المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌5 - باب صفة الجنة وأهلها - شرح المصابيح لابن الملك - جـ ٦

[ابن الملك]

فهرس الكتاب

- ‌6 - باب نزول عيسى عليه السلام

- ‌7 - باب قُرْبِ السَّاعَة وأنَّ مَنْ ماتَ فقد قامَتْ قيامَتُه

- ‌8 - باب لا تقومُ السَّاعةُ إلا على الشِّرارِ

- ‌1 - باب النَّفْخِ في الصورِ

- ‌2 - باب الحَشْرِ

- ‌3 - باب الحِسَابِ والقِصَاصِ والمِيْزانِ

- ‌4 - باب الحَوْضِ والشفاعة

- ‌5 - باب صِفَةِ الجَنَّةِ وأَهْلِهَا

- ‌6 - باب رُؤْيَةِ الله تَعالى

- ‌7 - باب صِفَةِ النَّار وأهلِها

- ‌8 - باب خَلْقِ الجَنَّةِ والنَّارِ

- ‌9 - باب بدءِ الخَلقِ، وذكرِ الأَنبياءِ عليهم السلام

- ‌1 - باب فَضَائِلِ سيدِ المُرسَلِينَ صلَوَاتُ الله عَلَيْهِ

- ‌2 - باب أَسْمَاءِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وَصِفَاتُهُ

- ‌3 - باب في أَخْلاقِهِ وشَمَائِلِهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌4 - باب المَبْعَثِ وَبدْءِ الوَحْيِ

- ‌5 - باب علامات النبوة

- ‌فصل في المِعْرَاجِ

- ‌فصل في المُعْجِزَاتِ

- ‌6 - باب الكَرَامَاتِ

- ‌7 - باب(باب في بيان هجرة أصحابه من مكة)

- ‌8 - باب

- ‌1 - باب في مَناقبِ قريشٍ وَذِكرِ القَبَائِلِ

- ‌2 - باب مناقب الصحابة رضي الله عنهم

- ‌3 - باب مَناقِبِ أَبي بَكرٍ الصِّديقِ رضي الله عنه

- ‌4 - باب مَناقِبِ عُمَرَ بن الخَطابِ رضي الله عنه

- ‌5 - باب مَنَاقِبِ أَبي بَكْرِ وَعُمَرَ رضي الله عنهما

- ‌6 - باب مَنَاقِبِ عُثمانَ في عَفَّانَ رضي الله عنه

- ‌7 - باب مَنَاقِبِ هؤلاءِ الثَّلاثة رضي الله عنهم

- ‌8 - باب مَنَاقِبِ عَلِيِّ في أَبي طالب رضي الله عنه

- ‌9 - باب مَنَاقِبِ العَشرَةِ رضي الله عنهم

- ‌10 - باب مَنَاقِبِ أَهْلِ بَيْتِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم

- ‌11 - باب مَنَاقِبِ أَزْوَاجِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم

- ‌12 - باب جَامِعِ المَنَاقِبِ

- ‌13 - باب ذِكْرِ اليَمَنِ وَالشَّامِ، وَذِكْرِ أُوَيْسِ القَرَنِيِّ رضي الله عنه

- ‌14 - باب ثوَابِ هذِهِ الأُمَّةِ

الفصل: ‌5 - باب صفة الجنة وأهلها

جميعا الجنَّة برحمة الله ".

* * *

4348 -

عن ابن مَسْعودٍ رضي الله عنه قال: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: " يَرِدُ النَّاسُ النار ثُمَّ يَصْدُرُونَ منها بأَعْمالِهِمْ، فَأَوَّلُهُمْ كلَمْحِ البَرْقِ، ثُمَّ كالرِّيحِ، ثُمَّ كحُضْرِ الفَرَسِ، ثُمَّ كالرَّاكِبِ في رَحْلِهِ، ثمّ كَشَدِّ الرَّجُلِ، ثُمَّ كمَشْيِهِ ".

" عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يَرِدُ الناس النَّارَ "، المراد بالورود هنا: الجواز على الصراط.

" ثم يَصْدُرُون منها "؟ أي: ينصرفون عن النار، والنجاة منها " بأعمالهم ": قيل: (ثم) هذه مثلها في قوله تعالى: {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا} [مريم: 72] في أنها للتراخي في الرُّتبة لا للزمان.

" فأوَّلهم كلَمْح البَرْقِ، ثمَّ كالريح، ثم كحُضْرِ الفَرَس " بضم الحاء المهملة؛ أي: كعَدْوِه وإسراعه.

" ثم كالراكب في رَحْلِه "، أراد به: الإنسان في مسكنه ومنزله.

" ثم كشدِّ الرجل "؛ أي: كَعَدْوِهِ إذ الشَّدُّ: العَدْو.

" ثم كمشيه ".

* * *

‌5 - باب صِفَةِ الجَنَّةِ وأَهْلِهَا

(باب صفة الجنّة وأهلها)

(الجنّة): هي دار النعيم في الآخرة، من الاجتنان: التَّستر لتكاثف أشجارها

ص: 93

وتظليلها بالتفاف أغصانها.

* * *

مِنَ الصِّحَاحِ:

4349 -

عن أبي هُريرةَ رضي الله عنه قال: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: قالَ الله تعالى: أَعْدَدتُ لِعباديَ الصَّالحينَ ما لا عَيْنٌ رَأَتْ، ولا أُذُنٌ سَمِعَتْ، ولا خَطرَ على قَلْبِ بَشَرٍ، واقرأوا إِنْ شِئتم:{فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} .

"من الصحاح":

" عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى: أعددْتُ "؟ أي هيأْتُ.

" لعبادي الصالحين ما لا عين رأَتْ، ولا أذنٌ سمعَتْ ولا خَطَرَ "؛ أي: لا وقع " على قلب بشر ": من النعيم في الجنّة.

" واقرؤوا إن شئتم: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} [السجدة: 17]؛ أي: مما تقرَّ به أعينهم يقال: أقرَّ الله عينه، معناه: برَّدَ الله دمعته؛ لأن دمعة الفرح باردة، وقيل معناه: بلَّغه الله أمنيته حتَّى ترضى به نفسه وتقرَّ به عينه، فلا يستشرف إلى غيره.

* * *

4350 -

وقال رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم: " مَوْضعُ سَوْطٍ في الجَنَّةِ خَيْرٌ منَ الدُّنْيَا وما فيها. ولو أَنَّ امرأةً منْ نِساءَ أَهْلِ الجَنَّةِ اطَّلَعتْ إلى أَهْلِ الأَرْضِ لأَضاءَتْ ما بينهَمُا ولَملأَتْ ما بينَهما رِيحًا، ولَنَصِيْفُها على رأْسِها خَيْرٌ مِنَ الدُّنيا وما فيها ".

ص: 94

" وقال النبي صلى الله عليه وسلم: وَضِعُ سَوْطٍ في الجنّة خيرٌ من الدنيا وما فيها " سوى كلام الله تعالى وصفاته، وجميع أنبيائه، وهذا لأن الجنّة مع نعيمها باقية، والدنيا مع ما فيها فانية، وكل ما هو باقٍ لا يوازيه ما هو في معرض الفناء، وإنما خصَّ السَّوط بالذِّكْرِ؛ لأن من شأن الراكب إذا أراد النزول في منزلٍ أن يلقي فيه سوطه لئلا يأخذ مكانه غيره.

" ولو أنَّ امرأة من نساء أهل الجنّة اطَّلَعَتْ إلى أهل الأرض لأضاءَتْ ما بينهما ": يريد ما بين المشرق والمغرب، أو ما بين السماء والأرض، ولملأت ما بينهما " ريحًا، ولَنَصيفها "؛ أي: خمارها " على رأسها ": وقيل: كل مُغَطٍّ نصيف، ونَصَفَ رأسه: عَمَّمَهُ.

" خير من الدنيا وما فيها ".

* * *

4351 -

وقالَ: " إنَّ في الجَنَّةِ شَجَرَة يَسيرُ الرَّاكِبُ في ظِلِّها مِئَةَ عامٍ لا يَقْطَعُها. ولَقابُ قَوْسِ أَحَدِكُمْ في الجَنَّةِ خَيْرٌ مِمَّا طَلعَتْ عليهِ الشَّمْسُ أو تَغْرُبُ ".

