الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الصَّالِحِ أَيُّوبَ بِبِلَادِ الْجَزِيرَةِ، فَأَمْضَى الْأُمَرَاءُ ذَلِكَ، فَأَمَّا دِمَشْقُ فَاخْتَلَفَ الْأُمَرَاءُ بِهَا فِي الْمَلِكِ النَّاصِرِ دَاوُدَ بْنِ الْمُعَظَّمِ، وَالْمَلِكِ الْجَوَادِ مُظَفَّرِ الدِّينِ يُونُسَ بْنِ مَوْدُودِ بْنِ الْمَلِكِ الْعَادِلِ، فكان ميل عماد الدين ابن الشَّيْخِ إِلَى الْجَوَادِ، وَآخَرُونَ إِلَى النَّاصِرِ، وَكَانَ نَازِلًا بِدَارِ أُسَامَةَ، فَانْتَظَمَ أَمْرُ الْجَوَادِ وَجَاءَتِ الرِّسَالَةُ إِلَى النَّاصِرِ أَنِ اخْرُجْ مِنَ الْبَلَدِ، فركب من دار أسامة والعامة وراءه إِلَى الْقَلْعَةِ لَا يَشُكُّونَ فِي وِلَايَتِهِ الْمُلْكَ، فَسَلَكَ نَحْوَ الْقَلْعَةِ فَلَمَّا جَاوَزَ الْعِمَادِيَّةَ عَطَفَ بِرَأْسِ فَرَسِهِ نَحْوَ بَابِ الْفَرَجِ، فَصَرَخَتِ الْعَامَّةُ: لَا لَا لَا، فَسَارَ حَتَّى نَزَلَ الْقَابُونَ عِنْدَ وَطْأَةِ بَرْزَةَ.
فَعَزَمَ بَعْضُ الْأُمَرَاءِ الْأَشْرَفِيَّةِ عَلَى مَسْكِهِ، فَسَاقَ فَبَاتَ بِقَصْرِ أُمِّ حَكِيمٍ، وَسَاقُوا وَرَاءَهُ فَتَقَدَّمَ إِلَى عَجْلُونَ فَتَحَصَّنَ بِهَا وَأَمِنَ.
وَأَمَّا الْجَوَادُ فَإِنَّهُ رَكِبَ فِي أُبَّهَةِ الْمُلْكِ وَأَنْفَقَ الْأَمْوَالَ وَالْخِلَعَ عَلَى الْأُمَرَاءِ قَالَ السِّبْطُ: فَرَّقَ سِتَّةَ آلَافِ أَلْفِ دِينَارٍ وَخَمْسَةَ آلَافِ خِلْعَةٍ، وَأَبْطَلَ الْمُكُوسَ وَالْخُمُورَ، وَنَفَى الْخَوَاطِئَ وَاسْتَقَرَّ مُلْكُهُ بِدِمَشْقَ، وَاجْتَمَعَ عَلَيْهِ الْأُمَرَاءُ الشَّامِيُّونَ وَالْمِصْرِيُّونَ، وَرَحَلَ النَّاصِرُ دَاوُدُ مِنْ عَجْلُونَ نَحْوَ غَزَّةَ وَبِلَادِ
السَّاحِلِ فَاسْتَحْوَذَ عَلَيْهَا، فَرَكِبَ الْجَوَادُ فِي طَلَبِهِ وَمَعَهُ الْعَسَاكِرُ الشَّامِيَّةُ وَالْمِصْرِيَّةُ، وَقَالَ لِلْأَشْرَفِيَّةِ كَاتِبُوهُ وَأَطْمِعُوهُ، فَلَمَّا وَصَلَتْ إِلَيْهِ كُتُبُهُمْ طَمِعَ فِي مُوَافَقَتِهِمْ، فَرَجَعَ فِي سَبْعِمِائَةِ رَاكِبٍ إِلَى نَابُلُسَ، فَقَصَدَهُ الْجَوَادُ وَهُوَ نَازِلٌ عَلَى جيتين، وَالنَّاصِرُ عَلَى سَبَسْطِيَةَ، فَهَرَبَ مِنْهُ النَّاصِرُ فَاسْتَحْوَذُوا عَلَى حَوَاصِلِهِ وَأَثْقَالِهِ، فَاسْتَغْنَوْا بِهَا وَافْتَقَرَ بِسَبَبِهَا فَقْرًا مُدْقِعًا، وَرَجَعَ النَّاصِرُ إِلَى الْكَرَكِ جَرِيدَةً قَدْ سُلِبَ أَمْوَالَهُ وَأَثْقَالَهُ، وَعَادَ الْجَوَادُ إِلَى دِمَشْقَ مُؤَيَّدًا مَنْصُورًا.
