المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌2 - باب الحشر - شرح المصابيح لابن الملك - جـ ٦

[ابن الملك]

فهرس الكتاب

- ‌6 - باب نزول عيسى عليه السلام

- ‌7 - باب قُرْبِ السَّاعَة وأنَّ مَنْ ماتَ فقد قامَتْ قيامَتُه

- ‌8 - باب لا تقومُ السَّاعةُ إلا على الشِّرارِ

- ‌1 - باب النَّفْخِ في الصورِ

- ‌2 - باب الحَشْرِ

- ‌3 - باب الحِسَابِ والقِصَاصِ والمِيْزانِ

- ‌4 - باب الحَوْضِ والشفاعة

- ‌5 - باب صِفَةِ الجَنَّةِ وأَهْلِهَا

- ‌6 - باب رُؤْيَةِ الله تَعالى

- ‌7 - باب صِفَةِ النَّار وأهلِها

- ‌8 - باب خَلْقِ الجَنَّةِ والنَّارِ

- ‌9 - باب بدءِ الخَلقِ، وذكرِ الأَنبياءِ عليهم السلام

- ‌1 - باب فَضَائِلِ سيدِ المُرسَلِينَ صلَوَاتُ الله عَلَيْهِ

- ‌2 - باب أَسْمَاءِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وَصِفَاتُهُ

- ‌3 - باب في أَخْلاقِهِ وشَمَائِلِهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌4 - باب المَبْعَثِ وَبدْءِ الوَحْيِ

- ‌5 - باب علامات النبوة

- ‌فصل في المِعْرَاجِ

- ‌فصل في المُعْجِزَاتِ

- ‌6 - باب الكَرَامَاتِ

- ‌7 - باب(باب في بيان هجرة أصحابه من مكة)

- ‌8 - باب

- ‌1 - باب في مَناقبِ قريشٍ وَذِكرِ القَبَائِلِ

- ‌2 - باب مناقب الصحابة رضي الله عنهم

- ‌3 - باب مَناقِبِ أَبي بَكرٍ الصِّديقِ رضي الله عنه

- ‌4 - باب مَناقِبِ عُمَرَ بن الخَطابِ رضي الله عنه

- ‌5 - باب مَنَاقِبِ أَبي بَكْرِ وَعُمَرَ رضي الله عنهما

- ‌6 - باب مَنَاقِبِ عُثمانَ في عَفَّانَ رضي الله عنه

- ‌7 - باب مَنَاقِبِ هؤلاءِ الثَّلاثة رضي الله عنهم

- ‌8 - باب مَنَاقِبِ عَلِيِّ في أَبي طالب رضي الله عنه

- ‌9 - باب مَنَاقِبِ العَشرَةِ رضي الله عنهم

- ‌10 - باب مَنَاقِبِ أَهْلِ بَيْتِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم

- ‌11 - باب مَنَاقِبِ أَزْوَاجِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم

- ‌12 - باب جَامِعِ المَنَاقِبِ

- ‌13 - باب ذِكْرِ اليَمَنِ وَالشَّامِ، وَذِكْرِ أُوَيْسِ القَرَنِيِّ رضي الله عنه

- ‌14 - باب ثوَابِ هذِهِ الأُمَّةِ

الفصل: ‌2 - باب الحشر

"وحنى جبهته"؛ أي: أمالها ينتظر.

"متى يُؤمَرُ بالنفخ، فقالوا: يا رسول الله! وما تأمرنا؟ قال: قولوا: حسبنا الله": وهو مبتدأ، خبره (حسبنا)؛ أي: كافينا.

"ونعم الوكيل"؛ أي: نعم الموكول إليه الله، فعيل بمعنى: مفعول، والمخصوص بالمدح محذوف.

4283 -

عن عبد الله بن عَمْرٍو رضي الله عنه، عَن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ:"الصُّورُ قَرْن يُنْفَخُ فيهِ".

"عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: الصورُ قرنٌ ينفخ فيه": قيل: دائرة رأسه كعرض السموات والأرض.