" وقال: إنَّ في الجنّة شجرة ": قيل إنها شجرة طوبى.

" يسير الراكب في ظلِّها "؟ أي: في ناحيتها.

" مئة عام لا يقطعها، ولَقَاب " بفتح اللام.

" قَوْسِ أحدكم في الجنّة "، (قاب القوس): ما بين المَقْبِضِ والسِّيَةِ، ولكلِّ قَوْسٍ قَابان، وقيل: معناه: لقدر قوس أحدكم؛ لأن من شأن الراجل أن يلقي قوسه، كما أن الراكب يلقي سوطه.

" خير مما طلعَتْ عليه الشمس أو غَرَبَتْ "، عَبَّرَ صلى الله عليه وسلم عن القدر اليسير من

ص: 95

الجنّة، الَّذي هو خير من الدنيا وما فيها، تارةً بقدر القَاب، وأخرى بقدر السَّوط.

* * *

4352 -

وقال: " إنَّ للمُؤْمِنِ في الجَنَّةِ لَخَيْمَةً مِنْ لُؤلُؤةٍ واحِدَةٍ مُجَوَّفةٍ طُولُها سِتُّونَ مِيْلًا، في كُلِّ زاويَةٍ منها للمُؤْمِنِ أَهْلٌ لا يراهمُ الآخَرون، يَطُوفُ عَلَيهمُ المُؤْمِنونَ، وجَنَّتانِ من فِضَّةٍ آنيتُهما وما فيهما، وجنَّتانِ من ذهب آنيتُهما وما فيهما، وما بَيْنَ القَوْمِ وبينَ أنْ يَنظُروا إلى ربهمْ إلا رِداءَ الكبرياءِ على وَجْههِ في جَنَّةِ عَدْنٍ ".

" وقال: إنَّ للمؤمن في الجنّة لخيمةً من لؤلؤة واحدة مجوَّفة، طولُها ستون ميلًا ": وهو ثلث الفرسخ.

" في كل زاوية منها "؛ أي: من كل جانب وناحية من الخيمة.

" للمؤمن أهل ": من الزَّوج وغيره.

" لا يراهم الآخرون، يطوف عليهم المؤمنون ": والطواف هنا: كناية عن المجامعة.

" وَجَنَّتان ": عطف على (أهل)؛ أي: وله جنتان.

" من فضة آنيتُهما وما فيهما، وَجَنَتَّان من ذهب آنيتهما وما فيهما، وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربِّهم إلا رداء الكبرياء "؛ يريد به: صفة الكبرياء والعظمة، معناه: لم يبقَ لهم حينئذ حُجُب ككدورة الجِسميَّة: ونقصان البشرية، فلا يحجبهم عن النظر إليه ولا يصدهم عنه إلا عظمة ألوهيته وهيبة كبريائه.

" على وجهه "؛ أي: على ذاته.

" في جنة عدن ": بدل من قوله: (في الجنّة)؛ أي: جنة قرار وثبات

ص: 96

وخلود، فَيَرَوْنَهُ فيها.

* * *

4353 -

وقالَ: " إنَّ في الجَنَّةِ مِئَةَ دَرَجَةٍ، ما بينَ كُلِّ دَرَجتَيْنِ كما بينَ السَّماءَ والأَرْضِ، والفِرْدَوْسُ أَعْلاها دَرَجَةً، منها تُفجَّرُ أَنْهارُ الجَنَّةِ الأَرْبعةُ، ومنْ فَوْقها يكُونُ العَرْشُ، فإذا سَأَلتُمُ الله فاسألوهُ الفِردَوْسَ ".

" وقال: في جنة عدن مئة درجة": أراد بالمئة هنا: الكثرة.

" ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض ": وهذا التفاوت يجوز أن يكون صوريًا، وأن يكون معنويًا، فيكون المراد من الدرجة: المرتبة، فالأقرب إلى الله تعالى يكون أرفع مما دونه.

" والفردوس أعلاها درجة، منها تُفَجَّرُ "، أصله: تتفجَّر، فحذف إحدى التاءين.

" أنهار الجنّة الأربعة ": صفة (الأنهار) وهي المذكورة في قوله تعالى: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى} [محمد: 15]، المراد منها: أصول أنهار الجنّة.

" ومن فوقها يكون العرش ": وهذا يدل على أنَّه فوق جميع الجنان.

" فإذا سألتم الله الجنّة، فاسألوه الفِرْدَوس ": وهو بستان في الجنّة جامع لأصناف الثمر.

* * *

4354 -

وقالَ: " إنَّ في الجَنَّةِ لسُوقًا يأتُونهَا كُلَّ جُمُعةٍ، فتهُبُّ رِيحُ الشَّمالِ فتحْثُو في وُجُوهِهِمْ وثيابهِمْ فيَزْدادُونَ حُسْنًا وجَمالًا، فَيَرْجِعُونَ إلى

ص: 97

أَهْليهِمْ وقدِ ازْدادُوا حُسْنًا وجَمَالًا، فيقولُ لهُمْ أهلُوهُمْ: والله لَقَدِ ازْدَدْتُمْ بَعْدَنا حُسْنًا وجَمَالًا، فيقولونَ: وأنتُمْ والله لَقَد ازْدَدْتُمْ بَعْدَنا حُسْنًا وجَمَالًا ".

" وقال: إن في الجنّة لسوقًا ": والمراد به هنا: مجمع يجتمع أهل الجنّة فيه، وقد حَفَّتْ به الملائكة بما لا عين رأَتْ ولا خَطَرَ على قلب بشر، فيأخذون ما يشتهون بلا شراء، وهذا نوع من الإلْتِذَاذ.

" يأتونها كُلَّ جمعة "؛ يعني: في مقدار كل أسبوع.

" فتهب ريحُ الشَّمال " بفتح الشين: جهة تقابل القِبْلَة خصَّها بالذِّكْرِ؛ لأنها ريح المطر عند العرب.

" فتحْثُو "؛ أي: تنثر تلك الريح.

" في وجوههم وثيابهم "؛ يعني: أنواع العطر.

" فيزدادون حُسْنًا وجمالًا فيرجعون إلى أهليهم وقد ازدادوا حُسْنًا وجمالًا "، زيادة حُسْن أهليهم، يجوز أن يكون الهبوب شملهم.

" فيقول لهم أهلوهم: والله لقد ازددْتُمْ بعدنا "؛ أي بعد مفارقتنا.

" حُسْنًا وجمالًا "، قيل: زيادة حُسْنِهم تكون بقدر حسناتهم.

" فيقولون: وأنتم والله لقد ازدادتم بعدنا حُسْنًا وجمالًا ".

* * *

4355 -

وقالَ: " إنَّ أوَّلَ زُمرةٍ يَدْخُلونَ الجَنَّةَ على صُورَةِ القَمَرِ ليلةَ البَدْرِ، ثُمَّ الذينَ يَلونَهُمْ كَأَشَدِّ كوْكَب دُرِّيٍّ في السَّماءِ إضاءَةً، قُلوبُهُمْ على قَلْبِ رَجُلٍ، لا اخْتِلافَ بينَهم ولا تَبَاغُضَ، لكُلِّ امرِئٍ منهُمْ زَوْجَتانِ مِنَ الحُورِ العِيْنِ يُرَى مُخُّ سُوقِهنَّ مِنْ وَراءِ العَظْم واللَّحْم مِنَ الحُسْنِ، يُسبحُونَ الله بُكْرَةً وعَشِيًّا، لا يَسْقَمُونَ، ولا يَبُولُونَ، ولا يتغوَّطُونَ، ولا يَتْفِلُونَ، ولا يَمْتَخِطُونَ،

ص: 98

آنيتُهُمُ الذَّهَبُ والفِضَّةُ، وأَمْشاطُهُمُ الذَّهبُ ووَقُودُ مجامِرِهِمْ الألُوَّةُ ورَشْحُهُمُ المِسْكُ، على خُلُقِ رَجُلٍ واحِدٍ، على صُورةِ أبيهم آدَمَ سِتُّونَ دِراعًا في السَّماءَ ".

" وقال إنَّ أوَّل زُمْرة "؛ أي: جماعة.

" يدخلون الجنّة على صورة القمر ليلةَ البدر "، وهذه هم الأنبياء والأولياء غير المحتاجين إلى شفاعة شافع، بل يحتاج الناس إلى شفاعتهم؛ لأنهم هم الكاملون في أنفسهم المُكَمِّلون لغيرهم.

