المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الاختلاط في العمل - الاختلاط بين الرجال والنساء - جـ ١

[شحاتة صقر]

فهرس الكتاب

- ‌تقديم

- ‌أقوالليست عابرة

- ‌قرار المرأةفي بيتها هو الأصل

- ‌معنى الخضوع بالقول:

- ‌بعضأحكام النَظَرُ

- ‌نَظَرُ الرَّجُل إِلَى الْمَرْأَةِ الأَْجْنَبِيَّةِ الشَّابَّةِ:

- ‌نَظَرُ الرَّجُل إِلَى الأَْجْنَبِيَّةِ الْعَجُوزِ:

- ‌نَظَرُ الرَّجُل إِلَى الصَّغِيرَةِ:

- ‌نَظَرُ الرَّجُل إِلَى ذَوَاتِ مَحَارِمِهِ:

- ‌نَظَرُ غَيْرِ أُولِي الإِْرْبَةِ مِنَ الرِّجَال إِلَى الْمَرأَةِ:

- ‌نَظَرُ الصَّغِيرِ إِلَى الْمَرْأَةِ الأَْجْنَبِيَّةِ:

- ‌نَظَرُ الْمُرَاهِقِ إِلَى الْمَرْأَةِ:

- ‌نَظَرُ الرَّجُل إِلَى الرَّجُل:

- ‌نَظَرُ الْمَرْأَةِ إِلَى الرَّجُل الأَجْنَبِيِّ:

- ‌الرد على من قال بجواز نظر المرأة إلى الرجل بدون شهوة:

- ‌1 - الجواب عن حديث فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ رضي الله عنها

- ‌2 - الجواب عن حديث نظر عائشة رضي الله عنها إلى الحبشة:

- ‌3 - الجواب عن ِالْحَدِيثِ الذي رواه البخاري ومسلم فِي مُضِيِّ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم إلَى النِّسَاءِ فِي يَوْمِ الْعِيدِ عِنْدَ الْخُطْبَةِ فَذَكَّرَهُنَّ وَمَعَهُ بِلَالٌ فَأَمَرَهُنَّ بِالصَّدَقَةِ:

- ‌نظر النساء إلى الرجال على شاشات التلفاز والحاسوب

- ‌نَظَرُ الْمَرْأَةِ إِلَى مَحَارِمِهَا مِنَ الرِّجَال:

- ‌نَظَرُ الْمَرْأَةِ إِلَى الْمَرْأَةِ:

- ‌نَظَرُ الْمَرْأَةِ الْمُسْلِمَةِ إِلَى الْمَرْأَةِ:

- ‌نَظَرُ الْكَافِرَةِ إِلَى الْمُسْلِمَةِ:

- ‌نَظَرُ الْفَاجِرَةِ إِلَى الْعَفِيفَةِ:

- ‌النَّظَرُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ:

- ‌التَّرْخِيصُ بِالنَّظَرِ إِلَى مَالَا يَجُوزُ النَّظَرُ إِلَيْهِ:

- ‌الأَوَّل: إِذَا وَقَعَ عَلَى سَبِيل الْفَجْأَةِ

- ‌الثَّانِي: إِذَا دَعَتْ إِلَيْهِ ضَرُورَةٌ أَوْ حَاجَةٌ

- ‌مراعاةالمنع منالاختلاط في التشريع

- ‌الفرقبين الخلوة والاختلاط

- ‌تعريف الخلوة المحرمة

- ‌الدليل على تحريم الخلوة:

- ‌تعريف الاختلاط:

- ‌يمكن تقسيم الاختلاط إلى قسمين:

- ‌القسم الأول: اختلاط محرم:

- ‌مما يُعْرَفُ به الاختلاط المحرم:

- ‌من صور الاختلاط المحرم:

- ‌تفصيلٌ لما تم إجماله من صور الاختلاط المحرم

- ‌القسم الثاني: اختلاط جائز:

- ‌من الصوَر التي لا حَرجَ فيها:

- ‌هل يقاس اختلاط التعليم والعمل على الاختلاط العابر

- ‌هل فرَّقَ النبي صلى الله عليه وآله وسلم بين الاختلاط العارض واختلاط المكث

- ‌ما ضابط التفريق بين اليسير والكثير

- ‌الضرورة إذا اقتضت اختلاطًا

- ‌افتعال الضرورة

- ‌الأدلةعلى تحريم اختلاطالمرأة بالرجال الأجانب

- ‌بعض الأدلة على تحريم اختلاط المرأة بالرجال الأجانب:

- ‌الدليل الأول: قال تعالى: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ}

- ‌الدليل الثاني:الأمر بغض البصر دليل على المنع من الاختلاط:

- ‌أقوال أهل العلم والدعاة في الاختلاط بين الجنسين

- ‌الإجماع:

- ‌أولًا: من علماء الحنفية:

- ‌ثانيًا: من علماء المالكية:

- ‌ثالثًا: من علماء الشافعية:

- ‌رابعًا: من علماء الحنابلة:

- ‌أقوال بعض العلماء المعاصرين:

- ‌قول الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ـ مفتي السعودية سابقًا

- ‌قول الشيخ محمد بن إسماعيل المقدم:

- ‌أسباب انتشار التبرج والاختلاط في المجتمعات المسلمة

- ‌من ثمار الاختلاط المرة

- ‌مفاسد الاختلاط بين الرجال والنساء في العمل وغيره:

- ‌جزء من دراسة قام بها بعض الباحثين الاجتماعيين المسلمين عن الاختلاط

- ‌من المواقف المحرجة التي ذكرها المشاركون في التحقيق

- ‌ضحايا الاختلاط…قصص واقعية

- ‌الأمل المفقود؟ امرأة تجاوزت الأربعين تحكي حكايتها:

- ‌الذكاء فتنة أيضًا:

- ‌قبل أن يقع الفأس في الرأس:

- ‌كانت تجلس معه ومع زوجته فاختار أن يتزوجها ويطلق زوجته:

- ‌ماذا لو علم زوجها

- ‌أثناء الجماع تتخيل زميلها في العمل مكان زوجها:

- ‌تحكي بالتفصيل لزملائها الرجال!!! ما يحدث بينها وبين زوجها أثناء الجماع

- ‌تنصح زميلها في العمل ـ المقبل على الزواج ـ بما ينبغي أن يفعله مع عروسه عند الدخول بها

- ‌من الاختلاط ما قتل:

- ‌اعتراف لابد منه:

- ‌الاختلاط في العمل

- ‌2.5مليون توقيع:

- ‌فتاوى متعلقة بالاختلاط في العمل

- ‌حكم عمل المرأة في مكان مختلط:

- ‌ ما حكم المرأة التي تعمل وهي متزوجة

- ‌عمل المرأة سكرتيرة في مكتب للرجال:

- ‌هل يجوز للأب إجبار ابنته على العمل في مكان مختلط

- ‌عمل المرأة مع الرجال بغرض دعوة النساء:

- ‌جلوس المرأة مع المدرسين في المدرسة:

- ‌عمل الرجل في مكان مختلط:

- ‌ضوابط عمل الرجل في مكان مختلط:

- ‌معنى الضرورة:

- ‌الاختلاط في التعليم

- ‌نتائج الدراسات الغربية:

- ‌الغرب يبدأ في منع الاختلاط:

- ‌نتائج الدراسات الإسلامية:

- ‌وأخيرًا…هل سيحذون حذوهم

- ‌عدم الاختلاط ليس سببًا لتخلف المرأة:

- ‌ومن يتق الله يجعل له مخرجًا ويرزقه من حيث لا يحتسب:

- ‌واقع الاختلاط في التعليم

- ‌الاختلاط في التعليم الابتدائي:

- ‌مدرس التربية الرياضية:

- ‌جيل التليفزيون:

- ‌دورات المياه المختلطة والحياء المراق

- ‌مُدَرّسة في مدرسة إعدادية للبنين

- ‌ومُدرّسة في مَدْرَسة ثانوية للبنين:

- ‌المُدرّسة الطِعِمَة

- ‌ومُدرّسة للتاريخ الطبيعي (علم الأحياء) في مدرسة للبنين:

- ‌الطبيب المهذب

- ‌الضرورات تبيح المحظورات، ولكن

- ‌هل هناك حل لمشكلة الاختلاط في التعليم

- ‌فتاوى متعلقة بالاختلاط في التعليم

- ‌هل يجوز كشف وجه المرأة من أجل طلب العلم

- ‌تعليم الرجال للنساء بلا حجاب:

- ‌عمل الرجل في التدريس للبنات:

- ‌ضوابط التدريس في الجامعات المختلطة:

- ‌الدراسة والتدريس في المدارس المختلطة:

- ‌يدْرس في جامعة مختلطة فكيف يتعامل مع المدرسات والطالبات

- ‌دراسة الأخوات المنتقبات في الجامعات المختلطة:

- ‌تدرِّسه مُدرِّسة فماذا يفعل

- ‌ضوابط التعامل بين الجنسين في الجامعات المختلطة:

- ‌حكم الاختلاط في كافتيريا الجامعة:

- ‌أهمية تحصيل العلم الجامعي ومحاذير الاختلاط:

- ‌حديث الطالبة مع مدرسها في الجامعة:

- ‌هذه العلاقة أخوة في الله أم علاقة غير شرعية

- ‌حكم تغطية الكفين في حضور الرجال الأجانب:

- ‌طاعة الوالدين واجبة في غير معصية لله:

- ‌الاختلاط أثناء الدراسة لا يجوز إذا لم توجد ضرورة قاهرة:

- ‌حضور حفلات التخرُّج:

- ‌الاختلاط في الندوات:

- ‌قيام الرجل بتحفيظ القرآن لنساء من وراء حجاب:

- ‌حكم استماع القرآن من النساء:

- ‌الاختلاط في المدارس الابتدائية:

- ‌الاختلاط في العمل السياسي

- ‌أقوال أهل العلم:

- ‌ما يترتب على دخول المرأة المعترك السياسي:

- ‌واقع الكفار

- ‌الاختلاط بين الخاطب والمخطوبة

- ‌نَظَرُ الْخَاطِبِ إِلَى الْمَخْطُوبَةِ:

- ‌نَظَرُ الْمَخْطُوبَةِ إِلَى خَاطِبِهَا:

- ‌مَا يُنْظَرُ مِنَ الْمَخْطُوبَةِ:

- ‌تَكْرِيرُ النَّظَرِ:

- ‌مَسُّ مَا يَنْظُرُ:

- ‌الْخَلْوَةُ بِالْمَخْطُوبَةِ:

- ‌خطر التهاون في الخلوة وضرره:

- ‌فتاوى متعلقة بخلوة الخاطب بالمخطوبة

- ‌لا يجوز الجلوس مع المخطوبة إلا بوجود محرم:

- ‌لا يجوز للمخطوبة أن تكشف شيئًا من جسدها لخطيبها إذا كان لغير حاجة الخطبة:

- ‌صداقة بين الخطيب والخطيبة

- ‌اللقاء والتخاطب مع الفتاة بدعوى الزواج في المستقبل لايجوز:

- ‌الاختلاط للتداوي

- ‌الضوابط في مسألة النظر للعورة في العلاج

- ‌هل هناك حل للاختلاطِ في المستشفيات

- ‌فتاوى متعلقة بالاختلاط للتداوي

- ‌قرار مجمع الفقه الإسلامي بشأن ضوابط كشف العورة أثناء علاج المريض

- ‌خلوة الطبيب بالمريضة:

- ‌خلوة الطبيب بالممرضة في غرفة الكشف:

- ‌طبيبة تعالج الرجال:

- ‌دراسة الطب والعمل في المستشفيات مع وجود الاختلاط

- ‌الاختلاط في المستشفيات:

- ‌ضوابط تعامل الطبيب مع النساء:

- ‌حكم حقن الممرضة الإبر للرجال:

- ‌شروط علاج المرأة عند الطبيب:

- ‌حكم العلاج عند طبيب في حال وجود طبيبة بأجرة غالية:

- ‌حدُّ الضرورة المبيحة لعلاج المرأة عند طبيب:

- ‌الاختلاط في المواصلات

- ‌حكم الاختلاط في المواصلات:

- ‌الجلوس إلى جانب النساء في وسائل المواصلات اضطرارًا:

- ‌حكم الخلوة بالأجنبية في المصعد:

- ‌حكم استخدام المرأة المصعد المختلط:

- ‌شروط جواز ركوب المرأة المصعد:

- ‌الاختلاط في الأسواق

- ‌خروج المرأة إلى السوق:

- ‌الدخول في الأسواق التي فيها منكرات:

- ‌الاختلاط للإنقاذ

- ‌ ما حكم مس جسد المرأة أثناء نقلها في الحوادث

- ‌ ما حد حرمة المساكن عند طلب الغوث كحالات الحرائق والفيضانات والهزات الأرضية

- ‌الاختلاط في النزهة والرياضة

- ‌رحلات مختلطة:

- ‌سياحة ولكن:

- ‌حكم زيارة حدائق الحيوانات:

- ‌ممارسة الرياضة مع الاختلاط حرام:

- ‌الاختلاط الأسري

- ‌اختلاط الرجال والنساء في البيت:

- ‌هذا الأمر لا يبرر الاختلاط:

- ‌الاختلاط بالخادمة:

- ‌طاعة الوالدين في حضور فرح الأخت الذي فيه اختلاط وأغاني

- ‌تعويد الأولاد من الصغر على الستر وعدم الاختلاط:

- ‌ضوابط المحادثة بين الجنسين

- ‌ ما حكم مكالمة النساء

- ‌إلقاء الرجل السلام على المرأة:

- ‌كشف شبهات من اختلط عليه الاختلاط

- ‌دعاة الاختلاط من يقلدون

- ‌1 - رفاعة الطهطاوي:

- ‌2 - الصليبي الحقود مرقص فهمي:

- ‌3 - قاسم أمين: فتنة الأجيال وداعية السفور في عهد الاحتلال:

- ‌4 - هدى شعراوي:

- ‌رد مجمل على دعاة الاختلاط

- ‌علة خطأ المبيحين للاختلاط

- ‌نصوص المبيحين:

- ‌تنبيهات:

الفصل: ‌الاختلاط في العمل

‌الاختلاط في العمل

قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله في رسالته المشهورة (خطر مشاركة المرأة للرجل في ميدان عمله): «إن الدعوة إلى نزول المرأة للعمل في ميدان الرجل المؤدي إلى الاختلاط سواء كان ذلك على جهة التصريح أو التلويح بحجة أن ذلك من مقتضيات العصر ومتطلبات الحضارة أمر خطير جدًا له تبعاته الخطيرة وثمراته المرة وعواقبه الوخيمة، رغم مصادمته للنصوص الشرعية التي تأمر المرأة بالقرار في بيتها والقيام بالأعمال التي تخصها في بيتها ونحوه.

ومَن أراد أن يعرف عن كثب ما جناه الاختلاط من المفاسد التي لا تحصى فلينظر إلى تلك المجتمعات التي وقعت في هذا البلاء العظيم اختيارًا أو اضطرارًا بإنصاف من نفسه وتجرد للحق عما عداه يجد التذمر ـ على المستوى الفردي والجماعي ـ والتحسر على انفلات المرأة من بيتها وتفكك الأسر، ونجد ذلك واضحًا على لسان الكثير من الكتاب، بل في جميع وسائل الإعلام، وما ذلك إلا لأن هذا هدم للمجتمع وتقويض لبنائه.

والأدلة الصحيحة الصريحة الدالة على تحريم الخلوة بالأجنبية وتحريم النظر إليها وتحريم الوسائل الموصلة إلى الوقوع فيما حرم الله أدلة كثيرة، قاضية بتحريم الاختلاط لأنه يؤدي إلى ما لا تحمد عقباه.

وإخراج المرأة من بيتها الذي هو مملكتها ومنطلقها الحيوي في هذه الحياة، إخراج لها عما تقتضيه فطرتها وطبيعتها التي جبلها الله عليها. فالدعوة إلى نزول المرأة في الميادين التي تخص الرجال أمر خطير على المجتمع الإسلامي، ومن أعظم آثاره الاختلاط الذي يعتبر من أعظم وسائل الزنا الذي يفتك بالمجتمع ويهدم قيمه وأخلاقه.

ص: 168

ومعلوم أن الله تبارك وتعالى جعل للمرأة تركيبًا خاصًا يختلف تمامًا عن تركيب الرجل، هيأها به للقيام بالأعمال التي في داخل بيتها والأعمال التي بين بنات جنسها.

