الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عليه أن يحمد نفسه لأنه هو الذي حصل لنفسه الإيمان وهو الذي أوصل نفسه إلى درجات الجنة وخلصها من دركات النيران فلما لم يحمد نفسه البتة إنما حمد الله تعالى فقط علمنا أن الهادي ليس إلا الله تعالى، وقوله تعالى:({لو أن الله هداني}) أعطاني الهداية ({لكنت من المتقين})[الزمر: 57] من الذين يتقون الشرك.
قال الشيخ أبو منصور -رحمه الله تعالى-: وهذا الكافر أعرف بالهداية من المعتزلة وكذا أولئك الكفرة الذين قالوا لأتباعهم: لو هدانا الله لهديناكم يقولون لو وفقنا الله للهداية وأعطانا الهدى لدعوناكم إليه، ولكن علم منا اختيار الضلالة والغواية فخذلنا ولم يوفقنا والمعتزلة يقولون: بل هداهم وأعطاهم التوفيق لكنهم لم يهتدوا، والحاصل أن عند الله لطفًا من أعطى ذلك اهتدى وهو التوفيق والعصمة ومن لم يعطه ضل وغوى، وكان استيجابه العذاب وتضييعه الحق بعدما تمكن من تحصيله لذلك. والحاصل من مذهب أهل السنة أن الله تعالى أقدر العباد على اكتساب ما أراد منهم من إيمان وكفر وأن ذلك ليس بخلق للعباد كما زعمت القدرية.
6620 -
حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ هُوَ ابْنُ حَازِمٍ، عَنْ أَبِى إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الْخَنْدَقِ يَنْقُلُ مَعَنَا التُّرَابَ وَهْوَ يَقُولُ:
وَاللَّهِ لَوْلَا اللَّهُ مَا اهْتَدَيْنَا
…
وَلَا صُمْنَا وَلَا صَلَّيْنَا
فَأَنْزِلَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا
…
وَثَبِّتِ الأَقْدَامَ إِنْ لَاقَيْنَا
وَالْمُشْرِكُونَ قَدْ بَغَوْا عَلَيْنَا
…
إِذَا أَرَادُوا فِتْنَةً أَبَيْنَا
وبه قال: (حدّثنا أبو النعمان) محمد بن الفضل السدوسي قال: (أخبرنا جرير) بفتح الجيم (هو ابن حازم) بالحاء المهملة والزاي (عن أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي (عن البراء بن عازب) رضي الله عنهما أنه (قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يوم الخندق ينقل معنا التراب) من حفر الخندق (وهو يقول) رجزًا من كلام عبد الله بن رواحة.
(والله لولا الله ما اهتدينا).
وهذا موضع الترجمة.
(ولا صمنا ولا صلينا فأنزلن سكينة علينا).
(وثبت الأقدام إن لاقينا) العدوّ (والمشركون قد بغوا علينا) أي ظلموا (إذا أرادوا فتنة أبينا) بالموحدة أي الفرار.
والحديث أخرجه في الجهاد.
بسم الله الرحمن الرحيم
83 - كتاب الأيمان والنذور
(كتاب الأيمان) بفتح الهمزة جميع يمين واليمين خلاف اليسار وأطلقت على الحلف لأنهم كانوا إذا تحالفوا أخذ كل يمين صاحبه، وقيل لحفظها المحلوف عليه كحفظ اليمين وتسمى ألية وحلفًا، وفي الشرع تحقيق الأمر المحتمل أو توكيده بذكر اسم من أسماء الله تعالى أو صفة من صفاته. هذا إن قصد اليمين الموجبة للكفارة وإلاّ فيزاد أو ما أقيم مقامه ليدخل نحو الحلف بالطلاق أو العتق وهو ما فيه حث أو منع أو تصديق، وخرج بالتحقيق لغو اليمين بأن سبق لسانه إلى ما لم يقصده بها أو إلى لفظها كقوله في حال غضبه أو صلة كلام لا والله تارة وبلى والله أخرى، وبالمحتمل غيره كقوله: والله لأموتن أو لا أصعد إلى السماء فليس بيمين لامتناع الحنث فيه بذاته بخلاف والله لأصعدن السماء فإنه يمين تلزم به الكفارة حالاً (و) كتاب (النذور) جمع نذر وهو مصدر نذر بفتح الذال المعجمة ينذر بضمها وكسرها والنذر في اللغة الوعد بخير أو شر وشرعًا التزام قربة غير لازمة بأصل الشرع، وزاد بعضهم مقصودة، وقيل إيجاب ما ليس بواجب لحدوث أمر، ومنهم من قال: إن يلزم نفسه بشيء تبرعًا من عبادة أو صدقة أو نحوهما. وأما قوله صلى الله عليه وسلم: من نذر أن يعصي الله فلا يعصه فإنما سماه نذرًا باعتبار الصورة كما قال في الخمر وبائعها مع بطلان البيع، ولذا قال في الحديث الآخر: لا نذر في معصية.
