الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْحَرْبِ بَيْنَهُمْ عَشْرَ سِنِينَ فَأَجَابَهُ إِلَى ذَلِكَ، وَأَرْسَلَ إِلَيْهِ الْإِسْمَاعِيلِيَّةُ يَسْتَعْطِفُونَهُ عَلَى وَالِدِهِمْ، وَكَانَ مَسْجُونًا بِالْقَاهِرَةِ، فَقَالَ: سَلِّمُوا إِلَيَّ الْعُلَّيْقَةَ وَانْزِلُوا فَخُذُوا إِقْطَاعَاتٍ بِالْقَاهِرَةِ، وَتَسَلَّمُوا أَبَاكُمْ.
فَلَمَّا نَزَلُوا أَمَرَ بِحَبْسِهِمْ بِالْقَاهِرَةِ وَاسْتَنَابَ بِحِصْنِ الْعُلَّيْقَةِ (1) .
وَفِي يَوْمِ الْأَحَدِ الثَّانِي عَشَرَ (2) مِنْ شَوَّالٍ جَاءَ سَيْلٌ عَظِيمٌ إِلَى دِمَشْقَ فَأَتْلَفَ شَيْئًا كَثِيرًا، وَغَرِقَ بِسَبَبِهِ نَاسٌ كَثِيرٌ، لَا سِيَّمَا الْحُجَّاجُ مِنَ الرُّومِ الَّذِينَ كَانُوا نُزُولًا بَيْنَ النَّهْرَيْنِ، أَخَذَهُمُ السَّيْلُ وَجِمَالَهُمْ وَأَحْمَالَهُمْ، فَهَلَكُوا وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ البلد، ودخل الماء إلى البلد من مراقي السُّورِ، وَمِنْ بَابِ الْفَرَادِيسِ فَغَرَّقَ خَانَ ابْنِ الْمُقَدَّمِ وَأَتْلَفَ شَيْئًا كَثِيرًا، وَكَانَ ذَلِكَ فِي زمن الصيف في أَيَّامَ الْمِشْمِشِ، وَدَخَلَ السُّلْطَانُ إِلَى دِمَشْقَ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ خَامِسَ عَشَرَ شَوَّالٍ فَعَزَلَ الْقَاضِي ابْنَ خَلِّكَانَ، وَكَانَ لَهُ فِي الْقَضَاءِ عَشْرُ سِنِينَ، وَوَلَّى الْقَاضِي عِزَّ الدِّينِ بْنَ الصَّائِغِ، وَخَلَعَ عَلَيْهِ، وَكَانَ تَقْلِيدُهُ قَدْ كُتِبَ بِظَاهِرِ طَرَابُلُسَ بِسِفَارَةِ الْوَزِيرِ ابْنِ الْحِنَّا، فَسَارَ ابْنُ خَلِّكَانَ في ذي القعدة إلى مصر.
وفي ثاني عشر شوال دخل حصن الْكُرْدِيُّ شَيْخُ السُّلْطَانِ الْمَلِكِ الظَّاهِرِ وَأَصْحَابُهُ إِلَى كَنِيسَةِ الْيَهُودِ فَصَلَّوْا فِيهَا وَأَزَالُوا مَا فِيهَا مِنْ شَعَائِرِ الْيَهُودِ، وَمَدُّوا فِيهَا سِمَاطًا وَعَمِلُوا سَمَاعًا، وَبَقَوْا عَلَى ذَلِكَ أَيَّامًا، ثُمَّ أُعِيدَتْ إِلَى الْيَهُودِ، ثُمَّ خَرَجَ السُّلْطَانُ إِلَى السَّوَاحِلِ فَافْتَتَحَ بَعْضَهَا وَأَشْرَفَ عَلَى عَكَّا وَتَأَمَّلَهَا ثُمَّ سار إلى الديار المصرية، وكان مقدار غَرِمَهُ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ وَفِي الْغَزَوَاتِ قَرِيبًا مِنْ ثَمَانِمِائَةِ أَلْفِ دِينَارٍ، وَأَخْلَفَهَا اللَّهُ عَلَيْهِ، وكان وُصُولُهُ إِلَى الْقَاهِرَةِ يَوْمَ الْخَمِيسِ ثَالِثَ عَشَرَ ذِي الْحِجَّةِ.
