الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(3) - (1366) - بَابُ الاسْتِئْذَانِ
(5)
- 3649 - (1) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَخْبَرَنَا دَاوُودُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ أَبَا مُوسَى اسْتَأْذَنَ عَلَى عُمَرَ ثَلَاثًا فَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ، فَانْصَرَفَ،
===
(3)
- (1366) - (باب الاستئذان)
(5)
- 3649 - (1)(حدثنا أبو بكر) ابن أبي شيبة، (حدثنا يزيد بن هارون) بن زاذن السلمي الواسطي، ثقةٌ متقن، من التاسعة، مات سنة ست ومئتين (206 هـ). يروي عنه:(ع).
(أخبرنا داوود بن أبي هند) اسمه دينار بن عذافر القشيري مولاهم، أبو بكر البصري، ثقةٌ متقن كان يهم بأخرة، من الخامسة، مات سنة أربعين ومئة (140 هـ)، وقيل قبلها. يروي عنه:(م عم).
(عن أبي نضرة) المنذر بن مالك بن قطعة - بضم القاف وفتح المهملة - العبدي العوقي - بفتح المهملة والواو ثم قاف - البصري أبي نضرة - بنون ومعجمة ساكنة - مشهور بكنيته، ثقةٌ، من الثالثة، مات سنة ثمان أو تسع ومئة (109 هـ). يروي عنه:(م عم).
(عن أبي سعيد) سعد بن مالك الأنصاري (الخدري) رضي الله تعالى عنه.
وهذا السند من خماسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات أثبات.
(أن أبا موسى) عبد الله بن قيس الأشعري رضي الله تعالى عنه (استأذن) أي: طلب الإذن في الدخول (على عمر) بن الخطاب في زمن خلافته (ثلاثًا) أي: طلب الإذن منه في الدخول عليه ثلاث مرات (فلم يؤذن له) أي: لأبي موسى في الدخول على عمر بعدما استأذن منه ثلاث مرات (فانصرف)
فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ عُمَرُ: مَا رَدَّكَ؟ قَال: اسْتَأْذَنْتُ الاسْتِئْذَانَ الَّذِي أَمَرَنَا بِهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ثَلَاثًا؛ فَإِنْ أُذِنَ لَنَا .. دَخَلْنَا، وِإنْ لَمْ يُؤْذَنْ لَنَا .. رَجَعْنَا،
===
أبو موسى؛ أي: انطلق وذهب أبو موسى ورجع إلى بيته، ولم ينتظر أبو موسى الإذن له؛ كأن عمر شغل عن الإذن له بأمر مهم من أمور المسلمين، فاستأذن أبو موسى ثلاث مرات فلم يأذن له عمر، فرجع أبو موسى إلى بيته (فأرسل إليه) أي: إلى أبي موسى (عمر) مرّة ثانية فدعاه، فجاء إليه أبو موسى، فقال له عمر:(ما ردك؟ ) أي: أي سبب رجعك وردك إلى منزلك بعدما أتيت إلينا ولم تدخل علي؟ (قال) أبو موسى في جواب سؤال عمر: (استأذنت) أي: طلبت منك الإذن في الدخول عليك (الاستئذان الذي أمرنا به) أي: بذلك الاستئذان (رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثًا) منصوب على المفعولية المطلقة باستأذنت في الدخول عليك ثلاث استئذانات؛ الاستئذان الذي أمرنا به رسول الله صلى الله عليه وسلم عند دخول بيت الغير، فالاستئذان منصوب على أنه مفعول به، وثلاثًا على المفعولية المطلقة (فإن أذِنَ لنا .. دخلنا، وإن لَمْ يُؤذن لنا .. رجعنا) إلى منزلنا؛ أي: استأذنت منك الاستئذان الذي أمرنا به رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: "إذا استأذن أحدكم في دخول بيت الغير فلم يؤذن له .. فليرجع" ظاهره أن صاحب المنزل إذا سمع الاستئذان ولم يأذن له .. فليرجع، والنظم القرآني يؤيده حيث قال تعالى:{وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا} (1)، وأما إذا لَمْ يسمع .. فالأَوْلَى تكرار الاستئذان حتى يسمع؛ كما قاله بعضهم.
