الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كان الأمر كذلك فالأفضل ما اختاره النبي صلى الله عليه وسلم وجمهور أصحابه من التقلل في الدنيا والبعد عن زهرتها. وقال أحمد بن نصر الداودي: الفقر والغنى محنتان من الله يختبر بهما عباده في الشكر والصبر كما قال تعالى: {إنّا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملاً} [الكهف: 7].
17 - باب كَيْفَ كَانَ عَيْشُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابِهِ وَتَخَلِّيهِمْ مِنَ الدُّنْيَا
(باب) بالتنوين (كيف كان عيش النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه) في حياته (وتخليهم من) التبسط في (الدنيا) وشهواتها وملاذها.
6452 -
حَدَّثَنِى أَبُو نُعَيْمٍ بِنَحْوٍ مِنْ نِصْفِ هَذَا الْحَدِيثِ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ ذَرٍّ، حَدَّثَنَا مُجَاهِدٌ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ يَقُولُ: اللَّهِ الَّذِى لَا إِلَهَ إِلَاّ هُوَ إِنْ كُنْتُ لأَعْتَمِدُ بِكَبِدِى عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْجُوعِ وَإِنْ كُنْتُ لأَشُدُّ الْحَجَرَ عَلَى بَطْنِى مِنَ الْجُوعِ، وَلَقَدْ قَعَدْتُ يَوْمًا عَلَى طَرِيقِهِمُ الَّذِى يَخْرُجُونَ مِنْهُ، فَمَرَّ أَبُو بَكْرٍ فَسَأَلْتُهُ عَنْ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ، مَا سَأَلْتُهُ إِلَاّ لِيُشْبِعَنِى فَمَرَّ وَلَمْ يَفْعَلْ، ثُمَّ مَرَّ بِى عُمَرُ فَسَأَلْتُهُ عَنْ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ، مَا سَأَلْتُهُ إِلَاّ لِيُشْبِعَنِى فَمَرَّ فَلَمْ يَفْعَلْ، ثُمَّ مَرَّ بِى أَبُو الْقَاسِمِ صلى الله عليه وسلم فَتَبَسَّمَ حِينَ رَآنِى وَعَرَفَ مَا فِى نَفْسِى وَمَا فِى وَجْهِى ثُمَّ قَالَ:«أَبَا هِرٍّ» قُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «الْحَقْ» وَمَضَى فَتَبِعْتُهُ فَدَخَلَ فَاسْتَأْذَنَ فَأَذِنَ لِى فَدَخَلَ فَوَجَدَ لَبَنًا فِى قَدَحٍ فَقَالَ: «مِنْ أَيْنَ هَذَا اللَّبَنُ» ؟ قَالُوا: أَهْدَاهُ لَكَ فُلَانٌ أَوْ فُلَانَةُ قَالَ: «أَبَا هِرٍّ» قُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «الْحَقْ إِلَى أَهْلِ الصُّفَّةِ فَادْعُهُمْ لِى» قَالَ: وَأَهْلُ الصُّفَّةِ أَضْيَافُ الإِسْلَامِ لَا يَأْوُونَ إِلَى أَهْلٍ وَلَا مَالٍ، وَلَا عَلَى أَحَدٍ إِذَا أَتَتْهُ صَدَقَةٌ بَعَثَ بِهَا إِلَيْهِمْ، وَلَمْ يَتَنَاوَلْ مِنْهَا شَيْئًا وَإِذَا أَتَتْهُ هَدِيَّةٌ أَرْسَلَ إِلَيْهِمْ وَأَصَابَ مِنْهَا وَأَشْرَكَهُمْ فِيهَا، فَسَاءَنِى ذَلِكَ فَقُلْتُ: وَمَا