1 - باب
1 -
(قول الله تعالى) بالرفع وفي نسخة باب قول الله تعالى: ({لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم}) مصدر لغًا يلغو لغوًا والباء فيه متعلقة بيؤاخذكم ومعناها السببية، واللغو الساقط الذي لا يعتد به من كلام وغيره ولغو اليمين الساقط الذي لا يعتد به في الأيمان. قال: إمامنا الشافعي وغيره: هو قول الرجل في عرض حديثه لا والله وبلى والله من غير قصد لها، وقيل هو أن يحلف على شيء يرى أنه صادق ثم يظهر أنه خلاف ذلك، وبه قال أبو حنيفة: والمعنى لا يعاقبكم بلغو اليمين الذي يحلفه أحدكم ({ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان}) أي بتعقيدكم الأيمان وهو توثيقها، والمعنى ولكن يؤاخذكم بما عقدتم إذا حنثتم فحذف وقت المؤاخذة لأنه كان معلومًا عندهم أو بنكث ما عقدتم فحذف
المضاف ({فكفارته}) أي فكفارة الحنث الدال عليه سياق الكلام وإن لم يجر له ذكر، أو فكفارة نكثه فتكون ما موصولة اسمية وهو على حذف مضاف كما قدره الزمخشري والكفارة الفعلة التي من شأنها أن تستر الخطيئة ({إطعام عشرة مساكين}) إطعام مصدر مضاف لمفعوله، وهو أن يملك كل واحد منهم مدًّا من حب من غالب قوت بلده ({من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم}) عطف على إطعام، والمراد ما يسمى كسوة مما يعتاد لبسه كعرقية ومنديل ولو ملبوسًا لم تذهب قوّته ولو لم يصلح للمدفوع إليه كقميص صغير وعمامته وإزاره وسراويله الكبير وكحرير لرجل لا نحو خف مما لا يسمى كسوة كدرع من حديد ونحوه ({أو تحرير رقبة}) عطف على إطعام وهو مصدر مضاف لمفعوله أي أو إعتاق رقبة مؤمنة بلا عيب يخل بالعمل والكسب وأو للتخيير ({فمن لم يجد}) إحدى الثلاث أو كان غير رشيد ({فصيام ثلاثة أيام}) ولو مفرّقة ({ذلك}) المذكور ({كفارة أيمانكم إذا حلفتم}) وحنثتم ({واحفظوا أيمانكم}) فبرّوا فيها ولا تحنثوا إذا لم يكن الحنث خيرًا أو فلا تحلفوا أصلاً ({كذلك}) مثل ذلك البيان ({يبين الله لكم آياته}) أعلام شريعته وأحكامه ({لعلكم تشكرون}) [المائدة: 89] نعمته فيها يعلمكم ويسهل عليكم المخرج منه، وسقط لأبي ذر قوله {ولكن يؤاخذكم} الخ وقال: الآية إلى قوله {لعلكم تشكرون} .
6621 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَبُو الْحَسَنِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ - رضى الله عنه - لَمْ يَكُنْ يَحْنَثُ فِى يَمِينٍ قَطُّ حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ كَفَّارَةَ الْيَمِينِ وَقَالَ: لَا أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ، فَرَأَيْتُ غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا إِلَاّ أَتَيْتُ الَّذِى هُوَ خَيْرٌ وَكَفَّرْتُ عَنْ يَمِينِى.
