الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قرار المرأة
في بيتها هو الأصل
(1)
إن قرار المرأة في بيتها هو الأصل، فهو عزيمة شرعية في حقهن، وخروجهن من البيوت رخصة لا تكون إلا لضرورة أو حاجة (2)،
بضوابط الخروج
(1) بتصرف من (الاختلاط بين الواقع والتشريع، دراسة فقهية علمية تطبيقية في حكم الاختلاط وآثاره)، جمع وإعداد: إبراهيم بن عبد الله الأزرق، (ص 17 - 21). المرأة المسلمة والمشاركة السياسية أقوال الأعلام من علماء الإسلام، د. سامي محمد صالح الدلال، مجلة البيان، (العدد 206).
(2)
الضرورة عند الأصوليين: هي الأمور التي لا بد منها في قيام مصالح الدين والدنيا وهي حفظ الدين والعقل والنفس والنسل والمال. بحيث إذا فقدت لم تجر مصالح الدنيا على استقامة، بل على فساد وتهارج وفوت حياة، وفي الأخرى فوت النجاة والنعيم والرجوع بالخسران المبين.
والحاجة: ما يفتقر إليها من حيث التوسعة ورفع الضيق المؤدي في الغالب إلى الحرج والمشقة اللاحقة بفوت المصلحة، فإذا لم تراع دخل على المكلفين ـ على الجملة ـ الحرج والمشقة.
والفرق بين الحاجة والضرورة، أن الحاجة وإن كانت حالة جهد ومشقة فهي دون الضرورة، ومرتبتها أدنى منها ولا يتأتى بفقدها الهلاك.
فالضرورة هي: بلوغ الإنسان حدًّا إن لم يتناول الممنوع هلك أو قارب الهلاك. والحاجة هي الافتقار إلى الشيء الذي إذا توفر للإنسان رفع عنه الحرج والمشقة، وإذا لم يتحقق له لم يحصل له فساد عظيم، مثل الجائع الذي إذا لم يأكل لم يهلك.
الفروق التي بين الحاجة والضرورة:
1 -
المشقة في الحاجة أقل منها في الضرورة فالمشقة في الحاجة لا يؤدي فواتها لمهلكة كالطحلب في مياه الآبار والأوراق التي تتغير فيه فرفع المشقة في الحاجة من باب رفع الحرج، بعكس الضرورة فإن رفع المشقة من باب رفع الضرر فلو تركت لأدت إلى المساس بأحد مقاصد الشريعة الستة كالهلاك أو فقدان عضو أو فقدان مال وما شابه.
2 -
الضرورة تتعلق بالاستفادة من الحرام لذاته أما الحاجة فمن الحرام لغيره.
3 -
باعث الضرورة الإلجاء، وباعث الحاجة التيسير، ومعنى ذلك أنه في الحاجة مخير بين التلبس بالحاجة أو عدم التلبس بها، في حين أنه في الضرورة لا خيار له، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بعد كلامه عن مسألة قد تكون مِنْ الضَّرُورَاتِ الَّتِي تُبِيحُ الْمُحَرَّمَاتِ: «وَكُلَّمَا جَوَّزَ لِلْحَاجَةِ لَا لِلضَّرُورَةِ كَتَحَلِّي النِّسَاءِ بِالذَّهَبِ وَالْحَرِيرِ وَالتَّدَاوِي بِالذَّهَبِ وَالْحَرِيرِ فَإِنَّمَا أُبِيحَ لِكَمَالِ الِانْتِفَاعِ؛ لَا لِأَجْلِ الضَّرُورَةِ الَّتِي تُبِيحُ=
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= الْمَيْتَةَ وَنَحْوَهَا؛ وَإِنَّمَا الْحَاجَةُ فِي هَذَا تَكْمِيلُ الِانْتِفَاعِ؛ فَإِنَّ الْمَنْفَعَةَ النَّاقِصَةَ يَحْصُلُ مَعَهَا عَوَزٌ يَدْعُوهَا إلَى كَمَالِهَا. فَهَذِهِ هِيَ الْحَاجَةُ فِي مِثْلِ هَذَا. وَأَمَّا الضَّرُورَةُ الَّتِي يَحْصُلُ بِعَدَمِهَا حُصُولُ مَوْتٍ أَوْ مَرَضٍ أَوْ الْعَجْزُ عَنْ الْوَاجِبَاتِ كَالضَّرُورَةِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي أَكْلِ الْمَيْتَةِ فَتِلْكَ الضَّرُورَةُ الْمُعْتَبَرَةُ فِي أَكْلِ الْمَيْتَةِ لَا تُعْتَبَرُ فِي مِثْلِ هَذَا». (مجموع الفتاوى: 31/ 225 - 226).