* * *

‌2 - باب الحَشْرِ

(باب الحشر)

مِنَ الصِّحَاحِ:

4284 -

قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ القِيامةِ على أَرْضٍ بَيْضاءَ عَفْراءَ كقُرْصَةِ النَّقِيِّ، ليسَ فيها عَلَم لأَحَدٍ".

"من الصحاح":

" قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يحشر الناس يوم القيامة على أرض بيضاء"؛ أي: خالية من الغرس.

"عفراء": وهي البيضاء التي ليست بشديدة البياض.

ص: 24

"كقُرصةِ النقيِّ": وهو صفة لمحذوف؛ أي: الخبز النقي، يريد بذلك: استدارتها واستواء أجزائها، شبَّهها بقرصة النقي باعتبار صغر أجزائها؛ لأنها تدكُّ يومئذ دكًا.

"ليس فيها علم لأحد": من الأبنية وغيرها، بل تكون مستوية؛ لئلا يختفي بها أحد.

* * *

4285 -

وقالَ: "تكونُ الأَرْضُ يَوْمَ القِيامَةِ خُبْزَةً واحِدَةً، يتكَفَّؤُها الجَبَّارُ بيدِه، نزلاً لأَهْلِ الجَنَّةِ".

"وقال: تكون الأرض يوم القيامة خبزة واحدة": معناه كمعنى قُرصة النقي.

"يتكفَّؤها الجبارُ": صفة (خبزة)؛ أي: يقلبها ويميلها ويبدلها.

"بيده نزلاً لأهل الجنة": و (النزل) بالضم: ما يُهيَّأ للنزيل، وهو الضيف.

وقيل: المراد ما عند الله من الأجر والثواب.

وقيل: أنه صلى الله عليه وسلم لم يرد أن جرم الأرض ينقلب يومئذ في الشكل والطبع خبزة واحدة، بل أراد به: أنها تكون حينئذ بالنسبة إلى ما أعده الله تعالى لأهل الجنة كقرصة النقي يستعجل المضيف بها نزلاً للضيف، ونبه صلى الله عليه وسلم بذلك على عظم نعم الآخرة، وحقارة نعم الدنيا بالإضافة، وأشار إلى سهولة تصرفه فيها.

ومنهم من أجرى الحديث على ظاهره، فإن الله تعالى قادر على أن يقلب طبع الأرض إلى طبع المطعوم.

* * *

ص: 25

4286 -

وقال: "يُحْشَرُ النَّاسُ على ثلاثِ طرائِقَ: راغِبينَ راهِبينَ، واثنانِ على بعيرٍ، وثلاثة على بَعيرٍ، وأَرْبَعة على بَعيرٍ، وعَشَرة على بَعيرٍ، وتَحْشُرُ بقيتَهُمُ النَّارُ، تَقيلُ مَعَهُمْ حيثُ قالُوا، وتَبيتُ مَعَهُمْ حَيْثُ باتُوا، وتُصْبحُ مَعَهُمْ حيثُ أَصْبَحُوا، وتُمْسِي مَعَهُمْ حيثُ أَمْسَوْا".

"وقال: يحشر الناس يوم القيامة على ثلاثِ طرائقَ"؛ أي: ثلاث فرق.

"راغبين"؛ أي: الأول: قوم يرغبون، ويحرصون باختيارهم إلى أرض المحشر، وهم الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، وهم أصحاب اليمين.

"راهبين"؛ أي: الثاني: قوم يرهبون؛ أي: يخافون، يريد به: عوام المؤمنين الذين يترددون بين الخوف والرجاء؛ فتارة يرجون رحمة الله لإيمانهم، وتارة يخافون عذابه لما اجترحوا من السيئات، وهم أصحاب الميمنة.

"واثنان على بعير": الواو للحال.