وبه قال: (حدّثنا محمد بن مقاتل) بكسر الفوقية (أبو الحسن) المروزي المجاور قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي قال: (أخبرنا هشام بن عروة عن أبيه) عروة بن الزبير بن العوّام (عن عائشة) رضي الله عنها (أن أبا بكر) الصديق رضي الله عنه (لم يكن يحنث) أي لم يكن من شأنه أن يحنث (في يمين قط) سبق في تفسير المائدة حديث ابن حبان كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حلف على يمين لم يحنث فرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وذكره الترمذي في العلل المفرد وقال: سألت محمدًا يعني البخاري عنه فقال: هذا خطأ، والصحيح كان أبو بكر وكذلك رواه سفيان ووكيع عن
هشام بن عروة (حتى أنزل الله) عز وجل في كتابه العزيز (كفارة اليمين) أي آيتها وهي قوله تعالى: {فكفارته إطعام عشرة مساكين} [المائدة: 89] إلى آخرها (وقال: لا أحلف على يمين) أي محلوف يمين فسماه يمينًا مجازًا للملابسة بينهما، والمراد ما شأنه أن يكون محلوفًا عليه وإلاّ هو قبل اليمين ليس محلوفًا عليه فيكون من مجاز الاستعارة، وفي مسلم لا أحلف على أمر (فرأيت غيرها خيرًا منها) الرؤية هنا علمية وغيرها مفعولها الأوّل وخيرًا الثاني، ومنها متعلق بخيرًا وأعاد الضمير مؤنفثًا مع كون المحلوف مذكرًا باعتبار المذكور لفظًا وهو اليمين، والمعنى لا أحلف على أمر فيظهر لي بالعلم أو بغلبة الظن أن غير المحلوف عليه خير منه (إلا أتيت الذي هو خير وكفرت عن يميني) عن حكمها وما يترتب عليها من الإثم. قيل هذا قاله الصديق رضي الله عنه لما حلف لا ينفع مسطح بن أثاثة بنافعة بعدما قال في عائشة ما قال، وأنزل الله براءتها وطابت نفوس المؤمنين وتاب الله على من كان خاض في حديث الإفك وأنزل الله تعالى {ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة} [النور: 22] الآية أي لا يحلف أولو الفضل منكم أن لا يصلوا قراباتهم المساكين المهاجرين فرجع الصديق إلى مسطح ما كان يصله به من النفقة.
والحديث من أفراده.
6622 -
حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ، حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَمُرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم: «يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ سَمُرَةَ لَا تَسْأَلِ الإِمَارَةَ، فَإِنَّكَ إِنْ أُوتِيتَهَا عَنْ مَسْأَلَةٍ وُكِلْتَ إِلَيْهَا وَإِنْ أُوتِيتَهَا مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ أُعِنْتَ عَلَيْهَا، وَإِذَا حَلَفْتَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَيْتَ غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ، وَأْتِ الَّذِى هُوَ خَيْرٌ» . [الحديث 6622 - أطرافه في: 6677، 7146، 7147].
