب إلى الوضع الأصلي، وهو المشار إليه بقوله في النظم:
16-
كالشبه الوضعي في اسمي جئتنا
…
...................................
"وضابطه" المنطبق على جزئياته؛ "أن يكون الاسم" موضوعا "على حرف" واحد؛ "أو" على "حرفين" فقط، سواء كان ثانيهما حرف لين أم لا.
"فالأول" وهو الموضوع على حرف واحد "كتاء: قمت" أي: كالتاء من "قمت"، "فإنها" حال الكسر "شبيهة بنحو باء الجر" مطلقا، "ولامه" مع الظاهر غير المستغاث، "و" في حال الفتح شبيهة بنحو "واو العطف وفائه"، وفي حال الضم شبيهة بنحو:"الله" في القسم، في لغة من ضم الميم، إذا لم تسكن محذوفة من ايمن. ذكرها في شرح الشذور في الحروف المبنية على الضم.
"والثاني" وهو الموضوع على حرفين، "كـ"نا" من "قمنا" فإنها"، أي: فإن "نا""شبيهة بنحو: قد وبل" وما ولا، وقال الشاطبي:"نا" في قوله "جئتنا" على هذا الوضع غير موجود. نص عليه سيبويه والنحويون، بخلاف ما هو على حرفين، وليس ثانيهما حرف لين، فليس ذلك من وضع الحرف المختص به. ثم قال: وبهذا بعينه اعترض ابن جني على من اعتل لبناء "كم ومن" بأنهما موضوعان على حرفين، فأشبها "هل وبل". ثم قال: فعلى الجملة وضع الحرف المختص به، إنما هو إذا كان ثاني الحرفين حرف لين على حد ما مثل به الناظم، فما أشار إليه الناظم هو التحقيق، ومن أطلق القول في الوضع على حرفين، وأثبت به شبه الحرف، فليس إطلاقه بسديد. ا. هـ. ثم استشعر اعتراضا بأن نحو:"أب وأخ" على حرفين، مع أنهما معربان، فأجاب بقوله:"وإنما أعرب نحو أب وأخ لضعف الشبه بكونه عارضا"، بعد حذف لامهما، "فإن أصلهما" قبل الحذف "أبو وأخو، بدليل" قولهم في التثنية: "أبوان وأخوان"، برد المحذوف، والتثنية ترد الأشياء إلى أصولها، فثبت أنهما موضوعان على ثلاثة أحرف، وأما "أبان وأخان" من غير رد فتثنية "أبا وأخا" بالقسر، كما سيأتي.
فإن قيل لم لم يبنيا لشبههما بالحروف الموضوعة على ثلاثة أحرف، كـ"نعم وبلى"؟ فالجواب: أن هذا الشبه مهجور؛ لأن أكثر الأسماء موضوع على ثلاثة أحرف، فيلزم أن يكون غالب الأسماء مبنيا.
فإن قيل: نحن نجد بعض الأسماء الثلاثية مبنيا كـ"نحن"، فالجواب: أن بناء نحو "نحن" ليس لهذا الشبه، بل لشبه آخر يأتي في بناء المضمرات.
النوع "الثاني: الشبه المعنوي"، وهو المشار إليه بقول الناظم:
16-
................
…
والمعنوي في متى وفي هنا
"وضابطه" المنطبق على جزئياته "أن يتضمن الاسم معنى من معاني الحروف" أي: من المعاني التي تؤدى بالحروف، "سواء أوضع لذلك المعنى" الذي تضمنه ذلك الاسم "حرف، أم لا" يوضع له حرف أصلا.
"فالأول" وهو الذي تضمن معنى وضع له حرف "كـ"متى" فإنها تستعمل شرطا"، فتجرم فعلين، "نحو: متى تقم أقم، وهي حينئذ"، أي: حين إذا استعملت شرطا "شبيهة في" تأدية "المعنى"، وهو تعليق الجواب على الشرط "بـ "أن" الشرطية"، نحو: إنن تقم أقم. "وتستعمل أيضا استفهاما"؛ فلا تعمل شيئا "نحو: {مَتَى نَصْرُ اللَّهِ} [البقرة: 214] ، هي حنيئذ"، أي: حين، إذا استعملت استفهاما، "شبيهة في" تأدية "المعنى"، وهو طلب الفهم "بهمزة الاستفهام" في طلب التصور، ولما كان هنا مظنة سؤال، وهو أن يقال: أي الشرطية وأي الاستفهامية أشبها الحرف، ومع ذلك فهما معربان، فأشار إلى جوابه بقوله: "وإنما أعربت أي الشرطية في نحو: {أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ" فَلا عُدْوَانَ عَلَيَّ} [القصص: 28] فـ"أي" اسم شرط جازم منصوب على المفعولية بـ"قضيت" وقدمت لأن لها الصدر، و"ما" صلة، و"الأجلين" مضاف إليهما، وجملة "فلا عدوان علي" جوابها. "و" أي "الاستفهامية نحو:{فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ" بِالْأَمْنِ} [الأنعام: 81] فـ"أي" اسم استفهام مبتدأ، و"الفريقين" مضاف إليهما و"أحق" خبر المبتدأ، "لضعف الشبه" فيهما؛ "بما عارضه من ملازمتهما للإضافة" إلى المفرد. وفي بعض النسخ: لملازمتها بالإفراد، والمراد الملازمة، أي: في الشرط والاستفهام للإضافة "التي هي من خصائص الأسماء".
"والثاني" وهو الاسم الذي تضمن معنى ولم يوضع له حرف، "نحو: هنا" من أسماء الإشارة للمكان، "فإنها متضمنة لمعنى الإشارة"، أي: لمعنى هو الإشارة، فالإضافة بيانية، كشجر أراك، "وهذا المعنى" الذي هو الإشارة؛ "لم تضع العرب له حرفا" يدل عليه، "ولكنه من المعاني التي من حقها أن تؤدّى بالحروف؛ لأنه"، أي: معنى الإشارة، "كالخطاب" الموضوع له الكاف المسماة بكاف الخطاب؛ "و" مثل "التنبيه"
الموضوع له "ها" المسماة بها التنبيه بالقصر، "فهنا" لتضمنها معنى الإشارة "مستحقة للبناء، لتضمنه"، أي لفظ هنا "لمعنى الحرف الذي كان يستحق الوضع"، لتؤدى به الإشارة. وعدل عن قول أكثرهم؛ لأنه كالتمني والترجي، إلى الخطاب والتنبيه، لكونهما يكتنفان الإشارة في بعض المواضع، نحو:"هذاك"، فوضعوا للتنبيه "ها"، وللخطاب "الكاف"، وتركوا الإشارة بلا حرف، فكانت تستحق أن يوضع لها حرف، كما وضع لما قبلها ولما بعدها.
"وإنما أعرب: هذان وهاتان"؛ من أسماء الإشارة "مع تضمنها لمعنى الإشارة لضعف الشبه بما عارضه من مجيئهما على صورة المثنى، والتثنية من خصائص الأسماء" وهذا القول ملفق من قولين، فإن من قال بأنهما معربان قال بتثنيتهما حقيقة، ومن قال بأنهما مبنيان، قال: جيء بهما على صورة المثنى، وليسا مثنيين حقيقة، وهو الأصح؛ لأن من شرط التثنية قبول التنكير، وأسماء الإشارة ملازمة للتعريف، كما ذكره في شرح الشذور1 ففي حالة الرفع وضعا على صيغة المثنى المرفوع، وفي حالتي الجر والنصب وضعا على صيغة المثنى المجرور والمنصوب، فقوله: أولا، وإنما أعرب هذان وهاتان، يقتضي أنهما مثنيان حقيقة كالقول الأول، وقوله: ثانيا، لمجيئهما على صورة المثنى، يقتضي أنهما ليسا بمثنيين حقيقة كالقول الثاني، وإذا جمع بين طرفي كلامه أنتج كونهما معربين مع عدم تثنيتهما، وهذا قول ثالث لم أقف عليه.
النوع "الثالث: الشبه الاستعمالي"، وهو أن يستعمل الاسم استعمال الحروف، وهو المراد بقول الناظم:
17-
وكنيابة عن الفعل بلا
…
تأثر وكافتقار أصلا
"وضابطه" المنطبق على جزئياته "أن يلزم الاسم طريقة من طرائق الحروف" الدالة على المعاني، "كأن ينوب" الاسم "عن الفعل" في معناه وعمله، "ولا يدخل عليه عامل" من العوامل، "فيؤثر فيه" لفظا أو محلا، فأما قول زهير:[من الكامل]
16-
ولنعم حشو الدرع أنت إذا
…
دعيت نزال ولج في الذعر
1 شرح شذور الذهب ص140.
16-
البيت لزهير بن أبي سلمى في ديوانه 89، وإصلاح المنطق ص336، والإنصاف 2/ 535، وخزانة الأدب 6/ 317، 318، 319، والدرر 2/ 339، وشرح أبيات سيبويه 2/ 231، وشرح شواهد الشافية ص230، وشرح المفصل 4/ 26، والكتاب 3/ 271، ولسان العرب 11/ 657، 658 "نزل"، 12/ 18 "اسم"، وما ينصرف وما لا ينصرف ص75، والمقتضب 3/ 370، وهمع الهوامع 2/ 105، وبلا نسبة في خزانة الأدب 4/ 247، ورصف المباني ص232، وشرح المفصل 4/ 50، 53.
فمن الإسناد إلى اللفظ، أي: إذا دعيت هذه الكلمة، وقوله:"فيؤثر بالنصب جواب النفي المنصب على الدخول الناشئ عنه التأثير" يفهم منه أن العامل قد يدخل ولا يؤثر، مع أن العوامل اللفظية لا تدخل على أسماء الأفعال باتفاق، كما صرح الموضح به في باب الإضافة. فلو اقتصر على نفي الدخول؛ كما فعل في المشبه به الآتي؛ لكفاه، ولكنه حاول شرح قول الناظم:
17-
........................... بلا
…
تأثر................................
الذي لو حذف، وجعل الألف في قوله:
17-
..............................
…
................................ أصلا
ضمير تثنية عائدا على النيابة والافتقار، أو للإطلاق والحذف من الأول، لدلالة الثاني عليه، والأصل: كنيابة أصلت وافتقار أصل، لسلم مما نقله الشاطبي عن بعض الشيوخ حيث قال:"وهذا يعني بلا تأثر لا محصول له، فإن تقديره من شرط بناء اسم الفعل أن لا يكون العامل مؤثرا في لفظه، وهذا هو نتيجة وجوب البناء لا شرطه ولا سببه، فحاصل المعنى على هذا، من شرط بناء اسم الفعل، أن لا يكون معربا وهذا محال". ا. هـ.
ولما ورد المصدر النائب عن فعله؛ لأن نيابته عن الفعل عارضة في بعض التراكيب كما صرحوا به بخلاف اسم الفعل، فإن نيابته عن الفعل متأصلة في المرتجلات، ومنزلة منزلة المتأصلة في المنقولات، وهذا هو السر في بناء اسم الفعل وإعراب المصدر النائب عن فعله، مع أن كلا منهما نائب عن الفعل، وإلا فما الفرق؟ فليتأمل! "وكان يفتقر" الاسم "افتقار متأصلا إلى جملة" اسمية أو فعلية.
"فالأول" وهو الذي ينوب عن الفعل ولا يدخل عليه عامل، "كـ: هيهات، وصه، وأوه" من أسماء الأفعال، "فإنها"، أي: فإن هيهات وصه وأوه "نائبة عن بعد"، بضم العين "واسكت وأتوجع" على طريق اللف والنشر على الترتيب، فـ"هيهات" نائبة عن فعل ماض، وهو بعد، و"صه": نائبة عن فعل أمر وهو اسكت، و"أوه": نائبة عن فعل مضارع وهو أتوجع، "ولا يصح أن يدخل عليها شيء من العوامل" اللفظية والمعنوية، "فتتأثر به"، على القول الصحيح من أنها لا محل لها من الإعراب، وقد بسطت الخلاف في ذلك في باب اسم الفعل، "فأشبهت" من الحرف "ليت ولعل مثلا، ألا ترى أنهما نائبتان" عن الفعل، فـ"ليت" نائبة "عن أتمنى، و" "لعل":
نائبة عن "أترجى، ولا يدخل عليهما عامل" أصلًا، فضلًا عن أن يتأثرًا به "واحترز" الناظم "بانتفاء التأثر من المصدر النائب عن فعله نحو ضربًا، وفي قولك: ضربًا زيد، فإنه"، أي: ضربًا، "نائب عن اضرب، وهو مع هذا" أي: مع كونه نائبًا عن الفعل "معرب، وذلك لأنه" منصوب بالفعل المحذوف وجوبًا، والتقدير: اضرب ضربًا، كما أنه إذا ناب عن "أن" والفعل "تدخل عليه العوامل" اللفظية، "فتؤثر فيه، تقول" في الرفع: "أعجبني ضرب زيد، و" في النصب: "كرهت ضرب عمرو، و" في الخفض: "عجبت من ضربه"، وبهذا التقدير يندفع ما قيل إن التمثيل غير مطابق للحكم.
"والثاني" وهو الذي يفتقر افتقارًا متأصلًا إلى جملة "كإذ وإذا" من ظروف الزمان، "وحيث" خاصة من ظروف المكان و:[من الطويل]
17-
...............................
…
........................ حيث لي العمائم
نادرًا. "و" كالذي والتي من "الموصلات"، ألا ترى أنك تقول: جئتك إذ، فلا يتم معنى "إذ" حتى تقول: جاء زيد، ونحوه" من الجمل "وكذلك الباقي" من الظروف والموصلات، فإنها أشبهت الحروف بأسرها، في افتقارها في إفادة معناها إلى ذكر متعلقها افتقارًا متأصلًا إلى جملة؛ لأنها إنما وضعت لنسبة معاني الأفعال إلى الأسماء. "واحترز بذكر الأصالة" المستفادة من قول الناظم:
17-
..............................
…
............................... أصلًا
"من نحو" يوم في: " {هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ} "[المائدة: 119]"فـ: يوم" في قراءة الرفع خبر هذا، وهو "مضاف" بدليل حذف تنوينه "إلى الجملة" بعده، وهي الفعل ومفعوله وفاعله، "والمضاف" أبدا "مفتقر إلى" ذكر "المضاف إليه" في إفادة معناه، " ولكن هذا الافتقار عارض في بعض التراكيب"، ويزول في بعضها. "ألا ترى أنك تقول: صمت يوما" إذا أخبرت عن الترك، "وسرت يوما" إذا أخبرت
17- تمام البيت:
ونطعنهم تحت الحبا بعد ضربهم
…
ببيض المواضي حيث لي العمائم
وهو للفرزدق في شرح شواهد المغني 1/ 389، والمقاصد النحوية 3/ 387، وليس في ديوانه، وبلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 125، وخزانة الأدب 6/ 553، 557، 558، 7/ 4، والدرر 1/ 455، وشرح ابن الناظم ص279، وشرح الأشموني 2/ 314، وشرح المفصل 4/ 92، ومغني اللبيب 1/ 132، وهمع الهوامع 1/ 212.
عن الإيجاد، "فلا يحتاج" في تمام معنى يوم "إلى شيء" آخر. "واحترز بذكر الجملة من نحو: سبحان" من أسماء المصادر " وعند" من الظروف، "فإنهما مفتقران بالأصالة، لكن" افتقارهما "إلى مفرد" لا إلى جملة، "تقول: سبحان الله، وجلست عند زيد"، فلذلك أعربا نصبا على المصدرية، والناصب لـ"سبحان" فعل محذوف تقديره: "أُسبِّح"، والناصب لـ"عند" جلست، وما ذكره من أن "سبحان" ملازم للإضافة هو المشهور. وقال الفخر الرازي: "سبحان" مصدر لا فعل له، فيستعمل مضافا وغير مضاف، وإذا لم يضف ترك تنوينه، فقيل: سبحان من زيد، أي: براءة منه، كقوله:[من السريع]
18-
.................
…
سبحان من علقمة الفاخر
وإنما منع صرفه؛ لأنه معرفة، وفي آخره ألف ونون. انتهى بحروفه. وأما استعمال "عند" غير مضافة كقوله:[من م. الرمل]
19-
كل عند لك عندي
…
لا يساوي نصف عندي
فمن كلام المولدين؛ وليس بلحن، خلافا للحريري. بل كل كلمة ذكرت مرادا بها لفظها فسائغ أن تتصرف تصرف الأسماء، وأن تعرب ويحكى أصلها. قاله في المغني1.
ثم استشعر اعتراضا بأن: "اللذين واللتين وأيا" من الموصولات معربة، مع أنها مفتقرة بالأصالة إلى جملة، فأجاب بقوله:"وإنما أعرب "اللذان واللتان وأي الموصولة" في نحو: اضرب أيهم أساء"، بنصب "أي"، لأن جملة "أساء" صلة تامة، فسقط القول بأن "أيا" هنا مبنية على الضم، لإضافتها وحذف صدر صلتها، وهذا سهو عن شرط المسألة؛ لأن حذف صدر الصلة مشروط فيه أن يكون خبرة مفردا، ومتى كان خبره جملة امتنع حذفه كما سيأتي، "لضعف الشبه" متعلق بقوله:"أعرب"، "بما
18- صدر البيت:
"أقول لما جاءني فخره"
وهو للأعشى في ديوانه 193، وأساس البلاغة "سبح"، والأشباه والنظائر 2/ 109، وجمهرة اللغة ص278، وخزانة الأدب 1/ 185، 2/ 234، 235، 238، والخصائص 2/ 435، والدرر 1/ 415، وشرح أبيات سيبويه 1/ 157، وشرح شواهد المغني 2/ 905، وشرح المفصل 1/ 37، 120، والكتاب 1/ 234، ولسان العرب 2/ 471 "سبح"، وتاج العروس 4/ 578 "شتت"، وبلا نسبة في خزانة الأدب 3/ 388، 6/ 286، والخصائص 2/ 197، 3/ 23، والدرر 2/ 159، ومجالس ثعلب 1/ 261، والمقتضب3/ 218، والمقرب 1/ 149، وهمع
الهوامع 1/ 190، 2/ 52،
سبحان من علقمة الفاخر
: براءة من فخره وتكبره.
