الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رد مجمل على دعاة الاختلاط
يقال في الاختلاط ما قاله الشيخ بكر أبو زيد رحمه الله في السفور، فمما هو معلوم من الشرع المطهر، وعليه المحققون، أنه ليس لدعاة الاختلاط دليل صحيح صريح، ولا عمل مستمر من عصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى أن حدث في المسلمين حادث السفور في بدايات القرن الرابع عشر، وأن جميع ما يستدل به دعاة الاختلاط لا يخلو من حال من ثلاث حالات:
1 -
دليل صحيح صريح، لكنه منسوخ بآيات فرض الحجاب كما يعلمه مَن حقق تواريخ الأحداث، أي قبل عام خمس من الهجرة، أو في حق القواعد من النساء، أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء.
2 -
دليل صحيح لكنه غير صريح، لا تثبت دلالته أمام الأدلة القطعية الدلالة من الكتاب والسنة على المنع من الاختلاط، ومعلوم أن رد المتشابه إلى المحكم هو طريق الراسخين في العلم.
3 -
دليل صريح لكنه غير صحيح، لا يحتج به، ولا يجوز أن تعارض به النصوص الصحيحة الصريحة، والهدي المستمر من حجب النساء لأبدانهن وزينتهن، ومنها الوجه والكفان (1).
علة خطأ المبيحين للاختلاط
(2):
إن علة خطأ المبيحين للاختلاط: أنهم لا يعرفون كيف تبنى الأحكام الشرعية:
فالأحكام بناء كبناء البيت، لايكفي جمع مواده ليصلح للسكنى، إنما بمعرفة وضع
(1) انظر كلام الشيخ بكر أبو زيد في رده على دعاة السفور في (حراسة الفضيلة ص68 - 69).
(2)
كيف بُنِيَ تحريم الاختلاط؟ د. لطف الله بن ملا عبد العظيم خوجه www.saaid.net. باختصار يسير.
كل مادة مكانها، هنالك يكون مأوى وملاذًا، وعند عامة الناس علم عام بمواضع البناء، من دون إحكام، لا يحكمه إلا المهندس الخبير.
كذلك بناء الأحكام الشرعية لا يحكمه إلا العالم الراسخ.
والذين تكلموا في إباحة الاختلاط أبانوا عن جهل بطريق بناء الحكم، بظنهم أن مجرد وقوفهم على نص ظاهره أو حتى باطنه مبيح، يكفي في استخراج حكم بالجواز.
ولو صح ظنهم لكان لازمه الذي لا ينفك، إباحة الخمر حيث إن فيه نصوصًا ظاهرها وباطنها جواز شربه، كقصة حمزة عم النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما شرب الخمر وصار يقول للجمع، ومعهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:«وَهَلْ أَنْتُمْ إِلَاّ عَبِيدٌ لأَبِي» ، فَرَجَعَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم يُقَهْقِرُ حَتَّى خَرَجَ عَنْهُمْ، وَذَلِكَ قَبْلَ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ» (رواه البخاري ومسلم).
ويلزم أيضًا إباحة أشياء أخرى فيها مثل ما في الخمر، ولذلك لا يصح ـ ديانة ـ لمن لم يعرف الطريق أن يتطفل عليه، حتى يتفقه ويعرف طرق التأويل والاستنباط والقياس، ويتعلم الأصول والقواعد الفقهية، ويحيط بالناسخ والمنسوخ وما كان أصلا أو استثناءً، وحال الضرورة والسعة، ومراتب الأوامر النبوية.
والاختلاط فيه نصوص متعارضة، وليس هو بدعة في هذا، بل لو نظرت في سائر الأحكام الشرعية لوجدت فيها من التعارض ما في الاختلاط بل أشد، فلو أعملت نصوص الإباحة، عطلت نصوص التحريم، ولو أعملت التحريم عطلت الإباحة؛ فكان لا بد من الجمع والدراسة. فكيف ذلك؟
بُنِي تحريم الاختلاط وتأسس وتأصل وفق أنواع منوعة من النصوص، وهي نصوص في غاية الرسوخ والثبوت والقوة، محكمة قطعية: قولية، وفعلية مؤيدة
بالقولية، متأخرة ناسخة، أصل وأساس وقاعدة، لا يملك أحد تبديلها ولا تحريفها.
فأما الإباحة فبنيت على نصوص متشابهة ظنية: فعلية لا قولية، استثناء، وحالة ضرورة، متقدمة منسوخة، وبعضها ليست مصدرًا للتشريع؛ كونها ليست صادرة من صاحب الشريعة، بل ممن يؤخذ من قوله وفعله ويُرَدّ.
إن نصوص التحريم أنواع منوعة، كل نوع منها تحته أفراد كثيرة من الآثار محكمة الدلالة، ليس لهن تصريف ولا تحريف عما وُضِعْنَ له، من بيان تحريم الاختلاط المنظم المقصود بين الجنسين.
