الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الزَّكِيِّ.
وَفِي يَوْمِ الِاثْنَيْنِ سَابِعِ جُمَادَى الْآخِرَةِ دَرَّسَ بِالنَّجِيبِيَّةِ الشَّيْخُ ضِيَاءُ الدِّينِ عَبْدُ الْعَزِيزِ الطوسي، بمقتضى نزول الفارقي له عنها.
والله أعلم بالصَّواب.
فتح قلعة الروم
وفي ربيع الأول منها تَوَجَّهَ السُّلْطَانُ الْأَشْرَفُ بِالْعَسَاكِرِ نَحْوَ الشَّامِ فَقَدِمَ دِمَشْقَ وَمَعَهُ وَزِيرُهُ
ابْنُ السَّلْعُوسِ فَاسْتَعْرَضَ الْجُيُوشَ وَأَنْفَقَ فِيهِمْ أَمْوَالًا جَزِيلَةً، ثُمَّ سَارَ بِهِمْ نَحْوَ بِلَادِ حَلَبَ، ثُمَّ سَارَ إِلَى قَلْعَةِ الرُّومِ فَافْتَتَحَهَا بِالسَّيْفِ قَهْرًا فِي يَوْمِ السَّبْتِ حَادِي عَشَرَ رَجَبٍ، وَجَاءَتِ الْبِشَارَةُ بِذَلِكَ إِلَى دِمَشْقَ، وَزُيِّنَتِ الْبَلَدُ سَبْعَةَ أَيَّامٍ وَبَارَكَ اللَّهُ لجيش المسلمين في سعيهم، وَكَانَ يَوْمُ السَّبْتِ أَلْبًا عَلَى أَهْلِ يَوْمِ الْأَحَدِ، وَكَانَ الْفَتْحُ بَعْدَ حِصَارٍ عَظِيمٍ جِدًّا، مدة ثلاثين يَوْمًا (1) ، وَكَانَتِ الْمَنْجَنِيقَاتُ تَزِيدُ عَلَى ثَلَاثِينَ مَنْجَنِيقًا (2) ، وَاسْتُشْهِدَ مِنَ الْأُمَرَاءِ شَرَفُ الدِّينِ بْنُ الْخَطِيرِ، وَقَدْ قُتِلَ مِنْ أَهْلِ الْبَلَدِ خَلْقٌ كَثِيرٌ وَغَنِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْهَا شَيْئًا كَثِيرًا، ثُمَّ عَادَ السُّلْطَانُ إِلَى دِمَشْقَ وَتَرَكَ الشُّجَاعِيَّ بِقَلْعَةِ الرُّومِ يُعَمِّرُونَ مَا وَهَى مِنْ قَلْعَتِهَا بِسَبَبِ رَمْيِ الْمَنْجَنِيقَاتِ عَلَيْهَا وَقْتَ الْحِصَارِ، وَكَانَ دُخُولُهُ إِلَى دِمَشْقَ بِكُرَةَ يَوْمِ الثُّلَاثَاءِ تَاسِعَ عَشَرَ شَعْبَانَ، فَاحْتَفَلَ النَّاسُ لِدُخُولِهِ وَدَعَوْا لَهُ وَأَحَبُّوهُ، وَكَانَ يَوْمًا مَشْهُودًا بُسِطَ لَهُ كَمَا يُبْسَطُ لَهُ إِذَا قَدِمَ مِنَ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ، وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ بِإِشَارَةِ ابْنِ السَّلْعُوسِ، فَهُوَ أَوَّلُ مَنْ بَسَطَ لَهُ، وَقَدْ كَسَرَ أَبُوهُ التَّتَرَ عَلَى حِمْصَ وَلَمْ يُبْسَطْ لَهُ، وَكَذَلِكَ الْمَلِكُ الظَّاهِرُ كَسَرَ التَّتَرَ وَالرُّومَ عَلَى الْبُلُسْتَيْنِ، وَفِي غَيْرِ مَوْطِنٍ وَلَمْ يُبْسَطْ لَهُ، وَهَذِهِ بِدْعَةٌ شَنْعَاءُ قَدْ أَحْدَثَهَا هَذَا الْوَزِيرُ لِلْمُلُوكِ، وَفِيهَا إِسْرَافٌ وَضَيَاعُ مَالٍ وَأَشَرٌ وَبَطَرٌ وَرِيَاءٌ وَتَكْلِيفٌ لِلنَّاسِ، وَأَخْذُ أَمْوَالٍ وَوَضْعُهَا فِي غَيْرِ مَوَاضِعِهَا، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ سَائِلُهُ عَنْهَا، وَقَدْ ذَهَبَ وَتَرَكَهَا يَتَوَارَثُهَا الْمُلُوكُ وَالنَّاسُ عَنْهُ، وَقَدْ حَصَلَ لِلنَّاسِ بِسَبَبِ ذَلِكَ ظُلْمٌ عَظِيمٌ، فَلْيَتَّقِ الْعَبْدُ رَبَّهُ وَلَا يُحْدِثْ فِي الْإِسْلَامِ بِسَبَبِ هَوَاهُ وَمُرَادِ نَفْسِهِ مَا يَكُونُ سَبَبَ مَقْتِ اللَّهِ لَهُ، وَإِعْرَاضِهِ عَنْهُ، فَإِنَّ الدُّنْيَا لَا تَدُومُ لِأَحَدٍ، وَلَا يَدُومُ أَحَدٌ فِيهَا وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.