" ثم الذين يلونهم كأشد كوكب دُرِّي في السماء إضاءة "، (الدُّري) بضم الدال: هو الشديد الإنارة نُسِبَ إلى الدُّرِّ تشبيهًا به صفاءً وإشراقًا.

" قلوبهم على قلب رجل واحد، لا اختلاف بينهم ولا تباغض "، وهذا تفسير لقوله:(قلوبهم على قلب رجل واحد).

" لكل امرئ منهم زوجتان من الحور العين، يُرَى مُخُّ سُوقِهنَّ ": جمع السَّاق.

" من وراء العظم واللحم من الحُسْن، يسبِّحون الله بكرةً وعشيًا، لا يَسْقَمُون ولا يبولون ولا يتغوَّطون ولا يَتْفِلُون "؛ أي: لا يبزقون.

" ولا يَمْتَخِطُون، آنيتهم الذهب والفضة، وأمشاطهم الذهب، ووَقُود " بفتح الواو: وما يُوْقَد به.

" مَجَامِرِهم " بفتح الميم: جمع مجمر - بكسر الميم وفتحها - فالأول: ما يوضع فيه النار للبخور، والثاني: ما يُتَبَخَّر به، وأُعِدَّ الجمر له، وهو المراد هنا.

" الألُوَّة " بضم الهمزة وفتحها وضم اللام وتشديد الواو: العود الَّذي يُتَبَخَّر به.

ص: 99

" ورَشْحُهُمْ "؛ أي: عَرَقُهُمْ.

" المِسْك "؛ أي: يفوح كرائحة المسك.

" على خلق " بضم الخاء واللام، وبفتح الخاء وإسكان اللام " رجل واحد على صورة أبيهم آدم سِتُّون ذِراعًا في السَّماء "؛ أي: في جهة السماء، يريد به طول القَدِّ.

* * *

4356 -

وقالَ: " إنَّ أَهْلَ الجَنَّةِ يأكُلونَ فيها ويَشْربونَ، ولا يَتْفِلُونَ ولا يَبُولونَ، ولا يَتَغَوَّطُونَ، ولا يَمْتَخِطُونَ ". قالوا: فما بَالُ الطَّعامِ؟ قال: " جُشَاءٌ ورَشْحٌ كرَشْحِ المِسْكِ، يُلْهَمونَ التَّسْبيحَ والتَّحْميدَ كما تُلهَمُونَ النَّفَسَ ".

" وقال صلى الله عليه وسلم: إن أهل الجنّة يأكلون فيها ويشربون، ولا يَتْفُلُونَ ولا يبولون ولا يتغوَّطون ولا يمتخطون، قالوا: فما بالُ الطعام؟ قال: جُشَاءٌ " بضم الجيم: تنفس المعدة من الامتلاء.

" ورَشْحٌ "؛ أي: عرق.

" كَرَشْح المِسْكِ، يُلْهَمُوْنَ التَّسْبيح والتَّحميد كما تُلْهَمُونَ النَّفَسَ "، معناه: أنَّ: مجرى التَّسبيح فيهم كمجرى النَّفَسِ من ابن آدم، لا يشغله عن النَّفَسِ شيء؛ يعني: يصدر عنهم بمقتضى الطبيعة بلا مشقَّة منهم فيه أو أنَّه يصير صفة لازمةً لهم لا ينفكُّون عنها، كالنَّفَس اللازم للحيوان.

* * *

4357 -

وقال: " مَنْ يَدْخُل الجَنَّةَ يَنْعَمُ ولا يَبْأَسُ، ولا تَبْلَى ثِيابُهُ، ولا يَفْنَى شَبابُهُ ".

ص: 100

" وقال صلى الله تعالى عليه وسلم: مَنْ يدخل الجنَّة يَنْعَمُ "؛ أي: يُصِبْ نعمةً.

" ولا يبؤس "؛ أي: لا يكون في شدَّة وضِيْقِ، قيل: هذا تأكيد لقوله: (ينعم)، والأصل أن لا يجاء بالواو، ولكن أراد به التقرير على الطَّرد والعكس كقوله تعالى:{لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم: 6].

" ولا تَبْلَى ثيابه، ولا يَفْنَى شبابه ".

* * *

4358 -

وقالَ: " يُنادي مُنادٍ: إنَّ لكُمْ أنْ تَصِحُّوا فلا تَسْقَمُوا أَبَدًا، وإنَّ لكُمْ أنْ تَحْيَوْا فلا تَموتُوا أَبَدًا، وإنَّ لكُمْ أنْ تشِبُّوا فلا تَهْرَمُوا أبدًا، وإنَّ لكُمْ أنْ تَنْعَمُوا فلا تَبْأَسُوا أبدًا ".

" وقال: ينادي منادٍ "، وهذا النِّداء يكون في الجنّة، وقيل: إذا رأوها من يعيد.

" إنَّ لكم أن تصِحُّوا فلا تَسْقَمُوا أبدًا، وإنَّ لكم أن تحيَوْا فلا تموتوا أبدًا، وإنَّ لكم أن تَشِبُّوا " بكسر الشين: من الشباب.

" فلا تَهْرَمُوا أبدًا، وإن لكم أن تَنْعَمُوا ولا تَبْأسُوا أبدًا "؛ أي: لا يصيبكم بَأْسٌ، وهو شدَّة الحال.

* * *

4359 -

وقالَ: " إنَّ أَهْلَ الجَنَّةِ يَتَراءَوْنَ أَهْلَ الغُرَفِ منْ فَوْقهم كما تَتَراءَوْنَ الكَوْكَبَ الدُّرِّيَّ الغابرَ في الأُفُقِ مِنَ المَشْرِقِ والمَغْرِبِ لِتَفَاضُلِ ما بَيْنَهُمْ ". قالوا: يا رسُولَ الله! تِلْكَ منازِلُ الأنبياءِ لا يبلُغُها غيرُهُمْ، قال:" بَلَى والذي نَفْسي بيدِه، رجالٌ آمَنُوا بالله وصَدَّقُوا المُرْسَلِين ".

ص: 101

" وقال صلى الله عليه وسلم: إنَّ أهل الجنَّة يتراءَوْنَ "؛ أي: ينظرون.

" أهلَ الغُرَفِ ": جمع غرفة، المراد من أهلها: أصحاب المنازل الرفيعة، قيل: الجنّة طبقات أعاليها للسَّابقين، وأوسطها للمقتصدين وأسافلها للمخلِّطين.

" من فوقهم كما تتراءَوْنَ الكوكب الدُّرِّي الغابر "؛ أي: الباقي.

" في الأُفُق من المشرق والمغرب "، فإن الكوكب الدُّرِّي الباقي في الأفق بعد انتشار ضوء الصبح يُرَى أَضْوَء، فشبَّهَ أهل الغُرَف من أصحاب الجنّة بالنسبة إلى سائر أصحابها في علوِّ الدَّرجة، ورفع المنزلة، وتباعد ما بينهما بالكوكب الدُّرِّي في السماء بالنسبة إلى من في الأرض.

" لتفاضل ما بينهم "؛ أي: ما بين أهل الجنّة، وأهل الغرف الذين من فوقهم.

" قالوا: يا رسول الله! تلك منازل الأنبياء لا يبلغها "؛ أي: لا يملكها.

" غيرهم، قال: بلى "؛ أي: يبلغها غيرهم.

" والذي نفسي بيده رجالٌ "؛ أي: يبلُغُها رجالٌ " آمنوا بالله وصدَّقوا المرسلين ": وإنما قَرَنَ القَسَمَ ببلوغ غيرهم لما في وصول المؤمنين بمنازل الأنبياء من استبعاد السامعين.

* * *

4360 -

وقالَ: " يَدْخُلُ الجَنَّةَ أَقْوامٌ أَفْئِدَتُهُمْ مِثْلُ أَفْئِدَةِ الطَّيْرِ ".

" وقال يدخُلُ الجنَّة أقوامٌ أفئدتُهُمْ "؛ أي: قلوبهم.

" مِثْلُ أفئدة الطير "؛ أي: في الرِّقَّةِ واللِّيْنِ، وقيل: أي في التوكل، وقيل: أي: في الخوف والتَّحَذُّر.

