الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ريحانٌ" نبتٌ معروف "يجيء منه ريحُ المِسْك": فمن كان شأنه هذا، فكيف لا يسمع منه صلى الله عليه وسلم شيئاً.
"غريب".
* * *
7 - باب
(باب في بيان هجرة أصحابه من مكة)
4660 -
عَنِ البَراءَ رضي الله عنه قَالَ: أَوَّلُ منَ قَدِمَ عَلَيْنا مِن أَصحابِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم مُصعَبُ بن عُمَيْر وابن مَكْتومٍ، فَجَعلا يُقْرآنِنا القُرآنَ، ثُمَّ جاءَ عمّارٌ وبلالٌ وسَعْدٌ، ثُمَّ جاءَ عُمَرُ بنَ الخطابِ رضي الله تَعالى عنه في عِشْرِينَ، ثُمَّ جاءَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم، فَما رَأَيتُ أَهْلَ المَدينةِ فَرِحُوا بشيءٍ فَرَحَهُم بهِ، حتَّى رَأَيتُ الوَلائِدَ والصِّبيانَ يَقُولُونَ: هذا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم قَدْ جاءَ، فَما جاءَ حتَّى قَرَأْتُ:{سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} في سُورٍ مثلِها.
"من الصحاح":
" عن البراء قال: أولُ مَنْ قدم علينا"؛ أي: أول مَنْ جاء من مكة إلى المدينة "من أصحاب النبيِّ صلى الله عليه وسلم مصعبُ بن عُمير وابن أم مَكْتوم، فجعلا يُقْرآننا القرآن"؛ أي: يعلَّماننا القرآن.
"ثم جاء عمارٌ وبلال وسعدٌ، ثمَّ جاء عمر بن الخطّاب رضي الله عنهم في عشرين رجلًا، ثمَّ جاء النبي صلى الله عليه وسلم فما رأيتُ أهلَ المدينة فرِحوا بشيءٍ فرحَهم به حتى رأيت الولائدِ"، جمع الوليدة وهي الجارية الصغيرة، والذكر وليدٌ فعيلٌ بمعنى مفعول، وقد يطلق على الأَمَة وإن كانت كبيرة.
"والصبيان يقولون: هذا رسوُل الله صلى الله عليه وسلم قد جاء، فما جاء حتى قرأت"؛
أي: تعلَّمت، ذَكَرَ المسبَّب وأراد السبَبَ.
" {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} في سورة"؛ أي: مع سورة أخرج "مثلها" في المقدار، والحديث يُشعر. أن البراء كان من الأنصار، وأن القادمين عليهم كانوا من المهاجرين.
* * *
4661 -
عَنْ أَبي سَعِيْدٍ الخُدرِيِّ رضي الله عنه: أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم جَلَسَ على المِنْبرِ فَقالَ: "إنَّ عَبْدًا خيَّرهُ الله بينَ أنْ يُؤتيَهُ مِن زَهْرةِ الدُّنيا ما شاءَ وبينَ ما عندَهُ، فاختارَ ما عندَه"، فبَكَى أَبُو بَكرٍ رضي الله عنه قَالَ: فَدَيْناكَ بآبائِنا وأُمَّهاتِنا، فعَجبنا لهُ، وقال النّاسُ: انظرُوا إلى هَذا الشِّيخ، يُخبرُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عَنْ عَبدٍ خيَّرَهُ الله بيْنَ أنْ يُؤتِيَهُ مِن زَهْرةِ الدّنيا، وبَيْنَ ما عنْدَهُ، وهوَ يَقَولُ: فَدَيْناكَ بآبائِنا وأُمَّهاتِنا! فكانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم هوَ المُخَيَّرُ، وكانَ أبو بَكْرٍ رضي الله عنه أَعْلَمَنا.
"عن أبي سعيدٍ الخُدري رضي الله عنه: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم جلس على المنبر فقال: إنَّ عبدًا خيَّره الله تعالى بين أن يؤتيَه الله من زهرة الدنيا"؛ أي: من زينتها "ما شاء، وبين ما عنده، فاختار ما عنده، فبكى أبو بكر رضي الله عنه ": لما علم أن المخيَّر إنما هو رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، واختيارُه لمِا عند الله يُؤْذِن بالارتحال والانتقال.
