الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والشهداء والصديقين والصالحين.
والحديث أخرجه مسلم في الإيمان.
6543 -
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِى مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ، حَدَّثَنِى أَبُو حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: قَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم: «لَيَدْخُلَنَّ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِى سَبْعُونَ أَلْفًا -أَوْ سَبْعُمِائَةِ أَلْفٍ- شَكَّ فِى أَحَدِهِمَا مُتَمَاسِكِينَ آخِذٌ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ، حَتَّى يَدْخُلَ أَوَّلُهُمْ وَآخِرُهُمُ الْجَنَّةَ وَوُجُوهُهُمْ عَلَى ضَوْءِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ» .
وبه قال: (حدّثنا سعيد بن أبي مريم) هو سعيد بن الحكم بن محمد بن أبي مريم أبو محمد الجمحي مولاهم البصري قال: (حدّثنا أبو غسان) بفتح الغين المعجمة والسين المهملة المشددة وبعد الألف نون محمد بن مطرف الليثي المدني إمام سكن عسقلان قال: (حدثني) بالإفراد (أبو حازم) سلمة بن دينار (عن سهل بن سعد) الساعدي رضي الله عنه أنه (قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم):
(ليدخلن الجنة من أمتي سبعون ألفًا أو) قال (سبعمائة ألف شك) أبو حازم (في أحدهما) قال حال كونهم (متماسكين آخذ بعضهم ببعض) على هيئة الوقار فلا يسابق بعضهم بعضًا أو معترضين صفًا واحدًا بعضهم بجنب بعض (حتى يدخل أولهم وآخرهم الجنة) غاية للتماسك والأخذ بالأيدي (ووجوههم) بواو الحال مصححًا عليها بالفرع كأصله. (على ضوء القمر) ولأبي ذر عن الكشميهني على صورة القمر (ليلة البدر) عند تمامه.
والحديث مرّ في ذكر الجنة من بدء الخلق.
6544 -
حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا أَبِى عَنْ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ وَأَهْلُ النَّارِ النَّارَ، ثُمَّ يَقُومُ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ يَا أَهْلَ النَّارِ لَا مَوْتَ، وَيَا أَهْلَ الْجَنَّةِ لَا مَوْتَ خُلُودٌ» . [الحديث 6544 - طرفه في 6548].
وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا يعقوب بن إبراهيم) قال: (حدّثنا أبي) إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرَّحمن بن عوف (عن صالح) هو ابن كيسان أنه قال: (حدّثنا نافع) مولى ابن عمر (عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم) أنه (قال):
(إذا دخل) ولأبي ذر: يدخل (أهل الجنة الجنة وأهل النار النار ثم يقوم مؤذن بينهم) أي أقف على اسمه يقول (يا أهل النار لا موت ويا أهل الجنة لا موت) بالبناء على الفتح فيهما (خلود)
بالرفع والتنوين مصدر أو جمع خالد أي الشأن أو هذا الحال خلود أي مستمر أو أنتم خالدون في الجنة.
والحديث أخرجه مسلم في صفة النار.
6545 -
حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم: «يُقَالُ لأَهْلِ الْجَنَّةِ خُلُودٌ لَا مَوْتَ، وَلأَهْلِ النَّارِ يَا أَهْلَ النَّارِ خُلُودٌ لَا مَوْتَ» .
وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة قال: (حدّثنا أبو الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرَّحمن بن هرمز (عن أبي هريرة) رضي الله عنه أنه (قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم):
(يقال لأهل الجنة خلود) ولأبي ذر عن الكشميهني يا أهل الجنة خلود (لا موت ولأهل النار) يا أهل النار (خلود لا موت) زاد الإسماعيلي فيه.
51 - باب صِفَةِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ
وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ: قَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم: «أَوَّلُ طَعَامٍ يَأْكُلُهُ أَهْلُ الْجَنَّةِ زِيَادَةُ كَبِدِ حُوتٍ» . عَدْنٌ: خُلْدٍ عَدَنْتُ بِأَرْضٍ أَقَمْتُ، وَمِنْهُ الْمَعْدِنُ فِى مَعْدِنِ صِدْقٍ فِى مَنْبِتِ صِدْقٍ.
(باب صفة الجنة والنار) الجنة هي دار النعيم في الدار الآخرة والجنة البستان، والعرب تسمي النخيل جنة قال زهير:
كأن عيني في غربي مقتله
…
من النواضح تسقي جنة سحقا
فهي من الاجتنان وهو الستر لتكاثف أشجارها وتظليلها بالتفاف أغصانها وسميت بالجنة وهي المرة الواحدة من مصدر جنه جنّا إذا ستره فكأنها سترة واحدة لشدة التفافها وإظلالها.
(وقال أبو سعيد) سعد بن مالك الخدري رضي الله عنه مما سبق موصولاً في باب يقبض الله الأرض يوم القيامة (قال النبي صلى الله عليه وسلم: أول طعام يأكله أهل الجنة زيادة كبد الحوت) ولأبي ذر كبد الحوت وزيادة الكبد هي قطعة من اللحم متعلقة بالكبد وهي ألذ الأطعمة وأهنؤها.
{عدن} في قوله {جنات عدن} [التوبة: 72] أي (خلد) بضم الخاء المعجمة وسكون اللام وهو دوام البقاء يقال (عدنت بأرض) أي (أقمت) بها (ومنه المعدن) الذي يستخرج منه الجواهر كالذهب والفضة والنحاس والحديد (في معدن صدق) بكسر دال معدن أي (في منبت صدق) بكسر الموحدة، ولأبي ذر في مقعد بالقاف والعين بدل معدن والصواب الأول. قال في الفتح: وكان سبب الوهم أنه لما رأى أن الكلام في صفة الجنة وأن من أوصافها مقعد صدق كما
في آخر سورة القمر ظنه هنا كذلك، وقد ذكره أبو عبيدة بلفظ معدن صدق. نعم قوله {مقعد صدق} [القمر: 55] معناه مكان القعود وهو يرجع إلى معنى المعدن.
6546 -
حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ الْهَيْثَمِ، حَدَّثَنَا عَوْفٌ، عَنْ أَبِى رَجَاءٍ عَنْ عِمْرَانَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«اطَّلَعْتُ فِى الْجَنَّةِ فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا الْفُقَرَاءَ، وَاطَّلَعْتُ فِى النَّارِ فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ» .
وبه قال: (حدّثنا عثمان بن الهيثم) بفتح الهاء والمثلثة بينهما تحتية ساكنة ابن الجهم أبو عمرو العبدي البصري المؤذن بجامعها قال: (حدّثنا عوف) بالفاء وفتح العين ابن أبي جميلة الأعرابي (عن أبي رجاء) بالجيم عمران العطاردي (عن عمران) بن الحصين رضي الله عنه (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(اطّلعت) بتشديد الطاء (في الجنة) ليلة الإسراء أو في المنام (فرأيت أكثر أهلها الفقراء) قال الطيبي: ضمن اطلعت معنى تأملت ورأيت بمعنى علمت ولذا عداه إلى مفعولين ولو كان الاطّلاع بمعناه الحقيقي لكفاه مفعول واحد (واطّلعت في النار) في صلاة الكسوف فهو غير وقت رؤية الجنة قال في الفتح: ووهم من وحدهما قال: وقال الداودي: إن ذلك ليلة الإسراء وحين خسفت الشمس كذا قال (فرأيت أكثر أهلها النساء) لما يغلب عليهن من الهوى والميل إلى عاجل زينة الدنيا والإعراض عن الآخرة لنقص عقلهن وسرعة انخداعهن.
والحديث رواته كلهم بصريون وسبق في صفة الجنة من بدء الخلق وفي النكاح.
6547 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ التَّيْمِىُّ، عَنْ أَبِى عُثْمَانَ، عَنْ أُسَامَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«قُمْتُ عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ فَكَانَ عَامَّةُ مَنْ دَخَلَهَا الْمَسَاكِينَ، وَأَصْحَابُ الْجَدِّ مَحْبُوسُونَ غَيْرَ أَنَّ أَصْحَابَ النَّارِ قَدْ أُمِرَ بِهِمْ إِلَى النَّارِ، وَقُمْتُ عَلَى بَابِ النَّارِ فَإِذَا عَامَّةُ مَنْ دَخَلَهَا النِّسَاءُ» .
وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا إسماعيل) بن إبراهيم ابن علية الإمام قال: (أخبرنا سليمان) بن طرخان أبو المعتمر (التيمي عن أبي عثمان) عبد الرَّحمن بن مل النهدي (عن أسامة) بن زيد بن حارثة رضي الله عنهما (عن النبي صلى الله عليه وسلم) أنه (قال):
(قمت على باب الجنة فكان عامة من دخلها المساكين) وفي الحديث السابق الفقراء وكل منهما يطلق على الآخر وضبط في اليونينية المساكين بفتح النون وهو سهو على ما لا يخفى (وأصحاب الجد) بفتح الجيم وتشديد الدال الغنى (محبوسون) ممنوعون من دخول الجنة مع الفقراء لأجل الحساب وكأن ذلك عند القنطرة التي يتعاقبون فيها بعد الجواز على الصراط (غير أن أصحاب النار قد أمر بهم إلى النار) وغير بمعنى لكن، والمراد الكفار أي يساق الكفار إلى النار
ويقف المؤمنون في العرصات للحساب والفقراء هم السابقون إلى الجنة لفقرهم (وقمت على باب النار فإذا عامة من دخلها النساء).
وهذا الحديث والذي قبله مسطوران بهامش الفرع لا رقم عليهما. وقال في الفتح: إنهما سقطًا من كثير من النسخ ومن مستخرجي الإسماعيلي وأبي نعيم ولا ذكر المزي في الأطراف طريق عثمان ولا طريق مسدد في كتاب الرقاق وهما ثابتان في رواية أبي ذر عن شيوخه الثلاثة.
