الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأما معالجة المرضى الرجال وما يتبع ذلك من اختلاط وخلوة فهذا مما لا يجوز شرعًا، بل هي فتنة حذرنا منها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد ثبت عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال:«لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلَاّ وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ» (رواه مسلم)، وقال:«مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً هِيَ أَضَرُّ عَلَى الرِّجَالِ مِنْ النِّسَاءِ» (رواه البخاري ومسلم).
ولا يجوز للمرأة أن تُعالج رجلًا إلا للضرورة، كما لو لم يوجد طبيب رجل يعالجه، أو كان الأمر لا يحتمل التأخير كالحوادث وما أشبه ذلك.
قال الشيخ ابن باز رحمه الله: «الواجب أن تكون الطبيبات مختصات للنساء، والأطباء مختصين للرجال إلا عند الضرورة القصوى إذا وجد مرض في الرجال ليس له طبيب رجل، فهذا لا بأس به، والله يقول: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} (الأنعام: 119)» .
لذا عليك أن تقتصري في العلاج على النساء والأطفال كما ذكرت، واحتسبي عملك هذا عند الله سبحانه وتعالى، ومن ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه (1).
دراسة الطب والعمل في المستشفيات مع وجود الاختلاط
(2):
س: نحن طلاب العلم في كلية علوم الطب نسأل عن حكم الشرع في نظركم للعمل في مستشفيات مختلطة يعالج فيه الطبيب النساء والرجال على السواء مع إمكانية تجنب الخلوة المحرمة، وكل المستشفيات في بلدنا تعمل بهذا النظام، فما يمكن تجنب المسلم العمل كطبيب في مستشفيات أخرى للرجال فقط لعدم وجودها أصلا في بلدنا، وقد رأى بعضنا
(1) فتاوى موقع الإسلام سؤال وجواب، بإشراف الشيخ محمد المنجد (سؤال رقم 20460).
(2)
((فتاوى موقع الإسلام سؤال وجواب، بإشراف الشيخ محمد صالح المنجد، (سؤال رقم 79549).
أن ترك عمل الطبيب المسلم بسبب هذا النظام السالف الذكر الذي ما يمكن رده فيه تعطيل لمصالح العباد ووقوع مفاسد أعظم من العمل في المستشفيات.
وإننا في حرج شديد من أمرنا هذا ولم نجد جوابًا مقنعًا لهذا السؤال فعسى أن يهدينا الله للصواب على أيديكم.
ج: أولًا: نشكر لكم اهتمامكم وحرصكم على معرفة الحكم الشرعي في هذه المسألة التي عمت بها البلوى، ونسأل الله لنا ولكم التوفيق والسداد في القول والعمل.
ثانيًا: لا يجوز للطبيب الرجل أن يعالج المرأة إلا عند تعذر وجود طبيبة مسلمة أو كافرة، وقد صدر بهذا قرار من مجمع الفقه الإسلامي ونصه: «الأصل أنه إذا توافرت طبيبة متخصصة يجب أن تقوم بالكشف على المريضة، وإذا لم يتوافر ذلك فتقوم بذلك طبيبة غير مسلمة ثقة، فإن لم يتوافر ذلك يقوم به طبيب مسلم، وإن لم يتوافر طبيب مسلم يمكن أن يقوم مقامه طبيب غير مسلم، على أن يطّلع من جسم المرأة على قدر الحاجة في تشخيص المرض ومداواته وألا يزيد عن ذلك وأن يغض الطرف قدر استطاعته، وأن تتم معالجة الطبيب للمرأة هذه بحضور محرم أو زوج أو امرأة ثقة خشية الخلوة.
ويوصي بما يلي: أن تولي السلطات الصحية جُلَّ جهدها لتشجيع النساء على الانخراط في مجال العلوم الطبية والتخصص في كل فروعها، وخاصة أمراض النساء والتوليد، نظرًا لندرة النساء في هذه التخصصات الطبية، حتى لا نضطر إلى قاعدة الاستثناء» (1).
وهذا ما اعتمدناه في الإجابة عن الأسئلة الواردة بهذا الخصوص.
ثالثا: إذا ابتلي المسلمون في بلد ما، بكون جميع المستشفيات مختلطة، فهذا واقع
(1) نقلًا عن مجلة المجمع (8/ 1/49)، وانظر قرارات المجمع الفقهي الإسلامي (ص 306 - 307).
استثنائي مؤلم، يتعذر معه تطبيق الضوابط السابقة؛ إذ لابد للنساء أو لجماعة كبيرة منهن من الذهاب إلى هذه المستشفيات، وعرض أنفسهن على الأطباء الرجال، ولا شك أن القول بمنع الأطباء الصالحين من العمل في هذه المستشفيات، يعني أن يخلو المكان لغير الصالحين، ممن لا يراقب الله تعالى في عمله ولا في نظره ولا في خلوته، كما يعني حرمان هؤلاء الأطباء من فرص العمل، أو تفريغ كليات الطب من أهل الدين والاستقامة، ولاشك أن هذه مفاسد عظيمة، تزيد على مفسدة اطلاع الرجل على عورة المرأة، التي يباح كشفها للحاجة والضرورة.
فالذي يظهر لنا ـ والله أعلم ـ أنه لا حرج عليكم في العمل في هذه المستشفيات، مع السعى الجاد في تغيير هذا الواقع، بإنشاء العيادات والمستشفيات الخاصة، غير المختلطة، وبذل الجهود لإقناع المسئولين والتأثير عليهم لتخصيص بعض المستشفيات للنساء، والالتزام بالضوابط الشرعية الممكنة من عدم الخلوة، وقصر النظر على موضع الحاجة.
وجوابنا هذا مبني على أمرين:
الأول: ما هو مقرر عند أهل العلم من أن الشريعة جاءت لتحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها، وأنه ترتكب أدنى المفسدتين لدفع أعلاهما.
والثاني: ـ وهو متفرع عن الأول ـ ما أفتى به بعض أهل العلم من جواز تولي الوظائف الممنوعة؛ لتخفيف الشر ما أمكن، ومن ذلك ما أفتى به شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فيمن يتولى الولايات، ويُلزم بأخذ المكوس المحرمة من الناس، لكنه يجتهد في العدل ورفع الظلم بحسب إمكانه، ويخفف من المكوس ما استطاع، ولو ترك الولاية لحل محله من يزيد معه الظلم، فأفتى رحمه الله بأنه يجوز له البقاء في ولايته، بل بقاؤه على ذلك أفضل من تركه، إذا لم يشتغل بما هو أفضل منه، وقال: «وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ عَلَيْهِ
وَاجِبًا إذَا لَمْ يَقُمْ بِهِ غَيْرُهُ قَادِرًا عَلَيْهِ؛ فَنَشْرُ الْعَدْلِ ـ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ وَرَفْعُ الظُّلْمِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ ـ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ يَقُومُ كُلُّ إنْسَانٍ بِمَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَقُمْ غَيْرُهُ فِي ذَلِكَ مَقَامَهُ
…
» (1).
ومعلوم أن أخذ المكوس محرم تحريمًا شديدًا، وهو من كبائر الذنوب، لكن لما كان في تولي هذا المسلم الصالح تخفيف للشر، والتقليل منه بحسب الإمكان، جاز ذلك.
وقد علق الشيخ ابن عثيمين رحمه الله على كلام لشيخ الإسلام قريب من هذا بقوله:
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: «نحن مجموعة أطباء نعمل في الرياض، ويكون علينا مناوبات يكون فيها مرضى ذكور وإناث، وأحيانا تشتكي المريضة وتكون الشكوى مثلا الصداع أو وجع في البطن، ويقتضي العمل الطبي حتى يكون تامًّا أن يتم الفحص: يقتضي أخذ المعلومات عن سبب الصداع، يقتضي أن يفحص البطن أو الرأس أو غيرها حتى لا يكون عليه مسئولية، ولو لم يكن من فحص قد لا تتضرر المريضة كثيرًا، يعني هناك مجال للتهرب منها، لكن حتى يقيم الحالة تقييمًا تامًّا يقتضي أن يفحص
…
».
(1) مجموع الفتاوى (30/ 356 - 360).
(2)
شرح كتاب السياسة الشرعية (ص 149).