الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَثَلَاثِينَ وَجَلَسَ فِي حَلْقَتِهِ وَدَرَّسَ مَكَانَهُ بِزَاوِيَةِ المالكية والفقيه تاج الدين إسماعيل بن جميل بِحَلَبَ، وَكَانَ فَاضِلًا دَيِّنًا سَلِيمَ الصَّدْرِ رحمه الله.
ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ وَسِتِّمِائَةٍ فيها كان عود السلطان الصَّالِحِ نَجْمِ الدِّينِ أَيُّوبَ بْنِ الْكَامِلِ مِنَ الشَّامِ إِلَى الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ، وَزَارَ فِي طَرِيقِهِ بَيْتَ الْمَقْدِسِ وَفَرَّقَ فِي أَهْلِهِ أَمْوَالًا كَثِيرَةً، وَأَمَرَ بِإِعَادَةِ سُورِهِ كَمَا كَانَ فِي أَيَّامِ عَمِّ أَبِيهِ الْمَلِكِ النَّاصِرِ فَاتِحِ الْقُدْسِ
.
وَنَزَّلَ الْجُيُوشَ لِحِصَارِ الْفِرِنْجِ فَفُتِحَتْ طَبَرِيَّةُ فِي عَاشِرِ صَفَرٍ وَفُتِحَتْ عَسْقَلَانُ فِي أَوَاخِرِ جُمَادَى الْآخِرَةِ، وَفِي رَجَبٍ عُزِلَ الْخَطِيبُ عِمَادُ الدِّينِ دَاوُدُ بن خطيب بيت الأبار عن الخطابة بجامع الأموي، وتدريس الغزالية، وولي ذلك للقاضي عِمَادُ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ
الْكَرِيمِ بْنِ الْحَرَسْتَانِيِّ شَيْخُ دَارِ الْحَدِيثِ بَعْدَ ابْنِ الصَّلَاحِ.
وَفِيهَا أَرْسَلَ الصَّالِحُ أَيُّوبُ يَطْلُبُ جَمَاعَةً مِنْ أَعْيَانِ الدَّمَاشِقَةِ اتُّهِمُوا بِمُمَالَأَةِ الصَّالِحِ إِسْمَاعِيلَ، مِنْهُمُ الْقَاضِي مُحْيِي الدِّينِ بْنُ الزَّكِيِّ، وَبَنُو صَصْرَى وَابْنُ العماد الكاتب، والحليمي مَمْلُوكُ الصَّالِحِ إِسْمَاعِيلَ، وَالشِّهَابُ غَازِيٌّ وَالِي بُصْرَى، فَلَمَّا وَصَلُوا إِلَى مِصْرَ لَمْ يَكُنْ إِلَيْهِمْ شئ مِنَ الْعُقُوبَاتِ وَالْإِهَانَةِ، بَلْ خَلَعَ عَلَى بَعْضِهِمْ وتركوا باختيارهم مكرمين.
وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا
مِنَ الْأَعْيَانِ: الْحُسَيْنُ بْنُ الحسين بن علي ابن حمزة العلوي الحسيني، أبو عبد الله الأفساسي النَّقِيبُ قُطْبُ الدِّينِ، أَصْلُهُ مِنَ الْكُوفَةِ وَأَقَامَ بِبَغْدَادَ، وَوَلِيَ النِّقَابَةَ، ثُمَّ اعْتُقِلَ بِالْكُوفَةِ، وَكَانَ فَاضِلًا أَدِيبًا شَاعِرًا مُطَبِّقًا، أَوْرَدَ لَهُ ابْنُ السَّاعِي أَشْعَارًا كَثِيرَةً رحمه الله.
الشَّلَوْبِينُ (1) النَّحْوِيُّ هو عمر بن محمد بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَزْدِيُّ، أَبُو عَلِيٍّ الْأَنْدَلُسِيُّ الْإِشْبِيلِيُّ، الْمَعْرُوفُ بِالشَّلَوْبِينِ.
وَهُوَ بِلُغَةِ الْأَنْدَلُسِيِّينَ الْأَبْيَضُ الْأَشْقَرُ.
قَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ: خُتِمَ بِهِ أَئِمَّةُ النَّحْوِ، وَكَانَ فِيهِ تَغَفُّلٌ، وَذَكَرَ لَهُ شِعْرًا وَمُصَنَّفَاتٍ مِنْهَا شَرْحُ الْجُزُولِيَّةِ وَكِتَابُ التَّوْطِئَةِ.
وَأَرَّخَ وَفَاتَهُ بِهَذِهِ السَّنَةِ.
وَقَدْ جَاوَزَ الثَّمَانِينَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وعفا عنه.
(1) في تاريخ أبي الفداء: الشلوبيني، قال: والشلوبيني نسبة إلى شلوبين وهو حصن منيع من حصون الاندلس من معاملة سواحل غرناطة على بحر الروم.
فقد وهم القاضي ابن خلكان ومن تابعه أن الشلوبين هو الابيض الاشقر.
بلغة أهل الاندلس لعدم وقوفهم على كتاب المغرب في حلى أهل المغرب لابن سعيد المغربي (3 / 177) .