6548 -
حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ أَسَدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ حَدَّثَهُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا صَارَ أَهْلُ الْجَنَّةِ إِلَى الْجَنَّةِ وَأَهْلُ النَّارِ إِلَى النَّارِ جِىءَ بِالْمَوْتِ، حَتَّى يُجْعَلَ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ ثُمَّ يُذْبَحُ، ثُمَّ يُنَادِى مُنَادٍ يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ لَا مَوْتَ، يَا أَهْلَ النَّارِ لَا مَوْتَ، فَيَزْدَادُ أَهْلُ الْجَنَّةِ فَرَحًا إِلَى فَرَحِهِمْ، وَيَزْدَادُ أَهْلُ النَّارِ حُزْنًا إِلَى حُزْنِهِمْ» .
وبه قال: (حدّثنا معاذ بن أسد) المروزي كاتب ابن المبارك قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك قال: (أخبرنا عمر بن محمد بن زيد) بضم العين (عن أبيه) محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب (أنه حدثه عن ابن عمر) رضي الله عنهما أنه (قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم):
(إذا صار أهل الجنة إلى الجنة وأهل النار إلى النار جيء بالموت) الذي هو عرض من الأعراض مجسمًا كما في تفسير سورة مريم في هيئة كبش أملح. قال التوربشتي: ليشاهدوه بأعينهم فضلاً أن يدركوه ببصائرهم، والمعاني إذا ارتفعت عن مدارك الأفهام واستعلت عن معارج النفوس لكبر شأنها صيغت لها قوالب من عالم الحس حتى تتصور في القلوب وتستقر في النفوس، ثم إن المعاني في الدار الآخرة تنكشف للناظرين انكشاف الصورة في هذه الدار الفانية فلذا جيء بالموت في هيئة كبش (حتى يجعل بين الجنة والنار) وفي الترمذي من حديث أبي هريرة فيوقف على السور الذي بين الجنة والنار (ثم يذبح) أي يذكر الذابح فقيل فيما نقله القرطبي عن بعض الصوفية أنه يحيى بن زكريا بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم إشارة إلى دوام الحياة وعن بعض التصانيف. قال في الفتح: وهو في تفسير إسماعيل بن أبي زياد الشامي أحد الضعفاء في آخر حديث الصور الطويل أنه جبريل عليه السلام. قال في المصابيح: على تقدير كونه الموت وليس فيهم من اسمه يحيى غيره، فالمناسبة فيه ظاهرة وعلى تقدير كونه جبريل فالمناسبة لاختصاصه بذلك لائحة أيضًا من حديث هو معروف بالروح الأمين، وليس في الملائكة من يطلق عليه ذلك غيره فجعل أمينًا على هذه القضية المهمة وتولى الذبح فكان في ذبح الروح للموت المضادّ لها مناسبة حسنة يمكن رعايتها والإشارة بها إلى بقاء كل روح من غير طروّ الموت عليها بشارة
للمؤمنين وحسرة على الكافرين (ثم ينادي منادٍ) أي أعرف اسمه (يا أهل الجنة لا موت يا) وللكشميهني ويا (أهل النار لا موت) بالبناء على الفتح فيهما (فيزداد أهل الجنة فرحًا إلى فرحهم ويزداد أهل النار حزنًا إلى حزنهم) بضم الحاء المهملة وسكون الزاي فيهما، ولأبي ذر حزنًا إلى حزنهم بفتح الحاء والزاي فيهما.
والحديث أخرجه مسلم في صفة أهل الجنة والنار.
6549 -
حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ أَسَدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ لأَهْلِ الْجَنَّةِ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ يَقُولُونَ: لَبَّيْكَ رَبَّنَا وَسَعْدَيْكَ، فَيَقُولُ: هَلْ رَضِيتُمْ؟ فَيَقُولُونَ: وَمَا لَنَا لَا نَرْضَى، وَقَدْ أَعْطَيْتَنَا مَا لَمْ تُعْطِ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، فَيَقُولُ: أَنَا أُعْطِيكُمْ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ، قَالُوا: يَا رَبِّ وَأَىُّ شَىْءٍ أَفْضَلُ مِنْ ذَلِكَ؟ فَيَقُولُ: أُحِلُّ عَلَيْكُمْ رِضْوَانِى، فَلَا أَسْخَطُ عَلَيْكُمْ بَعْدَهُ أَبَدًا» .
[الحديث 6549 - طرفه في: 7518].
وبه قال: (حدّثنا معاذ بن أسد) المروزي قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي قال: (أخبرنا مالك بن أنس) الأصبحي إمام دار الهجرة وسقط ابن أنس لأبي ذر (عن زيد بن أسلم) العدوي مولى عمر أبي عبد الله وأبي أسامة المدني (عن عطاء بن يسار) الهلالي مولى ميمونة (عن أبي سعيد) سعد بن مالك (الخدري) رضي الله عنه أنه (قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم):
(إن الله يقول) ولأبي ذر إن الله تبارك وتعالى يقول: (لأهل الجنة يا أهل الجنة يقولون) ولأبي ذر عن الكشميهني فيقولن (لبيك ربنا وسعديك فيقول) جل وعلا (هل رضيتم؟ فيقولون وما لنا لا نرضى وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدًا من خلقك فيقول) سبحانه وتعالى (أنا أعطيكم أفضل من ذلك. قالوا: يا رب وأيّ شيء أفضل من ذلك؟ فيقول) جل جلاله: (أحل) بضم الهمزة وكسر المهملة وتشديد اللام أي أنزل (عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبدًا) وفي حديث جابر عند البزار قال: رضواني أكبر.
قال في الفتح: وفيه تلميح بقوله تعالى: {ورضوان من الله أكبر} [التوبة: 72] لأن رضاه سبب كل فوز وسعادة وكل من علم أن سيده راض عنه كان أقر لعينه وأطيب لقلبه من كل نعيم لما في ذلك من التعظيم والتكريم انتهى. وهذا معنى ما قاله في الكشاف.
وقال الطيبي: أكبر أصناف الكرامة رؤية الله تعالى ونكر رضوان في التنزيل إرادة التقليل ليدل على أن شيئًا يسيرًا من الرضوان خير من الجنات وما فيها. قال صاحب المفتاح: والأنسب أن يحمل على التعظيم وأكبر على مجرد الزيادة مبالغة لوصفه بقوله من الله أي ورضوان عظيم يليق أن ينسب إلى من اسمه الله معطي الجزيل ومن عطاياه الرؤية وهي أكبر أصناف الكرامة، فحينئذ يناسب معنى الحديث الآية حيث أضافه إلى نفسه وأبرزه في صورة الاستعارة وجعل الرضوان كالجائزة للوفود النازلين على الملك الأعظم.
والحديث أخرجه البخاري أيضًا في التوحيد ومسلم والترمذي في صفة الجنة والنسائي في النعوت.
6550 -
حَدَّثَنِى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، عَنْ حُمَيْدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا يَقُولُ: أُصِيبَ حَارِثَةُ يَوْمَ بَدْرٍ وَهْوَ غُلَامٌ، فَجَاءَتْ أُمُّهُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ عَرَفْتَ مَنْزِلَةَ حَارِثَةَ مِنِّى فَإِنْ يَكُ فِى الْجَنَّةِ أَصْبِرْ وَأَحْتَسِبْ وَإِنْ تَكُنِ الأُخْرَى تَرَى مَا أَصْنَعُ؟ فَقَالَ: «وَيْحَكِ أَوَ هَبِلْتِ؟ أَوَ جَنَّةٌ وَاحِدَةٌ هِىَ؟ إِنَّهَا جِنَانٌ كَثِيرَةٌ وَإِنَّهُ لَفِى جَنَّةِ الْفِرْدَوْسِ» .
وبه قال: (حدثني) بالإفراد (عبد الله بن محمد) الجعفي البخاري يقال: إنه مولى المؤلّف ويعرف بالمسندي قال: (حدّثنا معاوية بن عمرو) بفتح العين ابن المهلب الأزدي يعرف بابن الكرماني المعنى بفتح الميم وسكون العين المهملة البغدادي قال: (حدّثنا أبو إسحاق) إبراهيم بن محمد الفزاري (عن حميد) بضم الحاء المهملة ابن أبي حميد الطويل البصري اختلف في اسم أبيه على نحو عشرة أقوال، ثقة مدلس توفي وهو قائم يصلّي أنه (قال: سمعت أنسًا) رضي الله عنه (يقول: أصيب) بضم الهمزة (حارثة) بحاء مهملة ومثلثة بن سراقة بن الحارث الأنصاري (يوم) وقعة (بدر وهو غلام فجاءت أمه) الربيع بالتشديد بنت النضر عمة أنس (إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله قد عرفت منزلة حارثة مني فإن يك في الجنة أصبر وأحتسب) بالجزم فيهما (وإن تكن الأخرى) بالفوقية وثبوت النون أي وإن لم يكن في الجنة (ترى ما أصنع)؟ من الحزن الشديد وترى بإشباع الراء وبعدها تحتية في الكتابة، ولأبي ذر عن الكشميهني: تر بغير تحتية مع القصر مجزوم (فقال) صلى الله عليه وسلم لها:
(ويحك) بفتح الواو وسكون التحتية بعدها حاء مهملة كلمة ترحم وإشفاق (أوَهبلتِ) بهمزة الاستفهام وواو العطف على مقدر وفتح الهاء وكسر الموحدة وسكون اللام أي أفقدت عقلك مما أصابك من الثكل بابنك حتى جهلت الجنة (أوَجنة واحدة هي)؟ بهمزة وواو العطف على مقدر أيضًا (إنها جنان كثيرة) في الجنة (وإنه) أي حارثة (لفي) ولأبي ذر عن الكشميهني في (جنة الفردوس) وهي
أعلاها درجة. والفردوس البستان الذي فيه الكروم والأشجار والجمع فراديس.
والحديث سبق بسنده ومتنه في باب فضل من شهد بدرًا من المغازي.
6551 -
حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ أَسَدٍ، أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا الْفُضَيْلُ، عَنْ أَبِى حَازِمٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«مَا بَيْنَ مَنْكِبَىِ الْكَافِرِ مَسِيرَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لِلرَّاكِبِ الْمُسْرِعِ» .
