الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الاختلاط للتداوي
الضوابط في مسألة النظر للعورة في العلاج
(1):
إن مما عمّت به البلوى في هذا الزمان التساهل في مسائل الكشف عن العورات في العيادات والمستشفيات وكأن الطبيب يجوز له كلّ شيء ويحلّ عنده كلّ محظور.
وواجب على المسلمين الاعتناء بتخريج النساء من أهل الكفاية في التخصصات المختلفة للقيام بالواجب، وحسن إعداد جداول المناوبات في المستوصفات والمستشفيات لئلا تقع نساء المسلمين في الحرج، وأن لا تُهمل المريضة أو يتبرّم منها الطبيب إذا طلبت طبيبة لعلاجها.
ولا بدّ من تقوى الله في هذه المسألة العظيمة التي احتاطت لها الشريعة وجعلت لها أحكاما واضحة وحازمة.
أولًا: عورة الرجل ما بين السرّة والركبة لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «مَا بَيْنَ السُّرَّةِ والرُّكْبَةِ عَوْرَةٌ» (رواه الدارقطني، وحسنه الألباني)، وهذا قول جمهور أهل العلم.
ثانيًا: المرأة كلها عورة أمام الأجنبي لقوله تعالى: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} (الأحزاب: 53)، ولقوله صلى الله عليه وآله وسلم:«الْمَرْأَةُ عَوْرَةٌ» (رواه الترمذي وصححه الألباني).
(1) انظر قرارات المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي،، الدورات من الأولى إلى السادسة عشرة، القرارات من الأول إلى الخامس والتسعين (1398 - 1422هـ /1977 - 2002م)، (ص 306 - 307)، فتاوى موقع الإسلام سؤال وجواب، بإشراف الشيخ محمد المنجد، سؤال رقم (5693).
ثالثًا: تَعمّد النظر إلى العورات من المحرمات الشديدة ويجب غضّ البصر عنها لقوله تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} (النور: 30 - 31). وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا يَنْظُرُ الرَّجُلُ إِلَى عَوْرَةِ الرَّجُلِ، وَلَا الْمَرْأَةُ إِلَى عَوْرَةِ الْمَرْأَةِ» (رواه مسلم).، وقال لعلي رضي الله عنه:«لَا تُبْرِزْ فَخِذَكَ، وَلا تَنْظُرِ الَى فَخِذِ حَيٍّ وَلا مَيِّتٍ» (رواه الإمام أحمد وأبو داود، وصححه الأرنؤوط).
رابعًا: كلّ ما لا يجوز النّظر إليه من العورات لا يحلّ مسّه، وقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم:«إِنِّي لَا أُصَافِحُ النِّسَاءَ» (1).وقال صلى الله عليه وآله وسلم: «لأَنْ يُطْعَنَ فِي رَأْسِ رَجُلٍ بِمِخْيَطٍ مِنْ حَدِيدٍ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمَسَّ امْرَأَةً لا تَحِلُّ لَهُ» . (رواه الطبراني، وصححه الألباني).
قال النووي رحمه الله: «وحيث حَرُم النظر حَرُم المسّ بطريق الأَوْلى، لأنه أبلغ لذّة» (2).
خامسًا: العورات أنواع ودرجات:
- فمنها العورة المغلّظة (السوأتان: القُبُل والدُّبُر) والعورة المخففة كفخذي الرّجل أمام الرّجل.
- والصغير دون سبع سنين لا حكم لعورته.
- والصغير المميِّز ـ من السابعة إلى العاشرة ـ عورته الفرجان.
- والصغيرة المميِّزة عورتها من السرّة إلى الركبة.
- وكلّ ذلك عند أَمْن الفتنة.
(1) رواه الإمام أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه وصححه الألباني والأرنؤوط.
(2)
روضة الطالبين (2/ 457).
- وعورة الميّت كعورة الحيّ، والأحوط إلحاق الخنثى بالمرأة في العورة لاحتمال كونه امرأة.
سادسًا: الضرورات تبيح المحظورات، ولا خلاف بين العلماء في جواز نظر الطبيب إلى موضع المرض من المرأة عند الحاجة ضمن الضوابط الشرعية، وكذلك القول في نظر الطبيب إلى عورة الرجل المريض، فيباح له النظر إلى موضع العلّة بقدر الحاجة، والمرأة الطبيبة في الحكم كالطبيب الرجل. وهذا الحكم مبني على ترجيح مصلحة حفظ النفس على مصلحة ستر العورة عند التعارض.
سابعًا: الضرورة تُقدَّر بقدرها: فإذا جاز النظر والكشف واللمس وغيرها من دواعي العلاج لدفع الضرورة والحاجة القويّة فإنه لا يجوز بحال من الأحوال التعدّي وترك مراعاة الضوابط الشرعية ومن هذه الضوابط ما يلي:
1ـ يقدّم في علاج الرجال الرجال وفي علاج النساء النساء.
- وعند الكشف على المريضة تُقدّم الطبيبة المسلمة صاحبة الكفاية.
- ثمّ الطبيبة الكافرة.
- ثمّ الطبيب المسلم.
- ثمّ الطبيب الكافر.
- وكذلك إذا كانت تكفي الطبيبة العامة فلا يكشف الطبيب ولو كان مختصًا.
- وإذا احتيج إلى مختصة من النساء فلم توجد جاز الكشف عند الطبيب المختص.
- وإذا كانت المختصة لا تكفي للعلاج وكانت الحالة تستدعي تدخّل الطبيب الحاذق الماهر الخبير جاز ذلك.
- وعند وجود طبيب مختص يتفوّق على الطبيبة في المهارة والخبرة فلا يُلجأ إليه إلا إذا كانت الحالة تستلزم هذا القدر الزائد من الخبرة والمهارة.
- وكذلك يُشترط في معالجة المرأة للرجل أن لايكون هناك رجل يستطيع أن يقوم بالمعالجة.
2ـ لا يجوز تجاوز الموضع اللازم للكشف فيقتصر على الموضع الذي تدعو الحاجة إلى النظر إليه فقط، ويجتهد مع ذلك في غضّ بصره ما أمكن، وعليه أن يشعر أنه يفعل شيئا هو في الأصل محرّم وأن يستغفر الله عما يمكن أن يكون حصل من التجاوز.
3ـ إذا كان وصف المرض كافيًا فلا يجوز الكشف.
- وإذا أمكن معاينة موضع المرض بالنظر فقط فلا يجوز اللمس.
- وإذا كان يكفي اللمس بحائل فلا يجوز اللمس بغير حائل وهكذا.
4ـ يُشترط لمعالجة الطبيب المرأة أن لا يكون ذلك بخلوة فلا بدّ أن يكون مع المرأة زوجها أو محرمها أو امرأة أخرى من الثقات.
5ـ أن يكون الطبيب أمينًا غير متهم في خلقه ودينه ويكفي في ذلك حمل الناس على ظاهرهم.
6ـ كلما غَلُظت العورة كان التشديد أكثر؛ ولذلك لا بدّ من التشديد البالغ في مثل حالات التوليد وختان الإناث اليافعات.
7ـ أن تكون الحاجة إلى العلاج ماسة كمرض أو وجع لا يُحتمل أو هُزال يُخشى منه ونحو ذلك أما إذا لم يكن مرض أو ضرورة فلا يجوز الكشف عن العورات كما في حالات التوهّم والأمور التحسينية.
8ـ كلّ ما تقدّم مُقيّد بأمن الفتنة وثوَران الشهوة من كلّ من طرفي عملية المعالجة.