الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بالسماع بقوله سمعت أبا سلمة وهذا هو النكتة في إيراد هذه الرواية المعلقة وهي موصولة عند أحمد في مسنده قال: حدّثنا عفان بسنده (عن عائشة) رضي الله عنها (عن النبي صلى الله عليه وسلم) أنه قال: (سددوا وأبشروا) بالجنة. قال ابن حزم: معنى الأمر بالسداد أنه عليه الصلاة والسلام أشار بذلك إلى أنه بعث ميسرًا مسهلاً فأمر أمته بأن يقتصدوا في الأمور لأن ذلك يقتضي الاستدامة عادة، وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه عند ابن حبان أنه صلى الله عليه وسلم مرّ على رهط من أصحابه وهم يضحكون فقال:"لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيرًا" فأتاه جبريل فقال: إن ربك يقول لك لا تقنط عبادي فرجع إليهم فقال: "سددوا وقاربوا" فهذا يحتمل أن يكون سببًا لقوله سددوا الخ.
(وقال مجاهد) هو ابن جبر: (سدادًا) بفتح السين المهملة القول المعتدل الكافي كذا عند الفريابي والطبراني من طريق أبي نجيح عن مجاهد في قوله تعالى: ({قولاً سديدًا} [النساء: 9] وعند الطبراني عن قتادة سديدًا عدلاً يعني في منطقه وفي عمله وعند ابن أبي حاتم عن الحسن في قوله (سديدًا) قال: (صدقًا) وهذا ساقط هنا لأبي ذر نعم ثبت في رواية الحموي والكشميهني عقب قوله قال: أظنه عن أبي النضر عن أبي سلمة عن عائشة بلفظ وقال مجاهد قولا سديدًا وسدادًا صدقًا.
6468 -
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ، حَدَّثَنِى أَبِى، عَنْ هِلَالِ بْنِ عَلِىٍّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضى الله عنه - قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلَّى لَنَا يَوْمًا الصَّلَاةَ ثُمَّ رَقِىَ الْمِنْبَرَ فَأَشَارَ بِيَدِهِ قِبَلَ قِبْلَةِ الْمَسْجِدِ فَقَالَ: «قَدْ أُرِيتُ الآنَ مُنْذُ صَلَّيْتُ لَكُمُ الصَّلَاةَ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ مُمَثَّلَتَيْنِ فِى قُبُلِ هَذَا الْجِدَارِ، فَلَمْ أَرَ كَالْيَوْمِ فِى الْخَيْرِ وَالشَّرِّ فَلَمْ أَرَ كَالْيَوْمِ فِى الْخَيْرِ وَالشَّرِّ» .
وبه قال: (حدثني) بالإفراد ولأبي ذر: حدّثنا (إبراهيم بن المنذر) الحزامي المدني أحد الأعلام قال: (حدّثنا محمد بن فليح) بضم الفاء آخره مهملة مصغرًا قال: (حدثني) بالإفراد (أبي) فليح بن سليمان (عن هلال بن علي) وهو هلال بن أبي ميمونة (عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال): أي هلال (سمعته) أي أنسًا (يقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلّى لنا) إمامًا (يومًا للصلاة) أي صلاة الظهر (ثم رقي المنبر) بفتح الراء وكسر القاف أي صعد وَزْنًا ومعنى (فأشار بيده قِبَل قبلة المسجد) بكسر القاف وفتح الموحدة أي جهتها (فقال):
(قد رأيت) بضم الهمزة (الآن منذ صليت لكم الصلاة الجنة والنار ممثلتين) أي مصورتين (في قبل هذا الجدار) بضم القاف والموحدة أي قدامه ولأبي ذر عن الكشميهني هذا الحائط أي جدار المسجد أو حائطه (فلم أر) يومًا (كاليوم) أي كهذا اليوم (في الخير والشر فلم أر) يومًا (كاليوم في الخير والشر) وكرر فلم أر كاليوم مرتين للتأكيد.