* * *

ص: 102

4361 -

وقالَ: " إنَّ الله تعالى يقولُ لأَهْلِ الجَنَّةِ: يا أَهْلَ الجَنَّةِ، فيقولونَ: لبَّيْكَ ربنا وسَعْدَيْكَ، والخَيْرُ في يَدَيْكَ، فيقولُ: هلْ رَضيتُمْ؟ فيقولونَ: وما لنا لا نرضَى يا رَبِّ وقد أُعْطَيْتَنا ما لمْ تُعطِ أَحَدًا منْ خَلقِكَ، فيقولُ: ألا أُعطِيكُمْ أَفْضَلَ منْ ذلكَ؟ فيقولونَ: يا رَبِّ وأيُّ شَيْءٍ أَفْضَلُ منْ ذلكَ؟ فيقولُ: أُحِلُّ عليكُمْ رِضْواني، فلا أَسْخَطُ عليكُمْ بَعْدَهُ أَبَدًا ".

" وقال صلى الله عليه وسلم: إنَّ الله تعالى يقول لأهل الجنّة: يا أهل الجنّة، فيقولون: لبَّيك ربنا وسَعْدَيْكَ والخير كله في يَدَيْكَ، فيقول: هل رضِيتُمْ؟ فيقولون: وما لنا "؛ أي: أي شيء لنا " لا نرضى يا ربِّ ": والاستفهام للتقرير.

" وقد أعطيتنا ما لم تعطِ أحدًا من خَلْقِكَ، فيقول: ألا أعطيكم أفضل من ذلك؟ فيقولون: يا ربِّ وأيُّ شيء أفضل من ذلك؟ فيقول: أُحِلُّ عليكم رِضْواني "؛ أي: أُنْزِل عليكم رضائي.

" فلا أسْخَطُ عليكم بعده أبدًا "، الحديث يدل على أنَّ رضوان الله تعالى على العبد فوق إدخاله إياه الجنَّة.

* * *

4362 -

وقالَ: " إنَّ أدْنىَ مَقْعَدِ أَحِدِكُمْ مِنَ الجَنَّةِ أنْ يقولَ لهُ: تَمَنَّ، فيتَمَنَّى، وَيتَمَنَّى، فيقُولُ لهُ: هلْ تمنَّيْتَ؟ فيقولُ: نَعَمْ، فيقولُ لهُ: فإنَّ لكَ ما تَمَنَّيْتَ ومِثْلَهُ معَهُ ".

" وقال: أن أدنى مقعَدِ أحدكم "؛ أي موضع قعوده.

" من الجنّة ": والمراد: ملكه ومسيره.

" أن يقول له: تمنَّ فيتمنَّى "، والقائل له هو الله تعالى، أو المَلَك.

" ويتمنَّى ": بعد ما يقال له مرة أخرى: تمنَّ.

ص: 103

" فيقول له: هل تمنَّيْتَ، فيقول: نعم، فيقول له: فإنَّ لك ما تمنَّيْتَ ومثله معه ".

* * *

4363 -

عن أبي هُرَيرَةَ رضي الله عنه قال: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: " سَيْحَانُ وجَيْحانُ والفُرَاتُ والنِّيلُ، كُلٌّ مِنْ أَنْهارِ الجَنَّةِ ".

" عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم سَيْحَان ": وهو نهر بالشام، وقيل نهر بالهند.

" وجَيْحَان ": وهو نهر ببلخ.

" والفُرات ": وهو نهر الكوفة.

" والنيل ": وهو نهر مصر.

" كُلٌّ من أنهار الجنّة "، إنما جعل الأنهار الأربعة من أنهار الجنّة لعذوبة مياهها وسلاستها، وكثرة منافعها من الهضم وغيره، ولشرفها بورود الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - عليها وشربهم منها.

وهذه الأسامي الأربعة مشتركة بين أنهار الجنّة وأنهار الدنيا.

وفي " معالم التنزيل ": روى ابن عباس رضي الله عنهما: أنَّ الله تعالى أنزل هذه الأنهار من عَيْنٍ واحدة من عيون الجنّة، من أسفل درجة من درجاتها، على جناحي جبريل عليه السلام استودعها الجبال وأجراها الأرض، وجعل فيها منافع للناس، فذلك قوله تعالى:{وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ} [المؤمنون: 18]، فإذا كان عند خروج يأجوج ومأجوج أرسل الله جبريل عليه الصلاة والسلام يرفع من الأرض: القرآن، والعلم، والحجر الأسود من ركن البيت، ومقام إبراهيم عليه السلام، وتابوت موسى عليه الصلاة والسلام بما فيه،

ص: 104

وهذه الأنهار الأربعة، فيرفع جبريل عليه السلام كل ذلك إلى السماء، فذلك قوله تعالى:{وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ} [المؤمنون: 18].

* * *

4364 -

عن عُتْبةَ بن غَزْوانَ قال: ذُكِرَ لنا أنَّ الحَجَرَ يُلقَى مِنْ شَفَةِ جَهَنَّمَ فيَهْوِي فيها سَبْعينَ خَرِيفًا لا يُدرِكُ لها قَعْرًا، والله لَتُمْلأَنَّ. ولقدْ ذُكرَ لنا أنَّ ما بينَ مِصْراعَيْنِ منْ مَصارِيعِ الجنَّةِ مَسيرةُ أربعينَ سنةً، ولَيأْتيَنَّ عليها يَوْمٌ وهو كَظيظٌ مِنَ الزِّحامِ.

" عن عتبة بن غزوان أنَّه قال: ذُكِرَ لنا: أن الحجر يُلَقَى من شَفَةِ جهنم فيَهْوِي "؛ أي: يسقط.

" فيها سبعين خريفًا "؛ أي: سنة.

" لا يُدْرِكُ لها "؛ أي: الحجر لجهنَّم.

" قَعرًا "، نصب على التمييز؛ يعني: لا يدرك قَعْرَها.

" والله لَتُمْلأَنَّ "؛ أي: جهنم من الكفار.

" ولقد ذُكِرَ لنا: أنَّ ما بين مِصْرَاعَيْن من مَصَارِيعِ الجنّة مسيرة أربعين سنة، ولَيَأَتِيَنَّ عليها يومٌ وهو كَظِيظٌ "؛ أي: ممتلئ " من الزِّحام ".

* * *

مِنَ الحِسَان:

4365 -

عن أبي هُريرَةَ رضي الله عنه قال: " قُلتُ: يا رسُولَ الله! مِمَّ خُلِقَ الخَلْقُ؟ قال: مِنَ الماءِ، قُلنا: الجَنَّةُ ما بناؤُها؟ قالَ: لَبنةٌ مِنْ فِضَّةٍ ولَبنةٌ مِنْ ذَهَبٍ، ومِلاطُها المِسْكُ الأَذْفَرُ، وحَصْباؤُها اللُّؤْلؤُ والياقُوتُ، وتُرْبتُها الزَّعْفَرانُ، مَنْ

ص: 105

يَدْخُلْها يَنْعُمُ ولا يَبْأَسْ، ويَخْلُدُ ولا يَمُوتُ، ولا تَبْلَى ثيابُهُمْ ولا يَفْنَى شَبابُهُمْ ".

"من الحسان":

" قال أبو هريرة رضي الله عنه: قلت: يا رسول الله! ممَّ خُلِقَ الخَلْقُ؟ قال: من الماء "؛ يريد به: النطفة.

" قلنا: الجنَّةُ ما بناؤها؟ قال: لَبنةٌ من فِضَّةٍ ولَبنةٌ مِنْ ذَهَب، ومِلَاطُهَا ": وهو الطين الَّذي يُجْعَل بين سافَي (1) البناء يُملَّطُ به الحائط.

" المسك الأَذْفَر "؛ أي: الشديد الريح الطَّيبة.

" حَصْبَاؤُها "؛ أي الحصباء الَّذي في الأنهار.

" اللؤلؤ والياقوت، وتربتها الزعفران، مَنْ يدخلها يَنْعَمُ ولا يَبْأَسُ، ويخلد ولا يموت، لا تبلى ثيابهم، ولا يفنى شبابهم ".

* * *

4366 -

وقالَ: " ما في الجَنَّةِ شَجَرةٌ إلَّا وسَاقُها مِنْ ذَهَبٍ ".

" وقال: ما في الجنّة شجرة إلا وساقُها مِنْ ذَهب ".

