المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌3 - باب الحساب والقصاص والميزان - شرح المصابيح لابن الملك - جـ ٦

[ابن الملك]

فهرس الكتاب

- ‌6 - باب نزول عيسى عليه السلام

- ‌7 - باب قُرْبِ السَّاعَة وأنَّ مَنْ ماتَ فقد قامَتْ قيامَتُه

- ‌8 - باب لا تقومُ السَّاعةُ إلا على الشِّرارِ

- ‌1 - باب النَّفْخِ في الصورِ

- ‌2 - باب الحَشْرِ

- ‌3 - باب الحِسَابِ والقِصَاصِ والمِيْزانِ

- ‌4 - باب الحَوْضِ والشفاعة

- ‌5 - باب صِفَةِ الجَنَّةِ وأَهْلِهَا

- ‌6 - باب رُؤْيَةِ الله تَعالى

- ‌7 - باب صِفَةِ النَّار وأهلِها

- ‌8 - باب خَلْقِ الجَنَّةِ والنَّارِ

- ‌9 - باب بدءِ الخَلقِ، وذكرِ الأَنبياءِ عليهم السلام

- ‌1 - باب فَضَائِلِ سيدِ المُرسَلِينَ صلَوَاتُ الله عَلَيْهِ

- ‌2 - باب أَسْمَاءِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وَصِفَاتُهُ

- ‌3 - باب في أَخْلاقِهِ وشَمَائِلِهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌4 - باب المَبْعَثِ وَبدْءِ الوَحْيِ

- ‌5 - باب علامات النبوة

- ‌فصل في المِعْرَاجِ

- ‌فصل في المُعْجِزَاتِ

- ‌6 - باب الكَرَامَاتِ

- ‌7 - باب(باب في بيان هجرة أصحابه من مكة)

- ‌8 - باب

- ‌1 - باب في مَناقبِ قريشٍ وَذِكرِ القَبَائِلِ

- ‌2 - باب مناقب الصحابة رضي الله عنهم

- ‌3 - باب مَناقِبِ أَبي بَكرٍ الصِّديقِ رضي الله عنه

- ‌4 - باب مَناقِبِ عُمَرَ بن الخَطابِ رضي الله عنه

- ‌5 - باب مَنَاقِبِ أَبي بَكْرِ وَعُمَرَ رضي الله عنهما

- ‌6 - باب مَنَاقِبِ عُثمانَ في عَفَّانَ رضي الله عنه

- ‌7 - باب مَنَاقِبِ هؤلاءِ الثَّلاثة رضي الله عنهم

- ‌8 - باب مَنَاقِبِ عَلِيِّ في أَبي طالب رضي الله عنه

- ‌9 - باب مَنَاقِبِ العَشرَةِ رضي الله عنهم

- ‌10 - باب مَنَاقِبِ أَهْلِ بَيْتِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم

- ‌11 - باب مَنَاقِبِ أَزْوَاجِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم

- ‌12 - باب جَامِعِ المَنَاقِبِ

- ‌13 - باب ذِكْرِ اليَمَنِ وَالشَّامِ، وَذِكْرِ أُوَيْسِ القَرَنِيِّ رضي الله عنه

- ‌14 - باب ثوَابِ هذِهِ الأُمَّةِ

الفصل: ‌3 - باب الحساب والقصاص والميزان

4299 -

عن ابن عُمَر رضي الله عنه قالَ: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ سَرَّهُ أنْ يَنظُرَ إلى يَوْمِ القِيامَةِ كأنَّهُ رَأْيُ عَيْنٍ فَلْيقرأْ: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} و {إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ} و {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} ".

"عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مَنْ سرَّه أن ينظر إلى يوم القيامة"؛ أي: إلى أهوالها.

"كأنه رأيُ عين"؛ أي: مرئيُّها.

"فليقرأ: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (1)} [التكوير: 1] و {إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ (1)} [الانفطار: 1] و {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ (1)} [الانشقاق: 1] ": فإن هذه السور مشتملة على ذكر أحوال القيامة.

* * *

‌3 - باب الحِسَابِ والقِصَاصِ والمِيْزانِ

(باب الحساب والقصاص والميزان)

مِنَ الصِّحَاحِ:

4300 -

عن أبي هُريرةَ رضي الله عنه، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال:"يدخلُ منْ أُمَّتي الجَنَّةَ سَبعونَ ألفًا بغيرِ حِساب".

