الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(42) - (1405) - بَابُ فَضْلِ التَّسْبِيحِ
(105)
- 3749 - (1) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ وَعَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ الْقَعْقَاعِ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "كَلِمَتَانِ
===
(42)
- (1405) - (باب فضل التسبيح)
(105)
- 3749 - (1)(حدثنا أبو بكر) ابن أبي شيبة (وعلي بن محمد) الطنافسي الكوفي، ثقة عابد، من العاشرة، مات سنة ثلاث، وقيل: خمس وثلاثين ومئتين. يروي عنه: (ق).
(قالا: حدثنا محمد بن فضيل) بن غزوان الضبي الكوفي، صدوق عارف رمي بالتشيع، من التاسعة، مات سنة خمس وتسعين ومئة (195 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن عمارة بن القعقاع) بن شبرمة - بضم المعجمة والراء بينهما موحدة ساكنة - الضبي - بالمعجمة والموحدة - الكوفي، ثقة، أرسل عن ابن مسعود، من السادسة. يروي عنه:(ع).
(عن أبي زرعة) هرم بن عمرو بن جرير بن عبد الله البجلي الكوفي، ثقة، من الثالثة. يروي عنه:(ع).
(عن أبي هريرة) رضي الله تعالى عنه.
وهذا السند من خماسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات.
(قال) أبو هريرة: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كلمتان) أي: جملتان مفيدتان، وفيه إطلاق الكلمة على الكلام، وهو مثل كلمة
خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَان، ثَقِيلَتَانِ فِي الْمِيزَان،
===
الإخلاص وكلمة الشهادة، وهو خبر مقدم، و (خفيفتان) وما بعده .. صفات له، والمبتدأ قوله: (سبحان الله
…
) إلى آخره.
والنكتة في تقديم الخبر: تشويق السامع إلى المبتدأ، وكلما طال الكلام في وصف الخبر .. حسن تقديمه؛ لأن كثرة الأوصاف الجميلة تزيد السامع تشوقًا إلى الخبر، قال السندي: والمرادب (الكلمة): اللغوية أو العرفية، لا النحوية.
(خفيفتان على اللسان) أي: يجريان عليها بسهولة؛ لقلة حروفهما، وحسن نظمهما.
(ثقيلتان في الميزان) أي: بالمثوبة، وقيل: ثقلهما في الميزان؛ لعظم لفظهما قدرًا عند الله تعالى، قال الحافظ: وصفهما بالخفة والثقل؛ لبيان قلةِ العمل وكثرةِ الثواب.
وقال الطيبي: التحفة مستعارة للسهولة؛ شبه سهولة جريان هذا الكلام بما يخف على الحامل من بعض الحمولات، فلا يشق عليه، فذكر المشبه، وأراد المشبه به، وأما الثقل .. فعلي حقيقته؛ لأن الأعمال تتجسم عند الميزان. انتهى.
وقيل: توزن صحائف الأعمال، ويدل عليه حديث البطاقة والسجلات، وقال الحافظ: الصحيح أن الأعمال هي التي توزن، وقد أخرج أبو داوود والترمذي وصححه ابن حبان عن أبي الدرداء مرفوعًا:"ما يوضع في الميزان يوم القيامة أثقل مِن خُلُق حسن".
قال: وقد سئل بعض السلف عن سبب ثقل الحسنة وخفة السيئة، فقال: لأن الحسنة حضرت مرارتها وغابت حلاوتها فثقلت، فلا يحملنك ثقلها على تركِها، والسيئة حضرت حلاوتها وغابت مرارتها، فلذلك خَفَّتْ، فلا يَحْمِلَنَّكَ خفتُها على ارتكابها. انتهى.
حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمَنِ: سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ سُبْحَانَ اللهِ الْعَظِيمِ".
===
وقوله: (حبيبتان إلى الرحمن) أي: عند الرحمن، صفة ثالثة للخبر المقدم.
وقوله: (سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم) مبتدأ مؤخر محكي يقدر إعرابه على ميم (العظيم).
قوله: "حبيبتان إلى الرحمن" تثنية حبيبة؛ وهي المحبوبة؛ لأن فيهما المدح بالصفات السلبية التي يدل عليها التنزيه، وبالصفات الثبوتية التي يدل عليها الحمد، وقيل: المراد: أن قائلها محبوب لله تعالى؛ ومحبة الله للعبد: إرادة إيصال الخير له والتكريم.
وخص الرحمن من الأسماء الحسني، للتنبيه على سعة رحمة الله تعالى، حيث يجازي على العمل القليل بالثواب الجزيل.
فإن قيل: فعيل بمعنى مفعول يستوي فيه المذكر والمؤنث، ولا سيما إذا كان موصوفه معه، فلم عدل عن التذكير إلى التأنيث؟
فالجواب: أن ذلك جائز لا واجب، وقيل: أنث؛ لمناسبة الثقيلتين والخفيفتين.
قوله: "سبحان الله العظيم، سبحان الله وبحمده" هكذا وقع في رواية الترمذي تقديم (سبحان الله العظيم) على (سبحان الله وبحمده) وكذا وقع عند البخاري في الدعوات.
ووقع عنده في الأيمان والنذور والتوحيد بتقديم (سبحان الله وبحمده) على (سبحان الله العظيم)، وكذلك وقع عند مسلم وابن ماجه.
قال الحافظ: قيل: الواو في قوله: (وبحمده) للحال؛ والتقدير: أسبح الله متلبسًا بحمدي له من أجل توفيقه، وقيل: عاطفة؛ والتقدير: أسبح الله وأتلبس
(106)
- 3750 - (2) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ،
===
بحمده، ويحتمل أن تكون الباء متعلقة بمحذوف متقدم؛ والتقدير: وأثني عليه بحمده فيكون (سبحان الله) جملةً مستقلة (وبحمده) جملةً أخرى.
قلت: الواو إذا كانت للحال، فالظاهر أن التقدير: نسبح الله ونحن ملتبسون بحمده، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب.