وقد يكون المرور بالحرام لغيره لا مفر منه ومن هنا قد تفقد القاعدة السابقة فيكون الحكم حكم ضرورة لا حكم حاجة كنظرة الطبيب للمريضة ولا يسع الوقت لكي تراها طبيبة كالولادة ليلًا مثلًا ولا طبيبة تولّد وما شابه فهذه أقرب للضرورات منها للحاجات.
4 -
الضرورة شدة وضيق ومشقّة تبيح المحرّم، كالميتة والدم ولحم الخنزير، والحاجة: افتقار ونقص فهي أعم من الضرورة.
5 -
الضرورة أدلتها واضحة أما الحاجة فعادة ترجع لغلبة الظن وأدلتها عامة.
6 -
الضرورة شخصية، لا ينتفع بها غير المضطر، والحاجة لا يشترط فيها تحقق الاحتياج في آحاد أفرادها إنما يكفي غلبة الظن في احتياجها.
7 -
الضرورة ترفع الحرام أما الحاجة فترفع الوسائل المؤدية إلى الحرام وهذا جزء من الفرق الثاني.
8 -
الضرورة تبيح الكثير واليسير، والحاجة تبيح اليسير لا الكثير.
9 -
الضرورة يقدرها صاحبها أما الحاجة فيقدرها المجتهد.
10 -
الضرورة لا بد أن تكون متيقنة أو متوقعة وليست متوهمة بعكس الحاجة فقد تكون متوقعة أو متيقنة عامة لكن ليست كذلك خاصة في فرد معين فيعتبر في تقدير الحاجة حالة الشخص المتوسط العادي في موضع معتاد، ولا صلة له بالظروف الخاصة به؛ لأن التشريع يتصف بصفة العموم والتجرد.
11 -
حكم الضرورة مؤقت بزمان تلك الضرورة، وحكم الحاجة مستمر، ومع هذا فقد تطلق الضرورة ويراد بها الحاجة، على أن حكم هذه القاعدة ليس على إطلاقه فقد اشترط العلماء في الحاجة المبيحة للمحظور شروطًا أهمها ما يلي:
أ- أن تكون الشدة الباعثة على مخالفة الحكم الشرعي الأصلي بالغة درجة الحرج غير المعتاد.
ب- أن يكون الضابط في تقدير تلك الحاجة النظر إلى أواسط الناس ومجموعهم بالنسبة إلى الحاجة العامة، وإلى أواسط الفئة المعينة التي تتعلق بها الحاجة إذا كانت خاصة.
ت- أن تكون الحاجة متعينة بألا يوجد سبيل آخر للتوصل إلى الغرض سوى مخالفة الحكم العام.
ث- أن تقدر تلك الحاجة بقدرها كما هو الحال بالنسبة إلى الضرورات.
ج- ألا يخالف الحكم المبني على الحاجة نصًّا من كتاب الله تعالى أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم على حكم ذلك الأمر بخصوصه، وألا يعارض قياسًا صحيحًا أقوى منه، وأن يكون مندرجًا في مقاصد الشرع، وألا تفوت معه مصلحة أكبر».