"من الصحاح":

" عن أبي هريرة رضي الله عنه: قال النبي صلى الله عليه وسلم: يدخل من أمتي الجنة سبعونَ ألفًا بغير حساب": يحتمل أن يراد به الكثرة، كقوله تعالى:{إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} [التوبة: 80].

4301 -

عن عائِشَةَ رضي الله عنها: أَنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: "ليسَ أَحَدٌ

ص: 38

يُحَاسَبُ يَوْمَ القِيامَةِ إلَّا هَلَكَ"، قلتُ: أَوَ ليسَ يقولُ الله: {فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا} نقالَ: "إنَّما ذلكَ العَرْضُ، ولكنْ مَنْ نُوقشَ في الحِسابِ يَهلِكُ".

"عن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ليس أحدٌ يحاسب يوم القيامة إلا هلك"؛ أي: على تقدير المناقشة؛ أي: الاستقصاء في الحساب.

"قلت: أوليس يقول الله: {فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا (8)} [الانشقاق: 8]؟! قال: إنما ذلك"؛ أي: الحسابُ اليسيرُ "العرضُ"؛ أي: في عرض عمله، لا في الحساب على ما ينبغي.

"ولكن من نُويشَ في الحسابِ يهلك": يقال: ناقشه في الحساب؛ أي: عاسره فيه، فلا يترك قليلاً ولا كثيرًا.

* * *

4302 -

وقالَ صلى الله عليه وسلم: "ما مِنكُمْ مِنْ أَحَدٍ إلَّا سيُكلمُهُ ربُّه، ليسَ بينَهُ وبينَهُ تَرجُمان ولا حِجاب يَحجُبُهُ، فيَنظُر أيمنَ منهُ فلا يَرى إلَّا ما قدَّمَ منْ عَمَلِهِ، وينظُرُ أشْأَمَ منهُ فلا يرَى إلَّا ما قَدَّمَ منْ عَمَلِهِ، ويَنْظُرُ بينَ يدَيْهِ فلا يَرَى إلَّا النَّارَ تِلْقاءَ وَجْهِهِ، فاتَّقُوا النَّارَ ولَوْ بشِقِّ تَمْرَة".

"وقال: ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربُّه يوم القيامة، ليس بينه وبينه"؛ أي: ليس بين ربه تعالى وبين العبد.

"تُرجمان" بضم التاء والجيم وبفتح التاء أيضًا؛ يعني: مفسِّر.

"ولا حجابٌ يحجبه"؛ أي: تحجب ذلك الحجاب العبد من ربه.

"فينظر"؛ أي: العبد.

"أيمنَ منه"؛ أي: يمينًا حيرة ودهشة من ذلك الموقف.

"فلا يرى إلا ما قدَّم من عمله": الذي عمله في الدنيا.

ص: 39

"وينظر أشأمَ منه"؛ أي: شمالاً.

"فلا يرى إلا ما قدَّم من عمله، وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاءَ وجهه، فاتقوا النارَ"؛ أي: فإذا كان كذلك، فاحذروا النار.

"ولو بشقِّ تمرة"؛ أي: ولو بشيء يسير من عمل البر.

* * *

4303 -

وقالَ صلى الله عليه وسلم: "إنَّ الله يُدْني المُؤْمِنَ فيضَعُ عليهِ كَنَفَهُ وَيسْترُه فيقولُ: أتعْرِفُ ذنْبَ كذا؟ فيقولُ: نعمْ، أيْ رَبِّ! حتَّى إذا قرَّرَهُ بذُنوبهِ ورأَى في نَفْسِهِ أنَّهُ هَلَكَ قالَ: ستَرتُها عليكَ في الدُّنيا، وأنا أَغْفِرُها لكَ اليَوْمَ، فيُعْطَى كتابَ حَسناتِهِ، وأمَّا الكُفارُ والمُنافِقُونَ فيُنادَى بهِمْ على رؤُوسِ الخَلائقِ: {هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} ".

"وقال: إن الله تعالى يدني المؤمنَ"؛ أي: يقربه قربَ كرامةٍ لأقرب مسافة.