وأخرجه أحمد والشيخان والنسائي وابن ماجه وابن حبان كلهم من طريق محمد بن فضيل بن غزوان عن عمارة بن القعقاع عن أبي زرعة عن أبي هريرة.
قال الحافظ: وجه الغرابة هو تفرد محمد بن فضيل وشيخه وشيخ شيخه وصحابيه. انتهى، انتهى من "تحفة الأحوذي".
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: البخاري في كتاب الدعوات، باب فضل التسبيح، ومسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب فضل التهليل والتسبيح والدعاء، والترمذي في كتاب الدعوات، باب (60)، رقم (3467).
فهذا الحديث في أعلى درجات الصحة؛ لأنه من المتفق عليه، وغرضه: الاستدلال به على الترجمة.
ثم استشهد المؤلف لحديث أبي هريرة بحديث آخر له رضي الله تعالى عنه، فقال:
(106)
- 3750 - (2)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا عفان) بن مسلم بن عبد الله الباهلي أبو عثمان الصفار البصري، ثقة ثبت، من كبار العاشرة، قال ابن عدي: اختلط سنة تسع عشرة، ومات سنة عشرين ومئتين (220 هـ)، قاله البخاري وأبو داوود ومطين. يروي عنه:(ع).
حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي سِنَانٍ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي سَوْدَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَرَّ بِهِ وَهُوَ يَغْرِسُ غَرْسًا
===
(حدثنا حماد بن سلمة) بن دينار البصري أبو سلمة الربعي، ثقة عابد، من كبار الثامنة، مات سنة سبع وستين ومئة (167 هـ). يروي عنه:(م عم).
(عن أبي سنان) عيسى بن سنان الحنفي القَسْمَلِيِّ - بفتح القاف وسكون المهملة وفتح الميم وتخفيف اللام - الفِلَسْطِينِيِّ نزيلِ البصرةَ، ليِّن الحديث، من السادسة. يروي عنه:(ت ق). قال أبو حاتم: ليس بقوي في الحديث، وقال العجفي: لا بأس به، وقال النسائي: ضعيف، وقال ابن خراش: وذكَرَه ابنُ حبان في "الثقات"، فهو مختلَف فيه.
(عن عثمان بن أَبي سَوْدَةَ) المَقدِسيّ، ثقة، من الثالثة، كان أبوه مَوْلى لِابن عمر، وأمُّه مولاة لعبادة بن الصامت، قال مروانُ بن محمد: عثمانُ وزيادُ ثقتان ثبتان، وذكره ابن حبان في "الثقات".
قلت: وَوَثَّقه أيضًا يعقوبُ بن سفيان، ويعقوب بن شيبة. يروي عنه:(د ت ق).
(عن أبي هريرة) رضي الله تعالى عنه.
وهذا السند من سداسياته، وحكمه: الحسن؛ لأن فيه أبا سنان، وهو مختلف فيه.
(أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر به) أي: بأبي هريرة (و) الحال أنه (هو) أي: أبو هريرة (يغرس) الشجر (غرسًا) أي: شجرًا، وهو مصدر مؤكد لعامله.
فَقَالَ: "يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؛ مَا الَّذِي تَغْرِسُ؟ "، قُلْتُ: غِرَاسًا لِي، قَالَ:"أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى غِرَاسٍ خَيْرٍ لَكَ مِنْ هَذَا؟ "، قَالَ: بَلَى يَا رَسُولَ الله، قَالَ:"قُلْ: سُبْحَانَ اللهِ وَالْحَمْدُ لِلّهِ وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَاللهُ أَكْبَرُ .. يُغْرَسْ لَكَ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ شَجَرَةٌ فِي الْجَنَّةِ".
===
(فقال) له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا أبا هريرة؛ ما الذي تغرس؟ ) أَيْ: أيَّ غَرسٍ تَغْرسُ أَلَكَ أو لِغَيرك؟
قالَ أبو هريرة: (قلتُ) له صلى الله عليه وسلم: أَغْرِسُ (غراسًا لي) فـ (قال) له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا أدلك)(ألا) حرف استفتاح وتنبيه؛ أي: انتبه من غفلتك، واستمِعْ ما أقولُ لك يا أبا هريرة؛ لأني أَدُلُّك (على غِراسٍ) هو (خَيْر لك) وأَنفعُ لك (من هذا) الغراس الحسي الذي تغرسه.
(قال) أبو هريرة: (بلي) دلني (يا رسول الله) على ذلك الغراس الذي هو خير لي، فـ (قال) له رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذًا فـ (قل: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر) إن قلت ذلك .. (يُغرس لك بكل واحدة) من المرات التي قلْتَها (شجرةٌ) لأنهاية لطولها وكبرها (في) وسطِ (الجنة) وبُحْبُوحَتِها.
وهذا الحديث انفرد به ابن ماجه، ولكن رواه أبو بكر بن أبي شيبة في "مسنده" بإسناده ومتنه، وقال الحاكم في "المستدرك" في كتاب الدعاء: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي في "التلخيص"، وذكر الحديث الثاني شاهدًا له، وهو المذكور بعده.
ودرجته: أنه حسن؛ لكون سنده حسنًا، وغرضه: الاستشهاد به.
(107)
- 3751 - (3) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَن، عَنْ أَبِي رِشْدِينَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ جُوَيْرِيَةَ
===
ثم استشهد المؤلف ثانيًا لحديث أبي هريرة بحديث جُويرية أم المؤمنين رضي الله تعالى عنهما، فقال:
(107)
- 3751 - (3)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا محمد بن بشر) بن الفرافصة العبدي الكوفي، ثقة حافظ، من التاسعة، مات سنة ثلاث ومئتين (203 هـ). يروي عنه:(ع).
(حدثنا مسعر) بن كدام بن ظهير الهلالي أبو سلمة الكوفي، ثقة ثبت فاضل، من السابعة، مات سنة ثلاث أو خمس وخمسين ومئة (155 هـ). يروي عنه:(ع).
(حدثني محمد بن عبد الرحمن) بن عبيد - مصغرًا - القرشي مولَى آلِ طلحة بن عُبيد الله القرشي التيمي، ثقة، من السادسة. يروي عنه:(م عم).
