الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(باطل) أي هالك وكل شيء سوى الله جائز عليه الفناء وإن خلق فيه البقاء بعد ذلك كالجنة والنار، وأطلق البيت وأراد به البعض فإن الذي ذكره هنا نصفه وهو المصراع الأول، أو المراد هو ومصراعه الآخر وهو:
وكل نعيم لا محالة زائل.
وفي رواية شريك عند مسلم أشعر كلمة تكلمت بها العرب.
ومطابقة الحديث للترجمة من حيث إن كل شيء ما خلا الله في الدنيا الذي لا يؤول إلى طاعة الله ولا يقرب منه إذا كان باطلاً يكون الاشتغال به مبعدًا من الجنة مع كونها أقرب إليه من
شراك نعله والاشتغال بالأمور التي هي داخلة في أمر الله تعالى يكون مبعدًا من النار مع كونها أقرب إليه من شراك نعله قاله في عمدة القاري، وقال: إنه من الفيض الإلهي الذي وقع في خاطره، وقال في فتح الباري: مناسبة الحديث الثاني للترجمة خفية وكأن الترجمة لما تضمنت ما في الحديث الأول من التحريض على الطاعة، ولو قلت والزجر عن المعصية، ولو قلت تضمنت أن من خالف ذلك إنما يخالفه لرغبة في أمر من أمور الدنيا وكل ما في الدنيا باطل كما صرح به الحديث الثاني فلا ينبغي للعاقل أن يؤثر الفاني على الباقي.
والحديث سبق في أيام الجاهلية.
30 - باب لِيَنْظُرْ إِلَى مَنْ هُوَ أَسْفَلَ مِنْهُ، وَلَا يَنْظُرْ إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَهُ
هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (لينظر) أي الإنسان (إلى من هو أسفل منه) من الناس في الدنيا (ولا ينظر إلى من هو فوقه) فيها ليشكر الله على ما أنعم به عليه.
6490 -
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِى مَالِكٌ عَنْ أَبِى الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إِذَا نَظَرَ أَحَدُكُمْ إِلَى مَنْ فُضِّلَ عَلَيْهِ فِى الْمَالِ وَالْخَلْقِ، فَلْيَنْظُرْ إِلَى مَنْ هُوَ أَسْفَلَ مِنْهُ» .
وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس (قال: حدثني) بالإفراد (مالك) الإمام الأصبحي (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرَّحمن بن هرمز (عن أبي هريرة) رضي الله عنه (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم) أنه (قال):
(إذا نظر أحدكم إلى من فضل عليه) بضم الفاء وكسر الضاد المعجمة المشددة (في المال والخلق) بفتح الخاء المجمة أي الصورة ويحتمل أن يدخل فيه الأولاد والأتباع وكل ما يتعلق بزينة الحياة الدنيا قال: في الفتح ورأيته في نسخة معتمدة في الغرائب للدارقطني والخلق بضم المعجمة واللام (فلينظر إلى من هو أسفل منه) فيهما وأسفل بفتح اللام مصححًا عليها في الفرع ويجوز الرفع. وزاد مسلم من طريق أبي صالح عن أبي هريرة فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم، وفي حديث عبد الله بن الشخير رفعه أقلوا الدخول على الأغنياء فإنه أحرى أن لا تزدروا نعمة الله عليكم رواه الحاكم، والازدراء الاحتقار والانتقاص، ولا ريب أن الشخص إذا نظر إلى من هو فوقه لم يأمن أن يؤثر ذلك فيه فدواؤه أن ينظر إلى من هو أسفل منه ليكون ذلك داعيًا إلى الشكر وقال: ابن بطال لا يكون أحد على حالة سيئة من الدنيا إلا يجد من أهلها ما هو أسوأ حالاً منه فإذا تأمل ذلك علم أن نعمة الله وصلت إليه دون كثير ممن فضل عليه بذلك من غير إبراز حبه فيعظم اغتباطه بذلك نعم ينظر إلى من فوقه في الدين فيقتدي به فيه، وفي نسخة عمرو بن أبي شعيب عن أبيه عن جده رفعه خصلتان من كانتا فيه كتبه الله شاكرًا صابرًا من نظر في دنياه إلى من هو دونه فحمد الله على ما فضله به عليه ومن نظر في دينه إلى من هو فوقه فاقتدى به.
31 - باب مَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ أَوْ بِسَيِّئَةٍ
(باب من همّ بحسنة أو بسيئة).
6491 -
حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا جَعْدٌ أَبُو عُثْمَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو رَجَاءٍ الْعُطَارِدِىُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِيمَا يَرْوِى عَنْ رَبِّهِ عز وجل قَالَ: قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ، ثُمَّ بَيَّنَ ذَلِكَ فَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً، فَإِنْ هُوَ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ عَشْرَ حَسَنَاتٍ إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ إِلَى أَضْعَافٍ كَثِيرَةٍ، وَمَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً، فَإِنْ هُوَ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ سَيِّئَةً وَاحِدَةً» .
