الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
دور قرابات الوزير ابن العلقمي، وأن ذلك من أقوى الأسباب في ممالأته للتتار.
وَفِيهَا دَخَلَتِ الْفُقَرَاءُ الْحَيْدَرِيَّةُ الشَّامَ، وَمِنْ شِعَارِهِمْ لبس الراحي وَالطَّرَاطِيرِ وَيَقُصُّونَ لِحَاهُمْ وَيَتْرُكُونَ شَوَارِبَهُمْ، وَهُوَ خِلَافُ السُّنَّةِ، تَرَكُوهَا لِمُتَابَعَةِ شَيْخِهِمْ حَيْدَرٍ حِينَ أَسَرَهُ الْمَلَاحِدَةُ فَقَصُّوا لِحْيَتَهُ وَتَرَكُوا شَوَارِبَهُ، فَاقْتَدَوْا بِهِ فِي ذَلِكَ، وَهُوَ مَعْذُورٌ مَأْجُورٌ.
وَقَدْ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ ذَلِكَ، وَلَيْسَ لَهُمْ فِي شَيْخِهِمْ قُدْوَةٌ.
وَقَدْ بُنِيَتْ لَهُمْ زَاوِيَةٌ بِظَاهِرِ دِمَشْقَ قَرِيبًا مِنَ الْعَوْنِيَّةِ.
وَفِي يَوْمِ الْأَرْبِعَاءِ ثَامِنَ عَشَرَ ذِي الْحِجَّةِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ الْمُبَارَكَةِ عُمِلَ عَزَاءُ واقف البادرائية بِهَا الشَّيْخِ نَجْمِ الدِّينِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ البادرائي (1) الْبَغْدَادِيِّ مُدَرِّسِ النِّظَامِيَّةِ، وَرَسُولِ الْخِلَافَةِ إِلَى مُلُوكِ الْآفَاقِ فِي الْأُمُورِ الْمُهِمَّةِ، وَإِصْلَاحِ الْأَحْوَالِ الْمُدْلَهِمَّةِ، وَقَدْ كَانَ فَاضِلًا بَارِعًا رَئِيسًا وَقُورًا مُتَوَاضِعًا، وَقَدِ ابْتَنَى بِدِمَشْقَ مَدْرَسَةً حَسَنَةً مَكَانَ دَارِ الْأَمِيرِ أُسَامَةَ، وَشَرَطَ عَلَى الْمُقِيمِ بِهَا الْعُزُوبَةَ وَأَنْ لَا يَكُونَ الْفَقِيهُ فِي غَيْرِهَا مِنَ المدارس، وإنما أراد بذلك توفر خاطر الفقيه وجمعه عَلَى طَلَبِ الْعِلْمِ، وَلَكِنْ حَصَلَ
بِذَلِكَ خَلَلٌ كَثِيرٌ وَشَرٌّ لِبَعْضِهِمْ كَبِيرٌ وَقَدْ كَانَ شَيْخُنَا الْإِمَامُ الْعَلَّامَةُ شَيْخُ الشَّافِعِيَّةِ بِالشَّامِ وَغَيْرِهَا بُرْهَانُ الدِّينِ أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ الشَّيْخِ تَاجِ الدِّينِ الْفَزَارِيِّ مُدَرِّسُ هَذِهِ الْمَدْرَسَةِ وَابْنُ مُدَرِّسِهَا، يَذْكُرُ أَنَّهُ لَمَّا حَضَرَ الْوَاقِفُ فِي أَوَّلِ يوم درس بها وحضر عنده السلطان الناصري، قرأ كتاب الوقف وفيه ولا تدخلها امْرَأَةٌ.
فَقَالَ السُّلْطَانُ وَلَا صَبِيٌّ؟ فَقَالَ الْوَاقِفُ: يا مولانا السلطان رَبُّنَا مَا يَضْرِبُ بِعَصَاتَيْنِ.
فَإِذَا ذَكَرَ هَذِهِ الْحِكَايَةَ تَبَسَّمَ عِنْدِهَا رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى.
وَكَانَ هُوَ أَوَّلَ مَنْ دَرَّسَ بِهَا ثُمَّ وَلَدُهُ كَمَالُ الدِّينِ مِنْ بَعْدِهِ، وَجَعَلَ نَظَرَهَا إِلَى وَجِيهِ الدِّينِ بْنِ سُوَيْدٍ، ثُمَّ صَارَ فِي ذُرِّيَّتِهِ إِلَى الْآنَ.
