الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب المفعول له:
"هذا باب المعفول له":
"ويسمى المفعول لأجله و" المفعول "من أجله"، وهو ما فعل لأجله فعل، "مثاله: جئت رغبة فيك"، فـ"رغبة": اسم، فعل لأجله فعل وهو المجيء، وحكمه النصب بشروط، "وجميع ما اشترطوا له خمسة أمور":
الأول: "كونه مصدرًا"؛ لأن النصب1 يشعر بالعلية، والذات لا تكون عللًا فلأفعال غالبًا؛ لأن العلل أحداث، والمصدر اسم للحدث، "فلا يجوز: جئتك السمن والعسل" بالنصب؛ لأنه اسم عين لا مصدر، وهذا الشرط "قاله الجمهور. وأجاز يونس" بن حبيب2: " أما العبيد" بالنصب "فذو عبيد" زاعما أن قومًا من العرب يقولون ذلك إذا وصف عندهم شخص شخصًا بعبيد وغيرهم، كالمنكرين عليه وصفه بغير العبيد، وتأول نصب "العبيد" على أنه مفعول له، وإن كان غير مصدر "بمعنى: مهما يذكر شخص لأجل العبيد فالمذكور ذو عبيد" لا غير، فـ"العبيد" علة للذكر "و" هذا النصب "أنكره سيبويه" وقبحه، وقال3: إنه لغة خبيثة قليلة، وإنما يجوز على ضعفه، إذا لم يرد عبيدا بأعيانهم، وأوله الزجاج على تقدير: أما تملك العبيد، أي: مهما يذكر شخص من أجل تملك العبيد فذو عبيد، وهذا كله مراعاة للمصدر.
"و" الشرط الثاني: "كونه قلبيا" أي: من أفعال النفس الباطنة "كالرغبة"؛ لأن العلة هي الحاملة على إيجاد الفعل، والحامل على الشيء متقدم عليه، وأفعال الجوارح
1 في "ط": "المصدر".
2 انظر الكتاب 1/ 389، والارتشاف 2/ 221.
3 الكتاب 1/ 389، 390، وانظر الارتشاف 2/ 221.
ليست كذلك. "فلا يجوز: جئتك قراءة للعلم" من أفعال اللسان، "ولا: قتلًا للكافر" من أفعال اليد، وهذا الشرط "قاله ابن الخباز وغيره" كالرندي، ويجوز "إرادة قراءة العلم"، و"ابتغاء قتل الكافر"، وهذا الشرط مستغنى عنه بشرط اتحاد الزمان؛ لأن أفعال الجوارح لا تجتمع في الزمان مع الفعل المعلل1 قاله الشاطبي، "وأجاز الفارسي "جئتك ضرب زيد" أي: لتضرب زيدًا"، ويؤخذ منه أن الفارسي لا يشترط الاتحاد في الفاعل أيضًا؛ لأن فاعل المجيء غير فاعل الضرب، وهو مذهب ابن خروف كما سيأتي.
"و" الشرط الثالث: "كونه علة" لأنه الباعث على الفعل. واستشكل جعل العلية شرطًا؛ لأنها محل الشروط، ومحل الشروط لا يجعل شرطًا، وجوابه بأن هذه شروط لنصبه، لا لتحقيق ماهيته "عرضًا كان"؛ بفتح العين والراء المهملتين؛ وهو ما ليس حركة جسم من وصف غير ثابت، كما تقدم في باب التعدي واللزوم، فسقط ما قيل: إن الغرض؛ بالغين المعجمة؛ ما كان باعثًا على الفعل، ووجوده متأخرًا عنه، فلا يصح تمثيله بقوله:"كـ"رغبة"" بفتح الراء وسكون الغين المعجمة، وفتح الموحدة "أو غير عرض"، وهو ما كان جبليا من الأوصاف اللازمة. "كـ: قعد عن الحرب جبنا"، فإن الجبن وصف جبلي لازم.