(عن أبي رشدين) - بكسر الراء وسكون المعجمة - غريب بن أبي مسلم الهاشمي مولاهم المدني؛ مولى ابن عباس، ثقة، من الثالثة، مات قبل المئة سنة ثمان وتسعين (98 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن ابن عباس) رضي الله تعالى عنهما.
(عن جويرية) - مصغرًا - بنت الحارث بن أبي ضرار الخزاعية من بني المصطلق أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها، كان اسمها برة، فغيرها النبي صلى الله عليه وسلم وسباها في غزوة المريسيع، ثم تزوجها، وماتت سنة خمسين على الصحيح (50 هـ). يروي عنها:(ع).
وهذا السند من سباعياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات.
قَالَتْ: مَرَّ بِهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ صَلَّى الْغَدَاةَ أَوْ بَعْدَمَا صَلَّى الْغَدَاةَ وَهِيَ تَذْكُرُ اللهَ، فَرَجَعَ حِينَ ارْتَفَعَ النَّهَارُ، أَوْ قَالَ: انْتَصَفَ وَهِيَ كَذَلِكَ، فَقَالَ:"لَقَدْ قُلْتُ مُنْذُ قُمْتُ عَنْكِ أَرْبَعَ كَلِمَاتٍ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ هِيَ أَكْثَرُ وَأَرْجَحُ أَوْ أَوْزَنُ مِمَّا قُلْتِ: سُبْحَانَ اللهِ عَدَدَ خَلْقِه، سُبْحَانَ اللهِ رِضَا نَفْسِه، سُبْحَانَ اللهِ زِنَةَ عَرْشِه، سُبْحَانَ اللهِ مِدَادَ كَلِمَاتِهِ".
===
(قالت) جويرية: (مر بها) أي: عليها (رسول الله صلى الله عليه وسلم حين صلى الغداة) أي: بُعَيد صلاتِها (أو) قال الراوي: مر بها رسول الله (بعدما صلى الغداة) أي: بعد صلاة الصبح (وهي) أي: والحال أن جويرية (تذكر الله) تعالى، فذهب من عندها (فرجع) إليها ثانيًا (حين ارتفع) ت شمس (النهار، أو قال) الراوي: فرجع إليها حين (انتصف) النهار (وهي) أي: والحال أن جويرية كائنة (كذلك) أي: كحالها الأول؛ أي: تذكر الله تعالى (فقال) لها رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه المرة: والله (لقد قلت) وذكرت الله سبحانه (منذ قمت) أي: بعدما رجعت (عنك) أي: من عندك (أربع كلمات) بالنصب على المفعولية به (ثلاث مرات) بالنصب على المفعولية فيه؛ و (هي) أي: تلك الكلمات الأربع التي قلتها (أكثر) من حيث عددُ معدودِها (وأرجحُ) مِن حيثُ ثِقلُ موزونها (أو) قال الراوي: وهي (أَوْزَنُ) أي: أثقلُ وزنًا، وهو بمعنى أرجحُ (مِمَّا قُلْتِ) أي: مما قُلْتِه اليومَ؛ أي: وهي أكثر من حيث العددُ، وأرجح من حيث الثقلُ مِفَا قُلْتِه اليومَ بعد انصرافي وذهابي مِن عندك؛ وهي؛ أي: تلك الكلمات الأربعُ الَّتِي قُلْتُها بَعد ذهابي من عندك: الأُولَى منها: (سبحان الله عدد خلقه) وثانيتُها: (سبحان الله رضا نفسه) وثالثتُها: (سبحان الله زنة عرشه) ورابعتُها: (سبحان الله مدادَ كلماته).
قال السندي: قوله: "سبحان الله عددَ خلقه" هو وما بعده منصوب بنزع
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
الخافض؛ أي: بعددِ جميع مخلوقاته، وبمقدار رضا ذاته المشرَّفةِ؛ أي: بمقدار يكونُ سببًا لرضاه تعالى، وفيه: إطلاق (النفسِ) عليه تعالى من غير مشاكلةٍ، وبمقدار ثقلِ عرشه، وبمقدار زيادةِ كلماته.
وقيل: نصبها على الظرفية بتقدير: قدر؛ أي: قَدْرَ عدد مخلوقاته وقَدْرَ رضا ذاته. انتهى منه.
ولفظ مسلم: (فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: لقد قلْتُ بعدك) أي: بعد مفارقتك (أربع كلمات ثلاث مرات، لو وُزنت) تلك الكلمات (بما قُلْتِ منذ اليوم) أي: بجميع ما قلت في هذا اليوم .. (لَوزنَتْهن) أي: لوزنت تلك الكلمات الأربع التي قلتُها ثلاث مرات جميعَ الأذكار التي قُلْتِهن أنتِ في هذا اليوم.
وليس المراد باليوم: العمر؛ كما قاله بعضهم؛ أي: لرجحَتْ عليهن في الثواب، وفيه دليل على أن الدعواتِ والأذكارَ الجوامعَ يحصلُ عليهن من الثواب أضعافُ ما يحصلُ على ما ليست كذلك، ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب الدعوات الجامعة، وفي رواية مسلم زيادةُ:(وبحمده) في قوله: (سبحان الله وبحمده).
قال القاضي عياض: هذا الكلام على اختصاره جملتان؛ إحداهما: (سبحان الله) لأن (سبحان) اسم مصدر لسبح الرباعي، والمصدر يدل على فعله نائبٌ عنه، فكأنه قال: أسبح الله التسبيح الكثير، والثانية:(بحمده) لأنه متعلق بمحذوف؛ تقديره: أثني عليه؛ أي: بذكر صفات كماله وجلاله، فهذه جملة ثانية غير الجملة الأولى.
قوله: "عدد خلقه" منصوب بنزع الخافض؛ أي: بعدد كل واحد من
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
مخلوقاته؛ والخلق: مصدر بمعنى المخلوق، فيشمل الكل، وقال السيوطي: نُصِبَ على الظرف؛ أي: قَدْرَ عددِ خلقه. انتهى "مرقاة".
وقوله: "ورضا نفسه" أي: أُسبِّحه قَدْرَ ما يرضاه. انتهى من "التحفة"، وقال السيوطي: أُسبِّحه قَدْرَ رضاه عَمَّنْ رَضِيَ عنهم من النبيين والصديقين والصالحين. انتهى.
وقوله: "وزنة عرشه" أي: أسبحه بمقدار وزن عرشه، ولا يعلم وزنه إلا الله تبارك وتعالى. انتهى من "التحفة".
قوله: "ومداد كلماته" - بكسر الميم وبألف بين الدالين - مصدر مد الشيء يَمُدُّهُ مدًا ومدادًا؛ من باب شد؛ والمداد: مصدر كالمدد، يقال: مددت الشيء مدًا ومدادًا؛ وهو ما يكثر به الشيء ويزاد، كذا في "النهاية".
أي: أسبحه مثل عدد كلماته التي لا تَنْفَد، وقيل: قدر ما يوازيها في الكثرة في معيار كيل أو وزن أو عدد أو ما أشبهه من وجوه الحصرِ والتقدير، وهذا تمثيل يراد به التقريب؛ لأن الكلام لا يدخل في الكيل والوزن، وإنما يدخل في العدد كذا في "النهاية". انتهى "تحفة".
وقال القاضي عياض: المداد في الأصل بمعنى: الحِبْر الذي يَكْتُب به القلمُ، واستعماله هنا مجاز؛ لأن كلماته لا تنحصر بعدد ولا بغيره.
والمراد بهذا: المبالغة في الكثرة؛ لأنه ذكر أولًا ما يحصره العددُ الكثيرُ مِن عدد الخلق، ثم زنة عرشه التي لا يعلمها إلا هو سبحانه، ثم ارتقى إلي ما هو أعظم وعبر عنه بهذا اللفظ الذي لا يحصيه، وقيل: مداد كلماته: مثلها في العدد، وقيل: مثلها في أنها لا تنفد، وقيل: مثلها في الكثرة.
والأظهر أن ذلك كناية عن الكثرة، ليس أنها مثلها في العدد، ولا مثلها في
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
الكثرة؛ لأن كلماته سبحانه غير متناهية، فلا يُلْحَقُ بها المتناهي في العدد ولا في الكثرة. انتهى منه.
ومعنى هذه الكلمات: أسبح الله تعالى بقلبي، وأنزهه من جميع النقائص حالة كوني ملتبسًا بلساني بحمده تسبيحًا يساوي بعدد مخلوقاته، وتسبيحًا يساوي بعدد رضاه عمن رضي عنهم من النبيين والصديقين والصالحين، وتسبيحًا يساوي بوزن عرشه لو كان معلومًا، ولا يَعْلَمُ وَزْنَ عرشه إلا الله عز وجل، وتسبيحًا يساوي بعدد كلماتِه المادَّةِ؛ أي: الزائدة زيادة لا تنفد ولا نهاية لها.
والحديث دليل على فضل هذه الكلمات وأن قائلها يدرك فضيلة تكرار القول بالعدد المذكور، ولا يقال: إن مشقة من قال هكذا أخف من مشقة من كرر لفظ الذكر حتى يبلغ إلى العددِ المذكورِ؛ يعني: عدد خلقه وما بعده.
قلت: إنَّ هذا بابٌ مَنحَهُ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لعباد الله وأرشدهم إليه، ودلهم عليه تخفيفًا لهم وتكثيرًا لأجورهم من غير تعب ولا نصب، فلله الحمد والمنة. انتهى من "التحفة".
وقال القرطبي: وإنما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم هذه الأمور على جهة الإِغْياءِ والكثرةِ التي لا تنحصر، مُنبِّهًا على أن الذاكر بهذه الكلمات ينبغي له أن يكون بحيث لو تمكن من تسبيح الله وتحميده وتعظيمه عددًا لا يتناهى ولا ينحصر .. لفَعَل ذلك، فحصل له من الثواب ما لا يدخلُ تحت حساب. انتهى من "المفهم".
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: مسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب التسبيح أول النهار وعند النوم، والترمذي في كتاب الدعوات (104)، قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح.
(108)
- 3752 - (4) حَدَّثَنَا أَبُو بِشْرٍ بَكْرُ بْنُ خَلَفٍ، حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عِيسَى الطَّحَّان، عَنْ عَوْنِ بْنِ عَبْدِ الله، عَنْ أَبِيهِ
===
ودرجته: أنه صحيح؛ لصحة سنده وللمشاركة فيه، وغرضه: الاستشهاد به.
ثم استشهد المؤلف ثالثًا لحديث أبي هريرة بحديث النعمان بن بشير رضي الله تعالى عنهم، فقال:
(108)
- 3752 - (4)(حدثنا أبو بشر بكر بن خلف) البصري ختن المقرئ، صدوق، من العاشرة، مات بعد سنة أربعين ومئتين. يروي عنه:(د ق)، والمقرئ اسمه: عبد الله بن يزيد المكي أبو عبد الرحمن المقرئ، من التاسعة.
(حدثني يحيى بن سعيد) بن فروخ أبو سعيد القطان التميمي البصري، ثقة إمام من أئمة الجرح والتعديل، ثقة متقن، من التاسعة، مات سنة ثمان وتسعين ومئة (198 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن موسى بن أبي عيسى) مسلم الكوفي (الطحان) يقال له: موسى الصغير، لا بأس به، من السابعة، مات وهو ساجد. يروي عنه:(د س ق)، وهو موسى بن مسلم الحزامي، ويقال: الشيباني، أبو عيسى الكوفي الطحان المعروف بموسى الصغير، قال عبد الله بن أحمد عن أبيه: ما أرى به بأسًا، وقال الدوري عن ابن معين: ثقة، وذكره ابن حبان في "الثقات"، قال أبو حاتم: يقال: إنه مات خلف المقام وهو ساجد.
(عن عون بن عبد الله) بن عتبة بن مسعود الهذلي أبي عبد الله الكوفي، ثقة عابد من الرابعة، مات قبل سنة عشرين ومئة. يروي عنه:(م عم).
(عن أبيه) عبد الله بن عتبة بن مسعود الهذلي الكوفي أخي عبد الله بن
أَوْ عَنْ أَخِيهِ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ مِمَّا تَذْكُرُونَ مِنْ جَلَالِ اللهِ .. التَّسْبِيحَ وَالتَّهْلِيلَ وَالتَّحْمِيدَ؛
===
مسعود الصحابي المشهور، ولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ووثقه العجلي وجماعة، وهو من كبار الثانية، مات بعد السبعين. يروي عنه:(خ م د س ق).
(أو) قال موسى بن أبي عيسى: روى لنا عون بن عبد الله: (عن أخيه) عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود الهذلي الكوفي. روى عن: أبيه عبد الله بن عتبة، ويروي عنه: أخوه عون بن عبد الله، أبو عبد الله المدني، ثقة فقيه ثبت، من الثالثة، مات سنة أربع وتسعين (94 هـ)، وقيل: سنة ثمان، وقيل غير ذلك. يروي عنه:(ع).
(عن النعمان بن بشير) بن سعد بن ثعلبة الأنصاري الخزرجي، له ولأبويه صحبة رضي الله تعالى عنهم، ثم سكن الشام، ثم ولي إمرة الكوفة، ثم قتل بحمص سنة خمس وستين (65 هـ)، وله أربع وستون سنة. يروي عنه:(ع).
وهذا السند من سداسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات أثبات.
(قال) النعمان: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن مما تذكرون) مِنْ ذكر الثلاثيّ، أي: إن مما تذكرون به ربكم، وتتعبدون به الله (من جلال الله) وتعظيمه وتقديسه عن النقائص .. (التسبيحَ) بالنصب اسم إن مؤخر، والجار والمجرور في قوله:(مما تذكرون) خبرها مقدم على اسمها، وقوله:(والتهليل والتحميد) معطوفان على (التسبيح) أي: إن مما تكلفون به من ذكر الله وتعظيمه (التسبيح) أي: تنزيهه تعالى من النقائص؛ كالشريك والصاحبة والولد، وهو من الصفات السلبية (والتهليل) أي: وصفه بالكمالات
يَنْعَطِفْنَ حَوْلَ الْعَرْشِ لَهُنَّ دَوِيٌّ كَدَوِيِّ النَّحْل، تُذَكِّرُ بِصَاحِبِهَا، أَمَا يُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَوْ لَا يَزَالَ لَهُ مَنْ يُذَكِّرُ بِهِ؟ ".
===
وتنزيهه من النقائص، وهو مشتمل على الصفات السلبية والثبوتية (والتحميد) أي: وصفه بالكمالات؛ وهو من الصفات الثبوتية.
وجملة (ينعطفن) مسوقة لتعليل الجملة الاسمية المسوقة قبلها؛ والمعنى: وإنما قلت لكم: إن هذه الثلاث مما كلفتم به؛ لأن هذه الثلاثة ينعطفن ويدُرْنَ (حولَ العرش) العظيم ويَطُفْنَ به حالة كونها (لهن) أي: لهذه الثلاث من التسبيح والتهليل والتحميد (دَوِيٌّ) أي: صوت شديد؛ والدَّوِيُّ: هو ما يَظْهَر من الصوت ويُسمع عند شدتهِ وبُعْدِه في الهواء؛ أي: حالة كونها لها دوي (كدوي النحل) عند اجتماعِها في الكوَّارةِ في الليل خاصَّةً في آخره حالة كون تلك الثلاثة (تذكر) الله تعالى (بـ) صوت (صاحبها) أي: قائلها في الأرض؛ أي: تأخذ صوت قائلها في الأرض حول العرش؛ كما تأخذ الجبال في الأرض صوت المنادي بينها، وهذا مبني على تشكيل الأعمال والمعاني بأشكال مختلفة، والهمزة في قوله:(أما) للاستفهام التقريري، و (ما) نافية؛ أي: بل (يُحِبُّ أحدُكم) أيها الذاكرون (أن يكون له) أي: لذلك الأحد (منْ يُذَكِّر) من التذكير؛ أي: مَنْ يُذكر غَيْرَه (به) أي: بذلك الأحد بحكاية صوته، أو بذكر خصاله الحميدة لذلك الغير؛ لِيُقدِّرَه ذلك الغَيْرُ إِذا رآه.
قال النعمان بن بشير: (أو) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يزال له) أي: لذلك الأحد الذي يذكر الله بالتسبيح والتهليل وغيرهما (من يذكر) من التذكير؛ أي: أو قال رسول صلى الله عليه وسلم: لا يزال له؛ أي: لذلك الأحد الذاكر (مَنْ يُذكِّر) غيره (به) أي: بمنقبة ذلك الذاكر بحكايةِ صوته كالدوي، أو ذِكْرِ خصالهِ الحميدة، والشك من الراوي فيما قاله الرسول من أيِّ اللفظين.
(109)
- 3753 - (5) حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ الْحِزَامِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو يَحْيَى زَكَرِيَّا بْنُ مَنْظُورٍ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مَالِكٍ، عَنْ أُمّ هَانِئٍ قَالَتْ: أَتَيْتُ إِلَي رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ؛ دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ؛ فَإِنِّي قَدْ كَبِرْتُ وَضَعُفْتُ
===
وهذ الحديث انفرد به ابن ماجه، ودرجته: أنه صحيح؛ لصحة سنده، وغرضه: الاستشهاد به.
ثم استأنس المؤلف للترجمة بحديث أم هانئ رضي الله تعالى عنها، فقال:
(109)
- 3753 - (5)(حدثنا إبراهيم بن المنذر) بن عبد الله بن المنذر الأسدي (الحزامي) - بالزاي - أبو إسحاق المندني، صدوق، من العاشرة، مات سنة ست وثلاثين ومئتين (236 هـ). يروي عنه:(خ ت س ق).
(حدثنا أبو يحيى زكريا بن منظور) بن ثعلبة القرظي المدني، ضعيف، من الثامنة. يروي عنه:(ق).
(حدثني محمد بن عقبة بن أبي مالك) القرظي المدني، مستور، من الثالثة، وذكره ابن حبان في "الثقات". يروي عنه:(ق).
(عن أم هانئ) فاختة بنت أبي طالب رضي الله تعالى عنها.
وهذا السند من رباعياته، وحكمه: الضعف؛ لأنه فيه زكريا بن منظور، وهو متروك.
(قالت) أم هانئ: (أتيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت) له: (يا رسول الله؛ دلني) وأرشدني (على عمل) ينفعني في الدنيا والآخرة (فإني قد كبرت) - بكسر الموحدة - أي: أخذني كبر السن فصرت كبيرة السن والعمر (وضعفت) - بضم العين المهملة - أي: صوت ضعيفة عن إكثار
وَبَدُنْتُ، فَقَالَ:"كَبِّرِي اللهَ مِئَةَ مَرَّةٍ، وَاحْمَدِي اللهَ مِئَةَ مَرَّةٍ، وَسَبِّحِي اللهَ مِئَةَ مَرَّةٍ .. خَيْرٌ مِنْ مِئَةِ فَرَسٍ مُلْجَمٍ مُسْرَجٍ فِي سَبِيلِ الله، وَخَيْر مِنْ مِئَةِ بَدَنَةٍ وَخَيْرٌ مِنْ مِئَةِ رَقَبَةٍ".
===
الأعمال الصالحة (وبدنت) - بضم الدال المهملة من البدانة - أي: صوت جسيمة كثيرة اللحم، فلا أقدر على الحركات الكثيرة في الأعمال، فدلني على عمل خفيف كثير الأجر عند الله تعالى (فقال) لي رسول الله صلى الله عليه وسلم:(كبري الله) تعالى؛ أي: صفي الله بصفة الكبرياء، فقوفي: الله أكبر، الله أكبر (مئة مرة) في كل يوم (واحمدي الله) أي: صفي الله بصفة الكمال، فقوفي: الحمد لله، الحمد لله، كل يوم (مئة مرة، وسبحي الله) كل يوم (مئة مرة) ذلك المذكور من المئات الثلاث من الأذكار الثلاثة .. (خير) لك فهو خبر لمبتدأ محذوف؛ كما قدرناه؛ أي: خير لك وأكثر أجرًا (من) إهداء (مئة فرس ملجم) أي: ملبس باللجام؛ وهي حديدة تجعل في فم الفرس عند الركوب، اسم مفعول؛ من ألجم الرباعي، يقال: ألجم الدابة؛ إذا ألبسها اللجام (مسرج) أي: ملبس بالسرج؛ وهو ما يجعل على ظهر الفرس عند الركوب، اسم مفعول؛ من أسرج الفرس؛ إذا ألبسه السرج للمجاهدين (في سبيل الله) تعالى لإعلاء كلمة الله؛ كلمة الإيمان، وإبطال كلمة الشرك والطغيان (وخير) لك (من) إهداء (مئة بدنة) - بفتحتين - للمجاهدين في سبيل الله (وخير) لك (من) إهداء (مئة رقبة) أي: نسمة ونفس من بني آدم للمجاهدين في سبيل الله؛ ليعاونوهم في الجهاد، والمراد بها: الأعبد؛ لأنهم هم الذين يصلحون للمساعدة لهم في الجهاد؛ أي: خير لك من إهداء هذه المذكورات لهم متفرقة كانت أو مجتمعة.
وهذا الحديث انفرد به ابن ماجه، ولكن أخرجه أحمد في "المسند"،
(110)
- 3754 - (6) حَدَّثَنَا أَبُو عُمَرَ حَفْصُ بْنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَّنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، عَنْ هِلَالِ بْنِ يِسَافٍ،
===
والحاكم في "المستدرك" في كتاب الدعاء والتكبير والتهليل والذكر، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وقال الذهبي في "التلخيص": زكريا بن منظور ضعيف، وفيه انقطاع أيضًا؛ لأنه سقط راو منه، من بين محمد بن عقبة وبين أم هانئ.
فدرجته: أنه ضعيف (17)(387)؛ لضعف سنده بما ذكر، وغرضه: الاستئناس به للترجمة.
ثم استشهد المؤلف رابعًا لحديث أبي هريرة بحديث سمرة بن جندب رضي الله تعالى عنهما، فقال:
(110)
- 3754 - (6)(حدثنا أبو عمر حفص بن عمرو) بن رجال - بفتح الراء والموحدة - ابن إبراهيم الربالي الرقاشي البصري، ثقة عابد، من العاشرة، مات سنة ثمان وخمسين ومئتين (258 هـ). يروي عنه:(ق).
(حدثنا عبد الرحمن بن مهدي) بن حسان الأزدي البصري، ثقة، من التاسعة، مات سنة ثمان وتسعين ومئة (198 هـ). يروي عنه:(ع).
(حدثنا سفيان) بن سعيد الثوري، ثقة إمام، من السابعة، مات سنة إحدى وستين ومئة (161 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن سلمة بن كهيل) الحضرمي أبي يحيى الكوفي، ثقة يتشيع، من الرابعة. يروي عنه:(ع).
(عن هلالِ بنِ يِسَافٍ) - بكسر التحتانية ثم مهملة ثم فاء - ويقال: ابن إساف
عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"أَرْبَع أَفْضَلُ الْكَلَام، لَا يَضُرُّكَ بِأَيِّهِنَّ بَدَأْتَ: سُبْحَانَ الله، وَالْحَمْدُ لِلّه، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ".
===
الأشجعي مولاهم الكوفي، ثقة، من الثالثة. يروي عنه:(م عم).
(عن سمرة) بضم الميم (ابن جندب) بن هلال الفزاري حليف الأنصار الصحابي المشهور رضي الله تعالى عنه، له أحاديث، مات بالبصرة سنة ثمان وخمسين (58 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وهذا السند من سداسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات أثبات.
(قال) النبي صلى الله عليه وسلم: (أربع) كلمات (أفضل الكلام) أي: أنفعه عند الله وأكثره أجرًا (لا يضرك) في فضلهن (بأيهن بدأت) وهي: (سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر).
قوله: (أحب الكلام) أي: كلام البشر؛ فالمراد بالكلام هنا: كلام البشر؛ لما روي أنه صلى الله عليه وسلم قال: أفضل الذكر بعد كتاب الله: سبحان الله والحمد لله
…
إلى آخره، قال القرطبي: أحقه قبولًا وأكثره ثوابًا.
ويعني بـ (الكلام): المتضمن للأذكار والدعاءِ والقُربِ من الكلام (إلى الله) أي: عند الله تعالى (أربع) كلمات، هذه رواية مسلم.
وأما رواية المؤلف: (أربع) من الكلمات، وهو مبتدأ، سوغ الابتداء بالنكرة تخصيصه بصفة محذوفة، خبرُه قوله:(أفضل الكلام).
ويصح كون (أربع) خبرًا مقدمًا لقوله: (أفضل الكلام) أي: أحب الكلام عند الله تعالى وأكثره أجرًا وأسرعه قبولًا أربع من الكلمات الآتية (لا يضرك) أيها الذاكر في عَدمِ قبولها أو في نقصِ ثوابها.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
والجار والمجرور في قوله: (بأيهن) متعلق بقوله: (بدأت) وهذه الجملة الفعلية في تأويل المصدر بأن المقدرة، وذلك المصدر المؤول فاعل الضرر؛ أي: لا يضرك أن بدأت بأية واحدة منهن؛ أي: لا يضرك بدايتك بأية واحدة منهن شئت؛ في نقص ثوابها أو في عدم قبولها، سواء في قبولها عند الله تعالى بدايتك بالتسبيح أو بالتحميد أو بالتكبير، وهذه مؤكدة؛ لتحقق قبولها عند الله تعالى؛ لأنها من كلام الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم.
وقوله: (سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر) خبر محكي لمبتدأ محذوف؛ تقديره: هي؛ أي: تلك الكلمات الأربع الموصوفة بما ذكر قولك: سبحان الله
…
إلى آخره، وحركة الإعراب مقدرة على راء (أكبر).
وإنما كانت هذه الأربع أحب الكلام عند الله تعالى؛ لاشتمالها على جملة أنواع الذكر؛ من التنزيه والتحميد والتوحيد والتمجيد.
وعبارة القرطبي: لأنها تضمنت تنزيهه تعالى عن كل ما يستحيل عليه، ووصفه بكل ما يجب له من أوصاف كماله، وانفراده بوحدانيته، واختصاصِه بعظمتِه وقِدَمِه المفهومَينِ مِن أَكْبَرِيَّته، ولتفصيل هذه الجمل محلٌّ آخرُ لا يسعُ له هذا المقام (لا يضرك) في الثواب والقبول (بأيهن بدأتَ) أي: لا يضرك بدايتُهن بأية واحدة منهن شئتَ؛ في نقصِ الثواب في البِداية بها أو في عدمِ قبولها.
قال القرطبي: يعني: أن تقديم بعض هذه الكلمات على بعض لا ينقص ثوابها ولا يُوقِفُ قبولها؛ لأنها كلها كلمات جامعات طيبات مباركات.
وفي "المبارق": (لا يضرك بأيهن بدأت) لأن المعنى المقصود لا يتوقف على هذا النظم؛ لاستقلال كل واحدة من الجمل.
(111)
- 3755 - (7) حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَّنِ الْوَشَّاءُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْمُحَارِبِيُّ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ،
===
قال أهل التحقيق: حقيق أن يُراعَى هذا الترتيب المندرج في المعارف: يَعرِفُ الله أولًا بتنزيه ذاته عما يوجب نقصًا، ثم بالصفات الثبوتية التي يستحق بها الحمد، ثُمَّ يعلمُ أنَّ من هذا شأنه لا يستحق الألوهيةَ غَيْرُهُ، فينكشف له من ذلك أنه أكبر وأعظم. انتهى منه.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: البخاري تعليقًا في كتاب الأيمان والنذور، باب إذا قال: والله؛ لا أتكلم اليوم بنحوه، ومسلم في كتاب الآداب، في باب النهي عن تسمية الرقيق بيسار ورباح بقوله: أحب الكلام إلى الله أربع.
فهذا الحديث في أعلى درجات الصحة؛ لأنه من المتفق عليه، وغرضه: الاستشهاد به.
ثم استشهد المؤلف خامسًا لحديث أبي هريرة بحديث آخر له رضي الله تعالى عنه، فقال:
(111)
- 3755 - (7)(حدثنا نصر بن عبد الرحمن) بن بكار الناجي الكوفي (الوشاء) - بفتح الواو وتشديد المعجمة - ثقة، من العاشرة، مات سنة ثمان وأربعين ومئتين (248 هـ). يروي عنه:(ت ق).
(حدثنا عبد الرحمن) بن محمد بن زياد (المحاربي) أبو محمد الكوفي، لا بأس به وكان يدلس، قاله أحمد، من التاسعة، مات سنة خمس وتسعين ومئة (195 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن مالك بن أنس) الإمام في الفروع الأصبحي المدني، ثقة، من السابعة، مات سنة تسع وسبعين ومئة (179 هـ). يروي عنه:(ع).
عَنْ سُمَيٍّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ قَالَ: سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ مِئَةَ مَرَّةٍ .. غُفِرَتْ لَهُ ذُنُوبُهُ وَلَوْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ".
===
(عن سمي) - مصغرًا - مولى أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث ابن هشام، ثقة، من السادسة، مات سنة ثلاثين ومئة (130 هـ) مقتولًا بقديد. يروي عنه:(ع).
(عن أبي صالح) ذكوان السمان، ثقة، من الثالثة، مات سنة إحدى ومئة (101 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن أبي هريرة) رضي الله تعالى عنه.
وهذا السند من سداسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات أثبات.
(قال) أبو هريرة: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قال) في يوم واحد؛ كما في رواية الشيخين: (سبحان الله وبحمده) قيل: الواو زائدة؛ أي: تسبيحًا مقرونًا بحمده (مئة مرة غفرت له ذنوبه) قال الطيبي: سواء كانت متفرقة أو مجتمعة في مجلس أو مجالس، في أول النهار أو في آخره؛ إلا أن الأولي جمعها في أول النهار؛ لتكون ذنوبه في أول النهار مغفورة (ولو كانت) ذنوبه في الكثرة (مثل زيد البحر) أي: رغوته وهذا كناية في الكثرة؛ وهذا؛ أي: قوله: (ولو كانت ذنوبه مثل زيد البحر) وأمثاله؛ نحو: إما طلعت عليه الشمس) كنايات عبر بها عن الكثرة.
وقد يشعر هذا الحديث بأن التسبيح أفضل من التهليل؛ من حيث إن زيد البحر أضعاف أضعاف المئة المذكورة في مقابلة التهليل.
وأجيب: بأن ما جعل في مقابلة التهليل من عتق الرقاب يزيد على فضل التسبيح وتكفير الخطايا؛ إذ ورد أن من أعتق رقبة .. أعتق الله بكل عضو منها
(112)
- 3756 - (8) حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ عمَرَ بْنِ رَاشِدٍ،
===
عضوًا منه من النار، فحصل بهذا العتق تكفير جميع الخطايا عمومًا بعدما ذكره خصوصًا مع زيادة مئة درجة.
ويؤيده: حديث: (أفضل الذكر التهليل) وأنه أفضل ما قاله هو والنبيون من قبله، ولأن التهليل صريح في التوحيد، والتسبيح متضمن له، ومنطوق:(سبحان الله) تنزيه، ومفهومه توحيد، ومنطوق:(لا إله إلا الله) توحيد، ومفهومه تنزيه، فيكون أفضل من التسبيح؛ لأن التوحيد أصل؛ والتنزيه ينشأ عنه. انتهى من "الإرشاد".
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: البخاري في كتاب الدعوات، باب فضل التسبيح، والترمذي في كتاب الدعوات، باب رقم (61).
فدرجة هذا الحديث: أنه صحيح؛ لصحة سنده وللمشاركة فيه، وغرضه: الاستشهاد به.
ثم استشهد المؤلف سادسًا لحديث أبي هريرة الأول بحديث أبي الدرداء رضي الله تعالى عنهما، فقال:
(112)
- 3756 - (8)(حدثنا علي بن محمد) بن إسحاق الطنافسي الكوفي، ثقة، من العاشرة، مات سنة ثلاث، وقيل: خمس وثلاثين ومئتين. يروي عنه: (ق).
(حدثنا أبو معاوية) محمد بن خازم الضرير التميمي الكوفي، ثقة، من التاسعة، مات سنة خمس وتسعين ومئة (195 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن عمر بن راشد) بن شجرة - بفتح المعجمة والجيم - اليمامي، ضعيف،
عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَّن، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "عَلَيْكَ بِسُبْحَانَ اللهِ وَالْحَمْدُ للهِ وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَاللهُ أَكْبَرُ؛
===
من السابعة، ووهم من قال: إن اسمه عمرو، وكذا من زعم أنه ابن أبي خثعم. يروي عنه:(ت ق).
قال الدوري عن ابن معين: ضعيف، وقال أبو زرعة: لين الحديث، وقال البخاري: حديثه عن يحيى بن أبي كثير مضطرب ليس بالقائم، وقال النسائي: ليس بثقة، وقال العجلي: ليس به بأس، وقال ابن عدي: هو إلى الضعف أقرب منه إلى الصدق، وقال ابن حبان: يضع الحديث، فهو مختلف فيه.
(عن يحيى بن أبي كثير) صالح بن المتوكل الطائي اليمامي، ثقة، من الخامسة، مات سنة اثنتين وثلاثين ومئة، وقيل قبل ذلك. يروي عنه:(ع).
(عن أبي سلمة) عبد الله (بن عبد الرحمن) بن عوف الزهريّ المدني، ثقة، من الثالثة، مات سنة أربع وتسعين أو أربع ومئة. يروي عنه:(ع).
(عن أبي الدرداء) عويمر بن زيد بن قيس الأنصاري الصحابي الفاضل رضي الله تعالى عنه، مات في أواخر خلافة عثمان، وقيل: عاش بعد ذلك. يروي عنه: (ع).
وهذا السند من سداسياته، وحكمه: الضعف؛ لأن فيه عمر بن راشد، وهو ضعيف عند الجماهير، أو الحسن؛ لأن فيه عمر بن راشد، وهو مختلف فيه، فيرد السند من الصحة إلى الحسن.
(قال) أبو الدرداء: (قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: عليك) أي: الزم يا أبا الدرداء (بـ) ذكر (سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر).
فَإِنَّهَا؛ يَعْنِي: يَحْطُطْنَ الْخَطَايَا كَمَا تَحُطُّ الشَّجَرَةُ وَرَقَهَا".
===
قال أبو الدرداء: (فإنهما) أي: فإن هذه الكلمات؛ أي: قال أبو الدرداء: (يعني) النبي صلى الله عليه وسلم بأمره إياي بملازمة هذه الكلمات؛ أي: لازم هذه الكلمات؛ لأنهن (يحططن) من حي يحط؛ من باب شد يشد؛ أي: لأنهن يحططن ويسقطن عنك (الخطايا) والذنوب (كما تحط) وتسقط (الشجرة ورقها) في فصل الربيع.
وحق العبارة أن يقال: (يعني: فإنهن يحططن الخطايا
…
) إلى آخره؛ لأنها مسوقة لتعليل أمره.
وهذا الحديث مما انفرد به المؤلف، ودرجته: أنه ضعيف السند؛ كما عليه الجمهور، صحيح المتن بأحاديث الباب، أو: حسن المتن؛ لكون سنده حسنًا؛ لما عليه بعضهم، وغرضه: الاستشهاد به.
وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب: ثمانية أحاديث:
الأول للاستدلال، والخامس للاستئناس، والبواقي للاستشهاد.
والله سبحانه وتعالى أعلم