وفي هذا الحديث تنبيه المصلي على أن يمثل الجنة والنار بين عينيه ليكونا شاغلين له عن الأفكار الحادثة عن تذكر الشيطان ومن مثلهما بين يديه بعثه ذلك على المواظبة على الطاعة والكف عن المعصية، وبهذا تحصل المطابقة بين الحديث والترجمة.
والحديث سبق في باب رفع البصر إلى الإمام من كتاب الصلاة، وأحاديث هذا الباب أكثرها مكرر وفي بعضها زيادة على بعض والله الموفق.
19 - باب الرَّجَاءِ مَعَ الْخَوْفِ
وَقَالَ سُفْيَانُ: مَا فِى الْقُرْآنِ آيَةٌ أَشَدُّ عَلَىَّ مِنْ {لَسْتُمْ عَلَى شَىْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ} [المائدة: 68].
(باب) استحباب (الرجاء مع الخوف) فلا يقتصر على أحدهما دون الآخر فربما يفضي الرجاء إلى المكر والخوف إلى القنوط وكل منهما مذموم، وقد روينا عن أبي علي الروذباري أنه قال: الخوف والرجاء كجناحي الطائر إذا استويا استوى الطير وتم طيرانه وإذا نقص أحدهما وقع فيه النقص، وإذا ذهبا صار الطائر في حد الموت اهـ فمتى استقام العبد في أحواله استقام في سلوكه في طاعاته باعتدال رجائه وخوفه ومتى قصر في طاعاته ضعف رجاؤه ودنا منه الاختلال ومتى قل خوفه وحذره من مفسدات الأعمال تعرض للهلاك ومتى عدم الرجاء والخوف تمكن منه عدوّه وهواه وبعد عن حزب من حفظه ربه وتولاه وبذلك علم وجه الشبه بينهما وبين جناحي الطائر.
وقال بعضهم: المؤمن يتردد بين الخوف والرجاء لخفاء السابقة وذلك لأنه تارة ينظر إلى عيوب نفسه فيخاف وتارة ينظر إلى كرم الله فيرجو وقيل يجب أن يزيد خوف العالم على رجائه لأن خوفه يزجره عن المناهي ويحمله على الأوامر، ويجب أن يعتدل خوف العارف ورجاؤه لأن عينه ممتدة إلى السابقة ورجاء المحب يجب أن يزيد على خوفه لأنه على بساط الجمال والرجاء بالمد وهو تعليق القلب بمحبوب من جلب
نفع أو دفع ضرر سيحصل في المستقبل وذلك بأن يغلب على القلب الظن بحصوله في المستقبل، والفرق بينه وبين التمني وهو طلب ما لا مطمع في وقوعه كليت الشباب يعود أن التمني يصاحبه الكسل ولا يسلك صاحبه طريق الجهد والجد في الطاعات وبعكسه صاحب الرجاء فإنه يسلك طريق ذلك فالتمني معلول والرجاء محمود، ومن علامته حسن الطاعة. قال حجة الإسلام: الراجي من بث بذر الإيمان وسقاه بماء الطاعات ونقى القلب من شوك المهلكات وانتظر من فضل الله أن ينجيه من الآفات فأما المنهمك في الشهوات منتظر للمغفرة فاسم المغرور به أليق وعليه أصدق، وأما الخوف فهو فزع القلب من مكروه يناله أو محبوب يفوته وسببه تفكّر العبد في المخلوقات كتفكّره في تقصيره وإهماله وقلة مراقبته لما يرد عليه وكتفكّره فيما ذكره الله عز وجل في كتابه من إهلاك من خالفه وما أعده له في الآخرة. وقال القشيري: الخوف
معنى متعلقه في المستقبل لأن العبد إنما يخاف أن يحل به مكروه أو يفوته محبوب ولا يكون هذا إلا لشيء يحصل في المستقبل.
(وقال سفيان) بن عيينة: (ما في القرآن آية أشد عليّ من) قوله تعالى: ({لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربكم})[المائدة: 69] يعني القرآن وذلك لما فيها من التكليف من العمل بأحكامها.
ووجه المناسبة للترجمة أن الآية تدل على أن من لم يعمل بما تضمنه الكتاب الذي أنزل عليه لم تحصل له النجاة ولا ينفعه رجاؤه من غير عمل ما أمر به.