* * *

4367 -

وقالَ: " إنَّ في الجَنَّةِ مِئَةَ دَرَجةٍ، ما بينَ كُلِّ دَرَجتَيْنِ مِئَةُ عامٍ "، غريب.

" قال: إن في الجنّة مئة درجة "، المراد بـ (المئة) هنا: الكثرة، وبـ (الدرجة): المرقاة.

(1) في " ت " و " غ ": " ساقتي "، والمثبت من " تهذيب اللغة "(13/ 242).

ص: 106

" ما بين كل درجتين مئة عام ".

" غريب ".

* * *

4368 -

وقالَ: " إنَّ في الجَنَّةِ مِئَةَ دَرَجةٍ، لوْ أنَّ العالَمينَ اجتَمعُوا في إحْداهُنَّ لَوَسِعَتْهُمْ "، غريب.

" وقال: إن في الجنّة مئة درجة، لو أنَّ العالمين اجتمعوا في إحداهنَّ لَوَسِعَتْهُمْ "، " غريب ".

* * *

4369 -

وعن أبي سَعيدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنه، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم:" في قوله: {وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ} قال: اِرتفاعُها لكَما بينَ السَّماءَ والأَرْضِ مَسيرَةَ خَمْسِ مِئَةِ سَنةٍ "، غريب.

" عن أبي سعيد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: {وَفُرُشٍ مَرفُوعَةٍ} [الواقعة: 34] "، قيل: المراد بـ (الفراش): نساء أهل الجنّة رُفِعْنَ بالجمال على نساء أهل الدنيا، وكل فاضل رفيع، والظاهر أنَّ المراد بارتفاع الفرش: ارتفاع الدَّرجة التي فُرِشَتْ تلك الفُرُش فيها.

" قال: ارتفاعها لَكَمَا بَيْنَ السَّماء والأرض مسيرة خمس مئة سنة "، قيل: هذا خبر بعد خبر للمبتدأ وهو (ارتفاعها)، ويجوز أن يكون بيانًا لـ (ما بين السماء والأرض).

" غريب ".

* * *

ص: 107

4370 -

وقالَ: " إِنَّ أَوَّلَ زُمْرةٍ يَدْخُلونَ الجَنَّةَ يَوْمَ القِيامَةِ ضَوْءُ وُجُوهِهِمْ عَلَى مِثْلِ ضَوْءَ القَمَرِ ليلةَ البَدْرِ، والزُّمْرةُ الثَّانيةُ عَلَى مِثْلِ أَحْسنِ كَوْكَب دُرِّيٍّ في السَّماءِ، لكُلِّ رَجُلٍ منهُمْ زَوْجَتانِ، عَلَى كُلِّ زَوْجةٍ سبعُونَ حُلَّةً يُرَى مُخُّ ساقِها منْ ورائِها ".

" وقال: إنَّ أولَ زُمْرَةٍ يدخلون الجنّة يوم القيامة ضَوْءُ وجوههم على مثل ضوء القمر ليلةَ البَدْر، والزُّمْرَةُ الثانية على مِثْلِ أحسن كوكب دُرِّيٍّ في السَّماء، لكل رجل منهم زوجتان، على كُلِّ زوجة سبعون حُلَّة، يُرَى مُخُّ ساقها مِنْ ورائها"؟ أي: من خلف ساقها من غاية اللطافة.

" روي أنَّه صلى الله عليه وسلم قال: أدنى أهل الجنّة الَّذي له اثنتان وسبعون زوجة، وثمانون ألف خادم "(1): والوجه في التوفيق بينهما بأن يقال: يكون لكل منهم زوجتان موصوفتان بأن يُرى مخُّ ساقهما، وهذا لا ينافي أن يحصل لكل منهم كثيرة من الحور العين الغير البالغة إلى هذه الغاية.

* * *

4371 -

عن أنسٍ رضي الله عنه، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال:" يُعْطَى المُؤْمِنُ في الجَنَّةِ قُوَّةَ كذا وكذا مِنَ الجِماعِ "، قِيلَ: يا رسُولَ الله! أوَ يُطيقُ ذلك؟ قال: " يُعْطَى قُوَّةَ مِئَةٍ ".

" عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يُعْطَى المؤمن في الجنّة قوَّة كذا وكذا من الجِماع، قيل: يا رسول الله! أَوَ يُطيق؟ ": الهمزة للاستفهام، والواو للعطف على فعل مُقَدَّر؛ أي: أيعطى تلك القوة ويطيق ذلك المقدار.

" قال: يعطى قوة مئة "؛ أي: مئة رجل.

* * *

(1) انظر: الحديث (4382).

ص: 108

4372 -

وعن سَعْدِ بن أبي وقَّاصٍ رضي الله عنه، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قَال:" لوْ أنَّ ما يُقِلُّ ظُفُرٌ مِمَّا في الجَنَّةِ بَدا لتَزَخْرَفَتْ لهُ ما بينَ خَوافِقِ السَّماواتِ والأَرْضِ، ولوْ أنَّ رَجُلًا مِشْ أهلِ الجَنَّةِ اطَّلعَ فبَدا أَساوِرُهُ لَطَمَسَ ضَوْءُهُ ضَوْءَ الشَّمْسِ كما تَطْمِسُ الشَّمْسُ ضَوْءَ النُّجومِ "، غريب.

" عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: لو أن ما يُقِلُّ ": من الإقلال: الحمل؛ أي: قَدْر ما يحمل.

" ظُفُرٌ مما في الجنّة بَدا "؛ أي: ظهر.

" لَتَزَخرَفتْ له "؛ أي: لتزيَّنت لذلك المقدار.

" ما بين خَوَافق السماوات والأرض "؛ أي: أطرافها، وإنما أَنَّثَ إرادةً للمعنى، فإن ما بين السماء والأرض أماكن كثيرة.

" ولو أنَّ رجلًا من أهل الجنّة اطَّلع فبدا "؛ أي: ظهر.

" أساوِرُهُ ": جمع أَسْوِرَة، وهي ما تلبسه المرأة من الحلي.

" لَطَمَسَ "؛ أي: لمحى.

" ضوؤُه ضَوْءٌ الشمس، كما تَطْمِسُ الشَّمس ضوء النُّجوم "؛ أي: تمحوه.

" غريب ".

* * *

4373 -

عن أبي هُريرَةَ رضي الله عنه قال: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: " أَهْلُ الجَنَّةِ جُرْدٌ مُرْدٌ كُحْلٌ لا يفنَى شبابُهُمْ ولا تبلَى ثيابُهُمْ ".

" عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: أهل الجنّة جُرْدٌ ": جمع الأجرد، وهو الَّذي لا شَعْرَ في بدنه.

ص: 109

" مُرْدٌ ": جمع الأمرد، وهو الَّذي لا شَعْرَ على ذقنه.

" كُحْلٌ ": جمع كحِيْل، بمعنى مكحول، كقتلى وقتيل، وهو الَّذي عينه مكتحلة في أصل الخِلْقَة.

" لا يَفْنَى شبابُهم، ولا تَبْلَى ثِيَابُهُمْ ".

* * *

4374 -

وعن مُعاذِ بن جَبَلٍ رضي الله عنه: أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: " يَدْخُلُ أَهْلُ الجَنَّةِ الجَنَّةَ جُرْدًا مُرْدًا مُكحَّلينَ أَبناءَ ثلاثينَ - أو ثلاثٍ وثلاثينَ - سَنَةً ".

" عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: يدخل أهلُ الجنَّةِ الجنَّةَ جُرْدًا مُرْدًا مُكحَّلين أبناء ثلاثين، أو ثلاث وثلاثين سنة ".

* * *

4375 -

عن أسماءَ بنتِ أبي بَكرٍ قالت: سَمِعْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وذُكِرَ لَهُ سِدْرَةُ المُنْتهَى قالَ: " يسيرُ الرَّاكِبُ في ظِلِّ الفَنَنِ منها مِائةَ سَنَةٍ، أو يَسْتظِلُّ بظلِّها مِئَةُ راكبٍ - شَكَّ الرَّاوي - فيها فَراشُ الذَّهبِ كأنَّ ثِمارَها القِلالُ "، غَريب.

" عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وذُكِرَ لَهُ سِدْرَة المُنتهَى: وهي شجرة في أقصى الجنّة، إليها ينتهي علم الأولين والآخرين ولا يتعدَّاها (1)، وقيل: سميت بها لأن جبريل عليه السلام ينتهي إليها ولا يتجاوزها.