19-
البيت لبعض المولدين في مغني اللبيب 1/ 156.
1 مغني اللبيب 1/ 156.
عارضه" متعلق بضفع، "من المجيء" بيان لما متعلق بعارضه، "على صورة التثنية" متعلق بالمجيء، وهو راجع إلى "اللذين واللتين"، وفي البحث السابق في "هذين وهاتين"، "و" بما عارضه "من لزوم الإضافة" إلى مفرد راجع إلى "أي".
وأهمل الشبه الإهمالي، وضابطه أن يشبه الاسم الحرف المهمل، في كونه غير عامل ولا معمول، كأسماء الأصوات، والأعداد المسرودة قبل التركيب، وفواتح السور. وأدخله ابن مالك في بعض كتبه في الشبه المعنوي، وأدخله غيره في الاستعمالي، وأدخل الشاطبي أسماء الأصوات في قول الناظم:
17-
وكنيابة عن الفعل بلا
…
تأثر....................
فقال: "لأنها تعطي من المقصود في الزجر والاستدعاء، ما يعطيه الفعل لو كان للزجر أو الاستدعاء لمن يخاطب، وحمل حكاية الأصوات كـ"غاق" و"قب" على أسماء الأصوات". ذكره في باب اسم الفعل، هذا حكم ما أشبه الحرف من الاسم.
"و" أما "ما سلم" منه "من مشابهة الحرف فمعرب، وهو"؛ أي: المعرب؛ "نوعان: ما يظهر إعرابه، كـ: أرض، تقول: هذه أرض" بالرفع؛ "ورأيت أرضا" بالنصب، "ومررت بأرض" بالخفض. "وما لا يظهر إعرابه، كـ: الفتى" من المقصور، "تقول: جاء الفتى" بضمة مقدرة على الألف، "ورأيت الفتى" بفتحة مقدرة عليها، "ومررت بالفتى" بكسرة مقدرة عليها. "ونظير الفتى" في تقدير الحركات في آخره "سما" بضم أوله وفتح ثانيه والقصر، "كـ: هدى، وهي" أي: سما "لغة في الاسم" من ست1، ثانيها: سما؛ بكسر السين والقصر، كـ:"رضى"، وثالثها ورابعها: سم بضم السين وكسرها من غير قصر، وخامسها وسادسها: اسم، بضم الهمزة وكسرها، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
18-
ومعرب الأسماء ما قد سلما
…
من شبه الحرف كأرض وسما
بضم السين والقصر لغة في الاسم، "بدليل قول بعضهم" وقد سئل عن اسم شخص:"ما سماك؟ " أي: ما اسمك؟ "حكاه صاحب الإفصاح" فيه وجه الدلالة منه أنه أثبت الألف مع الإضافة، وذلك يفيد كونه مقصورا. وأما أنه يفيد ضم السين فلا، إذ يحتمل كسرها، وبعضهم استدل على ثبوت هذه اللغة بقول ابن خالد القناني، نسبة إلى
1 ذكر غير في حاشية يس 1/ 54، في الاسم ثمان عشرة لغة جمعها الدنوشري بقوله:
سما سم واسم سماة كذا سما
…
وزد سمة واثلث أوائل كلها
القنان1، بفتح القاف، جبل لبني أسد:[من الرجز]
والله أسماك سما مباركا
وهو ليس بنص في المقصود، فلأجل ذلك قال:"وأما قوله":
20-
"والله أسماك سما مباركا"
…
آثرك الله به إيثاركا
"فلا دليل فيه؛ لأنه" أي: "سما""منصوب منون، فيحتمل أن الأصل: سم" من غير قصر، "ثم دخل عليه الناصب" وهو:"أسماك""ففتح"، أي: نصب على أنه مفعول ثان لـ"أسماك"، لأنه بمعنى "سماك"، وقد روي به أيضا، "كما تقول في: يد" إذا دخل عليها ناصب: "رأيت يدا". ومعنى: "آثرك الله به إيثاركا" اختصك بهذا الاسم المبارك، كإيثاره إياك بالفضل، فأضاف المصدر إلى مفعوله، وطوى ذكر الفاعل.
1 القنان: جبل بأعلى نجد فيه ماء يدعى العسيلة. "معجم البلدان 4/ 401".
20-
الرجز لابن خالد القناني في إصلاح المنطق ص134، والمقاصد النحوية 1/ 154، وبلا نسبة في أسرار العربية ص9، والإنصاف 1/ 15، وأوضح المسالك 1/ 34، وشرح المفصل 1/ 24، ولسان العرب 14/ 401، 402 "سما"، وتاج العروس "سمو".
"فصل":
"والفعل" أيضا "ضربان": ضرب "مبني، وهو الأصل" في الأفعال، إذا لم تعتورها معان تفتقر في تمييزها إلى إعراب، "و" ضرب "معرب، وهو بخلافه"، أي: بخلاف المبني، وهو الفرع. "فالمبني" من الأفعال "نوعان:
أحدهما: الفعل "الماضي"، مبني باتفاق "وبناؤه على الفتح". للخفة، ثلاثيا كان "كـ: ضرب"، أو رباعيا كـ: دحرج، أو خماسيا كـ: انطلق، أو سداسيا كـ: استخرج. ولا يزيد على ذلك وإنما بني على حركة لمشابهته المضارع في الجملة، لوقوعه صفة وصلة وخبرا وحالا وشرطا، ولثقل الضم والكسر وثقل الفعل عدلوا إلى الفتح لخفته، "وأما ضربت ونحوه" مما اتصل ضمير رفع متحرك بارز، "فالسكون" فيه "عارض أوجبه كراهتهم" أي: العرب "توالي أربع متحركات"، وهي أحرف الفعل الثلاثة وتاء الفاعل، "فيما هو كالكلمة" الواحدة؛ لأن تاء الفاعل لشدة اتصالها بالفعل نزلت منه منزلة الجزء، "وكذلك ضمة" الباء من "ضربوا عارضة لمناسبة الواو" بإضافة المصدر إلى مفعوله، وحذف فاعله، والأصل لمناسبتها الواو.
"و" النوع "الثاني: الأمر"، مبني على الأصح عند جمهور البصريين، وإلى هذين الإشارة بقوله:
19-
وفعل أمر ومضى بنيا
…
..........................
وبناؤهما مختلف، فالماضي بناؤه على الفتح كما تقدم، "و" الأمر "بناؤه على ما يجزم به مضارعه" المبدوء بتاء الخطاب، "فنحو "اضرب": مبني على السكون"، فإن مضارعه يجزم بالسكون، نحو: لم تضرب، "ونحو: اضربا"، واضربوا، واضربي: "مبني على حذف النون" لأن مضارعها يجزم بحذف النون، نحو: لم تضربا ولم تضربوا ولم تضربي، "ونحو: اغز"، اخش، وارم "مبني على حذف آخر الفعل"، لأن مضارعها يجزم بحذف آخره، نحو: لم تغز، ولم تخش، ولم ترم. فـ"اغز" مبني على
حذف الواو، و"اخش": مبني على حذف الألف، و"ارم" مبني على حذف الياء، وذهب الأخفش والكوفيون إلى أن الأمر معرب مجزوم بلام الأمر، وإنها حذفت حذفا مستمرا في نحو: قم واقعد، والأصل: لِتَقُم ولِتَقْعد، فحذفت اللام للتخفيف؛ وتبعها حرف المضارعة. قال الموضح في المغني1:"وبقولهم أقول؛ لأن الأمر معني، فحقه أن يؤدى بالحرف؛ ولأنه أخو النهي". ا. هـ. وقد دل عليه بالحرف؛ ولأن الفعل إنما وضع لتقييد الحدث بالزمان المحصل، وكونه أمرا أو خبرا خارج عن مقصوده؛ ولأنهم قد نطقوا بذلك الأصل كقوله:[من الخفيف]
21-
لتقم أنت يابن خير قريش
…
كي لتقضي حوائج المسلمينا
وكقراءة بعضهم: "فَبِذَلِكَ فَلْتَفْرَحُوا"[يونس: 58] بالتاء الفوقية2، وفي الحديث:"لتأخذوا مصافكم"؛ ولأنك تقول: اغز، واخش، وارم، واضربا، واضربوا، كما تقول في الجزم؛ ولأن البناء لم يعهد كونه بالحذف؛ ولأن المحققين على أن أفعال الإنشاء مجردة عن الزمان؛ كـ"بعت"، و"أقسمت"، و"قبلت"، وأجابوا عن كونها مع ذلك أفعالا بأن تجردها عارض لها عند نقلها عن الخبر، ولا يمكنهم ادعاء ذلك في:"قم"؛ لأنه ليس له حالة غير هذه، وحينئذ فتشكل فعليته. وإذا ادعى أن أصله:"لتقم"، كان الدال على الإنشاء اللام لا الفعل3. انتهى كلامه في المغني4. وهذا ما وعدناه به عند تقسيم الأفعال.
"والمعرب" من الأفعال "المضارع، نحو: يقوم" زيد، "لكن" لا مطلقا على الأصح، بل "بشرط سلامته من نون الإناث5، و" من "نون التوكيد المباشرة".
1 مغني اللبيب 1/ 221.
21-
البيت بلا نسبة في الإنصاف 2/ 525، وتذكرة النحاة ص666، وخزانة الأدب 9/ 14، 106، وشرح شواهد المغني 2/ 602، ومغني اللبيب 1/ 221، 2/ 552.
2 الرسم المصحفي: {فَلْيَفْرَحُوا} بالياء، وقرأها "فلتفرحوا" ابن عامر وأبي وأنس وابن سيرين وقتادة وابن عباس وغيرهم. انظر الإتحاف 252، والمحتسب 1/ 313، والنشر 2/ 285. والقراءة من شواهد مغني اللبيب 1/ 186، وشرح التصريح 1/ 55، 2/ 246، وأوضح المسالك 4/ 201.
3 أي: وإذا لم يثبت له دلالة على الطلب كان مضارعا، وإذا ثبت كونه كونه مضارعا ثبت أيضا أن الفعل ينقسم عند الكوفيين ومن وافقهم إلى قسمين فقط، كما صرح بذلك الشارح سابقا.
4 مغني اللبيب 1/ 221.
5 أي: نون الإناث الموضوعة أصالة للإناث وإن استعملت للذكور مجازا. "حاشية يس 1/ 56".
وإلى ذلك الإشارة بقوله:
19-
................
…
وأعربوا مضارعا إن عريا
20-
من نون توكيد مباشر ومن
…
نون إناث.....................
"فإنه من نون الإناث مبني على" الأصح "على السكون" كالماضي "نحو: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ} [البقرة: 228] ، وذهب السهيلي إلى أنه مع نون الإناث معرب تقديرا، "ومع نون التوكيد المباشر مبني" على الأصح. وقيل: لا تشترط المباشرة، فنحو: {لَتُبْلَوُنَّ} [آل عمران: 186] مبني أيضا. وقيل: الجمع معرب تقديرا، والمختار أنه مع المباشرة مبني "على الفتح، نحو:{لَيُنْبَذَنَّ} [الهمزة: 4] لتركيبه مع النون تركيب "خَمْسَة عَشَر"، ولهذا لو فصل بين الفعل والنون ألف اثنين أو واو جمع أو ياء مخاطبة، لم يحكم على الأصح ببنائه؛ لأنهم لا يركبون ثلاثة أشياء. "وأما" نون التوكيد "غير المباشرة" لفظا وتقديرا، "فإنه": أي: المضارع "معرب معها تقديرا نحو: {لَتُبْلَوُنَّ} [آل عمران: 186] مضارع بلا يبلو مبني للمجهول؛ مسند لجماعة الذكور؛ من البلاء وهو التجربة، أصله قبل التوكيد: "لتبلوون" كـ"تنصرون"؛ بواوين؛ الأول لام الفعل، والثانية واو الجماعة، فإما أن تقول: استثقلت الضمة على لام الفعل؛ فحذفت لاستثقالها، أو تقول: تحركت وانفتح ما قبلها؛ فقلبت ألفا. وعلى التقديرين التقى ساكنان؛ الواوان على التقدير الأول، والألف والواو على التقدير الثاني، فحذف أول الساكنين، فصار: "لتبلون" بوزن تفعون، ثم أكد بالثقيلة فصار: "لتبلونن" بثلاث نونات، فحذفت نون الرفع لفظا لتوالي النونات، فالتقى ساكنان واو الجمع ونون التوكيد المدغمة، وتعذر حذف إحداهما؛ فحركت الواو بحركة تجانسها، وهي الضمة؛ ولم تحرك النون محافظة على الأصل، ولعروض الضمة لم تنقلب الواو ألفا لتحركها؛ وانفتاح ما قبلها، وحيث حذفت نون الرفع لتوالي الأمثال فهي مقدرة الثبوت؛ لأنها علامة الرفع، بخلاف ما إذا حذفت للجازم؛ فإن المضارع معرب مع نون توكيد لفظا نحو: "{فَإِمَّا تَرَيِنّ} " [مريم: 26] أصله قبل التوكيد: "ترأيين" كـ"تمنعين"، نقلت حركة الهمزة إلى الراء قبلها، ثم حذفت الهمزة؛ فصار: "تريين" بفتح الراء وكسر الياء الأولى وسكون الثانية، وإما أن تقول: حذفت الكسرة لاستثقالها أو تحركت الياء وانفتح ما قبلها؛ فقلبت ألفا، وعلى التقديرين التقى ساكنان؛ حذف أولهما كما مر، فصار: "ترين" بفتح الراء
وسكون الياء، ثم دخل الجازم وهو إن الشرطية المتصلة بما الزائدة، فحذفت نون الرفع فصار:"فإما تري" بسكون الياء المفتوح ما قبلها، ثم أكد بالنون، فالتقى ساكنان؛ ياء المخاطبة ونون التوكيد، وتعذر حذف أحدهما، فحركت الياء بحركة تجانسها؛ وهي الكسرة؛ إلى آخر ما مر في "لتبلون". "و" نحو:" {وَلا تَتَّبِعَانِّ} "[يونس: 89] أصله قبل التوكيد والنهي: "تتبعان" بتخفيف النون لرفع، فدخل عليه "لا" الناهية، فحذفت نون الرفع، فصار:"لا تتبعا" ثم أكد بالثقيلة، فالتقى ساكنان؛ الألف ونون التوكيد المدغمة، ولم يجز حذف الألف لئلا يلتبس بالواحد، ولا تحريكها لأنها لا تقبل الحركة، ولم يجز حذف النون لفوات المقصود منها، فحركت النون بالكسر تشبيها بنون التثنية الواقعة بعد الألف.
هذه أمثلة غير المباشرة لفظا، وأما غير المباشرة تقديرا فنحو:{وَلا يَصُدُّنَّكَ} [القصص: 87] بضم الدال، أصله قبل التوكيد والنهي:"يصدونك"، حذفت النون للجازم وهو "لا" الناهية، فصار:"يصدوك"، ثم أكد بالثقيلة؛ فالتقى ساكنان؛ حذفت الواو لدلالة الضمة عليها، فصار:"لا يصدنك". فنون التوكيد وإن باشرت الفعل لفظا، إلا أنها لم تباشره في الأصل؛ لأن الواو المحذوفة فاصلة بينهما تقديرا، والضابط أن الفعل المضارع إن كان يرفع بالضمة، فإنه إذا أكد بالنون يبنى، وإن كان يرفع بثبات النون، فإنه إذا أكد بالنون يبقى على إعرابه لفظا أو تقديرا، لوجود الفاصل لفظا أو تقديرا. وقد تبين بما قررنا أن الإعراب التقديري في:{لَتُبْلَوُنَّ} [آل عمران: 186] خاصة بخلاف: {فَإِمَّا تَرَيِنَّ} [مريم: 26]{وَلا تَتَّبِعَانِّ} [يونس: 89] فإنه فيهما لفظي وذلك خلاف سياق كلامه.
"والحروف كلها مبنية" لأنها لا تتصرف ولا يعتقب عليها من المعاني ما تحتاج معه إلى إعراب، وهذه العبارة أحسن من قول الناظم:
21-
وكل حرف مستحق للبنا
…
.............................
إذ لا يلزم من استحقاق البناء الاتصاف به، والبناء لغة: وضع شيء على شيء على صفة يراد بها الثبوت. وفي الاصطلاح: لزوم آخر الكلمة حالة واحدة على القول بأنه معنوي، وعلى القول بأنه لفظي، فقال ابن مالك: ما جيء به لا لبيان مقتضى العامل من شبه الإعراب، وليس حكاية أو اتباعا أو نقلا أو تخلصا من سكونين.
"فصل":
وأنواع "البناء أربعة" لا زائد عليها:
"أحدها: السكون، وهو الأصل"؛ وإليه أشار بقوله:
21-
...................
…
والأصل في المبني أن يسكنا
وإنما كان الأصل في البناء السكون لخفته واستصحابا للأصل، وهو عدم الحركة، فلا ينبني عليها إلا لسبب، كالتقاء الساكنين في نحو:"أمس"، وكون الكلمة على حرف واحد كتاء "قمت" وكونها عرضة للابتداء بها كـ"لام الابتداء"، وكونها لها أصل في التمكن كـ"أول"، وكشبهها بالمعرب كـ"ضرب". "ويسمى" عدم الحركة "أيضا وقفا"، كما يسمى سكونا، والسكون خفيف، "ولخفته دخل في الكلم الثلاث" الحرف والفعل والاسم. ففي الحرف "نحو:"هل"، و" في الفعل نحو:"قم، و" في الاسم نحو: "كم"، بدأ بالحرف لتوغله، وثنى بالفعل لأنه الأغلب فيه.