انظر كتاب: (الفرق بين الضرورة والحاجة تطبيقا على بعض أحوال الأقليات المسلمة للشيخ عبد الله بن بَيَّه)، كتاب:(القواعد والضوابط الفقهية المتضمنة للتيسير) للشيخ عبد الرحمن بن صالح العبد اللطيف، فتاوى موقع الشبكة الإسلامية، بإشراف الدكتور عبد الله الفقيه، رقم الفتوى:127340).
الشرعية (1)؛ قال تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} (الأحزاب: 33).
فقوله تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} ليس مقصورًا على نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو قول جمهور المفسرين منهم:
1 -
القرطبي رحمه الله، قال: «مَعْنَى هَذِهِ الْآيَة الْأَمْر بِلُزُومِ الْبَيْت ، وَإِنْ كَانَ الْخِطَاب لِنِسَاءِ النَّبِيّ صلى الله عليه وآله وسلم فَقَدْ دَخَلَ غَيْرهنَّ فِيهِ بِالْمَعْنَى.
هَذَا لَوْ لَمْ يَرِد دَلِيل يَخُصّ جَمِيع النِّسَاء ، كَيْف وَالشَّرِيعَة طَافِحَة بِلُزُومِ النِّسَاء بُيُوتهنَّ ، وَالِانْكِفَاف عَنْ الْخُرُوج مِنْهَا إِلَّا لِضَرُورَةٍ» (2).
2 -
ابن كثير رحمه الله، قال في تفسيره لهذه الآية:«هذه آداب أمر الله ـ تعالى ـ بها نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ونساء الأمة تبع لهن في ذلك» (3).
3 -
العلامة الآلوسي البغدادي رحمه الله، قال:«والمراد على جميع القراءات أمرهن رضي الله عنهن بملازمة البيوت، وهو أمر مطلوب من معاشر النساء» (4).
4 -
الشيخ حسنين محمد مخلوف مفتي الديار المصرية السابق، وعضو جماعة كبار العلماء بالأزهر الشريف رحمه الله، قال في تفسيره لقوله عز وجل:{وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} : «الزمنها! فلا تخرجن لغير حاجة مشروعة، ومثلهن في ذلك سائر نساء المؤمنين» (5).
(1) حراسة الفضيلة، للشيخ بكر أبوزيد (ص 89 - 90).
(2)
تفسير القرطبي (14/ 178).
(3)
تفسير ابن كثير3/ 482 ..
(4)
روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني (22/ 6).
(5)
صفوة البيان لمعاني القرآن» (ص 531).
5 -
ابن العربي المالكي رحمه الله، قال:«قوله تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ}، يعني اسكُنَّ فيها ولا تتحرَّكن، ولا تبرحن منها» (1).
6 -
الجصاص رحمه الله، قال في الآية الآنفة:«وفيه الدلالة على أن النساء مأمورات بلزوم البيوت، منهيات عن الخروج» (2).
وقد نص غير واحد من أهل العلم على أن المرأة تلزم بيتها لاتخرج منه إلاّ لضرورة، قال ابن الحاج:«خروج المرأة لايكون إلاّ لضرورة شرعية» (3).
وقال الشيخ بكر أبوزيد: «ومَنْ نظر في آيات القرآن الكريم، وجد أن البيوت مضافة إلى النساء في ثلاث آيات من كتاب الله تعالى، مع أن البيوت للأزواج أو لأوليائهن، وإنما حصلت هذه الإضافة ـ والله أعلم ـ مراعاة لاستمرار لزوم النساء للبيوت، فهي إضافة إسكان ولزوم للمسكن والتصاق به، لا إضافة تمليك، قال الله تعالى:{وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} ، وقال سبحانه:{وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ} (الأحزاب: 34)، وقال عز شأنه:{لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ} (الطلاق: 1)(4).
ومع ذلك قد تقتضي الحاجة خروج النساء، وعندها فلا حرج في خروجهن إذا أُمِنَتْ الفتنة، وكان خروجها منضبطًا بضوابط الشريعة، فلا تخرج متطيبة ولا متزينة، أو متبرجة ولا سافرة، ولاتزاحم الرجال في وسط الطرقات، بل تلتزم حافتها، وإذا
(1) أحكام القرآن (3/ 569).
(2)
أحكام القرآن للجصاص (3/ 529).
(3)
المدخل (2/ 12). (والمقصود بالضرورة الحاجة المعتبرة شرعًا فضلًا عن الضرورات. (د/ ياسر).
(4)
حراسة الفضيلة (ص89 - 90).
احتاجت إلى الكلام مع الأجانب فلا تخضع بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض، فمتى انقضت الحاجة أو ارتفعت الضرورة عاد كل إلى أصله.
أما إذا لم تكن هناك حاجة فقد قال الله عز وجل: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} ، ومع هذا الأمر بالقرار وحذرًا من مغبة الاختلاط منع من الدخول على النساء، وكل ذلك لعظم فتنة النساء؛ قال تعالى:{زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ (14)} (آل عمران:14)، فجعلهن من عين الشهوات، وبدأ بهن قبل بقية الأنواع، إشارة إلى أنهن الأصل في ذلك» (1).
ومما سبق نخلص إلى أن الأصل أمْر النساء بلزوم البيوت، ونهيهن عن الخروج منها، أما عند الحاجة فيجوز لها أن تخرج ومن ذلك خروجها للعبادة، كالصلاة في المسجد رغم أن صلاتها في بيتها خير لها من صلاتها في المسجد، وكصلاة العيدين، ويجوز للمرأة أن تخرج للحج على أن تكون مع محرم، ويجوز لها الخروج لزيارة الآباء ، والأمهات ، وذوي المحارم ، وشهود موت من ذكر ، وحضور عرسه وقضاء حاجة لا غَناء للمرأة عنها ولا تجد من يقوم بها. والدليل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم:«قَدْ أَذِنَ اللهُ لَكُنَّ أَنْ تَخْرُجْنَ لِحَوَائِجِكُنَّ» (رواه البخاري ومسلم).
فللمرأة أن تخرج من بيتها، ويكون هذا الخروج ممثلًا لحركة طارئة من حيث الأصل، ومنضبطًا بالشرع من حيث الممارسة، وبما لا يخل بقاعدة «القرار» ، ومن ذلك:
1 -
أن يكون خروج المرأة غير بغير فتنة ، أما التي يخشى الافتتان بها فلا تخرج إلا إذا
(1) تحفة الأحوذي (8/ 53)، وانظر عمدة القاري (20/ 89).
أزالت أسباب الفتنة بها كالتبرج مثلًا؛ قالتعالى: {وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} (الأحزاب: 33).
2 -
أن تكون الطريق مأمونة من تَوَقُّعِ المفسدة وإلا حَرُمَ خروجُها.
3 -
أن يكون خروجها في زمن أمن الرجال ولا يفضي إلى خلوتها أو اختلاطها بهم الاختلاط المحرم؛ لأن تمكين النساء من اختلاطهن بالرجال أصل كل بلية وشر.
4 -
الالتزام بالحجاب فيكون خروجها في تستر تام، لقوله تعالى:{يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (59)} (الأحزاب: 59).
5 -
أن يكون الخروج بإذن الزوج ، فلا يجوز لها الخروج إلا بإذنه.
6 ـ أن لا يؤدي خروجها إلى خلل في أداء واجباتها الأصلية في مقرها وهو المنزل.
7 ـ الالتزام بغض البصر؛ قال تعالى: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} (النور: 31).
8 ـ عدم التعطر أو إصابة البخور؛ لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ اسْتَعْطَرَتْ، فَمَرَّتْ بِقَوْمٍ لِيَجِدُوا رِيحَهَا فَهِيَ زَانِيَةٌ» (رواه الإمام أحمد والنسائي، وحسنه الألباني).
9 -
عدم الخضوع بالقول إذا كان هناك حاجة إلى مخاطبة الرجال.