الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب النائب عن الفاعل
مدخل
…
باب النائب عن الفاعل:
"هذا باب النائب عن الفاعل":
قال أبو حيان1: لم أر مثل هذه الترجمة لغير ابن مالك2، والمعروف باب المفعول الذي لم يسم فاعله.
"قد يحذف الفاعل للجهل به كـ: سرق المتاع"، إذا لم يعلم السارق من هو، "أو لغرض لفظي" كالإيجاز، نحو: قوله تعالى: {بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} [النحل: 126] ، وكإصلاح السجع، كقولهم: من طابت سريرته حمدت سيرته، فإنه لو قال: حمد الناس سيرته لاختلفت السجعة، قاله الموضح في شرح القطر3 وغيره "وكتصحيح النظم" كما وقع للأعشى ميمون بن قيس في قوله في قنة كانت لرجل من آل عمرو بن مرثد:[من البسيط]
353-
"علقتها عرضا وعلقت رجلا
…
غيري وعلق أخرى ذلك الرجل"
فبنى "علق" في المواطن الثلاثة للمفعول، وحذف الفاعل للعلم به وهو الله تعالى لتصحيح النظم إذ لو قال: علقني الله إياها، وعلقها الله رجلا غيري، وعلق الله أخرى ذلك الرجل لاختل النظم، والتعليق هنا المحبة، و"عرضًا" بالعين المهملة وفتح
1 الارتشاف 2/ 184.
2 شرح التسهيل 2/ 124، والتسهيل ص77.
3 شرح قطر الندى ص187.
353-
البيت للأعشى في ديوانه ص107، والأشباه والنظائر 5/ 152، ولسان العرب 7/ 185 "عرض"، 10/ 262، "علق"، وتاج العروس "علق" والمقاصد النحوية 2/ 504، وبلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 136.
الراء مفعول مطلق، أي: تعليقًا عرضًا من غير قصد. قال في الصحاح1: وقولهم علقها عرضًا إذا هوى امرأة، أي: اعترضت لي فعلقتها من غير قصد ا. هـ. واسم هذه القينة هريرة، كما صرح به في بيت أول القصيدة في قوله2:[من البسيط]
ودع هريرة إن الركب مرتحل
…
وهل تطيق وداعا أيها الرجل
وهريرة هذه عشقت رجلا غيره، وذلك الذي عشقته هريرة عشق امرأة غيرها.
"أو" لغرض "معنوي كأن لا يتعلق بذكرة غرض" أي: قصد "نحو: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ} "[البقرة: 196]" {وَإِذَا حُيِّيتُمْ} "[النساء: 86]" {إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا} "[المجادلة: 11] ، إذ ليس من الغرض من هذه الأفعال إسنادها إلى فاعل مخصوص بل إلى أي فاعل كان. وحيث حذف الفاعل "فينوب عنه في رفعه وعمديته ووجوب التأخير عن فعله واستحقاقه للاتصال به" وصيرورته كالجزء منه وعدم حذفه "وتأنيث الفعل لتأنيثه" إن كان مؤنثًا غير مجرور "واحد" فاعل ينوب "من أربعة" بيان لواحد.
"الأول" منها: "المفعول به" لأنه كالفاعل في كون الفعل حديثًا عنه وفي جواز إضافة المصدر إليه، ولا فرق في الفعل بين الصحيح كـ: ضرب زيد، والمعتل العين أو اللام "نحو:{وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ} [هود: 44]، والأصل: غاض الله الماء وقضى الله الأمر، فحذف الفاعل للعلم به، وأنيب المفعول به منابه فصار مرفوعًا بعد أن كان منصوبًا، وعمدة بعد أن كان فضلة، وواجب التأخير [عن الفعل] 3 بعد أن كان جائز التقديم عليه، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
242-
ينوب مفعول به عن فاعل
…
فيما له.........................
"الثاني: المجرور" كما عبر عنه البصريون سواء أكان الفعل لازما للبناء للمفعول أم لا. فالأول "نحو: {وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ} "[الأعراف: 149]"و" الثاني نحو: "قولك، سير بزيد"؛ لأن المجرور بالحرف مفعول به معنى فصح نيابته عن الفاعل، هذا مذهب الجمهور.
"وقال ابن درستويه والسهيلي وتلميذه" أبي علي "الرندي" بالراء المهملة والنون: "النائب ضمير المصدر" المفهوم من الفعل المستتر فيه، والتقدير: ولما سقط هو،
1 الصحاح "عرض".
2 البيت للأعشى في ديوانه ص105، ولسان العرب 12/ 112 "جهنم" ومقاييس اللغة 4/ 126، وتاج العروس 22/ 296 "ودع".
3 إضافة من "ط".
أي: السقوط، وسير هو، أي: السير، "لا المجرور" بالحرف المعدى؛ "لأنه لا يتبع على المحل"، أي: محل المجرور إذا ناب عن الفاعل، "بالرفع" فلا يقال: مر بزيد الظريف، ولا ذهب إلى زيد وعمرو، برفع التابع فيهما ولو كان المجرور نائبًا عن الفاعل لجاز في تابعه الرفع كما جاز في تابع الفاعل المجرور بالمصدر الرفع، كقولهك [من الكامل]
354-
..................
…
طلب المعقب حقه المظلوم
برفع "المظلوم" على محل "المعقب" فلما لم يتبع على المحل علمنا أنه ليس هو النائب "ولأنه" أي: المجرور قد "يتقدم" على عامله "نحو: {كَانَ عَنْهُ مَسْئُولا} "[الإسراء: 36] ، فلو كان "عنه" هو النائب لما تقدم على عامله وهو "مسئولا"، والفاعل لا يتقدم على عامله، فنائبه كذلك إذ لا يتقدم الفرع إلا حيث يتقدم الأصل؛ "ولأنه" أي: المجرور، "إذا تقدم لم يكن مبتدأ، وكل شيء ينوب عن الفاعل فإنه إذا تقدم كان مبتدأ" نحو: الزيت كيل، ورمضان صيم، وضرب شديد ضرب، كما أن الفاعل إذا تقدم كان مبتدأ، نحو: زيد قام، وأجاز الكوفيون تقديم الفاعل ونائبه باقيين على حالهما؛ "ولأن الفعل لا يؤنث له" أي: للمجرور المؤنث إذا ناب عن الفاعل "في نحو: مر بهند" وكل مؤنث ينوب عن الفاعل فإن الفعل يؤنث له نحو: ضربت هند، فثبت بهذه العلل الربع أن المجرور لا ينوب عن الفاعل.