"و" النوع "الثاني: الفتح، وهو أقرب الحركات إلى السكون"، لحصوله بأدنى فتح الفم، بخلاف الضم والكسر، فإن الأول إنما يحصل بإعمال العضلتين معا الواصلتين إلى طرفي الشفة، والثاني إنما يحصل بالعضلة الواحدة الجاذبة إلى أسفل "فلهذا" القرب "دخل" الفتح "أيضا في الكلم الثلاث": في الحرف "نحو: سوف، و" في الفعل نحو: "قام، و" في الاسم نحو: "أين. والنوعان الآخران وهما الكسر والضم" ثقيلان، "ولثقلهما" لكونهما يحتاجان إلى إعمال إحدى العضلتين أو كلتيهما، "وثقل الفعل" لدلالته على الحدث والزمان مطابقة، والفاعل التزاما "لم يدخلا فيه"، لئلا يجمع بين ثقيلين، "ودخلا في الحرف والاسم" لخفتهما، بدلالتهما على شيء واحد،
فالكسر في الحرف "نحو: لام الجر" الداخلة على ظاهر غير مستغاث، "و" الكسر في الاسم نحو:"أمس" عند الحجازيين بشرطه الآتي، "و" الضم في الحرف والاسم "نحو:"منذ" في لغة من جر بها أو رفع، فإن الجارة" للاسم "حرف، والرافعة" له "اسم"، وسيأتي إيضاح ذلك في باب حروف الجر.
وإلى أنواع البناء الأربعة الإشارة بقوله في النظم:
22-
ومنه ذو فتح وذو كسر وضم
…
كأين أمس حيث والساكن كم
وأقوى الحركات الضم، ويليه الكسر، ثم الفتح. وسمي الأول ضما؛ لأنه ينشأ من ضم الشفتين أولا ثم رفعهما ثانيا، وسمي الثاني كسرا؛ لأنه ينشأ من انجرار اللحى الأسفل إلى أسفل انجرارا قويا، وسمي الثالث فتحا؛ لأنه يتولد من مجرد فتح الفم. وهذه الحركات تكون ظاهرة كما مر، ومقدرة كتقدير الضم في:"يا سيبويه"، والفتح في نحو:"لا فتى إلا علي"، والكسر في نحو:"هؤلاء" حال الوقف.
"فصل":
"الإعراب" لغة: البيان، واصطلاحًا: تغيير أواخر الكلم لاختلاف العوامل الداخلة عليها لفظًا، أو تقديرًا، على القول بأنه معنوي، وعلى القول بأنه لفظي، "أثر ظاهر" في اللفظ، "أو مقدر" فيه "يجلبه العامل" المقتضي له "في آخر الكلمة" التي هي اسم لم يشبه الحرف، أو فعل مضارع لم تتصل به نون الإناث، ولم تباشره نون التوكيد، والمراد بالأثر الظاهر أو المقدر: نفس الحركات الثلاث والسكون وما ناب عنها، والمراد بالظاهر: ما تلفظ به من حركة أو حرف أو سكون أو حذف. والمراد بالمقدر: ما ينوى من ذلك، كما تنوى الضمة والفتحة والكسرة في نحو:"الفتى"، وكما تنوى الواو في نحو:"مسلمي" رفعًا، وكما تنوى النون في نحو:{لَتُبْلَوُنَّ} [آل عمران: 186] وكما ينوى حذف الحركة في نحو: "لم يقرأ"، إذا كان الإبدال قبل دخول الجازم ولم يعتد به، والمراد بالعامل: ما به يحدث المعنى المحوج للإعراب، والمراد بآخر الكلمة: ما كان آخرًا حقيقة كـ"دل: زيد"، أو مجازًا كـ"دال: يد"، والمراد بالكلمة هنا: الاسم والفعل المعربان.
والإعراب جنس، "وأنواعه" الداخلة تحته "أربعة:
رفع ونصب" يشتركان "في اسم وفعل"، فالرفع "نحو: زيد يقوم"، فـ"زيد": مرفوع بالابتداء، و"يقوم": مرفوع بالتجرد، "و" النصب نحو: "إن زيدًا لن يقوم"، فـ"زيدًا": منصوب بـ"إن"، و"يقوم" منصوب بـ"لن".
"وجر" مختص بمعنى "في اسم، نحو": مررت "بزيد"، فـ"زيد": اسم مجرور بالياء.
"وجزم" مختص بمعنى "في فعل نحو: لم يقم"، فـ"يقم": فعل مجزوم بـ"لم"، وإلى هذه العلامات الأربع أشار بقوله:
23-
والرفع والنصب اجعلن إعرابا
…
لاسم وفعل نحو لن أهابا
24-
والاسم قد خصص بالجر كما
…
قد خصص الفعل بأن ينجزما
"ولهذه الأنواع الأربعة" التي هي الرفع والنصب والجر والجزم "علامات"، جمع علامة، بمعنى علم، أو جمع علم، كاصطبلات جمع اصطبل، فالضمة علم ومسماه الرفع، وكذا الباقي، وبهذا يندفع ما يقال: إن في كلامه تناقضًا، وذلك أنه جعل الإعراب أولًا نفس الحركات، وما ناب عنها بقوله:"أثر" إلخ. وجعلها ثانيًا علامات للإعراب بقوله: "و" لهذه الأنواع الأربعة علامات "أصول، وهي الضمة للرفع" نحو: جاء زيد، "والفتحة للنصب" نحو: رأيت زيدًا، "والكسرة للخفض" نحو: مررت بزيد "وحذف الحركة للجزم" نحو: لم يقم، وذلك مستفاد من قوله في النظم:
25-
فارفع بضم وانصبن فتحًا وجر
…
كسر كذكر الله عبده يسر
26-
واجزم بتسكين............
…
..................................
"وعلامات فروع" نائبة "عن هذه العلامات" أصول وهي عشرة: ثلاثة تنوب عن الضمة، وهي: الواو والألف والنون، وأربعة تنوب عن الفتحة، وهي: الكسرة والألف والياء وحذف النون، واثنان ينوبان عن الكسرة، وهما الفتحة والياء، وواحدة تنوب عن حذف الحركة، وهي حذف حرف العلة، أو حذف النون، وإليها أشار بقوله:
26-
..................... وغير ما ذكر
…
ينوب.................................
"وهي"، أي: هذه العشرة، "واقعة في سبعة أبواب متفرقة"
"الباب الأول":
المشار إليه بقول الناظم:
27-
وارفع بواو وانصبن بالألف
…
واجر بياء ما من الأسما أصف
28-
من ذاك ذو إن صحبة أبانا
…
والفم حيث الميم منه بانا
29-
أب أخ حم كذاك وهن
…
.............................
وهو "باب الأسماء الستة" المعتلة المضافة، "فإنها ترفع الواو" نيابة عن الضمة، "وتنصب بالألف" نيابة عن الفتحة، "وتخفض بالياء" نيابة عن الكسرة، "وهي: ذو، بمعنى صاحب" لا بمعنى الذي، "والفم إذا فارقته الميم" لا المتصل بها، "والأب، والأخ" بالتخفيف، "والحم" بغير همز، "والهن". قال ابن مالك في شرح
العمدة: "جعل أولها "ذو" لأنه مختص بملازمة الإعراب بالحروف، وجعل "فو" قرين "ذو" في الذكر، لتساويهما في لزوم الإضافة والإعراب بالحروف. إلا أن "ذو" لا تضاف لياء المتكلم، و"فو" تضاف إليها، فلهذا انحط عن درجة "ذو"، وأخر عنه، و"الأب والأخ والحم" مستوية في الإعراب بالحروف؛ إذا أضيفت لغير ياء المتكلم، فقرن بينها في الذكر قبل "الهن"، وأخر "الهن" لأن إعرابه بالحروف قليل". ا. هـ. ملخصا.
"ويشترط" لإعراب هذه الأسماء بالحروف "في غير "ذو"، أن تكون مضافة لا مفردة" عن الإضافة، "فإن أفردت" عنها، "أعربت بالحركات" الثلاث ظاهرة، فالرفع "نحو:{وَلَهُ أَخٌ} [النساء: 12]، فـ"أخ": مرفوع على الابتداء وخبره في الجار والمجرو قبله، "و" النصب نحو:" {إِنَّ لَهُ أَبًا} [يوسف: 78] ، فـ"أبا": اسم إن وخبرها الجار والمجرور المقدم على اسمها، والجر نحو: "{وَبَنَاتُ الْأَخِ} [النساء: 23] قد "الأخ": مجرور بإضافة بنات إليه. ثم استشعر اعتراضا بأن: "فا" جاء معربا بالحروف مع أنه مفرد، فأجاب بقوله: "فأما قوله؛ يعني العجاج: [من الرجز]
22-
"خالط من سلمى خياشيم وفا"
"فشاذ"؛ لأنه منصوب بالألف بالعطف على "خياشيم" المنصوب بـ"خالط" على المفعولية، مع أنه غير مضاف. وخرجه أبو الحسن وتابعه ابن مالك على أنه حذف المضاف إليه ونوى ثبوت لفظه "لإضافة منوية" في المعطوف والمعطوف عليه، "أي: خياشيمها وفاها"، فأبقاه على حاله غير مضاف إضافة صريحة. وقال ابن كيسان: إنما جاز ذلك؛ لأنه موضع لا يلحقه التنوين، فحذف؛ يعني التنوين؛ وبقي مفردا على حرفين، إذ الألف هي المنقلبة عن عين الكلمة، فلم يلزم من ذلك أن يبقى على حرف واحد. فعلى قول ابن مالك، لا يشترط في الإضافة أن تكون ملفوظة بل الملفوظة والمنوية في ذلك سواء، "ويشترط في الإضافة أن تكون لغير الياء" الدالة على التكلم، سواء في ذلك الظاهر، وضمير المتكلم مع غيره، وضمير المخاطب، وضمير الغائب وفروعها. "فإن كانت" الإضافة "للياء" المذكورة، "أعربت" هذه الأسماء "بالحركات المقدرة" في الأحوال الثلاث على الأصح، فالرفع "نحو: {وَأَخِي هَارُونُ} [القصص: 34] فـ"أخي":
22- الرجز للعجاج في ديوانه 2/ 225، ولسان العرب 12/ 459 "فمم"، 15/ 345 "نهى"، 456 "ذو"، وإصلاح المنطق ص84، وخزانة الأدب 3/ 442، 444، والدرر 1/ 36، وشرح أبيات سيبويه 1/ 204، والمقاصد النحوية 1/ 152، والمقتضب 1/ 240، والممتع في التصريف ص408، وبلا نسبة في أوضح المسالك 1/ 50، والمسائل العضديات ص228-229.
مرفوع على الابتداء وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الخاء منع ظهورها اشتغال المحل بحركته المناسبة، و"هارون": بدل منه أو عطف بيان عليه، وجملة "هو أفصح مني لسانا": خبره.
ومما يحتمل الرفع والنصب: {إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً} [ص: 23] فـ"أخي": يحتمل أن يكون منصوبا على البدلية من هذا، ويحتمل أن يكون مرفوعا على أنه خبر أول لـ"إن"، وجملة:"له تسع وتسعون": خبر ثان.
ومما يحتمل الأوجه الثلاثة " {إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي} [المائدة: 25] فـ"أخي": يحتمل أن يكون مرفوعا، وأن يكون منصوبا، وأن يكون مجرورا، فرفعه من ثلاثة أوجه:
أحدها: أن يكون عطفا على الضمير المستتر في "أملك"، ذكره الزمخشري، واعترضه الموضح بأن "أملك" لا يرفع الظاهر، فلا يعطف على مرفوعه ظاهر، وجوابه أنه يغتفر في التابع ما لا يغتفر في المتبوع، والذي حسن العطف على الضمير المرفوع المتصل؛ الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه بالمستثنى.
الوجه الثاني: أن يكون معطوفا على "إن" واسمها:
الوجه الثالث: أن يكون مبتدأ حذف خبره، والتقدير: وأخي لا يملك إلا نفسه، فهو على هذا من عطف الجمل، وعلى الأولين من عطف المفردات.
ونصبه من وجهين أحدهما: أن يكون معطوفا على اسم "إن"، الثاني: أن يكون معطوفا على "نفس".
وجزء من وجه واحد؛ وهو أن يكون معطوفا على الياء المجرورة بإضافة "نفس" إليها.
وهذا الوجه لا يجيزه جمهور البصريين لعدم إعادة الجار، واستغنى عن اشتراط التكبير والإفراد المقابل للتثنية والجمع تبعا لأصله حيث اقتصر على قوله:
31-
وشرط ذا الإعراب أن يضفن لا
…
لليا.................................
لكونه ذكرها كذلك، "وذو"؛ حالة إفرادها؛ "ملازمة للإضافة لغير الياء" من أسماء الأجناس الظاهرة غير الصفات، "فلا حاجة إلى اشتراط الإضافة فيها"؛ لأنها حاصلة، والاشتراط تحصيل ما ليس بحاصل. "وإذا كانت "ذو" موصولة" بمعنى الذي وأخواته، "لزمتها الواو" في الأحوال الثلاثة غالبا، والبناء على السكون. "وقد تعرب بالحروف"
الثلاثة رفعا ونصبا وجرا "كقوله"، وهو منظور بن سحيم الفقعسي:[من الطويل]
23-
فإما كرام موسرون رأيتهم
…
"فحسبي من ذي عندهم ما كفانيا"
هكذا رواه أبو الفتح ابن جني بالياء معربا1، ورواه غيره بالواو على البناء، وإذا ثبت إعرابها في الجر قلنا به في الرفع والنصب. وقيد ابن الضائع ذلك بحالة الجر؛ لأنه محل السماع، "وإذا لم تفارق الميم "القم" أعرب بالحركات الثلاث"، سواء أفرد أو أضيف، ولا يختص بثبوت الميم في "الفم" حالة الإضافة للضرورة نحو:[من الرجز]
24-
يصبح ظمآن وفي البحر فمه
خلافا للفارسي2، ويرده قوله صلى الله عليه وسلم:"لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك"3.
23- البيت لمنظور بن سحيم الفقعسي في الدرر 1/ 152، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي 1158، وشرح شواهد المغني 2/ 830، وشرح المفصل 3/ 148، والمقرب 1/ 59، والمقاصد النحوية 1/ 127، وللطائي "؟ " في مغني اللبيب 2/ 410، وشرح الأشموني 1/ 72، وشرح ابن عقيل 1/ 45، وشرح عمدة الحافظ ص122، وهمع الهوامع 1/ 84، وبلا نسبة في شرح ابن الناظم ص20، 60.
1 نص على ذلك ابن الناظم في شرحه ص60، وانظر الدرر اللوامع 1/ 152.
24-
الرجز لرؤبة في ديوانه 159، والحيوان 3/ 265، وخزانة الأدب 4/ 451، 454، 460، والدرر 1/ 37، وشرح شواهد المغني 1/ 467، والمقاصد النحوية 1/ 139، ومحاضرات الأدباء 2/ 365، وبلا نسبة في جمهرة الأمثال 2/ 531، والدرة الفاخرة 1/ 296، وشرح الأشموني 1/ 31، ومجمع الأمثال 1/ 447 والمخصص 1/ 136، والمسائل العضديات ص228، وهمع الهوامع 1/ 40.
2 في المسائل العضديات ص228، وهي المسألة رقم 91 بعنوان: حروف فم واللغات فيها.
3 أخرجه البخاري في كتاب الصوم، باب فضل الصوم، برقم 1795، وأخرجه مسلم في الصيام، باب حفظ اللسان للصائم، برقم 1151.
"فصل":
"والأفصح في: الْهَنِ" إذا استعمل مضافا "النقص، أي: حذف اللام" منه، وهي الواو، وإلى ذلك الإشارة بقوله:
29-
.......................
…
والنقص في هذا الأخير أحسن
"فيعرب بالحركات" الثلاث على العين وهي النون، فتقول: هذا هَنُك، ورأيت هَنَك، ونظرت إلى هَنِك، "ومنه"؛ أي: من النقص في الهن؛ "الحديث"، وهو قوله صلى الله عليه وسلم:"من تعزى بعزاء الجاهلية فأعضوه بهن أبيه ولا تكنوا" 1 قال الموضح في شرح شواهد ابن الناظم: "تعزى"، بمثناة مفتوحة؛ فعين مهملة مفتوحة؛ فزاي مشددة، أي: من انتسب وانتمى، وهو الذي يقول:"يا لفلان"، لتخرج الناس معه إلى القتال في الباطل، "فأعضوه": بهمزة مفتوحة؛ وعين مهملة مكسورة؛ وضاد مشددة معجمة، أي: قولا له: اعضض على هَنِ أبيك، أي: على ذكر أبيك، أي: قولوا له ذلك استهزاء به ولا تجيبوه إلى القتال الذي أراده. أي: تمسك بذكر أبيك الذي انتسبت إليه؛ عساه أن ينفعك، فأما نحن فلا نجيبك. و"لا تكنوا": أي: لا تذكروا كناية الذكر، وهو الهَنُ، بل اذكروا له صريح اسم الذكر، وهو الأير، و"تكنوا": بفتح التاء؛ وسكون الكاف بعدها نون، والشاهد في قوله:"بهن أبيه" إذا استعمله منقوصا. ا. هـ.
وإذا استعمل "الهن" غير مضاف كان بالإجماع منقوصا، تقول: هذا هن، ورأيت هنا، ومررت بهن، وهو "اسم يكنى به عن أسماء الأجناس، كرجل وفرس وغيرهما، وقيل: عما يستقبح التصريح بذكره، وقيل: عن الفرج خاصة". قاله الموضح في شرح القطر.
1 الحديث في مسند أحمد 5/ 156، والنهاية في غريب الحديث 3/ 333 "عزا"، 252 "عضض"، وهو من شواهد شرح ابن الناظم ص19.
"ويجوز النقص" بضعف، وهو حذف اللام والإعراب بالحركات "في الأب والأخ والحم" وهو المراد بقول الناظم:
30-
وفي أب وتالييه يندر
…
..........................