فقوله: "فليرجع" أي: لأن عدم الإجابة من صاحب البيت ثلاث مرات
(1) سورة النور: (28).
قَالَ: فَقَالَ: لَتَأْتِيَنِّي عَلَى هَذَا بِبَيِّنَةٍ أَوْ لَأَفْعَلَنَّ، فَأَتَى مَجْلِسَ قَوْمِهِ فَنَاشَدَهُمْ فَشَهِدُوا لَهُ فَخَلَّى سَبِيلَهُ.
===
تصريح منه بعدم الإذن، ويدل عليه قوله تعالى:{وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ} (1)، وبه يظهر أن الرجل إذا لَمْ يأذن له صاحب البيت لشغل أو نحوه .. فليس للزائر أن يسخط على صاحب البيت ولا أن يضيق بذلك ذرعًا؛ لأنه يمكن أن يكون في حالة لا يتيسر له فيها الخروج، أو إكرام الزائر، وليس للإنسان أن يُكْرِهَ الآخرَ على لقائِه.
(قال) أبو موسى: (فقال) لي عمر: والله (لتأتيني على هذا) الاستئذان الذي أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم (ببينة) أي: بشاهد يشهد لك على قول الرسول ذلك الاستئذان (أو لأفعلن) لك العقوبة والتعزير على كذبك على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال أبو سعيد الخدري: (فأتى) أبو موسى (مجلس قومه) أي: مجلس قوم أبي سعيد الخدري" وهم الأنصار ومتحدثهم (فناشدهم) أي: فناشد أبو موسى وسأل بالله قوم أبي سعيد - وهم الأنصار - أن يشهدوا له عند عمر بهذا الحديث على أنهم سمعوه من رسول الله صلى الله عليه وسلم (فشهدوا) أي: شهد قوم أبي سعيد الخدري بهذا الحديث عند عمر (له) أي: لأبي موسى بأنهم سمعوه من رسول الله صلى الله عليه وسلم (فخلى) عمر بن الخطاب (سبيله) أي: سبيل أبي موسى؛ أي: تركه ولم يتعرض له بالعقوبة على كذبه على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه تبين صدقه في ذلك الحديث، وقول ابن ماجة في روايته:(أن أبا موسى استأذن على عمر ثلاثًا، فلم يؤذن له) يناقض رواية مسلم: (أتيت بابه فسلمت عليه ثلاثًا).
(1) سورة النور: (28).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
قال القرطبي: ليس قوله: (فسلمت عليه) مناقضًا لقوله في الرواية الأخرى: (استأذن ثلاثًا) لأن أبا موسى رضي الله تعالى عنه كان قد جمع بين السلام والاستئذان ثلاثًا؛ كما جاء منصوصًا عليه في الرواية الثالثة من "مسلم". انتهى من "المفهم".
قال الأبي: الاستئذان مشروع، وصورته: أن يقول: السلام عليكم، وإن شاء .. زاد: هذا فلان، على ما سيأتي آنفًا. انتهى.
وقال الطيبي: وأجمعوا على أن الاستئذان مشروع، وتظاهرت به دلائل القرآن والسنة، والأفضل أن يجمع بين السلام والاستئذان، واختلفوا في أنه هل يستحب تقديم السلام أو الاستئذان، والصحيح تقديم السلام؛ فيقول: السلام عليكم، أأدخل؟
وعن الماوردي: إن وقعت عين المستأذن على صاحب المنزل قبل دخوله .. قدم السلام، وإلا .. قدم الاستئذان.
قلت: وهو بظاهره يخالف ما سبق من حديث السلام قبل الكلام. انتهى.
قوله: (استأذن ثلاثًا على عمر فلم يؤذن له فانصرف) واختلفت الروايات في بيان سبب عدم الإذن له ثلاثًا: فأخرج البخاري في "صحيحه" في كتاب البيوع ما يدلُّ على أن عمر رضي الله تعالى عنه كان مشغولًا بأمر.