وَكَانَ مَلِكُ قَلْعَةِ الرُّومِ مَعَ السُّلْطَانِ أَسِيرًا، وَكَذَلِكَ رؤس أصحابه، فدخل بهم دمشق وهم يحملون رؤوس أصحابهم على رؤوس الرِّماح، وَجَهَّزَ السُّلْطَانُ طَائِفَةً مِنَ الْجَيْشِ نَحْوَ جبل كسروان والجزر بِسَبَبِ مُمَالَأَتِهِمْ لِلْفِرِنْجِ قَدِيمًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَكَانَ مُقَدَّمُ الْعَسَاكِرِ بَيْدَرَا (3) وَفِي صُحْبَتِهِ سُنْقُرُ الْأَشْقَرُ، وَقَرَاسُنْقُرُ الْمَنْصُورِيُّ الَّذِي كَانَ نَائِبَ حَلَبَ فَعَزَلَهُ عنه السلطان وولى مكانه
(1) في السلوك 1 / 778: ثلاثة وثلاثين يوما.
(2)
في السلوك 1 / 778: عشرين منجنيقا.
وبهامش الصفحة حاشية 2: " عين النويري (نهاية الارب ج
29 / 300 أ) أنواع المجانيق فقال: " خمسة منها فرنجية، وخمسة عشر قوابغا وشيطانية ".
(3)
في الاصل بندار تصحيف، وهو الأمير بدر الدين بيدرا نائب السلطنة بديار مصر.
وصحح اسمه في الخبر اينما ورد.
(*)
سيف الدين بلبان البطاحي (1) الْمَنْصُورِيَّ، وَجَمَاعَةٌ آخَرُونَ مِنَ الْأُمَرَاءِ الْكِبَارِ، فَلَمَّا أحاطوا بالجبل ولم يبق إلا دمار أهليه حَمَلُوا فِي اللَّيْلِ إِلَى بَيْدَرَا حَمْلًا كَثِيرًا فَفَتَرَ فِي قَضِيَّتِهِمْ، ثُمَّ انْصَرَفَ بِالْجُيُوشِ عَنْهُمْ وَعَادُوا إِلَى السُّلْطَانِ، فَتَلَقَّاهُمُ السُّلْطَانُ وَتَرَجَّلَ السُّلْطَانُ إلى الأمير بيدرا وهو نائبه على مصر، ثم ابْنَ السَّلْعُوسِ نَبَّهَ السُّلْطَانَ عَلَى فِعْلِ بَيْدَرَا فلامه وعنفه، فمرض مِنْ ذَلِكَ مَرَضًا شَدِيدًا أَشَفَى بِهِ عَلَى الْمَوْتِ حَتَّى قِيلَ إِنَّهُ مَاتَ، ثُمَّ عُوفِيَ فَعَمِلَ خَتْمَةً عَظِيمَةً بِجَامِعِ دِمَشْقَ حَضَرهَا الْقُضَاةُ والأعيان، وأشغل الْجَامِعَ نَظِيرَ لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ، وَكَانَ ذَلِكَ لَيْلَةَ الْعَشْرِ الْأُوَلِ مِنْ رَمَضَانَ، وَأَطْلَقَ السُّلْطَانُ أَهْلَ الْحُبُوسِ وَتَرَكَ بَقِيَّةَ الضَّمَانِ عَنْ أرباب الجهات السلطانية، وتصدق عنه بشئ كثير، ونزل هو عن ضمانات كثيرة كان قَدْ حَافَ فِيهَا عَلَى أَرْبَابِهَا، وَقَدِ امْتَدَحَ الشهاب محمود (2) الملك الأشرف خليل عَلَى فَتْحِهِ قَلْعَةَ الرُّومِ بِقَصِيدَةٍ هَائِلَةٍ فَاضِلَةٍ أَوَّلُهَا: لَكَ الرَّايَةُ الصَّفْرَاءُ يَقْدُمُهَا النَّصْرُ * فَمَنْ كيقباد إن رآها وكيخسرو إذا خفقت في الأفق هدت بنورها * هَوَى الشِّرْكِ وَاسْتَعْلَى الْهُدَى وَانْجَلَى الثَّغْرُ وَإِنْ نشرت مثل الأصائيل في الوغى * جلى النَّقْعَ مِنْ لَألَاءِ طَلْعَتِهَا الْبَدْرُ وَإِنَّ يَمَّمَتْ زُرْقَ الْعِدَى سَارَ تَحْتَهَا * كَتَائِبُ خُضْرٌ دَوْحُهَا الْبِيضُ وَالسُّمْرُ كَأَنَّ مَثَارَ النَّقْعِ لَيْلٌ وَخَفْقَهَا * بروق وأنت البدر والفلك الحتر (4) وَفَتْحٌ أَتَى فِي إِثْرِ فتحٍ كَأَنَّمَا * سَمَاءٌ بدت تترى كواكبها الزهر فكم فطنت طَوْعًا وَكَرْهًا مَعَاقِلًا * مَضَى الدَّهْرُ عَنْهَا وَهْيَ عَانِسَةٌ بِكْرُ بَذَلْتَ لَهَا عَزْمًا فَلَوْلَا مَهَابَةٌ * كَسَاهَا الْحَيَا جَاءَتْكَ تَسْعَى وَلَا مَهْرُ قَصَدْتَ حمىً من قلعة الروم لم يتح * لِغَيْرِكَ إِذْ غَرَّتْهُمُ الْمُغْلُ فَاغْتَرُّوا
وَوَالُوهُمْ سِرًّا لِيُخْفُوا أَذَاهُمُ * وَفِي آخِرِ الْأَمْرِ اسْتَوَى السِّرُّ وَالْجَهْرُ صَرَفْتَ إِلَيهِمْ هِمَّةً لَوْ صَرَفَتْهَا * إِلَى الْبَحْرَ لَاسْتَوْلَى عَلَى مَدِّهِ الْجَزْرُ وَمَا قَلْعَةُ الرُّومِ الَّتِي حُزْتَ فَتْحَهَا * وَإِنْ عَظُمَتْ إِلَّا إِلَى غَيْرِهَا جِسْرُ طَلِيعَةُ مَا يَأْتِي مِنَ الْفَتْحِ بَعْدَهَا * كَمَا لَاحَ قَبْلَ الشَّمْسِ فِي الأفقِ الْفَجْرُ فَصَبَّحْتَهَا بِالْجَيْشِ كَالرَّوْضِ بهجةٍ * صَوَارِمُهُ أَنْهَارُهُ وَالْقنَا الزُّهْرُ وَأَبْعَدْتَ بَلْ كَالْبَحْرِ وَالْبَيْضُ موجه * وجرد المزاكي السفن والخود الذر وَأَغْرَبْتَ بَلْ كَاللَّيْلِ عُوجُ سُيُوفِهِ * أَهِلَّتُهُ وَالنَّبْلُ أنجمه الزهر
(1) في السلوك 1 / 778 ومختصر أبي الفداء 4 / 27: الطباخي وكان الطباخي نائبا الفتوحات وكان مقامه بحصن الاكراد.
(2)
وهو شهاب الدين محمود بن سلمان الحلبي.
وقد تقدمت الاشارة إليه.
(3)
في فوات الوفيات 1 / 414: هدب بنودها.
(4)
في الفوات: البحر.
(*)
ولحظات لَا بَلْ كَالنَّهَارِ شُمُوسُهُ * مُحَيَّاكَ (1) وَالْآصَالُ رَايَاتُكَ الصُّفْرُ لُيُوثٌ مِنَ الْأَتْرَاكِ آجَامُهَا الْقَنَا * لَهَا كل يوم في ذرى ظفر ظفر فلا الريح يجري بَيْنَهُمْ لِاشْتِبَاكِهَا * عَلَيْهِمْ وَلَا يَنْهَلُّ مِنْ فَوْقِهِمْ قَطْرُ عُيُونٌ إِذَا الْحَرْبُ الْعَوَانُ تَعَرَّضَتْ * لِخُطَّابِهَا بِالنَّفْسِ لَمْ يَغْلُهَا مَهْرُ تَرَى الْمَوْتَ مَعْقُودًا بِهُدْبِ نِبَالِهِمْ * إِذَا مَا رَمَاهَا الْقَوْسُ وَالنَّظَرُ الشزر ففي كل سرحٍ غُصْنُ بَانٍ مُهَفْهَفٌ * وَفِي كُلِّ قَوْسٍ مَدَّهُ سَاعِدٌ بَدْرُ إِذَا صَدَمُوا شُمَّ الْجِبَالِ تَزَلْزَلَتْ * وَأَصْبَحَ سَهْلًا تَحْتَ خَيْلِهِمُ الْوَعِرُ وَلَوْ وَرَدَتْ مَاءَ الْفُرَاتِ خُيُولُهُمْ * لَقِيلَ هُنَا قَدْ كَانَ فِيمَا مَضَى نَهْرُ أَدَارُوا بِهَا سُورًا فَأَضْحَتْ كخاتم * لدى خنصر أَوْ تَحْتَ مِنْطَقَةٍ خَصْرُ
وَأَرْخُوا إِلَيْهَا مِنْ أكف بحارهم (2) * سَحَابَ رَدًى لَمْ يَخْلُ مِنْ قَطْرِهِ قُطْرُ كَأَنَّ الْمَجَانِيقَ الَّتِي قُمْنَ حَوْلَهَا * رَوَاعِدُ سُخْطٍ وَبْلُهَا النَّارُ وَالصَّخْرُ أَقَامَتْ صَلَاةَ الْحَرْبِ لَيْلًا صخورها * فأكثرها شفع وأكبرها وتر ودارت بها تلك النقوب فأسرفت * وَلَيْسَ عَلَيْهَا فِي الَّذيِ فَعَلَتْ حَجْرُ فَأَضْحَتْ بِهَا كَالصَّبِّ يُخْفِي غَرَامَهُ * حَذَارِ أَعَادِيهِ وَفِي قَلْبِهِ جَمْرُ وَشَبَّتْ بِهَا النِّيرَانُ حَتَّى تَمَزَّقَتْ * وَبَاحَتْ بِمَا أَخْفَتْهُ وَانْهَتَكَ السِّتْرُ فَلَاذُوا بِذَيْلِ العفو منك فلم تجب * رجاءهم لو لَمْ يَشُبْ قَصْدَهُمْ مَكْرُ وَمَا كَرِهَ الْمُغْلُ اشتغالك عنهم * بها عند ما فروا ولكنهم سروا فأحرزتها بالسيف قهراً وَهَكَذَا * فُتُوحُكُ فِيمَا قَدْ مَضَى كُلُّهُ قَسْرُ وَأَضْحَتْ بِحَمْدِ اللَّهِ ثَغْرًا مُمَنَّعًا * تَبِيدُ اللَّيَالِي.
العدى وَهو مُفْتَرُّ فَيَا أَشْرَفَ الْأَمْلَاكِ فُزْتَ بِغَزْوَةٍ * تحصل منها الفتح والذكر والأجر ليهنيك عِنْدَ الْمُصْطَفَى أَنَّ دِينَهُ * تَوَالَى لَهُ فِي يُمْنِ دَوْلَتِكَ النَّصْرُ وَبُشْرَاكَ أَرْضَيْتَ الْمَسِيحَ وَأَحْمَدًا * وإن غضب اليعفور مِنْ ذَاكَ وَالْكَفْرُ فَسِرْ حَيْثُ مَا تَخْتَارُ فالأرض كلها * تطيعك وَالْأَمْصَارُ أَجْمَعُهَا مِصْرُ وَدُمْ وَابْقَ لِلدُّنْيَا لِيَحْيَى بِكَ الْهُدَى * وَيُزْهَى عَلَى مَاضِي الْعُصُورِ بِكَ الْعَصْرُ حَذَفَتُ مِنْهَا أَشْيَاءَ كَثِيرَةً.
وَفِيهَا تَوَلَّى خَطَابَةَ دِمَشْقَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ أَحْمَدُ الْفَارُوثِيُّ الْوَاسِطِيُّ بَعْدَ وَفَاةِ زَيْنِ الدِّينِ بْنِ الْمُرَحِّلِ وَخَطْبَ وَاسْتَسْقَى بِالنَّاسِ فَلَمْ يُسْقَوْا، ثُمَّ خَطَبَ مَرَّةً ثَانِيَةً بَعْدَ ذَلِكَ بِأَيَّامٍ عِنْدَ مَسْجِدِ القدم،
(1) في الفوات: وأخطأت
…
جيوشك.
(2)
في الفوات: وأجروا إليها من بحار أكفهم.
(*)
فَلَمْ يُسْقَوا ثُمَّ ابْتَهَلَ النَّاسُ مِنْ غَيْرِ دعاية واستسقاية فَسُقُوا، ثُمَّ عُزِلَ الْفَارُوثِيُّ بَعْدَ أَيَّامٍ بِالْخَطِيبِ
مُوَفَّقِ الدِّينِ أَبِي الْمَعَالِي مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ المنعم بن حسن المهراني الحموي، كان خطيب حماة ثم نقل إِلَى دِمَشْقَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ، فَقَامَ وَخَطَبَ وَتَأَلَّمَ الْفَارُوثِيُّ لِذَلِكَ وَدَخَلَ عَلَى السُّلْطَانِ وَاعْتَقَدَ أَنَّ الْوَزِيرَ عَزَلَهُ مِنْ غَيْرِ عِلْمِهِ، فَإِذَا هو قد شعر لذلك وَاعْتَذَرَ بِأَنَّهُ إِنَّمَا عَزَلَهُ لِضَعْفِهِ، فَذَكَرَ لَهُ أَنَّهُ يُصَلِّي لَيْلَةَ النِّصْفِ مِائَةَ رَكْعَةٍ بِمِائَةِ قل هو الله أحد، فلم يقبلوا واستمروا بالحموي.
وهذه دناءة وَقِلَّةُ عَقْلٍ وَعَدَمُ إِخْلَاصٍ مِنَ الْفَارُوثِيِّ، وَأَصَابَ السُّلْطَانُ فِي عَزْلِهِ.
وَفِي هَذَا الْيَوْمِ قَبَضَ السُّلْطَانُ عَلَى الْأَمِيرِ سُنْقُرَ الْأَشْقَرِ وَغَيْرِهِ فَهَرَبَ هو والأمير حسام الدين لاجين السلحداري، فَنَادَتْ عَلَيْهِ الْمُنَادِيَةُ بِدِمَشْقَ مَنْ أَحْضَرَهُ فَلَهُ أَلْفُ دِينَارٍ، وَمَنْ أَخْفَاهُ شُنِقَ، وَرَكِبَ السُّلْطَانُ وَمَمَالِيكُهُ فِي طَلَبِهِ، وَصَلَّى الْخَطِيبُ بِالنَّاسِ فِي الْمَيْدَانِ الْأَخْضَرِ، وَعَلَى النَّاسِ كَآبَةٌ بِسَبَبِ تَفَرُّقِ الْكَلِمَةِ، وَاضْطِرَابِ الْجَيْشِ، وَاخْتَبَطَ النَّاسُ، فَلَمَّا كَانَ سَادِسُ شَوَّالٍ أَمْسَكَتِ الْعَرَبُ سُنْقُرَ الْأَشْقَرَ فَرَدُّوهُ عَلَى السُّلْطَانِ فَأَرْسَلَهُ مُقَيَّدًا إِلَى مِصْرَ.
وَفِي هَذَا الْيَوْمِ وَلَّى السُّلْطَانُ نِيَابَةَ دِمَشْقَ لِعِزِّ الدِّينِ أَيْبَكَ الْحَمَوِيِّ، عِوَضًا عَنِ الشُّجَاعِيِّ، وَقَدِمَ الشجاعي من الروم ثاني يوم عزله فتلقاه الفاروثي فقال: قَدْ عُزِلْنَا مِنَ الْخَطَابَةِ، فَقَالَ وَنَحْنُ مِنَ النِّيَابَةِ، فَقَالَ الْفَارُوثِيُّ (عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ) فَلَمَّا بَلَغَ ابْنُ السَّلْعُوسِ تَغَضَّبَ عَلَيْهِ وَكَانَ قَدْ عَيَّنَ لَهُ الْقَيْمُرِيَّةَ فَتَرَكَ ذَلِكَ، وَسَافَرَ السُّلْطَانُ عَاشِرَ شَوَّالٍ إِلَى مِصْرَ فَدَخَلَهَا فِي أُبَّهَةِ الْمَلِكِ، وَفِي يَوْمِ دُخُولِهِ أَقْطَعَ قَرَاسُنْقُرَ مِائَةَ فَارِسٍ بِمِصْرَ عِوَضًا عَنْ نِيَابَةِ حَلَبَ، وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ اشْتَرَى الْأَمِيرُ سَيْفُ الدِّينِ طغاي الأشقري قَيْسَارِيَّةَ الْقُطْنِ الْمَعْرُوفَةَ بِإِنْشَاءِ الْمَلِكِ الْمُعَظَّمِ بْنِ الْعَادِلِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، بِمَرْسُومٍ مِنَ السُّلْطَانِ، وَكَانَ حَظِيًا عِنْدَهُ، وَنَقَلَ سُوقَ الْحَرِيرِيِّينَ تِلْكَ المدة إليها، وَكَانَ السُّلْطَانُ قَدْ أَفْرَجَ عَنْ عَلَمِ الدِّينِ الدويداري بَعْدَ رُجُوعِهِ مِنْ قَلْعَةِ الرُّومِ وَاسْتَحْضَرَهُ إِلَى دِمَشْقَ وَخَلَعَ عَلَيْهِ وَاسْتَصْحَبَهُ مَعَهُ إِلَى الْقَاهِرَةِ، وَأَقْطَعُهُ مِائَةَ فَارِسٍ، وَوَلَّاهُ مُشِدَّ الدَّوَاوِينِ مُكْرَهًا.
وَفِي ذِي الْقِعْدَةِ اسْتَحْضَرَ السُّلْطَانُ سُنْقُرَ الْأَشْقَرَ وَطُقُصُوا (1) فَعَاقَبَهُمَا فَاعْتَرَفَا بِأَنَّهُمَا أَرَادَا قَتْلَهُ، فَسَأَلَهُمَا عَنْ لَاجِينَ فَقَالَا: لَمْ يَكُنْ مَعَنَا وَلَا علم له بهذا، فخنقهما وأطلقه بعد ما جَعَلَ الْوَتَرَ فِي حَلْقِهِ، وَكَانَ قَدْ بَقِيَ لَهُ مُدَّةً لَا بدَّ أَنْ يَبْلُغَهَا، وَقَدْ مَلَكَ بَعْدَ ذَلِكَ كَمَا سَنَذْكُرُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَفِي ذِي الْحِجَّةِ عَقَدَ الشَّيْخُ بُرْهَانُ الدِّينِ بْنُ الشَّيْخِ تَاجِ الدِّينِ عَقْدَهُ على بنت قاضي القضاة شهاب الدين الخويي بالبادرائية، وَكَانَ حَافِلًا.
وَفِيهَا دَخَلَ الْأَمِيرُ سُنْقُرُ الْأَعْسَرُ عَلَى بِنْتِ الْوَزِيرِ شَمْسِ الدِّينِ بْنِ السَّلْعُوسِ عَلَى صَدَاقٍ أَلْفِ دِينَارٍ، وَعَجَّلَ لَهَا خَمْسَمِائَةٍ، وفيها قفز جماعة من التتر نحواً من ثلثمائة إلى الديار المصرية فأكرموا.
(1) وهو الأمير ركن الدين بيبرس طقصوا حمو لاجين.
(*)