فتقول: هذا أبك وأخك وحمك، ورأيت أبك وأخك وحمك، ومررت بأبك وأخك وحمك، "ومنه"، أي: من النقص، "قوله"، وهو رؤبة، يمدح عدي بن حاتم الطائي:[من الرجز]
25-
بأبه اقتدى عدي في الكرم
…
ومن يشابه أبه فما ظلم
فـ"أبه" الأول: مجرور بالكسرة، و"أبه": الثاني منصوب بالفتحة. وهذا البيت مقتبس من المثل السائر: "من أشبه أباه فما ظلم"1، واختلف في معنى نفي الظلم في المثل، فقيل:"فما ظلم" في وضع الشبه في موضعه، وقيل فما ظلم أبوه حين وضع زرعه حيث أدى إليه الشبه، وقيل: الصواب فما ظلمت، أي: أمه، حيث لم تزن، بدليل مجيء الولد على مشابهة أبيه. قاله اللحياني.
"و" من مطلق النقص من غير نظر إلى الإعراب بالحركات، "قول بعضهم" أي: العرب؛ "في التثنية" أي: تثنية الأب والأخ المنقوصين: "أبان وأخان"، وقال الفراء:"أبان": جاء على لغة من قال: هذا أبك. قال الموضح في الحواشي: وكذا قياس "أخان". ا. هـ. فظهر أن المسموع "أبان" فقط، و"أخان" مقيس عليه. وإذا جاز "أخان" قياسا؛ فينبغي أن يكون "حمان" كذلك، ولم أقف عليه. ونقل عن ثعلب أحمد بن يحيى أنه قال2:"يقال: هذا أبوك وأباك وأبك". فمن قال: "هذا أبوك وأباك". قال في التثنية: "أبوان"، ومن قال:"هذا أبك"، قال في التثنية:"أبان"، "و" الأب والأخ والحم "قصرهن أولى من نقصهن" وهو المراد بقول الناظم:
30-
...................
…
وقصرها من نقصهن أشهر
25- الرجز لرؤبة في ديوانه 182، والدرر 1/ 31، وشرح ابن الناظم ص20، والمقاصد النحوية 1/ 129، وكتاب الأمثال لابن سلام 145، 260، وجمهرة الأمثال 2/ 255، وفصل المقال 185، والفاخر 103، 227، والمستقصى 2/ 353، وبلا نسبة في أوضح المسالك 1/ 44، وتخليص الشواهد 57، وشرح الأشموني 1/ 29، وشرح ابن عقيل 1/ 50، وهمع الهوامع 1/ 39.
1 كتاب الأمثال لابن سلام 145، 260، وجمهرة الأمثال 2/ 255، وفصل المقال 185، والفاخر 103، 227، والمستقصى 2/ 353.
2 مجالس ثعلب ص400.
وعدل الموضح عن "ها" إلى "هن"؛ لأن الأكثر في "هن" أن يعود إلى جمع القلة، و"ها" بعكس ذلك، والمراد بـ"قصرهن" أن يلزم آخرهن الألف المنقلبة عن لامهن في الأحوال الثلاثة، فيعربن بحركات مقدرة عليها، "كقوله"؛ وهو أبو النجم فيما قال الجوهري، وقيل رؤبة:[من الرجز]
26-
"إن أباها وأبا أباها"
…
قد بلغا في المجد غايتاها
أنشده ابن جني وغيره. و"أبا" الأول وما عطف عليه لا شاهد فيه؛ لأن كل واحد منهما يحتمل أن يكون منصوبا بالألف نيابة عن الفتحة، ويحتمل أن يكون مقصورا منصوبا بفتحة مقدرة على الألف، والشاهد في "أباها" الثالث، إذ هو نص في القصر؛ لأنه مضاف إليه، فهو مجرور بكسرة مقدرة على الألف، وإلا لجر بالياء، "وقول بعضهم" وهو أبو حنش حين قال له خاله، وقد بلغه أن ناسا من أشجع في غار يشربون، وهم قاتلون إخوته: هل لك في غار فيه ظباء لعلنا نصيب منها؟ وانطلق به حتى أقامه على فم الغار، ثم دفعه في الغار فقال: ضر يا أبا حنش. فقال بعضهم: إن أبا حنش لبطل، فقال أبو حنش:"مكره أخاك لا بطل"1. فصار هذا مثلا يضرب لمن يحمل على ما ليس من شأنه. وقيل: إن أول من قاله عمرو بن العاص، لما عزم عليه معاوية ليخرجن إلى مبارزة على رضي الله عنهم، فلما التقيا قال عمرو: مكره أخاك لا بطل، فأعرض عنه. وذكر "الأخ" للاستعطاف، فـ"أخاك": مبتدأ مؤخر مرفوع بضمة مقدرة على الألف، و"بطل": معطوف بـ"لا" على مكره، و"مكره": اسم مفعول خبر مقدم، ولا يجوز أن يكون "مكره" مبتدأ، أو "أخاك" نائب عن الفاعل سد مسد الخبر؛ لعدم اعتماده على النفي أو الاستفهام عند جمهور البصريين، وأجازه الأخفش والكوفيون كما سيأتي2.
26- الرجز لرؤبة في ملحق ديوانه 168، ولأبي النجم العجلي في ديوانه 227، ولهما معا في شرح ابن الناظم ص20، وشرح شواهد المغني 1/ 127، والمقاصد النحوية 1/ 133، 3/ 636، والدرر 1/ 32، ولرؤبة أو لرجل من بني الحارث في الخزانة 7/ 455، وبلا نسبة في أوضح المسالك 1/ 46، وأسرار العربية 46، والإنصاف 18، وتخليص الشواهد ص58، والخزانة 4/ 105، 7/ 453، ورصف المباني 24، 236، وسر صناعة الإعراب 2/ 705 وشرح الأشموني 1/ 29، وشرح شذور الذهب 62، وشرح شواهد المغني 2/ 585، وشرح ابن عقيل 1/ 51، وشرح المفصل 1/ 53، ومغني اللبيب 1/ 38.
1 الشاهد من الأمثال؛ وهو في الدرر 1/ 32، وهمع الهوامع 1/ 39، ومجمع الأمثال 2/ 318، 1/ 153، والفاخر 62، وجمهرة الأمثال 2/ 242، والمستقصى 2/ 347، وكتاب الأمثال لابن سلام 271، والبيان والتبيين 1/ 162، 4/ 17. يضرب المثل لمن يحمل على من ليس من شأنه.
2 لأنهم لا يشترطون في الوصف اعتماده على نفي أو شبهه. انظر الدرر 1/ 32.
"قولهم" بالجر، وهم العرب " للمرأة حماة" فإنه يستدعي أن يقولوا للرجل حما؛ لأن صيغة المؤنث هي صيغة المذكر بزيادة تاء التأنيث، فلما اتصلت التاء نقل الإعراب من الألف إليها، وظهر؛ لأنها حرف صحيح، والمذكر على أصله، فيقدر الإعراب فيه، ونظير ذلك: فتى وفتاة. وحاصل ما ذكره تبعا لأصله: أن الأسماء على ثلاثة أقسام:
ما فيه لغة واحدة، وهو "ذو" بمعنى صاحب، و"الفم" بغير الميم.
وما فيه لغتان، وهو "الهن"، فإنه فيه النقص والإتمام.
وما فيه ثلاث لغات، وهو "الأب والأخ والحم"، فإنه فيهن الإتمام والنقص والقصر.
"الباب الثاني" من أبواب النيابة "المثنى":
وهو في الأصل المعطوف، من ثنيت العود: إذا عطفته، وفي الاصطلاح:"ما وضع لاثنين وأغنى عن المتعاطفين" فـ"ما وضع": جنس، و"لاثنين": فصل أول مخرج لما وضع لأقل، كرجلان للماشي، أو أكثر كصنوان، و"أغنى عن المتعاطفين": فصل ثان مخرج لنحو: كلا وكلتا، واثنان واثنتان، وشفع وزوج، وزكًا بالتنوين: اسم للشيئين، ودخل فيه نحو: القمران للشمس والقمر. قال الموضح في شرح اللمحة: "والذي أراه أن النحويين يسمون هذا النوع مثنى لعدم ذكرهم له فيما حمل على المثنى، وغايته أن هذا مثنى في أصله تجوز". ا. هـ. وصرح المرادي بأنه ملحق بالمثنى، ودخل فيه أيضا تثنية المفرد المذكر اسما كان أو صفة "كالزيدان" المسلمان، "و" المؤنث كذلك نحو:"الهندان" المسلمتان، وتثنية الجمع المكسر كالجمالان، وتثنية اسم الجمع كالركبان، وتسمية اسم الجنس كالغنمان، وثبوت الألف مع الجار في هذه الأمثلة من استعمال الشيء في أول أحواله؛ وهو الرفع، واقترانها بـ"أل" المعرفة عوض عن تعريف العلمية الذاهب عند إرادة التثنية فيما أصله العلمية، وجميع ذلك معرب على الأصح، "فإنه يرفع بالألف، ويجر وينصب بالياء المفتوح ما قبلها المكسور ما بعدها"، وإلى ذلك الإشارة بقوله:
32-
بالألف ارفع المثنى............
…
.....................................
مع قوله:
34-
وتخلف اليا في جميعها الألف
…
جرا ونصبا بعد فتح قد ألف
وقدم الجر على النصب؛ لأن الجر أصله؛ والنصب هنا محمول عليه، وذهب الزجاج إلى أن المثنى مبني.
ويشترط في كل ما يثنى عند الأكثرين ثمانية شروط:
أحدها: الإفراد، فلا يثنى المثنى، ولا المجموع على حده، ولا الجمع الذي لا نظير له في الآحاد.
الثاني: الإعراب، فلا يثنى المبني، وأما نحو: ذان وتان واللذان واللتان، فصيغ موضوعة للمثنى، وليست مثناة حقيقة على الأصح، عند جمهور البصريين.
الثالث: عدم التركيب، فلا يثنى المركب تركيب إسناد اتفاقا، ولا مزج على الأصح، وأما المركب تركيب إضافة مع الإعلام فيستغنى بتثنية المضاف عن تثنية المضاف إليه.
الرابع: التنكير، فلا يثنى العلم باقيا على علميته، بل ينكر ثم يثنى.
الخامس: اتفاق اللفظ، وأما نحو: الأبوان للأب والأم؛ فمن باب التغليب.
السادس: اتفاق المعنى، فلا يثنى المشترك، ولا حقيقة والمجاز، وأما قولهم:"القلم أحد اللسانين" فشاذ.
السابع: أن لا يستغنى بتثنية غيره عن تثنيته، فلا يثنى "سواء" لأنهم استغنوا بتثنية "سي" عن تثنيته، فقالوا:"سيان"، ولم يقولوا:"سواءان". وأن لا يستغنى بملحق بالمثنى عن تثنيته، فلا يثنى "أجمع وجمعاء"، استغناء بـ"كلا وكلتا".
الثامن: أن يكون له ثان في الوجود. فلا يثنى الشمس ولا القمر، وأما قولهم:"القمران" للشمس والقمر فمن باب المجاز.
فما استوفى هذه الشروط فهو مثنى حقيقة؛ يعرب بالألف رفعا، وبالياء جرا ونصبا على اللغة المشهورة. ومن العرب من يلزم الألف في الأحوال الثلاثة؛ ويعربه بحركات مقدرة على الألف، ومنهم من يلزمه الألف دائما، ويعربه بحركات ظاهرة على النون؛ إجراء للمثنى مجرى المفرد، قاله المرادي في شرح التسهيل.
"و" المثنى الحقيقي "حملوا عليه" في الإعراب بالحروف "أربعة ألفاظ" اقتصر عليها في النظم "اثنين واثنتين" في لغة الحجازيين، و"ثنتين" في لغة التميميين "مطلقا"، سواء أفردا أو ركبا مع العشرة، أو أضيفا إلى ظاهر أو مضمر. ويمتنع إضافتهما إلى ضمير تثنية، فلا يقال: جاء الرجلان اثناهما والمرأتان اثنتاهما؛ لأن ضمير التثنية نص في "الاثنين" فإضافة الاثنين إليه من إضافة الشيء إلى نفسه قاله الموضح في شرح اللمحة. "وكلا وكلتا" بشرط أن يكونا "مضافين لمضمر"، تقول: جاءني الرجلان كلاهما والمرأتان كلتاهما، ورأيت الرجلين كليهما والمرأتين كلتيهما، ومررت بالرجلين كليهما والمرأتين كلتيهما، "فإن أضيفا إلى ظاهر لزمتهما الألف" في الأحوال الثلاثة، وكانا معربين بحركات مقدرة على الألف إعراب المقصور، تقول: جاءني كلا الرجلين وكلتا المرأتين، ورأيت كلا الرجلين وكلتا المرأتين، ومررت بكلا الرجلين وكلتا المرأتين، فعلى هذا ألف "كلا" كألف "عصا"، وألف "كلتا" كألف "حبلى" ووزن "كلا" فعل كـ"مِعًى"، وألفها قيل: عن واو، لقلبها تاء في "كلتا"، وقيل: عن ياء لقلبها ياء في التثنية عند سيبويه1؛ إذا سمي بها. ووزن "كلتا" فِعْلَى كـ"ذكرى" وألفها للتأنيث، والتاء بدل عن لام الكلمة، وهي إما واو وهو اختيار ابن جني، أو ياء وهو اختيار أبي علي، والتفرقة بين الإضافة إلى ظاهر والإضافة إلى مضمر هي اللغة المشهورة، وهي من إعطاء الأصل للأصل والفرع للفرع2. ووراء هذه التفرقة إطلاقان: أحدهما الإعراب بالحروف مطلقا، وهي لغة كنانة، والثاني: الإعراب بالحركات مطلقا، وهي لغة بلحارث، حكاها الفراء.
ويلتحق أيضا بالمثنى ما سمى به منه، كـ"زيدان" علما، فيرفع بالألف، ويجر وينصب بالياء، ويجوز في هذا النوع أن يُجرى مجرى سلمان، فيعرب إعراب ما لا ينصرف للعلمية وزيادة الألف والنون، وإذا دخل عليه "أل" جر بالكسرة كقوله:[من الطويل]
27-
ألا يا ديار الحي بالسبعان
…
..............................
وهو اسم موضع نقل من تثنية سبع.
1 الكتاب 3/ 364.
2 انظر الإنصاف 2/ 450، المسألة رقم 62، والدرر 1/ 42-44.
27-
عجز البيت:
"أمل عليها بالبلى الملوان"
، وهو لابن مقبل في الاقتضاب ص787.
"الباب الثالث": من أبواب النيابة "باب جمع المذكر السالم":
وهو الجمع الذي على هجاءين1، "كالزيدون" من الأسماء، "والمسلمون" من الصفات. وأتى بالمثال مع الجار مرفوعًا؛ لأنه أول أحواله، وهو معرب خلافًا للزجاج2، "فإنه يرفع بالواو المضموم ما قبلها" لفظًا، نحو: جاء الزيدون، أو تقديرًا نحو:{وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ} [آل عمران: 139]"ويجر وينصب بالياء المكسور ما قبلها" لفظًا، نحو: رأيت الزيدين، ومررت بالزيدين، أو تقديرًا، نحو: رأيت المصطفين، {وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَار} [ص: 47] ، وإلى هذا أشار الناظم بقوله:
35-
وارفع بواو وبيا اجرر وانصب
…
سالم جمع عامر ومذنب
وإنما فتح ما قبل ياء المثنى وكسر ما قبل ياء الجمع لوجهين:
أحدهما: أن المثنى أكثر من الجمع، فخص بالفتحة؛ لأنها أخف من الكسرة؛ بخلاف الجمع.
والثاني: أن نون المثنى كسرت على أصل التقاء الساكنين، فلم يجمع بين كسرتها وكسر ما قبل الياء؛ فرارًا من ثقل الكسرتين؛ وبينهما ياء، ثم عكسوا ذلك في الجمع ليحصل الفرق بين المثنى والجمع، ليعتدل اللفظ، فيصير في كل واحد منهما ياء بين فتحة وكسرة. قاله أبو البقاء في شرح لمع ابن جني.
"ويشترط في كل ما يجمع هذا الجمع" من اسم أو صفة "ثلاثة شروط:
أحدها: الخلو من تاء التأنيث، فلا يجمع" هذا الجمع من الأسماء، "نحو: طلحة، و" لا من الصفات، نحو: "علامة" بتشديد اللام لئلا يجتمع فيهما علامتا التأنيث والتذكير، ولو حذفت التاء التبس بالمجرد منها: وقيد التأنيث بالتاء احترازًا من التأنيث بالألف، كحبلى وحمراء علمين لرجلين، فإنهما يجمعان هذا الجمع بحذف المقصورة وقلب الممدودة واوًا، فيقال الحبلون والحمراوون.
الشرط "الثاني: أن يكون لمذكر" مناسبة بينهما، "فلا يجمع" هذا الجمع علم المؤنث، "نحو: زينب، و" لا صفة المؤنث، نحو: "حائض"، لئلا يلتبس جمع
1 أي: على حرفين؛ وهما: الواو رفعًا، والياء في غيره، وقد يقال: الهجاءان الواو والنون رفعًا؛ والياء والنون نصبًا وجرًّا. "حاشية يس 1/ 69".
2 في حاشية يس 1/ 69: "قال الزرقاني: أي: فإنه عنده مبني، وبناؤه على الواو في: جاء الزيدون، وعلى الياء في: رأيت الزيدين ومررت بالزيدين".
المذكر يجمع المؤنث، فلو كان نحو زينب علما لمذكر جاز أن يجمع هذا الجمع لعدم اللبس، فلو كان نحو زيد علما لامرأة امتنع أن يجمع هذا الجمع لما تقدم.