6469 -
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِى عَمْرٍو، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِى سَعِيدٍ الْمَقْبُرِىِّ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الرَّحْمَةَ يَوْمَ خَلَقَهَا مِائَةَ رَحْمَةٍ، فَأَمْسَكَ عِنْدَهُ تِسْعًا وَتِسْعِينَ رَحْمَةً، وَأَرْسَلَ فِى خَلْقِهِ كُلِّهِمْ رَحْمَةً وَاحِدَةً فَلَوْ يَعْلَمُ الْكَافِرُ بِكُلِّ الَّذِى عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الرَّحْمَةِ لَمْ يَيْأَسْ مِنَ الْجَنَّةِ، وَلَوْ يَعْلَمُ الْمُؤْمِنُ بِكُلِّ الَّذِى عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الْعَذَابِ لَمْ يَأْمَنْ مِنَ النَّارِ» .
وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) سقط ابن سعيد لأبي ذر قال: (حدّثنا يعقوب بن عبد الرَّحمن) الفارسي المدني نزيل الاسكندرية (عن عمرو بن أبي عمرو) بفتح العين فيهما مولى المطلب التابعي الصغير (عن سعيد بن أبي سعيد) بكسر العين فيهما (المقبري عن أبي هريرة رضي الله عنه) أنه (قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول):
(إن الله) عز وجل (خلق الرحمة) التي يرحم بها عباده (يوم خلقها مائة رحمة) أي مائة نوع أو مائة جزء (فأمسك عنده) تعالى (تسعًا وتسعين رحمة وأرسل في خلقه كلهم رحمة واحدة) والرحمة في الأصل بمعنى الرقة الطبيعية والميل الجبلي، وهذا من صفات الآدميين فهو من الباري تعالى مؤوّل، وللمتكلمين في تأويل ما لا تسوغ نسبته إلى الله تعالى على حقيقته اللغوية وجهان: الحمل على الإرادة فيكون من صفات الذات والآخر الحمل على فعل الإكرام فيكون من صفات الأفعال كالرحمة فمنهم من يحملها على إرادة الخير ومنهم من يحملها على فعل الخير، ثم بعد ذلك يتعين أحد التأويلين في بعض السياقات لمانع يمنع من الآخر فهاهنا يتعين تأويل الرحمة بفعل الخير لتكون صفة فعل فتكون حادثة عند الأشعري فيتسلط الخلق عليها، ولا يصح هنا تأويلها بالإرادة لأنها إذ ذاك من صفات الذات فتكون قديمة فيمتنع تعلق الخلق بها ويتعين تأويلها بالإرادة في قوله تعالى:{لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم} [هود: 43] لأنك لو حملتها على الفعل لكانت العصمة بعينها فيكون استثناء الشيء من نفسه وكأنك قلت لا عاصم إلا العاصم فتكون الرحمة الإرادة والعصمة على بابها بمعنى المنع من المكروهات كأنه قال: لا يمنع من المحذور إلا من أراد السلامة.
(فلو يعلم الكافر بكل الذي عند الله من الرحمة) الواسعة (لم ييأس) أي يقنط (من الجنة) بل يحصل له الرجاء فيها لأنه يغطي عليه ما يعلمه من العذاب العظيم، وعبر بالمضارع في قوله يعلم
دون الماضي إشارة إلى أنه لم يقع له علم ذلك ولا يقع لأنه إذا امتنع في المستقبل كان ممتنعًا فيما مضى وقال الكرماني: لو هنا لانتفاء الثاني، وقال: فلو بالفاء إشارة إلى ترتيب ما بعدها على ما قبلها. واستشكل التركيب في قوله بكل الذي لأن كل إذا أضيفت إلى الموصول كانت إذ ذاك لعموم الأجزاء لا لعموم الأفراد والمراد من سياق الحديث تعميم الأفراد، وأجيب: بأنه وقع في بعض طرقه أن الرحمة قسمت مائة جزء فالتعميم حينئذٍ لعموم الأجزاء في الأصل أو نزلت الأجزاء منزلة الأفراد