الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(27) - (1390) - بَابُ الشِّعْرِ
(54)
- 3698 - (1) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ الْمُبَارَك، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِث، عَنْ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ،
===
(27)
- (1390) - (باب الشعر)
(54)
- 3698 - (1)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي، ثقة، من العاشرة، مات سنة خمس وثلاثين ومئتين (235 هـ). يروي عنه:(خ م د س ق).
(حدثنا عبد الله بن المبارك) المروزي الحنظلي مولاهم، ثقة ثبت فقيه عالم جواد مجاهد جمعت فيه خصال الخير، من الثامنة، مات سنة إحدى وثمانين ومئة (181 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن يونس) بن يزيد الأيلي الأموي، ثقة، من السابعة، مات سنة تسع وخمسين ومئة (159 هـ) على الصحيح، وقيل: سنة ستين. يروي عنه: (ع).
(عن) محمد بن مسلم (الزهري) المدني إمام الأئمة متقن حجة، من الرابعة، مات سنة خمس وعشرين ومئة، وقيل: قبل ذلك بسنة أو سنتين. يروي عنه: (ع).
(حدثنا أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث) بن هشام بن المغيرة المخزومي المدني، قيل: اسمه محمد، وقيل: المغيرة، وقيل: أبو بكر اسمه وكنيته أبو عبد الرحمن، وقيل: اسمه كنيته، (راهب قريش) ثقة فقيه عابد، من الثالثة، مات سنة أربع وتسعين (94 هـ)، وقيل غير ذلك. يروي عنه:(ع).
(عن مروان بن الحكم) بن أبي العاص بن أمية أبي عبد الملك الأموي
عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَسْوَدِ بْنِ عَبْدِ يَغُوثَ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"إِنَّ مِنَ الشِّعْرِ لَحِكْمَةً".
===
المدني، ولي الخلافة في آخر سنة أربع وستين، ومات سنة خمس وستين في رمضان (65 هـ)، من الثانية. يروي عنه:(خ عم).
(عن عبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث) بن وهب بن عبد مناف بن زهرة الزهري، ولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ومات أبوه في ذلك الزمان، فعد لذلك في الصحابة، وقال العجلي: من كبار التابعين. يروي عنه: (خ د ق).
(عن أبي بن كعب) بن قيس بن عبيد - مصغرًا - ابن زيد بن معاوية بن عمرو بن مالك بن النجار الأنصاري الخزرجي النجاري أبي المنذر سيد القراء، من فضلاء الصحابة رضي الله تعالى عنه وعنهم أجمعين، اختلف في سنة موته اختلافًا كثيرًا: قيل: سنة تسع عشرة، وقيل: سنة اثنتين وثلاثين، وقيل غير ذلك. يروي عنه:(ع).
وهذا السند من ثمانياته، وهو من نوازل أسانيد ابن ماجه، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله كلهم ثقات أثبات، ومن لطائفه: أن فيه رواية تابعي عن تابعي، وصحابي عن صحابي.
(أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن من الشعر لحكمة") أي: ما فيه حق وحكمة أو قولًا صادقًا مطابقًا للحق، وقيل: أصل الحكمة: المنع؛ فالمعنى حينئذٍ: إن من الشعر كلامًا نافعًا يمنع من السفه والجهل؛ وهو ما نظمه الشعراء من المواعظ والأمثال التي ينتفع بها الناس. انتهى من "العون".
قال السندي: (إن من الشعر لحكمة): (من) تبعيضية؛ يُريدُ: أن الشعر لا دخل له في الحسن والقبح، ولا يعتبر به حال المعاني في الحسن والقبح؛ والمدار إنما هو على المعاني، لا على كون الكلام نثرًا أو نظمًا؛ فإنهما كيفيتان
(55)
- 3699 - (2) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ زَائِدَةَ، عَنِ سِمَاكٍ،
===
لأداء المعنى وطريقان إليه، ولكن المعنى إن كان حسنًا وحكمة .. فذلك الشعر حكمة، وإذا كان قبيحًا .. فذلك كذلك؛ أي: قبيح، وإنما يذم الشعر شرعًا؛ بناء على أنه غالبًا يكون مدحًا لمن لا يستحقه، أو ذمًا لمن لا يليق بالذم، ولذلك لما قال تعالى في الشعراء:{وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ} (1)، استثنى من ذلك بقوله: {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ
…
} الآية (2).
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: البخاري في كتاب الأدب، باب ما يجوز من الشعر والرجز، وأبو داوود في كتاب الأدب، باب ما جاء في الشعر.
ودرجته: أنه صحيح؛ لصحة سنده وللمشاركة فيه، وغرضه: الاستدلال به على الترجمة.
* * *
ثم استشهد المؤلف لحديث أبي بن كعب بحديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهم، فقال:
(55)
- 3699 - (2)(حدثنا أبو بكر) ابن أبي شيبة، (حدثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة، (عن زائدة) بن قدامة الثقفي أبي الصلت الكوفي، ثقة ثبت صاحب سنة، من السابعة، مات سنة ستين ومئة (160 هـ)، وقيل بعدها. يروي عنه:(ع).
(عن سماك) - بكسر أوله وتخفيف الميم - ابن حرب بن أوس بن خالد الذهلي البكري أبي المغيرة الكوفي، صدوق، وروايته عن عكرمة خاصةً
(1) سورة الشعراء: (224).
(2)
سورة الشعراء: (227).
عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ:"إِنَّ مِنَ الشِّعْرِ حِكَمًا".
===
مضطربةٌ، وقد تغير بأخرة، فكان يلقن، من الرابعة، مات سنة ثلاث وعشرين ومئة (123 هـ). يروي عنه:(م عم).
(عن عكرمة) البربري أبي عبد الله الهاشمي مولاهم المكي، ثقة عالم بالتفسير، من الثالثة، مات سنة أربع ومئة، وقيل بعد ذلك. يروي عنه:(ع).
(عن ابن عباس) رضي الله تعالى عنهما.
وهذا السند من سداسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات.
(أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: "إن من الشعر حكمًا") - بكسر الحاء المهملة وفتح الكاف - جمع حكمة؛ نظيرُ قِرَبٍ وقِرْبةٍ.
وفي رواية أبي داوود: (حُكْمًا) - بضم فسكون - أي: حكمةً؛ كما في قوله تعالى: {وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا} (1)؛ أي: الحكمةَ، كذا قال القاري.
وقال العزيزي في "السراج المنير على الجامع الصغير" في شرح هذا الحديث: (حكما) - بكسر ففتح - جمع حكمة؛ أي: حكمةً وكلامًا نافعًا في المواعظ وذم الدنيا والتحذير من غرورها ونحو ذلك. انتهى، انتهى من "العون".
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: أبو داوود في كتاب الأدب، باب ما جاء في الشعر، والترمذي في كتاب الأدب، باب ما جاء إن من الشعر حكمةً، قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، وابن حبان وأحمد والبيهقي وابن أبي شيبة وأبو يعلى والبخاري في "الأدب المفرد".
(1) سورة مريم: (12).
(56)
- 3700 - (3) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاح، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "أَصْدَقُ كَلِمَةٍ
===
ودرجته: أنه صحيح؛ لصحة سنده وللمشاركة فيه، وغرضه: الاستشهاد به لحديث أبي بن كعب.
* * *
ثم استشهد المؤلف ثانيًا لحديث أبي بن كعب بحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنهما، فقال:
(56)
- 3700 - (3)(حدثنا محمد بن الصباح) بن سفيان الجرجرائي - بجيمين مفتوحتين بينهما راء ساكنة ثم راء خفيفة - أبو جعفر التاجر، صدوق، من العاشرة، مات سنة أربعين ومئتين (240 هـ). يروي عنه:(د ق).
(حدثنا سفيان بن عيينة) ثقة، من الثامنة، مات سنة ثمان وتسعين ومئة (198 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن عبد الملك بن عمير) - مصغرًا - ابن سويد اللخمي الفرسي حليف بني عَدِيٍّ الكوفي، ثقة فصيح عالم تغير حفظه، من الرابعة، مات سنة ست وثلاثين ومئة (136 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن أبي سلمة) عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني، ثقة فقيه، من الثالثة، مات سنة أربع وتسعين أو أربع ومئة. يروي عنه:(ع).
(عن أبي هريرة) رضي الله تعالى عنه.
وهذا السند من خماسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات.
(أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أصدق كلمة) أي: أوفقها بالصدق والحق؛ وأراد بالكلمة هنا: معناها اللغوي؛ وهو اللفظ المفيد، سواء كان مفردًا
قَالَهَا الشَّاعِرُ كَلِمَةُ لَبِيدٍ:
أَلَا كُلُّ شَيْءٍ مَا خَلَا اللهَ بَاطِلُ
…
........................
===
أو مركبًا كلمة أو كلمات؛ أي: أصدق لفظ (قالها الشاعر) من شعراء العرب (كلمة لبيد) بن ربيعة؛ أي: قوله؛ حيث قال:
(ألا كل شيء ما خلا الله باطل)
…
وكل نعيم لا محالة زائل
أي: انتبهوا واستمعوا ما أقول لكم: كلُّ شيء من المعبودات؛ حيوانًا كان أو جمادًا، حيًّا كان أو ميتًا .. باطلٌ غير صحيح عبادته ما عدا الله، وخالفه؛ لأنه هو المستحق للعبادة بذاته من كل مخلوقاته، وكل نعيم من نعم الدنيا؛ حسيًا كان أو معنويًا، ظاهريًا كان أو باطنيًا، كسبيًا أو موهبيًا .. زائلٌ فانٍ منعدمٌ لا محالة ولا ريب ولا شك في زوالها؛ كما قال تعالى:{كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (26) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ} (1)، والمراد بالكلمة: القطعة من الكلام؛ أي: أبلغ كلام تكلم العرب به شعرًا كلام لبيد بن ربيعة؛ حيث قال هذا البيت من الطويل.
قال العيني: ولبيد هذا؛ هو لبيد بن ربيعة بن مالك العامري أبو عقيل الكوفي، عاش مئة وأربعًا وخمسين سنة (154) مات في خلافة عثمان رضي لله تعالى عنهما. انتهى.
وكان من شعراء الجاهلية وفرسانهم، أدرك الإسلام، وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم في وفد بني كلاب، فأسلموا ورجعوا إلى بلادهم، ثم قدم لبيد الكوفة، فأقام بها إلى زمن معاوية حتى توفي به بها، وقد عمر مئة وعشرين سنة، وقيل: مئة وثلاثين سنة، وقيل: مئة وأربعين، منها تسعون سنة
(1) سورة الرحمن: (26 - 27).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
في الجاهلية، وباقيتها في الإسلام، وهو القائل هذا البيت:
ولقد سئمت من الحياة وطولها
…
وسؤال هذا الناس كيف لبيد
ولقد كتب عمر رضي الله عنه إلى عامله في الكوفة: سل لبيدًا والأغلب العجلي؛ ما أحدثا من الشعر في الإسلام، فسأله العامل، فقال لبيد: أبدلني الله بالشعر سورة البقرة وآل عمران، فزاد عمر في عطائه، ويقال: إنه ما قال في الإسلام إلا بيتًا واحدًا، فقيل هو قوله:
الحمد لله إذ لم يأتني أجلي
…
حتى كساني من الإسلام سربالا
وقيل: هو قوله:
ما عاتب المرء الكريم كنفسه
…
والمرء يصلحه الجليس الصالح
وكان عطاؤه ألفين، فزاد فيه عمر رضي الله تعالى عنه حتى صار ألفين وخمس مئة، فلما كان في زمن معاوية .. قال له معاوية: هذان الفودان لك أولًا، فما بال العلاوة تأخذه؟ يعني: بالفودين: الألفين، وبالعلاوة: الخمس مئة، وأراد معاوية أن يحطه إياها، فقال لبيد: أموت الآن فتبقى لك العلاوة والفودان، فَرَقَّ له معاوية وترك عطاءه على حاله بلا نقص، فمات بعد ذلك بيسير، وكان لبيد من أسخياء الناس، وكان أبوه ربيعة كذلك، حتى كان يقال لأبيه: ربيعُ المُقْتِرِينَ، وكان لبيد قد حلف ألا تهب الصبا إلا أطعم الناس، وفيه قال الوليد بن عقبة:
أَرَى الجزَّارَ يَشْحَذُ شَفْرَتَيْهِ
…
إِذا هَبَّتْ رياحُ أَبي عقيلِ
أَشَمُّ الأَنفِ أَصْيدُ عَامِريٌّ
…
طويلُ الباعِ كالسَّيْفِ الصَّقِيلِ
قاله الحافظ في "الإصابة"(3/ 307) وابن قتيبة في الشعر والشعراء.
وقوله: (ألا كل شيء
…
) إلى آخره، هو مبتدأ مضاف إلى النكرة مفيد
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
للاستغراق، وخبره:(باطل) ومعناه: أي: فان مضمحل، ولذا قال صلى الله عليه وسلم في حقه:(أصدق كلمة) لموافقة المصراع لأصدق الكلام؛ وهو قوله تعالى: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ} (1).
وقوله: (ما خلا الله) بنصب الجلالة بـ (خلا) والمعنى: كل شيء خلا الله وخلا صفاته تعالى فان، إلا ما شاء الله تعالى، أو المعنى: كل شيء سوى الله تعالى جائز عليه الفناء لذاته. انتهى "قسطلاني".
والمراد: أن الله تعالى هو المستقل بالوجود، وليس في الكون ما يستقل بوجوده إلا الله تبارك وتعالى؛ فإنه لا يحتاج إلى خالق موجد، بخلاف جميع الأشياء؛ فإنها تحتاج إلى مكون وموجد لها، وهذا طرف من قصيدته المشهورة، وفيها:
ألا كلُّ شيءٍ ما خلا الله باطلُ
…
وكلُّ نعيمٍ لا محالةَ زائلُ
إذا المرء أسرى لَيْلَةً ظنَّ أنه
…
قضى عملًا والمرء ما عاش عامل
حبائلُه مَبْثُوثَةٌ بِسَبِيلهِ
…
ويَفْنَى إذا ما أَخْطَأَتْه الحبائلُ
وكلُّ ابنِ أنثى لو تطاول عمره
…
إلى الغايةِ القُصوى فللموت آيلُ
وكل أُنَاسٍ سوف تدخلُ بينهم
…
دُوَيْهيةٌ تَصْفَرُّ مِنها الأناملُ
وكل امرئ يومًا سيعلمُ سَعْيَهُ
…
إذا كُشفَتْ عند الإلهِ المحَاصِلُ
وهذه الأبيات من قصيدة لامية من الطويل؛ ومعنى باطل: زائل، والنعيم: ما أنعم الله به على عباده، (ولا محالة) - بفتح الميم - أي: لا بد، وقيل: لا حيلة.
وقال بعضهم: الجنة نعيم، وهي لا تزول أبدًا، فكيف يقول: وكل نعيم .. إلى آخره؟ أجيب عنه بجوابين:
(1) سورة الرحمن: (26).
وَكَادَ أُمَيَّةُ بْنُ أَبِي الصَّلْتِ أَنْ يُسْلِمَ".
===
الأول: أنه قاله قبل إسلامه، فيحتمل: أن يكون اعتقاده حينئذ أن لا وجود للجنة، أو لا دوام لها؛ كما هو مذهب طائفة من أهل الضلال.
ثانيهما: أن يكون أراد مما سوى الجنة من نعيم الدنيا؛ لأنه كان بصدد ذم الدنيا وبيان سرعة زوالها، وأما تكذيب عثمان إياه .. فلحمل كلامه على العموم.
(و) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضًا: (كاد أمية بن أبي الصلت أن يسلم) في شعره بلسانه لا بقلبه؛ حيث قال:
لك الحمدُ والنعماءُ والملكُ ربَّنا
…
فلا شيء أعلى منك مجدًا وأمجدُ
مليكٌ على عرش السماءِ مهيمنٌ
…
لِعزَّتهِ تَعْنُو الوجُوهُ وتسجدُ
فسبحانَ مَنْ لا يعرف الخَلْقُ قَدْرهُ
…
ومَنْ هو فوق العرش فردٌ موحَّدُ
هو الله باري الخلق والخلقُ كلهم
…
إِماءٌ له طوعًا جميعًا وأَعْبدُ
مليكُ السماواتِ الشِّدادِ وأَرْضِها
…
يَدومُ ويَبْقَى والخليقةُ تَنْفدُ
والمراد: أن المعاني التي أتى بها أمية ابن أبي الصلت في أشعاره معان صحيحة حِكَمِيَّة لا تصدر في الغالب إلا عن رجل مسلم، فكاد أمية أن يسلم، ولكنه لم يقدر له ذلك؛ أي: قارب أن يسلم؛ لأن أكثر أشعاره يُشعر بالتَّوحِيدِ.
قال القسطلاني: كان من شعراء الجاهلية، وأدرك مبادئ الإسلام، بلغه خبر البعث، لكنه لم يوفق للإيمان برسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان يتعبد في الجاهلية، وأكثر ما في شعره من التوحيد، وكان غواصًا على المعاني، معتنيًا بالحقائق، ولذا استحسن رسول الله صلى الله عليه وسلم شعره، واستزاد من إنشاده؛ لما فيه من الإقرار بالوحدانية والبعث، وفي الحديث دلالة على جواز إنشاد الشعر الذي لا فحش فيه واستماعِه، سواء في ذلك شعر الجاهلية وغيرهم، وأن المذموم من الشعر الذي لا فحش فيه إنما هو الإكثار منه، وكونه
(57)
- 3701 - (4) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْلَى، عَنْ عَمْرِو بْنِ الشَّرِيدِ، عَنْ أَبِيهِ
===
غالبًا على الإنسان، فأما يسيره .. فلا بأس بإنشاده وسماعه وحفظه. انتهى، انتهى من "الكوكب".
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: البخاري في كتاب مناقب الأنصار، باب أيام الجاهلية، ومسلم في كتاب الشعر أول كتاب الشعر، والترمذي في كتاب الأدب، باب ما جاء في إنشاد الشعر.
فهذا الحديث في أعلى درجات الصحة؛ لأنه من المتفق عليه، وغرضه: الاستشهاد به.
* * *
ثم استشهد المؤلف ثالثًا لحديث أبي بن كعب بحديث شريد بن سويد رضي الله تعالى عنهما، فقال:
(57)
- 3701 - (4)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا عيسى بن يونس) بن أبي إسحاق السبيعي كوفي نزل الشام مرابطًا، ثقة مأمون، من الثامنة، مات سنة سبع وثمانين، وقيل: سنة إحدى وتسعين. يروي عنه (ع).
(عن عبد الله بن عبد الرحمن بن يعلى) بن كعب الطائفي أبي يعلى الثقفي، صدوق يخطئ ويهم، من السابعة. يروي عنه:(م د س ق).
(عن عمرو بن الشريد) بن سويد الثقفي أبي الوليد الطائفي، ثقة، من الثالثة. يروي عنه:(خ م د س ق).
(عن أبيه) شريد بن سويد الثقفي الطائفي الصحابي المشهور رضي الله تعالى عنه.
قَالَ: أَنْشَدْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِئَةَ قَافِيَةٍ مِنْ شِعْرِ أُمَيَّةَ بْنِ أَبِي الصَّلْتِ يَقُولُ بَيْنَ كُلِّ قَافِيَةٍ: "هِيهِ"، وَقَالَ:"كَادَ أَنْ يُسْلِمَ".
===
وهذا السند من خماسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات أثبات.
(قال) شريد بن سويد: ركبت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا من الأيام واستنشدني من شعر أمية بن أبي الصلت، فـ (أنشدت رسول الله صلى الله عليه وسلم أي: قرأت عليه (مئة قافية) أي: مئة بيت (من شعر أمية بن أبي الصلت) حالة كونه صلى الله عليه وسلم (يقول) لي (بين كل قافية) أي: بعد كل قافيةٍ وبيتٍ قرأتُها عليه: (هيه) أي: زدنيه من قراءتها علي، قال الأبي: بكسر الهاء الأولى وسكونِ الياءِ والهاءِ الأخيرة كلمة استزادة؛ معناها: زدني منه شيئًا.
وأصلها: (إيه) - بالهمزة المكسورة - فإن نونتها .. فهي نكرة من أسماء الأفعال؛ بمعنى: زدني من أي حديث كان، وإن كسرت الهاء الأخيرة ولم تنونها .. فهي اسم فعل أمر معرفة؛ بمعنى: زدني من حديث معهود بيننا، فهي كـ (مه) و (صه) في تعريفها وتنكيرها وإعرابها.
(وقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدما قرأت عليه ذلك العدد: (كاد) أي: قارب أمية (أن يسلم) في شعره.
و(أمية بن أبي الصلت): هو شاعر جاهلي معروف عندهم، وقد كان قرأ الكتب السماوية المتقدمة، ورغب عن عبادة الأوثان، وكان يخبر بأن نبيًّا يبعث في آخر الزمان قد أظل زمانه، وكان يرجو أن يكون ذلك النبيَّ، فلما بلغه خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم وقصته .. كفر حسدًا له، وكان يحكي في شعره قصص الأنبياء، ويأتي بألفاظ لا تعرفها العرب، يأخذها من الكتب المتقدمة، وبأحاديث من أحاديث أهل الكتاب، ولما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
شعره .. قال: "آمن لسانه وكفر قلبه". انتهى من كتاب "الشعر والشعراء" لابن قتيبة (ص 277). انتهى من "الكوكب".
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: مسلم في كتاب الشعر أول كتاب الشعر وابن حبان في "الإحسان".
ودرجته: أنه صحيح؛ لصحة سنده وللمشاركة فيه، وغرضه: الاستشهاد به.
وفي هذا الحديث وفيما قبله جواز إنشاد الشعر؛ وهو قراءة شعر الغير، وجواز إنشائه: وهو ابتداء الشعر وتأليفه من عند نفسه على تفاعيل الشعر.
ومما يدل على الجواز أيضًا ما أخرجه المؤلف في أول هذا الباب من حديث أبي بن كعب، وقد ثبت سماع النبي صلى الله عليه وسلم الشعر في غير ما حديث، وكان يوضع المنبر في المسجد النبوي لحسان بن ثابت رضي الله تعالى عنه فينشئ الأشعار، ينافح بها عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد دل على ذم الشعر والشعراء قوله تعالى: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ (224) أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ
…
} الآيات (1).
وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة في الباب الآتي: "لأن يمتلئ جوف الرجل قيحًا يريه خير من أن يمتلئ شعرًا".
ويجمع بين هذه النصوص المتعارضة بما ذكرته عائشة رضي الله تعالى عنها فيما أخرج عنها البخاري في "الأدب المفرد" بسند حسن: قالت: (الشعر منه حسن، ومنه قبيح، خذ الحسن، ودع القبيح).
(1) سورة الشعراء: (224 - 225).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
وبما أخرجه أبو يعلى بسند ضعيف عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما: (الشعر بمنزلة الكلام؛ فحسنه كحسن الكلام، وقبيحه كقبيح الكلام).
فالمذموم من الشعر ما اشتمل على الكفر أو على الفسق؛ كالدعاوى الكاذبة؛ لقوله تعالى: {وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ (226)} (1).
أو على الكلام الفاحش، أو الغزل بأجنبية معينة، أو بالأمرد، أو هجاء إِنسان بغير حق، أو هجاء قبيلة لأجل رجل منهم، أو غير ذلك من المعاصي، فلا يجوز إنشاء مثله أو إنشاده، إلا استشهادًا في اللغة، وكذلك يذم من الشعر ما غلب على الإنسان؛ بحيث صده عن القرآنِ والعلمِ وذكرِ الله تعالى، فإذا بلغ هذا المبلغ .. لم يجز وإن كان مشتملًا على معان مباحة، وإلى هذا المعنى أشار البخاري في "صحيحه" حيث عقد ترجمة بقوله:(باب ما يكره أن يكون الغالب على الإنسان الشعر حتى يصدَّه عن ذكر الله تعالى والعلم والقرآن) أما إذا اشتمل الشعر على معنًى حسن؛ كالتوحيد وحمد الله تعالى والثناء عليه ومدح الرسول صلى الله عليه وسلم، وسائر معاني البر والخير؛ كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبيان الأحكام الأصولية والفقهية والقواعد العربية .. فهو مثاب عليه إن شاء الله تعالى.
وإذا اشتمل الشعر على معنىً مباح .. فهو مباح، وقد أخرج البغوي في "معجم الصحابة" أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن لمالك بن عمير الأسلمي الشاعر رضي الله تعالى عنه أن يشبب بامرأته وبمدح راحلته؛ كما سيأتي إن شاء الله تعالى، وكذلك ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سمع قصائد حسان وكعب رضي الله تعالى عنهما مع ما اشتملت عليه من التشبيب
(1) سورة الشعراء: (226).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
بامرأة مبهمة، ولم ينكر عليهما رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك، فدل ذلك على جواز التشبيب بامرأة غير معينة. انتهى من "التكملة" بزيادة وتصرف.
* * *
وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب: أربعة أحاديث:
الأول منها للاستدلال، والبواقي للاستشهاد.
والله سبحانه وتعالى أعلم