الشرط "الثالث: أن يكون لعاقل" مناسبة بينهما؛ لأن هذا الجمع مخصوص بالعقلاء، "فلا يجمع" هذا الجمع، "نحو:"واشق"، علما لكلب، و"سابق": صفة الفرس"، لعدم العقل فلو كان "واشق": علما لرجل، و"سابق": صفة له جمع هذا الجمع، وجميع هذه الشروط جارية في الاسم والصفة. "ثم يشترط" لانفراد كل منهما عن الآخر "أن يكون إما علما"؛ لأن هذا الجمع يجبر العلمية الزائلة لأجلة، وأن يكون العلم "غير مركب تركيبا إسناديا ولا مزجيا، فلا يجمع" المركب الإسنادي، "نحو: بَرَقَ نَحْرُهُ" علما اتفاقا؛ لأن المحكي لا يغير، "و" لا المزجي نحو: "معديكرب" ونحو: سيبويه على الأصح فيهما، تشبيها بالمحكي في التركيب. وقيل: يجوز مطلقا، وقيل: إن خُتِم بـ"ويه" جاز، وإلا فلا. وعلى الجواز في المختوم بـ"ويه"، فمنهم من يلحق العلامة بآخره فيقول: سيبويهون، ومنهم من يحذف "ويه" ويقول: سيبون، وسكت عن المركب الإضافي فإنه يجمع أول المتضايفين ويضاف للثاني، فيقول في غلام زيد علما: غلامو زيد؛ وغلامي زيد، وعن الكوفيين إجازة جمعها معا، فيقال: غلامو الزيدين، وغلامي الزيدين؛ بكسر الدال فيهما، ودخل في قوله: "علما" ما كان علما على التوكيد نحو: "أجمع" فإنه يقال في جمعه: أجمعون.
"وإما صفة" يصح جمعها بالألف والتاء، وهي التي "تقبل التاء" المقصود بها معنى التأنيث، فلا يجمع هذا الجمع، نحو: علامة ونسابة؛ لأن التاء فيهما لتأكيد المبالغة لا لقصد معنى التأنيث، "أو" صفة لا تقبل التاء ولكنها "تدل على التفضيل"، فالصفة التي تقبل التاء المذكورة، "نحو: قائم"؛ من المجرد، "ومذنب"؛ من المزيد، تقول: قائمة ومذنبة، "و" الصفة التي تدل على التفضيل، نحو: "أفضل"، فهذه الصفات الثلاث تجمع هذا الجمع، كما تجمع بالألف والتاء فيقال: قائمون ومذنبون وأفضلون، كما يقال: قائمات ومذنبات وفضليات، "فلا يجمع" هذا الجمع، "نحو: جريح" بمعنى مجروح، "وصبور" بمعنى صابر، "وسكران وأحمر"؛ لأنها لا تقبل التاء، ولا تدل على تفضيل؛ لأن جريحا وصبورا مما يستوي فيه المذكر والمؤنث، وسكران مؤنثه سكرى، وأحمر مؤنثه حمراء، فلا يقال: جريحون وصبورون وسكرانون وأحمرون، كما لا يقال: جريحات وصبورات وسكرانات وحمراوات، فلو جعلت أعلاما جاز الجمعان.
"فصل":
"وحملوا على هذا الجمع" السالم للمذكر "أربعة أنواع" أعربت بالحروف، وليست جمع تصحيح نبه عليها في النظم بقوله:
36-
…
وبه عشرونا
…
وبابه ألحق والأهلونا
37-
أولو وعالمون عليونا
…
وأرضون شذ والسنونا
38-
وبابه..............
…
..........................
فهذه كلها ترجع إلى أربعة أنواع:
"أحدها: أسماء جموع وهي: أولو" بمعنى أصحاب، اسم جمع "ذو" بمعنى صاحب، وقيل: جمع "ذو" على غير لفظه، "وعالمون": اسم جمع "عالم" بفتح اللام، وليس جمعا له لأن العالم عام في العقلاء وغيرهم، والعالمون مختص بالعقلاء، والخاص لا يكون جمعا لما هو أعم منه. قاله ابن مالك، وتبعه الموضح هنا. وذهب كثير إلى أنه جمع عالم على حقيقة الجمع، ثم اختلفوا في تفسير العالم الذي جمع هذا الجمع، فذهب أبو الحسن إلى أنه أصناف الخلق العقلاء وغيرهم، وهو ظاهر كلام الجوهري، وذهب أبو عبيدة إلى أنه أصناف العقلاء فقط، وهم الإنس والجن والملائكة. "وعشرون، وبابه" وهو سائر العقود "إلى التسعين" وكلها في التنزيل؛ قال الله تعالى: {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ} [الأنفال: 65]، {وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً} [الأعراف: 142] {فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا} [العنكبوت: 14]{فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} [المجادلة: 4]{ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا} [الحاقة: 32]{فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النور: 4]{إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً} [ص: 23] .
"و" النوع "الثاني جموع التكسير" تغير فيها بناء الواحد، وأعربت بالحروف "وهي بنون" جمع ابن، وقياس جمعه جمع السلامة ابنون، كما يقال في تثنيته ابنان، ولكن
خالف تصحيحه تثنيته لعلة تصريفية أدت إلى حذف الهمزة. "وإحرون" بكسر الهمزة، وحكى يونس فتحها1، وبفتح الهاء المهملة وتشديد الراء جمع حَرَّة، بفتح الحاء: أرض ذات حجارة سود نخرة كأنها أحرقت بالنار، وأصلها أحرة كما يفهم من قول الجوهري، كأنه جمع أحرة، وعلى هذا يشكل المثالان؛ لأن "بنون" جمع باعتبار أصله وهو:"بنو"، و"أحرون" جمع باعتبار أصله وهو "أحرة"، فصار من جمع السلامة بلا تكسير، ويجاب بأن ذلك الأصل قد ترك وصار نسيا منسيا. "وأرضون" بفتح الراء: جمع أرض؛ بسكونها؛ وجمع هذا الجمع لأنه ربما يورد في مقام الاستعظام، كقوله:[من الطويل]
28-
لقد ضجت الأرضون إذ قام من بني
…
سدوس خطيب فوق أعواد منبر
إلا أنه سكن الراء للضرورة، "وسنون" بكسر السين جمع سنة بفتحها، اسم للعام، ولامها واو أو هاء، لقولهم: سنوات وسنهات، "وبابه" الجاري على سننه، وضابطه مستفاد من قوله:"فإن هذا الجمع مطرد في كل" اسم "ثلاثي حذفت لامه، وعوض عنها التأنيث، ولم يكسر" تكسيرا يعرب بالحركات، "نحو: عضة وعضين" وأصل عضة: عضة؛ بالهاء، من العَضْه، وهو الكذب والبهتان، وفي الحديث: "لا يعضه بعضكم بعضا" 2، وقيل أصله: عضو، من قولهم: عضيته تعضية؛ إذا فرقته، ومنه قول رؤبة:[من الرجز]
29-
وليس دين الله بالمعضي
أي: المفرق. فعلى الأول لامها هاء. ويدل له تصغيرها على عضيهة، وعلى الثاني واو ويدل له جمعها على عضوات، فكل من التصغير والجمع يردان الشيء إلى أصله، "وعزة وعزين"، فالعزة، بكسر العين المهملة وفتح الزاي، أصلها:"عزي"، فلامها ياء، وهو الفرقة من الناس، و"العزين": الفرق المختلفة؛ لأن كل فرقة تعتزي إلى غير من تعتزي إليه الأخرى، "وثبة وثبين"، والثبة، بضم الثاء المثلثة وفتح الموحدة:
1 في الكتاب 3/ 600 "وزعم يونس أنهم يقولون أيضا: حرة وإحرون" بكسر الهمزة؛ وليس بفتحها.
28-
تقدم تخريج البيت برقم "2".
2 النهاية 3/ 254، وهو من حديث البيعة، واستشهد به ابن هشام في شرح شذور الذهب ص61.
29-
الرجز لرؤبة في ديوانه ص81، وشرح شذور الذهب ص60، ومقاييس اللغة 4/ 347، ولذي الرمة في شرح الأشموني 1/ 36، وليس في ديوانه، وبلا نسبة في لسان العرب 15/ 68 "عضا"، وكتاب العين 2/ 193.
الجماعة، وأصلها: ثَبْو، وقيل: ثَبْي، من ثبيت أي: جمعت، فلامها على الأول واو، وعلى الثاني ياء، وأما الثبة التي هي وسط الحوض، فليست مما نحن فيه على الصحيح؛ لأنها محذوفة العين لا اللام، من ثاب يثوب إذا رجع، وقيل: بل هي محذوفة اللام أيضا، من ثبيت، فعلى الأول لا تجمع بالواو والنون؛ وتجمع على الثاني بهما.
وحاصل ما ذكره من محذوف اللام، ثلاثة أنواع: مفتوح الفاء، نحو: سنة، ومكسورها، نحو: عِضة وعِزة، ومضمومها، نحو: ثبة، فما كان مفتوح الفاء كسرت فاؤه في الجمع، نحو: سنين، وما كان مكسور الفاء لم يغير في الجمع، نحو: عِضين وعِزين، وما كان مضموم الفاء ففيه في الجمع وجهان: الضم والكسر، نحو: ثبين بضم الثاء وكسرها. وهو الأكثر، ووقع جمع سنة وعضة وعزة في التنزيل "قال الله تعالى:{كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ} [المؤمنون: 112]، فـ"سنين": مجرور بإضافة عدد إليه وعلامة جره الياء، " {الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ} [الحجر: 91] فـ"عضين": مفعول ثان لـ"جعلوا" وعلامة نصبه الياء، {فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ، عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ} [المعارج: 36، 37] فـ"عزين": صفة لـ"مهطعين"، و"مهطعين": حال من "الذين كفروا"، وهو منصوب وعلامة نصبه الياء، ولم يقع جمع ثبة في التنزيل إلا بالألف والتاء نحو:{فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ} [النساء: 71]، "ولا يجوز ذلك" الجمع المعرب بالحروف "في نحو:"تمرة" لعدم الحذف، ولا في نحو: عِدَة1 وزنة" غير علمين، "لأن المحذوف" منهما "الفاء" لا اللام، وأصلهما: وعد ووزن؛ بكسر أولهما وسكون ثانيهما، فاستثقلت الكسرة على الواو، فنقلت إلى ما بعدها، ثم حذفت الواو وعوض منها الهاء.
وشذ "لِدُون" جمع "لِدَة"، وأصلها ولد، وهي المساوي في السن، فإن كان علمين لمذكر جمعا هذا الجمع، فيقال: عِدون وزِنون، "ولا" يجوز ذلك "في نحو: يد ودم" لعد التعويض من لامهما المحذوفة، وأصلهما: يَدْي ودَمْي؛ بسكون الدال والميم. وذهب الكوفيون إلى فتح الدال، واختاره ابن طاهر. وذهب المبرد إلى فتح الميم2، وضعفه الجاربردي. وحذفت لامهما على غير قياس، وجعل الإعراب على عينهما، "وشذ أبون وأخون" وهنون، فإنها جمعت هذا الجمع مع عدم التعويض، وأصلها: أبو وأخو وهنو،
1 في ط: "نحو قاعدة" تصحيف واضح.
2 المقتضب 1/ 231، وانظر المسائل العضديات، المسألة رقم 111، ص269-272.
فحذفت لاماتها كما مر، ولم يعوض منها شيء. "ولا" يجوز ذلك "في اسم وأخت وبنت؛ لأن العوض" فيهن عن لامهن المحذوفة "غير الهاء". أما "اسم" فأصله سمو عند البصريين1، فحذفت لامه، وعوض منها الهمزة في أوله، وأما "أخت وبنت"، فظاهر كلامه هنا أن أصلهما أخو وبنو، حذفت لامهما، وعوض منها تاء التأنيث؛ لا هاء التأنيث والفرق أن تاء التأنيث فيهما لا تبدل في الوقف هاء، وتكتب مجرورة، وهاء التأنيث، يوقف عليها بالهاء، وتكتب مربوطة. وذهب يونس إلى أن تاء "أخت وبنت" ليست للتأنيث؛ لأن ما قبلها ساكن صحيح؛ ولأنها لا تبدل في الوقف هاء2، ونقل ذلك الموضح عنه في باب النسب وسلمه، وادعى أن الصيغة كلها للتأنيث، وسيأتي قول إن التاء فيهما للإلحاق بجذع وقفل إلحاقا للثنائي بالثلاثي.
"وشذ بنون" جمع ابن؛ لأن المعوض فيه همزة الوصل، وأصله "بنو"؛ لأن مؤنثه بنت، ولم نر هذه التاء تلحق مؤنثا إلا ومذكره محذوف الواو، قاله الجوهري. "ولا" يجوز ذلك "في نحو: شاة وشفة" وإن كانا محذوفي اللام، معوضا عنها هاء التأنيث؛ "لأنهما كسرا" تكسيرا يعرب بالحركات، وذلك أن "شاة" كسرت "على شياه، و" "شفة" كسرت على "شفاه" بالهاء فيهما، وأصل "شاة": شوهة؛ بسكون الواو؛ كصفحة، فلما ألقيت الواو والهاء لزم انفتاحها، فانقلبت ألفا فصار شاهة، فحذفت لامها وهي الهاء، وعوض منها هاء التأنيث، وأصل "شياه": شواه، قبلت الواو ياء لانكسار ما قبلها. وأصل "شفة": شفهة، حذفت لامها وهي الهاء أيضا، وعوض منها هاء التأنيث، والدليل على أن لامهما هاء؛ تصغيرهما على شويهة وشفيهة، وتكسيرهما على شياه وشفاه، والتصغير والتكسير يردان الأشياء إلى أصولها. وزعم قوم أن لام "شفة" واو، لقولهم في الجمع: شفوات، قال الجوهري: ولا دليل على صحته، إنما لم يجمعا بالحروف؛ لأن العرب استغنت بتكسيرهما عن تصحيحهما. وشذ "ظبون" جمع "ظبة"، فإنهم كسروها على ظُبا ولامها واو محذوفة، والهاء عوض منها، والظبة؛ بكسر الظاء المعجمة وفتح الموحد: طرف السيف والسهم، وأصلها: ظبو، لقولهم: ظبوته إذا أصبته بالظبة.
"و" النوع "الثالث" مما حمل على هذا الجمع: "جموع تصحيح لم تستوف الشروط" المتقدمة في الاسم والصفة، "كأهلون" جمع أهل، وهم العشيرة، "ووابلون"
1 الإنصاف 1/ 6، المسألة رقم1:"الاختلاف في أصل اشتقاق الاسم".
2 في الكتاب 3/ 361: "وأما يونس فيقول: أختي؛ وليس بقياس".
جمع وابل، وهو المطر الغزير، "لأن أهلا ووابلا ليسا علمين ولا صفتين؛ ولأن وابلا لغير عاقل". وتقدم أن شرط هذا الجمع أن يكون لعلم من يعقل أو صفته، ووقع جمع "أهل" في التنزيل دون "وابل"، قال الله تعالى:{شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا} [الفتح: 11]{مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ} [المائدة: 89]{إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا} [الفتح: 12] .
"و" النوع "الرابع: ما سمي به من هذا الجمع" المستوفي للشروط، "و" من "ما ألحق به".
فالثاني "كعليون" فإنه ملحق بهذا الجمع، ومسمى به أعلى الجنة1، قال الله تعالى:{إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ، وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ} [المطففين: 18، 19] وهو في الأصل جمع "عِلِّىٍّ" بكسر العين واللام مع تشديد اللام والياء، ووزنه فعيل، من العلو. ونقل الغزنوي عن يونس أن واحد عليين: عِلِّي وعِلّية، وهي الغرفة.
"و" الأول نحو: "زيدون، مسمى به" شخص، فيعربان بالحروف إجراء لهما على ما كانا عليه قبل التسمية بهما، وإن كانا مفردين حينئذ. "ويجوز في هذا النوع" المسمى به، "أن يجرى" في الإعراب "مجرى غسلين"، وهو ما يسيل من جلود أهل النار، "في لزوم الياء" في الأحوال الثلاثة، "والإعراب بالحركات" الثلاثة ظاهرة على النون، حال كونها "منونة" إن لم يكن أعجميا، فتقول: هذا زيدين وعليين، ورأيت زيدينا وعليينا، ومررت بزيدين وعليين، فإن كانا أعجميا امتنع التنوين، وأعرب إعراب ما لا ينصرف، فتقول: هذه قنسرين، وسكنت قنسرين، ومررت بقنسرين، وإطلاقه تبعا للناظم في قوله:
38-
........................ ومثل حين قد يرد
…
ذا الباب........................................
محمول على المنصرف بقرينة التشبيه، وعدل عن التشبيه بـ"حين" إلى التشبيه بـ"غسلين"، لأنه يشبه الجمع في كونه ذا زيادتين، الياء والنون. "ودون هذا" المجرى من لزوم الياء والإعراب بالحركات على النون منونة "أن يجرى مجرى" هارون، في لزوم الواو والإعراب على النون غير منونة للعلمية وشبه العجمة، كحمدون،
1 كذا قال ابن عقيل في شرحه 1/ 63، وذكر الصبان في حاشيته على الأشموني 1/ 83، نقلا عن الكشاف للزمخشري أنه اسم لديوان الخبر الذي دون فيه كل ما عملته الملائكة وصلحاء الثقلين.
قالوا: هذا ياسمون بضم النون من غير تنوين، أو يجرى مجرى "عَرَبون" بفتح العين والراء المهملتين وبالموحدة "في لزوم الواو، والإعراب بالحركات" الثلاث "على النون" حال كونها "منونة"، فتقول: هذا زيدون، ورأيت زيدونا، ومررت بزيدون، "كقوله":[من الخفيف]
30-
طال ليلي وبت كالمجنون
…
" واعترتني الهموم بالماطرون"
بكسر النون، وعدم التنوين لوجود "أل"، ويحتمل أن يكون من باب "هارون"، وهذا البيت قال ابن بري في حواشي الصحاح: إنه لأبي ذهل الخزاعي1، ردا على الجوهري حيث زعم أن لعبد الرحمن بن حسان بن ثابت الأنصاري2. و"الماطرون"؛ بالميم والطاء المهملة: موضع بناحية الشام، قاله صاحب القاموس3، وهو جمع ماطر مسمى به.