وبه قال: (حدّثنا أبو النعمان محمد بن الفضل) عارم السدوسي قال: (حدّثنا جرير بن حازم) الأزدي قال: (حدّثنا الحسن) البصري قال: (حدّثنا عبد الرَّحمن بن سمرة) بفتح السين المهملة والراء بينهما ميم مضمومة ابن حبيب، وقيل كان اسمه عبد كلال فغيره النبي صلى الله عليه وسلم. قال البخاري له: صحبة وكان إسلامه يوم الفتح وشهد غزوة تبوك وافتتح سجستان وغيرها في خلافة عثمان ثم نزل البصرة وليس له في البخاري إلا هذا الحديث رضي الله عنه أنه (قال: قال) لي (النبي صلى الله عليه وسلم):
(يا عبد الرَّحمن بن سمرة لا تسأل الإمارة) بكسر الهمزة
مصدر أمر ولا ناهية، وتسأل مجزوم بالنهي والإمارة مفعول به والفاعل مستتر يعود على عبد الرَّحمن وكسرت اللام لالتقاء الساكنين أي لا تسأل الولاية (فإنك إن أوتيتها) الفاء للعطف (عن مسألة) وجواب الشرط قوله (وكلت إليها) بضم الواو وكسر الكاف وسكون اللام يقال وكله إلى نفسه وكلاً ووكولاً وهذا الأمر موكول إليّ ومنه قول النابغة:
كليني لهمّ يا أميمة ناصب
…
وليل أقاسيه بطيء الكواكب
أي أن الإمارة أمر شاق لا يخرج عن عهدتها إلا أفراد من الرجال فلا تسألها عن تشوّف نفس فإنك إن سألتها تركت معها فلا يعينك الله عليها وحينئذٍ فلا يكون فيه كفاية لها ومن كان هذا شأنه لا يولى (وإن أوتيتها من) ولأبي ذر عن الكشميهني وإنك إن أوتيتها عن (غير مسألة أعنت عليها) وعن يحتمل أن تكون بمعنى الباء أي بمسألة أي بسبب مسألة قال امرؤ القيس:
تصدّ وتبدي عن أسيل وتتقي
…
بناظرة من وحش وجرة مطفل
أي بأسيل (وإذا حلفت على) محلوف (يمين فرأيت غيرها خيرًا منها فكفّر عن يمنيك وائت الذي هو خير) ظاهره تقديم التكفير على إتيان المحلوف عليه والرواية السابقة تأخيره، ومذهب إمامنا الشافعي ومالك والجمهور جواز التقديم على الحنث لكن يستحب كونه بعده، واستثنى الشافعي التكفير بالصوم لأنه عبادة بدنية فلا تقدم قبل وقتها كصوم رمضان، واستثنى بعض أصحابه حنث المعصية كأن حلف لا يزني لما في التقديم من الإعانة على المعصية والجمهور على الإجزاء لأن اليمين لا يحرم ولا يحلل، ومنع أبو حنيفة وأصحابه وأشهب من المالكية التقديم. لنا قوله فكفر عن يمينك وائت الذي هو خير.
فإن قيل: الواو لا تدل على الترتيب. أجيب: برواية أبي داود والنسائي فكفر عن يمينك ثم ائت الذي هو خير. فإن قلت: ما مناسبة هذه الجملة للسابقة؟ أجيب: بأن الممتنع من الإمارة قد يؤدي به الحال إلى الحلف على عدم القبول مع كون المصلحة في ولايته.
والحديث أخرجه البخاري أيضًا في الأحكام وفي الكفارات، ومسلم في الأيمان، وأبو داود في الخراج، والترمذي في الأيمان، وأخرج النسائي قصة الإمارة في القضاء والسير وقصة اليمين في الأيمان.
6623 -
حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ غَيْلَانَ بْنِ جَرِيرٍ، عَنْ أَبِى بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم فِى رَهْطٍ مِنَ الأَشْعَرِيِّينَ أَسْتَحْمِلُهُ فَقَالَ: «وَاللَّهِ لَا أَحْمِلُكُمْ، وَمَا عِنْدِى مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ» قَالَ: ثُمَّ لَبِثْنَا مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ نَلْبَثَ ثُمَّ أُتِىَ بِثَلَاثِ ذَوْدٍ غُرِّ الذُّرَى فَحَمَلَنَا عَلَيْهَا، فَلَمَّا انْطَلَقْنَا قُلْنَا: أَوْ قَالَ: بَعْضُنَا، وَاللَّهِ لَا يُبَارَكُ لَنَا أَتَيْنَا النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم نَسْتَحْمِلُهُ فَحَلَفَ أَنْ لَا يَحْمِلَنَا ثُمَّ حَمَلَنَا، فَارْجِعُوا بِنَا إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَنُذَكِّرُهُ فَأَتَيْنَاهُ فَقَالَ:«مَا أَنَا حَمَلْتُكُمْ، بَلِ اللَّهُ حَمَلَكُمْ وَإِنِّى وَاللَّهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَا أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ فَأَرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا إِلَاّ كَفَّرْتُ عَنْ يَمِينِى وَأَتَيْتُ الَّذِى هُوَ خَيْرٌ، أَوْ أَتَيْتُ الَّذِى هُوَ خَيْرٌ وَكَفَّرْتُ عَنْ يَمِينِى» .