هَذَا اللَّبَنُ فِى أَهْلِ الصُّفَّةِ كُنْتُ أَحَقُّ أَنَا أَنْ أُصِيبَ مِنْ هَذَا اللَّبَنِ شَرْبَةً أَتَقَوَّى بِهَا فَإِذَا جَاءَ أَمَرَنِى فَكُنْتُ أَنَا أُعْطِيهِمْ وَمَا عَسَى أَنْ يَبْلُغَنِى مِنْ هَذَا اللَّبَنِ، وَلَمْ يَكُنْ مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ وَطَاعَةِ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم بُدٌّ، فَأَتَيْتُهُمْ فَدَعَوْتُهُمْ فَأَقْبَلُوا فَاسْتَأْذَنُوا فَأَذِنَ لَهُمْ، وَأَخَذُوا مَجَالِسَهُمْ مِنَ الْبَيْتِ قَالَ:«يَا أَبَا هِرٍّ» قُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «خُذْ فَأَعْطِهِمْ» قَالَ: فَأَخَذْتُ الْقَدَحَ فَجَعَلْتُ أُعْطِيهِ الرَّجُلَ فَيَشْرَبُ حَتَّى يَرْوَى ثُمَّ يَرُدُّ عَلَىَّ الْقَدَحَ فَأُعْطِيهِ الرَّجُلَ فَيَشْرَبُ حَتَّى يَرْوَى ثُمَّ يَرُدُّ عَلَىَّ الْقَدَحَ فَيَشْرَبُ حَتَّى يَرْوَى، ثُمَّ يَرُدُّ عَلَىَّ الْقَدَحَ، حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ رَوِىَ الْقَوْمُ كُلُّهُمْ فَأَخَذَ الْقَدَحَ فَوَضَعَهُ عَلَى يَدِهِ فَنَظَرَ إِلَىَّ فَتَبَسَّمَ
فَقَالَ: «أَبَا هِرٍّ» ، قُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «بَقِيتُ أَنَا وَأَنْتَ» قُلْتُ: صَدَقْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «اقْعُدْ فَاشْرَبْ» فَقَعَدْتُ فَشَرِبْتُ فَقَالَ: «اشْرَبْ» فَشَرِبْتُ فَمَا زَالَ يَقُولُ: «اشْرَبْ» حَتَّى قُلْتُ: لَا وَالَّذِى بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا أَجِدُ لَهُ مَسْلَكًا قَالَ: فَأَرِنِى فَأَعْطَيْتُهُ الْقَدَحَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَسَمَّى وَشَرِبَ الْفَضْلَةَ.
وبه قال: (حدثني) بالإفراد، ولأبي ذر بالجمع (أبو نعيم) الفضل بن دكين (بنحو) بالتنوين (من نصف هذا الحديث) قال في التنقيح: هذا الموضع من عقد الكتاب فإنه لم يذكر من حدثه بالنصف الآخر ويمكن أن يقال اعتمد على السند الآخر الذي تقدم له في كتاب الاستئذان اهـ. ويأتي ما في ذلك آخر الكلام على الحديث قال: (حدّثنا عمر بن ذر) بفتح الذال المعجمة وتشديد الراء ابن زرارة الهمداني بسكون الميم المرهبي الكوفي قال: (حدّثنا مجاهد) هو ابن جبر بفتح الجيم وسكون الموحدة أبو الحجاج المخزومي مولاهم المكي الإمام في التفسير والعلم (أن أبا هريرة) رضي الله عنه (كان يقول: الله) بحذف حرف الجرّ ومد الهمزة وجر الهاء في الفرع كأصله مصححًا عليها. قال في الفتح: كذا للأكثر بالحذف وفي روايتنا بالخفض وعن أبي ذر مما رأيته بهامش الفرع كأصله الهمزة بمنزلة واو القسم اهـ.
وجوّز بعضهم النصب بل قال السفاقسي: إنه رواه به، وقال ابن جني: إذا حذف حرف القسم نصب الاسم بعده بتقدير الفعل ومن العرب من يجر اسم الله وحده مع حذف حرف الجر فيقول الله لأقومن وذلك لكثرة ما يستعملونه، وفي بعض الأصول الله إسقاط الأداة والرفع، وفي رواية روح بن عباد عن عمر بن ذر عند أحمد والله (الذي لا إله إلا هو إن كنت لأعتمد بكبدي على الأرض) أي لألصق بطني بالأرض (من الجوع) أو هو كناية عن سقوطه على الأرض مغشيًا كما صرح به في الأطعمة فلقيت عمر فاستقرأته آية فمشيت غير بعيد فخررت على وجهي من الجهد والجوع (وإن كنت لأشد الحجر على بطني من الجوع) لتقليل حرارة الجوع ببرد الحجر أو المساعدة على الاعتدال والانتصاب لأن البطن إذا خوى لم يمكن معه الانتصاب فكان أهل الحجاز يأخذون صفائح رقاقًا في طول الكف أو أكبر من الحجارة فيربطها الواحد على بطنهِ وتشد بعصابة فتعدل القامة بعض الاعتدال (ولقد قعدت يومًا على طريقهم) أي النبي صلى الله عليه وسلم وبعض أصحابه (الذي يخرجون منه) من منازلهم إلى المسجد (فمرّ أبو بكر) رضي الله عنه (فسألته عن آية من كتاب الله) عز وجل (ما سألته) عنها (إلا ليشبعني) بالشين المعجمة والموحدة من الإشباع، ولأبي ذر عن الكشميهني إلا ليستتبعني بسين مهملة ساكنة ففوقية مفتوحة فأخرى ساكنة فموحدة مكسورة فعين مهملة مفتوحة فنون مكسورة أي يطلب مني أن أتبعه ليطعمني (فأمر) بي (ولم يفعل) أي الإشباع أو الاستتباع، (ثم مرّ بي عمر) رضي الله عنه (فسألته عن آية من كتاب الله) عز وجل (ما سألته) عنها (إلا ليشبعني) من الإشباع أو ليستتبعني من الاستتباع كما مر عن الكشميهني (فأمر فلم) بالفاء ولأبي ذر ولم (يفعل، ثم مرّ بي أبو القاسم صلى الله عليه وسلم فتبسم حين رآني وعرف ما في نفسي) من
الجوع والاحتياج إلى ما يسد الرمق (وما في وجهي) من التغير وكأنه عرف من تغير وجهه ما في نفسه، واستدلّ أبو هريرة بتبسمه صلى الله عليه وسلم على أنه عرف ما به لأن التبسم يكون للتعجب ولإيناس من يتبسم إليه وحال أبي هريرة لم تكن معجبة فيترجح الحمل على الإيناس قاله في الفتح (ثم قال) صلى الله عليه وسلم:
(أبا هر) بإسقاط أداة النداء وكسر الهاء وتشديد الراء رد المؤنث إلى المذكر والمصغر إلى المكبر ولأبي ذر يا أبا هر (قلت لبيك يا رسول الله قال: الحق) بفتح الحاء أي اتبع (ومضى عليه الصلاة والسلام فتبعته) ولأبي ذر فاتبعته
(فدخل) زاد علي بن مسهر عند الإسماعيلي وابن حبان في صحيحه إلى أهله (فاستأذن) بهمزة وصل وفتح النون بلفظ الماضي في الفرع وغيره، وقال في الفتح: فأستأذن بهمزة بعد الفاء والنون مضمومة فعل المتكلم وعبر عنه بذلك مبالغة في التحقق، وقال العيني على صيغة المتكلم من المضارع ولابن مسهر فاستأذنت (فأذن لي فدخل) كذا الرواية بتكرار دخل قال في الكواكب: الثاني تكرار للأول أو دخل الأول بمعنى أراد الدخول فالاستئذان يكون لنفسه صلى الله عليه وسلم، وقال في الفتح: إما تكرار لوجود الفصل أو التفات ولعلي بن مسهر فدخلت قال في الفتح وهي واضحة: (فوجد) صلى الله عليه وسلم في منزله (لبنًا في قدح فقال: من أين هذا اللبن قالوا: أهداه لك فلان أو فلانة) بالشك ولم يقف ابن حجر على اسم من أهداه ولأبي ذر عن الكشميهني أهدته بالتأنيث ثم (قال) عليه الصلاة والسلام: (أبا هر) إسقاط أداة النداء (قلت لبيك يا رسول الله) ولأبي ذر رسول الله بإسقاط يا (قال: الحق) أي انطلق (إلى أهل الصفة فادعهم لي قال) أي أبو هريرة (وأهل الصفة أضياف الإسلام لا يأوون إلى) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي على (أهل ولا مال ولا على أحد) تعميم بعد تخصيص شامل للأقارب وغيرهم وعند ابن سعد من مرسل يزيد بن عبد الله بن قسط كان أهل الصفة ناسًا فقراء لا منازل لهم فكانوا ينامون في المسجد لا مأوى لهم غيره (إذا أتته) صلى الله عليه وسلم (صدقة بعث بها إليهم) يخصهم بها (ولم يتناول منها شيئًا وإذا أتته هدية أرسل إليهم) ليحضروا عنده (وأصاب منها وأشركهم فيها) لأنه صلى الله عليه وسلم كان يقبل الهدية ولا يقبل الصدقة قال أبو هريرة: (فساءني ذلك) أي قوله ادعهم لي (فقلت) في نفسي هذا قليل (وما هذا اللبن) أي وما قدر هذا اللبن (في أهل الصفة) والواو عاطفة على محذوف تقديره هذا قليل أو نحوه ولعلي بن مسهر وأين يقع هذا اللبن من أهل الصفة وأنا ورسول الله (كنت أحق أنا أن أصيب من هذا اللبن شربة أتقوى بها) زاد روح يومي وليلتي وسقط لأبي ذر لفظ أنا (فإذا جاء) من أمرني بطلبه ولأبي ذر عن الكشميهني جاؤوا (أمرني) عليه الصلاة والسلام (فكنت أنا أعطيهم) فكنت عطف على جزاء فإذا جاؤوا فهو بمعنى الاستقبال داخل تحت القول والتقدير عند نفسه قاله في الكواكب وإنما كان أبو هريرة يفعل ذلك لأنه كان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم (وما عسى أن يبلغني من هذا اللبن) أي يصل إليّ بعد أن يكتفوا منه وقال: في الكواكب وما عسى أي قائلاً في نفسي وما عسى والظاهر أن كلمة عسى مقحمة (ولم يكن من طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم بدّ فأتيتهم فدعوتهم فأقبلوا فاستأذنوا) في الدخول (فأذن لهم) صلى الله عليه وسلم (وأخذوا مجالسهم من البيت) أي
وجلس كل واحد منهم في المجلس الذي يليق به قال في الفتح ولم أقف على عددهم إذ ذاك (قال) عليه الصلاة والسلام: (يا أبا هر) بكسر الهاء وتشديد الراء (قلت لبيك يا رسول الله قال: خذ) أي هذا القدح (فأعطهم) بهمزة قطع القدح الذي فيه اللبن (فأخذت القدح فجعلت أعطيه الرجل) بضم همزة أعطيه (فيشرب حتى يروى) بفتح الواو (ثم يردّ عليّ القدح فأعطيه الرجل) الذي يليه ولأبي ذر عن الكشميهني ثم أعطيه الرجل فيشرب حتى يروى ثم يردّ عليّ القدح فيشرب حتى يروى ثم يردّ عليّ القدح بتكرار فيشرب ثلاثًا وسقط قوله حتى يروى ثم يرد عليّ القدح هذه في رواية أبي ذر، وقال في الكواكب فإن قلت: الرجل الثاني معرفة معادة فتكون هي الأول بعينه على القاعدة النحوية لكن المراد غيره. وأجاب؛ أن ذلك حيث لا قرينة ولفظ (حتى انتهيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقد روي القوم كلهم) قرينة المغايرة لأنه يدل على أنه أعطاهم واحدًا بعد واحد إلى أن كان آخرهم النبي صلى الله عليه وسلم (فأخذ القدح) وقد بقيت فيه فضلة (فوضعه على يده) الكريمة (فنظر إليّ) بتشديد التحتية (فتبسم) إشارة