ومعنى هذا: أن إقحام المرأة لميدان الرجال الخاص بهم يعتبر إخراجًا لها عن تركيبها وطبيعتها، وفي هذا جناية كبيرة على المرأة وقضاء على معنويتها وتحطيم، ويتعدى ذلك إلى أولاد الجيل من ذكور وإناث إذ إنهم يفقدون التربية والحنان والعطف، فالذي يقوم بهذا الدور ـ وهو الأم ـ قد فُصلتْ منه وعُزلتْ تمامًا عن مملكتها التي لا يمكن أن تجد الراحة والاستقرار والطمأنينة إلا فيها؛ وواقع المجتمعات التي تورطت في هذا أصدق شاهد على ما نقول.

والإسلام جعل لكل من الزوجين واجبات خاصة على كل واحد منهما أن يقوم بدوره ليكتمل بذلك بناء المجتمع في داخل البيت وفي خارجه.

فالرجل يقوم بالنفقة والاكتساب، والمرأة تقوم بتربية الأولاد والعطف والحنان والرضاعة والحضانة والأعمال التي تناسبها لتعليم البنات وإدارة مدارسهن والتطبيب والتمريض لهن ونحو ذلك من الأعمال المختصة بالنساء.

وأمْرُ الله سبحانه للمرأة بقرارها في بيتها ونهيها عن التبرج معناه النهي عن الاختلاط وهو: اجتماع الرجال بالنساء الأجنبيات في مكان واحد بحكم العمل أو البيع أو الشراء أو النزهة أو السفر أو نحو ذلك؛ لأن اقتحام المرأة في هذا الميدان يؤدي بها إلى الوقوع في المنهي عنه وفي ذلك مخالفة لأمر الله وتضييع لحقوق الله المطلوب شرعًا من المسلمة أن تقوم بها.

والكتاب والسنة دلا على تحريم الاختلاط وتحريم جميع الوسائل المؤدية إليه.

ص: 169

قال الله عز وجل: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا (33) وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا (34)} (الأحزاب: 33 - 34).

فأمر الله أمهات المؤمنين ـ وجميع المسلمات والمؤمنات داخلات في ذلك ـ بالقرار في البيوت لما في ذلك من صيانتهن وإبعادهن عن وسائل الفساد، لأن الخروج لغير حاجة قد يُفْضِي إلى التبرج، كما قد يُفْضِي إلى شرور أخرى، ثم أمرهن بالأعمال الصالحة التي تنهاهن عن الفحشاء والمنكر وذلك بإقامتهن الصلاة وإيتائهن الزكاة وطاعتهن لله ولرسوله صلى الله عليه وآله وسلم، ثم وجَّهَهُنَّ إلى ما يعود عليهن بالنفع في الدنيا والآخرة وذلك بأن يَكُنَّ على اتصال دائم بالقرآن الكريم وبالسنة النبوية المطهرة اللذين فيهما ما يجلو صدأ القلوب ويطهرها من الأرجاس والأنجاس ويرشد إلى الحق والصواب.

وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (59)} (الأحزاب: 59).

فأمر الله نبيه عليه الصلاة والسلام وهو المبلغ عن ربه أن يقول لأزواجه وبناته وعامة نساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن وذلك يتضمن ستر باقي أجسامهن بالجلابيب، وذلك إذا أردن الخروج لحاجة لئلا تحصل لهن الأذية من مرضى القلوب.

فإذا كان الأمر بهذه المثابة فما بالك بنزولها إلى ميدان الرجال واختلاطها معهم، وإبداء حاجتها إليهم بحكم الوظيفة، والتنازل عن كثير من أنوثتها لتنزل في مستواهم، وذهاب كثير من حيائها ليحصل بذلك الانسجام بين الجنسين المختلفين معنىً وصورة.

ص: 170

قال الله جل وعلا: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} (النور: 30 - 31).

يأمر الله نبيه عليه الصلاة والسلام أن يبلغ المؤمنين والمؤمنات أن يلتزموا بغض البصر وحفظ الفرج عن الزنا، ثم أوضح ـ سبحانه ـ أن هذا الأمر أزكى لهم. ومعلوم أن حفظ الفرج من الفاحشة إنما يكون باجتناب وسائلها، ولا شك أن إطلاق البصر واختلاط النساء بالرجال والرجال بالنساء في ميادين العمل وغيرها من أعظم وسائل وقوع الفاحشة، وهذان الأمران المطلوبان من المؤمن يستحيل تحققهما منه وهو يعمل مع المرأة الأجنبية كزميلة أو مشاركة له في العمل.