"قال: فديناك بآبائنا وأمهاتنا، فعجبنا له، وقال الناس: انظروا إلى هذا الشيخ يخُبر رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن عبدٍ خيره الله بين أن يؤتَيه من زهرة الدنيا وبين ما عنده وهو يقول: فديناك بآبائنا وأمهاتنا": قال الراوي:
"فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المخير، وكان أبو بكر رضي الله عنه أعلمنا"؛ أي: أكثرُنا علمًا بأنَّ ذلك العبدَ المخيَّرَ هو رسولُ الله صلى الله عليه وسلم.
4662 -
عَنْ عُقْبةَ بن عامرٍ رضي الله عنه قَالَ: صلَّى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم على قَتلى أُحُدٍ بَعْد ثَمانِ سِنينَ كالمُودع للأحياءَ والأَمْواتِ، ثُمَّ طَلَعَ المِنْبرَ فقال:"إِنِّي بينَ أَيْديكُم فَرَطٌ، وأَنا عَلَيْكُم شَهيْدٌ، وإِنَّ مَوْعِدكُم الحَوضُ، وإنِّي لأَنظرُ إليهِ من مَقامِي هَذا، وإنِّي قَدْ أُعطِيتُ مفاتيحَ خَزائنِ الأَرضِ، وإنِّي لَسْتُ أخْشَى عليكُم أنْ تُشرِكُوا بَعْدِي، ولكنْ أَخْشَى عليْكُم الدنيا أنْ تَنافسُوا فيها". وزادَ بعضُهم: "فتَقْتَتِلُوا فتَهْلَكُوا كَما هَلَكَ مَن كانَ قبلَكم".
"عن عقبةَ بن عامر رضي الله عنه قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على قتلى أحد"؛ أي: استغفر لهم بأمر الله تعالى "بعد ثمان سنين"؛ يعني عند قرب انقضاء عُمُره صلى الله عليه وسلم "كالمودعِّ": اسم فاعل من التوديع "للأحياء والأموات"، وكان هذا وداعاً منه صلى الله عليه وسلم لهم، وإعلاماً بزيادة درجتهم بعد شهادتهم ببركة دعائه صلى الله عليه وسلم، وهذا يدل على أن الدعاء للميت ينفعه.
"ثمَّ طلع المنبر"؛ أي: عَلَاهُ، "فقال: إني بين أيديكم فَرَط"، وهو بالتحريك: من يتقدم الواردة فيهيئ ما يحتاج إليه الرُّفقة من الدِّلاء وإصلاح الحِياض؛ يعني: أنا سابقكم ومتقدِّمكم لأشفع لكم عند الله، "وأنا عليكم شهيدٌ"؛ أي: رقيبٌ وحفيظ.
"وإن موعدكم الحوض، وإني لأنظر إليه"؛ أي: إلى الحوض الموعود في المحشر "وأنا في مقامي هذا، وإني قد أُعطيت" - علي بناء المجهول - "مفاتيح خزائنِ الأرض"، وهذا إشارةٌ إلى ما فتح الله لأمته من الممالك واستباحوا خزائنَ ملوكها.
"وإني لست أخشى عليكم أن تُشركوا بعدي، ولكن أخشى عليكم الدُّنيا أن تَنافَسوا فيها"؛ أي: ترغبوا في الدنيا وتَميلوا إليها وزهراتهِا كلَّ الميل.
"وزاد بعضهم: فتقتلوا، فتهلَكوا كما هَلَك من كان قبلكم".
* * *
4663 -
وعن عائِشَةَ رضي الله عنها قالَتْ: إنَّ مِن نِعَم الله عَلَيَّ أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم تُوفِّيَ في بَيْتِي، وفِي يَوْمِي، وبينَ سَحري ونَحري، وأن الله جَمَعَ بينَ ريقي وريقِهِ عِنْدَ مَوتهِ، دَخَلَ عليَّ عبدُ الرَّحمنِ بن أبي بكرٍ وبيدِهِ سِواكٌ، وأَنا مُسْنِدةٌ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم، فرأيتُهُ يَنْظُرُ إِلَيه، فعَرَفْتُ أنهُ يُحِبُّ السِّواكَ، فَقُلتُ: آخُذُهُ لَكَ؟ فأَشارَ برأسِهِ أنْ نعمْ، فتَناولْتُهُ، فاشتَدَّ عَلَيهِ فَقلْتُ: أُلَينُه لكَ؟ فأَشارَ برأسِهِ: أن نعمْ، فلَيَّنته، فأَمَرَّهُ على أَسْنانِهِ، وبينَ يديْهِ رَكْوَةٌ فيها ماءٌ، فجعلَ يُدخِلُ يدَهُ في الماءَ فيَمسحُ بها وجْهَهُ ويَقُولُ:"لا إلهَ إلا الله، إنَّ للمَوتِ سَكَراتٍ"، ثُمَّ نَصَبَ يده فجعلَ يقولُ:"في الرَّفيقِ الأَعلَى"، حتَّى قُبضَ ومالَتْ يدُه.