وبه قال: (حدّثنا معاذ بن أسد) المروزي قال: (أخبرنا الفضل بن موسى) السيناني بكسر المهملة وسكون التحتية وبنونين بينهما ألف أبو عبد الله المروزي قال: (أخبرنا الفضيل) بضم الفاء وفتح المعجمة هو ابن غزوان كما نسبه ابن السكن في روايته وليس هو الفضيل بن عياض وإن وقع في رواية أبي الحسن القابسي عن أبي زيد المروزي لأن ابن عياض لا رواية له عن أبي حازم
راوي هذا الحديث ولا أدركه كما قاله أبو علي الجياني (عن أبي حازم) سليمان الأشجعي الكوفي مولى عزة (عن أبي هريرة) رضي الله عنه (عن النبي صلى الله عليه وسلم) أنه (قال):
(ما بين منكبي الكافر) بفتح الميم وسكون النون وكسر الكاف وفتح الموحدة تثنية منكب مجتمع العضد والكتف (مسيرة ثلاثة أيام للراكب المسرع) ليعظم عذابه ويضاعف ألمه، وفي مسند الحسن بن سفيان من طريق يوسف بن عيسى عن الفضل بن موسى بسنده المذكور هنا خمسة أيام، وعند أحمد من حديث ابن عمر مرفوعًا: يعظم أهل النار في النار حتى أن بين شحمة أذن أحدهم إلى عاتقه مسيرة سبعمائة عام، وفي الزهد لابن المبارك بسند صحيح عن أبي هريرة: ضرس الكافر يوم القيامة أعظم من أُحد يعظمون لتمتلئ منهم وليذوقوا العذاب وحكمه الرفع لأنه لا مجال للرأي فيه والأخبار في ذلك كثيرة لا نطيل بسردها.
وحديث الباب أخرجه مسلم في صفة النار أعاذنا الله منها بوجهه الكريم، ومطابقته لما ترجم به البخاري هنا للجزء الثاني من كون منكبي الكافر وهذا المقدار في النار إذ هو نوع وصف من أوصافها باعتبار ذكر الحمل وإرادة الحال.
6552 -
وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا الْمُغِيرَةُ بْنُ سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، عَنْ أَبِى حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إِنَّ فِى الْجَنَّةِ لَشَجَرَةً يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِى ظِلِّهَا مِائَةَ عَامٍ لَا يَقْطَعُهَا» .
(قال) المؤلّف بالسند السابق إليه (وقال إسحاق بن إبراهيم) بن راهويه (أخبرنا المغيرة بن سلمة) المخزومي البصري قال: (حدّثنا وهيب) بضم الواو وفتح الهاء ابن خالد بن عجلان الباهلي مولاهم أبو بكر البصري (عن أبي حازم) هو سلمة بن دينار الأعرج المدني القاص مولى الأسود بن سفيان، وأما أبو حازم في الحديث السابق هو سليمان الأشجعي وهما مدنيان تابعيان ثقتان لكن سلمة أصغر من سلمان (عن سهل بن سعد) الساعدي رضي الله عنه (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم) أنه (قال):
(إن في الجنة لشجرة) بلام التأكيد وفي الترمذي من حديث أسماء بنت يزيد أنها سدرة المنتهى (يسير الراكب في ظلها) في ذراها وناحيتها (مائة عام لا يقطعها) أي لا ينتهي إلى آخر ما يميل من أغصانها.
6553 -
قَالَ أَبُو حَازِمٍ: فَحَدَّثْتُ بِهِ النُّعْمَانَ بْنَ أَبِى عَيَّاشٍ فَقَالَ: حَدَّثَنِى أَبُو سَعِيدٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ فِى الْجَنَّةِ لَشَجَرَةً يَسِيرُ الرَّاكِبُ الْجَوَادَ الْمُضَمَّرَ السَّرِيعَ مِائَةَ عَامٍ مَا يَقْطَعُهَا» .
(قال أبو حازم) سلمة بن دينار بالسند المذكور (فحدثت به) بالحديث المذكور (النعمان بن أبي عياش) بالتحتية والمعجمة الزرقي التابعي المدني (فقال: حدثني) ولأبي ذر أخبرني بالخاء المعجمة
وبالإفراد فيهما (أبو سعيد) الخدري رضي الله عنه (عن النبي صلى الله عليه وسلم) أنه (قال):
(إن في الجنة لشجرة يسير الراكب) الفرس (الجواد) بفتح الجيم والواو المخففة لأنه يحوز بالركض يقال: جاد الفرس إذا صار فائقًا والجمع جياد وأجواد، وقيل الجياد الطويلة الأعناق من الجيد، ولأبي ذر الجواد بالرفع صفة لراكب (المضمر) بضم الميم وفتح الضاد المعجمة والميم المشددة الذي يعلف حتى يسمن ثم يرد إلى القوت وذلك في أربعين ليلة ولأبي ذر أو المضمر بزيادة أو (السريع) في جريه (مائة عام ما يقطعها) والجواد وما بعده نصب في الفرع كأصله فالأول منصوب باسم الفاعل والمضمر اسم مفعول منصوب صفة للجواد وكذا السريع، وقال في الفتح: والجواد وما بعده في روايتنا بالرفع صفة للراكب، وضبط في صحيح مسلم بنصب الثلاثة على المفعولية، وقال في المصابيح وعند الأصيلي برفعها.
6554 -
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، عَنْ أَبِى حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لَيَدْخُلَنَّ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِى سَبْعُونَ أَوْ سَبْعُمِائَةِ أَلْفٍ» لَا يَدْرِى أَبُو حَازِمٍ أَيُّهُمَا قَالَ: «مُتَمَاسِكُونَ آخِذٌ بَعْضُهُمْ بَعْضًا لَا يَدْخُلُ أَوَّلُهُمْ حَتَّى يَدْخُلَ آخِرُهُمْ وُجُوهُهُمْ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ» .
وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال: (حدّثنا عبد العزيز عن) أبيه (أبي حازم) سلمة بن دينار (عن سهل بن سعد) الساعدي رضي الله عنه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال):
(ليدخلن الجنة من أمتي سبعون)
زاد أبو ذر ألفًا (أو) قال (سبعمائة ألف لا يدري أبو حازم) سلمة بن دينار (أيهما) بالرفع ولأبي ذر بالنصب أي سبعون ألفًا أو سبعمائة ألف (قال) سهل بن سعد: (متماسكون آخذ بعضهم بعضًا) معترضين صفًّا واحدًا (لا يدخل أولهم حتى يدخل آخرهم) وتقدير معترضين صفًّا واحدًا مزيل لما استشكل من قوله لا يدخل أولهم حتى يدخل آخرهم لاستلزامه الدور لأن دخول الأول موقوف على دخول الآخر وبالعكس، نعم هو على تقدير معترضين الخ، دور معية لكنه لا محذور فيه كما قاله في الكواكب، وفيه إشارة إلى سعة الباب الذي يدخلون منه (وجوههم على صورة القمر) المراد بالصورة الصفة أي أنهم في إشراق وجوههم على صفة القمر (ليلة البدر) عند تمامه وهي ليلة أربعة عشر ولأبي ذر عن الكشميهني على ضوء القمر.
والحديث سبق في الباب السابق قبل هذا.
6555 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَهْلٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ لَيَتَرَاءَوْنَ الْغُرَفَ فِى الْجَنَّةِ كَمَا تَتَرَاءَوْنَ الْكَوْكَبَ فِى السَّمَاءِ» .
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي قال: (حدّثنا عبد العزيز عن أبيه) أبي حازم سلمة بن دينار (عن سهل) هو ابن الساعدي (عن النبي صلى الله عليه وسلم) أنه (قال):
6556 -
قَالَ أَبِى فَحَدَّثْتُ النُّعْمَانَ بْنَ أَبِى عَيَّاشٍ فَقَالَ: أَشْهَدُ لَسَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ يُحَدِّثُ وَيَزِيدُ فِيهِ كَمَا تَرَاءَوْنَ الْكَوْكَبَ الْغَارِبَ فِى الأُفُقِ الشَّرْقِىِّ وَالْغَرْبِىِّ.
(إن أهل الجنة ليتراءون) بفتح اللام والتحتية والفوقية والهمزة لينظرون (الغرف في الجنة) بضم الغين المعجمة وفتح الراء جمع غرفة بضم ثم سكون (كما تتراءون) أنتم في الدنيا (الكوكب) زاد الإسماعيلي الدري (في السماء قال) عبد العزيز: قال (أبي) أبو حازم (فحدثت النعمان) ولأبي ذر: فحدثت به النعمان (بن أبي عياش) بالتحتية والمعجمة الزرقي (فقال: أشهد) والله (لسمعت أبا سعيد) الخدري رضي الله عنه (يحدث) ولأبي ذر عن الكشميهني يحدثه أي الحديث المذكور (ويزيد فيه: كما تراءون) بفوقية واحدة مفتوحة والهمزة (الكوكب الغارب) بتقديم الراء على الموحدة، ولأبي ذر عن الكشميهني: الغابر بتأخير الراء من الغبور يقال غبر الشيء غبورًا بقي. قال الأزهري: الغابر من الأضداد يطلق على الماضي والباقي والمعروف الكثير أنه بمعنى الباقي ومن معنى الباقي قوله في الحديث: إنه اعتكف العشر الغوابر من رمضان أي البواقي، وقال في المطالع: الغابر البعيد أو الذاهب الماضي كما في الرواية الأخرى الغارب والمعنى هنا كما تراءون الكوكب الباقي (في الأفق) وهو طرف السماء (الشرقي والغربي) بعد انتشار ضوء الفجر فإنما ينتشر في ذلك الوقت الكوكب المضيء، وضبطه بعضهم الغائر بتحتية مهموزة بين الألف والراء من الغور يريد انحطاطه في الجانب الغربي، وروي العازب بالعين المهملة والزاي ومعناه البعيد في الأفق وكلها راجعة إلى معنى واحد، وفائدة تقييد الكوكب بالدري ثم بالغابر في الأفق كما قال في شرح المشكاة: الإيذان بأنه من باب التمثيل منتزع من عدة أمور متوهمة في المشبه شبه رؤية الرائي في الجنة صاحب الغرفة برؤية الرائي الكوكب المستضيء الباقي في جانب المغرب والشرق في الاستضاءة مع البعد والرفعة، فلو قال: الغائر بالهمز لم يصح لأن الإشراق يفوت عند الغور اللهم إلا أن يؤول بالمستشرف على الغور كما في قوله تعالى: {فإذا بلغن أجلهن} [البقرة: 234] أي شارفن بلوغ الأجل، لكن لا يصح هذا المعنى في الجانب الشرقي نعم يصح إذا اعتبرته على طريقة علفتها تبنًا وماء باردًا أي طالعًا في الأفق من المشرق وغائرًا في المغرب، قال: وذكر الشرق والغرب، ولم يقل في السماء أي في كبدها لبيان الرفعة وشدة البعد.
