الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بكرٍ! أَوَّلُ مَن يدخلُ الجَنَّةَ مِن أُمَّتي".
"عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتاني جبرائيل فأخذ بيدي فأراني بابَ الجنة الذي تَدخل منه أمتي، فقال أبو بكر: يا رسول الله! وددت"؛ أي: تمنيتُ "أني كنت معك حتى انظر إليه"؛ أي: إلى باب الجنة.
"فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أَما إنك يا أبا بكر أول من يدخل الجنة من أمتي".
* * *
4 - باب مَناقِبِ عُمَرَ بن الخَطابِ رضي الله عنه
-
(باب مناقب عمر بن الخطّاب رضي الله تعالى عنه)
مِنَ الصِّحَاحِ:
4724 -
عن أبي هُريرةَ رضي الله عنه قال: قَالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لقد كانَ فيما قَبْلَكُمْ مِن الأُمم مُحَدَّثونَ، فإنْ يَكُ في أُمتي أَحدٌ فإنَّه عُمَرُ".
"من الصحاح":
" عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد كان فيمَنْ قبَلكم من الأمم مُحدَّثون"، والمحدث - بفتح الدال وتشديدها - هو المُلْهَم الذي يُلقى الشيء في رُوعه من الملأ الأعلى، فيخبر به فِراسة، يريد صلى الله عليه وسلم: قوماً يصيبون في فراستهم إذا ظَنُّوا، فكأنهم حُدِّثوا بشيء فقالوه، فتلك منزلةٌ جليلة من منازل الأولياء.
"فإن يك في أمتي أحدٌ فإنَّه عمر"، لم يُرِدْ صلى الله عليه وسلم به الترددَ، فإن أمته أفضل الأمم، وحيث وُجد في غيرها ففيها أولى، بل أراد التأكيدَ لفضل عمر، والقطع
به، يعني: أنَّه كان صادق الظن صافيًا؛ لصفاء قلبه الطاهر الذي هو محلٌ إلهامه تعالى.
* * *
4725 -
وعن سَعْدِ بن أبي وَقّاصٍ رضي الله عنه قال: استأذَنَ عُمَرُ بن الخَطّابِ على رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وعِنْدَه نِسْوَةٌ مِن قُرَيْشٍ يُكَلِّمْنَهُ، عاليةً أصواتُهنَّ، فلَمّا استأذنَ عمرُ قُمْنَ فبْادَرنَ الحِجابَ، فدخَلَ عُمَرُ ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم يَضْحَكُ فقالَ: أَضْحَكَ الله سِنَّكَ يا رسولَ الله! مِمَّ تَضْحَكُ؟ فقالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "عَجبْتُ مِن هؤلاءَ اللاتي كُنَّ عندي، فلمّا سَمِعْنَ صَوْتَكَ ابتَدَرنَ الحِجابَ"، قال عُمَرُ: يا عَدُوّات أنفُسِهنَّ! أتهَبنني ولا تَهَبن رسولَ الله؟ فقُلنَ: نعَم، أنَتَ أفظُّ وأغلظُ، فقالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:"إيْهِ يا ابن الخطابِ! والذي نفسي بيدِهِ، ما لَقِيَكَ الشَّيطانُ سالكًا فَجًّا قطُّ إلا سَلَكَ فَجًا غيرَ فَجِّكَ".
"عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: استأذن عمر بن الخطّاب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده نسوةٌ من قريش يكلِّمْنَه، عالية أصواتهن، فلما استأذن عمرُ قُمنَ فبادَرنَ الحجاب، فدخل عمر ورسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك، فقال: أضحكَ الله سنَّكَ يا رسول الله، ممَّ تضحك؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: عجبت من هؤلاء اللاتي كنَّ عندي، فلما سمعن صوتك ابتدرن الحجاب، فقال عمر: يا عدوّاتِ أنفسِهنَّ أتهبنني"؛ أي: أتوقرنني وتعظِّمنني "ولا تهبن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم؟ فقلن: نعم، أنت أفظُّ وأغلظ"، وفي "الصحاح": الفظ من الرجال: الغليظ الجافي.
"فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إيهِ": - بكسر الهمزة والهاء - معناه: استزد على ما أنت عليه من التشدُّد والتصلُّب في الدين "يا ابن الخطاب، والذي نفسي بيده ما لَقِيَكَ الشيطانُ سالكًا فجًّا"؛ أي: طريقاً واسعًا "قط إلا سلك فجًا غيرَ فَجِّك"، وفيه تنبيه على صلابة عمر رضي الله عنه في الدين واستمرار حاله على الحق
المحَض والجد الصِّرف، ولذا كان إذا سلك طريقاً من طرق الدين سلك الشيطان غيره؛ ليأسِه منه، حتى كان بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم كالسيف الصارم إنْ أمضاه مضى، وإن كَفَّه كَفَّ.