(*)
الشيخ علي الْمَعْرُوفُ بِالْحَرِيرِيِّ (1) أَصْلُهُ مِنْ قَرْيَةِ بُسْرَ شَرْقِيَّ ذرع، وَأَقَامَ بِدِمَشْقَ مُدَّةً يَعْمَلُ صَنْعَةَ الْحَرِيرِ، ثُمَّ تَرَكَ ذَلِكَ وَأَقْبَلَ يَعْمَلُ الْفَقِيرِيَّ عَلَى يَدِ الشيخ علي المغربل، وَابْتَنَى لَهُ زَاوِيَةً عَلَى الشَّرَفِ الْقِبْلِيِّ، وَبَدَرَتْ مِنْهُ
أَفْعَالٌ أَنْكَرَهَا عَلَيْهِ الْفُقَهَاءُ، كَالشَّيْخِ عِزِّ الدِّينِ بْنِ عَبْدِ السَّلام، وَالشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ بْنِ الصَّلَاحِ، وَالشَّيْخِ أَبِي عَمْرِو بْنِ الْحَاجِبِ شَيْخِ الْمَالِكِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ، فَلَمَّا كَانَتِ الدَّوْلَةُ الْأَشْرَفِيَّةُ حُبِسَ فِي قَلْعَةِ عَزَّتَا مُدَّةَ سِنِينَ ثُمَّ أَطْلَقَهُ الصَّالِحُ إِسْمَاعِيلُ وَاشْتَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يُقِيمَ بِدِمَشْقَ، فَلَزِمَ بَلَدَهُ بُسْرَ مُدَّةً حَتَّى كَانَتْ وَفَاتُهُ فِي هَذِهِ السَّنَةِ، قَالَ الشَّيخ شِهَابُ الدِّين أَبُو شَامَةَ فِي الذَّيْلِ: وَفِي رَمَضَانَ أَيْضًا تُوُفِّيَ الشَّيْخُ عَلِيٌّ الْمَعْرُوفُ بِالْحَرِيرِيِّ الْمُقِيمُ بِقَرْيَةِ بُسْرَ فِي زَاوِيَتِهِ، وَكَانَ يَتَرَدَّدُ إِلَى دِمَشْقَ، وَتَبِعَهُ طَائِفَةٌ مِنَ الْفُقَرَاءِ وَهُمُ المعروفون بأصحاب الحريري أصحاب الْمُنَافِي لِلشَّرِيعَةِ، وَبَاطِنُهُمْ شَرٌّ مِنْ ظَاهِرِهِمْ، إِلَّا مَنْ رَجَعَ إِلَى اللَّهِ مِنْهُمْ، وَكَانَ عِنْدَ هَذَا الْحَرِيرِيِّ مِنَ الِاسْتِهْزَاءِ بِأُمُورِ الشَّرِيعَةِ وَالتَّهَاوُنِ فيها من إظهار شعائر أهل الفسوق والعصيان شئ كَثِيرٌ، وَانْفَسَدَ بِسَبَبِهِ جَمَاعَةٌ كَبِيرَةٌ مِنْ أَوْلَادِ كُبَرَاءِ دِمَشْقَ وَصَارُوا عَلَى زِيِّ أَصْحَابِهِ، وَتَبِعُوهُ بِسَبَبِ أَنَّهُ كَانَ خَلِيعَ الْعِذَارِ، يَجْمَعُ مَجْلِسُهُ الغنا الدَّائِمَ وَالرَّقْصَ وَالْمُرْدَانَ، وَتَرْكَ الْإِنْكَارِ عَلَى أَحَدٍ فيما يفعله، وترك الصلوات وكثرت النَّفَقَاتِ، فَأَضَلَّ خَلْقًا كَثِيرًا وَأَفْسَدَ جَمًّا غَفِيرًا، وَلَقَدْ أَفْتَى فِي قَتْلِهِ مِرَارًا جَمَاعَةٌ مِنْ عُلَمَاءِ الشَّرِيعَةِ، ثُمَّ أَرَاحَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهُ.
هَذَا لَفْظُهُ بِحُرُوفِهِ.
وَاقِفُ الْعِزِّيَّةِ الْأَمِيرُ عِزُّ الدين أيبك أستاذ دار المعظم، كان مِنَ الْعُقَلَاءِ الْأَجْوَادِ الْأَمْجَادِ، اسْتَنَابَهُ الْمُعَظَّمُ عَلَى صرخد وظهرت منه نهضة وكفاية وسداد، وَوَقَفَ الْعِزِّيَّتَيْنِ الْجَوَّانِيَّةَ وَالْبَرَّانِيَّةَ، وَلَمَّا أَخَذَ مِنْهُ الصَّالِحُ أَيُّوبُ صَرْخَدَ عَوَّضَهُ عَنْهَا وَأَقَامَ بِدِمَشْقَ ثُمَّ وُشِيَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ يُكَاتِبُ الصَّالِحَ إِسْمَاعِيلَ فَاحْتِيطَ عَلَيْهِ وَعَلَى أَمْوَالِهِ وَحَوَاصِلِهِ فَمَرِضَ وَسَقَطَ إِلَى الْأَرْضِ، وَقَالَ: هَذَا آخِرُ عَهْدِي.
وَلَمْ يَتَكَلَّمْ حَتَّى مَاتَ وَدُفِنَ بِبَابِ النَّصْرِ بِمِصْرَ رحمه الله تعالى، ثُمَّ نُقِلَ إِلَى تُرْبَتِهِ الَّتِي فَوْقَ الْوَرَّاقَةِ.
وَإِنَّمَا أَرَّخَ السِّبْطُ وَفَاتَهُ فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَأَرْبَعِينَ فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الشِّهَابُ غَازِيُّ بْنُ الْعَادِلِ صَاحِبُ مَيَّافَارِقِينَ وَخِلَاطَ وَغَيْرِهِمَا مِنَ الْبُلْدَانِ، كَانَ مِنْ عُقَلَاءِ بَنِي أَيُّوبَ وَفُضَلَائِهِمْ، وَأَهْلِ الدِّيَانَةِ منهم، ومما أنشد قوله:
(1) وهو أبو محمد، علي بن منصور الدمشقي مات فجأة يوم الجمعة 26 رمضان وَقَدْ نَيَّفَ عَلَى التِّسْعِينَ.
(*)