6557 -
حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِى عِمْرَانَ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ - رضى الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى لأَهْوَنِ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ: لَوْ أَنَّ لَكَ مَا فِى الأَرْضِ مِنْ شَىْءٍ أَكُنْتَ تَفْتَدِى بِهِ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ. فَيَقُولُ: أَرَدْتُ مِنْكَ أَهْوَنَ مِنْ هَذَا وَأَنْتَ فِى صُلْبِ آدَمَ أَنْ لَا تُشْرِكَ بِى شَيْئًا فَأَبَيْتَ إِلَاّ أَنْ تُشْرِكَ بِى» .
وبه قال: (حدثني) بالإفراد (محمد بن بشار) بالشين المعجمة المشددة المعروف ببندار قال: (حدّثنا غندر) محمد بن جعفر قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن أبي عمران) عبد الملك بن حبيب الجوني بفتح الجيم وسكون الواو بعدها نون مكسورة أنه (قال: سمعت أنس بن مالك رضي الله عنه) سقط لأبي ذر: ابن مالك (عن النبي صلى الله عليه وسلم) أنه (قال):
(يقول الله تعالى لأهون أهل النار عذابًا يوم القيامة) بكسر لام لأهون وقيل إن أهون أهل النار هذا هو أبو طالب (لو أن لك ما في الأرض من شيء أكنت) بهمزة الاستفهام الاستخباري
وفتح التاء ولأبي ذر بضمها "تفتدي به" بالفاء من العذاب (فيقول نعم فيقول) الله تعالى (أردت منك أهون) أي أسهل (من هذا وأنت في صلب آدم) حين أخذت الميثاق (أن لا تشرك بي شيئًا فأبيت) فامتنعت حين أبرزتك إلى الدنيا (إلا أن تشرك بي) الاستثناء مفرّغ وإنما حذف المستثنى منه مع أنه كلام موجب لأن في الإباء معنى الامتناع فيكون نفيًا معنى أي ما اخترت إلا الشرك وظاهر قوله أردت منك يوافق مذهب المعتزلة لأن المعنى أردت منك التوحيد فخالفت مرادي وأتيت بالشرك. وأجيب: بأن الإرادة هنا بمعنى الأمر أي أمرتك فلم تفعل لأنه سبحانه وتعالى لم يكن في ملكه إلا ما يريد، وقال الطيبي: والأظهر أن تحمل الإرادة هنا على أخذ الميثاق في آية {وإذ أخذ ربك من بني آدم} [الأعراف: 172] لقرينة وأنت في صلب آدم ويحمل الإباء على نقض العهد.
والحديث سبق في باب قول الله تعالى: {وإذ قال ربك للملائكة} [البقرة: 30] من خلق آدم وفي باب من نوقش الحساب.
6558 -
حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ جَابِرٍ - رضى الله عنه - أَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ بِالشَّفَاعَةِ، كَأَنَّهُمُ الثَّعَارِيرُ» قُلْتُ: مَا الثَّعَارِيرُ؟ قَالَ: «الضَّغَابِيسُ» وَكَانَ قَدْ سَقَطَ فَمُهُ فَقُلْتُ لِعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ: أَبَا مُحَمَّدٍ سَمِعْتَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «يَخْرُجُ بِالشَّفَاعَةِ مِنَ النَّارِ» قَالَ: نَعَمْ.
وبه قال: (حدّثنا أبو النعمان) محمد بن الفضل السدوسي الحافظ عارم قال: (حدّثنا حماد) هو ابن زيد بن درهم الإمام أبو إسماعيل الأزدي (عن عمرو) بفتح العين ابن دينار (عن جابر) هو ابن عبد الله الأنصاري (رضي الله عنه) وعن أبيه (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال):
(يخرج من النار بالشفاعة) بحذف الفاعل. قال في الفتح: وثبت في رواية أبي ذر عن السرخسي يخرج قوم ولمسلم عن أبي الربيع الزهراني عن حماد بن زيد يخرج الله قومًا من النار بالشفاعة (كأنهم الثعارير) بمثلثة مفتوحة فعين مهملة وبعد الألف راءان بينهما تحتية ساكنة جمع ثعرور بضم أوله كعصفور صغار القثاء شبهوا بها لأن القثاء تمنى سريعًا وقيل هو رؤوس الطراثيث تكون بيضاء شبهوا ببياضها واحدها طرثوث وهو نبت يؤكل قال حماد (قلت) لعمرو: (ما) ولأبي
ذر عن الكشميهني وما (الثعارير؟ قال) عمرو: (الضغابيس) بالضاد والغين المعجمتين المفتوحتين وبعد الألف موحدة مكسورة فتحتية ساكنة فسين مهملة وهي صغار القثاء واحدتها ضعبوس، وقيل هي نبت ينبت في أصول الثمام يشبه الهليون يسلق بالخل والزيت ويؤكل، وقال أبو عبيد: ويقال الشعارير بالشين المعجمة بدل المثلثة، قال في الفتح: وكان هذا هو السبب في قول الراوي (وكان) عمرو (قد سقط فمه) أي سقطت أسنانه فنطق بها مثلثة وهي شين معجمة. قال الكرماني: ولذا لقب بالأثرم بالمثلثة وفتح الراء إذ الثرم انكسار الأسنان انتهى. وهذا التشبيه لصفتهم بعد أن ينبتوا وأما في أول خروجهم من النار فإنهم يكونون كالفحم كما يأتي إن شاء الله تعالى بعد، وقال حماد أيضًا (فقلت لعمرو بن دينار: أبا محمد) بحذف أداة النداء ولأبي ذر عن الكشميهني يا أبا محمد (سمعت) بهمزة الاستفهام المقدّرة أي أسمعت (جابر بن عبد الله) رضي الله عنهما (يقول: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول):
(يخرج بالشفاعة من النار) قوم؟ (قال: نعم) سمعته يقول ذلك وفيه إبطال مذهب المعتزلة القائلين بنفي الشفاعة للعصاة متمسكين بقوله تعالى: {فما تنفعهم شفاعة الشافعين} [المدثر: 48] وأجيب: بأنها في الكفار وقد تواترت الأحاديث في إثباتها.
والحديث أخرجه مسلم في الإيمان.
6559 -
حَدَّثَنَا هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«يَخْرُجُ قَوْمٌ مِنَ النَّارِ بَعْدَ مَا مَسَّهُمْ مِنْهَا سَفْعٌ، فَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ فَيُسَمِّيهِمْ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَهَنَّمِيِّينَ» . [الحديث 6559 - طرفه في 7450].
وبه قال: (حدّثنا هدبة بن خالد) بضم الهاء وسكون الدال المهملة بعدها موحدة مفتوحة فهاء تأنيث القيسي البصري الحافظ هداب قال: (حدّثنا همام) بفتح الهاء وتشديد الميم بعدها ألف فميم ابن يحيى العوذي الحافظ (عن قتادة) بن دعامة أنه قال: (حدّثنا أنس بن مالك) رضي الله عنه ولأبي ذر عن أنس (عن النبي صلى الله عليه وسلم) أنه (قال):
(يخرج قوم من النار بعد ما مسهم منها سفع) بفتح السين المهملة وسكون الفاء بعدها عين مهملة سواد فيه زرقة أو صفرة يقال: سفعته النار إذا لفحته فغيرت لون بشرته والسوافع لوائح السموم (فيدخلون الجنة فيسميهم أهل الجنة الجهنميين) بالتحتيتين بعد الميم، ولأبي ذر بتحتية واحدة، وفي حديث جابر عند ابن حبان والبيهقي فكتب في رقابهم عتقاء الله
من النار فيسمون فيها الجهنميين وقول بعض الشراح إن هذه التسمية ليست تنقيصًا لهم بل للاستذكار لنعمة الله ليزدادوا بذلك شكرًا يعارضه ما في مسلم من حديث أبي سعيد فيدعون الله فيذهب عنهم هذا الاسم.
وحديث الباب أخرجه أيضًا المؤلّف في التوحيد.
6560 -
حَدَّثَنَا مُوسَى، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ يَحْيَى، عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ - رضى الله عنه - أَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ وَأَهْلُ النَّارِ النَّارَ يَقُولُ اللَّهُ: مَنْ كَانَ فِى قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ فَأَخْرِجُوهُ، فَيُخْرَجُونَ قَدِ امْتُحِشُوا وَعَادُوا حُمَمًا، فَيُلْقَوْنَ فِى نَهَرِ الْحَيَاةِ فَيَنْبُتُونَ كَمَا تَنْبُتُ الْحِبَّةُ فِى حَمِيلِ السَّيْلِ» -أَوْ قَالَ حَمِيَّةِ السَّيْلِ - وَقَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم: «أَلَمْ تَرَوْا أَنَّهَا تَنْبُتُ صَفْرَاءَ مُلْتَوِيَةً» .
وبه قال: (حدّثنا موسى) بن إسماعيل أبو سلمة التبوذكي الحافظ قال: (حدثنا وهيب) بضم الواو مصغرًا ابن خالد الباهلي مولاهم الكرابيسي الحافظ قال: (حدّثنا عمرو بن يحيى) بفتح العين (عن أبيه) يحيى بن عمارة بضم العين المهملة وتخفيف الميم المازني (عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي) ولأبي ذر رسول الله (صلى الله عليه وسلم قال):
(إذا دخل أهل الجنة الجنة) أي فيها وعبّر بالمضارع العاري عن سين الاستقبال المتمحض للحال لتحقق وقوع الإدخال (و) يدخل (أهل النار النار) ثم بعد دخولهم فيها (يقول الله) تبارك وتعالى لملائكته (من كان في قلبه) زيادة على أصل التوحيد (مثقال حبة) أي مقدار حبة حاصلة (من خردل) حاصل (من إيمان) بالتنكير ليفيد التقليل والقلة هنا باعتبار انتفاء الزيادة على ما يكفي لا لأن الإيمان ببعض ما يجب الإيمان به كاف لأنه علم من عرف الشرع أن المراد الحقيقة المعهودة والإيمان ليس بجسم فيحصره الوزن، والمراد أنه يجعل عمل العبد وهو عرض في جسم على مقدار العمل عنده تعالى ثم يوزن أو تمثل الأعمال جواهر (فأخرجوه) من النار (فيخرجون) منها حال كونهم (قد امتحشوا) بضم الفوقية وكسر المهملة وضم المعجمة احترقوا (وعادوا حممًا) بضم الحاء المهملة وفتح الميم فحمًا (فيلقون) بضم التحتية وسكون اللام وفتح القاف (في نهر الحياة) بالفوقية بعد الألف ونهر الحياة هو الذي من غمس فيه حيي (فينبتون) بضم الموحدة ثانيًا (كما تنبت الحبة) بكسر الحاء المهملة وتشديد الموحدة بزر العشب أو البقلة الحمقاء لأنها تنبت سريعًا (في حميل السيل) بفتح الحاء المهملة وكسر الميم وسكون التحتية آخره لام فعيل بمعنى مفعول وهو ما جاء به من طين أو غثاء وغيره فإذا كانت فيه حبة واستقرت على شط بحر السيل فإنها تنبت في يوم وليلة فشبه بها سرعة عود أبدانهم وأجسامهم إليهم بعد إحراق النار لها (أو قال حمية) بفتح الحاء المهملة وكسر الميم وتشديد التحتية كذا في الفرع أي معظم جري السيل واشتداده، وقال الكرماني: الحمأة بالفتح وسكون الميم وبكسرها وبالهمزة الطين الأسود المنتن والشك من الراوي (وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ألم تروا) خطاب لكل من يتأتى منه الرؤية (أنها تنبت) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي تخرج حال كونها (صفراء) تسر الناظرين وحال كونها (ملتوية) أي منعطفة. وهذا مما يزيد الرياحين حسنًا باهتزازه وتميله والمعنى فمن كان في قلبه مثقال حبة من إيمان يخرج من ذلك الماء نضرًا متبخترًا كخروج هذه من جانب السيل صفراء متميلة. وقال النووي: لسرعة نباته يكون ضعيفًا ولضعفه يكون أصفر ملتويًا ثم بعد ذلك تشتد قوته.
والحديث مضى في باب تفاضل أهل الإيمان من كتاب الإيمان.
6561 -
حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ قَالَ: سَمِعْتُ النُّعْمَانَ، سَمِعْتُ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:«إِنَّ أَهْوَنَ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَرَجُلٌ تُوضَعُ فِى أَخْمَصِ قَدَمَيْهِ جَمْرَةٌ يَغْلِى مِنْهَا دِمَاغُهُ» . [الحديث 6561 - طرفه في: 6562].
وبه قال: (حدثني) بالإفراد (محمد بن بشار) بالموحدة والمعجمة المشددة ابن عثمان العبدي مولاهم الحافظ بندار قال: (حدّثنا غندر) محمد بن جعفر الهذلي مولاهم البصري الحافظ قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج الحافظ أبو بسطام العتكي (قال: سمعت أبا إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي (قال: سمعت النعمان) بن بشير الأنصاري رضي الله عنه يقول (سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول):
(إن أهون أهل النار عذابًا يوم القيامة لرجل) في مسلم إنه أبو طالب واللام بالفتح للتأكيد (توضع في أخمص قدميه) بضم الفوقية من توضع وفتح الهمزة والميم والصاد مهملة من أخمص وقدميه بالتثنية باطن قدميه الذي لا يصل إلى الأرض عند المشي (جمرة) في كل قدم (يغلي) بفتح التحتية وسكون المعجمة وكسر اللام (منها) من الجمرة (دماغه)
وفي مسلم من رواية الأعمش عن أبي إسحاق منه له نعلان وشراكان من نار يغلي منهما دماغه بالتثنية.
والحديث أخرجه مسلم في الإيمان والترمذي في صفة جهنم.
6562 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِى إِسْحَاقَ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِنَّ أَهْوَنَ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، رَجُلٌ عَلَى أَخْمَصِ قَدَمَيْهِ جَمْرَتَانِ يَغْلِى مِنْهُمَا دِمَاغُهُ كَمَا يَغْلِى الْمِرْجَلُ وَالْقُمْقُمُ» .
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن رجاء) الغداني البصري قال: (حدّثنا إسرائيل) بن يونس (عن) جده (أبي إسحاق) عمرو السبيعي (عن النعمان بن بشير) الأنصاري رضي الله عنه أنه (قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول):
(إن أهون أهل النار عذابًا يوم القيامة رجل) هو أبو طالب كما في مسلم وسبق (على أخمص قدميه) بالتثنية (جمرتان يغلي منهما دماغه) من حرارتهما (كما يغلي المرجل) بكسر الميم وسكون الراء وفتح الجيم بعدها لام القدر من النحاس أو من أي صنف كان (والقمقم) بقافين مضمومتين وميمين من آنية العطار أو إناء ضيق الرأس يسخن فيه الماء من نحاس وغيره فارسي معرّب، ولأبي ذر والأصيلي بالقمقم بالموحدة بدل واو العطف وصوب القاضي عياض كونه بالواو لا بالموحدة، وقال غيره: يحتمل أن تكون الباء بمعنى مع، وعند الإسماعيلي كما يغلي المرجل أو القمقم بالشك، وقال السهيلي: من باب النظر في حكمة الله تعالى ومشاكلة الجزاء للعمل أن أبا طالب
كان مع رسول الله-صلى الله عليه وسلم بجملته متحزبًا له إلا أنه كان متثبتًا بقدمه على ملّة عبد المطلب حتى قال عند الموت: إنه على ملة عبد المطلب فسلّط الله تعالى العذاب على قدميه خاصة لتثبيته إياهما على ملة آبائه وسند هذا المتن أعلى من سند السابق، لكن في العالي عنعنة أبي إسحاق السبيعي، وفي النازل تصريحه بالسماع فانجبر ما فاته من العلو الحسي بالعلو المعنوي.
6563 -
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ خَيْثَمَةَ، عَنْ عَدِىِّ بْنِ حَاتِمٍ أَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم ذَكَرَ النَّارَ فَأَشَاحَ بِوَجْهِهِ فَتَعَوَّذَ مِنْهَا، ثُمَّ ذَكَرَ النَّارَ فَأَشَاحَ بِوَجْهِهِ فَتَعَوَّذَ مِنْهَا، ثُمَّ قَالَ:«اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ» .
وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) أبو أيوب الواشحي البصري قاضي مكة قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن عمرو) بفتح العين ابن مرة بضم الميم وتشديد الراء ابن عبد الله بن طارق الجملي بفتح الجيم والميم الكوفي الأعمى (عن خيثمة) بخاء معجمة مفتوحة فتحتية ساكنة فمثلثة مفتوحة فتاء تأنيث ابن عبد الرَّحمن الجعفي (عن عدي بن حاتم) الطائي الجواد ابن الجواد الصحابي الشهير رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر النار فأشاح) بالفاء والهمزة والشين المعجمة بعدها ألف فحاء مهملة (بوجهه) صرفه أو حذر منها كأنه ينظر إليها (فتعوّذ منها ثم ذكر النار فأشاح بوجهه فتعوّذ منها ثم قال):
(اتقوا النار) بالتصدّق (ولو بشق تمرة) بكسر الشين المعجمة (فمن لم يجد) صدقة (فبكلمة طيبة).
وسبق الحديث في باب من نوقش الحساب عذب.
6564 -
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى حَازِمٍ وَالدَّرَاوَرْدِىُّ، عَنْ يَزِيدَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَبَّابٍ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ - رضى الله عنه - أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَذُكِرَ عِنْدَهُ عَمُّهُ أَبُو طَالِبٍ فَقَالَ: لَعَلَّهُ تَنْفَعُهُ شَفَاعَتِى يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُجْعَلُ فِى ضَحْضَاحٍ مِنَ النَّارِ يَبْلُغُ كَعْبَيْهِ يَغْلِى مِنْهُ أُمُّ دِمَاغِهِ.
وبه قال: (حدّثنا إبراهيم بن حمزة) بالحاء المهملة والزاي أبو إسحاق الزبيري بالراء المدني قال: (حدّثنا ابن أبي حازم) هو عبد العزيز بن أبي حازم سلمة بن دينار (والدراوردي) بفتح الدال والراء بعد الألف واو مفتوحة فراء ساكنة فدال مهملة مكسورة فتحتية مشددة عبد العزيز بن محمد ودراورد قرية من قرى خراسان (عن يزيد) بن عبد الله بن الهاد (عن عبد الله بن خباب) بفتح الخاء المعجمة وتشديد الموحدة الأولى بعدها ألف الأنصاري (عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر) ولأبي ذر يقول وذكر (عنده عمه أبو طالب) عبد مناف شقيق عبد الله أبي النبي صلى الله عليه وسلم (فقال) صلى الله عليه وسلم:
(لعله تنفعه شفاعتي يوم القيامة فيجعل) بالرفع والنصب (في ضحضاح من النار يبلغ كعبيه) بالتثنية والضحضاح بضادين معجمتين مفتوحتين وحاءين مهملتين أولاهما ساكنة ما رق من الماء على وجه الأرض إلى نحو الكعبين فاستعير للنار (يغلي منه) من الضحضاح ولأبي ذر عن الكشميهني منها أي من النار (أمّ دماغه) أصله وما به قوامه أو جلدة رقيقة تحيط بالدماغ.
واستشكل قوله عليه الصلاة والسلام تنفعه شفاعتي مع قوله تعالى: {فما تنفعهم شفاعة الشافعين} [المدثر: 48] وأجيب: بأن منفعة الآية بالإخراج من النار وفي الحديث بالتخفيف أو يخص عموم الآية بالحديث، أو أن أبا طالب لما بالغ في إكرام النبي صلى الله عليه وسلم والذب عنه جوزي بالتخفيف وأطلق على ذلك
شفاعة أو أن جزاء الكافر من العذاب يقع على كفره وعلى معاصيه، فيجوز أن يضع الله عن بعض الكفار بعض جزاء معاصيه تطييبًا لقلب الشافع لا ثوابًا للكافر لأن حسناته صارت بموته على الكفر هباء منثورًا لكنهم قد يتفاوتون فمن كانت له حسنات من عتق أو مواساة مسلم ليس كمن ليس له ذلك، فيحتمل أن يجازى بالتخفيف بمقدار ما عمل لكنه معارض بقوله تعالى:{ولا يخفف عنهم من عذابها} [فاطر: 36].
والحديث سبق في باب قصة أي طالب.
6565 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ - رضى الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «يَجْمَعُ اللَّهُ النَّاسَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَقُولُونَ، لَوِ اسْتَشْفَعْنَا عَلَى رَبِّنَا حَتَّى يُرِيحَنَا مِنْ مَكَانِنَا فَيَأْتُونَ آدَمَ فَيَقُولُونَ: أَنْتَ الَّذِى خَلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِهِ، وَنَفَخَ فِيكَ مِنْ رُوحِهِ وَأَمَرَ الْمَلَائِكَةَ فَسَجَدُوا لَكَ، فَاشْفَعْ لَنَا عِنْدَ رَبِّنَا فَيَقُولُ: لَسْتُ هُنَاكُمْ وَيَذْكُرُ خَطِيئَتَهُ وَيَقُولُ ائْتُوا نُوحًا أَوَّلَ رَسُولٍ بَعَثَهُ اللَّهُ فَيَأْتُونَهُ فَيَقُولُ: لَسْتُ هُنَاكُمْ وَيَذْكُرُ خَطِيئَتَهُ، ائْتُوا إِبْرَاهِيمَ الَّذِى اتَّخَذَهُ اللَّهُ خَلِيلاً، فَيَأْتُونَهُ فَيَقُولُ: لَسْتُ هُنَاكُمْ وَيَذْكُرُ خَطِيئَتَهُ، ائْتُوا مُوسَى الَّذِى كَلَّمَهُ اللَّهُ فَيَأْتُونَهُ فَيَقُولُ: لَسْتُ هُنَاكُمْ فَيَذْكُرُ خَطِيئَتَهُ، ائْتُوا عِيسَى فَيَأْتُونَهُ فَيَقُولُ: لَسْتُ هُنَاكُمْ ائْتُوا مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم فَقَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ فَيَأْتُونِى فَأَسْتَأْذِنُ عَلَى رَبِّى، فَإِذَا رَأَيْتُهُ وَقَعْتُ سَاجِدًا، فَيَدَعُنِى مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ يُقَالُ: ارْفَعْ رَأْسَكَ سَلْ تُعْطَهْ وَقُلْ يُسْمَعْ وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ فَأَرْفَعُ رَأْسِى فَأَحْمَدُ رَبِّى بِتَحْمِيدٍ يُعَلِّمُنِى، ثُمَّ أَشْفَعُ فَيَحُدُّ لِى حَدًّا ثُمَّ أُخْرِجُهُمْ مِنَ النَّارِ، وَأُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ ثُمَّ أَعُودُ، فَأَقَعُ سَاجِدًا مِثْلَهُ فِى الثَّالِثَةِ أَوِ الرَّابِعَةِ حَتَّى مَا بَقِىَ فِى النَّارِ، إِلَاّ مَنْ حَبَسَهُ الْقُرْآنُ» وَكَانَ قَتَادَةُ يَقُولُ: عِنْدَ هَذَا أَىْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْخُلُودُ.
وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري (عن قتادة) بن دعامة (عن أنس رضي الله عنه) أنه (قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم):
(يجمع الله الناس يوم القيامة) ولأبي ذر عن المستملي: جمع الله بلفظ الماضي والأول هو المعتمد وفي حديث أبي هريرة يجمع الله الناس الأولين والآخرين في صعيد واحد يسمعهم الداعي وينفذهم الصبر وتدنو الشمس من رؤوسهم فيشتد عليهم حرّها (فيقولون) من الضجر والجزع مما هم فيه (لو استشفعنا على) بالعين ضمن استشفع معنى الاستعانة يعني لو استعنا على (ربنا) لأن الاستشفاع طلب الشفاعة وهي انضمام الأدنى إلى الأعلى ليستعين به على ما يرويه وفي رواية هشام الدستوائي السابقة في سورة البقرة إلى ربنا (حتى يريحنا) بالحاء المهملة من الإراحة أي يخلصنا (من مكاننا) وما فيه من الأهوال ولو هي المتضمنة للتمني والطلب فلا تحتاج إلى جواب أو جوابها محذوف (فيأتون آدم) عليه السلام وقدموه لأنه الأول (فيقولون) له بعثًا له على أن يشفع لهم (أنت الذي خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه) زاد همام في روايته الآتية إن شاء الله تعالى في كتاب التوحيد وأسكنك جنته وعلمك أسماء كل شيء ووضع شيء موضع أشياء أي المسميات كقوله تعالى: {وعلم آدم الأسماء كلها} [البقرة: 31] أي أسماء المسميات (وأمر الملائكة) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: وأمر ملائكته (فسجدوا لك) سجود خضوع لا سجود عبادة (فاشفع لنا عند ربنا) حتى يريحنا من مكاننا هذا (فيقول) آدم (لست هناكم) بضم الهاء وتخفيف النون أي لست في المكان والمنزل الذي تحسبونني يريد به مقام الشفاعة (ويذكر خطيئته التي أصابها) وهي أكله من الشجرة التي نهي عنها قاله تواضعًا واعتذارًا من التقاعد عن الإجابة وإعلامًا بأنها لم تكن له (ويقول) لهم (ائتوا نوحًا) عليه السلام وسقط ويقول لأبي ذر (أول رسول بعثه الله) أي بعد آدم وشيث إدريس أو الثلاثة كانوا أنبياء ولم يكونوا رسلاً نعم كان آدم مرسلاً وأنزل على شيث الصحف وهو من علامة الإرسال أو رسالة آدم لبنيه وهم موحدون ليعلمهم شريعته ورسالة نوح للكفار ليدعوهم إلى التوحيد (فيأتونه فيقول) لهم (لست هناكم ويذكر خطيئته) وهي سؤاله ربه ما ليس له به علم وهو قوله: {رب إن ابني من أهلي} [هود: 45](ائتوا إبراهيم الذي اتخذه الله خليلاً فيأتونه فيقول) لهم (لست هناكم ويذكر خطيئته) زاد مسلم التي أصاب فيستحيي من ربه وفي رواية همام: إني كذبت ثلاث كذبات وزاد سفيان قوله {إني سقيم} [الصافات: 89] وقوله: {بل فعله كبيرهم} [الأنبياء: 63] قوله لامرأته: أخبريه أني أخوك، وهذه الثلاثة من المعاريض إلا أنهما لما كانت صورتها صورة الكذب أشفق منها (ائتوا موسى الذي كلمه الله) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي كلم الله (فيأتونه فيقول) لهم (لست هناكم) وسقط لأبي ذر قوله فيقول لست هناكم (فيذكر خطيئته) وهي أنه قتل نفسًا لم يؤمر بقتلها (ائتوا عيسى فيأتونه فيقول) لهم (لست هناكم) ولم يذكر ذنبًا لكن وقع في رواية أبي نضرة عن أبي سعيد: إني عبدت من دون الله رواه مسلم (ائتوا محمدًا صلى الله عليه وسلم) وفي كشف علوم الآخرة للغزالي: إن بين إتيان أهل الموقف آدم وإتيانهم نوحًا ألف سنة وكذا بين
كل نبي ونبي. قال في الفتح: ولم أقف لذلك على أصل ولقد أكثر من هذا الكتاب من إيراد أحاديث لا أصل لها فلا يغتر بشيء منها انتهى.
وتعقبه العيني بأن جلالة قدر الغزالي تنافي ما ذكره وعدم وقوفه على أصل لذلك لا يستلزم
نفي وقوف غيره لذلك على أصل فإنه لم يحط علمًا بكل ما ورد حتى يدعي هذه الدعوى انتهى.
وأجاب في انتقاض الاعتراض بأن جلالة الغزالي لا تنافي أنه يحسن الظن ببعض الكتب فينقل منها ويكون ذلك المنقول غير ثابت كما وقع له ذلك في الإحياء في نقله من قوت القلوب كما نبه على ذلك غير واحد من الحفّاظ وقد اعترف هو بأن بضاعته في الحديث مزجاة. قال ابن حجر: ولم أدّع أني أحطت علمًا وإنما نفيت اطّلاعي وإطلاقي في الثاني محمول على تقييدي في الأول والحكم لا يثبت بالاحتمال فلو كان هذا المعترض يعني العيني اطّلع على شيء من ذلك يخالف قولي لأبرزه وتبجح به انتهى.
