الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المعجمة وتشديد التحتية المكسورة (بين أمرين) من أمور الدنيا (إلاّ اختار أيسرهما ما لم يكن إثم) ولغير الكشميهني ما لم يأثم.
قال الكرماني فإن قلت: كيف يخير النبي صلى الله عليه وسلم في أمرين أحدهما إثم؟ وأجاب: بأن التخيير إن كان من الكفار فظاهر وإن كان من الله والمسلمين فمعناه ما لم يؤد إلى إثم كالتخيير في المجاهدة في العبادة والاقتصاد فيها فإن المجاهدة بحيث تجر إلى الهلاك لا تجوز اهـ.
ونحوه أجاب به ابن بطال والأقرب كما قال في الفتح إن فاعل التخيير الآدمي وهو ظاهر وأمثلته كثيرة ولا سيما إذ صدر من كافر.
(فإذا كان الإثم كان أبعدهما) أي أبعد الأمرين (منه) صلى الله عليه وسلم (والله ما انتقم) صلى الله عليه وسلم (لنفسه في شي له يؤتى إليه قط) بضم التحتية وفتح الفوقية (حتى تنتهك) بضم الفوقية الأولى وفتح الثانية بينهما نون ساكنة (حرمات الله) بارتكاب معاصيه (فينتقم لله) بالرفع أي فهو ينتقم، ولأبي ذر فينتقم بالنصب عطفًا على تنتهك.
والحديث سبق في باب صفة النبي صلى الله عليه وسلم.
11 - باب إِقَامَةِ الْحُدُودِ عَلَى الشَّرِيفِ وَالْوَضِيعِ
(باب) وجوب (إقامة الحدود على الشريف والوضيع).
6787 -
حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ أُسَامَةَ كَلَّمَ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم فِى امْرَأَةٍ فَقَالَ:«إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، أَنَّهُمْ كَانُوا يُقِيمُونَ الْحَدَّ عَلَى الْوَضِيعِ، وَيَتْرُكُونَ الشَّرِيفَ وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لَوْ فَاطِمَةُ فَعَلَتْ ذَلِكَ، لَقَطَعْتُ يَدَهَا» .
وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك الطيالسي قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن عروة) بن الزبير (عن عائشة) رضي الله عنها (أن أسامة) بن زيد (كلم النبي صلى الله عليه وسلم) للشفاعة (في امرأة) اسمها فاطمة المخزومية وكانت سرقت حليًّا فقالوا من يكلم فيها النبي صلى الله عليه وسلم حتى لا تقطع يدها لم يجسر أحد أن يكلمه في ذلك فكلمه أسامة بن زيد (فقال) صلى الله عليه وسلم:
(إنما هلك من كان قبلكم إنهم) أي لأنهم (كانوا يقيمون الحد على الوضيع ويتركون الشريف) فلا يقيمون عليه الحد، ولأبي ذر عن الكشميهني ويتركون على الشريف أي يتركون إقامة الحد على الشريف (والذي نفسي بيده لو) فعلت (فاطمة) رضي الله عنها بنت النبي صلى الله عليه وسلم ذلك ولأبي ذر عن الحموي والمستملي لو أن فاطمة (فعلت ذلك لقطعت يدها).
والحديث سبق في بني إسرائيل والمناقب وأخرجه أصحاب السنن الأربعة ومسلم.
12 - باب كَرَاهِيَةِ الشَّفَاعَةِ فِى الْحَدِّ إِذَا رُفِعَ إِلَى السُّلْطَانِ
(باب كراهية الشفاعة في الحد إذا رفع إلى السلطان).
6788 -
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها أَنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّتْهُمُ الْمَرْأَةُ الْمَخْزُومِيَّةُ الَّتِى سَرَقَتْ فَقَالُوا: مَنْ يُكَلِّمُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إِلَاّ أُسَامَةُ حِبُّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَكَلَّمَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «أَتَشْفَعُ فِى حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ» ؟ ثُمَّ قَامَ فَخَطَبَ فَقَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا ضَلَّ مَنْ قَبْلَكُمْ، أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ الضَّعِيفُ فِيهِمْ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ، وَايْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعَ مُحَمَّدٌ يَدَهَا» .