"وثلاثة على بعير، وأربعة على بعير، وعشرة على بعير": يريد: أنهم يتناوبون، يعتقبون البعير الواحد، والأولى أن يُحمَل ذلك على الاجتماع؛ لأن في الاعتقاب لا يكون الاثنان ولا الثلاثة على بعير، وهذا تفصيل لمراتبهم ومنازلهم في السبق وعلو الدرجة على سبيل الكناية والتمثيل، وأن تفاوتهم في المراكب بحسب تفاوت نفوسهم واختلاف أقدامهم في العلم والعمل، فمن كان أعلى مرتبة كان أقل شركة وأشد سرعة وأكثر سباقاً، وإنما لم يذكر منهم من يتفرد على بعير؛ لأن ذلك مخصوص بالأنبياء إكرامًا لهم، فالمراد بالناس: غير الخواص.

"وتحشر بقيتهم النار"؛ أي: الثالث: قوم تسوقهم النار، وهم أصحاب المشأمة.

ص: 26

"تقيل معهم": من القيلولة، وهي النوم في الظهيرة؛ أي: تقيل النار مع المحشورين

"حيث قالوا، وتبيت"؛ أي: النار "معهم حيث باتوا، وتصبح معهم حيث أصبحوا، وتمسي معهم حيث أمسوا"؛ يعني: تلازمهم النار في جميع أحوالهم، بحيث لا تفارقهم أصلًا، ولا يفارقونها، وهم الكفرة.

وقيل: هذا الحشر إنما يكون قبل قيام الساعة أحياء إلى الشام بقرينة قيلولتهم وبيتوتهم؛ لأن هذه الأحوال إنما تكون في الدنيا.

وهذا آخر أشراط الساعة، كما في حديث آخره:"وآخر ذلك نار تخرج من قعر عدن تطرد الناس إلى محشرهم"، فأما الحشر الذي يكون بعد البعث من القبور؛ فعلى خلاف هذه الصفة من ركوب الإبل والمعاقبة عليها، وإنما هو كما أخبر: أنهم يبعثون حفاة عُراة غُرلاً، كما في الحديث التالي.

وقيل: يكون بعد البعث؛ لأن الحشر إذا ذُكِر مطلقًا يُصرَف إلى ما بعد الموت، وهو مختار الإِمام التوربشتي؛ لما رُوِي عن أبي هريرة رضي الله عنه:"يحشر الناس يوم القيامة ثلاثة أصناف: صنفًا مشاة، وصنفًا ركبانًا، وصنفًا على وجوههم"، وكونهم حفاة عراة لا ينافي كونهم ركباناً.

* * *

4287 -

وقالَ: "إنَّكم مَحْشورونَ حُفاةً عُراةً غُرْلاً"، ثُمَّ قَرَأَ:{كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ} ، "وأَوَّلُ مَنْ يُكْسَى يومَ القِيامةِ إبراهيمُ، وإنَّ ناساً منْ أَصْحابي يُؤْخَذُ بهمْ ذاتَ الشِّمالِ فأقولُ: أَصْحابي، أَصْحابي، فيقولُ: إنَّهُمْ لنْ يَزالوا مُرْتَدِّينَ على أَعْقابهم مُذْ فارَقْتَهُمْ، فأقولُ كما قالَ العَبْدُ الصَّالح:{وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ} ، إلى قوله:{الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} .

ص: 27

"وقال: إنكم تحشرون حُفاة": جمع الحافي، نصب على الحال.

"عُراة": جمع العاري.

"غُرْلاً" بضم الغين المعجمة وسكون الراء المهملة: جمع الأغرل، وهو الأقلف، والغُرْلة: القُلْفة.

"ثم قرأ: {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ} : الكاف متعلق بمحذوف دلَّ عليه (نعيده)، تقديره: نعيد الخلق إعادةً مثل الخلق الأول؛ يعني: بدأناهم في بطون أمهاتهم حفاة عراة غرلاً، كذلك نعيدهم يوم القيامة.

{وَعْدًا عَلَيْنَا} ؛ أي: واجبًا علينا إنجازه، نصب على المصدر من غير لفظ الفعل؛ لأن الإعادة ومحمد، ويجوز أن يكون (علينا) صفة لـ (وعدا)؛ أي: وعداً واجبًا علينا بإيجابنا.

{إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ} [الأنبياء: 104]؛ أي: الإعادة والبعث.

