الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولا تتعرض لما يجلبه لأن نفس الغضب مطبوع في الإنسان لا يمكن إخراجه من جبلته.
وقال ابن حبان: أراد لا تعمل بعد الغضب شيئًا مما نهيت عنه لا أنه نهاه عن شيء جبل عليه ولا حيلة له في دفعه، وقد اشتملت هذه الكلمة اللطيفة من الحكم واستجلاب المصالح والنعم ودرء المفاسد والنقم على ما لا يحصى بالعدو، وقد بين ذلك ما نقله في الفتح وأشار إليه في قوت الأحياء مع زيادة: وهو أن الله خلق الغضب من النار وجعله غريزة في الإنسان فمهما صدأ ونوزع في غرض ما اشتعلت نار الغضب وثارت حتى يحمر الوجه والعينان من الدم، لأن البشرة تحكي لون ما وراءها وهذا إذا غضب من دونه واستشعر القدرة عليه، وإن كان ممن فوقه تولد منه انقباض الدم من ظاهر الجلد إلى جوف القلب فيصفر اللون حزنًا، وإن كان على النظير تردد الدم بين انقباض وانبساط فيحمر ويصفر ويترتب على الغضب تغير الظاهر والباطن كتغير اللون والرعدة في الأطراف وخروج الأفعال على غير ترتيب واستحالة الخلقة حتى لو تراءى الغضبان نفسه في حال غضبه لسكن غضبه حياء من قبح صورته واستحالة خلقته هذا كله في الظاهر. وأما الباطن فقبحه أشد من الظاهر لأنه يولد الحقد في القلب والحسد وإضمار السوء ويزيد الشماتة وهجر المسلم ومصارمته والإعراض عنه والاستهزاء والسخرية ومنع الحقوق بل أوّل شيء يقبح منه باطنه وتغير ظاهره ثمرة تغير باطنه وهذا كله أثره في الجسد، وأما أثره في اللسان فانطلاقه بالشتم والفحش الذي يستحي منه العاقل ويندم قائله عند سكون الغضب ويظهر أثر الغضب أيضًا في الفعل بالضرب والقتل وإن فات بهرب المغضوب عليه رجع إلى نفسه فيمزق ثوب نفسه ويلطم خدّه وربما سقط صريعًا وربما أغمي عليه وربما كسر الآنية وضرب من ليس له في ذلك جريمة، وبالاعتدال تتم المصالح وشفاء كل علة ضدها بلا إسراف فاقمع أسباب الغضب من الكبر والفخر والهزء والمزح والتعيير والمماراة والغدر والحرص على فضول المال أو الجاه، فإذا أغضبت تثبت ثم تفكّر فضل كظم الغيظ ونحوه وأحسن تفز بما أخبر به تعالى: {إن
الله مع المحسنين} [العنكبوت: 69] أو اعف ولا تقابل فتقابل وأطع الله فيمن أساء إليك وأنله فضلك يمنح بحسن خلقك حبك وأرغم الشيطان بالمبالغة في الإحسان، فإنه متى علم الشيطان منك أنه كلما وسوس إليك بجفاء بادرت الوفاء صار أكثر كيده أنه لا يأتيك كي يمنعك مخالفته، ومتى ضررت عدوّك بما ضر دينك فبنفسك بدأت فاختر لنفسك ما يحلو وبالله التوفيق والمستعان.
والحديث أخرجه الترمذي في البر.
77 - باب الْحَيَاءِ
(باب) فضل (الحياء) بالمد وهو تغير وانكسار يعتري الإنسان من خوف ما يعاب به ويذم وفي الشرع خلق يبعث على اجتناب القبيح ويمنع من التقصير في حق ذي الحق.
6117 -
حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِى السَّوَّارِ الْعَدَوِىِّ قَالَ: سَمِعْتُ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ قَالَ: قَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم: «الْحَيَاءُ لَا يَأْتِى إِلَاّ بِخَيْرٍ» فَقَالَ بُشَيْرُ بْنُ كَعْبٍ، مَكْتُوبٌ فِى الْحِكْمَةِ إِنَّ مِنَ الْحَيَاءِ وَقَارًا وَإِنَّ مِنَ الْحَيَاءِ سَكِينَةً، فَقَالَ لَهُ عِمْرَانُ: أُحَدِّثُكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَتُحَدِّثُنِى عَنْ صَحِيفَتِكَ؟!.
وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال: (حدثنا شعبة) بن الحجاج (عن قتادة) بن دعامة (عن أبي السوّار) بفتح السين المهملة والواو المشددة بعد الألف راء حسان بن حريث بضم الحاء المهملة آخره مثلثة مصغرًا (العدوي قال: سمعت عمران بن حصين) الخزاعي أبا نجيد أسلم مع أبي هريرة رضي الله عنهما (قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم):
(الحياء لا يأتي إلا بخير) لأنه يحجز صاحبه عن ارتكاب المحارم ولذا كان من الإيمان كما في الحديث الآخر لأن الإيمان ينقسم إلى ائتمار بما أمر الله به وانتهاء عما نهى عنه وعند الطبراني من وجه آخر عن عمران بن حصين الحياء من الإيمان والإيمان في الجنة. فإن قيل: الحياء من الغرائز فكيف جعل من الإيمان، أجيب: بأنه قد يكون غريزة وقد يكون تخلقًا ولكن استعماله على وفق الشرع يحتاج إلى اكتساب وعلم ونية فهو من الإيمان لهذا، ولكونه باعثًا على فعل الطاعة وحاجزًا من المعصية، ولا يقال رب حياء يمنع عن قول الحق أو فعل الخير لأن ذلك ليس شرعيًّا. (فقال بشير بن كعب) بضم الموحدة وفتح الشين المعجمة مصغرًا العدوي البصري التابعي