"و" قال الجمهور: "لنا" من الأدلة على نيابة المجرور في لسان العرب "قولهم: سير بزيد سيرًا" بالنصب، فأنابوا المجرور، ولم ينيبوا المصدر لإبهامه، بل أبقوه منصوبًا، ولو أنابوه لرفعوه، وإذا لم ينب المصدر الظاهر فضميره أولى بالمنع لكونه أشد إبهامًا منه، وأما كونه يرجع إلى معهود فالأصل عدمه، ولنا من الأجوبة "أنه إنما يراعى محل يظهر" إعرابه "في الفصيح" من الكلام وهو المجرور بحرف زائد أو غير زائد ومدخوله ظرف، فالأول "نحو: لست بقائم ولا قاعدًا" بالنصب اتباعًا لمحل "قائم" فإنه يظهر إعراب محله في فصيح الكلام، فيقال: لست قائمًا، والثاني نحو قوله:[من الطويل]
354- صدر البيت:
"حتى تهجر في الرواح وهاجها"
والبيت للبيد بن ربيعة في ديوانه ص128، والإنصاف 1/ 232، وخزانة الأدب 2/ 242، 345، 8/ 134، والدرر 2/ 485، وشرح شواهد الإيضاح ص133، وشرح المفصل 6/ 66، ولسان العرب 1/ 714، "عقب"، والمقاصد النحوية 3/ 512، وبلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 214، وخزانة الأدب 8/ 134، وشرح ابن الناظم ص299، وشرح الأشموني 2/ 337، وشرح ابن عقيل 2/ 104، وشرح المفصل 2/ 42، 46، وهمع الهوامع 2/ 145.
55-
فإن لم تجد من دون عدنان والدًا
…
ودون معد فلتزعك العواذل
بنصب "دون" الثانية اتباعًا لمحل "دون" الأولى، فإن إعرابها النصب بـ"تجد"، ويظهر في الفصيح نصبه، فيقال: فإن لم تجد دون عدنان، "بخلاف" المجرور بحرف أصلي معد، "نحو: مررت بزيد الفاضل" بالنصب، اتباعًا لمحل المجرور المنصوب على المفعولية، أو: مر بزيد الفاضل، بالرفع، اتباعًا لمحل المجرور المرفوع على النيابة عن الفاعل "فلا يجوزان" خلافًا لابن جني1؛ "لأنه لا يجوز" في الفصيح حذف الجار وتعدية الفعل إليه بنفسه مع دون أنّ وأنْ وكي، إلا شذوذا، فلا تقل: "مررت بزيد" بالنصب على المفعولية "ولا: مر زيد" بالرفع على النيابة عن الفاعل، وإذا لم يكن فصيحًا فلا يجوز مراعاته، وأما قوله:[من الرجز]
356-
يسلكن في نجد وغورًا غائرًا
بالنصب فالفصيح أنه منصوب بفعل محذوف، أي: ويسلكن غورًا، لا بالعطف على محل "نجد" فسقط قولهم؛ لأنه لا يتبع على المحل بالرفع، وأما قولهم؛ ولأنه يتقدم نحو:{كَانَ عَنْهُ مَسْئُولا} [الإسراء: 36] ، فـ"عنه" ليس هو النائب عن الفاعل، خلافًا لصاحب الكشاف2، ولا ضمير المصدر كما قالوا "و" إنما "النائب في" هذه "الآية ضمير راجع إلى ما رجع إليه اسم "كان" وهو المكلف" المدلول عليه بالمعنى، والتقدير: مسئولا هو، أي: المكلف، وإنما لم يقدر ضمير "كان" راجعًا "لكل"، لئلا يخلو "مسئولا" عن ضمير، فيكون مسندًا إلى "عنه" وذلك لا يجوز كما تقدم، وأما قولهم ولأنه إذا تقدم لم
355- البيت للبيد بن ربيعة في ديوانه ص255، وأمالي المرتضى 1/ 171، وخزانة الأدب 2/ 252، 9/ 113، وسر صناعة الإعراب 1/ 131، وشرح أبيات سيبويه 1/ 22، وشرح شواهد المغني 1/ 151، 2/ 866، والكتاب 1/ 681، والمعاني الكبير ص1211، ورصف المباني ص82، والمحتسب 2/ 43، ومغني اللبيب 2/ 472.
1 في المحتسب 2/ 43، بعد إنشاد البيت:"عطف "دون" الثانية على موضع "من دون" الاولى، ونظائره كثيرة جدا".
356-
الرجز لرؤبة في ملحق ص190، وأساس البلاغة "فسق" وللعجاج في ملحق ديوانه 2/ 288، والكتاب 1/ 94، وبلا نسبة في لسان العرب 10/ 308، "فسق" والخصائص 2/ 432، وشرح شذور الذهب ص332، والمحتسب 2/ 43.
2 في الكشاف 2/ 449: "و"عنه" في موضع الرفع بالفاعلية، أي: كل واحد منها كان مسئولا عنها، فمسئول: مسند إلى الجار والمجرور، كالمغضوب في قوله:{غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} .
يكن مبتدأ فذاك حيث لم يمنع مانع "وامتناع الابتداء" في المجرور بحرف أصلي "لعدم التجرد" من العوامل اللفظة غير المزيدة وشبهها، هكذا أجاب ابن عصفور، وأجاب الخفاف بأنه قد يتفق في بعض الفاعلين أنه لا يجوز أن يتقدم مبتدأ، فالنائب أحق وأجدر وذلك نحو: نعم امراة هند إذ لو قيل: هي نعم امرأة لم يجز؛ لأن المبتدأ حينئذ يصير عائدًا على شيء من الخبر مؤخر. ا. هـ.
"وقد" يتفق لبعض ما ينوب عن الفاعل أنه لا يجوز أن يتقدم بالكلية فضلًا عن أن يكون مبتدأ وذلك أنهم "أجازوا النيابة في: لم يضرب من أحد" اتفاقًا؛ لأن الجر بالحرف الزائد كلا جر "مع امتناع: من أحد لم يضرب" لأن "من" لا تزاد في الإيجاب لا لوقوع "أحد" في الإثبات لأن نفي ضميره مسوغ لذلك كقوله: [من الطويل]
357-
إذا أحد لم يعنه شأن طارق
…
.................................
نص عليه ابن مالك في التسهيل1 في باب العدد، وحيث امتنع التقديم امتنع الابتداء، وأما قولهم ولأن الفعل لا يؤنث له في نحو: مر بهند؛ فلأنه لما لم يظهر تأثيره في رفعه لشغله بحرف الجر نزل منزلة الفضلة، فلم يؤنث الفعل له، فأما قوله تعالى:{إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ} [التوبة: 66] ، بالتاء المثناة فوق في قراءة مجاهد2، فقال ابن جني3: محمولة على معنى: إن تسامح طائفة، بدليل {نُعَذِّبْ طَائِفَة} [التوبة: 66] ولئن سلمنا ذلك فلا نسلم وجوب التأنيث في الفعل المسند إلى المؤنث المجرور، بالحرف فقد4 "قالوا في {فَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا} [النساء: 79] إن المجرور فاعل مع امتناع: كفت بهند" بتأنيث الفعل مع أن الفاعل مجرور بحرف زائد، فما بالك إذا كان مجرورًا بحرف أصلي، هذا تقدير كلام الموضح، وهو معارض بنحو:{وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ} [الأنعام: 59]، {وَمَا تَخْرُجُ مِنْ ثَمَرَاتٍ مِنْ أَكْمَامِهَا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى} [فصلت: 47] بتأنيث الفعل مع أن فاعله مجرور بحرف زائد، واختلف في سبب امتناع كفت بهند، فقال الزجاج5: لأنه كفى مضمن معنى اكتف، وفعل الأمر لا يؤنث لتأنيث فاعله. وقال ابن السراج: إن
357- شطر بيت بلا نسبة في التسهيل ص118، وحاشية الصبان 3/ 67.