"وأول من يُكسَى يوم القيامة إبراهيم"، وإنما خُصَّ بكرامة الكسوة أولًا؛ لأنه أول من عُرِّي وجُرِّد في سبيل الله من النبيين حين أرادوا إلقاءه في النار، لا لأنه أفضل من نبينا صلى الله عليه وسلم؛ لأنه تعالى اختصه بفضائل لم يشاركه فيها أحدٌ من النبيين، أو لكون إبراهيم عليه السلام أباه، وتقدمه في اللباس لغرة الأبوة، والحديث مخصوص بنبينا صلى الله عليه وسلم، لكن في غير هذه الرواية: أن نبينا صلى الله عليه وسلم يُكسَى على أثره.

"وإن ناساً من أصحابي يؤخذ بهم ذات الشمال، فأقول: أُصيحابي! أصيحابي! ": تصغير أصحاب، وهو جمع قلة، وإنما صُغِّر لقلة عددهم، وهم الذين دخل عليهم بعده صلى الله عليه وسلم دواخلُ الشيطان، فأخلدوا إلى الدنيا، قيل: كثعلبة، وبسر بن أرطاة.

"فيقول"؛ أي: قائل، أو مجيب، أو مناد.

ص: 28

"إنهم لن يزالوا مرتدين على أعقابهم حين فارقتهم": لم يرد به الردة عن الإِسلام؛ إذ لم يرتد أحدٌ من الصحابة، وإنما ارتد قوم من جفاة العرب، بل المعنى: تخلفوا عن بعض الحقوق الواجبة، وأساءوا السيرة، بدليل التقييد بـ (على أعقابهم).

"فأقول كما قال العبد الصالح": وهو عيسى عليه السلام.

{وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا} ؛ أي: رقيباً أمنعهم من الكفر.

{مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي} ؛ أي: قبضتني ورفعتني إليك.

{كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ} ؛ أي: الحفيظ.

{عَلَيْهِمْ} : تحفظ أعمالهم، {وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [المائدة: 117].

{إِنْ تُعَذِّبْهُمْ} : بإقامتهم على الكفر.

{فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ} : أحقاء بالتعذيب؛ لأنك المالك المتصرف.

{وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ} ؛ أي: للمؤمنين منهم، {فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [المائدة: 118].

"إلى قوله: {الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [المائدة: 118] ": تلخيصه: إن تعذب فعدل، وإن تغفر ففضل.

* * *

4288 -

عن عائِشَةَ رضي الله عنها قالت: سَمِعْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: "يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ القِيامَةِ حُفاةً عُراةً غُرْلاً"، قلتُ: يا رسولَ الله! الرِّجالُ والنِّسَاءُ جَميعاً يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إلى بَعْضٍ؟ فقالَ: "يا عائشةُ! الأَمرُ أَشَدُّ مِنْ أنْ يَنْظُرَ بَعْضُهُمْ إلى بَعْضٍ".

"عن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يحشر

ص: 29

الناس يوم القيامة حُفاة عُراة غُرلاً، قلت: يا رسول الله! الرجال والنساء جميعًا ينظر بعضهم إلى بعض؟! فقال: يا عائشة! الأمر أشد من أن ينظرَ بعضهم إلى بعض": المراد من الأمر: أهوال يوم القيامة وشدته من دنو الشمس، وطول الموقف، والسؤال والحساب.

* * *

4289 -

عن أنس رضي الله عنه: أنَّ رَجُلاً قالَ: يا نبيَّ الله! يُحْشَرُ الكافِرُ على وَجْههِ يومَ القِيامَةِ؟ قال: "أليْسَ الذِي أمْشاهُ على الرِّجلَيْنِ في الدُّنيا قادِرٌ على أنْ يُمْشِيَه على وَجْهِهِ يَوْمَ القِيامَةِ؟ ".