وبه قال: (حدّثنا أبو النعمان) محمد عارم بن الفضل قال: (حدّثنا حماد بن زيد) أي ابن درهم الأزدي الأزرق أحد الأعلام (عن غيلان بن جرير) بفتح الغين المعجمة وسكون التحتية وفتح جيم جرير الأزدي البصري من صغار التابعين (عن أبي بردة) بضم الموحدة اسمه الحارث أو
عامر (عن أبيه) أبي موسى عبد الله بن قيس الأشعري أنه (قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في رهط) رجال دون العشرة (من الأشعريين) جمع أشعري نسبة إلى الأشعر بن ادد بن يشجب، وقيل له الأشعر لأن أمه ولدته أشعر (أستحمله) أي أطلب منه ما يحملنا من الإبل ويحمل أثقالنا لأجل غزوة تبوك (فقال) صلى الله عليه وسلم:
(والله لا أحملكم وما عندي ما أحملكم عليه قال) أبو موسى: (ثم لبثنا ما شاء الله أن نلبث ثم أتي) بضم الهمزة أي النبي صلى الله عليه وسلم (بثلاث ذود) بفتح الذال المعجمة وسكون الواو بعدها دال مهملة ما بين الثلاث إلى العشر. وقال أبو عبيد: هي من الإناث فلذا قال: بثلاث ذود ولم يقل بثلاثة ذود (غر الذرى) بضم الغين المعجمة وتشديد الراء جمع أغر وهو الأبيض الحسن والذرى بضم الذال المعجمة وفتح الراء جمع ذروة بالكسر والضم وذروة كل شيء أعلاه والمراد هنا الأسنمة (فحملنا) بفتح الفاء والحاء والميم واللام (عليها فلما انطلقنا قلنا أو قال بعضنا والله لا يبارك لنا) فيها (أتينا النبي صلى الله عليه وسلم نستحمله فحلف أن لا يحملنا ثم حملنا) بفتح اللام (فارجعوا بنا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فنذكره) بضم النون وكسر الكاف مشددة بيمينه (فأتيناه) فذكرنا له (فقال: ما أنا حملتكم بل الله) عز وجل (حملكم) أي إنما أعطيتكم من مال الله أو بأمر الله لأنه كان يعطي بالوحي
(وإني والله إن شاء الله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرًا منها إلا كفرت عن يميني وأتيت الذي هو خير) منها (أو أتيت الذي هو خير وكفرت عن يميني) أي لا أحلف على موجب يمين لأن اليمين توجبه والموجب هو الذي انعقد عليه الحلف وخبر إن جملة لا أحلف وجواب القسم محذوف سد مسد خبر إن، ويحتمل أن يكون لا أحلف جواب القسم، وخبر إن القسم، وجوابه إن شاء الله جملة معترضة لا محل لها وقدم استثناء المشيئة وكان موضعه عقب جواب القسم، وذلك أن جواب القسم جاء بلا وعقبه الاستثناء بإلاّ فلو تأخر استثناء المشيئة حتى يجيء الكلام والله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرًا منها إلا أتيت الذي هو خير إن شاء الله لاحتمل أن يرجع إلى قوله أتيت أو إلى قوله هو خير، فلما قدّمه انتفى هذا التخيل، وأيضًا ففي تقديمه اهتمام به لأنه استثناء مأمور به شرعًا، وينبغي أن يبادر بالمأمور به والتعليق بالمشيئة هنا الظاهر أنه للتبرك، وإلاّ فحقيقته ترفع القسم المقصود هنا لتأكيد الحكم وتقرير وهل يحكم على اليمين المقيدة بتعليق المشيئة إذا قصد بها التعليق أنها منعقدة أو لم تنعقد أصلاً فيه خلاف لأصحابنا. وقوله: أو أتيت إما شك من الراوي في تقديم أتيت على كفرت والعكس، وإما تنويع من الشارع صلى الله عليه وسلم إشارة إلى جواز تقديم الكفارة على الحنث وتأخيرها.