* * *
4726 -
عن جابرٍ رضي الله عنه قال: قَالَ النّبيُّ صلى الله عليه وسلم: "دَخَلْتُ الجَنَّةَ فإذا أنا بالرُّمَيْصاء، امرأةِ أبي طَلْحَةَ - وسَمِعْتُ خَشْفَةً، فقلتُ: مَن هذا؛ فقالَ: هذا بلالٌ، ورأيتُ قَصراً بفِنائهِ جاريةٌ فقلتُ: لِمَنْ هذا؟ فقال: لعُمَرَ، فأردْتُ أنْ أدخُلَهَ فأنظرَ إليه فذكرتُ غيرتَكَ"، فقال عُمَرُ رضي الله عنه: بِأَبي وأُمِّي يا رسولَ الله! أعليكَ أغارُ؟
"عن جابر رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: دخلتُ الجنة فإذا أنا بالرُّمَيصاء" - بضم الراء وبالصاد المهملتين - تصغير رَمْصاء، يقال: رجل أرمص وامرأةٌ رمصاء، والرَّمَص - بفتحتين -: وسخ يجتمع في المُوْقِ وجَمَد، وإن سال فَغَمصٌ.
"امرأة أبي طلحة": عطف بيان، أو بدل من الرميصاء، وهي أم سليم بنت مِلحان، كانت تحتَ مالك بن النضر فولدت منه في الجاهلية أنس بن مالك، فأسلمت وعَرَضت الإسلام على زوجها، فغضب عليها، وذهب إلى الشام فهلَكَ هنالك، فخطبها أبو طلحة الأنصاريَّ فأبت، فعلم أنه لا سبيل إليها إلا بالإسلام، فأسلم وتزوَّجها وحَسُن إسلامه.
"وسمعت خَشَفة"؛ يعني صوت قرع النعل، "فقلت: مَنْ هذا؟ فقال"؛ أي: قائل: "هذا بلالٌ، ورأيت قصرًا بفنائه جارية"، فناء الدار: ما امتد من جوانبها، "فقلت: لمن هذا؟ فقال: لعمر"؛ أي: هذا لعمر.
"فأردت أن أدخله فأنظر إليه فذكرت غَيرتك، فقال"؛ أي: "عمر: بأبي وأمي"، الباء للتفدية؛ أي: أنت مفدَّى بهما "يا رسول الله! أعليك أغار؟! ".
* * *
4727 -
وعن أبي سَعيدٍ رضي الله عنه قال: قَالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "بينا أنا نائمٌ رأيتُ النّاسَ يُعرَضُونَ عليَّ وعليهم قُمصٌ، مِنْها ما يَبلغُ الثّدْيَ، ومِنْها ما دونَ ذلكَ، وعُرِضَ عليَّ عُمَرُ بن الخَطّابِ رضي الله عنه وعَلَيْهِ قميصٌ يَجرُّه"، قالوا: فما أَوَّلْتَ ذلكَ يا رسولَ الله؛ قال: "الدَّينَ".
"عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بينا أنا نائم رأيت الناس يُعرضون عليَّ وعليهم قُمُصٌ" - بضم الميم - جمع قميص، "منها ما يَبْلُغ الثدي"؛ أي: الصدر، "ومنها ما دون ذلك"؛ أي: أَقصر منه.
"وعُرِضَ عليَّ عمر بن الخطّاب وعليه قميصٌ يجرُّه، قالوا: فما أولت ذلك"؛ أي جر القميص لعمر "يا رسول الله؟! قال: الدين"؛ أي: أولته الدين؛ أي: يقيم الدين في زمان خلافته، ويطول زمانُ خلافته.
* * *
4728 -
وعن ابن عُمَرَ قال: سَمِعْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: "بَيْنا أنا نائمٌ أُتيتُ بقَدَحِ لَبن فَشَرِبْتُ، حتى إِنِّي لأَرَى الرِّيَّ يَخْرُجُ في أَظْفاري، ثمَّ أَعْطَيْتُ فَضْلي عُمَرَ بن الخطابِ رضي الله عنه " قالوا: فما أَوَّلْتَهُ يا رسولَ الله؛ قال: "العِلْمَ".