وَقَدْ نَظَرَ فِيهِ بَعْضَ الْأَوْقَاتِ الْقَاضِي شَمْسُ الدِّينِ بْنُ الصَّائِغِ ثُمَّ انْتُزِعَ مِنْهُ حَيْثُ أَثْبَتَ لَهُمُ النَّظَرَ، وَقَدْ أوقف البادرائي عَلَى هَذِهِ الْمَدْرَسَةِ أَوْقَافًا حَسَنَةً دَارَّةً، وَجَعَلَ فِيهَا خِزَانَةَ كُتُبٍ حَسَنَةً نَافِعَةً، وَقَدْ عَادَ إِلَى بَغْدَادَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ فَوَلِيَ بِهَا قَضَاءَ الْقُضَاةِ كَرْهًا مِنْهُ، فَأَقَامَ فِيهِ سَبْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا ثُمَّ تُوُفِّيَ إِلَى رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى فِي مُسْتَهَلِّ ذِي الْحِجَّةِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ.
وَدُفِنَ بِالشُّونِيزِيَّةِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى.
وَفِي ذِي الْحِجَّةِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ بَعْدَ مَوْتِ البادرائي بِأَيَّامٍ قَلَائِلَ نَزَلَتِ التَّتَارُ عَلَى بَغْدَادَ مُقَدِّمَةً لملكهم هولاكو بن تولى بن جنكيزخان عَلَيْهِمْ لَعَائِنُ الرَّحْمَنِ، وَكَانَ افْتِتَاحُهُمْ لَهَا وَجِنَايَتُهُمْ عَلَيْهَا فِي أَوَّلِ السَّنَةِ الْآتِيَةِ عَلَى مَا سيأتي بيانه وتفصيله - وبالله المستعان.
وممَّن توفِّي فِي هَذِهِ السَّنَةِ
مِنَ الْأَعْيَانِ البادرائي واقف البادرائية التي بدمشق كما تقدم بيانه رحمه الله تعالى.
(1) البادرائي نسبة إلى بادرايا قرية من أعمال واسط.
(*)
وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّين عَبْدُ الرَّحمن بْنُ أَبِي الْفَهْمِ الْيَلْدَانِيُّ (1) بِهَا فِي ثَامِنِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ ودفن فيها، وَكَانَ شَيْخًا صَالِحًا مُشْتَغِلًا بِالْحَدِيثِ سَمَاعًا وَكِتَابَةً وَإِسْمَاعًا، إِلَى أَنْ تُوُفِّيَ وَلَهُ نَحْوُ مِائَةِ سَنَةٍ.
قُلْتُ: وَأَكْثَرُ كُتُبِهِ وَمَجَامِيعِهِ الَّتِي بِخَطِّهِ مَوْقُوفَةٌ بِخِزَانَةِ الْفَاضِلِيَّةِ مِنَ الْكَلَّاسَةِ، وَقَدْ رَأَى فِي الْمَنَامِ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَنَا رَجُلٌ
جَيِّدٌ؟ قَالَ: بَلَى أَنْتَ رَجُلٌ جَيِّدٌ، رحمه الله وَأَكْرَمَ مَثْوَاهُ.
الشَّيْخُ شَرَفُ الدِّينِ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي الْفَضْلِ الْمُرْسِيُّ، وَكَانَ شَيْخًا فاضلاً متقناً محققاً للبحث كَثِيرَ الْحَجِّ، لَهُ مَكَانَةٌ عِنْدَ الْأَكَابِرِ، وَقَدِ اقْتَنَى كُتُبًا كَثِيرَةً، وَكَانَ أَكْثَرُ مُقَامِهِ بِالْحِجَازِ، وَحَيْثُ حَلَّ عَظَّمَهُ رُؤَسَاءُ تِلْكَ الْبَلْدَةِ وَكَانَ مُقْتَصِدًا فِي أُمُورِهِ وَكَانَتْ وَفَاتُهُ رحمه الله بالذعقة بَيْنَ الْعَرِيشِ وَالدَّارُومِ فِي مُنْتَصَفِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ من هذه السنة رحمه الله.