فاقتحامها هذا الميدان معه أو اقتحامه الميدان معها لا شك أنه من الأمور التي يستحيل معها غض البصر وإحصان الفرج والحصول على زكاة النفس وطهارتها.

وهكذا أمر الله المؤمنات بغض البصر وحفظ الفرج وعدم إبداء الزينة إلا ما ظهر منها، وأمرهن الله بإسدال الخمار على الجيوب المتضمن ستر رأسها ووجهها، لأن الجيب محل الرأس والوجه.

فكيف يحصل غض البصر وحفظ الفرج، وعدم إبداء الزينة عند نزول المرأة ميدان الرجال واختلاطها معهم في الأعمال والاختلاط كفيل بالوقوع في هذه المحاذير.

وكيف يحصل للمرأة المسلمة أن تغض بصرها وهي تسير مع الرجل الأجنبي جنبًا إلى جنب بحجة أنها تشاركه في الأعمال أو تساويه في جميع ما يقوم به.

والإسلام حرّم جميع الوسائل والذرائع الموصلة إلى الأمور المحرمة؛ ولذلك حرم

ص: 171

الإسلام على النساء خضوعهن بالقول للرجال لكونه يفضي إلى الطمع فيهن كما في قوله عز وجل: {يَانِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} (الأحزاب: 32) يعني مرض الشهوة فكيف يمكن التحفظ من ذلك مع الاختلاط.

ومن البديهي أنها إذا نزلت إلى ميدان الرجال لا بد أن تكلمهم وأن يكلموها ولا بد أن ترقق لهم الكلام وأن يرققوا لها الكلام، والشيطان من وراء ذلك يزين ويحَسِّن ويدعو إلى الفاحشة حتى يقعوا فريسة له، والله حكيم عليم حيث أمر المرأة بالحجاب، وما ذاك إلا لأن الناس فيهم البر والفاجر والطاهر والعاهر، فالحجاب يمنع بإذن الله من الفتنة ويحجز دواعيها وتحصل به طهارة قلوب الرجال والنساء، والبعد عن مظان التهمة قال الله عز وجل:{وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} (الأحزاب: 53).

وخير حجاب للمرأة بعد حجاب وجهها وجسمها باللباس هو بيتها.

وحرم عليها الإسلام مخالطة الرجال الأجانب لئلا تعرض نفسها للفتنة بطريق مباشر أو غير مباشر.

وأمرها بالقرار في البيت وعدم الخروج منه إلا لحاجة مباحة مع لزوم الأدب الشرعي، وقد سمى الله مكث المرأة في بيتها قرارا، وهذا المعنى من أسمى المعاني الرفيعة ففيه استقرار لنفسها وراحة لقلبها وانشراح لصدرها. فخروجها عن هذا القرار يُفْضِي إلى اضطراب نفسها، وقلق قلبها، وضيق صدرها، وتعريضها لما لا تحمد عقباه.

ونهى الإسلام عن الخلوة بالمرأة الأجنبية على الإطلاق إلا مع ذي محرم، وعن

ص: 172

السفر إلا مع ذي محرم سدًّا لذريعة الفساد وإغلاقًا لباب الإثم وحسمًا لأسباب الشر وحماية للنوعين من مكايد الشيطان.

فالإسلام حريص جدًا على جلب المصالح ودرء المفاسد وغلق الأبواب المؤدية إليها، ولاختلاط المرأة مع الرجل في ميدان العمل تأثير كبير في انحطاط الأمة وفساد مجتمعها كما سبق؛ لأن المعروف تاريخيًا عن الحضارات القديمة الرومانية واليونانية ونحوهما أن من أعظم أسباب الانحطاط والانهيار الواقع بها هو خروج المرأة من ميدانها الخاص إلى ميدان الرجال ومزاحمتهم، مما أدى إلى فساد أخلاق الرجال وتركهم لما يدفع بأمتهم إلى الرقي المادي والمعنوي، وانشغال المرأة خارج البيت يؤدي إلى بطالة الرجل وخسران الأمة بانحلال الأسرة وانهيار صرحها وفساد أخلاق الأولاد، ويؤدي إلى الوقوع في مخالفة ما أخبر الله به في كتابه من قوامة الرجل على المرأة.

وقد حرص الإسلام أن يبعد المرأة عن جميع ما يخالف طبيعتها، فمنعها من تولي الولاية العامة كرئاسة الدولة والقضاء وجميع ما فيه مسئوليات عامة لقوله صلى الله عليه وآله وسلم:«لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمُ امْرَأَةً» . (رواه البخاري في صحيحه).

ففَتْحُ الباب لها بأن تنزل إلى ميدان الرجال يعتبر مخالفًا لما يريده الإسلام من سعادتها واستقرارها؛ فالإسلام يمنع تجنيد المرأة في غير ميدانها الأصيل.

وقد ثبت من التجارب المختلفة وخاصة في المجتمع المختلط أن الرجل والمرأة لا يتساويان فطريًا ولا طبيعيًا فضلًا عما ورد في الكتاب والسنة واضحًا جليًّا في اختلاف الطبيعتين والواجبين، والذين ينادون بمساواة الجنس اللطيف ـ المُنَشّأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين ـ بالرجال يجهلون أو يتجاهلون الفوارق الأساسية بينهما.

ص: 173

لقد ذكرنا من الأدلة الشرعية والواقع الملموس ما يدل على تحريم الاختلاط واشتراك المرأة في أعمال الرجال مما فيه كفاية ومقنع لطالب الحق، ولكن نظرًا إلى أن بعض الناس قد يستفيدون من كلمات رجال الغرب والشرق أكثر مما يستفيدون من كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وآله وسلم وكلام علماء المسلمين رأينا أن ننقل لهم ما يتضمن اعتراف رجال الغرب والشرق بمضار الاختلاط ومفاسده لعلهم يقتنعون بذلك، ويعلمون أن ما جاء به دينهم العظيم من منع الاختلاط هو عين الكرامة والصيانة للنساء وحمايتهن من وسائل الإضرار بهن والانتهاك لأعراضهن.

قالت الكاتبة الإنجليزية الليدي كوك: «إن الاختلاط يألفه الرجال؛ ولهذا طمعت المرأة بما يخالف فطرتها وعلى قدر كثرة الاختلاط تكون كثرة أولاد الزنا، وهاهنا البلاء العظيم على المرأة

ـ إلى أن قالت ـ: علِّموهن الابتعاد عن الرجال، أخبروهن بعاقبة الكيد الكامن لهن بالمرصاد».

وقال شوبِنْهَوَر الألماني: «قل هو الخلل العظيم في ترتيب أحوالنا الذي دعا المرأة لمشاركة الرجل في علو مجده، وباذخ رفعته وسهل عليها التعالي في مطامعها الدنيئة حتى أفسدت المدنية الحديثة بقوى سلطانها ودنيء آرائها» .

وقال اللورد بَيْرُون: «لو تفكرتَ أيها المطالع فيما كانت عليه المرأة في عهد قدماء اليونان لوجدتَّها في حالة مصطنعة مخالفة للطبيعة ولرأيت معي وجوب إشغال المرأة بالأعمال المنزلية مع تحسين غذائها وملبسها فيه، وضرورة حجبها عن الاختلاط بالغير» . اهـ.

وقال سامويل سمايلس الإنجليزي: «إن النظام الذي يقضي بتشغيل المرأة في المعامل مهما نشأ عنه من الثروة للبلاد، فإن نتيجته كانت هادمة لبناء الحياة المنزلية؛ لأنه هاجم هيكل المنزل وقوَّض أركان الأسرة ومزّق الروابط الاجتماعية، فإنه يسلب

ص: 174

الزوجة من زوجها والأولاد من أقاربهم صار بنوع خاص لا نتيجة له إلا تسفيل أخلاق المرأة، إن وظيفة المرأة الحقيقية هي القيام بالواجبات، مثل ترتيب مسكنها، وتربية أولادها والاقتصاد في وسائل معيشتها، مع القيام بالاحتياجات البيتية ولكن المعامل تسلخها من كل هذه الواجبات، بحيث أصبحت المنازل غير منازل، وأصبحت الأولاد تشب على عدم التربية وتلقى في زوايا الإهمال، وانطفأت المحبة الزوجية، وخرجت المرأة عن كونها الزوجة الظريفة، والقرينة المحبة للرجل وصارت زميلته في العمل والمشاق، وباتت معرضة للتأثيرات التي تمحو غالبا التواضع الفكري والأخلاقي الذي عليه مدار حفظ الفضيلة».

وقالت الدكتورة إيدايلين: «إن سبب الأزمات العائلية في أمريكا وسر كثرة الجرائم في المجتمع هو أن الزوجة تركت بيتها لتضاعف دخل الأسرة فزاد الدخل وانخفض مستوى الأخلاق» ، ثم قالت:«إن التجارب أثبتت أن عودة المرأة إلى الحريم (1) هو الطريق الوحيد لإنقاذ الجيل الجديد من التدهور الذي يسير فيه» .

وقال أحد أعضاء الكونجرس الأمريكي: «إن المرأة تستطيع أن تخدم الدولة حقًّا إذا بقيَتْ في البيت الذي هو كيان الأسرة» .

وقال عضو آخر: «إن الله عندما منح المرأة ميزة إنجاب الأولاد لم يطلب منها أن تتركهم لتعمل في الخارج بل جعل مهمتها البقاء في المنزل لرعاية هؤلاء الأطفال» .

وقال شوبِنْهَوَر الألماني أيضا: «اتركوا للمرأة حريتها المطلقة كاملة بدون رقيب ثم

(1) كلمة (حريم) تعني القسم الخاص بالعائلة ـ أي بالنساء والأطفال ـ والذي كان محرمًا على الغرباء وُلوجُه بينما سمح لهم بالدخول على باقي أقسام المنزل، فقد كان للنساء إذًا عالمهن الخاص المقتصر عليهن فقط إذ حرم عليهن تمامًا الاختلاط بالرجال أو استقبالهم أو التحدث إليهم. (عودة الحجاب (1/ 232)، بتصرف).

ص: 175

قابلوني بعد عام لتَرَوا النتيجة ولا تنسوا أنكم سترثون معي الفضيلة والعفة والأدب. وإذا مِتُّ فقولوا: أخطأ أو أصاب كبد الحقيقة» (1).

ولو أردنا أن نستقصي ما قاله منصفو الغرب في مضار الاختلاط الذي هو نتيجة نزول المرأة إلى ميدان أعمال الرجال لطال بنا المقال ولكن الإشارة المفيدة تكفي عن طول العبارة.

والخلاصة:

أن استقرار المرأة في بيتها والقيام بما يجب عليها من تدبيره بعد القيام بأمور دينها هو الأمر الذي يناسب طبيعتها وفطرتها وكيانها، وفيه صلاحها وصلاح المجتمع وصلاح الناشئة فإن كان عندها فضل ففي الإمكان تشغيلها في الميادين النسائية كالتعليم للنساء، والتطبيب والتمريض لهن ونحو ذلك مما يكون من الأعمال النسائية في ميادين النساء كما سبقت الإشارة إلى ذلك، وفيها شغل لهن شاغل، وتعاون مع الرجال في أعمال المجتمع وأسباب رقيه كل في جهة اختصاصه.

ولا ننسى هنا دور أمهات المؤمنين رضي الله عنهم ومن سار في سبيلهن وما قُمْنَ به من تعليم للأمة وتوجيه وإرشاد وتبليغ عن الله سبحانه، وعن رسوله صلى الله عليه وآله وسلم فجزاهن الله عن ذلك خيرًا وأكثَرَ في المسلمين اليوم أمثالَهُن مع الحجاب والصيانة والبعد عن مخالطة الرجال في ميدان أعمالهم». (2)

(1) ذكَر هذه النقول كلها الدكتور مصطفى حسني السباعي رحمه الله في كتابه (المرأة بين الفقه والقانون)(ص 252، 259)، نقلًا عن دائرة معارف فريد وجدي (8/ 639)، وكتاب (فتاة الشرق في حضارة الغرب) للأستاذ محمد جميل بيهم، على التوالي.

(2)

ضمن مجموع فتاوى ابن باز (1/ 418 - 427). (باختصار).

ص: 176