وقد ألهم الله تعالى الناس سؤال آدم ومن بعده في الابتداء ولم يلهموا سؤال نبينا محمد صلى الله عليه وسلم مع أن فيهم من سمع هذا الحديث منه صلى الله عليه وسلم وتحقق اختصاصه بذلك إظهارًا لفضيلة نبينا صلى الله عليه وسلم ورفعة منزلته وكمال قربه وتفضيله على جميع المخلوقين. (فقد غفر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخر) ما وقع عن سهو وتأويل أو ما كان الأولى تركه أو أنه مغفور له غير مؤاخذ لو وقع منه. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فيأتوني) زاد في رواية سعيد بن أبي هلال المذكورة في التوحيد فأقول أنا لها أنا لها (فأستأذن على ربي) زاد همام في داره فيؤذن لي أي في دخول الدار وهي الجنة وأضيفت إليه تعالى إضافة تشريف (فإذا رأيته) تعالى (وقعت) له حال كوني (ساجدًا) وفي رواية أبي بكر عند أبي عوانة فآتي تحت العرش فأقع ساجدًا لربي (فيدعني) في السجود (ما شاء الله) زاد مسلم أن يدعني وسقطت الجلالة الشريفة لأبي ذر وفي حديث عبادة بن الصامت عند الطبراني فإذا رأيته خررت له ساجدًا شكرًا له (ثم يقال ارفع) ولأبي ذر ثم يقال لي ارفع (رأسك) وفي رواية النضر بن أنس عند أحمد فأوحى الله إلى جبريل أن اذهب إلى محمد فقل له ارفع رأسك (سل تعطه) بغير واو ولا همز (قل يسمع) بغير واو أيضًا نعم في اليونينية وقل بإثباتها (واشفع تشفع) أي تقبل شفاعتك (فأرفع رأسي فأحمد رب بتحميد يعلمني) وفي رواية ثابت عند أحمد بمحامد لم يحمده بها أحد قبلي ولا يحمده أحد بعدي (ثم اشفع) في الإراحة من كرب الموقف ثم في الإخراج من النار بعد التحوّل من الموقف والمرور على الصراط وسقوط من يسقط حينئذ في النار (فيحدّ لي) بفتح التحتية وضم الحاء المهملة أي يبين لي كل طور من أطوار الشفاعة (حدًّا) أقف عنده فلا أتعداه مثل أن يقول شفعتك فيمن أخلّ بالجماعة ثم فيمن أخلّ بالصلاة ثم فيمن شرب الخمر ثم فيمن زنى وعلى هذا الأسلوب قاله في شرح المشكاة عن التوربشتي. قال في الفتح: والذي يدل عليه سياق الأخبار أن المراد به تفصيل مراتب المخرجين في الأعمال الصالحة كما وقع عند أحمد عن يحيى القطان عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة في هذا الحديث بعينه (ثم أخرجهم من النار وأدخلهم الجنة ثم أعود فأقع) حال كوني (ساجدًا مثله) أي مثل الأول (في) المرة (الثالثة أو الرابعة) بالشك من الراوي (حتى) أقول يا رب (ما بقي) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي ما يبقى (في النار إلا من حبسه) فيها (القرآن وكان) بالواو
ولأبي ذر فكان (قتادة) بن دعامة (يقول عند هذا) القول وهو من حبسه القرآن (أي وجب عليه الخلود) بنحو قول الله تعالى {إن الله لا يغفر أن يشرك به} [النساء: 48] والحديث سبق في أول سورة البقرة.
6566 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ ذَكْوَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو رَجَاءٍ، حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ - رضى الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«يَخْرُجُ قَوْمٌ مِنَ النَّارِ بِشَفَاعَةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، فَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُسَمَّوْنَ الْجَهَنَّمِيِّينَ» .
وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن الحسن بن ذكوان) أبي سلمة البصري صدوق يخطئ ورمي بالقدر لكنه ليس له في البخاري سوى هذا الحديث من رواية يحيى القطان عنه مع تعنته في الرجال ومع ذلك فهو
متابعة قال: (حدّثنا أبو رجاء) عمران العطاردي قال: (حدّثنا) بالجمع ولأبي ذر حدثني (عمران بن حصين رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم) أنه (قال):
(يخرج قوم من النار بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم فيدخلون الجنة يسمون) بفتح الميم المشددة (الجهنميين) في حديث أبي سعيد فيخرجون كاللؤلؤ وفي رقابهم الخواتم فيقول أهل الجنة: هؤلاء عتقاء الرحمن أدخلهم الجنة بغير عمل.
وحديث الباب أخرجه الترمذي في صفة النار وأبو داود في السُّنّة وابن ماجة في الزهد.
6567 -
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ أُمَّ حَارِثَةَ أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَقَدْ هَلَكَ حَارِثَةُ يَوْمَ بَدْرٍ أَصَابَهُ غَرْبُ سَهْمٍ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ عَلِمْتَ مَوْقِعَ حَارِثَةَ مِنْ قَلْبِى، فَإِنْ كَانَ فِى الْجَنَّةِ لَمْ أَبْكِ عَلَيْهِ، وَإِلَاّ سَوْفَ تَرَى مَا أَصْنَعُ، فَقَالَ لَهَا:«هَبِلْتِ أَجَنَّةٌ وَاحِدَةٌ هِىَ؟ إِنَّهَا جِنَانٌ كَثِيرَةٌ، وَإِنَّهُ فِى الْفِرْدَوْسِ الأَعْلَى» .
وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال: (حدّثنا إسماعيل بن جعفر) أي ابن أبي كثير الأنصاري الزرقي أبو إسحاق القاري (عن حميد) الطويل البصري مولى طلحة الطلحات (عن أنس) رضي الله عنه (أن أم حارثة) الربيع بالتصغير بنت النضر عمة أنس بن مالك وحارثة هو ابن سراقة بن الحارث بن عدي الأنصاري (أتت رسول الله) ولأبي ذر النبي (صلى الله عليه وسلم وقد هلك حارثة يوم بدر) وقال ابن منده: يوم أُحد والأول هو المشهور المعتمد (أصابه غرب سهم) بفتح الغين المعجمة وسكون الراء مضافًا لسهم، ولأبي ذر عن الكشميهني سهم غرب بتقديم سهم مع التنوين على الصفة أي لا يدرى من رماه (فقالت: يا رسول الله قد علمت موقع حارثة) ولأبي ذر عن الكشميهني موضع حارثة (من قلبي فإن كان في الجنة لم أبك عليه وإلاّ سوف ترى ما أصنع فقال) صلى الله عليه وسلم: (لها):
6568 -
(هبلت) في اليونينية بكسر الهاء ولأبي ذر بضمها وفتحها وكسر الموحدة وسكون اللام: فقدت عقلك استفهام حذفت منه الأداة (أجنة واحدة هي إنها جنان كثيرة وإنه في) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي لفي (الفردوس الأعلى وقال) صلى الله عليه وسلم: (غدوة) بفتح الغين (في سبيل الله أو روحة) بفتح الراء (خير من الدنيا وما فيها ولقاب قوس أحدكم) بلام مفتوحة للتأكيد والقاف بعدها ألف فموحدة أي قدر قوس أحدكم (أو موضع قدم من الجنة) ولأبي ذر عن الكشميهني: قدمه بالإضافة، وله عن الحموي والمستملي قدمه بكسر القاف وفتحها وتشديد الدال المهملة أي مقدار سوطه لأنه يقد أي يقطع طولاً (خير من الدنيا وما فيها) من متاعها (ولو أن امرأة من نساء أهل الجنة اطّلعت) بهمزة الوصل وتشديد الطاء المهملة (إلى الأرض لأضاءت ما بينهما) بين السماء والأرض (ولملأت ما بينهما ريحًا) طيبة (ولنصيفها) بفتح اللام للتأكيد والنون وكسر الصاد المهملة بعدها تحتية ساكنة ثم فاء قال قتيبة راويه:(-يعني الخمار-) بكسر الخاء المعجمة وتخفيف الميم ما تغطي به رأسها (خير من الدنيا وما فيها) من متاعها وقيل النصيف المعجز وهو بكسر الميم وسكون العين المهملة وفتح الجيم وهو ما تلويه المرأة على رأسها، وقال الأزهري: هو كالعصابة تلفه على استدارة رأسها، وعند ابن أبي الدنيا من حديث ابن عباس، ولو أخرجت نصيفها لكانت الشمس عند حسنها مثل الفتيلة من الشمس لا ضوء لها ولو أطلعت وجهها لأضاء حسنها ما بين السماء والأرض، ولو أخرجت كفها لافتتن الخلائق بحسنها.
فإن قلت: ما وجه الربط بين قوله غدوة في سبيل الله أو روحة وبين قوله: ولقاب قوس أحدكم الخ؟ أجيب: بأن المراد أن ثواب غدوة في سبيل الله خير من الدنيا وما فيها لأن ثوابها جنة نصيف امرأة منها خير من الدنيا وما فيها.
6569 -
حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم: «لَا يَدْخُلُ أَحَدٌ الْجَنَّةَ إِلَاّ أُرِىَ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ، لَوْ أَسَاءَ لِيَزْدَادَ شُكْرًا وَلَا يَدْخُلُ النَّارَ أَحَدٌ إِلَاّ أُرِىَ مَقْعَدَهُ مِنَ الْجَنَّةِ، لَوْ أَحْسَنَ لِيَكُونَ عَلَيْهِ حَسْرَةً» .
وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة قال: (حدّثنا أبو الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرَّحمن بن هرمز (عن أبي هريرة) رضي الله عنه أنه (قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم):
(لا يدخل أحد الجنة إلا أري) بضم الهمزة وكسر الراء (مقعده) بالنصب مفعول أري (من النار ولو أساء) أي ولو عمل في الدنيا عملاً سيئًا بأن كفر (ليزداد شكرًا).
واستشكل بأن الجنة ليست دار شكر بل دار جزاء. وأجيب: بأن الشكر ليس على سبيل التكليف بل على سبيل التلذذ أو المراد ليزداد فرحًا ورضًا فعبّر عنه بلازمه
لأن الراضي بالشيء يشكر من فعل له ذلك.
(ولا يدخل النار أحد) ولأبي ذر عن الكشميهني: أحد النار (إلا أري مقعده من الجنة لو أحسن) لو عمل عملاً حسنًا وهو الإسلام (ليكون عليه حسرة) زيادة على تعذيبه. قال في الفتح: وقع عند ابن ماجة بسند صحيح من طرق أخرى عن أبي هريرة أن ذلك يقع عند المسألة في القبر وفيه: فيفرج له فرجة قبل النار فينظر إليها فيقال له: انظر إلى ما وقال الله. وفي حديث أبي سعيد عند الإمام أحمد يفتح له باب إلى النار فيقول: هذا منزلك لو كفرت بربك فأما إذا آمنت فهذا منزلك فيفتح له باب إلى الجنة فيريد أن ينهض إليه فيقول له: اسكن ويفسح له في قبره.
ومطابقة حديث الباب لما ترجم له من حيث كون المقعدين فيهما نوع صفة لهما.
6570 -
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِى سَعِيدٍ الْمَقْبُرِىِّ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - أَنَّهُ قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ فَقَالَ: «لَقَدْ ظَنَنْتُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أَنْ لَا يَسْأَلَنِى عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَحَدٌ أَوَّلُ مِنْكَ، لِمَا رَأَيْتُ مِنْ حِرْصِكَ عَلَى الْحَدِيثِ أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِى يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَاّ اللَّهُ خَالِصًا مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ» .
وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) سقط لأبي ذر ابن سعيد قال: (حدّثنا إسماعيل بن جعفر) الزرقي الأنصاري أبو إسحاق القاري (عن عمرو) بفتح العين ابن أبي عمرو بفتح العين أيضًا مولى المطلب بن عبد الله بن حنطب (عن سعيد بن أبي سعيد) بكسر العين فيهما واسم أبي سعيد كيسان (المقبري عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قلت يا رسول الله من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة)؟ قال في فتح الباري: لعل أبا هريرة سأل عن ذلك عند قوله صلى الله عليه وسلم: وأريد أن أختبئ دعوتي لأمتي في الآخرة (فقال) صلى الله عليه وسلم:
والله (لقد ظننت يا أبا هريرة أن لا يسألني) أن هي المخففة من الثقيلة (عن هذا الحديث أحد أول منك) برفع أول صفة لأحد أو هو خبر مبتدأ محذوف أي هو أول وبفتحها لأبي ذر على الظرفية وقال العيني على الحال (لما رأيت) للذي رأيته (من حرصك على الحديث) من بيانية أو لرؤيتي بعض حرصك فمن تبعيضية (أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال: لا إله إلا الله خالصًا) من الشرك (من قبل نفسه) بكسر القاف وفتح الموحدة أي من جهة نفسه مختارًا طائعًا وأسعد هنا هل هي على بابها من التفضيل أو هي بمعنى فعيل يعني سعيد الناس، وعلى الأول فالمعنى سعد ممن لم يكن في هذه المرتبة من الإخلاص المؤكد البالغ غايته لقوله من قلبه إذ الإخلاص معدنه القلب ففائدته التأكيد لأن إسناد الفعل إلى الجارحة أبلغ في التأكيد تقول: إذا
أردت التأكيد أبصرته عيني وسمعته أذني، والمراد بالشفاعة هنا بعض أنواعها وهي التي يقول فيها صلى الله عليه وسلم:"أمتي أمتي" فيقال له أخرج من في قلبه وزن كذا من إيمان فأسعد الناس بهذه الشفاعة من يكون إيمانه أكمل ممن دونه، وأما الشفاعة العظمى في الإراحة من كرب الموقف فأسعد الناس بها من سبق إلى الجنة وهم الذين يدخلونها بغير حساب ثم الذين يدخلونها بغير عذاب بعد الحساب واستحقاق العذاب، ثم من يصيبهم لفح من النار ولا يسقطون فيها. والشفاعات كما قال عياض خمس:
الأولى: العظمى وهي لإراحة الناس من هول الموقف وهي مختصة بنبينا صلى الله عليه وسلم. قال النووي: قيل وهي المقام المحمود، وقال الطبراني: قال أكثر أهل التأويل: المقام المحمود هو الذي يقومه صلى الله عليه وسلم ليريحهم من كرب الموقف لحديث ابن عباس المقام المحمود الشفاعة، وحديث أبي هريرة في قوله تعالى:{عسى أن يبعثك ربك مقامًا محمودًا} [الإسراء: 79] قال: سئل عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال: هي الشفاعة.
الثانية: في إدخال قوم الجنة بغير حساب، وهذه وردت أيضًا في نبينا صلى الله عليه وسلم، واستدلّ لها بقوله تعالى في جواب قوله صلى الله عليه وسلم أمتي أمتي أدخل الجنة من أمتك من لا حساب عليه، أو الدليل عليها سؤاله صلى الله عليه وسلم الزيادة على السبعين ألفًا الذين يدخلون الجنة بغير حساب فأجيب.
الثالثة: في إدخال قوم حوسبوا فاستحقوا العذاب أن لا يعذبوا.
الرابعة: فيمن دخل النار من المذنبين فقد جاءت الأحاديث بإخراجهم من النار بشفاعته صلى الله عليه وسلم وغيره.
الخامسة: في زيادة الدرجات في الجنة
لأهلها، وأشار النووي في روضته إلى أن هذه من خصائصه وزاد عياض سادسة وهي التخفيف عن أبي طالب كما سبق وزاد غيره سابعة وهي الشفاعة لأهل المدينة لحديث الترمذي عن أبي هريرة رفعه:"من استطاع أن يموت بالمدينة فليفعل فإني أشفع لمن مات بها". قال في الفتح: وهذه غير واردة لأن متعلقها لا يخرج عن واحدة من الخمس الأول، وفي العروة الوثقى للقزويني شفاعته لجماعة من الصلحاء في التجاوز عن تفصيرهم ولعلها تندرج في الخامسة، وزاد القرطبي أنه أول شافع في دخول أمته الجنة قبل الناس، وزاد صاحب الفتح الشفاعة فيمن استوت حسناته وسيئاته أن يدخل الجنة لحديث ابن عباس عند الطبراني قال: السابق يدخل الجنة بغير حساب، والمقتصد برحمة الله، والظالم لنفسه، وأصحاب الأعراف يدخلونها بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم، وأصحاب الأعراف قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم على الأرجح وشفاعته فيمن قال: لا إله إلا الله ولم يعمل خيرًا قط. قال: فالوارد على الخمسة أربعة وما عداها لا يرد كما لا ترد الشفاعة في التخفيف عن صاحبي المقبرين وغير ذلك لكونه من جملة أحوال الدنيا اهـ ملخصًا.
وحديث الباب سبق في باب الحرص على الحديث في كتاب العلم.
6571 -
حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبِيدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ - رضى الله عنه - قَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم:«إِنِّى لأَعْلَمُ آخِرَ أَهْلِ النَّارِ خُرُوجًا مِنْهَا، وَآخِرَ أَهْلِ الْجَنَّةِ دُخُولاً رَجُلٌ يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ كَبْوًا، فَيَقُولُ اللَّهُ: اذْهَبْ فَادْخُلِ الْجَنَّةَ، فَيَأْتِيهَا فَيُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهَا مَلأَى فَيَرْجِعُ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ وَجَدْتُهَا مَلأَى فَيَقُولُ: اذْهَبْ فَادْخُلِ الْجَنَّةَ، فَيَأْتِيهَا فَيُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهَا مَلأَى فَيَقُولُ: يَا رَبِّ وَجَدْتُهَا مَلأَى فَيَقُولُ: اذْهَبْ فَادْخُلِ الْجَنَّةَ، فَإِنَّ لَكَ مِثْلَ الدُّنْيَا وَعَشَرَةَ أَمْثَالِهَا أَوْ إِنَّ لَكَ مِثْلَ عَشَرَةِ أَمْثَالِ الدُّنْيَا، فَيَقُولُ: تَسْخَرُ مِنِّى أَوْ تَضْحَكُ مِنِّى وَأَنْتَ الْمَلِكُ؟ فَلَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ وَكَانَ يُقَالُ ذَلِكَ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً» . [الحديث 6571 - طرفه في: 7511].
وبه قال: (حدّثنا عثمان بن أبي شيبة) هو عثمان بن محمد بن أبي شيبة واسم أبي شيبة إبراهيم بن عثمان العبسي الكوفي أخو أبي بكر والقاسم قال: (حدّثنا جرير) بفتح الجيم ابن عبد الحميد الرازي (عن منصور) هو ابن المعتمر (عن إبراهيم) النخعي (عن عبيدة) بفتح العين وكسر الموحدة ابن عمر السلماني (عن عبد الله) يعني ابن مسعود (رضي الله عنه) أنه قال: (قال النبي صلى الله عليه وسلم):
(إني لأعلم) بلام التأكيد (آخر أهل النار خروجًا منها) من النار نفسها أو من مروره على الصراط المنصوب عليها (وآخر أهل الجنة دخولاً رجل يخرج من النار كبوًا) بفتح الكاف وسكون الموحدة لكنه مضبب عليها في الفرع وفي الهامش حبوًا بالحاء المهملة وعليها علامة أبي ذر أي زحفًا وزنًا ومعنى، وفي رواية أنس عن ابن مسعود عند مسلم: آخر من يدخل الجنة رجل فهو يمشي مرة ويكبو مرة وتسفعه النار مرة فإذا جاوزها التفت إليها فقال: تبارك الذي نجاني منك (فيقول الله) عز وجل له: (اذهب فادخل الجنة فيأتيها فيخيل إليه أنها ملأى) بفتح الميم والهمزة بينهما لام ساكنة (فيرجع فيقول: يا رب وجدتها ملأى فيقول) الله تعالى له: (اذهب فادخل الجنة فيخيل إليه أنها ملأى فيأتيها فيرجع فيقول: يا رب وجدتها ملأى فيقول اذهب فادخل الجنة فإن لك مثل الدنيا وعشرة أمثالها أو إن لك مثل عشرة أمثال الدنيا فيقول) الرجل (تسخر مني) بفتح الفوقية والمعجمة استفهام محذوف الأداة ولأبي ذر عن الكشميهني بي بالموحدة والتحتية بدل مني (أو) قال (تضحك مني) بالشك (وأنت الملك) بكسر اللام، ولمسلم من رواية أنس عن ابن مسعود أتستهزئ عليّ وأنت رب العالمين، وهذا وارد منه على سبيل الفرح غير ضابط لما ناله من السرور ببلوغ ما لم يخطر بباله فلم يضبط لسانه دهشة وفرحًا، وجرى على عادته في الدنيا من مخاطبة المخلوق ونحوه في حديث التوبة قول الرجل عند وجدان زاده مع راحلته من شدة الفرح أنت عبدي وأنا ربك قال عبد الله بن مسعود:(فلقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحك) أي تعجبًا وسرورًا
مما رأى من كمال رحمة الله ولطفه بعبده المذنب وكمال رضاه عنه (حتى بدت) ظهرت (نواجذه) بنون فواو مفتوحتين وبعد الألف جيم مكسورة فذال معجمة فهاء جمع ناجذة قال ابن الأثير النواجد من الأسنان الضواحك وهي التي تبدو عند الضحك قال الراوي نقلاً عن الصحابة أو عن غيرهم: (وكان يقال ذلك) ولأبي ذر وكان يقول ذاك بغير لام (أدنى) أقل (أهل الجنة منزلة) ذكر الكرماني أن هذه المقالة ليست من تتمة كلامه صلى الله عليه وسلم بل من كلام الراوي نقلاً عن الصحابة أو غيرهم. وقال في الفتح: قائل