وَفِي الْيَوْمِ السَّابِعَ عَشَرَ مِنْ وُصُولِهِ أَمْسَكَ عَلَى جَمَاعَةٍ مِنَ الْأُمَرَاءِ مِنْهُمُ الْحَلَبِيُّ وَغَيْرُهُ بَلَغَهُ أَنَّهُمْ أَرَادُوا مَسْكَهُ عَلَى الشَّقِيفِ.
وَفِي الْيَوْمِ السَّابِعَ عَشَرَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ أَمَرَ بِإِرَاقَةِ الْخُمُورِ مِنْ سَائِرِ بِلَادِهِ وَتَهَدَّدَ مَنْ يَعْصِرُهَا أَوْ يَعْتَصِرُهَا بِالْقَتْلِ، وَأَسْقَطَ ضَمَانَ ذَلِكَ، وَكَانَ ذَلِكَ بِالْقَاهِرَةِ وَحْدَهَا كُلُّ يَوْمٍ ضَمَانُهُ أَلْفُ دِينَارٍ،
ثُمَّ سَارَتِ الْبُرُدُ بِذَلِكَ إِلَى الْآفَاقِ.
وَفِيهَا قَبَضَ السُّلْطَانُ عَلَى الْعَزِيزِ بْنِ الْمُغِيثِ صَاحِبِ الْكَرَكِ، وَعَلَى جَمَاعَةٍ من أصحابه كانوا عزموا على سلطنته.
وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا
مِنَ الْأَعْيَانِ: الْمَلِكُ تَقِيُّ الدِّينِ عَبَّاسُ بْنُ الْمَلِكِ الْعَادِلِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَيُّوبَ بْنِ شَادِي، وَهُوَ آخِرُ مَنْ بَقِيَ مِنْ أَوْلَادِ الْعَادِلِ، وَقَدْ سَمِعَ الْحَدِيثَ مِنَ الْكِنْدِيِّ وَابْنِ الْحَرَسْتَانِيِّ، وَكَانَ مُحْتَرَمًا عِنْدَ الْمُلُوكِ لَا يُرْفَعُ عَلَيْهِ أَحَدٌ فِي الْمَجَالِسِ والمواكب، وكان
(1) في اليونيني 2 / 473 وأبو شامة 81: القليعة.
(2)
في الروض الزاهر: ص 384: تاسع شوال.
(*)
لَيِّنَ الْأَخْلَاقِ حَسَنَ الْعِشْرَةِ، لَا تَمَلُّ مُجَالَسَتَهُ.
تُوُفِّيَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ الثَّانِي وَالْعِشْرِينَ مِنْ جُمَادَى الْآخِرَةِ بِدَرْبِ الرَّيْحَانِ، وَدُفِنَ بِتُرْبَتِهِ بِسَفْحِ قَاسِيُونَ.
قَاضِي الْقُضَاةِ شَرَفُ الدِّينِ أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَالِحِ بْنِ عِيسَى السُّبْكِيُّ الْمَالِكِيُّ، وُلِدَ سَنَةَ خَمْسٍ وَثَمَانِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ، وسمع الحديث وتفقه وأفتى بالصلاحية، وَوَلِيَ حِسْبَةَ الْقَاهِرَةِ ثُمَّ وَلِيَ الْقَضَاءَ سَنَةَ ثلاث وَسِتِّينَ، لَمَّا وَلَّوْا مِنْ كُلِّ مَذْهَبٍ قَاضِيًا، وَقَدِ امْتَنَعَ أَشَدَّ الِامْتِنَاعِ ثُمَّ أَجَابَ بَعْدَ إكراه بشرط أَنْ لَا يَأْخُذَ عَلَى الْقَضَاءِ جَامَكِيَّةَ، وَكَانَ مَشْهُورًا بِالْعِلْمِ وَالدِّينِ، رَوَى عَنْهُ الْقَاضِي بَدْرُ الدين ابن جَمَاعَةَ وَغَيْرُهُ تُوُفِّيَ لِخَمْسٍ بَقِينَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ.