الْمُشِدُّ الشَّاعِرُ الْأَمِيرُ سَيْفُ الدِّينِ عَلِيُّ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَزَلَ مُشِدُّ الدِّيوَانِ بِدِمَشْقَ، وَكَانَ شَاعِرًا مُطَبِّقًا لَهُ دِيوَانٌ مَشْهُورٌ، وَقَدْ رَآهُ بَعْضُهُمْ بَعْدَ مَوْتِهِ فَسَأَلَهُ عَنْ حَالِهِ فَأَنْشَدَهُ: نُقِلْتُ إِلَى رَمْسِ الْقُبُورِ وَضِيقِهَا * وَخَوْفِي ذُنُوبِي أنها بي تعثرُ فصادفت رحماناً رؤوفاً وأنعماً * حباني بها سقياً لِمَا كُنْتُ أحذرُ وَمَنْ كَانَ حُسْنُ الظَّنِّ فِي حَالِ مَوْتِهِ * جَمِيلًا بِعَفْوِ اللَّهِ فَالْعَفْوُ أجدرُ بِشَارَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَرْمَنِيُّ الْأَصْلِ بَدْرُ الدِّينِ الْكَاتِبُ مَوْلَى شِبْلِ الدَّوْلَةِ الْمُعَظَّمِيِّ، سَمِعَ الْكِنْدِيَّ وَغَيْرَهُ، وَكَانَ يَكْتُبُ خَطًّا جَيِّدًا، وَأَسْنَدَ إِلَيْهِ مَوَّلَاهُ النَّظَرَ فِي أَوْقَافِهِ وَجَعَلَهُ فِي ذُرِّيَّتِهِ، فَهُمْ إِلَى الْآنَ يَنْظُرُونَ فِي الشبليتين، وَكَانَتْ وَفَاتُهُ فِي النِّصْفِ مِنْ رَمَضَانَ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ.
الْقَاضِي تَاجُ الدِّينِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ قَاضِي الْقُضَاةِ جَمَالُ الدِّينِ الْمِصْرِيُّ نَابَ عَنْ أَبِيهِ وَدَرَّسَ بِالشَّامِيَّةِ، وَلَهُ شعر فمنه قوله:
(1) اليلداني: نسبة إلى يلدا قرية من قرى دمشق، وفي معجم البلدان: يلدان، وقيل يلدا دون نون وهي من دمشق على ثلاثة أميال.
قال ياقوت: ولا أدرى أهما واحد أم اثنان.
(*)
صَيَّرْتُ فَمِي لِفِيهِ بِاللَّثْمِ لِثَامْ * عَمْدًا وَرَشَفْتُ مِنْ ثَنَايَاهُ مدامْ فَازْوَرَّ وَقَالَ أَنْتَ فِي الْفِقْهِ إِمَامْ * رِيقِي خَمْرٌ وَعِنْدَكَ الْخَمْرُ حرامْ الْمَلِكُ النَّاصِرُ دَاوُدُ بْنُ الْمُعَظَّمِ عِيسَى بْنِ الْعَادِلِ، مَلِكُ دِمَشْقَ بَعْدَ أَبِيهِ، ثُمَّ انْتُزِعَتْ مِنْ يَدِهِ وَأَخَذَهَا عَمُّهُ الْأَشْرَفُ وَاقْتَصَرَ عَلَى الْكَرَكِ وَنَابُلُسَ، ثُمَّ تَنَقَّلَتْ بِهِ الْأَحْوَالُ وَجَرَتْ لَهُ خُطُوبٌ طِوَالٌ حَتَّى لَمْ يَبْقَ مَعَهُ شئ مِنَ الْمَحَالِّ، وَأَوْدَعَ وَدِيعَةً تُقَارِبُ مِائَةَ أَلْفِ دينار عند الخليفة المستنصر فَأَنْكَرَهُ إِيَّاهَا وَلَمْ يَرُدَّهَا عَلَيْهِ، وَقَدْ كَانَ لَهُ فَصَاحَةٌ وَشِعْرٌ جَيِّدٌ، وَلَدَيْهِ فَضَائِلُ جَمَّةٌ، واشتغل في علم الكلام على الشمس الخسر وشاهي تِلْمِيذِ الْفَخْرِ الرَّازِيِّ، وَكَانَ يَعْرِفُ عُلُومَ الْأَوَائِلِ جداً، وحكوا عَنْهُ أَشْيَاءَ تَدُلُّ إِنْ صَحَّتْ عَلَى سُوءِ عَقِيدَتِهِ فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَذُكِرَ أَنَّهُ حَضَرَ أَوَّلَ دَرْسِ ذِكْرٍ بِالْمُسْتَنْصِرِيَّةِ فِي سَنَةِ ثِنْتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَسِتِّمِائَةٍ، وَأَنَّ الشُّعَرَاءَ أَنْشَدُوا الْمُسْتَنْصِرَ مَدَائِحَ كَثِيرَةً، فَقَالَ بَعْضُهُمْ فِي جُمْلَةِ قَصِيدَةٍ لَهُ: لَوْ كُنْتَ فِي يَوْمِ السَّقِيفَةِ شَاهِدًا * كُنْتَ الْمُقَدَّمَ وَالْإِمَامَ الْأَعْظَمَا فَقَالَ النَّاصِرُ دَاوُدُ لِلشَّاعِرِ: اسْكُتْ فَقَدْ أَخْطَأْتَ، قَدْ كَانَ جَدُّ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ الْعَبَّاسُ شَاهِدًا يَوْمئِذٍ، وَلَمْ يَكُنِ الْمُقَدَّمَ، وَمَا الإمام الأعظم إلا أبو بكر الصديق رضي الله عنه، فقال الخليفة: صدقت فَكَانَ هَذَا مِنْ أَحْسَنِ مَا نُقِلَ عَنْهُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَقَدْ تَقَاصَرَ أَمْرُهُ إِلَى أَنْ رَسَمَ عَلَيْهِ النَّاصِرُ بْنُ الْعَزِيزِ بِقَرْيَةِ البويضا لعمه مجد الدِّينِ يَعْقُوبَ حَتَّى تُوُفِّيَ بِهَا فِي هَذِهِ السَّنَةِ، فَاجْتَمَعَ النَّاسُ بِجِنَازَتِهِ، وَحُمِلَ مِنْهَا فَصُلِّيَ عَلَيْهِ وَدُفِنَ عِنْدَ وَالِدِهِ بِسَفْحِ قَاسِيُونَ.