وأخرج أيضًا في "الأدب المفرد" أن عمر أراد تأديبه؛ لما بلغه أنه كان قد يحتبس على الناس حال إمرته بالكوفة، ولفظ البخاري في "الأدب المفرد":(يا عبد الله؛ اشتد عليك أن تحتبس على بابي؟ ! اعلم أن الناس كذلك يشتد عليهم أن يحتبسوا على بابك) ولا منافاة بين الوجهين، فيمكن أن يكون عمر رضي الله عنه أراد التأديب وكان مع ذلك في شغل. انتهى "تكملة".
واعلم: أن ما ذكر من الاستئذان بالكلام إذا كان صاحب البيت يسمع صوته،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
أما إذا علم أنه لا يسمع صوته في داخل البيت .. فيكتفي بالاستئذان بقرع الباب أو بضغط زر الجرس الموضوع في زماننا على أبواب أكثر البيوت، ولكن الأدب في قرع الباب أو دق الجرس أن يكون خفيفًا بحيث يسمع ولا يزعج في ذلك؛ فقد روى أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال: كانت أبواب النبي صلى الله عليه وسلم تقرع بالأظافير. رواه الخطيب في "جامعه" كما في "تفسير القرطبي"(12/ 217).
قال القرطبي: وحاصل هذه الأحاديث: أن دخول منزل الغير ممنوع، كان ذلك الغير فيها أو لَمْ يكن، إلَّا بعد الإذن، وهذا هو الذي نص الله تعالى عليه بقوله:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا} ، ثم قال بعد ذلك:{فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا} (1)، وهذا لا بد منه؛ لأن دخول منزل الغير تصرف في ملكه، ولا يجوز بغير إذنه؛ لأنه يطلع منه على ما لا يجوز الاطلاع عليه من عورات البيوت، فكانت هذه المصلحة في أعلى رتبة المصالح الحَاجيَّةِ.
ولما تقرر هذا شرعًا عند أبي موسى .. استأذن أبو موسى على عمر رضي الله تعالى عنهما، ولما كان عنده علم بكيفية الاستئذان وعدده .. عمل على ما كان عنده من ذلك، فلما لَمْ يؤذن له .. رجع.
وأما عمر رضي الله تعالى عنه .. فكان عنده علم بالاستئذان، ولم يكن عنده علم من العدد، فلذلك أنكره على أبي موسى إنكار مستبعد من نفسه أن يخفى عليه ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم مع ملازمته النبي صلى الله عليه وسلم حضرًا وسفرًا ملازمةً لَمْ تكن لأبي موسى ولا لغيره، وإنكار من يسد باب
(1) سورة النور: (27 - 28).
(6)
- 3650 - (2) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ وَاصِلِ بْنِ السَّائِب، عَنْ أَبِي سَوْرَةَ،
===
الذريعة في التقول على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولذلك أغلظ على أبي موسى بقوله:(أقم عليه البينة، وإلا .. أوجعتك، ولأجعلنك عظة) فلما أتاه بالبينة .. قال: إنما أحببت أن أتثبت فيه. انتهى من "المفهم".
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: البخاري في كتاب الاسئتذان، باب التسليم والاستئذان، ومسلم في كتاب الآداب، باب الاستئذان، وأبو داوود في كتاب الأدب، باب كم مرّة يسلم الرجل في الاستئذان، والترمذي في كتاب الاستئذان، باب ما جاء في الاستئذان ثلاث مرات، قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح.
فهذا الحديث في أعلى درجات الصحة؛ لأنه من المتفق عليه، وغرضه: الاستدلال به على الترجمة، والله سبحانه وتعالى أعلم.
* * *
ثم استأنس المؤلف للترجمة بحديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله تعالى عنه، فقال:
(6)
- 3650 - (2)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا عبد الرحيم بن سليمان) الكناني أبو علي الأشل المروزي نزيل الكوفة، ثقةٌ له تصانيف، من صغار الثامنة، مات سنة سبع وثمانين ومئة (187 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن واصل بن السائب) الرقاشي أبي يحيى البصري، ضعيف، من السادسة، مات سنة أربع وأربعين ومئة (144 هـ). يروي عنه:(ت ق).