" قال " رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يسير الراكب في ظلِّ الفَنَن "؛ أي: الغصن.

" منها مئة سنة، أو يستظل بظلها مئة راكب - شكَّ الراوي - فيها "؛ أي: في سدرة المنتهى " فَرَاش الذَّهب ": والفَرَاش - بفتح الفاء -: جمع فَرَاشة، وهي

(1) في " غ ": " ينفذها ".

ص: 110

التي تطير وتتهافت في السِّراج، ولعله أراد بها: الملائكة تتلألأ أجنحتها تلألؤ أجنحة الفراش كأنها مذهبة، وقيل: كناية عن كثرة الذهب في الجنّة، أو عن كونه ساقطًا غير متقوم كالفراش في الدنيا.

" كأن ثمرها القِلَال " بكسر القاف: جمع قُلَّة - بالضم -، وهي الجَرَّة العظيمة، سميت لأنها ثُقَل؛ أي: ترفع وتحمل.

عن ابن جريج: تسع قِرْبَتَيْن وشيئًا.

وفي " معالم التنزيل ": هي شجرة تحمل الحلي والمال والثمار من جميع الألوان لو أن ورقة منها وُضعَتْ في الأرض لأضاءت لأهل الأرض.

" غريب ".

* * *

4376 -

وعن أنسٍ رضي الله عنه قالَ: سُئِلَ رسَولُ الله صلى الله عليه وسلم ما الكَوْثَرُ؟ قال: " نهرٌ أَعْطانِيهِ الله - يعني في الجنَّةِ - أَشَدُّ بياضًا منَ اللَّبن، وأَحْلىَ منَ العَسَلِ، فيهِ طَيْرٌ أَعْناقُها كأَعْناقِ الجُزُر ". قالَ عُمَرُ: إنَّ هذه لناعِمَةٌ. قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: " آكِلُها أَنْعَمُ مِنْها ".

" عن أنس رضي الله عنه قال: سُئِلَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما الكوثر؟ قال: نهرٌ أَعْطَانِيْهِ الله تعالى - يعني: في الجنّة - أشدُّ بَيَاضًا من اللَّبن، وأحلى من العسل، فيه طير أعناقها كأعناق الجُزُرِ " بضم الجيم والزاي المعجمة قبل المهملة: جمع جَزُور - بالفتح - وهو البعير الَّذي أُعِدَّ للنَّحر.

" قال عمر: إن هذه لناعمة "؛ أي: لطيِّبة سِمَان.

" قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: آكلها أَنْعَمُ منها ".

* * *

ص: 111

4377 -

عن سُلَيْمانَ بن بُرَيْدَةَ عن أَبيهِ: أَنَّ رَجُلًا قالَ: يا رسولَ الله! هلْ في الجَنَّةِ منْ خَيلٍ؟ قال: " إِن الله أَدْخَلَكَ الجَنَّةَ، فلا تَشاءُ أنْ تُحْمَلَ فيها على فَرَسٍ منْ ياقوتَةٍ حَمْراءَ يطيرُ بكَ في الجنَّةِ حَيْثُ شِئتَ إلا فَعَلْتَ ". وسَأَلَهُ رَجُلٌ فقالَ: يا رسولَ الله! هلْ في الجَنَّةِ منْ إبلٍ؟ فقالَ: " إنْ يُدْخِلْكَ الله الجَنَّةَ يكُنْ لكَ فيها ما اشْتَهتْ نَفْسُكَ ولذَّتْ عينُكَ ".

وفي رِوايةٍ: " إنْ أُدخِلْتَ الجَنَّةَ أُتيتَ بفَرَسٍ منْ ياقُوتَةٍ لهُ جَناحانِ فحُمِلْتَ عَلَيهِ طارَ بكَ حَيْثُ شِئْتَ ".

" عن سليمان بن بريدة عن أبيه رضي الله عنه: أنَّ رجلًا قال: يا رسول الله! هل في الجنّة من خَيل؟ قال: إِنِ الله تعالى أَدْخَلَكَ الجنّة "، (إن): حرف شرط جزاؤه (فلا تشاء)، تقدير الكلام: إِنْ أدخَلَكَ الله الجنّة.

" فلا تشاءُ أنْ تُحمَلَ فيها على فرس مِنْ يَاقوتَةٍ حَمراء يطيرُ بك في الجنّة حيث شِئْتَ إلا فعلَتْ ": بتاء التأنيث الساكنة والضمير للفرس، وفي بعض النسخ بتاء المخاطب؟ يعني: إن تشاء أن تفعله، والمعنى: ما مِنْ شيء تشتهيه الأنفس في الجنّة إلا وجدته على وِفق مُشتهاها.

" وسأله رجل فقال: يا رسول الله! هل في الجنّة من إبل؟ فقال: إنْ يُدْخِلْكَ الله الجنّة يَكُنْ لك فيها ما اشتَهَتْ نفسُكَ ولذَّتْ عينُكَ "؛ أي: وجدته لذيذًا.

" وفي رواية: إن أُدْخِلْتَ الجنّة أُتِيْتَ بفرس من ياقوتة له جناحان، فحُمِلْتَ عليه فطاربك حيث شِئْتَ ".

* * *

4378 -

وعن بُرَيْدَةَ رضي الله عنه قالَ: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: " أَهْلُ الجَنَّةِ عِشرونَ

ص: 112

ومِئة صفٍّ، ثمانونَ منها منْ هذَه الأَمّةِ، وأَرْبعونَ منْ سائِر الأمَمِ ".

" عن بريدة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أهل الجنّة عشرون ومئة صفٍّ؟ ثمانون منها مِنْ هذه الأُمَّة وأربعون من سائر الأمم ": فإن قلت: كيف التوفيق بين هذا وبين ما وَرَدَ من قوله صلى الله عليه وسلم: " والذي نفسي بيده أرجو أن تكونوا ربع أهل الجنّة "، فكبَّرنا، فقال صلى الله عليه وسلم:" أرجو أن تكونوا ثلث أهل الجنّة "، فكبَّرنا، فقال صلى الله عليه وسلم:" أرجو أن تكونوا نصف أهل الجنّة ".

قلت: يحتمل أن يكون الثمانون صَفَّا مساويًا في العدد للأربعين صفًّا، وأن يكون كما زاد على الربع والثلث يزيد على النصف كرامة له صلى الله عليه وسلم.

* * *

4379 -

عن سالمٍ، عن أبيه رضي الله عنهما قالَ: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: " بابُ أُمَّتي الَّذي يَدْخُلونَ مِنْهُ الجَنَّةَ عَرْضُهُ مَسيرَةُ الرَّاكِبِ المُجَوَّدِ ثلاثًا، ثُمَّ إنَّهمْ ليُضْغَطونَ عليهِ حتَّى تكادُ مناكِبُهُمْ تَزُولُ "، ضعيفٌ مُنْكرٌ.

" عن سألم، عن أبيه رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله تعالى عليه وسلم: بابُ أُمَّتي الَّذي يدخلون منه الجنّة عرضُهُ مَسِيرَةُ الرَّاكِب المُجَوِّد ": اسم فاعل من جَوَّدَ: إذا جَاد شيئًا؟ أي: جعله جيدًا.

" ثلاثًا "؛ أي: ثلاث ليالٍ، يعني: عرض ذلك الباب مَسِيرَةَ الرَّاكب الَّذي يُجَوِّد ركضَ الفرس ثلاث ليال، ويحتمل الساعات والأشهر والسنين.

" ثم إنهم لَيُضْغَطون عليه "؛ أي: ليزدحمون على الباب عند دخولهم.

" حتَّى تكاد مناكِبُهُمْ تزول "؛ أي: يقرب أنْ تزول مناكِبُهُم مِنْ شدَّة الازدحام.