الْمَلِكُ الْمُعِزُّ عِزُّ الدِّينِ أَيْبَكُ التُّرْكُمَانِيُّ، أَوَّلُ مُلُوكِ الْأَتْرَاكِ، كَانَ مِنْ أَكْبَرِ مَمَالِيكِ الصَّالِحِ نَجْمِ الدِّينِ أَيُّوبَ بْنِ الْكَامِلِ، وَكَانَ دَيِّنًا صَيِّنًا عَفِيفًا كَرِيمًا، مَكَثَ فِي الْمُلْكِ نَحْوًا مِنْ سبع سنين (1) ثم قتلته زوجته شجرة الدُّرِّ أَمُّ خَلِيلٍ، وَقَامَ فِي الْمُلْكِ مِنْ بَعْدِهِ وَلَدُهُ نُورُ الدِّينِ عَلِيٌّ، وَلُقِّبَ بِالْمَلِكِ المنصور، وكان مدير مَمْلَكَتِهِ مَمْلُوكُ أَبِيهِ سَيْفُ الدِّينِ قُطُزُ، ثُمَّ عَزَلَهُ وَاسْتَقَلَّ بِالْمُلْكِ بَعْدَهُ نَحْوًا مِنْ
سَنَةٍ وتلقب بالمظفر، فقدر الله كسرة التَّتَارِ عَلَى يَدَيْهِ بِعَيْنِ جَالُوتَ.
وَقَدْ بَسَطْنَا هَذَا كُلَّهُ فِي الْحَوَادِثِ فِيمَا تَقَدَّمَ وَمَا سيأتي.
(1) في بدائع الزهور 1 / 1 / 295: سبع سنين وثلاثة أشهر.
منها مدة انفراده بالسلطنة خمس سنين وثلاثة أشهر.
وفي ابن خلدون 5 / 377: لثلاث سنين من ولايته.
(*)
شجرة الدُّرِّ بِنْتُ عَبْدِ اللَّهِ أَمُّ خَلِيلٍ التُّرْكِيَّةُ، كَانَتْ مِنْ حَظَايَا الْمَلِكِ الصَّالِحِ نَجْمِ الدِّينِ أَيُّوبَ، وَكَانَ وَلَدُهَا مِنْهُ خَلِيلٌ مِنْ أَحْسَنِ الصُّور، فَمَاتَ صَغِيرًا، وَكَانَتْ تَكُونُ فِي خِدْمَتِهِ لَا تُفَارِقُهُ حَضَرًا وَلَا سَفَرًا مِنْ شِدَّةِ مَحَبَّتِهِ لَهَا وَقَدْ مَلَكَتِ الدِّيَارَ الْمِصْرِيَّةَ بَعْدَ مقتل ابن زوجها المعظم توران شاه، فكان يخاطب لها وتضرب لسكة بِاسْمِهَا وَعَلَّمَتْ عَلَى الْمَنَاشِيرِ (1) مُدَّةَ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ، ثُمَّ تَمَلَّكَ الْمُعِزُّ كَمَا ذَكَرْنَا، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ تَمَلُّكِهِ الدِّيَارَ الْمِصْرِيَّةَ بِسَنَوَاتٍ، ثُمَّ غَارَتْ عَلَيْهِ لَمَّا بَلَغَهَا أَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِنْتَ صَاحِبِ الْمَوْصِلِ بَدْرِ الدِّينِ لُؤْلُؤٍ فَعَمِلَتْ عَلَيْهِ حَتَّى قَتَلَتْهُ كَمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ، فَتَمَالَأَ عَلَيْهَا مَمَالِيكُهُ الْمُعِزِّيَّةُ فَقَتَلُوهَا (2) وَأَلْقَوْهَا عَلَى مَزْبَلَةٍ ثَلَاثَةَ أيَّام، ثمَّ نُقِلَتْ إِلَى تُرْبَةٍ لَهَا (3) بالقرب من قبر السيدة نَفِيسَةَ رَحِمَهَا اللَّهُ تَعَالَى، وَكَانَتْ قَوِيَّةَ النَّفْسِ، لَمَّا عَلِمَتْ أَنَّهُ قَدْ أُحِيطَ بِهَا أَتْلَفَتْ شيئاً كثيراً من الجواهر النفيسة واللآلئ المثمنة، كَسَرَتْهُ فِي الْهَاوُنِ لَا لَهَا وَلَا لِغَيْرِهَا، وَكَانَ وَزِيرَهَا فِي دَوْلَتِهَا الصَّاحِبُ بَهَاءُ الدِّينِ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سليمان المعروف بابن حنا وَهُوَ أَوَّلُ مَنَاصِبِهِ.