"ودون هذه" اللغة "أن تلزمه الواو وفتح النون" مطلقا، ذكره السيرافي وزعم أن ذلك صحيح من كلام العرب، ونظير هذه من يلزم المثنى بالألف مطلقا وكسر النون، ويقدر الإعراب، كقوله، وهو يزيد بن معاوية في نصرانية كانت قد ترهبت في دير خراب عن الماطرون:[من المديد]
31-
"ولها بالماطرون إذا
…
أكل النمل الذي جمعا"
الرواية بفتح النون في الماطرون، وتقدم أنه اسم موضع، وأورده في الصحاح في فصل النون من باب الراء بالنون في أوله وكسر النون في آخره، فغير أوله بالنون بدل الميم، وآخره بالكسر بدل الفتح، قاله الموضح في الحواشي، والهاء من "لها" تعود على
30- البيت لأبي دهبل الجمحي في ديوانه ص68، والأغاني 7/ 122، وخزانة الأدب 7/ 314، 315، ولسان العرب 4/ 242 "خصر"، 13/ 224 "سنن"، ومعجم ما استعجم ص409، والمقاصد النحوية 1/ 141، ولعبد الرحمن بن حسان في ديوانه ص59، والأغاني 15/ 109، وبلا نسبة في أوضح المسالك 1/ 53، وجواهر الأدب ص158، والخصائص 3/ 216، والممتع في التصريف 1/ 157.
1 كذا في جميع النسخ، والصواب:"لأبي دهبل الجمحي".
2 ديوانه ص59.
3 القاموس 2/ 135 "مطر"، وفي معجم البلدان 5/ 43:"الماطرون: موضع بالشام قرب دمشق".
31-
البيت ليزيد بن معاوية في ديوانه ص22، والمقاصد النحوية 1/ 48، ومعجم البلدان 5/ 43 "الماطرون"، وله أو للأحوص في خزانة الأدب 7/ 309، 310، 311، 312، والكامل ص498، وللأحوص الأنصاري في ديوانه ص221، ولأبي دهبل الجمحي في ديوانه ص85، والحيوان 4/ 10، والمستقصى 1/ 51، وللأخطل في لسان العرب 13/ 409 "مطرن"، وبلا نسبة في سر صناعة الإعراب 2/ 626، ولسان العرب 5/ 180 "مطر"، والممتع في التصريف 1/ 158.
النصرانية، والجار والمجرور في موضع الخبر، لقوله:"خِرْفَة" في البيت بعده1، و"الباء" للظرفية، والمعنى: لهذه النصرانية خرفة وقت أكل النمل الذي جمعه، وأراد به أيام الشتاء، فإن النمل يحزن ما يجمعه تحت الأرض ليأكله أيام الشتاء. والخرفة؛ بكسر الخاء المعجمة: ما يخترف من النمر؛ أي: يجتني.
"وبعضهم" أي: العرب "يجري بنين وباب سنين" وإن لم يكن علما "مجرى غسلين" في لزوم الياء والحركات على النون منونة غالبا، على لغة بني عامر، وغير منونة على لغة بني تميم، حكاه عنهم الفراء، ولا تسقط النون للإضافة "قال" أحد أولاد علي بن طالب رضي الله عنه:[من الوافر]
32-
"وكان لنا أبو حسن علي
…
أبا برا ونحن له بنين"
الرواية "بنين" بالياء، والإعراب على النون، "قال" الصمة بن عبد الله بن الطفيل:[من الطويل]
33-
"دعاني من نجد فإن سنينه"
…
لعبن بنا شيبا وشيبننا مردا
الرواية "سنينه" بإثبات النون، ولم تسقط للإضافة، وعلامة نصبه الفتحة لا الياء، وإلا لقال: فإن سنيه؛ بحذف النون للإضافة، وهذه لغة بني عامر، فإنهم يعربون المعتل اللام بالحركات الثلاث على النون مع لزوم الياء؛ لأنها أخف عليهم؛ ولأن النون قامت مقام الذاهب من الكلمة، ولو كان الذاهب موجودا لكان الإعراب فيه كسائر المفردات، فكذلك يكون ما قام مقامه. وقوله:"دعاني": أمر، ومعناه: اتركاني من نجد، وهو من خطاب الواحد بلفظ الاثنين على عادتهم، و"شيبا"؛ بكسر الشين: جمع أشيب، وهو حال من المجرور بالباء، و"مردا": حال من مفعول شيبننا، "وبعضهم"؛ أي: النحاة؛
1 تمام البيت:
"خرفة حتى إذا ارتبعت
…
سكنت من جلق بيعا".
32-
البيت لأحد أولاد علي بن أبي طالب رضي الله عنه في المقاصد النحوية 1/ 156، ولسعيد بن قيس الهمداني في خزانة الأدب 8/ 75، 76، 78، وبلا نسبة في أوضح المسالك 1/ 55، وخزانة الأدب 8/ 60.
33-
البيت للصمة بن عبد الله القشيري في ديوانه ص60، وتخليص الشواهد ص71، وخزانة الأدب 8/ 58، 59، 61، 62، 76، وشرح شواهد الإيضاح ص597، وشرح المفصل 5/ 11، 12، والمقاصد النحوية 1/ 169، وبلا نسبة في أوضح المسالك 1/ 57، والاقتضاب ص69، 645، وجواهر الأدب ص157، وشرح ابن الناظم ص27، وشرح الأشموني 1/ 37، وشرح ابن عقيل 1/ 65، ولسان العرب 3/ 13 "نجد"، 13/ 501 "سنه"، ومجالس ثعلب ص177، 320، وعمدة الحفاظ 2/ 228 "سنن"، ومعاني القرآن للفراء 2/ 92، والمسائل العضديات 125.
"يطرد هذه اللغة"، وهي لزوم الياء والإعراب على النون منونة "في جمع المذكر السالم، و" في "كل ما حمل عليه"؛ لأن باب الياء أوسع من باب الواو، وهذا أعم من قول الناظم وهو يعني باب سنين:
38-
.........................
…
................ عند قوم يطرد
"ويخرج عليها قوله": [من الخفيف]
34-
رب حي عرندس ذي طلال
…
"لا يزالون ضاربين القباب"
الرواية: "ضاربين" بإثبات النون مع الإضافة إلى "القباب"، فدل على أن "ضاربين" معرب بالفتحة على النون كمساكين؛ لا بالياء، وإلا لحذفت النون للإضافة، وقيل:"ضاربي"، ورد بأنه يحتمل أن يكون الأصل: ضاربين ضاربي القباب، فحذف البدل الذي هو "ضاربي" لدلالة المبدل منه وهو ضاربين عليه، قاله في المغني1. ويحتمل أن يكون الأصل: ضاربين نفس القباب، فحذف المضاف وبقي المضاف إليه على حاله، ويحتمل أن يكون "القباب" منصوبا بـ"ضاربين"، والأصل: القبابي؛ بياء النسب في الجمع، ثم حذف إحدى الياءين، وأسكن الياء الباقية، و"عرندس"؛ بفتح العين والراء المهملتين وسكون النون وفتح الدال وفي آخره سين مهملة: الشديد القوي، و"الطلال"؛ بفتح الطاء المهملة وتخفيف اللام، الحالة الحسنة والهيئة الجميلة، و"القباب"؛ بكسر القاف: جمع قبة، وهي التي تتخذ من الأديم والخشب واللبد ونحوها، وقد تطلق على ما يتخذ من البناء، و"قوله" وهو سحيم:[من الوافر]
35-
وماذا تبتغي الشعراء مني
…
"وقد جاوزت حد الأربعين"
34- البيت بلا نسبة في أوضح المسالك 1/ 59، وتخليص الشواهد ص75، وخزانة الأدب 8/ 61، والدرر 1/ 53، وشرح الأشموني 1/ 37، ومغني اللبيب ص643، والمقاصد النحوية 1/ 176، وهمع الهوامع 1/ 47.
1 مغني اللبيب ص643، وانظر الدرر 1/ 53.
35-
البيت لسحيم بن وثيل في الأصمعيات ص19، وإصلاح المنطق ص156، وتخليص الشواهد ص74، وتذكرة النحاة ص480، وخزانة الأدب 8/ 61، 62، 65، 67، 68، وحماسة البحتري ص13، والدرر 1/ 56، وسر صناعة الإعراب 2/ 627، وشرح ابن عقيل 1/ 68، وشرح المفصل 5/ 11، ولسان العرب 3/ 513 "نجذ"، 8/ 99 "ربع"، 14/ 255 "دري"، والمقاصد النحوية 1/ 191، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 7/ 248 وأوضح المسالك 1/ 61، وجواهر الأدب ص155، وشرح ابن الناظم ص28، وشرح الأشموني 1/ 38، 39 والمقتضب 3/ 332، وهمع الهوامع 1/ 49.
الرواية بكسر النون، على أنها كسرة إعراب، وبه قال الأخفش الأصغر علي بن سليمان، ولم يفرق بين العقود وغيرها، وجعله بمنزلة الجمع المكسر، وجعل إعرابه في آخره، كما يفعل في فتيان، وقال الأعلم يوسف الشنتمري: هو في السنين والعقود أمثل منه في المسلمين ونحوه؛ لأنه لفظ مخترع للعقود، فهو أشبه بالواحد الذي إعرابه بحركة آخره من المسلمين ونحوه، ولا دليل لهما في هذا البيت لجواز أن تكون كسرة النون فيه كسرة بناء ضرورة، كما سيأتي، وبذلك صرح ابن جني1.
1 سر صناعة الإعراب 2/ 627.
"فصل":
في حكم حركة نون الجمع والمثنى وما ألحق بهما المشار إليها في النظم بقوله:
39-
ونون مجموع وما به التحق
…
فافتح وقل من بكسره نطق
40-
ونون ما ثني والملحق به
…
بعكس ذاك استعملوه فانتبه
ولما كان المثنى سابقا على الجمع قدمه الموضح عليه فقال: "نون المثنى وما حمل عليه مكسورة" بعد الألف والياء، على أصل التقاء الساكنين، وضمها بعد الألف لغة كقوله:[من الرجز]
36-
يا أبتا أرقني القذّان
…
فالنوم لا تألفه العينان
بضم النون، والقِذّان، بكسر القاف وإعجام الذال المشددة: جمع قذذ، وهو البرغوث. "وفتحها بعد الياء لغة" لبني أسد حكاهما الفراء1، "كقوله" وهو حميد بن ثور، وقيل: أبو خالد؛ يصف قطاة: [من الطويل]
37-
"على أحوذيين استقلت عشية"
…
فما هي إلا لمحة وتغيب
الرواية بفتح النون من أحوذيين تثنية أحوذي، بفتح الهمزة وسكون الحاء المهملة وفتح الواو وكسر الذال المعجمة وتشديد الياء آخر الحروف: وهو الخفيف في المشي لحذقه. وفي ديوان الأدب: الأحوذي الراعي المتشمر للرعاية الضابط لما ولي، وأراد بالأحوذيين هنا: جناحي قطاة يصفهما بالخفة. وفاعل "استقلت": ضمير القطاة، و"عشية": نصب على الظرفية الزمانية، والمعنى: أن القطاة ارتفعت في الجو عنه على جناحين؛ فما يشاهدها الرائي إلا لمحة وتغيب عنه. "وقيل: لا يختص" فتح النون "بالياء"، بل يكون
36- الرجز لرؤبة في ملحق ديوانه ص186، وخزانة الأدب 1/ 92، وذكر محقق تاج العروس 9/ 456 "قذذ" أن "الرجز في المؤتلف والمختلف ص176 منسوب لرؤبة بن العجاج بن شدقم، وهو غير رؤبة بن العجاج التميمي المشهور"، والرجز بلا نسبة في الدرر 1/ 57، وشرح الأشموني 1/ 39، وهمع الهوامع 1/ 49، وتاج العروس 9/ 456 "قذذ".
1 الدرر 1/ 54.
37-
البيت لحميد بن ثور في ديوانه ص55، وخزانة الأدب 7/ 458، والدرر 1/ 54، وشرح المفصل 4/ 141، والمقاصد النحوية 1/ 177، وبلا نسبة في أوضح المسالك 1/ 63، وتخليص الشواهد 1/ 79، وجواهر الأدب ص154، وسر صناعة الإعراب 2/ 488، وشرح الأشموني 1/ 39، وشرح ابن عقيل ص1/ 69، ولسان العرب 3/ 486 "هوذ"، والمقرب 3/ 136، وهمع الهوامع 1/ 49.
بعدها وبعد الألف في لغة من يلزم المثنى الألف في كل حال، قاله ابن عصفور1، "كقوله":[من الرجز]
38-
"أعرف منها الجيد والعينانا"
…
ومنخرين أشبها ظبيانا
أنشده ابن عصفور والسيرافي وغيرهما بفتح النون في "العينانا" تثنية عين، وأما "ظبيانا"؛ بفتح الظاء المعجمة وسكون الموحدة وبالياء آخر الحروف: فهو اسم رجل بعينه، لا تثنية ظبي، خلافا للهروي، "وقيل" هذا "البيت مصنوع" لا دليل فيه، وقال أبو زيد2: هو لرجل من بني ضبة هلك منذ أكثر من مائة سنة. وظاهر كلام الموضح أن الفتح يجري بعد الألف إذا كانت علامة للرفع، وفي اثنين واثنين فإنهما محمولان على المثنى، ولم أقف على نص صريح في ذلك أعتمد عليه، ولا شاهد علي أستند إليه. "ونون الجمع" السالم للمذكر وما حمل عليه، مفتوحة بعد الواو والياء للخفة؛ لأن الجمع أثقل من المثنى، "وكسرها جائز في الشعر بعد الياء كقوله" وهو جرير، لا سحيم؛ خلافا للجوهري:[من الوافر]
39-
عرفنا جعفرا وبني أبيه
…
"وأنكرنا زعانف آخرين"
الرواية بكسر النون من "آخرين"، وهو جمع آخر؛ بفتح الخاء، بمعنى مغاير، وجعفر وبنو أبيه: أولاد ثعلبة بن يربوع، والزعانف؛ بفتح الزاي وبالعين المهملة وبالنون قبل الفاء: جمع زعنفة؛ بكسر الزاي والنون: وهو القصير، وأراد به الأدعياء الذين ليس أصلهم واحدا، "وقوله" وهو سحيم:[من الوافر]
40-
وماذا تبتغي الشعراء مني
…
"وقد جاوزت حد الأربعين"
1 المقرب 3/ 163.
38-
الرجز لرجل من بني ضبة أو لرؤبة في الدرر 1/ 55، والمقاصد النحوية 1/ 184، ولرؤبة في ملحق ديوانه ص187، ولرجل في نوادر أبي زيد ص15، وبلا نسبة في أوضح المسالك 1/ 65، وتخليص الشواهد ص80، وخزانة الأدب 4/ 453، 456، 457، ورصف المباني ص24، وسر صناعة الإعراب ص489، 705، وشرح الأشموني 1/ 39، وشرح ابن عقيل 1/ 71، وشرح المفصل 3/ 129، 4/ 64، 67، 143، وهمع الهوامع 1/ 49.
2 نوادر أبي زيد ص15.
39-
البيت لجرير في ديوانه ص429، والاشتقاق ص538، وتخليص الشواهد ص72، وتذكرة النحاة ص480، والدرر 1/ 56، والمقاصد النحوية 1/ 187، وبلا نسبة في أوضح المسالك 1/ 67، وشرح الأشموني 1/ 39 وشرح ابن عقيل 1/ 67، وهمع الهمع 1/ 49.
40-
تقدم تخريج الشاهد برقم 35.
بكسر النون، وتقدم ما فيه، واختلف رأي ابن مالك، فتارة حكم عليه بأنه مجرور بالكسرة، وتارة بأنه مجرور بالياء وكسر النون على لغة، وتابعه الموضح هنا؛ فاستشهد أولا على الإعراب بالكسرة؛ وثانيا على كسر النون في الشعر، ولم تكسر النون بعد الواو في نثر ولا شعر لعدم التجانس.
"الباب الرابع": من أبواب النيابة "الجمع بألف وتاء مزيدتين".
ولا فرق بين أن يكون مسمى هذا الجمع مؤنثا بالمعنى فقط "كهندات" ودَعْدات، أو التاء والمعنى جميعا كفاطمات "ومسلما"، أو بالتاء دون المعنى كطلاحات وحمزات، أو بالألف المقصورة كحبليات، أو الممدودة كصحراوات، أو يكون مسماه مذكرا كاصطبلات، ولا فرق بين أن تكون سلمت فيه بنية واحدة كضخمة وضخمات، أو تغيرت كسجدة وسجدات، وحبلى وحبليات، وصحراء وصحراوات، فالأول حرك وسطه، والثاني قلبت ألفه ياء، والثالث قلبت همزته واوا، ولهذا عدل الموضح عن قول أكثرهم جمع المؤنث السالم إلى أن قال:"الجمع بألف وتاء مزيدتين" ليعم جمع المؤنث وجمع المذكر؛ وما سلم فيه المفرد وما تغير، "فإن" في جميع ذلك "نصبه" بالكسرة نيابة عن الفتحة، حملا للنصب على الجر، كما في جمع المذكر السالم، إجراء للفرع على وتيرة الأصل، وإنما تخلف الفرع عن الأصل في الإعراب بالحروف لعلة مفقودة في الفرع، وهي أنه ليس في آخره حروف تصلح للإعراب "نحو:{خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ} " [العنكبوت: 44] فـ"السماوات": منصوب بالكسرة على أنه مفعول به عند الجمهور، ومفعول مطلق لبيان النوع عند الشيخ عبد القاهر الجرجاني ومحمود الزمخشري وأبي عمرو بن الحاجب، وصوبه الموضح في المغني ووضحه بأن قال: "المفعول به: ما كان موجودا قبل الفعل الذي عمل فيه ثم أوقع الفاعل به فعلا، والمفعول المطلق: ما كان الفعل العامل فيه هو فعل إيجاده وإن كان ذاتا؛ لأن الله تعالى موجد للأفعال وللذوات جميعا". ا. هـ. وسبقه إلى هذا الإيضاح الشيخ عبد القاهر، فقال في أسرار البلاغة: "إذا قلنا خلق الله العالم، فالعالم ليس مفعولا به، بل هو مفعول مطلق؛ لأن المفعول به هو الذي كان موجودا فأوجد الفاعل شيئا آخر، كقولك ضربت زيدا فإن زيدا كان موجودا، وأنت فعلت به الضرب، والمفعول المطلق هو الذي لم يكن موجودا، فحصل بك والعالم لم يكن موجودا، بل كان
عدما محضا، والله أوجده وخلصه من العدم، فكان العالم المفعول المطلق وهو المصدر، ولم يكن مفعولا به. ا. هـ.