" ضعيف منكر ": كونه منكرًا لمخالفته الأحاديث الصحيحة الواردة في

ص: 113

هذا المعنى، منها الحديث المتفق على صحته عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال:" والذي نفسي بيده إن ما بين مِصْرَاعين من مَصَاريع الجنّة كما بين مكة وهَجَر " هي مدينة باليمن، وهي قاعدة البحرين، بينها وبين البحرين عشر مراحل، واين مسيرة الراكب ثلاثًا عن هذه المسافة؟! * * *

4380 -

عن عليٍّ رضي الله عنه قالَ: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: " إنَّ في الجَنَّةِ لَسُوقًا ما فيها شِراءٌ ولا بَيْعٌ إلَّا الصُّوَرَ منَ الرِّجالِ والنِّساءِ، فإذا اشْتَهَى الرَّجُلُ صُورَةً دَخَلَ فيها "، غريب.

" عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن في الجنّة لَسُوقًا ما فيها "؛ أي: في تلك السوق، أنَّت الضمير لأن السُّوق مؤنث سماعي.

" شِرَاءٌ ولا بَيعٌ إلا الصُّوَرَ من الرجال والنساء ": والاستثناء منقطع، " فإذا اشتهى الرجل صُوْرَةً دخل فيها ": والمراد (بالصورة): ما يختار الإنسان أن يكون عليها من التَّزين والتَّلبس، فدخوله فيها للتَّزين بها، ويحتمل أن يكون المراد بها: صورة الشخص نفسه من الصُّوَر المستحسنة بأن يبدِّل الله صورته فتتغير الهيئة مع بقاء الذات كما كان، ويصير منطبعًا على الصورة التي تمناها.

" غريب ".

* * *

4381 -

عن سعيدٍ بن المُسَيِّبِ رضي الله عنهما: أنَّهُ لَقِيَ أبا هُريرَةَ رضي الله عنه، فقالَ أبو هُريرة: أَسْألُ الله أنْ يَجْمَعَ بينِي وبينَكَ في سُوقِ الجَنَّةِ، فقالَ سعيدٌ: أَفِيْها سُوْقٌ؟ قالَ: نعَم، أَخْبَرَنِي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أنَّ أَهْلَ الجَنَّةِ إذا دَخَلُوها نزلُوا فيها بفَضْلِ أَعْمالِهِمْ، ثُمَّ يُؤْذَنُ في مِقْدارِ يَوْمِ الجُمُعةِ منْ أَيَّامِ الدُّنيا فيَزورُونَ رَبَّهم،

ص: 114

ويُبْرِزُ لهُمْ عَرْشَهُ، ويَتَبَدَّى لهُمْ في رَوْضَةٍ منْ رِياضِ الجَنَّةِ، فيُوضَعُ لهُمْ منابرُ من نورٍ ومنابرُ من لؤلؤٍ ومنابرُ من ياقوتٍ ومنابرُ من زبرجدٍ ومنابرُ منْ ذهَبٍ ومَنابرُ منْ فِضّةٍ، وَيجْلِسُ أَدْناهُمْ، وما فيهم دَنيءٌ، على كُثبانِ المِسْكِ والكافورِ، وما يُرَوْنَ أَنَّ أَصْحابَ الكَراسِيِّ بأَفْضَلَ منهمْ مَجْلِسًا. قالَ أبو هُريرةَ رضي الله عنه: قلتُ: يا رسولَ الله! وهل نَرى رَبنا؟ قال: " نعم، هلْ تتمارَوْنَ في رُؤيةِ الشَّمْسِ والقَمَرِ ليلةَ البَدْرِ؟ " قلنا: لا. قال: " كذلكَ لا تَتَمارَوْنَ في رُؤيةِ ربكُمْ، ولا يَبقى في ذلكَ المَجْلسِ رَجُلٌ إلّا حاضَرَهُ الله مُحاضَرَةً، حتَّى يقولَ للرَّجُلِ منهُمْ: يا فلانُ بن فُلانٍ أَتَذْكُرَ يومَ قُلْتَ كذا وكذا؟ فَيُذَكِّرُهُ ببَعْضِ غَدراتِهِ في الدُّنيا، فيقولُ: أفلَمْ تغفِرْ لي؟ فيقولُ: بلَى، فبسَعَةِ مَغْفِرتي بَلَغْتَ منزلتَكَ هذهِ. فَبَينَما همْ علَى ذلكَ غَشِيَتْهُمْ سَحابَةٌ منْ فَوْقِهِمْ، فَأَمْطَرتْ عليهمْ طِيبًا لمْ يَجدوا مِثْلَ رِيحِهِ شَيْئًا قطُّ، ويقولُ ربنا: قُومُوا إلى ما أَعْدَدْتُ لكُمْ منَ الكرامَةِ فخُذوا ما اشْتَهَيْتُمْ. فنأتي سُوْقًا قدْ حَفَّتْ بهِ الملائكةُ ما لَمْ تَنْظُرِ العُيونُ إلى مثلِهِ، ولم تسمع الآذانُ ولم يَخْطُرْ على القُلوبِ، فيُحْمَلُ لنا ما اشتهَيْنا، ليسَ يُباعُ فيها ولا يُشْترَى، وفي ذلكَ السُّوقِ يَلقَى أهلُ الجَنَّةِ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، قال: فيُقبلُ الرَّجُلُ ذُو المَنزِلةِ المُرْتَفِعَةِ فيَلْقَى مَنْ هو دُونَهُ، وَمَا فِيهِمْ دَنِيٌّ فَيَرُوعُهُ ما يَرى عليهِ منَ اللِّباسِ، فما ينقضي آخِرُ حدَيثِهِ حتَّى يتخيَّلَ عليهِ ما هو أَحْسَنُ منهُ، وذلكَ أنَّهُ لا يَنبَغي لأَحدٍ أنْ يَحْزَنَ فيها، ثُمَّ نَنْصَرِفُ إلى منازِلِنا فيتلقَّانا أَزْواجُنا فيقُلْنَ: مرحبًا وأهلًا لقدْ جِئْتَ وإنَّ بكَ منَ الجَمالِ أَفْضَلَ مِمَّا فارقْتَنا عليهِ، فيقولُ: إنَّا جَالَسْنا اليَوْمَ ربنا الجَبَّارَ وَيحِقُّنا أنْ نَنْقَلِبَ بمِثْلِ ما انقلَبنا "، غريب.

" عن سعيد بن المسيّب: أنَّه لقي أبا هريرة رضي الله عنه فقال أبو هريرة: أسأل الله تعالى أن يجمع بيني وبينك في سُوق الجنّة، فقال سعيد: أفيها سُوق؟ قال:

ص: 115

نعم، أخبرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أنَّ أهل الجنّة إذا دخلوها نزلوا فيها "؛ أي: في السُّوق.

" بفضل أعمالهم "؛ أي: بِقَدْرها.

" ثم يُؤْذَنُ لهم في مِقْدَار يوم الجمعة من أيام الدنيا فيزورون ربهم، وَيَبْرُزُ "؛ أي: يظهر.

" لهم عرشه "؛ أي: عرش ربهم؛ أي: لطفه ورحمته.

" وَيَتَبَدَّى "؛ أي: يَظْهَرُ ربهم.

" لهم في رَوْضَة من رِيَاضِ الجنّة، فَيُوْضَع لهم مَنَابِر ": جمع مِنْبَر.

" مِنْ نوُر، ومنابر من لؤلؤ، ومنابر من ياقوت، ومنابر من زبرجد، ومنابر من ذهب، ومنابر من فضة، ويجلس أدناهم "؛ أي: أقلُّهم منزلةً في الجنّة.

" وما فيهم "؛ أي: في أهل الجنّة.

" دَنِيء "؛ أي: دُونٌ خَسِيسٌ.

" على كُثْبَان المِسْك ": جمع الكثيب، وهو تلُّ الرَّمل المُسْتَطِيل، من كَثَبْتُ الشيء: جمعته.

" والكافور، ما يرون "؛ أي: الجالسون على الكثبان.

" أن أصحاب الكراسي ": وهم أصحاب المنابر والأنبياء.

" بأفضل منهم مجلسًا "؛ أي: أعلى مرتبة؛ لئلا تنكسر قلوبهم.

" قال أبو هريرة رضي الله عنه: قلت: يا رسول الله! وهل نرى ربنا؟ قال: نعم، هل تتمارون "؛ أي: هل تشكُّون.

" في رؤية الشمس والقمر ليلة البدر؟ قلنا: لا، قال: كذلك لا تتمارون في رؤية ربكم، ولا يبقى في ذلك المجلس رجل إلا حاضَرَهُ الله تعالى "؛ أي:

ص: 116

كَلَّمه من غير حجاب ولا ترجمان بكلام لا يسمعه غيره.

