الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كَبِيرًا بَعْدَ أَنْ أَقَامَ بِخَانْقَاهِ السُّمَيْسَاطِيَّةِ أَيَّامًا، وَدُفِنَ بِمَقَابِرِ الصُّوفِيَّةِ، وَكَانَتْ لَهُ جَنَازَةٌ حَافِلَةٌ، حَضَرْتُ دَفْنَهُ وَالصَّلَاةَ عَلَيْهِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى.
أبو الفضل أحمد بن اسفنديار ابن الموفق بن أبي علي البوسنجي الْوَاعِظُ، شَيْخُ رِبَاطِ الْأُرْجُوَانِيَّةِ.
قَالَ ابْنُ السَّاعِي: كَانَ جَمِيلَ الصُّورَةِ حَسَنَ الْأَخْلَاقِ كَثِيرَ التَّوَدُّدِ والتواضع، متكلماً متفوهاً مَنْطِقِيًّا حَسَنَ الْعِبَارَةِ جِيِّدَ الْوَعْظَ طَيِّبَ الْإِنْشَادِ عَذْبَ الْإِيرَادِ، لَهُ نَظْمٌ حَسَنٌ، ثُمَّ سَاقَ عَنْهُ قَصِيدَةً يَمْدَحُ بِهَا الْخَلِيفَةَ الْمُسْتَنْصِرَ.
أَبُو بكر محمد بن يحيى ابن المظفر بن علم بْنِ نُعَيْمٍ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ الْحُبَيْرِ (1) السَّلَامِيِّ، شَيْخٌ عَالِمٌ فَاضِلٌ، كَانَ حَنْبَلِيًّا ثُمَّ صَارَ شَافِعِيًّا، وَدَرَّسَ بِعِدَّةِ مَدَارِسَ بِبَغْدَادَ لِلشَّافِعِيَّةِ، وَكَانَ أَحَدَ الْمُعَدِّلِينَ بِهَا، تَوَلَّى مُبَاشَرَاتٍ كَثِيرَةً، وَكَانَ فَقِيهًا أُصُولِيًّا عَالِمًا بِالْخِلَافِ، وَتَقَدَّمَ بِبَلَدِهِ وَعَظُمَ كَثِيرًا، ثُمَّ اسْتَنَابَهُ ابْنُ فَضْلَانَ بِدَارِ الْحَرِيمِ، ثُمَّ صَارَ مِنْ أَمْرِهِ أَنْ دَرَّسَ بِالنِّظَامِيَّةِ وَخُلِعَ عَلَيْهِ بِبَغْلَةٍ، وَحَضَرَ عِنْدَهُ الْأَعْيَانُ، وَمَا زَالَ بِهَا حَتَّى تُوُفِّيَ عَنْ ثَمَانِينَ سَنَةً، وَدُفِنَ بِبَابِ حَرْبٍ.
قَاضِي الْقُضَاةِ بِبَغْدَادَ أَبُو الْمَعَالِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُقْبِلِ (2) بْنِ عَلِيٍّ الْوَاسِطِيُّ الشَّافِعِيُّ، اشْتَغَلَ بِبَغْدَادَ وَحَصَّلَ وَأَعَادَ فِي بَعْضِ الْمَدَارِسِ، ثُمَّ اسْتَنَابَهُ قَاضِي الْقُضَاةِ عِمَادُ الدِّينِ أَبُو صَالِحٍ نَصْرُ بْنُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ بْنِ عَبْدِ الْقَادِرِ فِي أَيَّامِ الْخَلِيفَةِ الظَّاهِرِ بْنِ النَّاصِرِ، ثُمَّ وَلِيَ قَضَاءَ الْقُضَاةِ مُسْتَقِلًّا، ثُمَّ وَلِيَ تَدْرِيسَ الْمُسْتَنْصِرِيَّةِ بَعْدَ مَوْتِ أَوَّلِ مَنْ دَرَّسَ بِهَا مُحْيِي الدِّينِ مُحَمَّدِ بْنِ فَضْلَانَ، ثم عزل عن ذلك كله وعن مشيخة بَعْضِ الرُّبُطِ.
ثُمَّ كَانَتْ وَفَاتُهُ فِي هَذَا الْعَامِ، وَكَانَ فَاضِلًا دَيِّنًا مُتَوَاضِعًا رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى وعفا عنه.
ثم دخلت سنة تسع وعشرين وثلثمائة
فيها
توفي الخليفة المستنصر بالله وخلافة ولده المستعصم بالله
، فكانت وفاة الخليفة أمير
(1) في المطبوعة: الحسر تحريف.
والحبير: تصغير حبر.
(2)
في شذرات الذهب 5 / 204: ابن نفيل.
(*)
الْمُؤْمِنِينَ بُكْرَةَ يَوْمِ الْجُمُعَةِ عَاشِرَ جُمَادَى الْآخِرَةِ (1) ، وَلَهُ مِنَ الْعُمْرِ إِحْدَى وَخَمْسُونَ سَنَةً، وَأَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَسَبْعَةُ أَيَّامٍ (2) ، وَكُتِمَ مَوْتُهُ حَتَّى كَانَ الدُّعَاءُ لَهُ عَلَى الْمَنَابِرِ ذَلِكَ الْيَوْمَ، وَكَانَتْ مُدَّةُ وِلَايَتِهِ سِتَّ عَشْرَةَ سَنَةً وَعَشَرَةَ أَشْهُرٍ وَسَبْعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا (3) ، وَدُفِنَ بِدَارِ الْخِلَافَةِ، ثُمَّ نُقِلَ إِلَى التُّرَبِ مِنَ الرُّصَافَةِ.
وَكَانَ جَمِيلَ الصُّورَةِ حَسَنَ السَّرِيرَةِ جَيِّدَ السِّيرَةِ، كَثِيرَ الصَّدَقَاتِ وَالْبِرِّ وَالصِّلَاتِ، مُحْسِنًا إِلَى الرَّعِيَّةِ بِكُلِّ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ، كَانَ جَدُّهُ النَّاصِرُ قَدْ جَمَعَ ما يتحصل من الذهب في بركة في دار الْخِلَافَةِ، فَكَانَ يَقِفُ عَلَى حَافَّتِهَا وَيَقُولُ: أَتُرَى أَعِيشُ حَتَّى أَمْلَأَهَا، وَكَانَ الْمُسْتَنْصِرُ يَقِفُ عَلَى حَافَّتِهَا وَيَقُولُ أَتُرَى أَعِيشُ حَتَّى أُنْفِقَهَا كُلَّهَا.
فكان يَبْنِي الرُّبُطَ وَالْخَانَاتِ وَالْقَنَاطِرَ فِي الطُّرُقَاتِ مِنْ سَائِرِ الْجِهَاتِ، وَقَدْ عَمِلَ بِكُلِّ مَحَلَّةٍ مِنْ محال بغداد دار ضيافة للفقراء، لا سيما في شهر رمضان، وكان يتقصد الجواري اللائي قَدْ بَلَغْنَ الْأَرْبَعِينَ فَيُشْتَرَيْنَ لَهُ فَيُعْتِقُهُنَّ وَيُجَهِّزُهُنَّ وَيُزَوِّجُهُنَّ، وَفِي كُلِّ وَقْتٍ يُبْرِزُ صِلَاتِهِ أُلُوفٌ مُتَعَدِّدَةٌ مِنَ الذَّهَبِ، تُفَرَّقُ فِي الْمَحَالِّ بِبَغْدَادَ عَلَى ذَوِي الْحَاجَاتِ وَالْأَرَامِلِ وَالْأَيْتَامِ وَغَيْرِهِمْ، تَقَبَّلَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهُ وَجَزَاهُ خَيْرًا، وَقَدْ وَضَعَ بِبَغْدَادَ الْمَدْرَسَةَ الْمُسْتَنْصِرِيَّةَ لِلْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ، وَجَعَلَ فِيهَا دار حديث وَحَمَّامًا وَدَارَ طِبٍّ، وَجَعَلَ لِمُسْتَحِقِّيهَا مِنَ الْجَوَامِكِ والأطعمة والحلاوات والفاكهة مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ فِي أَوْقَاتِهِ، وَوَقَفَ عَلَيْهَا أَوْقَافًا عَظِيمَةً حَتَّى قِيلَ إِنَّ ثَمَنَ التِّبْنِ مِنْ غَلَّاتِ رِيعِهَا يَكْفِي الْمَدْرَسَةَ وَأَهْلَهَا.
وَوَقَفَ فيها كتباً نفيسة ليس في الدنيا لها نظير، فكانت هذه المدرسة جمالاً لبغداد وسائر البلاد (4) ، وقد احترق في أول هَذِهِ السَّنَةِ الْمَشْهَدُ الَّذِي بِسَامَرَّا الْمَنْسُوبُ إِلَى عَلِيٍّ الْهَادِي وَالْحَسَنِ الْعَسْكَرِيِّ، وَقَدْ كَانَ بَنَاهُ أَرْسَلَانُ الْبَسَاسِيرِيُّ فِي أَيَّامِ تَغَلُّبِهِ عَلَى تِلْكَ النَّوَاحِي، فِي حُدُودِ سَنَةِ خَمْسِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ، فَأَمَرَ الْخَلِيفَةُ الْمُسْتَنْصِرُ بِإِعَادَتِهِ إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ، وَقَدْ تَكَلَّمَتِ الرَّوَافِضُ فِي الِاعْتِذَارِ عَنْ حَرِيقِ هَذَا الْمَشْهَدِ بِكَلَامٍ طَوِيلٍ بَارِدٍ لَا حَاصِلَ لَهُ، وَصَنَّفُوا فِيهِ أَخْبَارًا وَأَنْشَدُوا أَشْعَارًا كَثِيرَةً لَا مَعْنَى لَهَا، وَهُوَ الْمَشْهَدُ الَّذِي يَزْعُمُونَ أَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْهُ
الْمُنْتَظَرُ الَّذِي لَا حَقِيقَةَ له، فلا عَيْنَ وَلَا أَثَرَ، وَلَوْ لَمْ يُبْنَ لَكَانَ أجدر، وَهُوَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ الْجَوَادِ بْنِ عَلِيٍّ الرِّضَا بْنِ مُوسَى الْكَاظِمِ بْنِ جَعْفَرٍ الصَّادِقِ بن علي بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْبَاقِرِ بْنِ عَلِيٍّ زَيْنِ
(1) في نهاية الارب 23 / 322: لعشر خلون من جمادى الأولى، وفي الجواهر الثمين 1 / 218: في ثاني وعشرين جمادى الآخرة سنة 639 هـ.
(2)
في دول الاسلام 2 / 145: وله اثنتان وخمسون سنة.
وفي خلاصة الذهب المسبوك ص 288: اثنتان وخمسون سنة وستة أشهر وسبعة عشر يوماً.
(3)
في خلاصة الذهب المسبوك ص 289: ست عشرة سنة وعشرة أشهر وعشرين يوماً.
وفي نهاية الارب 23 / 322: سبع عشرة سنة إلا ثلاثة أشهر وثلاثين يوما.
وفي دول الاسلام 2 / 146: سبع عشرة سنة.
(4)
وتسمى أيضا بالمدرسة الشاطئية.
قال صاحب مرآة الزمان 8 / 739 فيها: " وليس في الدنيا مثل هذه المدرسة، ولا بني مثلها في سالف الاعوام، فهي في العراق كجامع دمشق وقبة الصخرة بالشام " وبشأنها جاء في دول الاسلام حوليات 631 هـ: " وفيها تكامل بناء المدرسة المستنصرية، قيل أن قيمة ما وقف عليها يساوي ألف ألف دينار، غلت في بعض السنين سبعين ألف دينار ".
(*)