المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌علة خطأ المبيحين للاختلاط - الاختلاط بين الرجال والنساء - جـ ١

[شحاتة صقر]

فهرس الكتاب

- ‌تقديم

- ‌أقوالليست عابرة

- ‌قرار المرأةفي بيتها هو الأصل

- ‌معنى الخضوع بالقول:

- ‌بعضأحكام النَظَرُ

- ‌نَظَرُ الرَّجُل إِلَى الْمَرْأَةِ الأَْجْنَبِيَّةِ الشَّابَّةِ:

- ‌نَظَرُ الرَّجُل إِلَى الأَْجْنَبِيَّةِ الْعَجُوزِ:

- ‌نَظَرُ الرَّجُل إِلَى الصَّغِيرَةِ:

- ‌نَظَرُ الرَّجُل إِلَى ذَوَاتِ مَحَارِمِهِ:

- ‌نَظَرُ غَيْرِ أُولِي الإِْرْبَةِ مِنَ الرِّجَال إِلَى الْمَرأَةِ:

- ‌نَظَرُ الصَّغِيرِ إِلَى الْمَرْأَةِ الأَْجْنَبِيَّةِ:

- ‌نَظَرُ الْمُرَاهِقِ إِلَى الْمَرْأَةِ:

- ‌نَظَرُ الرَّجُل إِلَى الرَّجُل:

- ‌نَظَرُ الْمَرْأَةِ إِلَى الرَّجُل الأَجْنَبِيِّ:

- ‌الرد على من قال بجواز نظر المرأة إلى الرجل بدون شهوة:

- ‌1 - الجواب عن حديث فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ رضي الله عنها

- ‌2 - الجواب عن حديث نظر عائشة رضي الله عنها إلى الحبشة:

- ‌3 - الجواب عن ِالْحَدِيثِ الذي رواه البخاري ومسلم فِي مُضِيِّ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم إلَى النِّسَاءِ فِي يَوْمِ الْعِيدِ عِنْدَ الْخُطْبَةِ فَذَكَّرَهُنَّ وَمَعَهُ بِلَالٌ فَأَمَرَهُنَّ بِالصَّدَقَةِ:

- ‌نظر النساء إلى الرجال على شاشات التلفاز والحاسوب

- ‌نَظَرُ الْمَرْأَةِ إِلَى مَحَارِمِهَا مِنَ الرِّجَال:

- ‌نَظَرُ الْمَرْأَةِ إِلَى الْمَرْأَةِ:

- ‌نَظَرُ الْمَرْأَةِ الْمُسْلِمَةِ إِلَى الْمَرْأَةِ:

- ‌نَظَرُ الْكَافِرَةِ إِلَى الْمُسْلِمَةِ:

- ‌نَظَرُ الْفَاجِرَةِ إِلَى الْعَفِيفَةِ:

- ‌النَّظَرُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ:

- ‌التَّرْخِيصُ بِالنَّظَرِ إِلَى مَالَا يَجُوزُ النَّظَرُ إِلَيْهِ:

- ‌الأَوَّل: إِذَا وَقَعَ عَلَى سَبِيل الْفَجْأَةِ

- ‌الثَّانِي: إِذَا دَعَتْ إِلَيْهِ ضَرُورَةٌ أَوْ حَاجَةٌ

- ‌مراعاةالمنع منالاختلاط في التشريع

- ‌الفرقبين الخلوة والاختلاط

- ‌تعريف الخلوة المحرمة

- ‌الدليل على تحريم الخلوة:

- ‌تعريف الاختلاط:

- ‌يمكن تقسيم الاختلاط إلى قسمين:

- ‌القسم الأول: اختلاط محرم:

- ‌مما يُعْرَفُ به الاختلاط المحرم:

- ‌من صور الاختلاط المحرم:

- ‌تفصيلٌ لما تم إجماله من صور الاختلاط المحرم

- ‌القسم الثاني: اختلاط جائز:

- ‌من الصوَر التي لا حَرجَ فيها:

- ‌هل يقاس اختلاط التعليم والعمل على الاختلاط العابر

- ‌هل فرَّقَ النبي صلى الله عليه وآله وسلم بين الاختلاط العارض واختلاط المكث

- ‌ما ضابط التفريق بين اليسير والكثير

- ‌الضرورة إذا اقتضت اختلاطًا

- ‌افتعال الضرورة

- ‌الأدلةعلى تحريم اختلاطالمرأة بالرجال الأجانب

- ‌بعض الأدلة على تحريم اختلاط المرأة بالرجال الأجانب:

- ‌الدليل الأول: قال تعالى: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ}

- ‌الدليل الثاني:الأمر بغض البصر دليل على المنع من الاختلاط:

- ‌أقوال أهل العلم والدعاة في الاختلاط بين الجنسين

- ‌الإجماع:

- ‌أولًا: من علماء الحنفية:

- ‌ثانيًا: من علماء المالكية:

- ‌ثالثًا: من علماء الشافعية:

- ‌رابعًا: من علماء الحنابلة:

- ‌أقوال بعض العلماء المعاصرين:

- ‌قول الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ـ مفتي السعودية سابقًا

- ‌قول الشيخ محمد بن إسماعيل المقدم:

- ‌أسباب انتشار التبرج والاختلاط في المجتمعات المسلمة

- ‌من ثمار الاختلاط المرة

- ‌مفاسد الاختلاط بين الرجال والنساء في العمل وغيره:

- ‌جزء من دراسة قام بها بعض الباحثين الاجتماعيين المسلمين عن الاختلاط

- ‌من المواقف المحرجة التي ذكرها المشاركون في التحقيق

- ‌ضحايا الاختلاط…قصص واقعية

- ‌الأمل المفقود؟ امرأة تجاوزت الأربعين تحكي حكايتها:

- ‌الذكاء فتنة أيضًا:

- ‌قبل أن يقع الفأس في الرأس:

- ‌كانت تجلس معه ومع زوجته فاختار أن يتزوجها ويطلق زوجته:

- ‌ماذا لو علم زوجها

- ‌أثناء الجماع تتخيل زميلها في العمل مكان زوجها:

- ‌تحكي بالتفصيل لزملائها الرجال!!! ما يحدث بينها وبين زوجها أثناء الجماع

- ‌تنصح زميلها في العمل ـ المقبل على الزواج ـ بما ينبغي أن يفعله مع عروسه عند الدخول بها

- ‌من الاختلاط ما قتل:

- ‌اعتراف لابد منه:

- ‌الاختلاط في العمل

- ‌2.5مليون توقيع:

- ‌فتاوى متعلقة بالاختلاط في العمل

- ‌حكم عمل المرأة في مكان مختلط:

- ‌ ما حكم المرأة التي تعمل وهي متزوجة

- ‌عمل المرأة سكرتيرة في مكتب للرجال:

- ‌هل يجوز للأب إجبار ابنته على العمل في مكان مختلط

- ‌عمل المرأة مع الرجال بغرض دعوة النساء:

- ‌جلوس المرأة مع المدرسين في المدرسة:

- ‌عمل الرجل في مكان مختلط:

- ‌ضوابط عمل الرجل في مكان مختلط:

- ‌معنى الضرورة:

- ‌الاختلاط في التعليم

- ‌نتائج الدراسات الغربية:

- ‌الغرب يبدأ في منع الاختلاط:

- ‌نتائج الدراسات الإسلامية:

- ‌وأخيرًا…هل سيحذون حذوهم

- ‌عدم الاختلاط ليس سببًا لتخلف المرأة:

- ‌ومن يتق الله يجعل له مخرجًا ويرزقه من حيث لا يحتسب:

- ‌واقع الاختلاط في التعليم

- ‌الاختلاط في التعليم الابتدائي:

- ‌مدرس التربية الرياضية:

- ‌جيل التليفزيون:

- ‌دورات المياه المختلطة والحياء المراق

- ‌مُدَرّسة في مدرسة إعدادية للبنين

- ‌ومُدرّسة في مَدْرَسة ثانوية للبنين:

- ‌المُدرّسة الطِعِمَة

- ‌ومُدرّسة للتاريخ الطبيعي (علم الأحياء) في مدرسة للبنين:

- ‌الطبيب المهذب

- ‌الضرورات تبيح المحظورات، ولكن

- ‌هل هناك حل لمشكلة الاختلاط في التعليم

- ‌فتاوى متعلقة بالاختلاط في التعليم

- ‌هل يجوز كشف وجه المرأة من أجل طلب العلم

- ‌تعليم الرجال للنساء بلا حجاب:

- ‌عمل الرجل في التدريس للبنات:

- ‌ضوابط التدريس في الجامعات المختلطة:

- ‌الدراسة والتدريس في المدارس المختلطة:

- ‌يدْرس في جامعة مختلطة فكيف يتعامل مع المدرسات والطالبات

- ‌دراسة الأخوات المنتقبات في الجامعات المختلطة:

- ‌تدرِّسه مُدرِّسة فماذا يفعل

- ‌ضوابط التعامل بين الجنسين في الجامعات المختلطة:

- ‌حكم الاختلاط في كافتيريا الجامعة:

- ‌أهمية تحصيل العلم الجامعي ومحاذير الاختلاط:

- ‌حديث الطالبة مع مدرسها في الجامعة:

- ‌هذه العلاقة أخوة في الله أم علاقة غير شرعية

- ‌حكم تغطية الكفين في حضور الرجال الأجانب:

- ‌طاعة الوالدين واجبة في غير معصية لله:

- ‌الاختلاط أثناء الدراسة لا يجوز إذا لم توجد ضرورة قاهرة:

- ‌حضور حفلات التخرُّج:

- ‌الاختلاط في الندوات:

- ‌قيام الرجل بتحفيظ القرآن لنساء من وراء حجاب:

- ‌حكم استماع القرآن من النساء:

- ‌الاختلاط في المدارس الابتدائية:

- ‌الاختلاط في العمل السياسي

- ‌أقوال أهل العلم:

- ‌ما يترتب على دخول المرأة المعترك السياسي:

- ‌واقع الكفار

- ‌الاختلاط بين الخاطب والمخطوبة

- ‌نَظَرُ الْخَاطِبِ إِلَى الْمَخْطُوبَةِ:

- ‌نَظَرُ الْمَخْطُوبَةِ إِلَى خَاطِبِهَا:

- ‌مَا يُنْظَرُ مِنَ الْمَخْطُوبَةِ:

- ‌تَكْرِيرُ النَّظَرِ:

- ‌مَسُّ مَا يَنْظُرُ:

- ‌الْخَلْوَةُ بِالْمَخْطُوبَةِ:

- ‌خطر التهاون في الخلوة وضرره:

- ‌فتاوى متعلقة بخلوة الخاطب بالمخطوبة

- ‌لا يجوز الجلوس مع المخطوبة إلا بوجود محرم:

- ‌لا يجوز للمخطوبة أن تكشف شيئًا من جسدها لخطيبها إذا كان لغير حاجة الخطبة:

- ‌صداقة بين الخطيب والخطيبة

- ‌اللقاء والتخاطب مع الفتاة بدعوى الزواج في المستقبل لايجوز:

- ‌الاختلاط للتداوي

- ‌الضوابط في مسألة النظر للعورة في العلاج

- ‌هل هناك حل للاختلاطِ في المستشفيات

- ‌فتاوى متعلقة بالاختلاط للتداوي

- ‌قرار مجمع الفقه الإسلامي بشأن ضوابط كشف العورة أثناء علاج المريض

- ‌خلوة الطبيب بالمريضة:

- ‌خلوة الطبيب بالممرضة في غرفة الكشف:

- ‌طبيبة تعالج الرجال:

- ‌دراسة الطب والعمل في المستشفيات مع وجود الاختلاط

- ‌الاختلاط في المستشفيات:

- ‌ضوابط تعامل الطبيب مع النساء:

- ‌حكم حقن الممرضة الإبر للرجال:

- ‌شروط علاج المرأة عند الطبيب:

- ‌حكم العلاج عند طبيب في حال وجود طبيبة بأجرة غالية:

- ‌حدُّ الضرورة المبيحة لعلاج المرأة عند طبيب:

- ‌الاختلاط في المواصلات

- ‌حكم الاختلاط في المواصلات:

- ‌الجلوس إلى جانب النساء في وسائل المواصلات اضطرارًا:

- ‌حكم الخلوة بالأجنبية في المصعد:

- ‌حكم استخدام المرأة المصعد المختلط:

- ‌شروط جواز ركوب المرأة المصعد:

- ‌الاختلاط في الأسواق

- ‌خروج المرأة إلى السوق:

- ‌الدخول في الأسواق التي فيها منكرات:

- ‌الاختلاط للإنقاذ

- ‌ ما حكم مس جسد المرأة أثناء نقلها في الحوادث

- ‌ ما حد حرمة المساكن عند طلب الغوث كحالات الحرائق والفيضانات والهزات الأرضية

- ‌الاختلاط في النزهة والرياضة

- ‌رحلات مختلطة:

- ‌سياحة ولكن:

- ‌حكم زيارة حدائق الحيوانات:

- ‌ممارسة الرياضة مع الاختلاط حرام:

- ‌الاختلاط الأسري

- ‌اختلاط الرجال والنساء في البيت:

- ‌هذا الأمر لا يبرر الاختلاط:

- ‌الاختلاط بالخادمة:

- ‌طاعة الوالدين في حضور فرح الأخت الذي فيه اختلاط وأغاني

- ‌تعويد الأولاد من الصغر على الستر وعدم الاختلاط:

- ‌ضوابط المحادثة بين الجنسين

- ‌ ما حكم مكالمة النساء

- ‌إلقاء الرجل السلام على المرأة:

- ‌كشف شبهات من اختلط عليه الاختلاط

- ‌دعاة الاختلاط من يقلدون

- ‌1 - رفاعة الطهطاوي:

- ‌2 - الصليبي الحقود مرقص فهمي:

- ‌3 - قاسم أمين: فتنة الأجيال وداعية السفور في عهد الاحتلال:

- ‌4 - هدى شعراوي:

- ‌رد مجمل على دعاة الاختلاط

- ‌علة خطأ المبيحين للاختلاط

- ‌نصوص المبيحين:

- ‌تنبيهات:

الفصل: ‌علة خطأ المبيحين للاختلاط

‌رد مجمل على دعاة الاختلاط

يقال في الاختلاط ما قاله الشيخ بكر أبو زيد رحمه الله في السفور، فمما هو معلوم من الشرع المطهر، وعليه المحققون، أنه ليس لدعاة الاختلاط دليل صحيح صريح، ولا عمل مستمر من عصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى أن حدث في المسلمين حادث السفور في بدايات القرن الرابع عشر، وأن جميع ما يستدل به دعاة الاختلاط لا يخلو من حال من ثلاث حالات:

1 -

دليل صحيح صريح، لكنه منسوخ بآيات فرض الحجاب كما يعلمه مَن حقق تواريخ الأحداث، أي قبل عام خمس من الهجرة، أو في حق القواعد من النساء، أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء.

2 -

دليل صحيح لكنه غير صريح، لا تثبت دلالته أمام الأدلة القطعية الدلالة من الكتاب والسنة على المنع من الاختلاط، ومعلوم أن رد المتشابه إلى المحكم هو طريق الراسخين في العلم.

3 -

دليل صريح لكنه غير صحيح، لا يحتج به، ولا يجوز أن تعارض به النصوص الصحيحة الصريحة، والهدي المستمر من حجب النساء لأبدانهن وزينتهن، ومنها الوجه والكفان (1).

‌علة خطأ المبيحين للاختلاط

(2):

إن علة خطأ المبيحين للاختلاط: أنهم لا يعرفون كيف تبنى الأحكام الشرعية:

فالأحكام بناء كبناء البيت، لايكفي جمع مواده ليصلح للسكنى، إنما بمعرفة وضع

(1) انظر كلام الشيخ بكر أبو زيد في رده على دعاة السفور في (حراسة الفضيلة ص68 - 69).