وهي نصوص دالة على التحريم إما بالمطابقة، أو بالتضمن، أو باللزوم.
فقد احتوت على أنواع الدلالات الثلاثة كلها:
1 -
فنصوص المباعدة والفصل بين الجنسين، دالة على تحريم الاختلاط بالمطابقة؛ أي طريق مباشرة، فهي نص في المسألة، فلم يكن منه صلى الله عليه وآله وسلم سعي ولا حرص على خلط الرجال والنساء في مجلس واحد، فلم يكن في مجلسه إلا الرجال، إلا استثناءً وعرضًا، كأن تأتي سائلة، أو شاكية، أو مستفتية، أو واهبة نفسها للنبي صلى الله عليه وآله وسلم.
لم يكن في مجلسه للشورى والعلم والتخطيط والمدارسة عائشة، ولا حفصة، ولا أم سليم، ولا صفية بنت عبد المطلب عمته، بل ولا ابنته فاطمة. وقد كن خيرة النساء مبشرات بالجنة. وهكذا مجالس أصحابه الخلفاء الراشدون من بعده خالية من العنصر النسائي.
ولم يُعْرَفْ عنه صلى الله عليه وآله وسلم دعوته تجار الصحابة توظيف بنات الصحابة الفقراء في تجارتهم لسَدِّ عوزهن، ولا إرسالهن إلى الآفاق وحدهن للدعوة أو التعليم أو العلم، بل لما خرجت امرأة إلى الحج وحدها، أمر زوجها ـ وكان قد اكتتب في غزوة ـ أن يدَعَ الغزوة ويلحق بها.
فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِىِّ صلى الله عليه وآله وسلم فَقَالَ: «يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّى كُتِبْتُ فِى غَزْوَةِ كَذَا وَكَذَا، وَامْرَأَتِى حَاجَّةٌ» .قَالَ: «ارْجِعْ فَحُجَّ مَعَ امْرَأَتِكَ» (رواه البخاري).
2 -
ونصوص الحجاب تضمنت تحريم الاختلاط؛ فإن الحجاب معناه الحجز والفصل والمنع، وفي الاختلاط ينتفي هذا المعنى، وإنما سمح بالاختلاط العفوي ـ بالرغم من أنه تقارب ينافي معنى الحجاب ـ للضرورة والحاجة ورفع الحرج عن الأمة، فهو استثناء وليس بأصل، فإذا لم يكن ثمة ضرورة، فالتباعد والتجافي.
كذلك نصوص القرار، فقد تضمنت التحريم، فقد أُمِرَت المرأة بالقرار للتباعد عن الرجال.
3 -
وأما نصوص غض البصر، فهي دائرة بين التضمن واللزوم:
فيمكن القول: إنها تضمنت منع الاختلاط؛ لاستحالة غض البصر في الاختلاط.
ويمكن القول: إنه يلزم عنها عدم الاختلاط؛ لتعذر ومشقة غض البصر حينئذ.
وكلا الحالين يمثلها فئة من الناس، فمن الناس من يستحيل في حقه غض البصر؛ لولعه بالنساء، وهؤلاء كثيرون موجودون متعطشون. ومن الناس من يشق عليه جدًا، فهذا في معاناة لا يعلم بها إلا الله تعالى. فلذلك للدلالتين في هذا النوع نصيب.
4 -
فأما نصوص الفتنة والاتقاء، فقد دلت على التحريم من طريق اللزوم، فيلزم لمن أراد أن يتقي فتنة النساء، التباعد عنهن وعدم التقارب إلا بقدر الضرورة والحاجة، وما كان بغير قصد.
كل هذه الأنواع من الأدلة تجاوزها المبيحون، ولم يقدروها حق قدرها وجلالتها وهيبتها، فإنه من العسير جدًا ردها، أو إبطال دلالتها الظاهرة، وهي كافية في تأسيس الحكم، فلو أتى ما يشكل عليها، فالواجب طرحها أو تأويلها.
هذه النصوص هي التي بني عليها حكم التحريم، فإنها صحيحة ثابتة، صريحة محكمة، وبمثلها تقوم الأحكام:
فهي آيات قرآنية، وأحاديث نبوية ثابتة، والطعن في صحة بعض منها لا يضر؛ فليست حديثًا واحدًا ولا حديثين، ليظن مبيح الاختلاط: أن بتضعيف بعضها يسقط تحريم الاختلاط.
كلا، بل أحاديث كثيرة منوعة، مروية في السنن والصحاح وفي البخاري ومسلم؛ أهم مصدرين للسنة تلقتهما الأمة بالقبول، إذا لم يقم بالحكم حديث قام به غيره، وأسندته أحاديث كثيرة ثابتة. ثم إن تلك النصوص صريحة محكمة؛ لا تحتمل إلا معنى واحدًا.