(عن أبي سورة) - بفتح أوله وسكون الواو بعدها راء - الأنصاري ابن أخي أبي أيوب، ضعيف، من الثالثة. يروي عنه:(د ت ق). يروي عن: عمه أبي أيوب، ويروي عنه: واصل بن السائب، قال البخاري: منكر الحديث،
عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ؛ هَذَا السَّلَامُ فَمَا الاسْتِئْذَانُ؟ قَالَ: "يَتَكَلَّمُ الرَّجُلُ تَسْبِيحَةً وَتَكْبِيرَةً وَتَحْمِيدَةً وَيَتَنَحْنَحُ وَيُؤْذِنُ أَهْلَ الْبَيْتِ".
===
يروي عن أبي أيوب مناكير لا يتابع عليه، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال الساجي منكر الحديث، وبالجملة: فهو متفق على ضعفه إلَّا ما ذكره ابن حبان.
(عن أبي أيوب الأنصاري) خالد بن زيد بن كليب الأنصاري رضي الله تعالى عنه، من كبار الصحابة، شهد بدرًا وما بعدها، ونزل النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة عليه، مات غازيًا بالروم سنة خمسين (50 هـ)، وقيل بعدها. يروي عنه:(ع).
وهذا السند من خماسياته، وحكمه: الضعف؛ لأن فيه واصل بن السائب، وهو ضعيف، وفيه أيضًا أبو سورة، وهو ضعيف جدًّا.
(قال) أبو أيوب: (قلنا) معاشر الحاضرين عند رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا رسول الله؛ هذا السلام) على المسلم الذي أمرتنا به قد عرفنا كيفيته وعدده وحكمه (فما) كيفية (الاستئذان) لمن أراد دخول بيت الغير؛ فـ (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم في جواب سؤالنا: الاستئذان: أن (يتكلم الرجل) الذي يريد دخول بيت الغير ويذكر (تسبيحةً) أي: مرّة من التسبيح؛ بأن يقول: سبحان الله، أ (و) يذكر (تكبيرةً) أي: مرّة من التكبير؛ بأن يقول: الله أكبر مسمعًا لأهل البيت، أ (و) يذكر (تحميدةً) أي: مرّة من الحمد؛ بأن يقول: الحمد لله (ويتنحنح) التنحنح معروف، والنحنحة مثله؛ وهو تردد الصوت في حلقه أو في جوفه - كما في "القاموس" - لإسماعه أهله.
(ويؤذن أهل البيت) من الإيذان بمعنى: الإعلام، أي: ويعلم أهل البيت ما أراده من دخول بيتهم؛ ليأذنوا له في الدخول.
(7)
- 3651 - (3) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنِ الْحَارِث، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُجَيٍّ، عَنْ عَلِيٍّ
===
وهذا الحديث انفرد به ابن ماجة، ودرجته: أنه ضعيف (1)(371)؛ لضعف سنده ولا شاهد له ولا متابع، وغرضه: الاستئناس به للترجمة.
* * *
ثم استشهد المؤلف لحديث أبي سعيد الخدري بحديث علي رضي الله تعالى عنهما، فقال:
(7)
- 3651 - (3)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا أبو بكر بن عياش) - بتحتانية ومعجمة - أبو سالم الأسدي الكوفي المقريء الحناط - بمهملة ونون مشهور بكنيته - والأصح أن كنيته اسمه، وقيل: اسمه محمد أو عبد الله أو سالم، إلى غير ذلك، إلى عشرة أقوال، ثقةٌ عابد إلَّا أنه لما كبر .. ساء حفظه، وكتابه صحيح، من السابعة، مات سنة أربع وتسعين ومئة (194 هـ)، وقيل: قبل ذلك بسنة أو سنتين. يروي عنه: (ع).