"عن أنس رضي الله عنه: أن رجلًا قال: يا نبي الله! كيف يحشر الكافر على وجهه يوم القيامة؟ قال: أليس الذي أمشاه على الرجلين في الدنيا قادرًا على أن يمشيه على وجهه يوم القيامة؟ ": قيل: كان سؤال السائل عند نزول قوله تعالى: {الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ} الآية، فإن الحشر إذا كان على الوجه، يفهم منه أن المشي يكون كذلك باستصحاب الحال، كأن السائل قال: كيف يمشي الكافر على وجهه؟

* * *

4290 -

عن أبي هُريرةَ رضي الله عنه: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "يَلقَى إبراهيمُ أباهُ يومَ القِيامَةِ وعلى وَجْهِ آزَرَ قَتَرَةٌ وغَبَرَةٌ، فيقولُ لهُ إبراهيمُ: ألمْ أقُلْ لكَ: لا تَعْصِني؟ فيقولُ لهُ أبوهُ: فاليَوْمَ لا أَعصِيكَ، فيقُولُ إبراهيمُ: يا ربِّ! إنَّكَ وعَدْتَنِي أنْ لا تُخزِيَني يَوْمَ يُبعَثونَ، فأيُّ خِزْيٍ أَخْزَى مِنْ أبي الأَبْعَدِ؟ فيقولُ الله عز وجل: إنِّي حَرَّمْتُ الجَنَّةَ على الكافِرينَ، ثُمَّ يُقالُ لإبراهيمَ: ما تحتَ رِجلَيْكَ؟ فينظُرُ فإذا هوَ بذِيخٍ مُتَلطّخٍ، فيُؤخَذُ بقَوائِمِهِ فيُلقَى في النَّارِ".

ص: 30

"عن أبي هريرة رضي الله عنه[قال]: قال النبي صلى الله عليه وسلم: يلقى إبراهيم عليه السلام أباه يوم القيامة وعلى وجه آزرَ" بالمد: اسم أبي إبراهيم عليه السلام.

"قتَرةٌ وغبرةٌ": وهما بفتحتين بمعنى، وقيل: القترة: غبارٌ معه سواد، وعن ابن زيد: القترة: ما ارتفع من الغبار، فلحق بالسماء، والغبرة: ما كان أسفل في الأرض.

"فيقول له إبراهيم: ألم أقلْ لك: لا تعصني؟ فيقول له أبوه: فاليومَ لا أعصيك، فيقول إبراهيم: يا رب! إنك وعدتني أن لا تخزيني يوم يبعثون، فأيُّ خزي أخزى من أبي"؛ أي: من خزي أبي "الأبعد؟ "؛ أي: الأهلك، والبعد: الهلاك، أو الأبعد من رحمة الله تعالى، وفي خزي الأب إهانة الابن.

"فيقول الله تعالى: إني حرمت الجنة على الكافرين": أجيب إبراهيم عليه السلام بأن تعذيب الكافر ليس خزياً بالحقيقة، والوعد حينئذ بأن لا يخزيه؛ أي: في نفسه، وفي حق مَنْ لا يستحقُّ الخزيَ.

"ثم يقال لإبراهيم: انظر ما تحت رجليك؟ ": (ما) استفهام مبتدأ، وخبره (تحت)، ويحتمل أن يكون بمعنى: الذي؛ أي: انظر إلى الذي تحت رجليك.

"فينظر فإذا هو بِذِيْخ" بالذال المعجمة المكسورة، والياء الساكنة المثناة من تحت والخاء المعجمة: ولد الضبع، والأنثى: ذيخة؛ أي: غُير أبوه على صورة ذيخ.

وفي بعض بالباء الموحدة الساكنة، والحاء المهملة، وهو: ما يذبح.

"متلطخ"؛ أي: برجيعه، أو بالطين.

"فيؤخذ بقوائمه": جمع قائمة، وهي ما تقوم به الدوابُّ بمثابة الأرجل من الإنسان.

ص: 31

"فيلقى في النار": حوَّل الله تعالى صورته إلى تلك الصورة تسليةً لإبراهيم عليه السلام؛ لئلا يخزيه لو رآه قد ألقاه في النار على صورته.

* * *

4291 -

وقالَ: "يَعْرَقُ النَّاسُ يَوْمَ القِيامَةِ حتَّى يَذْهَبَ عَرَقُهُمْ في الأَرْضِ سَبعينَ ذِراعًا، ويُلْجمهُمْ حتَّى يَبْلُغَ آذانَهُمْ".