"فيضعُ عليه كَنَفه": بالتحريك؛ أي: جانبه، وهذا تمثيلٌ معناه: إظهار عنايته عليه، وصونه عن الخزي بين أهل الموقف، كمن يضع كنف ثوبه على رجل إذا أراد صيانته.

"ويستره، فيقول: أتعرف ذنبَ كذا؟ أتعرف ذنب كذا؟ فيقول: نعم أي رب! حتى [إذا] قرره بذنوبه"؛ أي: جعله مقراً بها.

"ورأى في نفسه"؛ أي: علم الله أنه في ذاته: "أنه هلك"؛ أي: المؤمن، ويجوز أن يكون الضمير في (رأى) للمؤمن، والواو للحال.

"قال: سترتها عليك في الدنيا، وأنا أغفرها لك اليوم": تقديم (أنا) يفيد التخصيص؛ لأن الذنوب لا يغفرها يومئذ إلا الله.

ص: 40

"فيعطى": علي بناء المجهول؛ أي: المؤمن.

"كتابَ حسناته": بالنصب مفعوله الثاني.

"وأما الكفار والمنافقون؛ فينادى بهم على رؤوس الخلائق: {هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} [هود: 18] ".

* * *

4304 -

وقالَ صلى الله عليه وسلم: "إذا كانَ يَوْمُ القِيامَةِ دفعَ الله إلى كُلِّ مُسْلِم يَهودياً أو نصرانِيًّا فيقولُ: هذا فَكاكُكَ مِنَ النَّارِ".

"وقال صلى الله عليه وسلم: إذا كان يوم القيامة": (كان) هذه تامة.

"دفع الله إلى كل مسلم"؛ أي: أعطاه "يهودياً، أو نصرانياً، فيقول: هذا فِكاكُكَ من النار": (فِكاكُ الرهن) بكسر الفاء وفتحها: ما يفتك به؛ أي: يخلِّص؛ يعني: كان لك منزل في النار، لو كنت استحققته، لدخلتَ فيه، فلما استحقه هذا الكافر، صار كالفِكاك لك؛ لأنك نجوت منه، وتعين الكافر له، فالقه في النار فداءك، لعل تخصيص اليهود والنصارى؛ لاشتهارهم بمضادة المسلمين.

* * *

4305 -

وقالَ: "يُجَاءُ بنوْحٍ يومَ القِيامَةِ فيُقالُ له: هلْ بلَّغْتَ؟ فيقولُ: نعمْ، يا رَبِّ! فتُسألُ أمَّتُهُ: هلْ بلَّغَكُمْ؟ فيقولون: {مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ}، فيُقالُ: مَنْ شُهودُكَ؟ فيقول: مُحَمَّد وأُمَّتُهُ"، فقالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:"فيُجاءُ بِكُمْ فتَشْهَدونَ أنه قدْ بَلَّغَ"، ثُمَّ قَرأَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} .

ص: 41

"وقال صلى الله عليه وسلم: يُجاء بنوح عليه السلام يومَ القيامة، فيقال: هل بلغتَ؟ فيقول: نعم يا رب! فيسأل أمته: هل بلَّغكم؟ فيقولون: ما جاءنا": (ما) فيه نافية.

"من نذير"؛ أي: منذر.

"فيقال: من شهودك؟ ": (من) فيه استفهامية، طلب الله من نوح شاهدًا على تبليغه أمته، وهو أعلم به؛ إقامةً للحجة عليهم.

"فيقول محمَّد وأمته، فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: فيجاء بكم، فتشهدون أنه قد بلَّغ"؛ أي: نوحًا قد بلغ أمته ما أوحى الله إليه وأنذرهم.

"ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ} ؛ أي: كما هديناكم، فضَّلناكم بأن جعلناكم {أُمَّةً وَسَطًا}؛ أي: خيارًا، أو عدولًا، وإنما كانت هذه الأمة وسطًا؛ لأنهم لم يغلوا غلوَّ النصارى، ولا قصَّروا تقصيرَ اليهود في تكذيب أنبيائهم وقتلهم إياهم.

{لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة: 143]: بأن يسأل عليه السلام عن حال أمته، فيزكيهم، ويشهد بصدقهم، وإنما شهد أمة محمَّد صلى الله عليه وسلم بذلك مع أنهم بعد نوح؛ لعلمهم بالفرقان أن الأنبياء كلهم قد بلغوا أممهم ما أرسلوا به.

* * *

4306 -

عن أنس رضي الله عنه قالَ: كُنَّا عِنْدَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فضَحِكَ، فقالَ:"هلْ تَدْرونَ مِمَّ أَضْحَكُ؟ " قال: قُلنا: الله ورسولُه أَعْلَمُ، قال:"مِنْ مُخَاطَبةِ العَبْدِ رَبَّهُ، يقولُ: يا رَبِّ! ألمْ تُجرْني مِنَ الظُّلم؟ "، قال:"فيقولُ: بَلَى"، قالَ:"فيقولُ: فإنِّي لا أُجيزُ على نفسِي إلَّا شاهِداً مِنِّي"، قال: "فيقولُ: كَفَى بنفْسِكَ

ص: 42

اليَوْمَ عليكَ شَهيداً، وبالكِرامِ الكاتِبينَ شُهوداً"، قال: "فيُختَمُ على فيهِ، فيُقالُ لأَرْكانِهِ: انْطِقي"، قالَ؛ "فتَنْطِقُ بأَعْمالِهِ، ثُمَّ يُخَلَّى بينهُ وبينَ الكلامِ"، قال: "فيقولُ: بُعْداً لَكُنَّ وسُحْقاً، فَعَنْكُنَّ كنتُ أُناضلُ ".

"عن أنس رضي الله عنه قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم، فضحك، فقال: هل تدرون مم أضحك؟ قال: قلنا: الله ورسوله أعلم، قال: من مخاطبة العبد ربه، يقول: يا رب! ألم تُجرْني من الظلم؟ "؛ أي: ألم تؤمِّني من أن تظلم علي؟

(قال: يقول)؛ أي: الله تعالى في جوابه العبد.

"بلى" قد أجرتك من الظلم.

"قال: فيقول"؛ أي: العبد.

"فإني لا أجيز" بالزاي المعجمة من الإجازة.

"على نفسي إلا شاهدًا مني، قال: فيقول: كفى بنفسك اليوم عليك شهيدًا": نصب على الحال، و (عليك) متعلق به، خبر بمعنى الأمر؛ أي: اكتفى نفسُكَ في حال كونك شهيدا عليك.

"وبالكرام الكاتبين شهوداً، قال: فيُختَم على فيه"؛ أي: على فيه.

"فيقال لأركانه"؛ أي: لجوارحه.

"انطقي، فتنطق بأعماله": فتقول اليد: بي أخذت مال فلان وبطشت بفلان، والرجل: بي ذهبت إلى المعصية الفلانية، قال الله تعالى:{الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [يس: 65].

"ثم يخلَّى"؛ أي: العبد المختوم.

"بينه وبين الكلام"؛ أي: يرفع الختم عن فيه، فيقدر على التكلم.

"قال: فيقول، لجوارحه: "بعدًا لَكُنَّ وسحقًا": كلاهما بمعنى، منصوبان

ص: 43

على المصدرية، وجب حذف فعلهما؛ لكثرة الاستعمال.

"فعنكنَّ كنتُ أناضل": يقال: ناضلت عنك؛ أي رميت عنك وحاججت ودافعت وتكلمت بعذرك، وأصل المناضلة: المراماة بالسهام.

والمراد هنا: المحاجة بالكلام؛ يعني: كنت أجتهد وأخاصم مع الله في خلاصكنَّ من النار، فأنتن تشهدن، وتلقين أنفسكنَّ في النار.

* * *

4307 -

عن أبي هُريرَةَ رضي الله عنه قال: يا رسولَ الله! هلْ نرَى ربنا يومَ القِيامةِ؟ قال: "هلْ تُضَارُّونَ في رُؤْيةِ الشَّمْسِ في الظَّهيرَةِ ليسَتْ في سَحابَةٍ؟ " قالوا: لا، قالَ:"فهل تُضارُّونَ في رُؤْيَةِ القَمَرِ ليلةَ البَدْرِ ليسَ في سَحابَة؟ " قالوا: لا، قالَ:"فوالذي نَفْسِي بيدِه، لا تُضَارُّونَ في رُؤْيةِ ربكُمْ إلَّا كما تُضارُّونَ في رُؤْيةِ أَحَدِهما. قال: "فيَلقَى العَبْدَ فيقولُ: أيْ فُلْ! ألَمْ كرِمْكَ وأُسَوِّدْكَ وَأُزَوِّجْكَ وأُسخِّرْ لكَ الخَيْلَ والإبلَ وأدرْكَ تَرْأَسُ وتَرْبَعُ؟ فيقولُ: بلَى". قالَ: "فيقولُ: أفَظننْتَ أنَّكَ مُلاقِيَّ؟ فيقولُ: لا، فيقولُ: فإنِّي قدْ أَنْساكَ كما نسِيتَني، ثُمَّ يَلقَى الثَّانيَ، فَذَكَرَ مِثْلَه، ثُمَّ يَلقَى الثَّالثَ فيقولُ لهُ مثلَ ذلكَ، فيقولُ: يا رَبِّ! آمَنْتُ بكَ وبكتابكَ وبرُسُلِكَ، وصَلَّيْتُ وصُمْتُ وتَصَدَّقْتُ، ويُثني بخَيْر ما استَطاعَ، فيقولُ: ها هُنا إذًا، ثُمَّ يُقالُ: الآنَ نبعَثُ شاهِداً علَيكَ، ويتَفَكَّرُ في نفسِهِ: مَنْ ذا الذي يَشْهَدُ عليَّ؟ فيُختَمُ على فيهِ، ويُقالُ لفَخِذِه: انْطِقي، فتنطِقُ فخِذُهُ ولَحْمُهُ وعِظامُهُ بعَمَلِهِ، وذلكَ ليُعذَرَ مِنْ نَفْسِهِ، وذلكَ المُنافِقُ وذلك الذي سَخِطَ الله عَلَيهِ".

"عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قالوا: يا رسول الله! هل نرى ربنا يوم القيامة؟ قال: هل تُضارون": يروى بالتشديد والتخفيف من (الضر) و (الضير)،

ص: 44

وهما متقاربا المعنى؛ أي: لا تخالفون، ولا تجادلون.

"في رؤية الشمس"؛ لوضوحه وظهوره.

"في الظهيرة": نصف النهار.

"ليست في سحابة": جملة حالية.

وقيل: لا تَضارون بفتح التاء؛ أي: لا تظلمون؛ أي: لا تسترون في الرؤية؛ يعني: لا يلحقكم ضرر الازدحام لرؤيته عند النظر إليه.

"قالوا: لا، قال: فهل تضارون في رؤبة القمر ليلة البدر ليس في سحابة؟ قالوا: لا، قال: والذي نفسي بيده لا تضارون في رؤية ربكم إلا كما تضارون في رؤية أحدهما": وإنما قال صلى الله عليه وسلم ذلك تحقيقا لرؤيته، وهو تشبيه الرؤية بالرؤية لا تشبيه المرئي بالمرئي.

" قال: فيَلقَى"؛ أي: الرب.

"العبدَ، فيقول: أيْ فُل" بضم الفاء وسكون اللام، معناه: يا فلان! قيلْ هذا ليس ترخيمًا له؟ إذ لو كان ترخيمًا له لم تلحقه التاء في المؤنث نحو: يا فلة، ولم يحذف منه الألف.

"ألم أكرمك وأسوِّدك": من السيادة؛ أي: ألم أجعلك سيدًا؟

"وأزوجك، وأسخر لك الخيل والإبل، وأذرك"؛ أي: أتركك.

"ترأس"؛ أي: تكون رئيسهم.

"وتربع"؛ أي: تأخذ المرباع من أموالهم، وهو الربع من رأس مالٍ غنموه عند غزو بعضهم بعضًا، كان الرئيس في الجاهلية يأخذه دون أصحابه، والمِرْباع أيضًا: ناقة تحمل قبل الوقت.

"فيقول: بلى، قال: فيقول: أفظننتَ أنك مُلاقيَّ؟ فيقول: لا، فيقول:

ص: 45

فإني قد أنساكَ كما نسيتني، ثم يلقى الثاني، فذكر مثله، ثم يلقى الثالث، فيقول له مثل ذلك، فيقول: يا رب! آمنت بك وبكتابك وبرسلك، وصليت وصمت وتصدقت، ويثني"؛ أي: على الله.

"بخير ما استطاع، فيقول ها هنا"؛ أي: أثبت مكانك.

وإذاً": حتى تعرف أعمالك.

"ثم يقال: الآن نبعث شاهدًا عليك، ويتفكَّر"؛ أي: العبد.

"في نفسه من ذا الذي يشهد عليَّ، فيُختَم على فيه، ويقال لفخذه: انطقي، فينطق فخذه ولحمه وعظامه بعمله، وذلك"؛ أي: إنطاق أعضائه.

"ليُعذِرَ من نفسه": على بناء الفاعل من (الإعذار)؛ أي: ليزيل عذره من قبل نفسه بكثرة ذنوبه، وشهادة أعضائه عليه بحيث لم يبقَ له عذرٌ يتمسَّك به.

"وذلك المنافقُ، وذلك الذي سخط الله عليه".

* * *

مِنَ الحِسَان:

4308 -

عن أبي أُمامَةَ رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: "وَعَدَني ربي أنْ يُدْخِلَ الجَنَّةَ منْ أُمَّتي سَبْعينَ ألفًا لا حِسابَ عَلَيهمْ ولا عذابَ، معَ كُلِّ ألفٍ سَبْعونَ ألفاً، وثلاثُ حَثَياتٍ منْ حَثَياتِ ربي".

"من الحسان":

" عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: وعدني ربي أن يُدخِلَ الجنةَ من أمتي سبعين ألفًا": المراد منه الكثرة، لا العدد.

"لا حسابَ عليهم ولا عذابَ، مع كلِّ ألفٍ سبعون ألفًا، وثلاثَ": بالنصب عطفًا على (سبعين).

ص: 46

"حثيات": جمع حثية، وهي ملءُ الكف.

"من حثيات ربي": وهذا على وجه التمثيل والمبالغة في الكثرة بحيث يخفى على العادين تقديره وإحصاؤه؛ لأن حثيات الكريم لا تكون إلا كذلك، كما أن المأخوذ من التراب بالكف لا يُحصى ولا يعلم عدده، وإلا فلا كفَّ ثمةَ ولا حثيَ.

* * *

4309 -

عن أبي هُريرَةَ رضي الله عنه قال: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "يُعرَضُ النَّاسُ يَوْمَ القِيامةِ ثَلاثَ عَرَضاتٍ، فأمَّا عَرْضَتانِ فجدال ومَعاذيرُ، وأمَّا العَرْضَةُ الثَّالثةُ فعِنْدَ ذلكَ تَطَايَرُ الصُّحُفُ في الأَيْدِي فآخِذٌ بيَمينهِ وآخِذ بشِمالِهِ"، ضعيف.

"عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: يُعرَض الناس يوم القيامة ثلاثَ عرضات؛ فأما العرضتان فجدال": وهو عبارة عن دفع الذنوب عن الأنفس، لا سيما الكفار المنكرين لإبلاغ الرسل وتكذيبهم الأنبياء.

"ومعاذيرُ": جمع معذرة، وهي عبارة عن اعترافِ العبد بالذنوب والاعتذارِ عنها بالسهو والاضطرار ونحو ذلك.

"وأما العرضة الثالثة": فلقطعِ الخصومات، وإظهارِ الحق، وتقويةِ قول الأنبياء، وتأكيدِ شهادة الحفظة على صدق العبد أو كذبه.

"فعند ذلك تطاير": أصله تتطاير؛ أي: تتفرق.

"الصحف": جمع صحيفة، وهي المكتوب.

"في الأيدي، فآخذ بيمينه"؛ أي: بعضهم يأخذ كتابه بيمينه، وهم أهل السعادة.

ص: 47

"وآخذٌ بشماله"؛ أي: بعضهم يأخذ كتابه بشماله، وهم أهل الشقاوة.

"ضعيف".