(2)

كيف بُنِيَ تحريم الاختلاط؟ د. لطف الله بن ملا عبد العظيم خوجه www.saaid.net. باختصار يسير.

ص: 305

كل مادة مكانها، هنالك يكون مأوى وملاذًا، وعند عامة الناس علم عام بمواضع البناء، من دون إحكام، لا يحكمه إلا المهندس الخبير.

كذلك بناء الأحكام الشرعية لا يحكمه إلا العالم الراسخ.

والذين تكلموا في إباحة الاختلاط أبانوا عن جهل بطريق بناء الحكم، بظنهم أن مجرد وقوفهم على نص ظاهره أو حتى باطنه مبيح، يكفي في استخراج حكم بالجواز.

ولو صح ظنهم لكان لازمه الذي لا ينفك، إباحة الخمر حيث إن فيه نصوصًا ظاهرها وباطنها جواز شربه، كقصة حمزة عم النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما شرب الخمر وصار يقول للجمع، ومعهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:«وَهَلْ أَنْتُمْ إِلَاّ عَبِيدٌ لأَبِي» ، فَرَجَعَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم يُقَهْقِرُ حَتَّى خَرَجَ عَنْهُمْ، وَذَلِكَ قَبْلَ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ» (رواه البخاري ومسلم).

ويلزم أيضًا إباحة أشياء أخرى فيها مثل ما في الخمر، ولذلك لا يصح ـ ديانة ـ لمن لم يعرف الطريق أن يتطفل عليه، حتى يتفقه ويعرف طرق التأويل والاستنباط والقياس، ويتعلم الأصول والقواعد الفقهية، ويحيط بالناسخ والمنسوخ وما كان أصلا أو استثناءً، وحال الضرورة والسعة، ومراتب الأوامر النبوية.

والاختلاط فيه نصوص متعارضة، وليس هو بدعة في هذا، بل لو نظرت في سائر الأحكام الشرعية لوجدت فيها من التعارض ما في الاختلاط بل أشد، فلو أعملت نصوص الإباحة، عطلت نصوص التحريم، ولو أعملت التحريم عطلت الإباحة؛ فكان لا بد من الجمع والدراسة. فكيف ذلك؟

بُنِي تحريم الاختلاط وتأسس وتأصل وفق أنواع منوعة من النصوص، وهي نصوص في غاية الرسوخ والثبوت والقوة، محكمة قطعية: قولية، وفعلية مؤيدة

ص: 306

بالقولية، متأخرة ناسخة، أصل وأساس وقاعدة، لا يملك أحد تبديلها ولا تحريفها.

فأما الإباحة فبنيت على نصوص متشابهة ظنية: فعلية لا قولية، استثناء، وحالة ضرورة، متقدمة منسوخة، وبعضها ليست مصدرًا للتشريع؛ كونها ليست صادرة من صاحب الشريعة، بل ممن يؤخذ من قوله وفعله ويُرَدّ.

إن نصوص التحريم أنواع منوعة، كل نوع منها تحته أفراد كثيرة من الآثار محكمة الدلالة، ليس لهن تصريف ولا تحريف عما وُضِعْنَ له، من بيان تحريم الاختلاط المنظم المقصود بين الجنسين.

وهي نصوص دالة على التحريم إما بالمطابقة، أو بالتضمن، أو باللزوم.

فقد احتوت على أنواع الدلالات الثلاثة كلها:

1 -

فنصوص المباعدة والفصل بين الجنسين، دالة على تحريم الاختلاط بالمطابقة؛ أي طريق مباشرة، فهي نص في المسألة، فلم يكن منه صلى الله عليه وآله وسلم سعي ولا حرص على خلط الرجال والنساء في مجلس واحد، فلم يكن في مجلسه إلا الرجال، إلا استثناءً وعرضًا، كأن تأتي سائلة، أو شاكية، أو مستفتية، أو واهبة نفسها للنبي صلى الله عليه وآله وسلم.