واحتج الجمهور والذاهبون إلى أن العالم مفعول به لا مفعول مطلق بأمور:
أولها: أنا قد نعلم العالم، وإن كنا لا نعلم أنه مخلوق لله تعالى إلا بدليل منفصل، والمعلوم مغاير للمجهول، فإذن كون الله خالقا للعالم غير ذات العالم.
وثانيها: أنا نصف الله بالخالقية، فلو كان خلق العالم نفس العالم لزم أن يكون الله تعالى موصوفا بالعالم، كما أنه موصوف بخالقية العالم.
وثالثها: أنا نقول العالم ممكن، فلا يوجد إلا؛ لأن الله أوجده وأحدثه وأبدعه، فلو كان إيجاد العالم وإحداثه نفس للعالم لكان قولنا: العالم وجد؛ لأن الله أوجده، جاريا مجرى قولنا: العالم وجد؛ لأنه وجد، فيكون ذلك تعليلا للشيء بنفسه، ويرجع حاصله إلى أن العالم وجد بنفسه، وذلك نفي نصب للصانع، قاله الفخر الرازي في شرح المفصل.
ونصب الجمع بالألف والتاء المزيدتين بالكسرة مطلقا وهو الغالب، "وربما نصب بالفتحة" على لغة كما قال أحمد بن يحيى، "إن كان محذوف اللام" ولم ترد إليه في الجمع، "كسمعت لغاتهم" بفتح التاء، حكاه الكسائي، ورأيت بناتك، بفتح التاء كما حكاه ابن سيده، وكقوله:[من الطويل]
41-
فلما جلاها بالأيام تحيرت
…
ثباتا عليها ذلها واكتئابها
والأيام: الدخان، وثباتا، بضم الثاء: الجماعات المتفرقة، منصوبة على الحالية بالفتحة، والكثير أن ينصب بالكسرة كقوله تعالى:{فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ} [النساء: 71] والضمائر المؤنثة للنحل، بالحاء المهملة، والمراد بيان حالها حين يؤخذ عسلها، وإنما نصب هذا النوع بالفتحة تشبيها لهذه التاء التي تبدل في الوقف هاء أو جبرا لما فاته من حذف لامه، كما أعرب نحو سنين بالحروف جبرا لما فاته من حذف لامه، وليس الوارد من ذلك مفردا مردود اللام، خلافا لأبي علي في زعمه أن نحو:"سمعت لغاتهم" بالفتح مفرد ردت لامه، وأصله: لغة أو لغوة، تحرك حرف العلة وانفتح ما قبله، فقلب ألفا، فصار لغات، ورد بأنه يلزم الجمع بين العوض والمعوض، فإن ردت اللام في الجمع كسنوات أو
41- البيت لأبي ذويب الهذلي في أدب الكاتب 468، والاقتضاب ص644، وشرح أشعار الهذليين 1/ 53، وشرح الجواليقي 311، وجمهرة اللغة 248، 1334، وشرح المفصل 5/ 8، ولسان العرب 12/ 41، "أيم"، 14/ 149 "رجلا"، والمحتسب 1/ 118، والمنصف 3/ 63، وبلا نسبة في الخصائص 3/ 304، ورصف المباني 165، وشرح المفصل 5/ 4، والمنصف 1/ 262.
سنهات على اللغتين نصب بالكسرة اتفاقا، نحو: اعتكفت سنوات أو سنهات، بكسر التاء، هذا إذا كانت الألف والتاء زائدتين، "فإن كانت التاء أصلية" والألف زائدة "كأبيات" جمع بيت، "وأموات" جمع ميت، "أو" كانت "الألف أصلية" والتاء زائدة "كقضاة" جمع قاض، "وغزاة" جمع غاز، وأصل قضاة وغزاة قضية وغزوة، تحركت الياء والواو وانفتح ما قبلهما قلبتا ألفين، فالألف فيهما أصلية لكونها منقلبة عن أصل، والتاء زائدة للتأنيث، "فالنصب بالفتحة" على الأصل نحو: وليت قضاة وجهزت غزاة، والمطرد من الجمع بالألف والتاء المزيدتين ما كان علما لمؤنث مطلقا، أو صفة له مقرونة بالتاء، أو دالة على التفصيل نحو فضليات، أو علما لمذكر مقرونا بالتاء، أو صفة لمذكر غير عاقل كجبال راسيات، أو مصغرة كدريهمات، "وحمل على هذا الجمع شيئان":
أحدهما: "أولات" وهو اسم جمع بمعنى ذوات؛ لا واحد له من لفظه، وواحده في المعنى ذات، بمعنى صاحبة، وأصله ألى؛ بضم الهمزة وفتح اللام؛ قلبت الياء ألفا ثم حذفت لاجتماعها مع الألف والتاء المزيدتين، ووزنه فعات:"نحو {وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ} [الطلاق: 6] فأولات خبر "كان" وهو منصوب بالكسرة، واسمها ضمير النسوة، وهو النون المدغمة في نونها، وأصل "كُنّ" كون بضم الواو بعد النقل إلى باب "فعل" بضم العين، فاستثقلت الضمة على الواو، فنقلت منها إلى ما قبلها بعد سلب حركة ما قبلها، ثم حذفت الواو لالتقاء الساكنين.
"و" الثاني: "ما سمي به من ذلك" الجمع ومما ألحق به "نحو: رأيت عرفات" وهو علم لموضع الوقوف، واستدل سيبويه على علميته بقولهم1:"هذه عرفات مباركا فيها"، بنصب "مباركا" على الحال، ولو كان نكرة لجرى عليه صفة، وبأنه لو كان نكرة لدخلت عليه الألف واللام2، وهي لا تدخل عليه، "وسكنت أذرعات" بكسر الراء، قاله في الصحاح. وزاد في القاموس:"وقد تفتح" وفيه وفي تهذيب الأسماء واللغات: "النسبة إليها أذرعي" بالفتح، وهي جمع أذرعة، وأذرعة جمع ذراع في لغة من ذكره، قاله أبو الفتح الهمداني في اشتقاق البلدان. "و" أذرعات "هي قرية من قرى الشام"، وقال الجوهري:"موضع بالشام"، ولا منافاة بينهما. واختلف العرب في كيفية
1 الكتاب 3/ 233.
2 في الكتاب 3/ 233: "ويدلك أيضا على معرفتها، أنك لا تدخل فيها ألفا ولا لاما".
إعراب هذا النوع المسمى به على ثلاث فرق:
"فبعضهم يعربه على ما كان عليه قبل التسمية" ولم يحذف تنوينه؛ لأنه في الأصل للمقابلة، فاستصحب بعد التسمية.
"وبعضهم" يعربه على ما كان عليه قبل التسمية مراعاة للجمع، "ويترك تنوين ذلك" مراعاة للعلمية والتأنيث.
"وبعضهم يعربه إعراب ما لا ينصرف"، فيترك تنوينه ويجره بالفتحة مراعاة للتسمية.
فالأول راعى الجمعية فقط، والأخير راعى التسمية فقط، والمتوسط توسط بين الأمرين، فراعى الجمعية، فجعل نصبه بالكسرة، وراعى اجتماع العلمية والتأنيث فترك تنوينه. وهذا المسلك يشبه تداخل اللغتين، فإنه أخذ من الأول النصب بالكسرة، ومن الأخير حذف التنوين، فتحصل في المسألة ثلاثة أوجه. "ورووا بالأوجه الثلاثة قوله"
وهو امرؤ القيس الكندي في محبوبته: [من الطويل]
42-
"تنورتها من أذرعات وأهلها
…
بيثرب أدنى دارها نظر عالي"
الرواية بجر "أذرعات"، بالكسرة من التنوين وتركه، وبالفتحة بلا تنوين، ومعنى "تنورتها": نظرت إلى نارها بقلبي من أذرعات وأنا بالشام وأهلها بيثرب مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم، سميت باسم الذي نزلها من العماليق، وهو يثرب بن عبيد، وفي السنة: منع إطلاق هذا الاسم عليها؛ لأنه من مادة التثريب، وأما قوله تعالى:{يَا أَهْلَ يَثْرِبَ} [الأحزاب: 13] فحكاية عمن قاله من المنافقين، وإلى هذا الباب الإشارة بقول الناظم:
41-
وما بتاء وألف قد جمعا
…
يكسر في الجر وفي النصب معا
42-
كذا أولات والذي اسما قد جعل
…
كأذرعات فيه ذا أيضا قبل
42- البيت لامرئ القيس في ديوانه 31، والاقتضاب ص86، وخزانة الأدب 1/ 156، والدرر 1/ 13، ورصف المباني ص345، وسر صناعة الإعراب ص497، وشرح أبيات سيبويه 2/ 219، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص1359، وشرح المفصل 1/ 47، والكتاب 3/ 233 وعمدة الحفاظ 4/ 231 "نور" والمقاصد النحوية 1/ 196، والمقتضب 3/ 33، 4/ 38، وبلا نسبة في أوضح المسالك 1/ 69، وشرح ابن عقيل ص1/ 76، وشرح المفصل 9/ 34.
"الباب الخامس": من أبواب النيابة "ما لا ينصرف"
أي: ما لا يدخله تنوين الصرف، "وهو ما فيه علتان" فرعيتان "من" علل "تسع" جمعها ابن النحاس في قوله:[من البسيط]
اجمع وزن عادلا أنث بمعرفة
…
ركب وزد عجمه فالوصف قد كملا1
وسيأتي شرح ذلك في باب معقود له، والذي يخصه هنا أنه متى اجتمع في اسم علتان منها "كأحسن" فإن فيه الصفة ووزن الفعل، "أو واحدة منها تقوم مقامهما" في منع الصرف "كمساجد وصحراء" فإن صيغة منتهى الجموع بمنزلة جمعين، والتأنيث بالألف بمنزلة تاء التأنيث، فكل من صيغة منتهى الجموع وألف التأنيث قائم مقام علتين، "فإن جره بالفتحة" نيابة عن الكسرة "نحو:{فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا} [النساء: 86]، ونحو: اعتكفت في مساجد "إلا إن أضيف" لفظا "نحو: {فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} [التين: 4] ، وفي مساجد عائشة، "أو" تقديرا نحو: "ابدأ بذل من أول"، في رواية من جر بالكسرة بلا تنوين، على نية لفظ المضاف إليه، و"دخلته "أل" معرفة" كانت "نحو": {وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ "فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: 187]، "أو موصولة" نحو قوله:[من الطويل]
43-
...............................
…
................ وهن الشافيات الحوائم
بخفض "الحوائم" بالكسرة، لدخول "أل" الموصولة عليه، وهي جمع حائمة، وأما الداخلة على الصفة المشبهة {كَالْأَعْمَى وَالْأَصَمِّ} [هود: 24] واليقظان، فإنها حرف تعريف على الأصح، كما في المغني وغيره، لا موصولة أو زائدة كقوله:[من الطويل]
44-
رأيت الوليد بن اليزيد مباركا
…
شديدا بأعباء الخلافة كاهله
1 البيت في شرح شذور الذهب 450، وشرح قصر الندى 238، وسيأتي في المجلد الثاني ص316.
43-
تمام البيت:
"أبأنا بها قتلى وما في دمائهم
…
شفاء وهن الشافيات الحمائم".
وهو للفرزدق في ديوانه 2/ 310، وخزانة الأدب 7/ 373، وبلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 92، وشرح الأشموني 2/ 308.
44-
البيت لابن ميادة في ديوانه 192، وخزانة الأدب 2/ 226، والدرر 1/ 17، وسر صناعة الإعراب 2/ 451، وشرح شواهد الشافية ص12، وشرح شواهد المغني 1/ 164، ولسان العرب 3/ 200 "زيد"، والمقاصد النحوية 1/ 218، 509، ولجرير في لسان العرب 8/ 393 "وسع"، وليس في ديوانه، وبلا نسبة في أمالي ابن الحاجب 1/ 322، والأشباه والنظائر 1/ 23، 8/ 306، والإنصاف 1/ 317، وأوضح المسالك 1/ 73، وخزانة الأدب 7/ 247، 9/ 442، وشرح الأشموني 1/ 85، وشرح شافية ابن الحاجب 1/ 36، وشرح قطر الندى 53، ومغني اللبيب 1/ 52، وهمع الهوامع 1/ 24.
بخفض "اليزيد" لدخول "أل" الزائدة عليه، بناء على أنه باق على علميته، ويحتمل أن يكون قدر فيه الشيوع فصار نكرة ثم أدخل عليه "أل" للتعريف كما قال الموضح في شرح القطر وعلى هذا لا شاهد فيه.
وهذا البيت لابن ميادة الرماح يمدح به الوليد بن يزيد بن عبد الملك بن مروان من بني أمية. والأعباء: جمع عبء، بكسر العين المهملة وسكون الموحدة وفي آخره همزة: كل ثقل، بكسر المثلثة وسكون القاف، وأراد به أمور الخلافة الشاقة، والكاهل، ما بين الكتفين، والمعنى: أبصرته شديدا كاهله بحمل أثقال الخلافة. وإلى هذا الباب أشار الناظم بقوله:
43-
وجر بالفتحة ما لا ينصرف
…
ما لم يضف أو يك بعد أل ردف
وإذا دخله "أل"، أو أضيف وجر بالكسرة؛ هل يعود منصرفا أو لا؟ أقول؛ ثالثها إن كانت العلتان باقيتين فيه فهو باق على منع صرفه، وإلا صرف وهو المختار.
"الباب السادس": من أبواب النيابة "الأمثلة الخمسة".
سميت بذلك؛ لأنها ليست أفعالا بأعيانها، كما أن الأسماء أسماء بأعيانها، وإنما هي أمثلة يكنى بها عن كل فعل كان بمنزلتها وسميت خمسة على إدراج المخاطبتين تحت المخاطبين، والأحسن أن تعد ستة، قاله الموضح في شرح اللمحة. "وهي كل فعل مضارع اتصل به ألف اثنين" بالتاء للمخاطبين:"نحو: تفعلان" يا زيدان، أو للخاطبتين نحو: تفعلان يا هندان، أو للغائبتين نحو: الهندان تفعلان، "و" بالياء للغائبين نحو: الزيدان "يفعلان، أو واو جمع" بالتاء للمخاطبين "نحو": أنتم" تفعلون، و" بالياء للغائبين نحو: هم "يفعلون أو ياء مخاطبة نحو": أنت "تفعلين". ولا فرق بين أن تكون الألف والواو ضميرين كما تقدم، أو علامتين كيفعلان ويفعلون الزيدون، في لغة طيئ، "فإن رفعها بثبوت النون وجزمها ونصبها بحذفها نحو:{فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا} [البقرة: 24] الأول جازم ومجزوم، والثاني ناصب ومنصوب، وقدم الجزم على النصب؛ لأن النصب محمول على الجزم، كما حمل النصب على الجر في المثنى، والمجموع على حده؛ لأن الجزم نظير الجر في الاختصاص، فيفعلان كالزيدان، ويفعلون كالزيدون، وتفعلين كالزيدين، في مطلق الحركات والسكنات. وقد جعلوا علامة الرفع في
"الزيدون" الواو، ولا يمكنهم ذلك في "يفعلون" لأنه يؤدي إلى اجتماع واوين، فجعلوا النون علامة للرفع؛ لأنها شبيهة بالواو من حيث الغنة، ثم حذفوها لأجل الجازم، ثم حملوا النصب عليه، كما فعلوا ذلك في نظيره من الأسماء، وحملوا "تفعلان وتفعلين" على "يفعلون، ولما كان ههنا مظنة سؤال وهو أن يقال: إنك قلت إن المضارع المتصل به واو الجماعة ينصب بحذف النون ويعفون من قوله تعالى: {إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ} [البقرة: 237] منصوب بأن، والنون لم تحذف، فأشار إلى جوابه بقوله "وأما: {إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ} فالواو لام الكلمة" لا ضمير الجماعة وهي واو عفا يعفو، "والنون ضمير النسوة" عائد على "المطلقات" لا نون الرفع، "والفعل" معها "مبني" على السكون لاتصاله بنون النسوة، "مثل: {يَتَرَبَّصْنَ} [البقرة: 228] لا معرب "ووزنه يفعلن" فالعين فاؤه، والفاء عينه، والواو لامه، وهذا "بخلاف قولك:"الرجال يعفون" فالواو" فيه "ضمير" الجماعة "المذكرين" كالواو في قولك "يقومون"، وواو الفعل محذوفة، "والنون علامة رفع" ووزنه يفعون، "فتحذف" النون للجازم والناصب "نحو": لم تعفو، وفي التنزيل: "{وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [البقرة: 237] ووزنه تفعوا وأصله تعفووا" بواوين، الأولى لام الكلمة، والثانية واو الجماعة، استثقلت الضمة على الواو؛ فحذفت؛ فالتقى ساكنان، فحذفت الواو الأولى لالتقاء الساكنين، وخصت بالحذف لكونها جزء كلمة، وإلى هذا الباب أشار الناظم بقوله:
44-
واجعل لنحو يفعلان النونا
…
رفعا وتدعين وتسألونا
45-
وحذفها للجزم والنصب سمه
…
................................
