الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْمَنْصُورِ اسْتَدْعَاهُ مِنَ الْحَجِّ فَوَلَّاهُ الْوِزَارَةَ، وَكَانَ يَتَعَاظَمُ عَلَى أَكَابِرِ الْأُمَرَاءِ وَيُسَمِّيهِمْ بِأَسْمَائِهِمْ، وَلَا يَقُومُ لَهُمْ، فَلَمَّا قُتِلَ أُسْتَاذُهُ الْأَشْرَفُ تَسَلَّمُوهُ بِالضَّرْبِ وَالْإِهَانَةِ وَأَخْذِ الْأَمْوَالِ، حَتَّى أَعْدَمُوهُ حَيَاتَهُ، وَصَبَرُوهُ وَأَسْكَنُوهُ الثَّرَى، بَعْدَ أَنْ كَانَ عِنْدَ نَفْسِهِ قَدْ بَلَغَ الثُّرَيَّا، وَلَكِنْ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنَّهُ مَا رَفَعَ شَيْئًا إِلَّا وَضَعَهُ.
ثم دخلت سنة أربع وتسعين وستمائة
اسْتَهَلَّتْ وَالْخَلِيفَةُ الْحَاكِمُ بِأَمْرِ اللَّهِ وَسُلْطَانُ الْبِلَادِ الْمَلِكُ النَّاصِرُ مُحَمَّدُ بْنُ قَلَاوُونَ وَعُمْرُهُ إِذْ ذَاكَ اثْنَتَا عَشْرَةَ سَنَةً وَأَشْهُرًا، وَمُدَبِّرُ الْمَمَالِكِ وَأَتَابِكُ الْعَسَاكِرِ الْأَمِيرُ زَيْنُ الدِّينِ كَتْبُغَا، وَنَائِبُ الشَّامِ الْأَمِيرُ عِزُّ الدِّينِ أَيْبَكَ الْحَمَوِيُّ، وَالْوَزِيرُ بِدِمَشْقَ تَقِيُّ الدِّينِ تَوْبَةُ التَّكْرِيتِيُّ، وَشَادُّ الدَّوَاوِينِ شَمْسُ الدِّينِ الْأَعْسَرُ، وَقَاضِي الشَّافِعِيَّةِ ابْنُ جَمَاعَةَ، وَالْحَنَفِيَّةِ حُسَامُ الدِّينِ الرَّازِيُّ، وَالْمَالِكِيَّةِ جَمَالُ الدِّينِ الزَّوَاوِيُّ، وَالْحَنَابِلَةِ شَرَفُ الدِّينِ حَسَنٌ، وَالْمُحْتَسِبُ شِهَابُ الدِّينِ الْحَنَفِيُّ، وَنَقِيبُ الْأَشْرَافِ زَيْنُ الدِّينِ بْنُ عَدْنَانَ، وَوَكِيلُ بَيْتِ الْمَالِ وَنَاظِرُ الْجَامِعِ تَاجُ الدِّينِ الشِّيرَازِيُّ، وَخَطِيبُ الْبَلَدِ شَرَفُ الدِّينِ الْمَقْدِسِيُّ.
فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ نَهَضَ جَمَاعَةٌ مِنْ مَمَالِيكِ الْأَشْرَفِ وَخَرَقُوا حُرْمَةَ السُّلْطَانِ وَأَرَادُوا الْخُرُوجَ عليه، وجاؤوا إِلَى سُوقِ السِّلَاحِ فَأَخَذُوا مَا فِيهِ، ثُمَّ احْتِيطَ عَلَيْهِمْ، فَمِنْهُمْ مَنْ صُلِبَ وَمِنْهُمْ مَنْ شُنِقَ، وَقُطِعَ أَيْدِي آخَرِينَ مِنْهُمْ وَأَلْسِنَتُهُمْ، وَجَرَتْ خبطة عظيمة جداً، وكانوا قريباً من ثلثمائة أَوْ يَزِيدُونَ.