(عن مغيرة) بن مقسم - بكسر الميم - الضبي مولاهم أبي هشام الكوفي الأعمي، ثقةٌ متقن إلَّا أنه كان يدلس ولا سيما عن إبراهيم، من السادسة، مات سنة ست وثلاثين ومئة (136 هـ) على الصحيح. يروي عنه:(ع).
(عن الحارث) بن يزيد العكلي - بضم المهملة وسكون الكاف - الكوفي، ثقةٌ فقيه، من السادسة، إلَّا أنه قديم الموت. يروي عنه:(خ م س ق).
(عن عبد الله بن نُجَي) - بنون وجيم مصغرًا - ابن سلمة الحضرمي الكوفي أبو لقمان، صدوق، من الثالثة. يروي عنه:(د س ق).
(عن علي) بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه.
قَالَ: كَانَ لِي مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مُدْخَلَانِ؛ مُدْخَلٌ بِاللَّيْلِ وَمُدْخَلٌ بِالنَّهَار، فَكُنْتُ إِذَا أَتَيْتُهُ وَهُوَ يُصَلِّي .. يَتَنَحْنَحُ لِي.
===
وهذا السند من سداسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات.
(قال) علي: (كان لي من رسول الله صلى الله عليه وسلم مُدْخَلان) تثنية مدخل - بضم الميم وفتح الخاء المعجمة - اسم زمان من الدخول؛ أي: كان لي وقتان أدخل عليه فيهما (مدخل بالليل) أي: وقت أدخل عليه في الليل (ومدخل بالنهار) أي: وقت أدخل عليه في النهار (فكنت) أنا (إذا أتيته) في أحد المدخلين (وهو يصلي .. يتنحنح لي) أي: يردد لي صوته في الحلق؛ ليفهمني أنه في الصلاة.
وبهذا الحديث استدلت الحنابلة والحنفية على أن التنحنح لا يبطل الصلاة، بخلاف الشافعية والمالكية؛ فإنهم قالوا: يبطل الصلاة؛ لأنه يظهر منه حرفان فأكثر، وهذا الحديث حجة عليهم؛ لأنه صحيح مُحتجٌّ به؛ فلذلك قالوا:(مذهب الشافعي أحوط، ومذهب أحمد أفقه) ولذلك قالوا أيضًا: (اختلاف الأئمة رحمة للأمة) فلا ينبغي الاعتراض على مذهب أحدهم بمذهب آخر؛ لأن هذا شغل الفهم السقيم.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: النسائي في كتاب السهو، باب التنحنح في الصلاة، وأحمد في "مسنده".
ودرجته: أنه صحيح؛ لصحة سنده، وغرضه: الاستشهاد به لحديث أبي سعيد الخدري.
* * *
ثم استشهد المؤلف ثانيًا لحديث أبي سعيد الخدري بحديث جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهم، فقال:
(8)
- 3652 - (4) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِر، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: اسْتَأْذَنْتُ عَلَى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "مَنْ هَذَا؟ "، فَقُلْتُ: أَنَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"أَنَا أَنَا! ! ".
===
(8)
- 3652 - (4)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا وكيع) بن الجراح.
(عن شعبة) بن الحجاج.
(عن محمد بن المنكدر) بن عبد الله بن الهدير - مصغرًا - التيمي المدني، ثقةٌ فاضل، من الثالثة، مات سنة ثلاثين ومئة (130 هـ)، أو بعدها. يروي عنه:(ع).
(عن جابر) بن عبد الله الأنصاري الخزرجي المدني رضي الله تعالى عنهما.
وهذا السند من خماسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات أثبات.
(قال) جابر: (استأذنت) أي: طلبت الإذن لي في الدخول (على النبي صلى الله عليه وسلم فقال) لي رسول الله صلى الله عليه وسلم في جواب استئذاني: (من هذا) المستأذن في الدخول علي؟ قال جابر: (فقلت) له: (أنا) المستأذن في الدخول عليك يا رسول الله (فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أنا) مبتدأ (أنا) خبره؛ أي: لفظ (أنا) الذي قلته في جواب سؤالي لك هو يصدق على (أنا) فلا يحصل به بيان نفسك، أو كرره للتأكيد، ويكون مقولًا لقول محذوف.
وفي رواية مسلم: (فخرج) إِليَّ النبي صلى الله عليه وسلم (وهو) أي: والحال أنه (يقول) بلسانه: تقول: (أنا أنا) مبهمًا نفسك.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
قال النووي: زاد في رواية: (كَرِهَها) أي: والحال أنه كره مقالتي له: (أنا) لعدم إفادتها تعيين المستأذن.
قال العلماء: إذا استأذن فقيل له: من أنت؟ أو من هذا؟ كره أن يقول: (أنا) لهذا الحديث، ولأنه لَمْ يحصل بقوله:(أنا) فائدة ولا زيادة تعيين، بل الإبهام باق على حاله، بل ينبغي أن يقول: فلان ذاكرًا باسمه، وإن قال:(أنا فلان) .. فلا بأس به؛ كما قالت أم هانئ حين استأذنت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم من هذه؟ فقالت: أنا أم هانئ، ولا بأس بقوله: (أنا أبو فلان
…
) إلى آخره. انتهى.
ولا أنا الشيخ فلان، أو أنا القارئ فلان، أو أنا القاضي فلان، أو أنا الأمير فلان مما يفيد تعظيم نفسه؛ لأن ذلك التعظيم لَمْ يقصد، بل المقصود تعيين نفسه، إذا لَمْ يحصل التمييز إلَّا بذلك؛ يعني: أن المقصود تعريف المستأذن نفسه وإزالة الإبهام عنها، فبأي شيء يحصل ذلك .. يلزم عليه أن يورده، والله أعلم.
وفي قوله صلى الله عليه وسلم: "أنا أنا" بالتكرير توبيخ لجابر، لعدم إفادة قوله المقصود.
قال الأبي: وقيل: إنما كره ذلك؛ لأنه دَقَّ البابَ؛ كما جاء في غير "مسلم"، فأنكر عليه الاستئذان بالدق وبغير السلام. انتهى "دهني".
وقوله: (استأذنت على النبي صلى الله عليه وسلم وزاد في البخاري: (في دَيْنٍ كان علَى أبي، فدققت الباب) وبه ظهر أنه المراد من قوله: (استأذنت) أي: استأذنت بدق الباب، فلذلك وبخه النبي صلى الله عليه وسلم على قوله:(أنا أنا).
قوله: (فخرج وهو يقول: أنا أنا) هذا يحتمل وجهين؛ الأول: أنه كرر لفظ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
جابر؛ إنكارًا منه عليه، والثاني: أنه قال: إن لفظ (أنا) يستعمل لكل متكلم، فلا يحصل به التعريف.
وبالجملة: ففيه كراهة لمثل هذا الجواب؛ فإن المستأذِنَ عليه أن يُعرِّفَ نفسَه بوضوح، وإن هذا الجواب ليس فيه فائدة جديدة لمن لا يعرف الصوت وإن كان الآخر يعرف الصوت، فإن كلمة (أنا) مختصرة جدًّا لا تتضح بها مميزات الصوت، ثم إن في هذا القول إيهامًا بالكبر؛ حيث يزعم الإنسان أنه غني عن التعريف، وهذا وإن كان منتفيًا في حق جابر في ذلك المقام، ولكنه تعليم عام. انتهى من "الكوكب".
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: البخاري في كتاب الاستئذان، باب إذا قال: من ذا؟ فقال: أنا، ومسلم في كتاب الآداب، باب قول المستأذن:(أنا) إذا قيل له: من هذا؟ وأبو داوود في كتاب الأدب، باب الرجل يستأذن بالدق، والترمذي في كتاب الاستئذان، باب ما جاء في التسليم قبل الاستئذان، قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح.
فهذا الحديث في أعلى درجات الصحة؛ لأنه من المتفق عليه، وغرضه: الاستشهاد به.
* * *
وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب: أربعة أحاديث:
الأول للاستدلال، والثاني للاستئناس، والأخيران للاستشهاد.
والله سبحانه وتعالى أعلم