1 التسهيل ص118.
2 انظر هذه القراءة في النشر 2/ 280.
3 المحتسب 1/ 298.
4 سقطت من "ب".
5 معاني القرآن وإعرابه 2/ 27.
فاعل كفى ضمير مستتر يعود على الاكتفاء، والباء متعلقة بالمضمر، أي: كفى الاكتفاء بهند، ورد بأن ضمير المصدر لا يعمل عند البصريين، وهو منهم، خلافًا للكوفيين.
"الثالث" مما ينون عن الفاعل: "مصدر" متصرف "مختص" بصفة أو غيرها "نحو: {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةً وَاحِدَةً} "[الحاقة: 13] ، فـ"نفخة" نائب الفاعل وهو مصدر1 متصرف لكنه مرفوعا، ومختص لكونه موصوفًا بـ"واحدة" وغير المتصرف من المصادر ما لزم النصب على المصدرية، نحو:{سُبْحَانَ اللَّهِ} [المؤمنون: 91] وغير المختص المبهم، نحو: سير فيمتنع سبحانه الله بالضم، على أن يكون نائب فاعل فعله المقدر على أن الأصل: يسبح سبحان الله لعدم تصرفه، "ويمتنع نحو: سير سير لعدم الفائدة" إذ المصدر المبهم مستفاد من الفعل فيتحد معنى المسند المسند إليه ولا بد من تغايرهما، بخلاف ما إذا كان مختصا فإن الفعل مطلق، ومدلول المصدر مقيد فيتغايران فتحصل الفائدة، وإذا امتنع سِيْرَ سَيْرٌ مع إظهار المصدر "فامتناع سير"، بالبناء للمفعول على "إضمار ضمير" المصدر "[السير] 2 أحق" بالمنع؛ لأن ضمير المصدر المؤكد أكثر إبهامًا من ظاهره "خلافًا لمن أجازه" كالكسائي وهشام فيما نقل ابن السيد أنهما أجازا: جلس، بالبناء للمفعول، وفيه ضمير مجهول، قال ثعلب: أراد أن فيه ضمير المصدر، وتبعهما أبو حيان في النكت الحسان، فقال3: ومضمر المصدر يجري مجرى مظهره فيجوز أن تقول: قيم وقعد، فتضمر المصدر كأنك قلت: قيم القيام، وقعد القعود، ا. هـ.
والصحيح المنع، "وأما قوله" وهو امرؤ القيس الكندي:[من الطويل]
358-
"وقالت متى يبخل عليك ويعتلل
…
يسؤك وإن يكشف غرامك تدرب
"فـ" النائب عن الفاعل بـ"يعتلل" ضمير مصدر مختص بلام العهد، أو بصفة محذوفة، و"المعنى: ويعتلل" هو، أي: "الاعتلال المعهود، أو اعتلال، ثم خصصه بـ"عليك" أخرى" في موضع الحال من الضمير ليقيد بها فيفيد ما لم يفده الفعل؛ لأنه إنما يدل على مصدر نكرة محضة وهي حال "محذوفة للدليل" الدال عليهما
1 سقطت من "ب".
2 زيادة من "ب".
3 النكت الحسان ص53.
358-
البيت لامرئ القيس في ديوانه ص42، وشرح شواهد المغني ص92، 883، ولعلقمة في ديوانه ص83، ولأحدهما في المقاصد النحوية 2/ 506، وشرح الأشموني 1/ 182، وبلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 142، ومغني اللبيب 2/ 516.
وهو "عليك" المذكورة قبل الفعل، وحذفت "كما تحذف الصفات المخصصة" للموصوفات للدليل، كقوله تعالى:{فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا} [الكهف: 105] أي: نافعًا؛ لأن أعمالهم توزن بدليل، {وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ} [الأعراف: 9] الآية، قاله في المغني. وإضمار ضمير المصدر النوعي أجازه سيبويه1؛ لأن الفعل لا يدل عليه قاله ابن خروف في شرح كتاب سيبويه. و"يسؤك" من الإساءة جواب الشرط الأول، و"تدرب" بالدال المهملة من الدربة، وهي العادة جواب الشرط الثاني والاعتلال: الاعتذار، يقال: اعتل عليه بعلة اعتذر له عن قضاء غرضه بعذر، "وبذلك" التوجيه "يوجه:{وَحِيلَ بَيْنَهُمْ} " [سبأ: 54] ، بالنصب، فيكون المعنى: وحيل هو، أي: الحول المعهود، أو حول بينهم إلا أن الصفة هنا مذكورة، "و" بذلك يوجه أيضًا "قوله" وهو طرفة بن العبد: [من الطويل]
359-
"فيا لك من ذي حاجة حيل دونها"
…
وما كل ما يهوى امرؤ هو نائله
فيكون المعنى: حيل هو، أي: الحول المعهود، أوحول دونها، وليس النائب الظرف فيهما؛ لأنه غير متصرف عند جمهور البصريين، وعن الأخفش أنه أجاز في:{لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ} [الأنعام: 94]، {وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ} [الجن: 11] أن يكون الظرف في موضع رفع مع فتحه، ثم قال أبو علي2 وتلميذه ابن جني3 فتحة إعراب، واستشكل، وقال غيرهما فتحة بناء، وهو المشهور، ولو قرئ:"وَحِيلَ بَيْنُهُمْ"[سبأ: 54] ، أو روي حيل دونها، بالرفع فيهما كما قرئ:"لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنُكُمْ"، بالرفع4، وكما روي:[من الطويل]
360-
.....................
…
وباشرت حد الموت والموت دونها
1 الكتاب 1/ 229.
359-
البيت لطرفة بن العبد في ديوانه ص78، والمقاصد النحوية 2/ 510، وبلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 144، وشرح الأشموني 1/ 183.
2 انظر الحجة 3/ 360.
3 المحتسب 2/ 190.
4 كذا قرأها ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر وحمزة وعاصم ومجاهد، انظر الإتحاف ص213، والنشر 2/ 260.
360-
صدر البيت:
"ألم تريا أني حميت حقيقتي"
، وهو لموسى بن جابر في الدرر 1/ 461، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص371، وبلا نسبة في شرح شذور الذهب ص81، والارتشاف 2/ 262، وعمدة الحافظ "دون"، وهمع الهوامع 1/ 213.
بالرفع أيضًا لجاز، ولم يحتج إلى هذا التوجيه، "و" بذلك أيضًا "قوله" وهو الفرزدق يمدح زين العابدين علي بن الحسين بن علي رضي الله عنهم أجمعين:[من البسيط]
361-
"يغضي حياء ويغضى من مهابته"
…
فما يكلم إلا حين يبتسم
فيكون المعنى: يغضي الإغضاء المعهود، أو إغضاء من مهابته، "ولا يقال النائب المجرور" بـ"من" وهو "مهابته""لكونه مفعولا له"، قاله ابن جني فيما كتب على الحماسة، وتبعه أبو البقاء في شرح لمع ابن جني فقال: والجمهور على نيابة المفعول له، خلافًا للأخفش وضعفه، قال الخفاف: وعلة المنع أن المفعول له مبني على سؤال مقدر، فكأنه من جملة أخرى ا. هـ. وبهذا يعلل منع نيابة الحال؛ لأنه مبني على سؤال مقدر ولا ينوب التمييز خلافًا للكسائي وهشام، ولا المفعول معه، ولا خبر "كان"، فلا يقال كين قائم، خلافًا للفراء.
"الرابع" مما ينوب عن الفاعل "ظرف" زماني أو مكاني "متصرف مختص" فالزماني "نحو: صيم رمضان، و" المكان نحو: "جلس أمام الأمير"، فـ"رمضان وأمام" ظرفان متصرفان؛ لأنهما يخرجان عن الظرفية إلى الفاعلية والمفعولية والإضافة وغيرها، ومختصان بالعلمية في الأول والإضافة في الثاني، "ويمتنع نيابة نحو عندك ومعك وثم" بفتح المثلثة، فلا يقال: جلس عندك ولا معك ولا ثم، "لامتناع رفعهن" وخصهن بالذكر؛ لأنهن لا يتصرفن تصرفًا كاملا؛ لأن "من" تدخل عليهن فما لا يتصرف بحال كـ"قط وعوض" أولى بالمنع، ويمتنع نيابة "نحو: مكانا وزمانًا إذا لم يقيدا" بقيد يخصصهما، فلا يقال: جلس مكان، ولا صيم زمان لعدم الفائدة؛ لأن الفعل يدل على مطلق المكان والزمان التزامًا في الأول ووضعًا في الثاني، فإن قيدا بوصف مثلا جاز نيابتهما نحو: جلس مكان حسن، وصيم زمان طويل، لحصول الفائدة بالاختصاص بالوصف؛ لأن الفعل لا يدل على خصوصية الوصف، وإلى جواز نيابة المجرور والمصدر، والظرف أشار الناظم بقوله:
250-
وقابل من ظرف أو من مصدر
…
أو حرف جر بنيابة حري
361- البيت للحزين الكناني "عمرو بن عبد وهيب" في الأغاني 15/ 263، ولسان العرب 13/ 114، "حزن" والمؤتلف والمختلف ص89، وللفرزدق في ديوانه 2/ 179، وأمالي المرتضى 1/ 68، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص1622، وشرح شواهد المغني 2/ 732، ومغني اللبيب 1/ 320، والمقاصد النحوية 2/ 513، 3/ 273، وبلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 146، وشرح ابن الناظم ص260، وشرح الأشموني 1/ 183، وشرح المفصل 2/ 53.
"و" حيث وجد المفعول به وغيره من مصدر وظرف ومجرور "لا ينوب غير المفعول به مع وجوده" وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
251-
ولا ينوب بعض هذي إن وجد
…
في اللفظ مفعول به..................
لأن غير المفعول به إنما ينوب بعد أن يقدر مفعولا به مجازا، فإذا وجد المفعول به حقيقة لم يقدم عليه غيره؛ لأن تقديم غيره عليه من تقديم الفرع على الأصل لغير موجب، "وأجازه الكوفي1" أي: أجاز الكوفيون2، أن ينوب غير المفعول به مع وجوده "مطلقًا" أي: من غير شرط سواء تأخر النائب عن المفعول به أو تقدم عليه.
فالأول "كقراءة أبي جعفر: "لِيَجْزَى قَوْمًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ""[الجاثية: 14] ، فبنى "يجزى" للمفعول وأناب المجرور بالباء عن الفاعل مع وجود المفعول به وهو "قومًا" مقدمًا على النائب3.
والثاني كضرب في الدار زيدًا، "و" أجازه "الأخفش بشرط تقديم النائب" على المفعول به4 كالمثال الثاني، "وكقوله":[من الرجز]
362-
وإنما يرضي المنيب ربه
…
"ما دام معنيا بذكر قلبه"
فـ"معنيا" اسم مفعول من "عني بحاجتك"، أصله معنوي، كمضروب، أعل بقلب الواو ياء وإدغامها في الياء وقلب الضمة كسرة، ونائب فاعله هو المجرور بالباء وهو "ذكر" مع وجود المفعول به مؤخرًا وهو "قلبه"، "و" نحو "قوله" وهو رؤبة:[من الرجز]
1 انظر الكتاب 1/ 223، وشرح ابن الناظم ص170، 171.
2 في "ب": "الكوفي".
3 الآية من شواهد ابن الناظم ص170، وشرح ابن عقيل 1/ 509، وأوضح المسالك 2/ 149، وشرح المفصل 7/ 75، والقراءة المستشهد بها قرأها عاصم وشيبة والأعرج، انظر الإتحاف ص390، والنشر 2/ 372.
4 في شرح ابن الناظم ص170: "مذهب سيبويه أنه لا يجوز نيابة غير المفعول به مع وجوده، وأجازه الأخفش والكوفيون". وانظر شرح الكافية الشافية 2/ 609، والخصائص 1/ 397.
3621-
الرجز بلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 149، وشرح ابن الناظم ص170، وشرح التسهيل 2/ 128، وشرح الأشموني 1/ 184، وشرح قطر الندى ص189، وشرح الكافية الشافية 2/ 610، والمقاصد النحوية 2/ 519.
363-
"لم يعن بالعلياء إلا سيدًا"
…
ولا شفى ذا الغي إلا ذو هدى
فـ"يعن" مضارع مبني للمفعول من "عني بكذا"، و"بالعلياء" نائب: الفاعل، "وسيدا" مفعول به مؤخر، واختاره الناظم في التسهيل1، وظاهر قول الناظم:
250-
..................
…
................. وقد يرد
يشمل مذهب الكوفيين والأخفش. وأجاب جمهور البصريين عن البيتين بأنهما ضرورة، وعن القراءة بأنها شاذة. قال الموضح في شرح القطر2، ويحتمل أن يكون النائب عن الفاعل في الآية ضميرًا مستترًا في الفعل عائدا على "الغفران" المفهوم من قوله "يغفروا" أي: ليجزى الغفران قومًا، وإنما أقيم المفعول به غاية ما فيه أنه المفعول الثاني، وذلك جائز. ا. هـ.
وإن لم يوجد المفعول به فقال الجزولي3: تساوت البقية. واختار ابن عصفور4 إقامة المصدر، وأبو حيان 5 ظرف المكان، وابن معط المجرور6.
مسألة:
وغير النائب مما معناه متعلق بالرافع" للنائب عن الفاعل "واجب نصبه لفظًا إن كان غير جار ومجرور، كضرب زيد يوم الخميس أمامك ضربًا شديدًا" برفع "زيد" على النيابة عن الفاعل ونصب الظرفين والمصدر "ومن ثم" أي: من أجل أنه يجب نصب ما عدا النائب "نصب المفعول الذي لم ينب" عن الفاعل سواء كان الأول أم الثاني "في نحو: أعطي زيد دينارًا، وأعطي دينار زيدًا" ويسمى المفعول المنصوب من المفعولين خبر ما لم يسم فاعله. "أو" واجب نصبه "محلا إن كان" غير النائب "جارا ومجرورًا، نحو: "فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةً وَاحِدَةً""[الحاقة: 13] فرفع "نفخة"
363- الرجز لرؤبة في ملحق ديوانه ص173، والدرر 1/ 363، والمقاصد النحوية 2/ 521، وبلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 150، وتخليص الشواهد ص497، وشرح ابن الناظم ص170، وشرح الأشموني 1/ 184، وشرح ابن عقيل 1/ 510، وشرح التسهيل 2/ 128، وشرح الكافية الشافية 2/ 609، وهمع الهوامع 1/ 162.
1 التسهيل ص77.
2 شرح قطر الندى ص190.
3 الجزولية ص142.
4 المقرب 1/ 81.
5 النكت الحسان ص55.
6 في المصدر السابق: "واختار ابن معط إقامة المجرور".
على النيابة عن الفاعل، ونصب محل الجار والمجرور، وهو في "الصور"، "وعلة ذلك" النصب الواجب لفظا أو محلا لما عدا النائب "أن الفاعل لا يكون إلا واحدًا، فكذلك نائبه" لا يكون إلا واحدًا فينصب ما عداه، وإلى هذا أشار الناظم بقوله:
254-
وما سوى النائب مما علقا
…
بالرافع النصب له محققا
هل نصبه بالرافع للنائب فيكون متجددًا، أو برافع الفاعل المحذوف فيكون مستصحبًا فيه مذهبان، أصحهما الأول، ويغزى لسيبويه1.
1 الكتاب 1/ 228.
"فصل":
"وإذا تعدى الفعل لأكثر من مفعول" واحد "فنيابة الأول جائزة اتفاقًا ونيابة الثالث ممتنعة اتفاقًا، نقله" ابن هشام "الخضراوي1" وابن أبي الربيع "وابن الناظم" في شرح النظم2، "والصواب أن بعضهم أجازه إن لم يلتبس" بغيره "نحو: أعلمت زيدًا كبشك سمينًا" فتقول: أعلم زيدا كبشك سمين، قاله أبو حيان في النكت الحسان3. وقال الشاطبي: أجاز بعض المتأخرين إقامة الثالث لكن مع حذف الأول، وأجرى فيه الخلاف في الثاني، وألزم ابن الحاج من قال بإقامة الثاني أن يقول بإقامة الثالث إذ لا فرق بينهما. قال الشاطبي: وهو إلزام صحيح ا. هـ.
وإنما لم يذكر الناظم حكم الثالث؛ لأنه داخل في حكم الثاني، فيأتي فيه الخلاف الآتي فيه، ويكون الصحيح فيه الجواز إن لم يلبس، وهو قضية كلام التسهيل4.
"وأما الثاني ففي باب "كسا"" وهو ما ليس خبرًا في الأصل عن الأول "إن ألبس، نحو: أعطيت زيدًا عمرًا، امتنع" نيابته "اتفاقًا" للإلباس تقدم أو تأخر؛ لأن كلا منهما يصلح أن يكون معطى، ولا يتبين المأخوذ من الآخذ إلا بالإعراب، فلو قيل: أعطي عمرو زيدً، أو أعطي زيدًا عمرو، لتوهم أن "عمرًا" آخذ، و"زيدًا" مأخوذ والغرض بالعكس.
وقال بعض المتأخرين ينبغي أن يستظهر على اللبس بحفظ الرتبة كما في: ضرب موسى عيسى، فيكون المقدم هو المسند إليه، "وإن لم يلبس نحو: أعطيت زيدًا درهمًا، جاز" نيابته "مطلقًا" أي: سواء اعتقد القلب أم لا، وسواء كان الثاني نكرة والأول معرفة أم لا؛ لأن "زيدا" آخذ أبدا، و"درهما" مأخوذ أبدا. "وقيل: يمتنع مطلقا" طردًا للبس، فيتعين نيابة الأول؛ لأنه فاعل معنى.
1 انظر المقرب 1/ 81، والارتشاف 2/ 188.
2 شرح ابن الناظم ص56.
3 النكت الحسان ص56.
4 انظر التسهيل ص77، والارتشاف 2/ 186-188.
"وقيل" يمتنع نيابة الثاني "إن لم يعتقد القلب" في الإعراب وهو كون المرفوع منصوبا والمنصوب مرفوعًا، فإن اعتقد القلب جاز، والنائب في الحقيقة هو الأول؛ لأن نيابة الثاني مع اعتقاده القلب مجاز صوري، ورفعه مجاز، كما أن نصب الأول مجاز، فهو من إعطاء المرفوع إعراب المنصوب، وعكسه عند أمن اللبس كقولهم: خرق الثوب المسمار، وكسر الزجاج الحجر، وهو من ملح كلامهم.
"وقيل:" يمتنع نيابة الثاني "إن كان نكرة والأول معرفة" قاله الفارسي، فلا يقال: أعطي درهم زيدًا، ويتعين:"أعطي زيد درهمًا"1؛ لأن المعرفة أحق بالإسناد إليها من النكرة "وحيث قيل بالجواز" في الثاني "فقال البصريون إقامة الأول أولى" لأنه فاعل معنى. "وقيل" عن الكوفيين أنهم قالوا: "إن كان" الثاني "نكرة" والأول معرفة "فإقامته قبيحة، وإن كان معرفتين استويا في الحسن قاله" المرادي نقلًا عن الكوفيين في شرح التسهيل.
وقال أبو حيان2: محل الخلاف أنه إذا كان "درهمًا" منصوبًا بـ"أعطى"، أما من جعله منصوبًا بغير "أعطى" وقدر له فعلًا آخر تقديره: يأخذ درهمًا، فلا يصح على مذهبه إقامة "الدرهم" معمولا" لـ"أعطى" لأنه معمول لغيره. ا. هـ.
"و" المفعول الثاني "في باب "ظن"" وهو ما كان خبرًا في الأصل عن الأول.
"قال قوم" كثيرون "يمتنع" نيابته" مطلقًا" سواء ألبس أم لم يلبس، وسواء كان جملة أم لا، وسواء كان نكرة والأصل معرفة أم لا "للإلباس في النكرتين" نحو: ظن أفضل منك أفضل من زيد، إذا كان أفضل من زيد هو الأول، "و" في "المعرفتين" نحو: ظن صديقك زيدًا، إذا كان زيد هو الأول، "ولعود الضمير على المؤخر" من المفعولين "إن كان الثاني نكرة" والأول معرفة؛ "لأن الغالب" في الثاني "كونه مشتقا، وهو حينئذ" أي: حين إذ ناب عن الفاعل "شبيه بالفاعل؛ لأنه مسند إليه" الفعل المبني للمفعول، "فرتبته التقديم" نحو: ظن قائم زيدًا، ففي "قائم" ضمير مستتر يعود على "زيدًا" وهو متأخر لفظًا ورتبة؛ لأنه مفعول غير نائب عن الفاعل، "وقائم" متقدم الرتبة؛ لأنه نائب الفاعل، ولا يصح أن يعود من المرفوع ضمير على المنصوب إلا في الشعر، "و" هذا القول "اختاره" أبو موسى "الجزولي3" وابن هشام "الخضراوي.
1 في "ب": "أعطي زيدًا درهم".
2 النكت الحسان ص56.
3 الجزولية ص143.
وقيل يجوز" نيابة الثاني في باب "ظن" "إن لم يلبس" نحو: ظن قائم زيدًا، ويمتنع إن ألبس، نحو: ظن عمرو زيدًا، إذا كان مفعولًا ثانيًا، "ولم يكن جملة" اسمية أو فعلية؛ لأن الفاعل ونائبه لا يكونان جملة على الأصح، "و" هذا القول "اختاره ابن طلحة" والسيرافي في الإقناع "وابن عصفور1 وابن مالك2" وجماعة من المتأخرين.
"وقيل: يشترط" في إقامة الثاني "أن لا يكون نكرة والأول معرفة، فيمتنع: ظن قائم زيدًا" برفع "قائم" لأنه يؤدي إلى الإخبار بالمعرفة عن النكرة وذلك مرفوض في الكثير، وما سمع منه حمله جماعة على القلب، وقد نص على هذا المعنى سيبويه3 في: كان رجل زيدًا، والبابان واحد، قاله الشاطبي.
"و" المفعول الثاني "في باب "أعلم" أجازه قوم" منهم الجزولي4، والشلوبين في التوطئة، وتلميذه ابن الحاج في الرد على ابن عصفور في المقرب "إذا لم يلبس فيمتنع" أعلم زيد عمرو قائمًا، "ومنعه قوم ومنهم الخضراوي والأبدي" بضهم الهمزة وتشديد الموحدة، نسبة إلى أبدة بلد بالأندلس، "وابن عصفور5 لأن" المفعول "الأول" واقع عليه الإعلام فهو "مفعول صحيح" لصحة إطلاق المفعولية عليه حقيقة؛ ولأن أصله الفاعلية فهو أحق بما كان ملتبسًا به، "و" أما المفعولان "الأخيران""فأصلهما مبتدأ وخبر شبها" في نصبهما "بمفعولي "أعطى"" فإطلاق المفعولية عليهما مجاز؛ "ولأن السماع إنما جاء بإقامة الأول، قال" الفرزدق: [من الطويل]
364-
"ونبئت عبد الله بالجو أصبحت
…
كرامًا مواليها لئيما صميمها
فالتاء هي المفعول الأول نائبة عن الفاعل، و"عبد الله" علم قبيلة المفعول الثاني، وجملة "أصبحت" المفعول الثالث، واسم "أصبحت" ضمير مستتر فيها يعود إلى "عبد الله" وأنثها باعتبار القبيلة، و"كراما" خبر أصبحت، و"مواليها" فاعل "كراما" و"لئيمًا" خبر بعد خبر "وصميمها" فاعل "لئيمًا" و"الجو" بفتح الجيم، وتشديد الواو اليمامة، كانت تسمى جوا، و"الكريم": الشريف، و"اللئيم"
1 المقرب 1/ 41.
2 التسهيل ص77، وشرح الكافية الشافية 2/ 610.
3 الكتاب 1/ 47.
4 الجزولية ص143.
5 المقرب 1/ 81.
364-
تقديم تخريج البيت برقم 321.
ضده "وصميم الشيء" خالصه، والمراد أعيان القبيلة ورؤساؤها، والمعنى: أخبرت أن القبيلة المدعوة بعبد الله الكائنة باليمامة مواليها كرام، ورؤساؤها لئام.
"وقد تبين" مما ذكر من جريان الخلاف في ثاني [مفعولي] 1 كسا، واشتراط كون الثاني في باب "ظن" ليس جملة، وجريان الخلاف في الثالث في باب "أعلم""أن في النظم أمورًا" غير مناسبة، "وهي حكاية الإجماع على جواز إقامة الثاني من باب "كسا"، حيث لا لبس" فإنه2 قال:
252-
وباتفاق قد ينوب الثان من
…
باب كسا فيما التباسه أمن
"وعدم اشتراط كون الثاني من باب "ظن" ليس جملة" حيث قال:
253-
في باب ظن وأرى المنع اشتهر
…
ولا أرى منعا إذا القصد ظهر
"وإيهام أن إقامة الثالث" من باب "أعلم""غير جائزة بالاتفاق، إذ لم يذكره مع المتفق عليه" وهو إقامة الأول "ولا مع المختلف فيه" وهو إقامة الثاني "ولعل هذا" الصنيع الموهم "هو الذي غلط ولده" في شرح النظم3، "حتى حكى الإجماع على الامتناع"، فهذه ثلاثة أمور، والأولان مسلمان، والثالث منظور فيه من وجهين. أحدهما: أن الناظم وإن لم يتعرض للثالث صريحًا فقد تعرض له التزامًا، وذلك لأن الثالث في باب "أعلم" هو الثاني في باب "علم، وقد ذكر الثاني، فلو ذكر الثالث لكان تصريحًا بما علم التزامًا ففيه شائبة تكرار، والثاني أن ابن الناظم مسبوق بحكاية الاتفاق على الامتناع وهي ثابتة كما نقله الموضح أول الفصل عن الخضراوي، فلا ينسب حاكيها إلى غلط، غاية ما في الباب أن حاكي الاتفاق لم يقف على الاختلاف.
1 إضافة من "ب".
2 سقطت من "ب".
3 شرح ابن الناظم ص171.
"فصل":
"يضم أول فعل المفعول" الذي لم يسم فاعله "مطلقًا" سواء كان ماضيًا أم مضارعًا، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
243-
فأول الفعل اضممن.....
…
.................................
و"يشركه" في الضم "ثاني الماضي المبدوء بتاء زائدة" معادة سواء أكانت للمطاوعة، أم لا، فالثاني "كتضارب، و" الأول نحو: "تعلم" وتدحرج، وقيدنا الزيادة بالمعتادة احترازًا من التاء في نحو قولهم: ترمس الشيء، بمعنى رمسه، فإنها زائدة، ولا يضم ثاني فعلها لكون زيادتها غير معتادة، قاله المرادي1، وإلى تاء المطاوعة، أشار الناظم بقوله:
245-
والثاني التالي تا المطاوعه
…
كالأول اجعله بلا منازعه
ويشركه "ثالث المبدوء بهمز الوصل" كان متعديًا أم لازمًا، فالثاني "كـ: انطلق، و" الأول نحو:"استخرج واستحلى" وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
246-
وثالث الذي بهمز الوصل
…
كالأول اجعلنه كاستحلي
وفي جمل الزجاجي2 لا يجوز أن يبنى الفعل اللازم للمفعول عند أكثر النحويين ا. هـ.
وخصه أبو البقاء بما لا يتعدى بحرف جر، ومثله بـ"قام" و"جلس" وعلله بأنه لو بني للمفعول لبقي الفعل خبرًا بغير مخبر عنه، وذلك محال، "ويكسر ما قبل الآخر من الماضي" وإليه أشار الناظم بقوله:
243-
........... والمتصل
…
بالآخر اكسر في مضي كوصل
ومن العرب من يسكنه كقوله: [من الرجز]
365-
لو عصر بها البان والمسك انعصر
1 شرح المرادي 2/ 23، 24.
2 الجمل ص77.
365-
الرجز لأبي النجم العجلي في ديوانه ص103، وأدب الكاتب ص538، وإصلاح المنطق ص36، واللكتاب 4/ 114، واللسان 3/ 336 "قصد"، 4/ 581 "عصر" والمنصف 1/ 24، والارتشاف 2/ 195، وبلا نسبة في الإنصاف 1/ 124، واللامات 36، والمنصف 2/ 124، والمخصص 147/ 220.
واختاره قطرب، قال الخضراوي: وهي لغة بكر بن وائل وكثير من بني تميم، ومن العرب من يقلب الكسرة فتحة في المعتل اللام، فنقلب الياء ألفًا، فيقول في رؤي زيد: رؤى زيد، بفتح الهمزة، وهي لغة طيئ، فتحصل في معتل اللام ثلاث لغات، كسر ما قبل آخره وتسكينه، وفتحه "ويفتح" ما قبل الآخر "من المضارع" وإليه أشار الناظم بقوله:
244-
واجعله من مضارع منفتحا
…
..................................
هذا كله في صحيح العين السالم من التضعيف.
"و" أما "إذا اعتلت عين الماضي وهو ثلاثي كـ"قام"" من الواوي، "و "باع"" من اليائي. "أو" كان "على" وزن "افتعل وانفعل، كـ"اختار"" من البائي، "و "انقاد"" من الواوي "فلك" في العين "كسر ما قبلها بإخلاص أو إشمام الضم فتقلب" الألف "ياء فيهما" وإخلاص الكسر لغة قريش ومن جاورهم، وإشمام الكسر الضم لغة كثير من قيس، وأكثر بني أسد.
قال الشاطبي: وفي كيفية الإشمام ثلاثة مذاهب:
أحدها ضم الشفتين مع النطق بالفاء فتكون حركتها بين حركتي الضم والكسر، هذا هو المعروف المشهور المقروء به.
والثاني ضم الشفتين مع إخلاص كسرة الفاء.
والثالث ضم الشفتين قبيل النطق بها؛ لأن أول الكلمة مقابل لآخرها، فكما أن الإشمام في الأواخر بعد الفراغ من إسكان الحرف فكذلك يكون الإشمام في أولها قبيل النطق بكسر الحرف ا. هـ.
وقال المرادي1: الأقرب ما حرره بعض المتأخرين فقال: كيفية النطق به أن يلفظ على فاء الكلمة بحركة تامة مركبة من حركتين إفرادًا لا شيوعًا جزء الضمة مقدم وهو الأقل يليه جزء الكسرة وهو الأكثر، ومن ثم تمخضت الياء ا. هـ.
"ولك إخلاص الضم فتقلب" الألف "واوًا" وإلى فاء الثلاثي المعتل العين أشار الناظم بقوله:
247-
واكسر أو اشمم فا ثلاثي أعل
…
عينا وضم جا كبوع فاحتمل
وأشار إلى ما كان على وزن افتعل وانفعل بقوله:
1 شرح المرادي 2/ 25.
249-
وما لفا باع لما العين تلي
…
في اختار وانقاد وشبه ينجلي
"قال" رؤبة في الضم الخالص: [من الرجز]
366-
"ليت وهل ينفع شيئًا ليت
…
ليت شبابًا بوع فاشتريت"
فـ"بوع" مبني للمفعول وهو خبر "ليت" الأولى، و"شبابًا" اسمها، و"ليت" الأخيرة توكيد للأولى فلا اسم لها ولا خبر، وليت الوسطى فاعل "ينفع"، و"شيئًَا" مفعول مطلق، أي: نفعًا وفاقًا للموضح لا مفعول به خلافًا للعيني1، والجملة من الفعل والفاعل معترضة بين المؤكد والمؤكد، و"هل" للنفي بدليل أنه روى وما ينفع شيئًا ليت، والواو للاعتراض، "وقال" آخر:[من الرجز]
367-
"حوكت على نيرين إذ تحاك"
…
تختبط الشوك ولا تشاك
فـ"حوكت" من الحياكة وهي النسج، مبني للمفعول، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه يرجع إلى الحلة، و"نيرين" تثنية نير بكسر النون وسكون الياء المثناة تحت، وفي آخره راء علم الثوب ولحمته أيضًا فإذا نسج على نيرين كان أصفق ولصفاقتها تختبط الشوك ولا يؤثر فيها شيئ، وهذه اللغة "وهي" الضم الخالص لغة "قليلة" موجودة في كلام هذيل "وتعزى لفقعس ودبير" الجميع، وهما من فصحاء بني أسد، قاله المرادي في شرح التسهيل.
وقال الشاطبي: حكيت عن بني ضبة، وقال الموضح2: حكيت عن بعض تميم، "وادعى ابن عذرة" وطائفة من متأخري المغاربة "امتناعها في افتعل" كـ"اختار""وانفعل" كـ"انقاد" مما زاد على الثلاثة، فلا يقال: اختور ولا انقود، "و" المشهور
366- الرجز لرؤبة في ملحق ديوانه ص171، والدرر 1/ 524، 2/ 534، وشرح شواهد المغني 2/ 819، والمقاصد النحوية 2/ 524، وبلا نسبة في أسرار العربية ص92، وأوضح المسالك 2/ 155، وتخليص الشواهد ص594، وشرح ابن الناظم ص169، وشرح الأشموني 1/ 181، وشرح ابن عقيل 1/ 503، وشرح التسهيل 2/ 131، 3/ 304، وشرح الكافية الشافية 2/ 605، ومغني اللبيب 2/ 632، وهمع الهوامع 1/ 248، 2/ 165، وتهذيب اللغة 14/ 320، وديوان الأدب 3/ 402.
1 المقاصد النحوية 2/ 525.
367-
الرجز بلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 156، وتخليص الشواهد ص495، والدرر 2/ 535، وشرح ابن الناظم ص168، وشرح الأشموني 1/ 181، وشرح ابن عقيل 1/ 502، وشرح التسهيل 2/ 131، وشرح الكافية الشافية 2/ 605، والمقاصد النحوية 2/ 536، والمنصف 1/ 250، وهمع الهوامع 2/ 165، وتاج العروس 19/ 237 "خبط".
2 شرح بانت سعاد ص126.
"الأول" وهو "قول ابن عصفور والأبدي وابن مالك" وينطق بالهمزة في نحو: اختار وانقد على حسب ما ينطق بالحرف الثالث، قاله ابن مالك1. "وأدعى ابن مالك امتناع ماألبس من كسر كـ"خفت وبعت" أو ضم كـ"عقت"" مبنيات للمفعول، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
248-
وإن بشكل خيف لبس يجتنب
…
....................................
"وأصل المسألة" قبل بنائهن للمفعول "خافني زيد، وباعني لعمرو، وعاقني عن كذا"، فحذفت الفاعل، "ثم بنيتهن للمفعول" وأبدلت من ياء المتكلم تاء فوقانية لاشتراكهما في الدلالة على المتكلم، "فلو قلت: خفت وبعت فبالكسر" في الخاء والباء، "وعقت بالضم" في أوله "لتوهم أنهن فعل وفاعل وانعكس المعنى" المراد "فتعين أنه لا يجوز إلا الإشمام أو الضم في" خفت وبعت "الأولين، والكسر في" عقت "الثالث، و" تعين "أن يمتنع الوجه الملبس" وهو الكسر في الأولين والضم في الثالث، "وجعلته المغاربة مرجوحًا لا ممنوعا" فقالوا: إن العرب تختار الكسر في الفاء إذا كانت فيما سمي فاعله مضمومة، وتختار الضم في الفاء إذا كانت فيما سمي فاعله مكسورة فرقًا بينهما وهو ظاهر2، "و" لهذا "لم يلتفت سيبويه" في ذلك "للإلباس3" بل أجاز الأوجه الثلاثة مطلقًا اكتفاء بالفرق التقديري؛ لأن الإلباس غير مانع "لحصوله في" الاسم والفعل، فالاسم "نحو: مختار"، إذ يحتمل أن يكون وصفًا للفاعل أو المفعول، ومع ذلك أعلوه بقلب الياء ألفًا، واكتفوا فيه بالفرق التقديري فعلى تقدير كونه وصفًا للفاعل تكون الياء مكسورة، وعلى تقدير المفعول تكون مفتوحة، "و" الفعل نحو: "{تُضَارَّ} " [البقرة: 233] إذ يحتمل أن يكون مبنيا للفاعل وأن يكون مبنيا للمفعول ومع ذلك أدغم، فعلى تقدير البناء للفاعل تكون الراء الأولى مكسورة، وعلى تقدير البناء للمفعول تكون مفتوحة، "وأوجب4 الجمهور ضم فاء الثلاثي المضعف" وهو ما كان عينه ولامه من جنس واحد، "نحو: شد ومد" بضم الفاء وتشديد الدال فيهما، "والحق قول بعض الكوفيين إن الكسر" في الفاء "جائز" ونص سيبويه على اطراده. فقال5:
1 انظر شرح الكافية الشافية 2/ 605.
2 انظر الارتشاف 2/ 196.
3 الكتاب 4/ 421.
4 في "ب": "وأوجبه".
5 الكتاب 4/ 422، 423.
واعلم أن لغة مطردة للعرب يجري فيها فعل من المضاعف الثلاثي مجرى فعل من المعتل فيكسر أوله، فيقال: رِدّ، كما يقال: قِيل، نقله الموضح عنه في الحواشي، ومن خطه نقلت.
"و" الكسر "هو لغة بني ضبة" بضاد معجمة مفتوحة فموحدة مشددة، فهاء تأنيث وهو ابن أد عم تميم بني مرة، قاله الدماميني1. وقال أبو محمد بن السيد البطليوسي2: ضنة، بالضاد المعجمة والنون لا بالباء، وهو بطن من قضاعة ينسب إليها جماعة، كذا في مختصر الأنساب ا. هـ. ويمكن أن يكونا قبيلتين ضبط كل منهما واحدة، "و" لغة "بعض تميم، وقرأ علقمة" ويحيى بن وثاب: ""رِدَّتْ إِلَيْنَا""3 [يوسف: 65] و: ""وَلَوْ رِدُّوا""4 [الأنعام: 28] ، "بالكسر" فيهما بنقل كسرة العين إلى الفاء حملًا له على المعتل، "وجواز ابن مالك الإشمام أيضًا" فقال في التسهيل5: وقد تشم فاء المدغم، "وقال المهاباذي: من أشم" من العرب "في قيل وبيع" من المعتل "أشم هنا" يعني في المضعف فتحصل في فاء المضاعف ما ثبت في فاء المعتل من الكسر الخالص والإشمام والضم الخالص، كما أشار إليه الناظم بقوله:
248-
...................
…
وما لباع قد يرى لنحو حب
وعلى الكسر يلغز، فيقال: ما وجه رفع الماء في قولهم: إن الماء؛ بكسر الهمزة، ورفع الماء، وجوابه أن أصله إن زيد الماء في الحوض إذا صبه فحذف الفاعل، وأنيب عنه المفعول، وكسر الهمزة على حد "رِدَّتْ إِلَيْنَا" [يوسف: 65] بكسر الراء، واستفدنا من تغيير الفعل إذا بني للمفعول أن صيغته مفرعة عن صيغة المبني للفاعل، وبه قال جمهور البصريين، وذهب الكوفيون والمبرد إلى أنها صيغة أصلية مستقلة بنفسها غير مغيرة عن شيء، وسيأتي في التصريف توجيه كل من القولين.
1 شرح التسهيل للدماميني 4/ 267.
2 الكتاب مفقود، ورد قوله في شرح شواهد ابن الناظم ص260.
3 انظر القراءة في الإتحاف ص266، والمحتسب 1/ 345.
4 انظر القراءة في الإتحاف ص207، والبحر المحيط 4/ 104.
5 التسهيل ص77.