الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْخَلِيفَةُ عَلَيْهِ حُزْنًا عَظِيمًا، وَكَذَلِكَ الْخَاصَّةُ وَالْعَامَّةُ لكثرة صدقاته وإحسانه إلى الناس، حتى قيل إنه لم يَبْقَ بَيْتٌ بِبَغْدَادَ إِلَّا حَزِنُوا عَلَيْهِ، وَكَانَ يَوْمُ جَنَازَتِهِ يَوْمًا مَشْهُودًا وَنَاحَ أَهْلُ الْبَلَدِ عَلَيْهِ لَيْلًا وَنَهَارًا، وَدُفِنَ عِنْدَ جَدَّتِهِ بِالْقُرْبِ من قبر معروف (1) ، توفي يَوْمَ الْجُمُعَةِ الْعِشْرِينَ مِنْ ذِي الْقِعْدَةِ وَصُلِّيَ عليه بعد صلاة العصر، وفي هذا اليوم قدم بغداد بِرَأْسِ مَنْكَلِيٍّ الَّذِي كَانَ قَدْ عَصَى (2) عَلَى الخليفة وعلى أستاذه، فطيف به ولم يتم فرحه ذلك اليوم لموت ولده وولي عهده، وَالدُّنْيَا لَا تَسُرُّ بِقَدْرِ مَا تَضُرُّ، وَتَرَكَ ولدين أحدهما المؤيد أبو عبد الله الحسين، والموفق أبو الفضل يحيى.
وفيها توفي
من الأعيان: الحافظ عبد القادر الرهاوي ابن عَبْدُ الْقَادِرِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرحمن أبو محمد الحافظ الْمُحَدِّثُ الْمُخَرِّجُ الْمُفِيدُ الْمُحَرِّرُ الْمُتْقِنُ الْبَارِعُ الْمُصَنِّفُ، كان مولى لبعض المواصلة، وقيل لبعض الجوابين، اشْتَغَلَ بِدَارِ الْحَدِيثِ بِالْمَوْصِلِ، ثُمَّ انْتَقَلَ إِلَى حَرَّانَ، وَقَدْ رَحَلَ إِلَى بُلْدَانٍ شَتَّى، وَسَمِعَ الكثير من المشايخ، وأقام بحرّان إلى أن توفي بها، وَكَانَ مَوْلِدُهُ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ، كان ديناً صالحاً رحمه الله.
الْوَجِيهُ الْأَعْمَى أَبُو بَكْرٍ الْمُبَارَكُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الدَّهَّانِ النَّحْوِيُّ الْوَاسِطِيُّ الْمُلَقَّبُ بِالْوَجِيهِ، وُلِدَ بواسط وقدم بغداد فاشتغل بعلم العربية، فأتقن ذلك وحفظ شيئاً مِنْ أَشْعَارِ الْعَرَبِ، وَسَمِعَ الْحَدِيثَ وَكَانَ حَنْبَلِيًّا ثم انتقل إِلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ، ثُمَّ صَارَ شَافِعِيًّا، وَوَلِيَ تَدْرِيسَ النَّحْوِ بِالنِّظَامِيَّةِ، وَفِيهِ يَقُولُ الشَّاعِرُ (3) : فمن مُبْلِغٌ عَنِّي الْوَجِيهَ رِسَالَةً * وَإِنْ كَانَ لَا تجدي إليه الرسائل (4) تمذهبت للنعمان بعد ابن حنبل * وذلك لما أعوزتك المآكل وما أخذت برأي الشافعي ديانة (5) * ولكنما تهوى الذي هو حاصل
(1) أي معروف الكرخي.
(2)
منكلي وهو صاحب همذان وأصفهان والري وما بينهما من البلاد، قتل في مدينة ساوة وأرسل رأسه إلى الخليفة
ببغداد.
(3)
وهو أبو البركات بن زيد التكريتي، وقد تقدمت وفاته، والابيات.
(4)
في ابن الاثير: لديه الرسائل.
(5)
في الوافي 2 / 116 وابن الاثير 12 / 312: وما اخترت رأي الشافعي تدينا.
(*)
وَعَمَّا قَلِيلٍ أَنْتَ لَا شَكَّ صَائِرٌ * إِلَى مالك فانظر (1) إلى ما أنت قائل وَكَانَ يَحْفَظُ شَيْئًا كَثِيرًا مِنَ الْحِكَايَاتِ وَالْأَمْثَالِ وَالْمُلَحِ، وَيَعْرِفُ الْعَرَبِيَّةَ وَالتُّرْكِيَّةَ وَالْعَجَمِيَّةَ وَالرُّومِيَّةَ وَالْحَبَشِيَّةَ وَالزِّنْجِيَّةَ، وَكَانَتْ لَهُ يَدٌ طُولَى فِي نَظْمِ الشعر.
فمن ذلك قوله: ولو وقفت فِي لُجَّةِ الْبَحْرِ قطرةٌ * مِنَ الْمُزْنِ يَوْمًا ثم شاء لما زها وَلَوْ مَلَكَ الدُّنْيَا فَأَضْحَى مُلُوكُهَا * عَبِيدًا لَهُ في الشرق والغرب مازها وله في التجنيس: أَطَلْتَ مَلَامِي فِي اجْتِنَابِي لِمَعْشَرٍ * طَغَامٍ لِئَامٍ جودهم غير مرتجى حَمَوْا مَا لَهُمْ وَالدِّينُ وَالْعِرْضُ مِنْهُمُ * مُبَاحٌ، فما يخشون من عاب أو هَجَا إِذَا شَرَعَ الْأَجْوَادُ فِي الْجُودِ مَنْهَجًا * لَهُمْ شَرَعُوا فِي الْبُخْلِ سَبْعِينَ مَنْهَجَا وَلَهُ مدائح حسنة وأشعار رائقة ومعان فائقة، وربما عرض شِعْرَ الْبُحْتُرِيِّ بِمَا يُقَارِبُهُ وَيُدَانِيهِ، قَالُوا وَكَانَ الْوَجِيهُ لَا يَغْضَبُ قَطُّ، فَتَرَاهَنَ جَمَاعَةٌ مَعَ واحد أنه إن أغضبه كان له كذا وكذا، فَجَاءَ إِلَيْهِ فَسَأَلَهُ عَنْ مَسْأَلَةٍ فِي الْعَرَبِيَّةِ فأجابه فيها بالجواب، فَقَالَ لَهُ السَّائِلُ: أَخْطَأْتَ أَيُّهَا الشَّيْخُ، فَأَعَادَ عليه الجواب بعبارة أخرى، فقال: كذبت وما أراك إلا قد نسيت النحو، فقال الْوَجِيهُ: أَيُّهَا الرَّجُلُ فَلَعَلَّكَ لَمْ تَفْهَمْ مَا أقول لك، فقال بلى ولكنك تخطئ في الجواب، فقال له: فقل أنت ما عندك لنستفيد مِنْكَ، فَأَغْلَظَ لَهُ السَّائِلُ فِي الْقَوْلِ فَتَبَسَّمَ ضاحكاً وقال له: إن كنت راهنت فقد غلبت، وإنما مثلك مثل البعوضة - يَعْنِي النَّامُوسَةَ - سَقَطَتْ عَلَى ظَهْرِ الْفِيلِ، فَلَمَّا أَرَادَتْ أَنْ تَطِيرَ قَالَتْ لَهُ اسْتَمْسِكْ فَإِنِّي أحب أَنْ أَطِيرَ، فَقَالَ لَهَا الْفِيلُ: مَا أَحْسَسْتُ بك حين سقطت، فَمَا أَحْتَاجُ أَنْ
أَسْتَمْسِكَ إِذَا طِرْتِ، كَانَتْ وفاته رحمه الله في شعبان منها ودفن بالوردية (2) .
أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي الْمَعَالِي ابن غنيمة الْمَعْرُوفُ بِابْنِ مَنِينَا، وُلِدَ سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ وخمسمائة وسمع الكثير وأسمعه، توفي في ذي الحجة منها عن سبع وتسعين سنة.
الشيخ الفقه كمال الدين مودود ابن الشَّاغُورِيِّ الشَّافِعِيُّ كَانَ يُقْرِئُ بِالْجَامِعِ الْأُمَوِيِّ الْفِقْهَ وشرح التنبيه للطلبة، ويتأنى
(1) في الوافي: فافطن لما أنت.
وفي ابن خلكان: فافطن لما أنا (انظر ابن الاثير وتاريخ أبي الفداء) .
(2)
الوردية: مقبرة بغداد بعد باب أبرز من الجانب الشرقي قريبة من باب الظفرية (ياقوت) .
(*)