"و" الشرط الرابع: "اتحاده بالمعلل به وقتا"، بأن يكون وقت الفعل المعلل؛ بفتح اللام الأولى؛ والمصدر المعلل؛ بكسرها واحدًا، وذلك صادق بأن يقع الحدث في بعض زمن المصدر كـ"جئتك رغبة" و"قعدت عن الحرب جبنًا" أو يكون أول زمان الحدث آخر زمان المصدر نحو:"جئتك2 خوفًا من فرارك" أو بالعكس نحو "جئتك إصلاحًا لحالك"، فإن لم يتحدا وقتا امتنع النصب "فلا يجوز: تأهبت" اليوم "السفر" غدًا؛ لأن زمن التأهب غير زمن السفر. وهذا الشرط "قاله الأعلم" يوسف الشنتمري، "والمتأخرون" كالشلوبين، وقال تلميذه ابن الضائع؛ بإعجام الضاد وإهمال العين: لم يشترطه سيبويه، ولا أحد من المتقدمين، فعلى هذا يجوز "جئتك أمس طمعًا في معروفك الآن"3.
1 في "ط": "المطلق".
2 في "ب"، "ط":"حبستك".
3 انظر الارتشاف 2/ 221.
"و" الشرط الخامس: "اتحاده بالمعلل به فاعلا"، بأن يكون فاعل الفعل وفاعل المصدر واحدًا، كقوله تعالى:{يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ} [البقر: 19] فـ"الحذر" مصدر، ذكر علة لجعل الأصابع في الآذان، وفاعل "الجعل" و"الحذر" واحد، وهم الكفار، فإن اختلف الفاعلان امتنع النصب "فلا يجوز: جئتك محبتك إياي"؛ لأن فاعل "المجيء" المتكلم، وفاعل "المحبة" المخاطب، وهذا الشرط "قاله المتأخرون أيضًا، وخالفهم ابن خروف" فأجاز النصب مع اختلاف الفاعل محتجا بنحو قوله تعالى:{هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا} [الرعد: 12] . ففاعل "الإراءة" هو الله تعالى، وفاعل "الخوف" و"الطمع" المخاطبون، وأجاب عنه ابن مالك في شرح التسهيل فقال: معنى يريكم يجعلكم ترون، ففاعل الرؤية على هذا هو فاعل الخوف والطمع، وقيل هو على حذف مضاف، أي: إراءة الخوف والطمع. وجعل الزمخشري الخوف والطمع حالين1، واقتصر في النظم على بعض الشروط، ووكل الباقي إلى المثال فقال:
298-
ينصب مفعولًا له المصدر إن
…
أبان تعليلًا كجد شكرا ودن
299-
وهو بما يعمل فيه متحد
…
وقتا وفاعلا................
وبقي عليه شروط ماهية المفعول له، وقد ذكرها أبو البقاء في شرح اللمع لابن جني فقال: وللمفعول له شروط:
أحدها: أن يصلح في جواب "لِمَ".
الثاني: أن يصلح جعله خبرًا عن الفعل العامل فيه، كقولك:"زرتك طمعا في برك"، أي: الذي حملني على زيارتك الطمع، أو مبتدأ، كقولك:"الطمع حملني على زيارتي إياك".
الثالث: أن يصح تقديره باللام.
الرابع: أن يكون العامل فيه من غير لفظه، فلا يجوز أن تجعل زيارة في قولك:"زرتك زيارة" مفعولًا له؛ لأن المصدر هو الفعل في المعنى، والشيء لا يكون علة لوجود نفسه. ا. هـ.
"ومتى فقد المعلل" بكسر اللام الأولى؛ من شروط جواز النصب "شرطًا منها وجب عند من اعتبر ذلك الشرط أن يجره بحرف التعليل" وهو أربعة: "اللام، والباء
1 الكشاف 2/ 282.
وفي، ومن" واقتصر في النظم على "اللام"؛ لأنها الأصل، فقال:
299-
..................
…
............ وإن شرط فقد
300-
فاجرره بالحرف..........
…
..................................
"ففاقد" الشرط "الأول" وهو المصدرية "نحو: {وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَام} "[الرحمن: 10] فـ"الأنام" علة "للوضع"، وليس مصدرًا، فلذلك جر باللام.
"و" فاقد الشرط "الثاني" وهو القلبية "نحو: {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ} [الأنعام: 151] فـ"إملاق" وهو الفقر علة للقتل، وهو ليس قلبيا، فلذلك خفض بـ"من" التعليلية، "بخلاف" {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ " خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ "} [الإسراء: 31] فـ"الخشية" مصدر قلبي، فلذلك جاء منصوبًا.
وفاقد الشرط الثالث وهو كونه علة نحو: "قتلته صبرًا" فيمتنع جره؛ لأن الجر بحرف التعليل يفيد العلية، والغرض عدمها، فلذلك أسقطه.
"و" فاقد الشرط "الرابع" وهو الاتحاد في الوقت "نحو" قول امرئ القيس الكندي: [من الطويل]
402-
"فجئت وقد نضت لنوم ثيابها"
…
لدى الستر إلا لبسة المتفضل
فالنوم وإن كان علة لخلع الثياب لكن وقت الخلع سابق على وقت النوم، فلما اختلفا في الوقت جر باللام، و"نضت" بتخفيف الضاد المعجمة من النضو، وهو الخلع، و"لبسة" بكسر اللام: هيئة من اللبس، و"المتفضل": هو الذي يبقى في ثوب واحد. والمعنى: جئت إليها في حال خلع ثيابها لأجل النوم، ولم يبق عليها إلا ثوب واحد تتوشح به.
"و" فاقد الشرط "الخامس" وهو الاتحاد في الفاعل، "نحو" قول أبي صخر الهذلي:[من الطويل]
403-
"وإني لتعروني لذكراك هزة"
…
كما انتفض العصفور بلله القطر
402- البيت لامرئ القيس في ديوانه ص14، والارتشاف 2/ 223، 369، والدرر 1/ 421، وشرح شذور الذهب ص228، وشرح التسهيل 2/ 196، 374، وشرح عمدة الحافظ ص453، ولسان العرب 15/ 329 "نضا" وتاج العروس "فضل"، "نضا" وبلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 226، والدرر 1/ 518، ورصف المباني ص223، وشرح الأشموني 1/ 206، وشرح قطر الندى ص227، والمقرب 1/ 161، وهمع الهوامع 1/ 194، 247.
403-
البيت لأبي صخر الهذلي في الأغاني 5/ 169، 170، والإنصاف 1/ 253، وخزانة الأدب 3/ 254، 257، 260، والدرر 1/ 422، وشرح أشعار الهذليين 2/ 957، واللسان 2/ 155، "رمث" والمقاصد النحوية 3/ 67، وبلا نسبة في الارتشاف 2/ 222، والأشباه والنظائر 7/ 29، وأمالي ابن الحاجب 2/ 646، 648، وأوضح المسالك 2/ 227، وشرح ابن الناظم ص262، وشرح الأشموني 1/ 216 وشرح التسهيل 2/ 196، 372، وشرح شذور الذهب ص229، وشرح ابن عقيل 2/ 20، وشرح قطر الندى ص228، وشرح الكافية الشافية 2/ 803، وشرح المفصل 2/ 67، والمقرب 1/ 162، وهمع الهوامع 1/ 194.
فالذكرى علة عرو الهزة، وفاعلها مختلف ففاعل العرو الهزة، وفاعل الذكرى هو المتكلم؛ لأن المعنى لذكري إياك، فلذلك جر باللام. و"الهزة" بالكسر: النشاط والارتياح.
"وقد انتفى الاتحادان" معا وهما اتحاد الوقت واتحاد الفاعل "في: {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} "[الإسراء: 78] ففاعل القيام المخاطب، وفاعل الدلوك هو الشمس، وزمنهما مختلف فزمن الإقامة متأخر عن زمن الدلوك فلذلك جر بلام التعليل.
وقال في المغني1: اللام في "لدلوك" بمعنى "بعد" فظاهره التخالف، والدلوك: الميل، يقال دلكت الشمس دلوكا إذا مالت عن وسط السماء.
"ويجوز جر المستوفي للشروط" وإلى ذلك يشير قول الناظم:
300-
.............. وليس يمتنع
…
مع الشروط......................
"بكثرة إن كان" مقرونا "بـ"أل" وبقلة إن كان مجردًا" منها، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
301-
وقل أن يصحبها المجرد
…
والعكس في مصحوب أل......
"وشاهد القليل فيهما" أي: في المقرون بـ"أل" والمجرد منها "قوله": [من الرجز]
404-
"لا أقعد الجبن عن الهيجاء"
…
ولو توالت زمر الأعداء
فـ"الجبن" مفعول له، وهو مقرون بـ"أل"، وجاء منصوبًا على قلة، والأكثر فيه أن يكون مجرورًا. "وقوله":[من الرجز]
405-
"من أمكم لرغبة فيكم جبر"
…
ومن تكونوا ناصريه ينتصر
فـ"رغبة" مفعول له وهو مجرد من "أل" وجاء مجرورًا، وفيه رد على الجزولي في منعه
1 مغني اللبيب ص281.
404-
الرجز بلا نسبة في الارتشاف 2/ 224، والدرر 1/ 422، وشرح الأشموني 1/ 217، وشرح التسهيل 2/ 198، وشرح ابن عقيل 1/ 298، 299، وشرح عمدة الحافظ ص398، وشرح الكافية الشافية 2/ 672، وعمدة الحافظ "هيج"، والمقاصد النحوية 3/ 67، وهمع الهوامع 1/ 195.
405-
الرجز بلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 229، وشرح الأشموني 1/ 217، وشرح عمدة الحافظ ص399، والمقاصد النحوية 3/ 70.
الجر، والأكثر فيه أن يكون منصوبًا، وإنما كان جرا لمجرد قليلا بخلاف المقرون بـ"أل"؛ لأنه أشبه الحال لما فيه من البيان وكونه نكرة، وشاهد الكثير قوله تعالى:{وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا} [الأعراف: 56] .
"و" النصب والجر "يستويان في المضاف"، فالنصب "نحو:{يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ} [البقرة: 265] فـ"ابتغاء": مفعول له، هو مضاف منصوب "و" الجر "نحو:{وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} [البقرة: 74] أي: لأجل خشية الله، فـ"خشية" مفعول له، وهو مضاف مجرور. "قيل ومثله" في جر المفعول له المضاف " {لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ} " [قريش: 1] فـ"إيلاف" مفعول له مضاف مجرور باللام وهي متعلقة بـ"يعبدوا""أي: {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ} [قريش: 3] لإيلافهم الرحلتين" رحلة الشتاء إلى اليمن، ورحلة الصيف إلى الشام، ودخلت "الفاء" لما في الكلام من معنى الشرط، إذ المعنى: أن نعم الله عليهم لا تحصى، فإن لم يعبدوه لسائر نعمه فليعبدوه لأجل إيلافهم رحلة الشتاء والصيف اللتين كانوا محترمين فيهما؛ لأنهم خدمة بيت الله، بخلاف غيرهم فإنهم يخاف عليهم من القطاع والمنتهبين.
"والحرف" الجار "في هذه الآية واجب عند من اشترط" في نصب المفعول له "اتحاد الزمان" وهو الأعلم والمتأخرون؛ لأن زمن الإيلاف1 سابق على زمن الأمر بالعبادة؛ ولأن زمن العبادة مستقبل، وزمن الإيلاف ثابت في الحال. وقال الكسائي والأخفش2:"اللام" في "لإيلاف" متعلقة بـ"اعجبوا" مقدرًا، وقال الزجاج3: متعلقة بقوله تعالى: {فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ} [الفيل: 5] فتكون السورتان سورة واحدة، ويرجحه أنهما في مصحف أبي سورة واحدة، ويضعفه أن جعلهم كعصف إنما كان لكفرهم أو جرأتهم على البيت، والله أعلم بكتابه.
واختلف في ناصب المفعول له، فقال جمهور البصريين: منصوب بالفعل على تقدير لام العلة، وخالفهم الزجاج والكوفيون فزعموا أنه مفعول مطلق، ثم اختلفوا فقال الزجاج: ناصبه فعل مقدر من لفظه، والتقدير: جئتك أكرمك إكراما، وقال الكوفيون: ناصبه الفعل المقدم عليه؛ لأنه ملاق له في المعنى، وإن خالفه في الاشتقاق، مثل "قعدت جلوسًا"4.
1 في "أ"، "ب":"لائتلاف".
2 البحر المحيط 8/ 514.
3 معاني القرآن وإعرابه 5/ 365.
4 انظر رأي البصريين والكوفيين في الارتشاف 2/ 221، وهمع الهوامع 1/ 194، 195.