"وعن ابن عمر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: بينا أنا نائم أُتيت بقَدَح لبن فشربت، حتى إني لأرى الرِّي يخرج في أظفاري، ثمَّ أَعطيت فضلي عمَر بن الخطّاب، قالوا: فما أوَّلته يا رسول الله؟ قال: العلم"، فالعلم في عالم
المثال مصور بصورة اللبن بمناسبة أن اللبن أول غذاء البدن وسبب صلاحه، والعلم أول غذاء الروح وسبب لصلاحه، وفي الحديث دليل لمن قال بوجود الري في العلم.
* * *
4729 -
عن أبي هُرَيرةَ رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: "بَيْنا أنا نائمٌ رأيتُني على قَلِيبٍ عليها دلوٌ، فَنَزَعْتُ منها ما شاءَ الله، ثُمَّ أخذَها ابن أبي قُحافةَ فَنَزَعَ بها ذَنُوبًا أو ذَنُوبينِ، وفي نزعِه ضَعْفٌ والله يغفِرُ لهُ ضَعْفَه، ثُمَّ استَحالَتْ غَربًا، فأخذَها ابن الخَطّابِ، فَلَمْ أَرَ عَبْقريًا مِن النّاسِ يَنزِعُ نزعَ عُمَرَ، حتى ضَرَبَ النّاسُ بعَطَنٍ".
"عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: بينا أنا نائم رأيتني على قَليب"، وهي البئر التي لم تُطْو، "عليها دَلو، فنزعت منها ما شاء الله، ثمَّ أخذها"؛ أي: الدلو "ابن أبي قحافة": - بضم القاف -، وهو أبو بكر، "فنزع بها ذنَوباً"، وهو بفتح الذال المعجمة: الدلو العظيمة الملأى ماءً، "أو ذنوبين"، شك من الراوي، أشار به صلى الله عليه وسلم إلى قصر مدة خلافته، وهي سنتان وأشهر.
"وفي نَزْعه ضعف": لم يُرِدْ به نسبةَ الضعف إليه لتقصيرٍ منه؛ لأنه تحمل من أعباء الخلافة - أي: مشقاتها - ما كانت الأمة تعجَز عن تحملها، ولذا قالت عائشة رضي الله عنها: لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتدَّت جُفاةُ العرب وكثر المنافقون، فنزل بأبي ما لو نزل بالجبال الراسيات لقضَّها؛ أي: كسرها، بل هو إشارة إلى أن الفتوح في أيامه أقل منها في أيام عمر.
"والله يغفِرُ له ضعفَه"، قيل: دعا صلى الله عليه وسلم له بالمغفرة ليتحقق السامعون أن الضعف الذي وُجد في نزعه هو من مقتضى تغيُّر الزمان وقلة الأعوان.
"ثم استحالت"؛ أي: انقلبت الذنوب وتحولت "غربًا" - بسكون الراء -: الدَّلو العظيمة التي تتخذ من جِلد ثور، "فأخذها ابن الخطاب، فلم أر عبقرياً من الناس"؛ أي: سيدًا قويًا "ينزع نزعَ عمر"؛ أي: كنزعه.
"حتى ضرب الناس بِعَطَن": وهو مناخ الإبل حول الماء، ضَربَ النبي صلى الله عليه وسلم ذلك مثلًا لاتساع الناس في زمان عمر وما فتح عليهم من الأمصار.
* * *
4730 -
ورواهُ ابن عُمَرَ، عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وقال:"ثمَّ أخذَها ابن الخَطّابِ مِن يَدِ أبي بَكم فاستحالَتْ في يدِه غَرباً، فلم أَرَ عَبْقَرِيًّا يَفرِي فَريَهُ، حتى رَوِي النّاسُ وضَرَبوا بعَطَنٍ".
"ورواه ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: ثمَّ أخذها ابن الخطاب من يد أبي بكر فاستحالت في يده غرباً، فلم أر عبقريًا يَفْري فَريه"؛ أي: يعمل عمله العجيب، ويقوَى قوته، ويقطع قطعه، وهذا كله إشارة إلى ما أكرم الله تعالى به عمر من امتداد مدة خلافته، ثمَّ القيام فيها بإعزاز الإسلام وحفظ حدوده وتقوية أهله.
"حتى روِيَ الناس وضربوا بعطنٍ"؛ أي: حتى رووا وأَرووا إبلَهم، وأبركوها، وضربوا لها عَطَنا.
* * *
مِنَ الحِسَان:
4731 -
عن ابن عُمَرَ رضي الله عنه قال: قَالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ الله وَضَعَ الحَقَّ على لِسانِ عُمَرَ وقلبهِ".