"الباب السابع": من أبواب النيابة وهي خاتمتها "الفعل المضارع المعتل الآخر".
"وهو: ما آخره" حرف علة "ألف كـ: يخشى، أو ياء كـ: يرمي، أو واو كـ: يدعو، فإن جزمهن بحذف الآخر" نيابة عن السكون، نحو: لم يخش، ولم يرم، ولم يدع، فالمحذوف من "يخش" الألف، والفتحة قبلها دليل عليها، ومن "يرم" الياء والكسرة قبلها دليل عليها، ومن "يدع" الواو، والضمة قبلها دليل عليها. ثم القول بأن علامة الجزم فيها حذف حرف العلة إنما يتمشى على قول ابن السراج ومن تابعه بأن هذه الأفعال لا يقدر فيها الإعراب بالضمة في حالة الرفع، والفتحة في الألف في حالة
النصب، وعلل ذلك بأن الإعراب في الفعل فرع، فلا حاجة لتقديره فيه، بخلاف الاسم، وجعل الجازم كالدواء المسهل إن وجد فضلة أزالها، وإلا أخذ من قوى البدن، وذهب سيبويه إلى تقدير الإعراب فيها، فعلى سيبويه لما دخل الجازم حذف الحركة المقدرة، واكتفى بها، ثم لما صارت صورة المجزوم والمرفوع واحدة فرقوا بينهما بحذف حرف العلة، فحرف العلة محذوف عند الجازم لا به، وعلى قول ابن السراج: الجازم حذف نفس حرف العلة وقول الناظم:
51-
.............. واحذف جازمًا
…
ثلاثُهنّ............................
يحتمل المذهبين، ثم استشعر اعتراضًا بأن أحرف العلة قد ثبتت مع الجازم، فأشار إلى جوابه بقوله: "فأما قوله: [من الرجز]
45-
إذا العجوز غضبت فطلق
…
ولا ترضاها ولا تملق
وقوله: [من البسيط]
46-
هجوت زبان ثم جئت معتذرًا
…
من هجو زبان لم تهجو ولم تدع
وقوله وهو قيس بن زهير: [من الوافر]
47-
ألم يأتيك والأنباء تنمي
…
بما لاقت لبون بني زياد
45- الرجز لرؤبة في ملحق ديوانه ص179، وخزانة الأدب 8/ 359، 360، والدرر 1/ 71، والمقاصد النحوية 1/ 236، وبلا نسبة في تاج العروس "رضي"، ولسان العرب 14/ 324 "رضي"، والأشباه والنظائر 2/ 129، والإنصاف ص26، والخصائص 1/ 307، وسر صناعة الإعراب ص78، وشرح شافية ابن الحاجب 3/ 185، وشرح شواهد الشافية ص409، وشرح المفصل 10/ 106، والمخصص 13/ 258، 14/ 9، والممتع في التصريف 2/ 538، والمنصف 2/ 78، 115، وهمع الهوامع 1/ 52.
46-
البيت لزبان بن العلاء في معجم الأدباء 11/ 158، وبلا نسبة في تاج العروس 3/ 9 "زبب""زبن"، والإنصاف 1/ 24، وخزانة الأدب 8/ 359، والدرر 1/ 72، وسر صناعة الإعراب 2/ 630، وشرح شافية ابن الحاجب 3/ 184، وشرح شواهد الشافية ص406، وشرح المفصل 10/ 104، ولسان العرب 15/ 492 "يا"، والمقاصد النحوية 1/ 234، والممتع في التصريف 2/ 537، والمنصف 2/ 115، وهمع الهوامع 1/ 52.
47-
البيت لقيس بن زهير في الأغاني 17/ 198، والاقتضاب ص362، وخزانة الأدب 8/ 359، 361، 362، والدرر 1/ 72، وشرح أبيات سيبويه 1/ 340، وشرح شواهد الشافية 408، وشرح شواهد المغني 328، 808، والمقاصد النحوية 1/ 230، واللسان 14/ 14 "أتى"، وبلا نسبة في أسرار العربية 103، والأشباه والنظائر 5/ 280، والإنصاف 1/ 30، وأوضح المسالك 1/ 76، والجنى الداني 50، وخزانة الأدب 9/ 524، والخصائص 1/ 333، 337، ورصف المباني 149، وسر صناعة الإعراب 1/ 87، 2/ 631، وشرح الأشموني 1/ 168، وشرح شافية ابن الحاجب 3/ 184، وشرح المفصل 8/ 24، 10/ 104، والكتاب 3/ 316، واللسان 5/ 75، "قدر"، 14/ 324 "رضي"، 14/ 434 "شظي"، 15/ 492 "يا"، والمحتسب 1/ 67، 215، ومغني اللبيب 1/ 108، 2/ 387، والمقرب 1/ 50، 203، والممتع في التصريف 2/ 537، والمنصف 2/ 81، 114، 115، وهمع الهوامع 1/ 52.
فضرورة" فيهن، حيث أثبت أحرف العلة الثلاثة مع الجازم، وقيل: هذه الأحرف إشباع، والحروف الأصلية محذوفة للجازم، وقيل: هذه الأحرف أصلية بناء على قول من يجزم المعتل بحذف الحركة المقدرة ويقر حرف العلة على حاله، والأنباء: جمع نبأ؛ وهو الخبر، وتنمي: بفتح التاء المثناة من فوق؛ من نميت الحديث، يقال بالتخفيف إذا بلغه على وجه الإصلاح، وبالتشديد إذا كان على وجه الإفساد، واللبون: الناقة ذات اللبن، ويروى: قلوص، بفتح القاف وضم اللام: الناقة الشابة بدل لبون، وبنو زياد: الربيع بن زياد وإخوته، وفاعل "يأتيك": مضمر، و"بما لاقت": متعلق بـ"تنمي" لقربه، ويجوز أن يكون "ما لاقت" فاعل "يأتيك"، والباء زائدة في الفاعل مثلها في: {وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا} [الفتح: 28] "وأما قوله تعالى: {إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِي وَيَصْبِرْ} [يوسف: 90] بإثبات الياء من "يتقي" وتسكين "يصبر""في قراءة قنبل" عن ابن كثير. فاختلف فيه تخريجه، "فقيل:"من" موصولة" لا شرطية، و"يتقي": مرفوع لا مجزوم، "وتسكين: يصبر" مع أنه معطوف على مرفوع "إما لتوالي حركات الباء" الموحدة. "والراء" من يصبر "والفاء والهمزة" من "فإن" كما في "يأمر" بإسكان الراء تنزيلا للكلمتين، بل الثلاث منزلة الكلمة الواحدة، وهم يكرهون توالي أربع متحركات فيما هو كالكلمة الواحدة، وإما على تنزيل "برف" من "يصبر فإن" منزلة بناء على فعل بكسر الفاء وضم العين، فسكن لأنه بناء مهمل، وهم يخففون مضموم العين إذا كان مستعملا، فما بالك بالمهمل.
ويجرون المنفصل مجرى المتصل قال امرؤ القيس: [من السريع]
48-
فاليوم أشرب غير مستحقب
…
إثما من الله ولا واغل
48- البيت لامرئ القيس في ديوانه ص122، وإصلاح المنطق ص245، 322، وجمهرة اللغة ص962، وحماسة البحتري ص36، وخزانة الأدب 4/ 106، 8/ 350، 354، 355، والدرر 1/ 82، ورصف المباني ص327، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص612، 1176، وشرح شذور الذهب ص212، وشرح شواهد الإيضاح ص256، وشرح المفصل 1/ 48، والشعر والشعراء 1/ 122، والكتاب 4/ 204، ولسان العرب 1/ 325 "حقب"، 10/ 426 "دلك"، 11/ 732 "وغل"، والمحتسب 1/ 15، 110، وتاج العروس "وغل"، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 1/ 66، والاشتقاق ص337، وخزانة الأدب 1/ 152، 3/ 463، 4/ 484، 8/ 339، والخصائص 1/ 74، 2/ 317، 340، 3/ 96، والمقرب 2/ 205، وهمع الهوامع 1/ 54.
الواغل: هو الداخل على القوم في شرابهم، فيشرب معهم من غير أن يدعى إلى الشراب.
فنزل "رب غ" من "أشرب غير" منزلة عضد، وسكن الباء كما سكن عضد، "وأما على أنه" أي: قنبلا "وصل بنية الوقف" كقراءة الحسن البصري: "وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرْ"[المدثر: 6] بتسكين "تستكثر"1، مع أنه مرفوع بإجماع السبعة، وكقراءة نافع:"وَمَحْيَايْ وَمَمَاتِي"[الأنعام: 162] بسكون ياء "محياي"2 وصلا، "وأما على العطف على المعنى؛ لأن "من" الموصولة بمعنى" من "الشرطية؛ لعمومها وإبهامها" ولكون مدخولها مستقبلا سببا لما بعده، ولهذا دخلت "الفاء" في الخبر كما تدخل في الجواب، قاله الفارسي، فلذلك صح العطف بالجزم على الصلة، كما يعطف على الشرط، وقيل:"من" شرطية، و"الياء" في "يتقي" إما إشباع، فلام الفعل حذفت للجازم، وإما على إجراء المعتل مجرى الصحيح، فجزم بحذف الحركة المقدرة؛ ولم يستتبع حذفها حذف حرف العلة.
"تنبيه": ما مر من حذف حرف العلة للجازم فهو ما إذا كان أصليا، فإما "إذا كان حرف العلة" عارضا؛ بأن كان "بدلا من همزة" مفتوح ما قبلها، "كيقرأ" مضارع قرأ، "و" مكسور ما قبلها نحو:"يقر" مضارع أقرأ، "و" مضموم ما قبلها نحو:"يوضؤ" مضارع وضؤ، بضم الضاد: بمعنى حسن وجمل، "فإن كان الإبدال" للهمزة "بعد دخول الجازم" على المضارع "فهو إبدال قياسي"، لكون الهمزة ساكنة؛ لحذف حركتها بالجازم؛ وإبدال الهمز الساكن من جنس حركة ما قبله قياسي، "ويمتنع حينئذ"؛ أي: حين إذا بدل بعد دخول الجازم "الحذف" للحرف المبدل من الهمزة "لاستيفاء الجازم مقتضاه"، وهو حذف الحركة التي كانت موجودة قبل الإبدال، فلا يحذف شيئا آخر، "وإن كان" الإبدال "قبله"؛ أي: قبل دخول الجازم "فهو إبدال شاذ"، لكون الهمزة متحركة، فهي متعاصية بالحركة عن الإبدال، وإبدال الهمزة المتحركة من جنس حركة ما قبله شاذ، "ويجوز" حينئذ "مع" دخول "الجازم الإثبات" للحرف المبدل، "والحذف" له، "بناء على قول الاعتداد بالعارض"، وله الإبدال هنا "وعدمه"، أي: عدم
1 انظر هذه القراءة في الإتحاف ص427، ومعاني القرآن للفراء 3/ 201.
2 انظر هذه القراءة في الإتحاف ص221، والنشر 2/ 267، وهي من شواهد الخصائص 1/ 92.
الاعتداد بعروض الإبدال، فعلى القول بالاعتداد بعروض الإبدال بحذف حرف العلة للجازم؛ لأن حرف العلة على هذا القول معتد به، ومنزل منزلة الحرف الأصلي، وعلى القول بعدم الاعتداد بعروض الإبدال يثبت حرف العلة؛ لأنه لا يحذف للجازم إلا الحرف الأصلي لا العارض، "و" عدم الاعتداد بالعارض "هو الأكثر" في كلامهم؛ وعليه الأكثرون، ففي كلامه لف ونشر1 غير مرتب؛ لأن الاعتداد بالعارض علة للحذف، وعدمه علة الإثبات، وما ذكره من جواز الإثبات والحذف هو ما ذكره ابن عصفور2، وذهب غيره إلى أن الإبدال إذا كان قبل دخول الجازم فالحذف لذلك الحرف المبدل ممتنع؛ لأن تسهيل الهمزة كتحقيقها.
1 اللف والنشر: أن يذكر الناظم في أول البيت أسماء متعددة غير تامة المعنى، ثم يقابلها بأشياء يعددها من غير الأضداد تتم معناها؛ إما بالجمل، وإما بالألفاظ المفردة، كقول ابن حيوس:
فعل المدام ولونها ومذاقها
…
في مقلتيه ووجنتيه وريقه
انظر شرح الكافية البديعية لصفي الدين الحلي، ص76.
2 انظر المقرب 2/ 205.
"فصل":
تقدر الواو رفعا في جمع المذكر السالم، إذا أضيف إلى ياء المتكلم، نحو: جاء مسلمي، والنون رفعا في المضارع المعتل إذا أسند إلى واو الجماعة، أو ألف الاثنين، أو ياء المخاطبة، وأكد بالنون الثقيلة نحو: لتبلونَّ لتبلوانِّ لَتُبْلَينَّ، "وتقدر الحركات الثلاث" تعذرا "في الاسم المعرب الذي آخره ألف لازمه" غير مهموزة "نحو: الفتى"، مما ألفه منقلبة عن ياء، "والمصطفى" مما ألفه منقلبة عن واو، وإن صورت فيهما الألف ياء نظرا إلى أصلها في الأول، ومجاوزتها الثلاثة في الثاني. "ويسمى" الاسم المعرب الذي آخره ألف لازمة "معتلا" لكون آخره حرف علة، و"مقصورا" لكونه قصر عن ظهور الحركات فيه، والقصر: المنع، أو لكونه منع المد، والمقصور يقابله الممدود، فعلى هذا لا يسمى نحو: "يَسْعَى" مقصورا، وإن كان ممنوعا من ظهور الحركات فيه؛ لأنه ليس في الأفعال ممدود، تقول: جاء الفتى والمصطفى، ورأيت الفتى والمصطفى، ومررت بالفتى والمصطفى، بلفظ واحد في الأحوال الثلاثة، والتقدير مختلف؛ فتقدر في الرفع الضمة، وفي النصب الفتحة، وفي الجر الكسرة في الألف، وإن قلنا بمقارنة الإعراب لآخر المعرب، وهو الأصح؛ وإلا فبعدها، وموجب هذا التقدير أن ذات الألف لا تقبل الحركة.
"و" تقدر "الضمة والكسرة" فقط في الاسم المعرب الذي آخره "ياء لازمة" في الأحوال الثلاثة؛ "مكسور ما قبلها نحو المرتقي" من مزيد الثلاثي، "والقاضي" من الثلاثي، ويسمى الاسم المذكور "معتلا" لكون آخره حرف علة، و"منقوصا" لأنه نقص منه بعض الحركات؛ وظهر فيه بعضها؛ أو لأنه تحذف لامه لأجل التنوين، نحو: مرتق وقاض، والحذف نقص، وكلا التعليلين لا يخلو عن نظر، أما الأول فلأن نحو: يدعو ويرمي، نقص منه بعض الحركات، وهو يسمى منقوصا، وأما الثاني فلأن نحو: الفتى، حذف لامه لأجل التنوين، ولا يسمى منقوصا.
"وخرج بذكر الاسم" في حد المقصور الفعل "نحو: يخشى"، والحرف نحو:"على" مما في آخره ألف لازمة، "و" في حد المنقوص الفعل نحو:"يرمي"، والحرف نحو:"في" مما آخره ياء لازمة، وخرج المعرب في حديهما المبني، نحو: ذا وتا والذي والتي، "و" خرج "بذكر اللزوم" في الألف "نحو: رأيت أخاك، و" الياء نحو:"مررت بأخيك"، فإنهما يتغيران بحسب الإعراب. "و" خرج "باشتراط الكسرة"
قبل الياء في حد المنقوص "نحو: ظبي"، مما آخره ياء قبلها ساكن صحيح، "وكرسي" مما آخره ياء قبلها ساكن معتل. وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
46-
وسم معتلا من الأسماء ما
…
كالمصطفى والمرتقي مكارما
47-
فالأول الإعراب فيه قدرا
…
جميعه وهو الذي قد نصرا
48-
والثاني منقوص.........
…
..............................
ثم قال:
48-
....................
…
ورفعه ينوى كذا أيضا يجر
"وتقدر الضمة والفتحة في الفعل" المضارع "المعتل بالألف نحو: هو يخشاها، ولن يخشاها" فـ"يخشى" في الأول: مرفوع، وفي الثاني: منصوب تقديرا فيهما، ومثلهما متصلين بهاء الضمير؛ ليوافق اللفظ بالألف الخط. "و" تقدر " الضمة فقط في الفعل" المضارع " المعتل بالواو أو الياء نحو: هو يدعو، وهو يرمي"، فـ"يدعو"، و"يرمي": مرفوعان بضمة مقدرة على الواو والياء، وما ذكره من تقدير الحركات في المعتل هو قول سيبويه1 ومتابعيه، وقال ابن السراج ومن تابعه: لا تقدير؛ لأنا إنما قدرنا في الاسم؛ لأن الإعراب فيه أصل، فيجب المحافظة عليه، وفي الفعل فرع، فلا حاجة لتقديره والمعتمد الأول، وعليه جرى في النظم فقال:
49-
وأي فعل آخر منه ألف
…
أو واو أو ياء فمعتلا عرف
50-
فالألف انو فيه غير الجزم
…
...............................
ثم قال:
51-
والرفع فيهما انو.............
…
...................................
"وتظهر الفتحة" لخفتها "في الواو والياء" في الفعل وهو المنبه عليه في النظم بقوله:
50-
.............................
…
وأبد نصب ما كيدعو يرمي
وفي الياء في الاسم؛ وهو المنبه عليه في النظم بقوله:
48-
....................... ونصبه ظهر
…
........................................
"نحو: إن القاضي لن يرمي ولن يغزو"، وليس في العربية اسم مرتجل معرب في آخره واو لازمة وقبلها ضمة.
1 الكتاب 3/ 312.