الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يَعِظُ فِي الْأَعْزِيَةِ وَالْمَسَاجِدِ وَالْقُرَى، وَكَانَ ظَرِيفًا مطبوعاً قام إليه إنسان فَقَالَ لَهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ: أَنَا مَرِيضٌ جَائِعٌ، فَقَالَ: احْمَدْ رَبَّكَ فَقَدْ عُوفِيتَ.
وَاجْتَازَ مرة عَلَى قَصَّابٍ يَبِيعُ لَحْمًا ضَعِيفًا وَهُوَ يَقُولُ أَيْنَ مَنْ حَلَفَ لَا يُغْبَنُ، فَقَالَ لَهُ حتى تحنثه.
قال: وعملت مرة مجلساً بيعقوبا فَجَعَلَ هَذَا يَقُولُ عِنْدِي لِلشَّيْخِ نِصْفِيَّةٌ وَهَذَا يَقُولُ عِنْدِي لِلشَّيْخِ نِصْفِيَّةٌ وَهَذَا يَقُولُ مِثْلَهُ حَتَّى عَدُّوا نَحْوًا مِنْ خَمْسِينَ نِصْفِيَّةً، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: اسْتَغْنَيْتُ اللَّيْلَةَ فَأَرْجِعُ إِلَى الْبَلَدِ تَاجِرًا، فَلَمَّا أَصْبَحْتُ إِذَا صُبْرَةٌ مِنْ شَعِيرٍ في المسجد فقيل لي هذه النصافي التي ذكر الجماعة، وإذا هي بكيلة يسمونها نصفية مثل الزبدية، وعملت مرة مجلساً بباصرا فَجَمَعُوا لِي شَيْئًا لَا أَدْرِي مَا هُوَ، فلما أصبحنا إذا شئ مِنْ صُوفِ الْجَوَامِيسِ وَقُرُونِهَا، فَقَامَ رَجُلٌ يُنَادِي عليكم عندكم في قرون الشيخ وصوفه، فَقُلْتُ لَا حَاجَةَ لِي بِهَذَا وَأَنْتُمْ فِي حِلٍّ مِنْهُ.
ذَكَرَهُ أَبُو شَامَةَ.
ثُمَّ دَخَلَتْ سنة ثمان وستمائة اسْتَهَلَّتْ وَالْعَادِلُ مُقِيمٌ عَلَى الطُّورِ لِعِمَارَةِ حِصْنِهِ، وجاءت الأخبار من بلاد المغرب بأن عَبْدِ الْمُؤْمِنِ قَدْ كَسَرَ الْفِرِنْجَ بِطُلَيْطِلَةَ كَسْرَةً عَظِيمَةً، وَرُبَّمَا فَتَحَ الْبَلَدَ عَنْوَةً وَقَتَلَ مِنْهُمْ خلقاً كثيراً
.
وفيها كانت زلزلة عظيمة شديدة بمصر والقاهرة، هدمت منها دوراً كثيرة، وكذلك بالكرك وَالشَّوْبَكِ هَدَمَتْ مِنْ قَلْعَتِهَا أَبْرَاجًا، وَمَاتَ خَلْقٌ كَثِيرٌ مِنَ الصِّبْيَانِ وَالنِّسْوَانِ تَحْتَ الْهَدْمِ، وَرُئِيَ دخان نازل من السماء فِيمَا بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعَشَاءِ عِنْدَ قَبْرِ عَاتِكَةَ غَرْبِيَّ دِمَشْقَ.
وَفِيهَا أَظْهَرَتِ الْبَاطِنِيَّةُ الْإِسْلَامَ وَأَقَامَتِ الحدود على من تعاطى الْحَرَامَ، وَبَنَوُا الْجَوَامِعَ وَالْمَسَاجِدَ، وَكَتَبُوا إِلَى إِخْوَانِهِمْ بالشام بمضات وَأَمْثَالِهَا بِذَلِكَ، وَكَتَبَ زَعِيمُهُمْ جَلَالُ الدِّينِ إِلَى الْخَلِيفَةِ يُعْلِمُهُ بِذَلِكَ، وَقَدِمَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ إِلَى بَغْدَادَ لِأَجْلِ الْحَجِّ فَأُكْرِمُوا وَعُظِّمُوا بِسَبَبِ ذَلِكَ، وَلَكِنْ لَمَّا كَانُوا بِعَرَفَاتٍ ظَفِرَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ عَلَى قَرِيبٍ لِأَمِيرِ مَكَّةَ قَتَادَةَ الْحُسَيْنِيِّ فَقَتَلَهُ ظَانًّا أَنَّهُ قَتَادَةُ فَثَارَتْ فِتْنَةٌ بَيْنَ سُودَانِ مَكَّةَ وَرَكْبِ الْعِرَاقِ، وَنُهِبَ الرَّكْبُ وَقُتِلَ مِنْهُمْ خَلْقٌ كَثِيرٌ.
وَفِيهَا اشْتَرَى الْمَلِكُ الْأَشْرَفُ جَوْسَقَ الريس من النيرب من
ابن عم الظاهر خَضِرِ بْنِ صَلَاحِ الدِّينِ وَبَنَاهُ بِنَاءً حَسَنًا، وهو المسمى بزماننا بالدهشة.