"من الحسان":
" عن ابن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: إن الله وضع الحقَّ على لسانِ عمَر وقلبه".
* * *
4732 -
وقالَ عليٌّ رضي الله عنه: ما كُنّا نبعِدُ أنَّ السَّكينَةَ تَنْطِقُ على لِسانِ عُمَرَ.
"وقال عليٌّ رضي الله عنه: ما كنا نبعد أن السكينة تنطق على لسان عمر"؛ أي: ما كنا نعد بعيدًا أنَّه مُلْهم من الملك، إذ كان ما يقوله حقاً وصواباً، يعني: ينطق بما يستحق أن تَسكُنَ إليه النفوس، وتَطمئن به القلوب، وإنه أمرٌ غيبي أُلقي على لسان عمر، ويحتمل أنَّه أراد بالسكينة: المَلَك الذي يُلْهمه ذلك القول.
وفي "شرح السنة": قال ابن عمر: ما نزل بالناس أمرٌ قط فقالوا فيه وقال عمر فيه، إلا نزَلَ القرآنُ على ما قال عمر رضي الله عنه
* * *
4733 -
عن ابن عبّاسٍ رضي الله عنه، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال:"اللهمَّ! أَعِزَّ الإِسلامَ بأبي جَهْلِ بن هشامٍ، أو بعُمَرَ بن الخَطّابِ"، فأَصْبَحَ عُمَرُ فَغَدا على النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فأَسْلَمَ، ثمَّ صلَّى في المَسْجدِ ظاهِرًا.
"عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اللهم أعزَّ الإِسلام"؛ أي: قَوِّه وانصره "بأبي جهل بن هشام، أو بعمر بن الخطاب، فأصبح عمرُ فغدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم، ثمَّ صلى"؛ أي: النبي صلى الله عليه وسلم "في المسجد ظاهرًا"؛ أي: غير مختفٍ من الناس، وكانوا قبلَ إسلامِ عمر يصلون في خُفية منهم.
4734 -
عن جابرٍ رضي الله عنه قال: قَالَ عُمَرُ رضي الله عنه لأبي بكرٍ: يا خيرَ الناسِ بعدَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم! فقالَ أبو بَكْرٍ: أَما إِنَك إنْ قلتَ ذلكَ، فَلقَدْ سَمِعْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ:"ما طَلَعَت الشَّمْسُ على رَجُلٍ خيرٍ مِن عُمَرَ".
"عن جابر رضي الله عنه قال: قال عمر لأبي بكر رضي الله عنهما: يا خيرَ الناسِ بعد رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، فقال أبو بكر: أَما إنك إنْ قلت ذلك فلقد سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما طلعتِ الشمسُ على رجلٍ خيرٌ من عمر".
"غريب".
* * *
4735 -
عن عُقبةَ بن عامرٍ رضي الله عنه قال: قَالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لو كانَ بَعْدي نبِيٌّ لكانَ عُمَرَ بن الخَطّابِ"، غريب.
"عن عقبةَ بن عامر رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: لوكان بعدي نبيّ لكان عمر ابن الخطاب"، "غريب".
* * *
4736 -
عن بُرَيْدَةَ قال: خرجَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في بَعْضِ مَغازيه، فلمّا انصَرَفَ جاءَتْ جارَيةٌ سَوْداءُ فقالت: يا رسولَ الله! إنِّي كنتُ نَذَرْتُ: إنْ رَدَّكَ الله صالِحًا أنْ أَضْرِبَ بينَ يَدَيْكَ بالدُّفِّ وأتغَنَّى، فقالَ لها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:"إنْ كنتِ نَذَرتِ فاضْرِبي وإلَّا فلا"، فجَعَلَتْ تَضْرِبُ فدَخَلَ أبو بَكْرٍ وهي تَضْرِبُ، ثُمَّ دخلَ عليٌّ وهي تَضْرِبُ، ثُمَّ دَخَلَ عُثْمانُ وهي تَضْرِبُ، ثُمَّ دَخَلَ عُمَرُ فألقَت الدفَّ تَحتَ اسْتِها ثُمَّ قَعَدَتْ عليه، فقالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:"إن الشيطانَ ليَخافُ مِنْكَ يا عُمَرُ! إنّي كنْتُ جالِسًا وهي تَضْرِبُ، فدخلَ أبو بَكْرٍ وهي تَضْرِبُ، ثُمَّ دَخَلَ عَلِيٌّ وهي تَضْربُ، ثُمَّ دَخَلَ عُثْمانُ وهي تَضْرِبُ، فلمَّا دَخَلْتَ أَنْتَ ألقَت الدُّفَّ"، غريب صحيح.
