المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌5 - باب علامات النبوة - شرح المصابيح لابن الملك - جـ ٦

[ابن الملك]

فهرس الكتاب

- ‌6 - باب نزول عيسى عليه السلام

- ‌7 - باب قُرْبِ السَّاعَة وأنَّ مَنْ ماتَ فقد قامَتْ قيامَتُه

- ‌8 - باب لا تقومُ السَّاعةُ إلا على الشِّرارِ

- ‌1 - باب النَّفْخِ في الصورِ

- ‌2 - باب الحَشْرِ

- ‌3 - باب الحِسَابِ والقِصَاصِ والمِيْزانِ

- ‌4 - باب الحَوْضِ والشفاعة

- ‌5 - باب صِفَةِ الجَنَّةِ وأَهْلِهَا

- ‌6 - باب رُؤْيَةِ الله تَعالى

- ‌7 - باب صِفَةِ النَّار وأهلِها

- ‌8 - باب خَلْقِ الجَنَّةِ والنَّارِ

- ‌9 - باب بدءِ الخَلقِ، وذكرِ الأَنبياءِ عليهم السلام

- ‌1 - باب فَضَائِلِ سيدِ المُرسَلِينَ صلَوَاتُ الله عَلَيْهِ

- ‌2 - باب أَسْمَاءِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وَصِفَاتُهُ

- ‌3 - باب في أَخْلاقِهِ وشَمَائِلِهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌4 - باب المَبْعَثِ وَبدْءِ الوَحْيِ

- ‌5 - باب علامات النبوة

- ‌فصل في المِعْرَاجِ

- ‌فصل في المُعْجِزَاتِ

- ‌6 - باب الكَرَامَاتِ

- ‌7 - باب(باب في بيان هجرة أصحابه من مكة)

- ‌8 - باب

- ‌1 - باب في مَناقبِ قريشٍ وَذِكرِ القَبَائِلِ

- ‌2 - باب مناقب الصحابة رضي الله عنهم

- ‌3 - باب مَناقِبِ أَبي بَكرٍ الصِّديقِ رضي الله عنه

- ‌4 - باب مَناقِبِ عُمَرَ بن الخَطابِ رضي الله عنه

- ‌5 - باب مَنَاقِبِ أَبي بَكْرِ وَعُمَرَ رضي الله عنهما

- ‌6 - باب مَنَاقِبِ عُثمانَ في عَفَّانَ رضي الله عنه

- ‌7 - باب مَنَاقِبِ هؤلاءِ الثَّلاثة رضي الله عنهم

- ‌8 - باب مَنَاقِبِ عَلِيِّ في أَبي طالب رضي الله عنه

- ‌9 - باب مَنَاقِبِ العَشرَةِ رضي الله عنهم

- ‌10 - باب مَنَاقِبِ أَهْلِ بَيْتِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم

- ‌11 - باب مَنَاقِبِ أَزْوَاجِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم

- ‌12 - باب جَامِعِ المَنَاقِبِ

- ‌13 - باب ذِكْرِ اليَمَنِ وَالشَّامِ، وَذِكْرِ أُوَيْسِ القَرَنِيِّ رضي الله عنه

- ‌14 - باب ثوَابِ هذِهِ الأُمَّةِ

الفصل: ‌5 - باب علامات النبوة

مَلَكٍ مِنْ مَلائِكةِ الله مِنْ حَمَلَةِ العَرْشِ، إِنَّ مَا بَيْنَ شَحْمَةِ أُذُنِيْهِ إِلى عاتِقِهِ مَسيرةُ سَبْعِ مِئَةِ عامٍ".

"عن جابر رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أذن لي أن أحدث عن ملك من ملائكة الله تعالى من حملة العرش، إن ما بين شحمة أذنيه إلى عاتقه مسيرة سبع مئة عام".