* * *

4310 -

وقالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ الله يَسْتَخْلِصُ رَجُلاً منْ أُمَّتي على رُؤُوسِ الخَلائِقِ يَومَ القِيامَةِ، فيَنْشُر عليهِ تِسْعَةً وتسعينَ سِجلًا، كُلُّ سِجل مِثلُ مَدِّ البَصَرِ، ثُمَّ يقولُ: أتُنْكِرُ مِنْ هذا شَيْئاً؟ أَظَلَمَكَ كتَبَتي الحافِظونَ؟ فيقولُ: لا، يا رَبِّ! فيقولُ: أفلَكَ عُذر؟ قالَ: لا، يا رَبّ! فيقولُ: بَلَى، إنَّ لكَ عِنْدَنا حَسَنةً، وإنَّهُ لا ظُلْمَ عَلَيكَ اليَوْمَ، فتُخرَجُ بِطاقة فيها: أَشْهَدُ أنْ لا إلهَ إلَاّ الله وأنَّ مُحَمَّداً عبدُهُ ورسولُهُ، فيقولُ: احضُرْ وَزنَكَ، فيقولُ: يا رَب! ما هذهِ البطاقَةُ معَ هذهِ السجلاتُ؟ فيقولُ: إنَّكَ لا تُظلَمُ، قال: فتُوضَعَ السِّجلاتُ في كَفَّةٍ والبطاقَةُ في كَفةٍ، فطاشَتِ السِّجلاتُ وثَقُلتِ البطاقَةُ، فلا تثْقُلُ معَ اسم الله شَيْءٌ".

"وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله تعالى يستخلِصُ"؛ أي: يختار.

"رجلًا من أمتي على رؤوس الخلائق يوم القيامة، فينشر عليه تسعة وتسعين سِجلاً": وهو الكتاب الكبير.

"كل سِجل مثل مدِّ البصر": وهذا عبارة عما ينتهي إليه بصر الإنسان؛ يعني: كل كتاب منها طوله وعرضه مقدار ما يمتد إليه البصر.

"ثم يقول: أتنكر من هذا شيئًا؟ أظلمك كتبتي الحافظون؟ فيقول: لا يا رب، فيقول: أفلك عُذر؟ قال: لا يا رب، فيقول: بلى، أن لك عندنا حسنة، وإنه لا ظلمَ عليك اليوم، فتُخرَج بِطاقة" بكسر الباء الموحدة: رقعة صغيرة - وهي كلمة كثيرة الاستعمال في البلاد المصرية والشامية - يكتب فيها أمر

ص: 48

عظيم الخطب من أمور المملكة، وتُشدُّ بطاقةٍ من طاقات ريش الحمامة؛ لتذهب بها إلى الحاكم ببلدة من تلك البلاد؛ ليعلم ذلك الأمر، ويسعى في تدبيره.

"فيها: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا عبده ورسوله، فيقول"؛ أي: الله تعالى.

"احضر وزنك"؛ أي: الوزنَ الذي لك، أو وزنَ عملك.

"فيقول: يا رب! ما هذه البطاقة مع هذه السجلات؟ فيقول: إنك لا تظلم، قال: فتوضع السجلات في كِفَّة": بكسر الكاف وفتحها؛ أي: كفة الميزان.

"والبطاقة في كفة، فطاشت السجلات"؛ أي: خفت، والطيش: خفة العقل.

"وثقلت البطاقة، فلا يثقلُ مع اسم الله تعالى شيءٌ"؛ أي: لا يقاومه شيء من المعاصي، بل يترجَّح ذكر الله على سائر المعاصي.

فإن قيل: الأعمال أعراض لا يمكن وزنها إنما توزن الأجسام.

قلنا: إنما يوزن السجلُ الذي كُتِبَ فيه الأعمال.

أو أنه تعالى يخلق في كفة ميزان السعداء ثقلاً، وفي كفة ميزان الأشقياء خفة، وهي علامة السعادة والشقاوة.

والجوابان على قول من يجري الوزن والميزان على الظاهر، وهو مذهب أهل السنة، وأما من يحمله على المعنى؛ فيقول: إن الوزن في الأجسام علامةٌ يُعرَف بها الربح والخسران، وفي الأعم الذي الآخرة علامة تظهر بها السعادة والشقاوة، نحو بياض الوجوه وسوادها عند المعتزلة والفلاسفة.

* * *

4311 -

عن عائِشَةَ رضي الله عنها: أنَّها ذَكَرَت النَّارَ فَبَكَتْ، فقالَ

ص: 49