الشَّيْخُ الْأَسْعَدُ هِبَةُ اللَّهِ بْنُ صَاعِدٍ شَرَفُ الدِّينِ الْفَائِزِيُّ لِخِدْمَتِهِ قَدِيمًا الْمَلِكَ الْفَائِزَ سَابِقَ الدِّينِ إِبْرَاهِيمَ بْنَ الْمَلِكِ العادل، وكان نصرانياً فأسلم، وكان كثير الصدقات والبر وَالصِّلَاتِ، اسْتَوْزَرَهُ الْمُعِزُّ وَكَانَ حَظِيًّا عِنْدَهُ جِدًّا، لَا يَفْعَلُ شَيْئًا إِلَّا بَعْدَ مُرَاجَعَتِهِ وَمُشَاوَرَتِهِ، وَكَانَ قَبْلَهُ فِي الْوِزَارَةِ الْقَاضِي تَاجُ الدِّينِ ابْنُ بِنْتِ الْأَعَزِّ (4) ، وَقَبْلَهُ الْقَاضِي بَدْرُ الدِّينِ السِّنْجَارِيُّ (5) ، ثُمَّ صَارَتْ بَعْدَ ذَلِكَ كُلِّهِ إِلَى هَذَا الشَّيْخِ الْأَسْعَدِ الْمُسْلِمَانِيِّ، وَقَدْ كَانَ الْفَائِزِيُّ يُكَاتِبُهُ الْمُعِزُّ بِالْمَمْلُوكِ، ثُمَّ لَمَّا قُتِلَ الْمُعِزُّ أُهِينَ الْأَسْعَدُ حَتَّى صَارَ
شَقِيًّا، وَأَخَذَ الْأَمِيرُ سَيْفُ الدِّينِ قُطُزُ خَطَّهُ بِمِائَةِ أَلْفِ دِينَارٍ، وَقَدْ هَجَاهُ بَهَاءُ الدِّينِ زُهَيْرُ بْنُ عَلِيٍّ، فقال: لعن الله صاعداً * وأباه، فصاعدا
(1) اصطلح كتاب ذلك الزمان على تسمية (أي المنشور) جميع ما يكتب في الاقطاعات من عاليها ودانيها للامراء والجند والعربان والتركمان وغيرهم مناشير جمع منشور.
(انظر صبح الاعشى 13 / 157، المواعظ 2 / 217) .
(2)
قال ابن إياس في بدائع الزهور 1 / 1 / 294: ان الامير علي قبض على شجرة الدر، وسلمها إلى أمه، فأمرت جواريها أن يقتلوها بالقباقيب والنعال، فقتلوها حتى ماتت.
(3)
دفنت في المدرسة التي بجوار بيت الخليفة (بدائع الزهور) .
(4)
في بدائع الزهور: كان قبله بهاء الدين زهير محمد بن محمد بن علي بن يحيى بن الحسن الازدي فلما مات تولى الوزارة الأسعد هبة الله الفائزي (1 / 1 / 301) .
(5)
في بدائع الزهور: السخاوي: تابع ابن إياس قائلا: واستقر به وزيرا عوضا عن الفائزي، وقد جمع بين الوزارة وقضاء الشافعية (1 / 1 / 301) .
(*)