والحديث أخرجه البخاري أيضًا في كفارات الأيمان، وسبق مطوّلاً في كتاب الخمس، وأخرجه مسلم في الأيمان وكذا أبو داود والنسائي وأخرجه ابن ماجة في الكفارات.
6624 -
حَدَّثَنِى إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «نَحْنُ الآخِرُونَ السَّابِقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» .
وبه قال: (حدثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (إسحاق بن إبراهيم) هو ابن راهويه كما جزم به أبو نعيم في مستخرجه أو هو ابن نصر قال: (أخبرنا عبد الرزاق) بن همام بن نافع أحد الأعلام قال: (أخبرنا معمر) بفتح الميمين ابن راشد (عن همام بن منبه) الصنعاني أنه (قال: هذا ما حدّثنا أبو هريرة) رضي الله عنه ولأبي ذر به أبو هريرة (عن النبي صلى الله عليه وسلم) أنه (قال):
(نحن الآخرون) المتأخرون وجودًا في الدنيا (السابقون) الأمم (يوم القيامة) حسابًا ودخولاً للجنة.
6625 -
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «وَاللَّهِ لأَنْ يَلِجَّ أَحَدُكُمْ بِيَمِينِهِ فِى أَهْلِهِ آثَمُ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ أَنْ يُعْطِىَ كَفَّارَتَهُ الَّتِى افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيْهِ» .
(فقال) بالفاء، ولأبي ذر عن الكشميهني: وقال (رسول الله صلى الله عليه وسلم: والله لأن) بفتح اللام وهي لتأكيد القسم (يلج) بفتح التحتية واللام والجيم المشددة من اللجاج وهو الإصرار على الشيء مطلقًا أي لأن يتمادى (أحدكم بيمينه) الذي حلفه (في) أمر بسبب (أهله) وهم يتضررون بعدم حنثه ولم يكن معصية (آثم له) بفتح الهمزة الممدودة والمثلثة أشد إثمًا للحالف المتمادي (عند الله من أن) يحنث و (يعطي كفارته التي افترضـ) ـها (الله) عز وجل (عليه) فينبغي له أن يحنث ويفعل ذلك ويكفر فإن تورع عن ارتكاب الحنث خشية الإثم أخطأ بإدامة الضرر على أهله لأن الإثم في اللجاج أكثر منه في الحنث على زعمه أو توهمه.
وقال ابن المنير: وهذا من جوامع الكلم وبدائعه، ووجهه أنه إنما تحرجوا من الحنث والحلف بعد الوعد المؤكد باليمين، وكان القياس يقتضي أن يقال لجاج أحدكم آثم له من الحنث، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم عدل عن ذلك إلى ما هو لازم الحنث وهو الكفارة لأن المقابلة بينها وبين اللجاج أفحم للخصم وأدل على سوء نظر المتنطع الذي اعتقد أنه تحرج من الإِثم، وإنما تحرج من الطاعة والصدقة والإحسان وكلها تجتمع في الكفارة ولهذا عظم شأنها بقوله التي افترض الله عليه، وإذا صح أن الكفارة خير له ومن لوازمها الحنث صح أن الحنث خير له، ولأن يلج أحدكم بيمينه في أهله أي لأن يصمم أحدكم في قطيعة أهله ورحمة بسبب يمينه التي حلفها على ترك برهم آثم له عند الله من كذا انتهى.
وفي هذا الحديث أن الحنث في اليمين أفضل من التمادي إذا كان في الحنث مصلحة ويختلف باختلاف حكم المحلوف عليه، فإن حلف على ارتكاب معصية كترك واجب عيني وفعل حرام عصى بحلفه ولزمه حنث وكفارة إذا لم يكن له طريق سواه، وإلاّ فلا كما لو حلف لا ينفق على زوجته فإن له طريقًا بأن يعطيها من صداقها أو يقرضها ثم يبرئها لأن