وَفِيهَا تُوُفِّيَ
مِنَ الْأَعْيَانِ: الشَّيْخُ عِمَادُ الدِّينِ مُحَمَّدُ بْنُ يُونُسَ الْفَقِيهُ الشَّافِعِيُّ الْمَوْصِلِيُّ صَاحِبُ التَّصَانِيفِ وَالْفُنُونِ الْكَثِيرَةِ، كَانَ رَئِيسَ الشَّافِعِيَّةِ بِالْمَوْصِلِ، وَبُعِثَ رَسُولًا إِلَى بَغْدَادَ بَعْدَ مَوْتِ نُورِ الدِّينِ أَرْسَلَانَ، وَكَانَ عِنْدَهُ وَسْوَسَةٌ كَثِيرَةٌ فِي الطَّهَارَةِ، وَكَانَ يُعَامِلُ فِي الْأَمْوَالِ بِمَسْأَلَةِ الْعِينَةِ كما قيل تصفون البعوض من شرابكم وتستر بطون الجمال بأحمالها، وَلَوْ عَكَسَ الْأَمْرَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُ، فَلَقِيَهُ يوما قضيب الباب الموكه فقال
لَهُ: يَا شَيْخُ بَلَغَنِي عَنْكَ أَنَّكَ تَغْسِلُ العضو من أعضائك بإبريق من الماء فلم لا تغسل اللقمة التي تأكلها لتستنظف قلبك وباطنك؟ ففهم الشيخ ما أراد فترك ذلك.
توفي بِالْمَوْصِلِ فِي رَجَبٍ عَنْ ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ سَنَةً.
ابْنُ حَمْدُونَ تَاجُ الدِّينِ أَبُو سَعْدٍ الْحَسَنُ بن محمد بن حمدون، صَاحِبِ التَّذْكِرَةِ الْحَمْدُونِيَّةِ (1) ، كَانَ فَاضِلًا بَارِعًا، اعْتَنَى بِجَمْعِ الْكُتُبِ الْمَنْسُوبَةِ وَغَيْرِهَا، وَوَلَّاهُ الْخَلِيفَةُ الْمَارَسْتَانَ العضدي، توفي بالمدائن وحمل إلى مقابر قريش فدفن بها.
صاحب الروم خسروشاه ابن قلج أرسلان، مات فيها وقام بالملك بعده ولده كيكايرس (2) ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ فِي سَنَةِ خَمْسَ عَشْرَةَ مَلَكَ أخوه كيقباذ صارم الدين برغش الْعَادِلِيُّ نَائِبُ الْقَلْعَةِ بِدِمَشْقَ، مَاتَ فِي صَفَرٍ ودفن بتربته غربي الجامع المظفري، وهذا الرَّجل هو الَّذِي نَفَى الْحَافِظَ عَبْدَ الْغَنِيِّ الْمُقَدِّسِيَّ إِلَى مِصْرَ وَبَيْنَ يَدَيْهِ كَانَ عَقْدُ الْمَجْلِسِ، وَكَانَ فِي جُمْلَةِ مَنْ قَامَ عَلَيْهِ ابْنُ الزَّكِيِّ وَالْخَطِيبُ الدَّوْلَعِيُّ، وَقَدْ تُوُفُّوا أَرْبَعَتُهُمْ وَغَيْرُهُمْ مِمَّنْ قَامَ عَلَيْهِ وَاجْتَمَعُوا عِنْدَ رَبِّهِمُ الْحَكَمِ الْعَدْلِ سُبْحَانَهُ.
الْأَمِيرُ فَخْرُ الدِّينِ سَرْكَسُ
وَيُقَالُ لَهُ جِهَارْكَسُ أَحَدُ أُمَرَاءِ الدَّوْلَةِ الصَّلَاحِيَّةِ وَإِلَيْهِ تُنْسَبُ قِبَابُ سَرْكَسَ بِالسَّفْحِ تُجَاهَ تُرْبَةِ خَاتُونَ وَبِهَا قبره.
قال ابن خلكان: هذا هو الَّذِي بَنَى الْقَيْسَارِيَّةَ الْكُبْرَى بِالْقَاهِرَةِ الْمَنْسُوبَةَ إِلَيْهِ وَبَنَى فِي أَعْلَاهَا مَسْجِدًا مُعَلَّقًا وَرَبْعًا، وَقَدْ ذَكَرَ جَمَاعَةٌ مِنَ التُّجَّارِ أَنَّهُمْ لَمْ يَرَوْا لَهَا نَظِيرًا فِي الْبُلْدَانِ فِي حُسْنِهَا وَعِظَمِهَا وَإِحْكَامِ بِنَائِهَا.
قَالَ: وَجِهَارْكَسُ بِمَعْنَى أَرْبَعَةِ أَنْفُسٍ.
قُلْتُ: وَقَدْ كَانَ نَائِبًا لِلْعَادِلِ عَلَى بَانِيَاسَ وتينين وهو بين، فَلَمَّا تُوُفِّيَ تَرَكَ وَلَدًا صَغِيرًا فَأَقَرَّهُ الْعَادِلُ عَلَى مَا كَانَ يَلِيهِ أَبُوهُ وَجَعَلَ لَهُ مدبراً وهو الأمير صارم الدين قطلبا التنيسي، ثُمَّ اسْتَقَلَّ بِهَا بَعْدَ مَوْتِ الصَّبِيِّ إِلَى سنة خمس عشرة.
(1) قال ابن الأثير: وهو ولد مصنف التذكرة، (انظر الكامل 12 / 299) ووالده أبو المعالي محمد بْنُ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ حمدون كافي الكفاة بهاء الدين وقد توفي محبوسا سنة 562.
انظر الوافي 2 / 357 ابن خلكان 4 / 380 الفوات 2 / 377 والنجوم الزاهرة 5 / 374.
(2)
في تاريخ أبي الفداء 3 / 115: كيكاوس.
(*)