"وقال: يعرق الناس يوم القيامة حتى يذهبَ عرقهم في الأرض سبعين ذراعاً": قيل: سبب هذا العرق تراكم الأهوال، وتزاحم حرِّ الشمس والنار، كما جاء في الرواية: أن جهنم تُديرُ أهلَ المحشر يوم القيامة، فلا يكون للجنة طريق إلا الصراط.

"ويلجمهم"؛ أي: يصلُ العرق إلى أفواههم، فيصير لهم كاللجام يمنعهم عن الكلام.

"حتى يبلغ آذانهم".

* * *

4292 -

وقال صلى الله عليه وسلم "تُدْنىَ الشَّمْسُ يَوْمَ القِيامَةِ مِنَ الخَلْقِ حتَّى تَكُونَ مِنْهُمْ كمِقْدارِ مِيلٍ، فَيكونُ النَّاسُ على قَدْرِ أَعْمالهِمْ في العَرَقِ، فمِنْهُمْ مَنْ يكونُ إلى كَعْبَيْهِ، ومنهُمْ مَنْ يكونُ إلى رُكبتَيْهِ، ومنهُمْ مَنْ يكونُ إلى حَقْويهِ، ومنهُمْ مَنْ يُلْجمُهُ العَرَقُ إِلْجاماً". وأَشَارَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بيدِه إلى فيهِ.

"وقال صلى الله عليه وسلم: تُدنى الشمسُ يوم القيامة من الخلق حتى تكون منهم كمقدار ميل": أراد به: الميل الذي تكتحل به العين، وقيل: ثلث فرسخ، وقيل: قطعة من الأرض ما بين العلمين، وقيل: مد البصر.

"فيكون الناس على قدر أعمالهم في العرق؛ فمنهم من يكون إلى كعبيه،

ص: 32

ومنهم من يكون إلى رُكبتيه، ومنهم من يكون إلى حَقْويه": الحَقْو: معقد الإزار، وهو الخاصرة.

"ومنهم من يلجمهم العرق إلجاماً، وأشار رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بيده إلى فيه": فإن قلت: إذا كان العرق كالبحر يلجم البعض، فكيف يصل إلى كعبي الآخر؟

قلت: يجوز أن يخلق الله تعالى ارتفاعا في الأرض تحت أقدام البعض.

أو يقال: يمسك الله عرق كل إنسان عليه بحسب عمله، فلا يصلُ إلى غيره منه شيء، كما أمسك جَرْية البحر لموسى وقومه حين اتبعهم فرعون.

* * *

4293 -

عن أبي سَعيدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنه، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال:"يقولُ الله تعالَى: يا آدمُ! فيقُولُ: لبّيكَ وسَعْدَيْكَ، والخَيْرُ في يَدَيْكَ، قال: أخْرِجْ بَعْثَ النَّارِ، قالَ: وما بَعْثُ النَّارِ؟ قالَ: مِنْ كُلِّ ألفٍ تِسْعُ مِئَةٍ وتسْعَة وتِسْعونَ، فعِنْدَهُ يَشِيبُ الصَّغيرُ، {وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} "، قالوا: يا رسولَ الله! وأينا ذلكَ الوَاحِدُ؟ قال: "أَبْشِرُوا، فإنَّ مِنْكُم رَجُلاً، ومِنْ يأجُوجَ ومأجوجَ ألفًا، ثُمَّ قال: "والذِي نَفْسِي بيدِه، إنِّي أَرْجُو أنْ تكونوا رُبُعَ أَهْلِ الجَنَّةِ"، فكَبَّرنا، فقال: "أرجُو أنْ تكونُوا ثُلُثَ أهلِ الجَنةِ" فكبَّرنا، فقال: "أرجُو أنْ تكونوا نِصفَ أهلِ الجَنَّةِ"، فكبرنا، قال: "ما أنتُم في النَّاسِ إلَّا كالشَّعْرَةِ السَّوْداء في جِلْدِ ثَوْرٍ أَبْيَضَ، أو كشَعرَةٍ بيضاءَ في جِلْدِ ثَوْرٍ أَسْوَدَ".

"عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: قال النبي صلى الله عليه وسلم: يقول الله تعالى"؛ أي في يوم الموقف.

ص: 33

"يا آدم! فيقول: لبيك وسعديك، والخير بيديك، قال: أخرجْ بعثَ النار"؛ أي: الجماعة المبعوث لها.

"قال: وما بعثُ النار؟ ": (ما) بمعنى: كم العددية.

"قال"؛ أي: الله تعالى: "من كل ألف تسع مئة وتسعة وتسعين، فعنده"؛ أي: عند ذلك التقاول "يشيبُ الصغير، {وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا} "، وهما كنايتان عن شدة أهوال يوم القيامة، معناه: لو تصورت الحوامل والصغائر هنالك لوضعن أحمالهن، ولشاب الصغائر، وإنما خص آدم بهذا الخطاب؛ لأنه أصل الجميع.

وَتَرَى {وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى} ؛ أي: من الخوف.

{وَمَا هُمْ بِسُكَارَى} ؛ أي: من الخمر.

{وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} [الحج: 2]، قالوا: يا رسول الله! وأيُّنا ذلك الواحد": الباقي من الألف.

"قال: أبشروا؛ فإن منكم رجلاً": الخطاب للصحابة وغيرهم من المؤمنين.

"ومن يأجوج ومأجوج ألفًا، ثم قال: والذي نفسي بيده أرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة، فكبرنا، فقال: أرجو أن تكونوا ثلثَ أهل الجنة، فكبرنا، فقال: أرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة، فكبرنا، قال: ما أنتم في الناس إلا كالشعرة السوداء في جلد ثور أبيض، أو كشعرة بيضاء في جلد ثور أسود"؛ يعني: أنتم قليلون بالإضافة إلى الأمم السالفة، أو الكفار مطلقًا.

* * *

4294 -

وقالَ: صلى الله عليه وسلم "يَكْشِفُ ربنا عنْ ساقِهِ، فيَسْجُدُ لهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ ومُؤْمِنةٍ،

ص: 34

وَيبقَى مَنْ كانَ يَسْجُدُ في الدُّنيا رِياءً وسُمْعَةً، فيَذْهَبُ لِيَسْجُدَ فيَعُودُ ظَهْرُهُ طَبَقًا واحِداً".

"وقال: يكشِفُ ربنا عن ساقه": معناه عند المؤوِّلين: مَثَلٌ في شدة الأمر وصعوبة الخطب، والأصل فيه: أن يموت الولد في بطن الناقة، فيدخل الرجل يده في رحمها، فيأخذ بساقه؛ ليخرجه، فإذا هو الكشف عن الساق، ثم استعمل في كل أمر فظيع، وأضافَ الساق إلى ربنا؛ تنبيهاً على أن الساق هي الشدة التي لا يُجلِّيها لوقتها إلا هو.

"فيسجد له كلُّ مؤمن ومؤمنة، ويبقى من كان يسجد في الدنيا رياءً وسمعة": السُّمعة، الصيت والشهرة.

"فيذهب ليسجد، فيعود ظهره طبقًا واحد": الطبق: فِقارُ الظهر، واحدها: طبقة، يريد: أنه تفسير فِقاره كلها كالفقرة الواحدة، فلا يقدر عَلى السجود.

* * *

4295 -

وقالَ صلى الله عليه وسلم: "لَيَأتيَنَّ الرَّجُلُ العَظيمُ السَّمِيْنُ يَوْمَ القيامَةِ لا يَزِنُ عِنْدَ الله جَناحَ بَعُوضَةٍ"، وقالَ:"أقرَؤُوا: {فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا} ".

"وقال صلى الله عليه وسلم: ليأتي الرجلُ العظيمُ السمين يوم القيامة لا يزنُ عند الله جناحَ بعوضة"؛ أي: ما له قدر ومنزلة؛ لخسته وحقارته.

"وقال: اقرؤوا: {فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا} [الكهف: 105] "؛ أي: قدراً.