سَلْطَنَةُ الْمَلِكِ الْعَادِلِ كَتْبُغَا وَأَصْبَحَ الْأَمِيرُ كَتْبُغَا فِي الْحَادِيِ عَشَرَ (1) مِنَ الْمُحَرَّمِ فَجَلَسَ عَلَى سَرِيرِ الْمَمْلَكَةِ، وَخَلَعَ الْمَلِكَ النَّاصِرَ مُحَمَّدَ بْنَ الْمَنْصُورِ، وَأَلْزَمَهُ بَيْتَ أَهْلِهِ، وَأَنْ لَا يَخْرُجَ مِنْهُ، وَبَايَعَهُ الْأُمَرَاءُ عَلَى ذَلِكَ، وهنئوه وَمَدَّ سِمَاطًا حَافِلًا، وَسَارَتِ الْبَرِيدِيَّةُ بِذَلِكَ إِلَى الأقاليم، فبويع له وَخُطِبَ لَهُ مُسْتَقِلًّا وَضُرِبَتِ السِّكَّةُ بِاسْمِهِ، وَتَمَّ الْأَمْرُ وَزُيِّنَتِ الْبِلَادُ، وَدَقَّتِ الْبَشَائِرُ، وَلُقِّبَ بِالْمَلِكِ الْعَادِلِ، وَكَانَ عُمْرُهُ إِذْ ذَاكَ نَحْوًا مِنْ خَمْسِينَ سَنَةً، فَإِنَّهُ مِنْ سَبْيِ وَقْعَةِ حِمْصَ الْأُولَى الَّتِي كَانَتْ فِي أَيَّامِ الْمَلِكِ الظَّاهِرِ بعد وقعة عين جالوت، وكان من الغويرانية، وَهُمْ طَائِفَةٌ مِنَ التَّتَرِ، وَاسْتَنَابَ فِي مِصْرِ الْأَمِيرَ حُسَامَ الدِّينَ لَاجِينَ السِّلَحْدَارِيَّ الْمَنْصُورِيَّ، وَكَانَ بين يديه مدير المماليك.
وقد ذكر الْجَزَرِيِّ فِي تَارِيخِهِ عَنْ بَعْضِ الْأُمَرَاءِ أَنَّهُ شهد هولاكو خان قَدْ سَأَلَ مُنَجِّمَهُ أَنْ يَسْتَخْرِجَ لَهُ مِنْ هؤلاء المقدمين في
(1) في مختصر أبي الفداء 4 / 31: يوم الأربعاء تاسع محرم.
(*)
عَسْكَرِهِ الَّذِي يَمْلِكُ الدِّيَارَ الْمِصْرِيَّةَ، فَضَرَبَ وَحَسَبَ وقال له: أجد رجلاً يملكها اسمه كتبغا فظنه كتبغا نوين، وهو صِهْرَ هُولَاكُو، فَقَدَّمَهُ عَلَى الْعَسَاكِرِ فَلَمْ يَكُنْ هُوَ، فَقُتِلَ فِي عَيْنِ جَالُوتَ كَمَا ذَكَرْنَا، وأن الذي ملك مصر هذا الرجل وهو مِنْ خِيَارِ الْأُمَرَاءِ وَأَجْوَدِهِمْ سِيرَةً وَمَعْدَلَةً، وَقَصْدًا فِي نُصْرَةِ الْإِسْلَامِ.
وَفِي يَوْمِ الْأَرْبِعَاءِ مُسْتَهَلِّ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ رَكِبَ كَتْبُغَا فِي أُبَّهَةِ الْمُلْكِ، وَشَقَّ الْقَاهِرَةَ وَدَعَا لَهُ النَّاسُ وَعَزَلَ الصَّاحِبَ تَاجَ الدِّينِ بْنَ الْحِنَّا عَنِ الْوِزَارَةِ وَوَلَّى فَخْرَ الدِّينِ بْنَ الْخَلِيلِيِّ (1) ، وَاسْتَسْقَى النَّاسُ بِدِمَشْقَ عِنْدَ مَسْجِدِ الْقَدَمِ، وَخَطَبَ بِهِمْ تَاجُ الدِّينِ صالح الجعبري نيابة عن مستخلفه شَرَفِ
الدِّينِ الْمَقْدِسِيِّ، وَكَانَ مَرِيضًا فَعَزَلَ نَفْسَهُ عَنِ الْقَضَاءِ، وَخَطَبَ النَّاس بَعْدَ ذَلِكَ، وَذَلِكَ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ خَامِسِ جُمَادَى الْأُولَى، فَلَمْ يُسْقَوْا ثُمَّ اسْتَسْقَوْا مَرَّةً أُخْرَى يَوْمَ السَّبْتِ سَابِعِ جُمَادَى الْآخِرَةِ بِالْمَكَانِ الْمَذْكُورِ، وَخَطَبَ بِهِمْ شَرَفُ الدين المقدسي، وكان الجمع أكثر من أول، فلم يسقوا.
وفي رجب حكم جمال الدِّينِ بْنُ الشَّرِيشِيِّ نِيَابَةً عَنِ الْقَاضِي بَدْرِ الدين بن جماعة، وفيه درس بالمعظمية لقاضي شَمْسُ الدِّينِ بْنُ الْعِزِّ، انْتَزَعَهَا مِنْ عَلَاءِ الدِّينِ بْنِ الدَّقَّاقِ.
وَفِيهِ وَلِيَ الْقُدْسَ وَالْخَلِيلَ للك الأوحد بن الْمَلِكِ النَّاصِرِ دَاوُدُ بْنُ الْمُعَظَّمِ.
وَفِي رَمَضَانَ رسم للحنابلة أن يصلوا قبل الإمام كبير وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا يُصَلُّونَ بَعْدَهُ فَلَمَّا أُحْدِثَ لمحراب الصحابة إمام كانوا يصلون جميعاً في وقت حد، فحصل تَشْوِيشٌ بِسَبَبِ ذَلِكَ، فَاسْتَقَرَّتِ الْقَاعِدَةُ عَلَى أَنْ يصلوا قبل الإمام الكبير، في ت صَلَاةِ مُشْهِدِ عَلَيٍّ بِالصَّحْنِ عِنْدَ مِحْرَابِهِمْ فِي الرُّوَاقِ الثَّالِثِ الْغَرْبِيِّ.
قُلْتُ: وَقَدْ تَغَيَّرَتْ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ بَعْدَ الْعِشْرِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ كَمَا سَيَأْتِي وَفِي أَوَاخِرِ رَمَضَانَ قَدِمَ الْقَاضِي نَجْمُ الدِّينِ بْنُ صَصْرَى مِنَ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ عَلَى قَضَاءِ الْعَسَاكِرِ بِالشَّامِ، وَفِي ظُهْرِ يَوْمِ الْخَمِيسِ خَامِسِ شَوَّالٍ صَلَّى الْقَاضِي بَدْرُ الدِّينِ بْنُ جَمَاعَةَ بِمِحْرَابِ لجامع إِمَامًا وَخَطِيبًا عِوَضًا عَنِ الْخَطِيبِ الْمُدَرِّسِ شَرَفِ الدين المقدسي، ثم خطب من الغد شكرت خطبته وقراءته، وذلك مضاف إلى ما بيده من القضاء وغيره.
وفي أوائل شَوَّالٍ قَدِمَتْ مِنَ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ تَوَاقِيعُ شَتَّى مِنْهَا تَدْرِيسُ الْغَزَّالِيَّةِ لِابْنِ صَصْرَى عِوَضًا عَنِ الْخَطِيبِ الْمَقْدِسِيِّ، وَتَوْقِيعٌ بِتَدْرِيسِ الْأَمِينِيَّةِ لِإِمَامِ الدِّينِ الْقَزْوِينِيِّ عِوَضًا عَنْ نَجْمِ الدِّينِ بْنِ صَصْرَى، وَرُسِمَ لِأَخِيهِ جَلَالِ الدِّينِ بِتَدْرِيسِ الظَّاهِرِيَّةِ الْبَرَّانِيَّةِ عِوَضًا عَنْهُ.
وَفِي شَوَّالٍ كَمَلَتْ عِمَارَةُ الْحَمَّامِ الَّذِي أَنْشَاهُ عِزُّ الدِّينِ الْحَمَوِيُّ بِمَسْجِدِ الْقَصَبِ، وَهُوَ مِنْ أَحْسَنِ الْحَمَّامَاتِ، وَبَاشَرَ مَشْيَخَةَ دَارِ الْحَدِيثِ النُّورِيَّةِ الشَّيْخُ عَلَاءُ الدِّينِ بْنُ الْعَطَّارِ عوضاً عن شرف الدين المقدسي.
وحج
(1) وكان الخليلي ناظر الدواوين في الوزارة، وقد تم تنفيذ هذا الاجراء يوم الثلاثاء خامس عشرين جمادى الأولى (السلوك 1 / 808) .
(*)