* * *

‌5 - باب علامات النبوة

(باب علامات النبوة)

مِنَ الصِّحَاحِ:

4566 -

قَالَ أَنَسٍ رضي الله عنه: إنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم أَتاهُ جِبريلُ وهوَ يَلعبُ معَ الغِلْمانِ، فأخذَهُ فصَرَعَهُ، فشَقَّ عنْ قلبهِ، فاستخْرَجَ منهُ عَلَقةً فقال:"هَذَا حَظُّ الشَّيطانِ مِنْكَ"، ثُمَّ غَسَلهُ في طَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ بماءِ زَمْزَمَ، ثُمَّ لأَمَهُ وأَعادَهُ في مَكانِهِ، وجَاءَ الغِلْمانُ يَسْعَوْنَ إلى أُمِّهِ - يعني: ظِئْرَهُ - فقالوا: إنَّ مُحَمَّداً قد قُتِلَ، فاستقبَلُوه وهوَ مُنْتَقِعُ اللَّونِ، قالَ أَنَسٌ رضي الله عنه: فكنْتُ أرَى أثرَ ذلك المِخْيَطِ في صَدرِه.

"من الصحاح":

" قال أنس رضي الله عنه: إن رسول الله عليه الصلاة والسلام أتاه جبريل وهو يلعب مع الغلمان فأخذه فصرعه"؛ أي: ألقاه "فشق عن قلبه فاستخرج"؛ أي: أخرج "منه علقة" وهي دم غليظ.

قيل في سبب الشق: إن الله تعالى أراد أن يقدس قلبه وينوِّره بأنوار ألطاف جلاله تحصيلاً لكمال الاستعداد حالةَ الطفولية، وتهييئاً لقبول الوحي القديم السماوي، فتصير نفسه قدسيةً ملكوتيةً؛ لكونها منقادةً للقلب فكانت قابلةً

ص: 261

للأنوار الإلهية التي جعلت في القلب، فأرسل إليه جبريل حتى شق صدره فأخرج منه علقة، وهي التي تكون أمَّ المفاسد والمعاصي في الإنسان.

"فقال: هذا حظ الشيطان منك، ثم غسله في طستٍ من ذهب بماء زمزم ثم لأَمَه" بالمد أو القصر؛ أي: جمعه، يقال: لأمتُ الجرح والصدغ: إذا شددته وسوَّيته وأصلحته.

"وأعاده إلى مكانه، وجاء الغلمان يسعون إلى أمه، يعني ظئره" حليمة.

"فقالوا: إن محمداً قد قتل، فاستقبلوه وهو منتقع اللون"؛ أي: متغير اللون، يقال: انتقع لونه: إذا تغير من حزن أو فزع.

"قال أنس: فكنت أرى أثر المِخيط" بكسر الميم وسكون الخاء المعجمة؛ أي: الإبرة "في صدره".

* * *

4567 -

وعن جَابرِ بن سَمُرة رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إنِّي لأَعرِفُ حَجَراً بمكَّةَ كانَ يُسَلِّمُ عليَّ قبلَ أنْ أُبعَثَ، إنِّي لأَعرِفُهُ الآن".

"عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني لأعرف حجراً بمكة" قيل: إنه الحجر الأسود، وقيل: غيره.

"كان يسلِّم عليَّ قبل أن أبعث إني لأعرفه الآن" قيل: تسليم الحجر مجازٌ معناه: كان يشاهد منه أنه لو كان ناطقاً يشهد بنبوته ويسلِّم عليه.

وقيل: حقيقي بأن يخلق الله فيه حياة ونطقاً معجزةً للنبي صلى الله عليه وسلم، كما أن إحياء الموتى معجزةٌ لعيسى عليه السلام، بل إحياءُ الجماد أقوى، وإنما قيَّد بقوله:(قبل أن أبعث) لأن كل الأحجار كان يسلِّم على النبي عليه الصلاة والسلام بعد كونه مبعوثاً؛ لمَا روي عن علي رضي الله عنه أنه قال: كنَّا بمكة، فخرجنا مع

ص: 262

رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بعض نواحيها فلم نمرَّ بشجرة ولا حجر إلا قال: السلام عليك يا رسول الله.

* * *

4568 -

وقَالَ أَنَسٌ رضي الله عنه: إِنَّ أهْلَ مكَّةَ سَألُوا رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم أنْ يُريَهُمْ آيةً، فأرَاهُمْ القَمرَ شِقَّتَيْنِ، حتَّى رأَوْا حِراءَ بينهُما.

"وقال أنس رضي الله عنه: إن أهل مكة"؛ يعني: كفار قريش.

"سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يريهم آية"؛ أي: ما يدل على نبوته في خرق العادة.

"فأراهم القمر شقين" بإشارته إليه.

"حتى رأوا حراء"؛ أي: جبل حراء.

"بينهما"؛ أي: بين الشقين، قيل: وقد أنكر جمعٌ حديثَ شقِّ القمر بأنه لو صح لتناقلته العوام وأهل السير والتواريخ في كتبهم.

وأجيب: بأنه طلبه منه صلى الله عليه وسلم قوم خاصٌّ كما حكاه أنس رضي الله عنه، فأراهم ذلك ليلاً وأكثرُ الناس نيام ومُستكنُّون بالأبنية، والأيقاظ في البوادي والصحارى قد يتفق اشتغالهم في ذلك الوقت، وقد يُكسف القمر فلا يشعر به كثير من الناس، على أن ذلك كان في قَدْرِ لحظة، ولو دامت هذه الآية حتى يشترك فيها الكل، ثم لم يؤمنوا؛ لاستؤصلوا بالهلاك.

والعجب من المنكر أن يخالف النص الصريح، وهو قوله تعالى:{اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (1) وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ} [القمر:1 - 2].

* * *

ص: 263

4569 -

وقَالَ ابن مَسْعُودٍ رضي الله عنه: انشقَّ القَمرُ على عهْدِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فِرقتَيْنِ: فِرْقَةً فوقَ الجبَلِ، وفِرْقَةً دُونه، فقالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم "اشْهَدُوا".

"وقال ابن مسعود رضي الله عنه: انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فرقتين: فرقة فوق الجبل وفرقة دونه" يريد أنهما تباينا: إحداهما إلى جهة العلو، والأخرى إلى جهة السفل.

"فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اشهدوا"؛ أي: على نبوَّتي ومعجزتي، وقيل: معناه احضروا وانظروا.

* * *

4570 -

عَنْ أَبي هُريْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قالَ أبو جَهْلٍ: هلْ يُعَفِّرُ مُحَمَّدٌ وجْهَهُ بَيْنَ أظهُرِكُمْ؟ فقيلَ: نعمْ، فقالَ: واللَّاتِ والعُزَّى، لَئِنْ رأيتُهُ يفعلُ ذلكَ لأَطأنَّ على رَقَبَتِهِ، فأتَى رَسُوْلَ الله صلى الله عليه وسلم وهوَ يُصلِّي، زَعَمَ لِيَطأَ على رَقبَتهِ، فما فَجِئَهُمْ منهُ إِلَّا وهوَ يَنْكِصُ على عَقِبَيْهِ ويَتَّقي بيدَيْهِ، فقيلَ لهُ: ما لكَ؟ فقَالَ: إنَّ بينِي وبينَهُ لخَندقاً منْ نارٍ وهَوْلاً وأجنِحةً، فقالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:"لوْ دَنا مِنِّي لاخْتَطَفَتْهُ المَلائِكَةُ عُضْواً عُضْواً".

"عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال أبو جهل: هل يعفِّر محمدٌ وجهه"؛ أي: هل يسجد لمعبوده "بين أظهركم؛ "؛ أي: بينكم، تعفير الوجه كناية عن الصلاة.

"فقيل: نعم، فقال" أبو جهل.

"واللات" وهو اسم صنم بالطائف.

"والعزى" اسم شجرة كانت لغطفان يعبدونها.

"لئن رأيته يفعل ذلك لأطأن على رقبته، فأتى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي،

ص: 264

زعم"؛ أي: قصد أبو جهل "ليطأ" بكسر اللام؛ أي: ليضع رجله "على رقبته" وفي بعض النسخ بالفتح لام تأكيد، و (زعم) جملة حالية.

"فما فَجِئهم"؛ أي: فما أتى قومه فجأة.

"منه"؛ أي: من النبي صلى الله عليه وسلم، أو من إتيانه إليه.

"إلا وهو ينكص" بكسر الكاف؛ أي: يرجع القهقرى.

"على عقبيه"؛ أي: على مؤخَّر قدميه.

"ويتقي بيديه"؛ أي: يحترز بهما.

"فقيل له: ما لك؟ "؛ أي: أيُّ شيء لك؟ (ما) هذه استفهامية.

"فقال: إن بيني وبينه لخندقاً من نارٍ وهولاً"؛ أي: خوفاً وأمراً شديداً.

"وأجنحة"؛ أي: أجنحة الملائكة.

"فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو دنى"؛ أي: لو قَرُبَ أبو جهل "مني لاختطفته الملائكة"؛ أي: لاستلبته "عضواً عضواً".

* * *

4571 -

وقَالَ عَدِيُّ بن حَاتِمٍ رضي الله عنه: بَيْنا أنا عندَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم إذْ أتاهُ رَجُلٌ فشَكا إليهِ الفَاقَةَ، ثُمَّ أتاهُ آخرُ فشَكا إليهِ قَطْعَ السَّبيلِ، فَقَالَ:"يا عَدِيُّ! هلْ رأيتَ الحِيرَةَ؟ "، قَالَ: نَعَم، قَالَ: "فإنْ طَالَتْ بِكَ حَياةٌ فلَتَرَيَنَّ الظَّعينَةَ تَرْتحِلُ مِنَ الحِيرَةِ حتَّى تَطوفَ بالكَعْبةِ لا تَخَافُ أَحَداً إلَّا الله، ولَئنْ طَالَتْ بكَ حَياةٌ لتُفْتَحنَّ كُنوزُ كِسْرَى، ولَئنْ طَالَتْ بِكَ حياةٌ لَتَرَيَنَّ الرَّجُلَ يُخرِجُ مِلْءَ كفِّهِ منْ ذهَبٍ أو فِضّةٍ، يَطلُبُ مَنْ يَقبَلُهُ منهُ فلا يَجِدُ أحداً يَقبَلُهُ منهُ، ولَيلقَيَنَّ الله أحدُكُمْ يومَ يَلقاهْ وليسَ بينَهُ وبينَهُ تَرْجُمانٌ يُترجِمُ لهُ، فلَيقولَنَّ: أَلَمْ أبعَثْ إِليْكَ رَسُولاً

ص: 265

فيُبلِّغَكَ؟ فيقولُ: بلَى، فيقولُ: ألَمْ أُعطِكَ مالاً وأُفْضلْ عليكَ؟ فيقولُ: بلَى، فيَنظُرُ عنْ يَمينِهِ فلا يرَى إلَّا جهنَّمَ، وينظُرُ عنْ يَسارِهِ فلا يرَى إلَّا جهنَّمَ، فاتَّقُوا النَّارَ ولوْ بشِقِّ تَمْرةٍ، فمَنْ لمْ يَجِدْ فبكلمةٍ طيبةٍ". قالَ عَدِيٌّ: فرأيتُ الظَّعينَة تَرْتحِلُ مِنَ الحِيرَةِ حتَّى تَطوفَ بالكعبةِ لا تخافُ إلَّا الله، وكنتُ فيمَنْ افتتحَ كُنوزَ كِسْرَى بن هُرْمُزَ، ولَئنْ طالَتْ بكُم حَياةٌ لَتَرَوُنَّ ما قالَ النَّبيّ أبو القَاسِمِ صلى الله عليه وسلم: يُخرِجُ مِلْءَ كفِّهِ.

"وقال عدي بن حاتم: بينا أنا عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ أتاه رجل فشكى إليه الفاقة" وهي الفقر والحاجة (1).

"ثم أتاه آخر فشكى إليه قطع السبيل"؛ يعني: عَدَمَ أمن الطريق.

"فقال: يا عدي هل رأيت الحيرة؟ " بكسر الحاء: بلد قديم بظهر الكوفة، ومحلَّةٌ معروفة بنيسابور.

"فإن طالت بك حياة فلترين الظعينة" وهي المرأة التي في الهودج.

"ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف أحداً إلا الله"؛ يعني: إن طال عمرك ترى أمن الطريق بحيث تذهب المرأة من الحيرة إلى مكة قاصدةً إلى البيت آمنةً غير خائفة سوى الله تعالى.

"ولئن طالت بك حياة لتُفتحَنَّ كنوز كسرى": جمع كنز، وهو المال المدفون، و (كسرى) بكسر الكاف وفتحها: لقب ملوك الفرس.

"ولئن طالت بك حياة لترين الرجل يُخرج ملْءَ كفه من ذهب، أو فضة يطلب من يقبله منه فلا يجد أحداً يقبله منه"؛ يعني: ترى الغنى والسعة بين الناس بحيث لا يوجد فقير يقبل شيئاً من الأغنياء.

(1) في "غ": "أي من الفاقة وهي الحاجة".

ص: 266

"وليلقين الله أحدكم يوم يلقاه وليس بينه وبينه ترجمان" بضم التاء وفتح الجيم وضمها.

"يترجم له"؛ أي: يفسر كلامه.

"فليقولن: ألم أبعث إليك رسولاً فيبلِّغَك؟ فيقول: بلى، فيقول: ألم أعطك مالاً وأُفْضلْ عليك؟ فيقول: بلى، فينظر عن يمينه فلا يرى إلا جهنم وينظر عن يساره فلا يرى إلا جهنم، فاتقوا النار ولو بشق تمرة" وهذا تحريضٌ على التصدُّق بالمال على المساكين والاجتناب عما لا يحلُّ له أخذُه.

"فمن لم يجد فبكلمة طيبة، قال عدي: فرأيت الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف إلا الله، وكنت فيمن افتتح كنوز كسرى بن هرمز، ولئن طالت بكم حياة لتروُنَّ ما قال النبي أبو القاسم عليه الصلاة والسلام: يُخرج ملْءَ كفه".

* * *

4572 -

وقَالَ أبو هُريْرَةَ رضي الله عنه: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "يَهلِكُ كِسْرَى ثُمَّ لا كِسْرَى بَعْدَهُ، وقَيْصَرُ لَيَهْلِكَنَّ ثمَّ لا يكونُ قَيْصَرُ بعدَهُ، ولَتُنْفِقُنَّ كُنوزَهُما في سَبيلِ الله".

"وقال أبو هريرة رضي الله عنه: قال النبي صلى الله عليه وسلم: يهلك كسرى ثم لا يكون كسرى بعده"؛ يعني: ينقطع ملكه ونسله.

"وقيصر" وهو لقب ملك الروم.

"ليهلكن ثم لا يكون قيصر بعده، ولتنفقُنَّ كنوزهما في سبيل الله" وجه الجمع بين هذا وبين ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى كسرى يدعوه إلى الإسلام فمزق كتابه، فقال صلى الله عليه وسلم:"تمزق ملكه"، وكتب إلى قيصر فأكرم كتابه ووضعه في

ص: 267

مسك، فقال صلى الله عليه وسلم:"ثبت ملكه": أن كسرى تمزق ملكه فلم يكن له ملك باقيةٌ أصلاً، وأُنفقت كنوزه في سبيل الله، وأَوْرَثَ الله المسلمين أرضه، وقيصر ثبت ملكه بالروم وانقطع عن الشام واستفتحت خزائنه التي كانت بها، وأُنفقت في سبيل الله، فمعنى:(لا قيصر بعده)؛ يعني: ثبوت ملك قيصر في الجملة بالروم وانقطاعه عن الشام أصلاً.

* * *

4573 -

وقَالَ: "ليَفتَتِحَنَّ عِصَابةٌ مِنَ المُسلِميْنَ كَنْزَ آلِ كِسْرَى الذِي في الأَبْيَضِ".

"وقال لتَفْتحَنَّ" اللام جواب قسم مقدَّرٍ.

"عصابةٌ"؛ أي: جماعة.

"من المسلمين كنز آل كسرى الذي في الأبيض" يريد به القصر الأبيض الذي كان في المدائن يسمونه سبيد كوشك.

* * *

4574 -

وعَنْ خَبَّابِ بن الأَرَتِّ رضي الله عنه قَالَ: شَكَوْنا إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، وهوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ في ظِلِّ الكَعْبةِ، وقدْ لَقِينا مِنَ المُشرِكِينَ شِدَّةً، فقُلنا: ألا تَدعو الله؟ فقعَدَ وهوَ مُحْمَرٌّ وجهُهُ، قَالَ:"كانَ الرَّجُلُ فيمَنْ كَانَ قبلَكُمْ يُحفَرُ لهُ في الأرضِ فيُجعَلُ فيهِ، فيُجاءُ بالمِنْشَارِ فيُوضَعُ فَوْقَ رَأسهِ فيُشَقُّ باثنَيْنِ، وما يَصُدُّهُ ذلكَ عن دينهِ، ويُمشَطُ بأمشَاطِ الحَدِيدِ ما دُونَ لَحْمهِ مِنْ عَظْمٍ وعَصَبٍ، وما يَصُدُّهُ ذَلكَ عَنْ دِينهِ، والله لَيُتِمَّنَّ الله هذا الأَمرَ، حتَّى يَسيرَ الرَّاكِبُ منْ صَنعاءَ إلى حَضْرَ مَوْتَ لا يخافُ إلَّا الله أو الذِّئبَ على غَنَمِهِ، ولكنَّكُمْ تَسْتَعجلُونَ".

ص: 268

"وعن خبَّاب بن الأرت رضي الله عنه: شكونا إلى النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وهو متوسِّد بردةً"؛ أي: كساءً مخططاً؛ يعني: جاعلٌ لها كالوسادة تحت رأسه.

"في ظل الكعبة، وقد لقينا من المشركين شدةً فقلنا: ألا تدعو الله لنا؟ "؛ أي: على المشركين فإنهم يؤذوننا.

"فقعد وهو محمرٌّ وجهُه قال: كان الرجل فيمن كان قبلكم يُحفر له في الأرض فيجعل [فيه] فيجاء بالمنشار" وهو آلة تُشقُّ بها الخشبة.

فيوضع فوق رأسه فيشق باثنين وما يصدُّه"؛ أي: ما يصرفه "ذلك" العذاب الشديد "عن دينه، ويمشَّط بأمشاط الحديد ما دون لحمه"؛ أي: ما تحت لحمه.

"من عظم أو عصب" بيان (ما دون لحمه).

"وما يصدُّه ذلك عن دينه، والله لَيَتِمَّنَّ" بفتح اللام للتأكيد.

"هذا الأمر"؛ أي: هذا الدين.

"حتى يسير الراكب من صنعاء" بلدٌ باليمن.

"إلى حضر موت" وهو موضعٌ حضره صالحٌ النبيُّ عليه السلام فمات فيه فسمي بهذا الاسم، وقيل: حضر فيه موت جرجس، وقيل: هو اسم قبيلة.

"لا يخاف إلا الله تعالى، أو الذئب على غنمه" أشار به صلى الله عليه وسلم إلى خلوِّ الطريق والأماكن عن الأعداء، فإنها إذا خلت عن الأعداء ربما ظهر فيها الذئب، يعني: سيزول أذى المشركين عن المسلمين بظهور الدين على الأديان الباطلة.

"ولكنكم تستعجلون" وفيه تحريض على الصبر على الأذى، والتحمُّل على المشاق، وعدم الاستعجال في الأمور.

* * *

ص: 269

4575 -

وقَالَ أَنسٌ رضي الله عنه: كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يَدخُلُ على أُمِّ حَرامٍ بنتِ مِلْحانَ، وكَانتْ تحتَ عُبادَةَ بت الصَّامِتِ رضي الله عنه، فدَخَلَ عليها يَوماً فأطعَمَتْهُ، ثُمَّ جلسَتْ تَفْلِي رَأْسَهُ، فَنَامَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ استيقَظَ وهُوَ يَضحَكُ، قالتْ: فقلتُ: وما يُضحِكُكَ يا رَسُولَ الله؛ قال: "نَاسٌ منْ أُمَّتِي عُرِضوا عَليَّ غُزاةً في سَبيلِ الله، يَركَبونَ ثَبَجَ هذا البَحْرِ، مُلوكاً على الأسِرَّةِ" - أوْ: "مِثْلَ المُلوكِ على الأسِرَّةِ" -، فقلتُ: يا رَسُولَ الله! ادْعُ الله أنْ يَجعَلَنِي منهُمْ، فدَعا لَهَا، ثُمَّ وضَعَ رأسَهُ فَنَامَ، ثُمَّ اسْتَيْقَظَ وهوَ يَضحكُ، فقُلتُ: يا رَسُولَ الله! ما يُضحِكُكَ؟ قال: "نَاسٌ منْ أُمّتي عُرِضُوا عَليَّ غُزاةً في سَبيلِ الله" - كمَا قَالَ في الأُولى -، فقُلتُ: يا رَسُولَ الله! ادْعُ الله أنْ يَجعَلَنِي منهُمْ، قَالَ:"أنتِ مِنَ الأوَّلينَ"، فركِبَتْ أُمِّ حَرامٍ البَحرَ في زَمَنِ مُعَاويَةَ، فصُرِعتْ عَنْ دابَّتِها حِيْنَ خَرجَتْ مِنَ البَحرِ فهَلَكَت.

"وقال أنس رضي الله عنه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل على أم حرام بنت ملحان": قيل: كانت من خالات النبي صلى الله عليه وسلم من الرضاع.

"وكانت تحت عبادة بن الصامت، فدخل عليها يوماً فأطعمته، ثم جلست تَفْلي رأسه" من القمل.

"فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم استيقظ وهو يضحك، قالت. فقلت: ما يضحكك يا رسول الله؟ قال: ناسٌ من أمتي عُرِضوا عليَّ غزاةً في سبيل الله يركبون ثبج هذا البحر"؛ أي: وسطها.

"ملوكاً" نصب على الحال من ضمير (يركبون).

"على الأسرة": جمع سرير بمعنى السفينة.

"أو" قال: "مثل الملوك" نصبه إما حالٌ أو صفة مصدرٍ محذوف؛ أي:

ص: 270

ركوباً مثل ركوب الملوك "على الأسرة، فقلت: يا رسول الله! ادع الله أن يجعلني منهم، فدعا لها، ثم وضع رأسه فنام، ثم استيقظ وهو يضحك فقلت: يا رسول الله ما يضحكك؟ قال: ناس من أمتي عرضوا عليَّ غزاة في سبيل الله تعالى - كما قال في الأولى - فقلت: يا رسول الله! ادع الله أن يجعلني منهم، قال: أنت من الأولين، فركبت أم حرام البحر في زمن معاوية رضي الله عنه فصرعت"؛ أي: سقطت. "عن دابتها حين خرجت من البحر فهلكت".

* * *

4576 -

وقَالَ ابن عبَّاسٍ رضي الله عنه: إنَّ ضماداً قَدِمَ مَكَّةَ، وكَانَ منْ أَزْدِ شَنُوْءَةَ، وكَانَ يَرْقي مِنْ هذِه الرِّيحِ، فَسَمِعَ سُفَهاءَ أهْلِ مَكَّةَ يقُولُونَ: إنَّ مُحمَّداً مَجنُونٌ، فَقَالَ: لَوْ أنِّي رَأَيْتُ هَذا الرَّجُلَ لَعَلَّ الله يَشْفِيهِ على يَدَيَّ، قَالَ: فلِقَيَهُ فَقَالَ: يا مُحَمَّدُ! إنِّي أَرْقِي منْ هذا الرِّيحِ، فهلْ لكَ؟ فقالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:"إنَّ الحَمْدَ للهِ، نَحْمَدُهُ ونسَتَعينُهُ، مَنْ يَهْدِهِ الله فلا مُضلَّ لهُ، ومَنْ يُضْلِلْ فلا هَادِيَ لهُ، وأَشْهَدُ أنْ لا إلَهَ إلَّا الله، وحدَهُ لا شَريكَ لهُ، وأنَّ مُحَمَّداً عبْدُهُ ورَسُولُهُ، أمَّا بَعْدُ"، فَقَالَ: أعِدْ عليَّ كَلِماتِكَ هؤلاءِ، فأعَادَهُنَّ عليهِ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم ثَلاثَ مرَّاتٍ، فَقَالَ: لَقَدْ سَمِعتُ قَوْلَ الكَهَنَةِ وقَوْلَ السَّحَرَةِ وقَوْلَ الشُّعَراءِ، فما سَمِعتُ مِثْلَ كَلِمَاتِكَ هَؤُلاءِ، ولَقدْ بَلَغْنَ نَاعُوْسَ البَحرِ، هَاتِ يَدَكَ أُبايعْكَ عَلَى الإِسلامِ، قَالَ: فبايَعَهُ.

"وقال ابن عباس: رضي الله عنه إن ضماداً: بكسر الضاد المعجمة، هو ضمادٌ الأَزْديُّ كان صديقاً للنبي صلى الله عليه وسلم وصاحباً له في الجاهلية قبل أن يبعث صلى الله عليه وسلم.

"قدم مكة"؛ أي: رجع من سفره.

"وكان من أَزْدِ شَنُوءَةَ" قبيلة من اليمن.

ص: 271

"وكان"؛ أي: ضماد "يرقي"؛ أي: يعالج من داءٍ بقراءةٍ ونفث فيه، وهي جملة حالية.

"من هذه الريح"؛ يعني: من العلة الحاصلة من مسِّ الجن، قال أبو موسى: الريح هنا بمعنى الجن، سُموا بها؛ لأنهم لا يُرون كالريح.

"فسمع سفهاءَ أهل مكة يقولون: إن محمداً مجنون" ولا بُعدَ فيه؛ لأنهم كانوا مجانين، والمجانين إذا كان فيهم عاقل يسمونه مجنوناً لمخالفته إياهم.

"فقال: لو أني رأيت هذا الرجل لعل الله يشفيه على يدي، قال: فلقيه فقال: يا محمد! إني أرقي من هذا الريح فهل لك؟ "؛ أي: هل لك من حاجة إلى دوائي؟.

"فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الحمد لله نحمده" على تخلصي مما ينسبونه إلي من الجنون.

"ونستعينه" على الصبر على إيذاء السفهاء.

"مَنْ يهده الله فلا مُضلَّ له، ومن يُضْلِلْ فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد" هذا شروعٌ بعد تحميد الله إلى خطاب آخر، ولكن لم يظفر ما ذكر النبي عليه الصلاة والسلام "فقال"؛ أي: ضماد حين سمع هذه الكلمات التي يقطر منها ماءُ الحياة: "أعد عليَّ كلماتك هؤلاء، فأعادهن عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات، فقال": ما أحسن وأفصح هؤلاء الكلمات.

"لقد سمعت قول الكهنة" جمع كاهن.

"وقول السحرة" جمع ساحر.

"وقول الشعراء" جمع شاعر.

"فما سمعت مثل كلماتك هؤلاء، ولقد بلغنا ناعوس البحر" قيل:

ص: 272