مِنَ الحِسَان:

* * *

ص: 35

4296 -

عن أبي هُريرةَ رضي الله عنه قالَ: قرأَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم هذِه الآيةَ: {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا (4) بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا} قالَ: "أتدْرونَ ما أَخْبارُها؟ " قالوا: الله ورسولُهُ أعلمُ، قال:"فإنَّ أَخْبارَها أنْ تَشْهَدَ على كُل عبدٍ أو أَمَةٍ بما عَمِلَ على ظَهرِها، أنْ تقولَ: عَمِلَ عليَّ كذا يومَ كذا وكذا، قالَ: فهذِه أَخْبارُها"، غريب.

"من الحسان":

" عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية: {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا} [الزلزلة: 4] "؛ أي: الأرض أخبارها.

"وقال: أتدرون ما أخبارها؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: فإن أخبارها أن تشهد على كل عبد، أو أمة بما عمل على ظهرها، أن تقول: عمل عليَّ كذا وكذا، يوم كذا وكذا، قال: فهذه أخبارها".

"غريب".

* * *

4297 -

وقال: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "ما مِنْ أحَدٍ يَمُوتُ إلا نَدِمَ". قالوا: وما نَدامَتُهُ يا رسولَ الله؟ قالَ: "إنْ كانَ مُحْسِناً نَدِمَ أنْ لا يكونَ ازدادَ، وإنْ كانَ مُسِيئاً نَدِمَ أنْ لا يكونَ نزَعَ".

"وقال"؛ أي: أبو هريرة رضي الله عنه: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من أحدٍ يموت إلا ندم، قالوا: وما ندامته يا رسول الله؟ قال: إن كان محسناً، ندم أن لا يكونَ ازداد"؛ أي: خيرًا.

"وإن كان مسيئاً، ندم أن لا يكون نزَعَ"؛ أي: كفَّ نفسه عن ارتكاب المعاصي.

* * *

ص: 36

4298 -

عن أبي هُريرَةَ رضي الله عنه قال: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "يُحْشَرُ النَّاسُ يومَ القِيامةِ ثَلاثَةَ أَصْنافٍ: صِنْفاً مُشَاة، وصِنْفاً رُكباناً، وصِنْفَا على وجُوهِهمْ" قيلَ: يا رسولَ الله! وكيفَ يَمْشونَ على وجُوهِهم؟ قال: "إنَّ الذِي أمْشاهُمْ على أَقْدامِهِمْ قادِرٌ على أنْ يُمشِيَهُمْ على وجُوهِهِمْ، أما إنَّهمْ يتَّقونَ بِوُجُوهِهمْ كُلَّ حَدَبٍ وشَوْكٍ".

"وعنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يحشر الناسُ يوم القيامة ثلاثةَ أصناف: صنفاً مشاة": إنما بدأ بالمشاة دون الركبان؛ لأنهم الأكثرون من أهل الإيمان.

"وصنفاً ركباناً، وصنفاً على وجوههم، قيل: يا رسول الله! وكيف يمشون على وجوههم؟ قال: إن الذي أمشاهم على أقدامهم قادرٌ على أن يمشيهم على وجوههم، أما" بالتخفيف: كلمة تنبيه.

"إنهم"؛ أي: الكفرة.

"يتقون"؛ أي: يحترزون.

"بوجوههم كلَّ حدب": وهو ما ارتفع من الأرض.

"وشوك"؛ يعني: يجعلون وجوههم واقية لأبدانهم من جميع الأذى؛ لأجل أن غُلَّت أيديهم وأرجلهم، وفي الدنيا الأمر على العكس، وهذا بيان لغاية هوانهم وبلوغ اضطرارهم إلى حدِّ أن جعلوا وجوههم مكان الأيدي والأرجل في التوقي عن كل مُؤذٍ للبدن، وذلك لأنهم لم يسجدوا بوجوههم لمن خلقها وصوَّرها، قال الله تعالى:{أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [الزمر: 24] فشروا بأنه يلقى الكافر مغلولًا في النار، فلا يقدر أن يدفعَ عن نفسه النار إلا بوجهه.

* * *

ص: 37