وبه قال: (حدّثنا سعيد بن سليمان) بفتح السين في الأول وضمها في الثاني البزاز بزايين أولاهما مشددة البغدادي قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن عروة) بن الزبير (عن عائشة رضي الله عنها أن قريشًا) أي من أدرك ذلك منهم بمكة عام الفتح والنبي صلى الله عليه وسلم مقيم بمكة مما في مسلم وقريشًا بالتنوين مصروفًا على إرادة الحي ولو أريد القبيلة منع (أهمتهم المرأة) فاطمة بنت الأسود بن عبد الأسد بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم وهي بنت أخي أبي سلمة بن عبد الأسد الصحابي الجليل الذي كان زوج أم سلمة أم المؤمنين قتل أبوها كافرًا يوم بدر قتله حمزة ووهم من زعم أن له صحبة (المخزومية) نسبة إلى مخزوم بن يقظة بفتح التحتية والقاف بعدها ظاء معجمة مشالة ابن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب ومخزوم أخو كلاب بن مرة الذي ينسب إليه بنو عبد مناف (التي سرقت) وفي ابن ماجة: أنها سرقت قطيفة من بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعند ابن سعد من مرسل حبيب بن أبي ثابت أنها سرقت حليًّا وجمع بينهما بأن الحلي كان في القطيفة، وفي مسلم أنها كانت تستعير المتاع وتجحده لكن القطع بالسرقة لا بجحد المتاع خلافًا للإمام أحمد والجمهور على أن جحد المتاع ذكر للتعريف جميعًا للروايات أو رواية الجحد شاذة لا يعمل بها لمخالفتها الباقي، ولذا لم يذكرها البخاري وإنما انفرد بها مسلم ومعنى أهمتهم أي صيرتهم ذوي هم خوفًا من لحوق العار وافتضاحهم بها بين القبائل وظنوا إمكان الشفاعة في مثل ذلك فلما جاء أهلها إلى من يشفع لهم فيها عند رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(فقالوا: من يكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي يشفع أن لا تقطع إما عفوًا وإما بفداء (ومن
يجترئ) بالجيم والهمزة أي من يتجاسر (عليه) بطريق الإدلال (إلا أسامة) ولأبي ذر إلا أسامة بن زيد وأسامة بالرفع على الفاعلية فيحتاج إلى ضمير من جملة يجترئ يعود على من لأن من مبتدأ والخبر الجملة فلا بدّ من ضمير يعود على المبتدأ وهو الضمير المجرور والتقدير وأي شخص يجترئ كما يجترئ أسامة عليه، والمعنى لا يجترئ عليه منا أحد لمهابته ولما لا تأخذه في دين الله رأفة وما يجترئ عليه إلا أسامة وعليه يتعلق بيجترئ ونظير هذا التركيب هنا قوله تعالى {ومن يغفر الذنوب إلا الله} [آل عمران: 135] قال أبو البقاء: من مبتدأ ويغفر خبره وإلاّ الله فاعل يغفر أو بدل من المضمر فيه وهو الوجه لأنك إذا جعلت الله فاعلاً احتجت إلى تقدير ضمير أي ومن يغفر الذنوب غير الله، لكن قال في الدر: جعله الجلالة فاعلاً يقرب من الغلط فإن الاستفهام هنا لا
يراد به حقيقته إنما يراد به النفي، والوجه أن الجلالة بدل من الضمير ويصح أن يكون أسامة مرفوعًا على أنه بدل من فاعل يجترئ وهو وجه الإعراب كما قال أبو البقاء، ويجوز النصب على الاستثناء ووقع في حديث مسعود بن الأسود فجئنا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقلنا نحن نفديها بأربعين أوقية فقال تطهر خير لها فلما سمعنا لين النبي صلى الله عليه وسلم أتينا أسامة، وفي رواية يونس السابقة في الفتح ففزع قومها إلى أسامة، وفي رواية أيوب بن موسى في الشهادات فلم يجترئ أحد أن يكلمه إلا أسامة (حب رسول الله صلى الله عليه وسلم) بكسر الحاء المهملة أي محبوبه ويجري عليه إعراب أسامة إن كان مرفوعًا فنعته مرفوع وإن كان منصوبًا فنعته منصوب ويجوز البدل (فكلم) أسامة (رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال) صلى الله عليه وسلم له:
(أتشفع) بهمزة الاستفهام وفيها معنى الإنكار والجملة معمولة للقول، وفي رواية يونس فكلمه فتلوّن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أتشفع (في) ترك (حدّ من حدود الله ثم قام) صلى الله عليه وسلم (فخطب فقال: يا أيها الناس إنما ضلّ من قبلكم) وفي رواية أبي الوليد هلك وفي رواية سفيان عند النسائي إنما هلك بنو إسرائيل ولأبي ذر عن الكشميهني من كان قبلكم (إنهم كانوا إذا سرق الشريف تركوه) فلا يحدونه (وإذا سرق الضعيف فيهم أقاموا عليه الحد) قال ابن دقيق العيد الظاهر أن هذا الحصر ليس عامًّا فإنّ بني إسرائيل كانت فيهم أمور كثيرة تقتضي الإهلاك، فيحمل ذلك على حصر مخصوص وهو الإهلاك بسبب المحاباة في الحدود فلا ينحصر في حد السرقة (وأيم الله) مرفوع بالابتداء وخبره محذوف أي قسمي أو يميني أو لازم لي (لو أن فاطمة) رضي الله عنها (بنت محمد) صلى الله عليه وسلم (سرقت لقطع محمد يدها).
وعند ابن ماجة عن محمد بن رمح شيخه في هذا الحديث سمعت الليث يقول: عقب هذا الحديث قد أعاذها الله من أن تسرق، وكل مسلم ينبغي له أن يقول مثل هذا فينبغي أن لا يذكر هذا الحديث في الاستدلال ونحوه إلا بهذه الزيادة، ووقع للشافعي رحمة الله عليه أنه لما ذكر هذا الحديث قال: فذكر عضوًا شريفًا من امرأة شريفة فاستحسنوا ذلك منه لما فيه من الأدب البالغ، وفي قوله لقطع محمد يدها التجريد، وإنما خص صلى الله عليه وسلم فاطمة بالذكر لأنها أعز أهله عنده فأراد المبالغة في تثبيت إقامة الحدّ على كل مكلف وترك المحاباة في ذلك ولأن اسم السارقة وافق اسمها رضي الله عنها فناسب أن يضرب المثل بها. وزاد في رواية يونس السابقة في غزوة الفتح ثم أمر بتلك المرأة التي سرقت فقطعت يدها. وفي حديث ابن عمر عند النسائي: قم يا بلال فخذ بيدها فاقطعها وزاد أبو داود في تعليقه عن محمد بن عبد الرَّحمن فشهد عليها وزاد يونس أيضًا. قالت عائشة: فحسنت توبتها بعد وتزوجت، وفي الحديث منع الشفاعة في الحدود وهو مقيد في الترجمة بما إذا رفع إلى السلطان، وفي مرسل حبيب بن أبي ثابت أنه صلى الله عليه وسلم قال لأسامة لما شفع:"أتشفع في حدّ فإن الحدود إذا انتهت فليس لها مترك". وعند الدارقطني من حديث الزبير مرفوعًا اشفعوا ما لم يصل إلى الوالي