الطَّوَاشِيُّ شُجَاعُ الدِّينِ مُرْشِدٌ الْمُظَفَّرِيُّ الْحَمَوِيُّ كَانَ شُجَاعًا بَطَلًا مِنَ الْأَبْطَالِ الشُّجْعَانِ، وَكَانَ له رأي سديد، كان أُسْتَاذُهُ لَا يُخَالِفُهُ، وَكَذَلِكَ الْمَلِكُ الظَّاهِرُ، تُوُفِّيَ بِحَمَاةَ وَدُفِنَ بِتُرْبَتِهِ بِالْقُرْبِ مِنْ مَدْرَسَتِهِ بِحَمَاةَ.
ابْنُ سَبْعِينَ: عَبْدُ الْحَقِّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ محمد ابن نَصْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ نَصْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بن قُطْبُ الدِّينِ أَبُو مُحَمَّدٍ الْمَقْدِسِيُّ الرُّقُوطِيُّ، نِسْبَةً إِلَى
رُقُوطَةَ بَلْدَةٍ قَرِيبَةٍ مِنْ مُرْسِيَةَ، وُلِدَ سَنَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ وَسِتِّمِائَةٍ، وَاشْتَغَلَ بِعِلْمِ الْأَوَائِلِ وَالْفَلْسَفَةِ، فَتَوَلَّدَ لَهُ مِنْ ذَلِكَ نَوْعٌ مِنَ الإلحاد، وصنف فيه، وكان يعرف السيميا (1) ، وكان يُلَبِّسُ بِذَلِكَ عَلَى الْأَغْبِيَاءِ مِنَ الْأُمَرَاءِ وَالْأَغْنِيَاءِ، وَيَزْعُمُ أَنَّهُ حَالٌ مِنْ أَحْوَالِ الْقَوْمِ، وَلَهُ من المصنفات كتاب البدوي ، وَكِتَابُ الْهُوَ، وَقَدْ أَقَامَ بِمَكَّةَ وَاسْتَحْوَذَ عَلَى عقل صاحبها ابن سمي، وَجَاوَرَ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ بِغَارِ حِرَاءَ يَرْتَجِي فِيمَا يُنْقَلُ عَنْهُ أَنْ يَأْتِيَهُ فِيهِ وَحْيٌ كَمَا أَتَى النَّبيّ صلى الله عليه وسلم، بِنَاءً عَلَى مَا يَعْتَقِدُهُ مِنَ الْعَقِيدَةِ الْفَاسِدَةِ مِنْ أَنَّ النُّبُوَّةَ مُكْتَسَبَةٌ، وَأَنَّهَا فَيْضٌ يَفِيضُ عَلَى الْعَقْلِ إِذَا صَفَا، فَمَا حَصَلَ لَهُ إِلَّا الْخِزْيُ فِي الدُّنيا وَالْآخِرَةِ، إِنْ كَانَ مَاتَ عَلَى ذَلِكَ، وَقَدْ كَانَ إِذَا رَأَى الطَّائِفِينَ حَوْلَ الْبَيْتِ يَقُولُ عَنْهُمْ كَأَنَّهُمُ الْحَمِيرُ حَوْلَ الْمَدَارِ، وَإِنَّهُمْ لَوْ طَافُوا بِهِ كَانَ أَفْضَلَ مِنْ طَوَافِهِمْ بِالْبَيْتِ، فَاللَّهُ يَحْكُمُ فِيهِ وَفِي أَمْثَالِهِ.
وَقَدْ نُقِلَتْ عَنْهُ عَظَائِمُ مِنَ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ، تُوُفِّيَ فِي الثَّامِنِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ شوال بمكة.
(1) لفظ سيمياء عبراني معرب، أصله سيم يه: ومعناه اسم الله.
وعلم السيمياء يطلق على غير الحقيقي من ال كما هو المشهور.
وحاصله احداث مثاليات خيالية في الجو لا وجود لها في الحس.
وقد يطلق على ايجاد تلك المثالات بصورها في الحس، ويكون صورا في جوهر الهواء، ولهذا يسرع زوالها لسرعة تغير جوهر الهواء، وعدم حفظه ما يقبله زمانا طويلا، لكنه سريع القبول وسريع الزوال لرطوبته.
(مفتاح السعادة لزاده - 1 / 316) .
(*)