"عن بُريدة رضي الله عنه قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض مغازيه فلما انصرف جاءت جاريةٌ سوداءُ فقالت: يا رسول الله! إني كنت نذرت إنْ ردك الله صالحًا"؛ أي: سالمًا "أن أضرِبَ بين يديك بالدُّفِّ وأتغنى، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن كنت نذرتِ فاضربي، وإلا فلا"، فيه دليلٌ على أن الوفاء بالنذر الذي فيه قربة واجب، والسرور بمقدَمه صلى الله عليه وسلم قربة، خصوصًا من الغزو الذي فيه تَهلك الأنفس.
وعلى أن ضرب الدف مباح.
"فجعلت تضرب، فدخل أبو بكر وهي تضرب، ثم دخل عليٌّ وهي تضرب، ثم دخل عثمانُ وهي تضرب، ثم دخل عمُر رضي الله عنهم فألقت الدفِّ تحت اسْتِها"؛ أي: تحت أَليتها "ثم قعدت عليه، فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: إنَّ الشيطانَ ليخاف مِنكَ يا عمر"، سمى صلى الله عليه وسلم ضاربةَ الدف بين يديه شيطانًا؛ لفعلها فعلَ الشيطان من زيادة الضرب على ما حصل به المقصود من السرور؛ لأنه قد حصل بأدنى الضرب، والزيادة عليه من جنس اللهو.
"إني كنت جالسًا وهي تضرب، فدخل أبو بكر وهي تضرب، ثم دخل علي وهي تضرب، ثم دخل عثمان وهي تضرب، فلما دخلتَ أنت ألقت "الدف". "غريب".
قيل: إنما أمكنها من ضرب الدف؛ لأن نذرها دلَّ على أنها عَدَّت انصرافَه صلى الله عليه وسلم على حال السلامة نعمةٌ من نعم الله عليها، فانقلب الأمر فيه من صنعة اللهو إلى صنعة الحق، ومن المكروه إلى المستحب، وإنما ترك صلى الله عليه وسلم الأمر في الزيادة إلى حد المكروه؛ ليكون راجعًا إلى حد التحريم، وحدّ انتهائها عما كانت فيه بمجيء عمر رضي الله عنه * * *
4737 -
عن عائِشَةَ رضي الله عنها قالت: كانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم جالِسًا في المَسْجدِ، فسمعْنَا لَغَطًا وصَوْتَ صِبْيَانٍ، فقامَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فإذا حَبَشِيَّة تَزْفِنُ والصِّبْيانُ حَوْلَها، فقال:"يا عائِشَةُ! تعالَيْ فانظري"، فجئتُ فَوَضَعْتُ لَحْيَيَّ على مَنْكِبِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ إليها ما بينَ المَنْكِبِ إلى رأسِهِ، فقالَ لي:"أَمَا شَبعْتِ؟ أَمَا شَبعْتِ؟ "، فَجَعَلْتُ أقولُ: لا؛ لأَنْظُرَ منزلَتي عِنْدَهُ، إذ طَلَعَ عمرُ، فارفَضَّ النَّاسُ عَنْها، فقالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:"إنِّي لأَنْظُرُ إلى شياطينِ الجِنِّ والإنسِ قد فَرُّوا مِن عُمَرَ"، قالَت: فَرَجَعْتُ. صحيح غريب.
"وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسًا، فسمعنا لَغَطًا"، وهو بفتح اللام والغين المعجمة والطاء المهملة: الصوت العالي، وقيل: صوتٌ وضَجةٌ لا يفهم معناه.
"وصوت صبيان، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا حبشية تزفن" - بسكون الزاء المعجمة وضم الفاء وكسرها -؛ أي: ترقص "والصبيان حولها"؛ أي: حول الحبشية.
"فقال: يا عائشة! تعالي فانظري، فجئت فوضعت لحيي"، واللحْي - بالفتح ثم السكون - مَنبت الأسنان، "على منكب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعلت أنظر إليها ما بين المنكب إلى رأسه، فقال لي: أما شبعت" - بفتح الهمزة وتخفيف الميم -، "أما شبعت، فجعلت أقول: لا، لأنظر منزلتي عنده، إذ طلع عمر رضي الله عنه فارفضَّ الناس عنها"؛ أي: تفرقوا عن تلك الحبشية من هيَبة عمر رضي الله عنه.
"فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني لأنظر إلى شياطين الجن والإنس قد فَرُّوا من عمر، قالت: فرجعت". "غريب".
* * *