"وعن عائشة رضي الله عنها قالت: إنَّ من نِعَم الله عليَّ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي في بيتي وفي يومي"، أي: في نَوبتي من القَسَم، "وبين سحري ونحري"، والسحر - بفتحتين وبضم السين ثمَّ السكون -: الرئة، تريد: ما حاذى الرئة من جسدها، وقيل: السحر ما لصق الحلقوم من أعلى البطن؛ أي: أنَّه صلى الله عليه وسلم توفي وهو مستندٌ إلى صدرها، وما يحاذي سحرها، والنحر: موضع القلادة من أعلى الصدر.
"وأن الله"، قيل: الصواب بفتح (أن) عطفًا على (أن) المفتوحة، "جمع بين ريقي وريقه عند موته"، ونُثبتُ جمعَه بين ريقهما بقولها:"دخل عليَّ عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنه وبيده سواك وأنا مُسندةٌ رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأيته"؛ أي: النبي صلى الله عليه وسلم "ينظر إليه"؛ أي: إلى السواك بيد عبد الرحمن، "وعرفت أنَّه يحب السواك"، أي: يريده، "فقلت: آخذه لك؛ فأشار برأسه: أن نعم": (أن) هذه مفسرة.
"فتناولتُه فاشتدَّ عليه"؛ أي: السواك على النبي صلى الله عليه وسلم لكونه يابسًا.
"فقلت: ألينه لك؟ فأشار برأسه: أن نعم، فلينته بريقي، فأمرَّهُ على أسنانه" - ماضٍ من الإمرار - "وبين يديه رَكوة فيها ماء، فجعل يُدخل يديه في الماء، فيمسح بهما وجهَه ويقول: لا إله إلا الله إنَّ للموت سَكَرات" - بالتحريك - جمع سكرة، وهي الشدة والمشقة.
"ثمَّ نَصَب يده فجعل يقول: في الرفيق الأعلى"، متعلق بمحذوف؛ أي: اجعلني في الرفيق الأعلى قال الأزهري: الرفيقُ هنا جماعة الأنبياء الساكنين أعلى علِّيين، وهو اسمٌ جاء على فعيلٍ، ومعناه الجماعة، يقع على الواحد والجمع؛ أي: اجعلني في أرواحهم الساكنات في حَظبرة القُدْس، أو: اجعلني في مكان الرفيق الأعلى، وأراد بالرفيق الأعلى: نفسَه، وبالمكان: المقام المحمود المخصوص به؛ أي: اجعلني ساكنًا فيه، "حتى قُبض ومالت يدُه".
* * *
4664 -
عَنْ عائِشَةَ رضي الله عنها قالَتْ، سَمِعْتُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:"ما مِن نبيِّ يمَرضُ إِلَّا خُيرَ بينَ الدُّنيا والآخرةِ"، وكانَ في شكواهُ التي قُبضَ بها أخذَتْهُ بُحَّةٌ شَدِيْدة، فسمعتُهُ يقولُ:"معَ الذينَ أَنْعمْتَ عليهم مِن النَّبيينَ والصِّدِّيقينَ والشُّهداءِ والصّالحينَ"، فعَلِمْتُ أَنَّه خُيرَ.
"عن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعتُ النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ما من نبيِّ يمرض إلا خُيرَ بين الدنيا والآخرة، وكان في شَكْواه"؛ أي: مرضه "الذي قبض فيه"؛ أي: مات "أخذته بحةٌ شديدة"، البحة - بضم الباء وتشديد الحاء -: غِلظة الصوت وخشونته، والمراد هنا: السُّعال.
"فسمعته يقول: مع الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء
والصالحين، فعلمتُ أنَّه خير"؛ أي: بين البقاء في الدنيا، وبين ما عند الله في الآخرة.
* * *
4665 -
عَنْ أَنسٍ رضي الله عنه قَالَ: لمّا ثَقُلَ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم جَعَلَ يتَغشّاهُ الكَربُ، فقالَتْ فاطِمَةُ رضي الله عنها: واكَربَ أَباه! فقالَ لها: "ليسَ على أَبيكِ كَربٌ بعدَ اليومِ"، فلمّا ماتَ قالَتْ: يا أَبَتاهُ! أجابَ ربًّا دَعاه، يا أبتاهُ! مَنْ جَنَّةُ الفِردَوسِ مأواهُ، يا أبتاهُ! إلى جِبْريلَ ننعاهُ، فلمّا دُفِنَ قالَتْ فاطِمَةُ: يا أَنسُ! أَطابَتْ أَنْفُسُكُم أنْ تَحثُوا على رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم التُّرابَ؟!.
"عن أنس رضي الله عنه قال: لما ثَقُل النبيُّ صلى الله عليه وسلم؛ أي: اشتد مرضه "جعل يتغشّاه الكَرب"؛ أي: يُغمى عليه من شدة المرض، "فقالت فاطمة: واكربَ أباه، فقال لها: ليس على أبيك كربٌ بعد اليوم"؛ أي: لا يُصيبه بعد اليوم نَصَبٌ ولا وَصَبٌ يجدُ له ألماً إذا أفضى إلى الدار الآخرة والسلامة الدائمة.
"فلما مات قالت: يا أبتاه! ": أصله: (يا أبي) فالتاء أبدلت من الياء، والألف للندبة، والهاء للسَّكت، "أجاب ربًّا دعاه"؛ أي: إلى الآخرة؛ أي: اختار الدار الآخرة على الدنيا.
"يا أبتاه! من جنة الفردوس مأواه"؛ أي: موضع قراره.
"يا أبتاه! إلى جبريل ننعاه"؛ أي: نُظهر خبر موته صلى الله عليه وسلم.
"فلمّا دفن قالت فاطمة: يا أنسُ أطابت أنفسُكم أن تحَثُوا على رسول الله - التراب".
مِنَ الحِسَان:
4666 -
عَنْ أَنسٍ رضي الله عنه قَالَ: لمّا قَدِمَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم المَدينةَ لَعِبَتْ الحَبَشَةُ بحرابهم فرحًا لِقُدومِه.
"من الحسان":
" عن أنس رضي الله عنه: لما قدم رسولُ الله المدينة لَعِبت الحبشةُ بحرابهم": - جمع حربة - "فرحًا لقدومه".
* * *
4667 -
وقالَ: ما رَأيتُ يَومًا كانَ أحسنَ ولا أَضْوَأَ مِن يَومٍ دَخَلَ عَلَيْنا فيهِ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم، وما رَأيتُ يَومًا كانَ أَقْبَحَ ولا أَظلَم مِن يَومٍ ماتَ فيهِ.
"وقال: ما رأيتُ يومًا كان أحسنَ ولا أضوءَ من يوم دخل علينا فيه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، وما رأيت يومًا كان أقبحَ ولا أظلمَ من يوم مات فيه".
* * *
4668 -
وَقال: لمّا كانَ اليَومُ الَّذي دَخَلَ فيهِ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم المَدينةَ أضاءَ مِنها كُلُّ شَيءٍ، فلمّا كانَ اليَومُ الَّذي ماتَ فيهِ أَظْلمَ مِنها كُلُّ شَيءٍ، وما نفضْنا أَيْدِينا مِنَ التُّرابِ وإنَّا لَفِي دفنِهِ حتَّى أَنْكَرنا قُلوبنا. "وقال: لما كان اليومُ الذي دخل فيه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم المدينة أضاء منها كلُّ شيءٍ، فلما كان اليوم الذي مات فيه أظلمَ منها كلُّ شيءٍ، وما نفضنا أيدينا من التراب، وإنّا لَفي دفنه حتى أنكرنا قلوبنا"؛ يعني: ما وجدناها بعد وفاته صلى الله عليه وسلم على ما كانت عليه في حياته من الصفاء والرِّقة والألفة لانقطاع الوحي السماوي، والمفارقة عن صحبته التي هي مُوجبة للسعادات الأبدية؛ لأنهم لم يجدوها على ما كانت عليه من التصديق.