" محاضرةً "؛ أي: مكالمة.

" حتى يقول للرجل منهم: يا فلان ابن فلان، أتذكر يومَ قلت: كذا وكذا، فيذكِّره ببعض غَدَرَاته ": - بفتحتين - جمع غَدْرَة، وهو ترك الوفاء، والمراد بها هنا: المعاصي التي لم يفِ بتركها.

" في الدنيا، فيقول: أفلم تغفر لي؟ فيقول: بلى، فَبِسَعَةِ مغفرتي بلغْتَ مَنْزِلَتَكَ هذه، فبينما هم على ذلك غَشِيَتْهُم "؛ أي: غَطَّتْهُم.

" سحابة من فوقهم، فأمطرت عليهم طيبًا لم يجدوا مثل ريحه شيئًا قط، ويقول ربنا: قوموا إلى ما أعددْتُ "؛ أي: هَيَّأْتُ.

" لكم من الكرامة، فخذوا ما اشتهيتم، فنأتي ": على صيغة المتكلم.

" سُوقًا قد حَفَّتْ به الملائكة ": وروي: (بها)، والسوق يذكَّر ويؤنَّث؛ أي: أحدقوا وأطافوا بجوانب ذلك السوق.

" ما لم تنظُر العيون إلى مثله ": (ما) هذه موصولة، وهي مع صلته تحتمل أن يكون منصوبًا على أنه بدل من الضمير المنصوب المحذوف في قوله:(ما أعددت)؛ أي: ما أعددته، وأن يكون مجرورًا بدلًا من (الكرامة)، وأن يكون مرفوعًا على أنه خبر مبتدأ محذوف؛ أي: المُعَدُّ لكم، أو مبتدأ خبره محذوف؛ أي: فيها.

" ولم تسمع الآذان، ولم يَخْطُر على القلوب، فَيُحْمَلُ لنا ما اشتهينا ليس يباع فيها ولا يُشْتَرى، وفي ذلك السوق يلقى أهل الجنة بعضهم بعضًا، قال ": النبي صلى الله عليه وسلم:

" فَيُقْبِلُ الرَّجل ذو المنزلة المرتفعة، فيلقى مَنْ هو دُوْنَه، وما فيهم دَنِيٌّ فَيَرُوْعُهُ "؛ أي: يعجبه، ضمير المفعول عائد إلى (من).

ص: 117

" ما يرى عليه من اللباس، فما يَنْقَضِيْ آخر حديثه "؛ أي: لا ينقطع آخر كلامه.

" حتى يتخيَّل "؛ أي: يرى.

" عليه ما هو أحْسَنُ منه "؛ أي: أَحْسَنَ من لباس صاحبه.

" وذلك أنه لا ينبغي لأحدٍ أن يَحْزَنَ فيها، ثم ننصَرِفُ إلى منازلنا فَيَتَلَقَّانا "؛ أي: يستقبلنا.

" أزواجنا ": جمع زوجة.

" فيقلن: مرحبًا وأهلًا ": منصوبان على المصدر، تقديره: رَحِبْتَ مرحبًا وتَأَهَّلْتَ أهلًا.

" لقد جِئْتَ ": اللام جواب قسم مقدر؛ أي: والله لقد جِئْتَ.

" وإنَّ بك مِنَ الجمال ": الواو للحال.

" أفضل مما فارقْتَنَا عليه "؛ أي: في حال كونك أحسن وجهًا وأتم جمالًا مما كنْتَ عليه حين فارقتنا.

" فيقول: إنا جالسنا اليوم ربنا الجبَّار "؛ أي: جالسنا لُطْفَ ربنا في هذا اليوم، فأعطانا خِلْقَةَ الجمال، وحُلَّةَ الكمال.

" وَيَحِقُّنَا " أي: يجب.

" لنا أن نَنْقَلِبَ "؛ أي: نرجع.

" بمثل ما انقلَبنا "؛ أي: رجعنا من الجمال التام.

" غريب ".

* * *

ص: 118

4382 -

عن أبي سعيدٍ قالَ: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: " أدنىَ أَهْلِ الجَنَّةِ الذي لهُ ثمانونَ ألفَ خادِمٍ، واثنتانِ وسَبْعونَ زوجةً، ويُنْصَبُ لهُ قُبَّةٌ منْ لُؤْلُؤٍ وزَبَرْجَدٍ وياقوتٍ كما بينَ الجابيةِ إلى صَنْعاءَ ".

وبه قالَ: " مَنْ ماتَ منْ أَهْلِ الجَنَّةِ منْ صَغيرٍ أو كبيرٍ يُرَدُّونَ بني ثلاثينَ في الجَنَّةِ، لا يزيدونَ علَيها أَبَدًا، وكذلكَ أَهْلُ النَّارِ ".

وبه قالَ: " إنَّ عليهمُ التِّيْجَانَ، أَدْنىَ لُؤْلُؤةٍ مِنْها لَتُضيءُ ما بَيْنَ المَشْرِقِ والمَغْرِبِ "، غريب.

" قال أبو سعيد رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أَدْنىَ أهل الجنة الذي له ثمانون ألف خادم واثنتان وسبعون زوجة، وتُنْصَبُ "؛ أي: تُتَّخَذُ.

" له قُبَّةٌ من لؤلؤ وزَبَرْجَد ": جوهر معروف.

" وياقوت "؛ يريد: أن القُبَّة تتخذ منها، أو هي مكللة بها.

" كما بين الجابِيَة إلى صَنْعاء "؛ يعني: فُسْحَتُها كَفُسْحَة ما بين جابية الشَّام وصنعاء اليمن، قيل: هي أول بلدةٍ بنيَتْ بعد الطوفان.

وبه قال: " منْ ماتَ منْ أهلِ الجنّةِ منْ صغيرٍ أو كبيرٍ يُردُّونَ بني ثلاثينَ في الجنّةِ، لا يزيدونَ عليها أَبَدًا، وكذلكَ أهلُ النارِ ".

" وبه "؛ أي: بهذا الإسناد.

" قال: مَنْ مَاتَ مِنْ أهل الجنة مِنْ صغير أو كبير يُرَدُّون بني ثلاثين في الجنة، لا يزيدون عليها أبدًا، وكذلك أهل النار " يُرَدُّون بني ثلاثين في النار.

* * *

ص: 119

وبه قال: " إنَّ عليهمُ التِّيجانَ، أدنىَ لؤلؤةٍ منها لتُضِيءُ ما بينَ المشرقِ والمغربِ "(غريب).

" وبه "؛ أي: بهذا الإسناد.

" قال: إن عليهم التِّيجَان " بكسر التاء: جمع تاج.

" أدنى لؤلؤةٍ منها لَتُضِيء ما بين المشرق والمغرب "، " غريب ".

* * *

4383 -

وبه قالَ: " المُؤْمِنُ إذا اشتَهَى الوَلَدَ في الجَنَّةِ كانَ حَمْلُهُ ووَضْعُهُ وسِنُّه في ساعَةٍ كما يَشْتَهي "، غريب.

قالَ إسْحاقُ بن إبراهيمَ في هذا الحديث: إذا اشْتَهَى المُؤْمِنُ في الجَنَّةِ الوَلَدَ كانَ في ساعَةٍ ولكنْ لا يَشْتَهي.

" وبه "؛ أي: بهذا الإسناد.

" قال: المؤمن إذا اشتهى الوَلَدَ في الجنة، كان حَمْلُهُ ووَضْعُهُ وسِنُّهُ في ساعة كما يشتهي "، " غريب ".

" قال إسحاق بن إبراهيم في هذا الحديث: إذا اشتهى المؤمن في الجنة الولد كان في ساعة ولكن لا يشتهي " الولد.

* * *

4384 -

عن عليٍّ رضي الله عنه قالَ: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: " إنَّ في الجَنَّةِ لمُجْتَمَعًا للحُورِ العِينِ، يَرْفَعْنَ بأَصْواتٍ لَمْ يَسمَع الخَلائِقُ مِثْلَها، يقُلْنَ: نحنُ الخالِداتُ فلا نبَيدُ، ونحنُ النَّاعِمَاتُ فلا نَبْأَسُ، ونحنُ الرَّاضياتُ فلا نَسْخَطُ، طُوْبىَ لِمَنْ كانَ لنا وكُنَّا لهُ ".

ص: 120