لم يكن في مجلسه للشورى والعلم والتخطيط والمدارسة عائشة، ولا حفصة، ولا أم سليم، ولا صفية بنت عبد المطلب عمته، بل ولا ابنته فاطمة. وقد كن خيرة النساء مبشرات بالجنة. وهكذا مجالس أصحابه الخلفاء الراشدون من بعده خالية من العنصر النسائي.

ولم يُعْرَفْ عنه صلى الله عليه وآله وسلم دعوته تجار الصحابة توظيف بنات الصحابة الفقراء في تجارتهم لسَدِّ عوزهن، ولا إرسالهن إلى الآفاق وحدهن للدعوة أو التعليم أو العلم، بل لما خرجت امرأة إلى الحج وحدها، أمر زوجها ـ وكان قد اكتتب في غزوة ـ أن يدَعَ الغزوة ويلحق بها.

ص: 307

فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِىِّ صلى الله عليه وآله وسلم فَقَالَ: «يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّى كُتِبْتُ فِى غَزْوَةِ كَذَا وَكَذَا، وَامْرَأَتِى حَاجَّةٌ» .قَالَ: «ارْجِعْ فَحُجَّ مَعَ امْرَأَتِكَ» (رواه البخاري).

2 -

ونصوص الحجاب تضمنت تحريم الاختلاط؛ فإن الحجاب معناه الحجز والفصل والمنع، وفي الاختلاط ينتفي هذا المعنى، وإنما سمح بالاختلاط العفوي ـ بالرغم من أنه تقارب ينافي معنى الحجاب ـ للضرورة والحاجة ورفع الحرج عن الأمة، فهو استثناء وليس بأصل، فإذا لم يكن ثمة ضرورة، فالتباعد والتجافي.

كذلك نصوص القرار، فقد تضمنت التحريم، فقد أُمِرَت المرأة بالقرار للتباعد عن الرجال.

3 -

وأما نصوص غض البصر، فهي دائرة بين التضمن واللزوم:

فيمكن القول: إنها تضمنت منع الاختلاط؛ لاستحالة غض البصر في الاختلاط.

ويمكن القول: إنه يلزم عنها عدم الاختلاط؛ لتعذر ومشقة غض البصر حينئذ.

وكلا الحالين يمثلها فئة من الناس، فمن الناس من يستحيل في حقه غض البصر؛ لولعه بالنساء، وهؤلاء كثيرون موجودون متعطشون. ومن الناس من يشق عليه جدًا، فهذا في معاناة لا يعلم بها إلا الله تعالى. فلذلك للدلالتين في هذا النوع نصيب.

4 -

فأما نصوص الفتنة والاتقاء، فقد دلت على التحريم من طريق اللزوم، فيلزم لمن أراد أن يتقي فتنة النساء، التباعد عنهن وعدم التقارب إلا بقدر الضرورة والحاجة، وما كان بغير قصد.

كل هذه الأنواع من الأدلة تجاوزها المبيحون، ولم يقدروها حق قدرها وجلالتها وهيبتها، فإنه من العسير جدًا ردها، أو إبطال دلالتها الظاهرة، وهي كافية في تأسيس الحكم، فلو أتى ما يشكل عليها، فالواجب طرحها أو تأويلها.

ص: 308

هذه النصوص هي التي بني عليها حكم التحريم، فإنها صحيحة ثابتة، صريحة محكمة، وبمثلها تقوم الأحكام:

فهي آيات قرآنية، وأحاديث نبوية ثابتة، والطعن في صحة بعض منها لا يضر؛ فليست حديثًا واحدًا ولا حديثين، ليظن مبيح الاختلاط: أن بتضعيف بعضها يسقط تحريم الاختلاط.

كلا، بل أحاديث كثيرة منوعة، مروية في السنن والصحاح وفي البخاري ومسلم؛ أهم مصدرين للسنة تلقتهما الأمة بالقبول، إذا لم يقم بالحكم حديث قام به غيره، وأسندته أحاديث كثيرة ثابتة. ثم إن تلك النصوص صريحة محكمة؛ لا تحتمل إلا معنى واحدًا.

ص: 309