وَفِيهَا اخْتَلَفَتِ الْخُوَارَزْمِيَّةُ عَلَى الْمَلِكِ الصَّالِحِ نَجْمِ الدِّينِ أَيُّوبَ بْنِ الْكَامِلِ صَاحِبِ كَيْفَا، وَتِلْكَ النَّوَاحِي، وَعَزَمُوا عَلَى الْقَبْضِ عَلَيْهِ، فَهَرَبَ مِنْهُمْ وَنَهَبُوا أَمْوَالَهُ وَأَثْقَالَهُ، وَلَجَأَ إِلَى سِنْجَارَ فَقَصَدَهُ بَدْرُ الدِّينِ لُؤْلُؤٌ صَاحِبُ الْمَوْصِلِ لِيُحَاصِرَهُ وَيَأْخُذَهُ فِي قَفَصٍ إِلَى الْخَلِيفَةِ، وكان أهل تلك الناحية يكرهون مجاورته لتكبره وَقُوَّةِ سَطْوَتِهِ، فَلَمْ يَبْقَ إِلَى أَخْذِهِ إِلَّا القليل، فكاتب الخوارزمية واستنجد بهم وَوَعَدَهُمْ بِأَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ، فَقَدِمُوا إِلَيْهِ جَرَائِدَ لِيَمْنَعُوهُ مِنَ الْبَدْرِ لُؤْلُؤٍ، فَلَمَّا أَحَسَّ بِهِمْ لُؤْلُؤٌ هَرَبَ مِنْهُمْ فَاسْتَحْوَذُوا عَلَى أَمْوَالِهِ وَأَثْقَالِهِ، فَوَجَدُوا فِيهَا شَيْئًا كَثِيرًا لَا يُحَدُّ وَلَا يُوصَفُ، وَرَجَعَ إِلَى بَلَدِهِ الْمَوْصِلِ جَرِيدَةً خَائِبًا، وَسَلِمَ الصَّالِحُ أَيُّوبُ مِمَّا كَانَ فِيهِ مِنَ الشِّدَّةِ.
وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا
مِنَ الْأَعْيَانِ: مُحَمَّدُ بْنُ زيد ابن يَاسِينَ الْخَطِيبُ جَمَالُ الدِّينِ الدَّوْلَعِيُّ، نِسْبَةً إِلَى قرية بأصل الْمَوْصِلِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ عِنْدَ تَرْجَمَةِ عَمِّهِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ يَاسِينَ الْخَطِيبِ بِدِمَشْقَ أَيْضًا، وَكَانَ مُدَرِّسًا بِالْغَزَّالِيَّةِ مَعَ الْخَطَابَةِ،
وقد منعه المعظم في وقت عن الإفتاء، فَعَاتَبَهُ السِّبْطُ فِي ذَلِكَ، فَاعْتَذَرَ بِأَنَّ شُيُوخَ بَلَدِهِ هُمُ الَّذِينَ أَشَارُوا عَلَيْهِ بِذَلِكَ، لِكَثْرَةِ خطئه فِي فَتَاوِيهِ، وَقَدْ كَانَ شَدِيدَ الْمُوَاظَبَةِ عَلَى الوظيفة حتَّى كاد أن لا يُفَارِقُ بَيْتَ الْخَطَابَةِ، وَلَمْ يَحُجَّ قَطُّ مَعَ أنه كانت له أموال جزيلة، وقف مدرسة بجيرون وسبعاً في الجامع.