وبه قال: (حدّثنا أبو معمر) بفتح الميمين بينهما عين مهملة ساكنة عبد الله بن عمرو بن الحجاج المنقري بكسر الميم وفتح القاف بينهما نون ساكنة قال: (حدّثنا عبد الوارث) بن سعيد قال: (حدّثنا جعد) بفتح الجيم وسكون العين بعدها دال مهملتين ولأبي ذر جعد بن دينار (أبو عثمان) الرازي التابعي الصغير قال: (حدّثنا أبو رجاء) عثمان بن تميم (العطاردي عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يروي عن ربه عز وجل مما تلقاه بلا واسطة أو بواسطة الملك وهو الراجح أنه (قال):
(قال: إن الله) عز وجل (كتب الحسنات والسيئات) أي قدرهما في علمه على وفق الواقع أو أمر الحفظة أن تكتب ذلك (ثم بين) أي فصل (ذلك) الذي أجمله في قوله كتب الحسنات والسيئات بقوله (فمن همّ بحسنة) زاد خريم بن فاتك في حديثه
المرفوع المروي في سنن أحمد وصححه ابن حبان يعلم الله أنه قد أشعر بها قلبه وحرص عليها (فلم يعملها) بفتح الميم (كتبها الله) قدرها أو أمر الملائكة الحفظة. بكتابتها (له) أي للذي هم (عنده) تعالى (حسنة كاملة) لا نقص فيها فلا يتوهم نقصها لكونها نشأت عن الهم المجرد، ولا يقال إن التعبير بكاملة يدل على أنها تضاعف إلى عشر لأن ذلك هو الكمال لأنه يلزم منه مساواة من نوى الخير بمن فعله والتضعيف مختص بالعامل قال تعالى:{من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها} [الأنعام: 160] والمجيء بها هو العمل بها والعندية هنا للشرف، ويحتمل أن يكتبها تعالى بمجرد الهم وإن لم يعزم عليها زيادة في الفضل، وقيل إنما تكتب الحسنة بمجرد الإرادة لأن إرادة الخير سبب إلى العمل وإرادة الخير خير لأن إرادة الخير من عمل القلب وقوله فلم يعملها ظاهره حصول الحسنة بمجرد الترك لمانع أو لا، ويتجه أن يتفاوت عظم الحسنة بحسب المانع فإن كان خارجيًّا قصد الذي هم مستمر فهي عظيمة القدر وإن كان الترك من قبل الذي هم فهي دون ذلك فإن قصد الإعراض عنها جملة، فالظاهر أن لا يكتب له حسنة أصلاً لا سيما إن عمل بخلافها كأن هم أن يتصدق بدرهم مثلاً فصرفه بعينه في معصية فإن قلت كيف اطلع الملك على قلب الذي يهم به العبد أجيب بأن الله تعالى يطلعه على
ذلك ويخلق له علمًا يدرك به ذلك، ويدل للأوّل حديث أبي عمران الجوني عند ابن أبي الدنيا قال: ينادي الملك اكتب لفلان كذا وكذا فيقول: يا رب إنه لم يعمله فيقول إنه نواه وقيل بل يجد الملك للهم بالحسنة رائحة طيبة والسيئة رائحة خبيثة (فإن هو همّ بها) بالحسنة وسقط لفظ هو لأبي ذر (فعملها) بكسر الميم ولأبي ذر وعملها بالواو بدل الفاء (كتبها الله) قدرها أو أمر الحفظة بكتابتها الله) للذي عملها (عنده) تعالى اعتناء بصاحبها وتشريفًا له (عشر حسنات) قال تعالى: {من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها} [الأنعام: 160] وهذا أقل ما وعد به من الأضعاف (إلى سبعمائة ضعف) بكسر الضاد مثل (إلى أضعاف كثيرة) بحسب الزيادة في الإخلاص وصدق العزم وحضور القلب وتعدي النفع قال في الكشاف: ومضاعفة الحسنات فضل ومكافأة السيئات عدل، ونقل صاحب فتوح الغيب عن الزجاج أنه قال: المعنى غامض لأن المجازاة من الله تعالى على الحسنة بدخول الجنة شيء لا يبلغ وصف مقداره فإذا قال: عشر أمثالها أو سبعمائة أو أضعافًا كثيرة فمعناه أن جزاء الله تعالى على التضعيف للمثل الواحد الذي هو النهاية في التقدير وفي النفوس. قال الطيبي: فعلى هذا لا يتصوّر في الحسنات إلا الفضل (ومن همّ بسيئة فلم يعملها) بفتح الميم خوفًا من الله تعالى كما في حديث أبي هريرة من طريق الأعرج الآتي إن شاء الله تعالى في التوحيد (كتبها الله) عز وجل قدرها أو أمر الحفظة بكتابتها (له) للذي هم بها (عنده حسنة كاملة) غير ناقصة ولا مضاعفة إلى العشر.
وحديث ابن عباس هذا مطلق قيد بحديث أبي هريرة أو يقال حسنة من ترك بغير استحضار الخوف دون حسنة الآخر، أو يحمل كتابة الحسنة على الترك أن يكون التارك قد قدر على الفعل ثم تركه لأن الإنسان لا يسمى تاركًا إلا مع القدرة، فإن حال بينه وبين حرصه على الفعل مانع فلا. وذهب القاضي الباقلاني وغيره إلى أن من عزم على المعصية بقلبه ووطن عليها نفسه أنه يأثم، وحمل الأحاديث الواردة في العفو عمن هم بسيئة ولم يعملها على الخاطر الذي يمرّ بالقلب ولا يستقر. قال الماوردي: وخالفه كثير من الفقهاء والمحدثين والمتكلمين، ونقل ذلك عن نص الشافعي ويدل له حديث أبي هريرة عند مسلم بلفظ: فأنا أغفرها له ما لم يعملها، فإن الظاهر أن المراد العمل هنا عمل الجارحة بالمعصية المهموم بها وتعقبه القاضي عياض بأن عامة السلف على ما قاله ابن الباقلاني لاتفاقهم على المؤاخذة بأعمال القلوب، لكنهم قالوا: إن العزم على السيئة يكتب سيئة مجرّدة لا السيئة التي هم أن يعملها كمن يأمر بتحصيل معصية ثم لا يفعلها بعد حصولها فإنه يأثم