ولما توفي ودفن بمدرسته التي بجيرون وَلِيَ الْخَطَابَةَ بَعْدَهُ أَخٌ لَهُ وَكَانَ جَاهِلًا، وَلَمْ يَسْتَقِرَّ فِيهَا وَتَوَلَّاهَا الْكَمَالُ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ هِبَةِ اللَّهِ بْنِ طَلْحَةَ النصيبي، وولي تدريس الغزالية الشيخ عبد
العزيز بن عبد السلام.
محمد بن هبة الله بن جميل الشَّيْخُ أَبُو نَصْرِ بْنُ الشِّيرَازِيِّ، وُلِدَ سَنَةَ تِسْعٍ وَأَرْبَعِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ، وَسَمِعَ الْكَثِيرَ عَلَى الْحَافِظِ ابن عَسَاكِرَ وَغَيْرِهِ، وَاشْتَغَلَ فِي الْفِقْهِ وَأَفْتَى وَدَرَّسَ بِالشَّامِيَّةِ الْبَرَّانِيَّةِ، وَنَابَ فِي الْحُكْمِ عِدَّةَ سِنِينَ، وكان فقيهاً عالماً فاضلاً ذكياً حَسَنَ الْأَخْلَاقِ عَارِفًا بِالْأَخْبَارِ وَأَيَّامِ الْعَرَبِ وَالْأَشْعَارِ، كريم الطباع حميد الآثار، وكانت وفاته يوم الخميس الثالث من جُمَادَى الْآخِرَةِ، وَدُفِنَ بِقَاسِيُونَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى.
القاضي شمس الدين يحيى بن بركات ابن هبة الله بن الحسن الدمشقي قاضيها بن سنا الدولة، كَانَ عَالِمًا عَفِيفًا فَاضِلًا عَادِلًا مُنْصِفًا نَزِهًا كَانَ الْمَلِكُ الْأَشْرَفُ يَقُولُ: مَا وَلِيَ دِمَشْقَ مثله، وقد ولي الحكم ببلده المقدس وَنَابَ بِدِمَشْقَ عَنِ الْقُضَاةِ، ثُمَّ اسْتَقَلَّ بِالْحُكْمِ، وكانت وفاته يوم الأحد السادس في الْقِعْدَةِ، وَصُلِّيَ عَلَيْهِ بِالْجَامِعِ وَدُفِنَ بِقَاسِيُونَ، وَتَأَسَّفَ الناس عليه رحمه الله تعالى.
وتوفي بعده: الشيخ شمس الدين بن الحوبي الْقَاضِي زَيْنُ الدِّينِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُلْوَانَ الْأَسَدِيُّ، عُرِفَ بِابْنِ الْأُسْتَاذِ الْحَلَبِيِّ قَاضِيهَا بَعْدَ بَهَاءِ الدين بن شداد، وكان رئيساً عالماً عارفاً فَاضِلًا، حَسَنَ الْخُلُقِ وَالسَّمْتِ، وَكَانَ أَبُوهُ مِنَ الصَّالِحِينَ الْكِبَارِ رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى.
الشَّيْخُ الصَّالِحُ الْمُعَمِّرُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْعُودِ بْنِ بَهْرُوزٍ الْبَغْدَادِيُّ، ظَهَرَ سَمَاعُهُ مِنْ أَبِي الْوَقْتِ فِي سَنَةِ خَمْسَ عَشْرَةَ وَسِتِّمِائَةٍ فَانْثَالَ النَّاسُ عَلَيْهِ يَسْمَعُونَ مِنْهُ، وَتَفَرَّدَ بِالرِّوَايَةِ عَنْهُ فِي الدُّنْيَا بَعْدَ الزَّبِيدِيِّ وَغَيْرِهِ، تُوُفِّيَ لَيْلَةَ السَّبْتِ التَّاسِعَ وَالْعِشْرِينَ مِنْ شَعْبَانَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى.