المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(47) - (1410) - باب دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم - شرح سنن ابن ماجه للهرري = مرشد ذوي الحجا والحاجة إلى سنن ابن ماجه - جـ ٢٢

[محمد الأمين الهرري]

فهرس الكتاب

- ‌تَتِمَّة كِتَابُ الأدب

- ‌(1) - (1364) - بَابُ الْمُصَافَحَةِ

- ‌فائدة في بيان أن السنة في المصافحة أن تكون باليد الواحدة

- ‌(2) - (1365) - بَابُ الرَّجُلِ يُقَبِّلُ يَدَ الرَّجُلِ

- ‌فائدة

- ‌(3) - (1366) - بَابُ الاسْتِئْذَانِ

- ‌(4) - (1367) - بَابُ الرَّجُلِ يُقَالُ لَهُ: كَيْفَ أَصْبَحْتَ

- ‌(5) - (1368) - بَابٌ: إِذَا أَتَاكُمْ كَرِيمُ قَوْمٍ .. فَأَكْرِمُوهُ

- ‌(6) - (1369) - بَابُ تَشْمِيتِ الْعَاطِسِ

- ‌(7) - (1370) - بَابُ إِكْرَامِ الرَّجُلِ جَلِيسَهُ

- ‌(8) - (1371) - بَابُ: مَنْ قَامَ عَنْ مَجْلِسٍ فَرَجَعَ .. فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ

- ‌(9) - (1372) - بَابُ الْمَعَاذِيرِ

- ‌(10) - (1373) - بَابُ الْمِزَاحِ

- ‌فائدة مستلحقة

- ‌(11) - (1374) - بَابُ نَتْفِ الشَّيْبِ

- ‌(12) - (1375) - بَابُ الْجُلُوسِ بَيْنَ الظِّلِّ وَالشَّمْسِ

- ‌(13) - (1376) - بَابُ النَّهْيِ عَنِ الاضْطِجَاعِ عَلَى الْوَجْهِ

- ‌(14) - (1377) - بَابُ تَعَلُّمِ النُّجُومِ

- ‌(15) - (1378) - بَابُ النَّهْيِ عَنْ سَبِّ الرِّيحِ

- ‌(16) - (1379) - بَابُ مَا يُسْتَحَبُّ مِنَ الْأَسْمَاءِ

- ‌(17) - (1380) - بَابُ مَا يُكْرَهُ مِنَ الْأَسْمَاءِ

- ‌(18) - (1381) - بَابُ تَغْيِيرِ الْأَسْمَاءِ

- ‌(19) - (1382) - بَابُ الْجَمْعِ بَيْنَ اسْمِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَكُنْيَتِهِ

- ‌فائدةٌ مُذَيَّلَةٌ

- ‌(20) - (1383) - بَابُ الرَّجُلِ يُكَنَّى قَبْلَ أَنْ يُولَدَ لَهُ

- ‌تنبيه

- ‌(21) - (1384) - بَابُ الْأَلْقَابِ

- ‌(22) - (1385) - بَابُ الْمَدْحِ

- ‌(23) - (1386) - بَابٌ: الْمُسْتَشَارُ مُؤْتَمَنٌ

- ‌(24) - (1387) - بَابُ دُخُولِ الْحَمَّامِ

- ‌(25) - (1388) - بَابُ الاطِّلَاءِ بِالنُّورَةِ

- ‌(26) - (1389) - بَابُ الْقَصَصِ

- ‌(27) - (1390) - بَابُ الشِّعْرِ

- ‌(28) - (1391) - بَابُ مَا كُرِهَ مِنَ الشِّعْرِ

- ‌(29) - (1392) - بَابُ اللَّعِبِ بِالنَّرْدِ

- ‌(30) - (1393) - بَابُ اللَّعِبِ بِالْحَمَامِ

- ‌(31) - (1394) - بَابُ كَرَاهِيَةِ الْوَحْدَةِ

- ‌(32) - (1395) - بَابُ إِطْفَاءِ النَّارِ عِنْدَ الْمَبِيتِ

- ‌فائدة

- ‌(33) - (1396) - بَابُ النَّهْيِ عَنِ النُّزُولِ عَلَى الطَّرِيقِ

- ‌(34) - (1397) - بَابُ رُكُوبِ ثَلَاثَةٍ عَلَي دَابَّةٍ

- ‌(35) - (1398) - بَابُ تَتْرِيبِ الكِتَابِ

- ‌(36) - (1399) - بَابٌ: لَا يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ الثَّالِثِ

- ‌(37) - (1400) - بَابٌ: مَنْ كَانَ مَعَهُ سِهَامٌ .. فَلْيَأْخُذْ بِنِصَالِهَا

- ‌(38) - (1401) - بَابُ ثَوَابِ الْقُرآنِ

- ‌(39) - (1402) - بَابُ فَضْلِ الذِّكْرِ

- ‌(40) - (1403) - بَابُ فَضْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ

- ‌(41) - (1404) - بَابُ فَضْلِ الْحَامِدِينَ

- ‌(42) - (1405) - بَابُ فَضْلِ التَّسْبِيحِ

- ‌(43) - (1406) - بَابُ الاسْتِغْفَارِ

- ‌(44) - (1407) - بَابُ فَضْلِ الْعَمَلِ

- ‌(45) - (1408) - بَابُ مَا جَاءَ فِي: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ

- ‌كتابُ الدُّعاء

- ‌(46) - (1409) - بَابُ فَضْلِ الدُّعَاءِ

- ‌(47) - (1410) - بَابُ دُعَاءِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌(48) - (1411) - بَابُ مَا تَعَوَّذَ مِنْهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم

الفصل: ‌(47) - (1410) - باب دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم

(47) - (1410) - بَابُ دُعَاءِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم

(129)

- 3773 - (1) حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ سَنَةَ إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وَمِئَتَيْنِ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَتِسْعِينَ وَمِئَةٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ فِي مَجْلِسِ الْأَعْمَشِ مُنْذُ خَمْسِينَ سَنَةً، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ الْجَمَلِيُّ

===

(47)

- (1410) - (باب دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم

(129)

- 3773 - (1)(حدثنا علي بن محمد) بن إسحاق الطنافسي الكوفي، ثقة، من العاشرة، مات سنة ثلاث، وقيل: خمس وثلاثين ومئتين. يروي عنه: (ق).

وقوله: (سنة إحدى وثلاثين ومئتين)(231) ظرف متعلق بـ (حدثنا علي بن محمد) وهو من كلام المؤلف، أتى به؛ اهتمامًا بشأن هذا الدعاء؛ لأنه كان مأثورًا عن النبي صلى الله عليه وسلم بواسطة.

قال علي بن محمد: (حدثنا وكيع) بن الجراح (في سنة خمس وتسعين ومئة) ذكر التاريخ؛ إشارة إلى تيقنه بهذا الحديث.

(قال) وكيع: (حدثنا سفيان) بن سعيد الثوري (في مجلس) شيخه سليمان (الأعمش منذ خمسين سنة) و (منذ) حرف جر بمعنى: (من) متعلق بـ (حدثنا) أي: حدثنا سفيان في مجلس الأعمش وهو يسمعه من بداية خمسين سنة.

قال سفيان في تحديثه لنا: (حدثنا عمرو بن مرة) بن عبد الله بن طارق بن الحارث بن سلمة بن كعب بن وائل بن جمل بن كنانة بن ناجية بن مراد (الجملي) - بفتح الجيم والميم - المرادي أبو عبد الله الكوفي الأعمى، ثقة عابد كان لا يدلس ورمي بالإرجاء، من الخامسة، مات سنة ثماني عشرة ومئة (118) وقيل: قبلها. يروي عنه: (ع).

ص: 361

فِي زَمَنِ خَالِدٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْحَارِثِ الْمُكَتِّب، عَنْ طَلِيقِ بْنِ قَيْسٍ الْحَنَفِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ فِي دُعَائِهِ: "رَبِّ؛ أَعِنِّي وَلَا تُعِنْ عَلَيَّ، وَانْصُرْنِي وَلَا تَنْصُرْ عَلَيَّ، وَامْكُرْ لِي

===

والجار والمجرور في قوله: (في زمن خالد) متعلق بـ (حدثنا عمرو) أي: حدثنا عمرو بن مرة في زمن ولاية خالد بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان الأموي أبي هاشم الدمشقي، صدوق مذكور بالعلم، من الثالثة، مات قبل المئة سنة تسعين (90 هـ) فليس هو من رجال ابن ماجه، بل لم يرو عنه إلا أبو داوود؛ أي: حدثنا عمرو بن مرة زمن ولاية خالد (عن عبد الله بن الحارث) الزبيدي - بضم الزاي - النجراني - بنون وجيم - الكوفي المعروف بـ (المكتب) - بضم الميم وتشديد التاء المكسورة - ثقة، من الثالثة. يروي عنه:(م عم).

(عن طليق بن قيس الحنفي) الكوفي ثقة، من الثالثة. يروي عنه:(عم).

(عن ابن عباس) رضي الله تعالى عنهما.

وهذا السند من سداسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات.

(أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في دعائه: رب؛ أعني) على الأعداء؛ أي: وفقني لذكرك وشكرك وحسن عبادتك. انتهى من "العون".

(ولا تعن) الأعداء في الغلبة (علي) أي: لا تغلب علي من يمنعني من طاعتك؛ من شياطين الإنس والجن. انتهى منه.

(وانصرني) في الغلبة على الأعداء (ولا تنصر) هم في الغلبة (علي) وعبارة "العون": (وانصرني) أي: اغلبني على الكفار ولا تغلبهم علي؟ أي: أوانصرني على نفسي؛ فإنها أعدى أعدائي، ولا تنصر النفس الأمارة علي؛ بأن أتبع الهوى، وأترك الهدى (وامكر لي) قال الطيبي: المكر: الخداع؛ وهو

ص: 362

وَلَا تَمْكُرْ عَلَيَّ، وَاهْدِنِي وَيَسِّرِ الْهُدَي لِي، وَانْصرْنِي عَلَى مَنْ بَغَي عَلَيَّ، رَبِّ؛ اجْعَلْنِي لَكَ شَكَّارًا، لَكَ ذَكَّارًا، لَكَ رَهَّابًا، لَكَ مُطِيعًا، إِلَيْكَ مُخْبِتًا، إِلَيْكَ أَوَّاهًا

===

من الله إيقاع بلائه على أعدائه من حيث لا يشعرون، وقيل: استدراج العبد بالطاعة، فيتوهم أنها مقبولة وهي مردودة.

وقال ابن الملك: المكر: الحيلة والفكر في دفع عدو بحيث لا يشعر به العدو، والمعنى: وامكر لي؛ أي: اهدني يا الله إلي طريق دفع أعدائي عني (ولا تمكر علي) أي: ولا تهد عدوي إلي طريق دفعه إياي عن نفسه (واهدني) أي: دلني على الخيرات أو على عيوب نفسي (ويسر الهدى لي) أي: وسهل لي اتباع الهداية أو طرق الدلالة لي حتى لا أستثقل الطاعة، ولا أنشغل عن العبادة (وانصرني) أي: بالخصوع (على من بغى علي) أي: ظلمني وتعدى علي، وهذا تخصيص لقوله أولًا:"وانصرني".

(رب؛ اجعلني لك شكارًا) قدم المتعلق؛ للاهتمام والاختصاص، أو لتحقيق مقام الإخلاص؛ أي: على النعماء والآلاء (لك ذكارًا) في أوقات النهار وآناء الليل (لك رهابًا) أي: خوافًا في السراء والضراء.

وقال ابن حجر: أي: منقطعًا عن الخلق (لك مطيعًا) أي: ممتثلًا لأوامرك (إليك مخبتًا) قال السيوطي: هو من الإخبات؛ وهو الخشوع والتواضع. انتهى.

وفي "المرقاة": أي: خاضعًا خاشعًا متواضعًا؛ من الخبت؛ وهو المطمئن من الأرض، يقال: أخبت الرجل؛ إذا نزل الخبت، ثم استعمل الخبت استعمال اللين والتواضع، قال تعالى:{وَأَخْبَتُوا إِلَى رَبِّهِمْ} (1)؛ أي: اطمأنوا إلى ذكره.

(إليك أواهًا) أي: متضرعًا، وقيل: بكاءً؛ من التأوه؛ وهو إكثار آه

(1) سورة هود: (23).

ص: 363

مُنِيبًا، رَبِّ؛ تَقَبَّلْ تَوْبَتِي، وَاغْسِلْ حَوْبَتِي، وَأَجِبْ دَعْوَتِي، وَاهْدِ قَلْبِي، وَسَدِّدْ لِسَانِي، وَثَبِّتْ حُجَّتِي، وَاسْلُلْ سَخِيمَةَ قَلْبِي"،

===

من خوف الله (منيبًا) أي: راجعًا إلى طاعتك من عمل المعاصي، قال في "النهاية": الإنابة: الرجوع إلى الله بالتوبة، يقال: أناب؛ إذا أقبل ورجع؛ أي: إليك راجعًا.

(رب؛ تقبل توبتي) بجعلها صحيحة بشرائطها واستجماع آدابها؛ فإنها لا تتخلف عن حيز القبول، قال تعالى:{وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ} (1).

(واغسل حوبتي) - بفتح الحاء ويضم - أي: امح ذنبي؛ والحوب - بالضم - مصدر، والحاب: الإثم، سمي بذلك؛ لكونه مزجورًا عنه؛ إذ الحوب في الأصل: لزجر الإبل.

وذكر المصدر دون الإثم؛ وهو الحوب؛ لأن الاستبراء من فعل الذنب أبلغ منه من نفس الذنب.

(وأجب دعوتي) أي: دعائي، وأما قول ابن حجر المكي: ذُكِرَ؛ لأنه من فوائد قبولِ التوبة .. فمُوهِم أنه لا تجابُ دعوةُ غير التائب، وليس الأمر كذلك؛ لما صح من أن دعوةَ المظلوم مستجابة وإن كان فاجرًا، وفي رواية:(ولو كان كافرًا).

(واهد قلبي) أي: إلي معرفةِ ربي (وسدِّد) أي: صوب وقَوِّم (لساني) حتى لا ينطق إلا بالصدق ولا يتكلم إلا بالحق (وثبت حجتي، واسْلُلْ) - بضم اللام الأولي - أي: أخرج (سخيمة قلبي) أي: غِشَّه وغِلَّه وحِقْدَه وحسدَه ونحوَها مما ينشأ من الصدر ويسكُن في القلب من مساوئ الأخلاق، قاله عليٌّ القاري.

(1) سورة الشورى: (25).

ص: 364

قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الطَّنَافِسِيُّ: قُلْتُ لِوَكِيعٍ: أَقُولُهُ فِي قُنُوتِ الْوِتْرِ؟ قَالَ: نَعَمْ.

(130)

- 3774 - (2) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عُبَيْدَةَ،

===

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: أبو داوود في كتاب الصلاة، باب ما يقول الرجل إذا سلم، والترمذي في كتاب الدعوات، باب في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: هذا حديث حسن صحيح، والنسائي في "عمل اليوم والليلة"، باب الاستنصار عند اللقاء، وابن حبان في "موارد الظمآن" في كتاب الأدعية، باب أدعية رسول الله صلى الله عليه وسلم، وابن أبي شيبة في كتاب الدعاء، باب ما كان يدعو به النبي صلى الله عليه وسلم، والبغوي في "شرح السنة".

ودرجته: أنه صحيح؛ لصحة سنده وللمشاركة فيه، وغرضه: الاستدلال به على الترجمة.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: (قال أبو الحسن) علي بن محمد (الطنافسي) الكوفي شيخ المؤلف: (قلت لـ) شيخي (وكيع) بن الجراح: (أقوله) أي: أقول هذا الدعاء (في قنوت الوتر؟ قال) لي وكيع في جواب سؤالي: (نعم) تقوله في قنوت الوتر.

ثم استشهد المؤلف لحديث ابن عباس بحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنهم، فقال:

(130)

- 3774 - (2)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي.

(حدثنا محمد بن أبي عبيدة) بن معن بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود المسعودي الكوفي، اسم أبيه عبد الملك، ثقة، من العاشرة، مات سنة خمس ومئتين (205 هـ). يروي عنه:(م د س ق).

ص: 365

حَدَّثَنَا أَبِي، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: أَتَتْ فَاطِمَةُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم تَسْأَلُهُ خَادِمًا، فَقَالَ لَهَا:"مَا عِنْدِي مَا أُعْطِيكِ"، فَرَجَعَتْ، فَأَتَاهَا بَعْدَ ذَلِكَ فَقَالَ:"الَّذِي سَأَلْتِ أَحَبُّ إِلَيْكِ أَوْ مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ"، فَقَالَ لَهَا عَلِيٌّ: قُولِي: لَا، بَلْ مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ،

===

(حدثنا أبي) عبد الملك بن معن بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود الهذلي أبو عبيدة المسعودي، ثقة، من السابعة. يروي عنه:(م د س ق).

(عن) سليمان (الأعمش) بن مهران الأسدي الكوفي، ثقة، من الخامسة، مات سنة سبع أو ثمان وأربعين ومئة. يروي عنه:(ع).

(عن أبي صالح) ذكوان السمان القيسي مولاهم، ثقة، من الثالثة، مات سنة إحدى ومئة (101 هـ). يروي عنه:(ع).

(عن أبي هريرة) رضي الله تعالى عنه.

وهذا السند من سداسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات.

(قال) أبو هريرة: (أتت) أي: جاءت (فاطمة) بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم (النبي صلى الله عليه وسلم حالة كونها (تسأله) صلى الله عليه وسلم (خادمًا) يخدمها، والخادم: يطلق على المذكر والمؤنث (فقال لها) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما عندي) اليوم (ما أعطيك) من الخادم (فرجعت) فاطمة إلى بيتها (فأتاها) رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتها (بعد ذلك) اليوم الذي رجعت فيه إلى بيتها (فقال) لها رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتها: هل الخادم (الذي سألت أحب إليك، أو) أخبرك (ما هو خير) لك (منه) أي: من ذلك الخادم الذي سألت؟ (فقال لها علي) بن أبي طالب: (قولي) يا فاطمة في جواب سؤال رسول الله صلى الله عليه وسلم إياك: (لا) أُحِبُّ الآن ما سألتك من الخادم يا والدي (بل) أحب (ما هو خير) لي (منه)

ص: 366

فَقَالَتْ، فَقَالَ: "قُولِي: اللَّهُمَّ، رَبَّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيم، رَبَّنَا وَرَبَّ كُلِّ شَيْءٍ، مُنْزِلَ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْانِ الْعَظِيم، أَنْتَ الْأَوَّلُ

===

أي: مما سألتك (فقالت) فاطمة ما يأمرها علي بقوله؛ يعني: قولها: (أحب ما هو خير لي منه).

(فقال) لها رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيان ما هو خير لها منه: إن كنت مريدة لما هو خير لك منه .. دعي واتركي طلب الخادم، و (قولي) في سؤال ربك:(اللهم، رب السماوات السبع) ومالكها وخالقها، وهو على حذف حرف النداء وكذا ما بعده (ورب العرش العظيم) وخالقه، وصفه بالعظم؛ لأنه أعظم المخلوقات، فهو بأن لا فناء له، ويا (ربنا ورب كل شيء) أي: يا مالكنا ويا مالك كل شيء من المخلوق، وفي رواية مسلم زيادة: ويا (فالق الحب) أي: يا شاق الحبة ومخرج السنبلة منها (و) يا فالق (النوى) ولب التمرة فيخرج منها نخلة.

ومنه القسم المشهور عن علي رضي الله تعالى عنه: (والذي فلق الحب وبرأ النسمة).

ويا (منزل التوراة) على موسى (و) منزل (الإنجيل) على عيسى (و) منزل (القرآن العظيم) بنسخه كل الكتب السماوية.

وفي رواية مسلم: (والفرقان) وفي رواية مسلم هنا زيادة: (أعوذ بك من شر كل شيء أنت آخذ بناصيته) وعلى هذه الرواية؛ فالجملة الفعلية جواب للنداءات السابقة؛ والمعنى عليها: أتحفظ بك من شر كل شيء من المخلوقات؛ لأنها كلها في سلطانك وأنت آخذ بنواصيها؛ فالأخذ بناصية الشيء .. كناية عن كونه في سلطان الآخذ وقبضته وتحت قهره.

(أنت) يا إلهي هو (الأول) أي: القديم الذي لا ابتداء لوجوده

ص: 367

فَلَيْسَ قَبْلَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الْآخِرُ فَلَيْسَ بَعْدَكَ شَيءٌ، وَأَنْتَ الظَّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الْبَاطِنُ فَلَيْسَ دُونَكَ شَيءٌ؛ اقْضِ عَنَّا الدَّيْنَ وَأَغْنِنَا مِنَ الْفَقْرِ".

===

(فليس قبلك شيء) من المخلوقات (وأنت) يا إلهي هو (الآخر) أي: الباقي بعد فناء كل شيء (فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر) أي: الغالب القاهر لكل شيء (فليس فوقك شيء) يقهر ويغلب عليك؛ من الظهور بمعنى: الغلبة والقهر وكمال القدرة، وقيل: المراد: أن الله تعالى ظاهر وجوده وقدرته بالدلائل القطعية والبراهين الساطعة، وقوله صلى الله عليه وسلم:"فليس فوقك شيء" يؤيد المعنى الأول.

(وأنت الباطن) أي: الخفي عن الإدراكات المحتجب عنها، أو أنت العالم بالخفيات (فليس دونك شيء) أخفى وألطف منك (اقض عنا الدين) أي: سهل علينا أداء الدين وقضاءه وتوفيته، قال النووي: يحتمل أن المراد بالدين هنا: حقوق الله تعالى وحقوق العباد كلها من جميع الأنواع؛ أي: اجعلنا ممن يقوم بأدائها؛ لئلا نؤاخذ بها عندك يوم القيامة.

(وأغننا من الفقر) أي: أخرجنا من الفقر بغنى فضلك، قال الخطابي: الفقر الذي استعاذ منه رسول الله صلى الله عليه وسلم: هو فقر النفس.

ويحتمل أنه فقر المال؛ والمراد: فتنة فقر المال؛ وهي قلة احتماله وعدم الرضا به، ولذا قال: فتنة الفقر، ولم يقل: الفقر.

وأما الاستعاذة منه خوف انحطاط القدر .. فمذموم.

وجاءت أحاديث بتفضيل الفقر، والأخرى بذمه، ومحملهما على ما قلته.

انتهى "إكمال المعلم"، انتهى "أبي".

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: مسلم في كتاب الذكر والدعاء

ص: 368

(131)

- 3775 - (3) حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارِ قَالَا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَّنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَص،

===

والتوبة، باب الدعاء عند النوم، وأبو داوود في الأدب، باب ما يقال عند النوم، والترمذي في الدعوات، باب من الأدعية عند النوم.

ودرجته: أنه صحيح؛ لصحة سنده وللمشاركة فيه، وغرضه: الاستشهاد به.

ثم استشهد المؤلف ثانيًا لحديث ابن عباس بحديث ابن مسعود رضي الله تعالى عنهم، فقال:

(131)

- 3775 - (3)(حدثنا يعقوب بن إبراهيم) بن كثير بن زيد بن أفلح العبدي مولاهم أبو يوسف (الدورقي)، ثقة، من العاشرة، مات سنة اثنتين وخمسين ومئتين (252 هـ). يروي عنه:(ع).

(ومحمد بن بشار) بن عثمان العنزي البصري، ثقة مشهور، من العاشرة، مات سنة اثنتين وخمسين ومئتين (252 هـ). يروي عنه:(ع).

كلاهما (قالا: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي) بن حسان العنبري مولاهم، أبو سعيد البصري، ثقة ثبت حافظ عارف بالرجال والحديث، من التاسعة، مات سنة ثمان وتسعين ومئة (198 هـ). يروي عنه:(ع).

(حدثنا سفيان) بن سعيد بن مسروق الثوري الكوفي، ثقة إمام حجة، من السابعة، مات سنة إحدى وستين ومئة (161 هـ). يروي عنه:(ع).

(عن أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي، ثقة، من الثالثة، مات سنة تسع وعشرين ومئة، وقيل قبل ذلك. يروي عنه:(ع).

(عن أبي الأحوص) عوف بن مالك بن نضلة - بفتح النون وسكون

ص: 369

عَنْ عَبْدِ الله، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ:"اللَّهُمَّ؛ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَي وَالْعَفَافَ وَالْغِنَي".

(132)

- 3776 - (4) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ

===

المعجمة - الجشمي - بضم الجيم وفتح المعجمة - الكوفي مشهور بكنيته، ثقة، من الثالثة، قتل قبل المئة في ولاية الحجاج. يروي عنه:(م عم).

(عن عبد الله) بن مسعود رضي الله تعالى عنه.

وهذا السند من سداسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات.

(عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول) في دعائه: (اللهم؛ إني أسألك الهدى) أي: أن تهديني إلى الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم (والتقي) أي: الخوف منك والحذر عن مخالفتك؛ بامتثال المأمورات واجتناب المنهيات (والعفاف) أي: الصيانة من مطامع الدنيا، والتحفظ عما لا يباح والكف عنه (والغني) أي: غنى النفس والقلب عن الناس لا غنى اليد واستغنائها عما في أيديهم.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: مسلم في كتاب الذكر والدعاء، باب التعوذ من شر ما عمل ومن شر ما لم يعمل، والترمذي في كتاب الدعوات باب دعاء داوود.

ودرجته: أنه صحيح؛ لصحة سنده وللمشاركة فيه، وغرضه: الاستشهاد به.

ثم استأنس المؤلف للترجمة بحديث آخر لأبي هريرة رضي الله تعالى عنه، فقال: .

(132)

- 3776 - (4) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا عبد الله بن

ص: 370

نُمَيْرٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "اللَّهُمَّ؛ انْفَعْنِي بِمَا عَلَّمْتَنِي، وَعَلِّمْنِي مَا يَنْفَعُنِي، وَزِدْنِي عِلْمًا، وَالْحَمْدُ لِلّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ،

===

نمير) الهمداني الكوفي، ثقة ثبت، من التاسعة، مات سنة تسع وتسعين ومئة (199 هـ). يروي عنه:(ع).

(عن موسى بن عبيدة) - بضم المهملة - ابن نشيط - بفتح النون وكسر المعجمة بعدها تحتانية ساكنة ثم مهملة - الربذي - بفتح الراء والموحدة ثم بمعجمة - أبي عبد العزيز المدني، ضعيف ولا سيما في عبد الله بن دينار، وكان عابدًا، من صغار السادسة، مات سنة ثلاث وخمسين ومئة (153 هـ).

يروي عنه: (ت ق)، وقال النسائي: ضعيف، مرة وقال مرة: ليس بثقة، وقال ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث وليس بحجة، وقال يعقوب بن شيبة: صدوق ضعيف الحديث جدًّا وقد حدث عنه وكيع، وقال: كان ثقة فهو مختلف فيه.

(عن محمد بن ثابت) عن أبي هريرة، مجهول، من السادسة. يروي عنه:(ت ق).

(عن أبي هريرة) رضي الله تعالى عنه.

وهذا السند من خماسياته، وحكمه: الضعف؛ لأن فيه موسى بن عبيدة، وهو ضعيف، وشيخه محمد بن ثابت مجهول أيضًا.

(قال) أبو هريرة: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول) في دعائه: (اللهم؛ انفعني) في ديني ودنياي (بما علمتني) في الأزمنة الماضية (وعلمني ما ينفعني) في عاجلي وآجلي (وزدني علمًا) ينفعني في ديني ودنياي؛ بقرينة السياق (والحمد لله على كل حال) أي: من الضيق والشدة والضراء والسراء

ص: 371

وَأَعُوذُ بِاللهِ مِنْ عَذَابِ النَّارِ".

(133)

- 3777 - (5) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ يَزِيدَ الرَّقَاشِيِّ،

===

والغنى والفقر (وأعوذ بالله من) أن أكون في (عذاب النار) ومن أهله، وهذا الحديث قد تقدم في باب الانتفاع بالعلم والعمل به رقم (23)، حديث رقم (249) دون قوله: (وأعوذ بالله

) إلى آخره.

وهذا الحديث مما انفرد به ابن ماجه، ودرجته: أنه ضعيف؛ كما تقدم آنفًا، وغرضه: الاستئناس به للترجمة، فالحديث: ضعيف متنًا وسندًا (18)(388).

ثم استأنس المؤلف ثانيًا للترجمة بحديث أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه، فقال:

(133)

- 3777 - (5)(حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير) الهمداني الكوفي، ثقة ثبت، من العاشرة، مات سنة. أربع وثلاثين ومئتين (234 هـ). يروي عنه:(ع).

(حدثنا أبي) عبد الله بن نمير الهمداني الكوفي، ثقة، من التاسعة، مات سنة تسع وتسعين ومئة (199 هـ). يروي عنه:(ع).

(حدثنا الأعمش) سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي، ثقة ثبت قارئ، من الخامسة، مات سنة سبع أو ثمان وأربعين ومئة. يروي عنه:(ع).

(عن يزيد) بن أبان (الرقاشي) - بتخفيف القاف ثم بمعجمة - أبي عمرو البصري القاص - بتشديد المهملة - زاهد ضعيف، من الخامسة، مات قبل العشرين ومئة. يروي عنه:(ت ق).

ص: 372

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ: "اللَّهُمَّ؛ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ"، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ؛ تَخَافُ عَلَيْنَا وَقَدْ آمَنَّا بِكَ وَصَدَّقْنَاكَ بِمَا جِئْتَ بِهِ؟ فَقَالَ: "إِنَّ الْقُلُوبَ بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَّنِ عز وجل يُقَلِّبُهَا"،

===

(عن أنس بن مالك) رضي الله تعالى عنه.

وهذا السند من خماسياته، وحكمه: الضعف؛ لأن فيه يزيد الرقاشي، وهو متفق على ضعفه.

(قال) أنس: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول) في دعائه: (اللهم؛ ثبت قلبي على دينك) الذي أرسلتني به، (فقال رجل) من الحاضرين، لم أر من ذكر اسمه:(يا رسول الله) أ (تخاف علينا) معاشر الأمة، أم تخاف على نفسك فتكثر قولك:"اللهم؛ ثبت قلبي على دينك"؟ (و) الحال أنا (قد آمنا) وصدقنا (بك) أي: برسالتك (وصدقناك بما) أي: فيما (جئت به) إلينا من الشرائع، إن كنت قد خفت علينا عدم الثبات .. فلا تخف؛ فإنا آمنا بك قلبًا وقالبًا؛ يعني السائل: أن الرجل من الحاضرين علم أن قوله ذلك ليس لخوفه على نفسه عدم الثبات على الدين، وإنما هو؛ أي: قوله ذلك؛ لتشريع ذلك القول لأمته، فهو؛ أي: قولُه ذلك؛ لخوفه عليهم، وأنه رأى لما كان هو صلى الله عليه وسلم يَدْعُو بمثل هذا الدعاء .. فالأمةُ أَوْلَى بذلك وأحرى، ففرَضَ السؤالَ في الأمةِ نادبًا؛ أي: خائفًا عليهم.

(فقال) صلى الله عليه وسلم جوابًا لقول الرجل: وإنما أكثرت من قولي ذلك؛ يعني: قوله: "اللهم؛ ثبت قلبي على دينك"؛ لـ (أن القلوب) كلها ولو قلب نبي مرسل كائن تصرفها (بين إصبعين من أصابع الرحمن عز وجل حالة كونه (يقلبها) أي: يقلب القلوب ويحولها من شأن إلى شأن آخر، ومن كفر

ص: 373

وَأَشَارَ الْأَعْمَشُ بِإِصْبَعَيْهِ.

(134)

- 3778 - (6) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ،

===

إلى إيمان، ومن إيمان إلى كفر، وليس تقليبها بأيدي أصحابها، بل تقليبها بين إصبعي الرحمن، فلذلك سألتُ تثبيتَها على الدين الحق.

وقوله: "بين إصبعي الرحمن" كناية عن سرعة تقلبها من شأن إلى شأن آخر؛ فتقليبها من وظيفة الرحمن لا من وظيفة أصحابها، فلذلك لا تقدر على تثبيتها على شأن واحد إلا بإذن الرحمن، فتحتاج في الثبات على الخير إلى الله تعالى على الدوام، وأما الكلام في الأصابع .. فالمحققون فيه على التفويض إليه تعالى، وهو أولى وأحسن. انتهى "سندي".

قال عبد الله بن نمير: (وأشار) شيخنا (الأعمش) عندما روى لنا هذا الحديث (بإصبعيه) السبابة والإبهام.

فالحديث من أحاديث الصفات التي يجب علينا إجراؤها بلا تأويل ولا تشبيه ولا تعطيل، مع صرف ظاهرها عن حقيقته فنثبت الأصابع لله عز وجل، فنقول: إن لله أصابع ليست كأصابعنا، فهذا هو الواجب في صفات الرحمن بلا بحث عن كيفيتها وصفتها، والله هو الهادي إلي طريق الرشاد.

وهذا الحديث مما انفرد به ابن ماجه، فدرجته: أنه ضعيف (19)(389)؛ لضعف سنده؛ كما مر آنفًا، وغرضه: الاستئناس به.

ثم استشهد المؤلف ثالثًا لحديث ابن عباس بحديث أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنهم، فقال:

(134)

- 3778 - (6)(حدثنا محمد بن رمح) بن المهاجر التجيبي

ص: 374

حَدَّثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبيبٍ، عَنْ أَبِي الْخَيْر، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصٍ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ أَنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: عَلِّمْنِي دُعَاءً أَدْعُو بِهِ فِي صَلَاتِي،

===

المصري، ثقة، من العاشرة، مات سنة اثنتين وأربعين ومئتين (242 هـ). يروي عنه:(م ق).

(حدثنا الليث بن سعد) بن عبد الرحمن الفهمي مولاهم المصري عالمها قرين مالك، من السابعة، مات سنة خمس وسبعين ومئة (175 هـ). يروي عنه:(ع).

(عن يزيد بن أبي حبيب) المصري أبي رجاء، واسم أبيه سويد، ثقة فقيه وكان يرسل، من الخامسة، مات سنة ثمان وعشرين ومئة (128 هـ). يروي عنه (ع).

(عن أبي الخير) مَرْثَد - بالمثلثة - ابن عبد الله اليزني - بفتح التحتانية والزاي بعدها نون - المصري، ثقة فقيه، من الثالثة، مات سنة تسعين (90 هـ). يروي عنه:(ع).

(عن عبد الله بن عمرو بن العاص) السهمي الصحابي المشهور رضي الله تعالى عنهما. يروي عنه: (ع).

(عن أبي بكر الصديق) عبد الله بن عثمان القرشي التيمي خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله تعالى عنه.

وهذا السند من سداسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات أثبات، وفيه رواية صحابي عن صحابي.

(أنه) أي: أن أبا بكر (قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: علمني) يا رسول الله (دعاء أدعو به في صلاتي) فيه: طلب التعليم من العالم في كل

ص: 375

قَالَ: "قُلِ: اللَّهُمَّ؛ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا وَلَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ؛ فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ وَارْحَمْنِي؛ إِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ".

===

ما فيه خير، خصوصًا الدعوات التي فيها جوامع الكلم. انتهى "عيني".

قوله: (أدعو بها في صلاتي) أي: في آخر صلاتي بعد التشهد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، قوله:(أدعو به في صلاتي) أي: في آخر صلاتي بعد التشهد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وقيل: إنه إراد به: الدعاء في السجود.

قال القرطبي: إنما خص الصلاة؛ لأنها بالإجابة أجدر، وقد قال صلى الله عليه وسلم:"أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثروا الدعاء" رواه (م)(482).

فـ (قال) له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قل) يا أبا بكر في دعائك إذا أردت الدعاء في صلاتك: (اللهم؛ إني ظلمت نفسي) وضَيَّعْتُها بملابسة ما يستوجب العقوبة؛ أي: يَنْقُصُ حقوقها عند الله تعالى (ظلمًا كثيرًا) أي: كثيرًا عدده وأنواعه؛ والظلم: هو وضع الشيء في غير موضعه، وظلم الإنسان لنفسه: هو تركها مع هواها حتى يصدر عنها من المعاصي ما يوجب عقوبتها. انتهى من "المفهم".

وفيه أن الإنسان لا يخلو عن تقصير ولو كان صديقًا (ولا يغفر الذنوب إلا أنت؛ فاغفر لي مغفرة) صادرة (من عندك) أي: من فضلك وجودك لا باستحقاقي إياها.

وغفران الذنوب: هو سترها بالتوبة عنها أو بالعفو عنها؛ أي: فاغفر لي تفضلًا من عندك وإن لم أكن أهلًا له، وإلا .. فالمغفرة والرحمة وكل شيء من عنده تعالى، وقد أكد ذلك بقوله:(وارحمني؛ إنك أنت الغفور الرحيم) لأنك

ص: 376

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

كثير المغفرة والرحمة، لا لكوني مستحقًا لذلك. انتهى من "المفهم".

قال الطيبي: قوله: (مغفرة) دل التنكير فيه على أن المطلوب غفران عظيم لا يدرك كنهه، ووَصَفَه بكونه من عند الله تعالى مريدًا لذلك العظم؛ لأن الذي يكون من عند الله تعالى لا يحيط به وصف.

وقال ابن دقيق العيد: إنه إشارة إلى طلب مغفرة متفضل بها، لا يقتضيها سبب من العبد من عمل حسن ولا غيره. انتهى.

قال القرطبي: وقد استحب بعض العلماء أن يدعى بهذا الدعاء في الصلاة قبل التسليم، وجميع الصلاة كلها عند علمائنا محل للدعاء، غير أنه يكره الدعاء في الركوع، وأقربه للإجابة السجود؛ كما ورد.

واعلم: أنه يجوز أن يدعى في الصلاة بكل دعاءٍ كان؛ بألفاظ القرآن أو بألفاظ السنة أو بغيرهما، خلافًا لمن منع ذلك إذا كان بألفاظ من عند الناس؛ وهو أحمد بن حنبل وأبو حنيفة رحمهم الله تعالى. انتهى من "المفهم".

قال في "الكوكب": وهذا الدعاء من جوامع الكلم؛ إذ فيه الاعتراف بغاية التقصير؛ وهو كونه ظالمًا ظلمًا كثيرًا، وطلب غاية الإنعام التي هي المغفرة والرحمة؛ فالأول: عبارة عن الزحزحة عن النار، والثاني: إدخال الجنة، وهذا هو الفوز العظيم. انتهى.

قال العيني: فيه اعتراف بأن الله سبحانه هو المتفضل المعطي من عنده رحمة على عباده، من غير مقابلة على عمل حسن، وفيه أيضًا استحباب قراءة الأدعية في آخر الصلاة من الدعوات المأثورة والمشابهة لألفاظ القرآن. انتهى.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: البخاري في كتاب الأذان، وفي كتاب الدعوات، وفي كتاب باب الدعاء قبل السلام، وباب الدعاء في الصلاة،

ص: 377

(135)

- 3779 - (7) حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ مِسْعَرٍ، عَنْ أَبِي مَرْزُوقٍ، عَنْ أَبِي الْعَدَبَّسِ،

===

وباب قوله تعالى: {وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا} (1)، ومسلم في كتاب الذكر والدعاء، باب استحباب خفض الصوت بالذكر، والترمذي في كتاب الدعوات، باب حدثنا قتيبة، حدثنا ليث بن سعد، والنسائي في كتاب السهو.

فهذا الحديث في أعلى درجات الصحة؛ لأنه من المتفق عليه، وغرضه: الاستشهاد به.

* * *

ثم استشهد المؤلف رابعًا لحديث ابن عباس بحديث أبي أمامة رضي الله تعالى عنهم، فقال:

(135)

- 3779 - (7)(حدثنا علي بن محمد) بن إسحاق الطنافسي الكوفي، ثقة، من العاشرة، مات سنة ثلاث، وقيل: خمس وثلاثين ومئتين. يروي عنه: (ق).

(حدثنا وكيع) بن الجراح، ثقة، من التاسعة، مات في آخر سنة ست أو أول سنة سبع وتسعين ومئة. يروي عنه:(ع).

(عن مسعر) بن كدام بن ظهير الهلالي أبو سلمة الكوفي، ثقة ثبت فاضل، من السابعة، مات سنة ثلاث أو خمس وخمسين ومئة (155 هـ). يروي عنه:(ع).

(عن أبي مرزوق) لم يعرف اسمه، ليِّنٌ، من السادسة. يروي عنه:(د ق).

(عن أبي العدبس) تبيع بن سليمان وهو بكنيته أشهر، مجهول، من السادسة. يروي عنه:(د ق).

(1) سورة النساء: (134).

ص: 378

عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ مُتَّكِئٌ عَلَى عَصًا؛ فَلَمَّا رَأَيْنَاهُ .. قُمْنَا فَقَالَ: "لَا تَفْعَلُوا كَمَا يَفْعَلُ أَهْلُ فَارِسَ بِعُظَمَائِهَا"، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ؛ لَوْ دَعَوْتَ اللهَ لَنَا، قَالَ: "اللَّهُمَّ؛ اغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا، وَارْضَ عَنَّا وَتَقَبَّلْ مِنَّا، وَأَدْخِلْنَا الْجَنَّةَ

===

(عن أبي أمامة الباهلي) صدي - مصغرًا - ابن عجلان الصحابي المشهور رضي الله تعالى عنه، سكن الشام، ومات بها سنة ست وثمانين (86 هـ). يروي عنه:(ع).

وهذا السند من سداسياته، وحكمه: الحسن؛ لأن فيه أبا مرزوق، وهو لين غير معروف اسمه، ولكن يقويه كون الراوي عنه وهو مسعر، ومن يروي عنه وهو أبو وائل .. ثقتين.

(قال) أبو أمامة: (خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم من منزله ونحن في المسجد، لعله في مرض موته (وهو) صلى الله عليه وسلم؛ أي: والحال أنه صلى الله عليه وسلم (متكئ) أي: معتمد (على عصًا) له لضعفه بالمرض (فلما رأيناه) صلى الله عليه وسلم داخلًا علينا المسجد .. (قمنا) جميعًا؛ إكرامًا له وبشارة بحضوره المسجد (فقال) لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تفعلوا) هذا القيام لي، ولا تفعلوا بي (كلما يفعل أهل فارس) وقومهم (بعظمائها) ورؤسائها من القيام لهم عند حضورهم مجلسهم، قال أبو أمامة:(قلنا) نحن معاشر الحاضرين في المسجد: (يا رسول الله؛ لو دعوت الله لنا) بكل خير .. لكان دعائك خيرًا لنا، ويحتمل كون (لو) للتمني، فـ (قال) في دعوته لهم:(اللهم؛ اغفر لنا) ذنوبنا صغارها وكبارها (وارحمنا) رحمة عامةً لكلنا في ديننا ودنيانا وأخرانا (وارض عنا) رضا لا سخط بعده (وتقبل منا) أعمالنا الصالحة (وأدخلنا الجنة) بلا محاسبة مع

ص: 379

وَنَجِّنَا مِنَ النَّار، وَأَصْلِحْ لَنَا شَأْنَنَا كُلَّهُ"، قَالَ: فَكَأَنَّمَا أَحْبَبْنَا أَنْ يَزِيدَنَا، فَقَالَ: "أَوَلَيْسَ قَدْ جَمَعْتُ لَكُمُ الْأَمْرَ؟ ! ".

===

الأبرار (ونجنا) أي: سلمنا (من) عذاب (النار) وأليمها (وأصلح لنا شأ ننا) أي: أمرنا (كله) في الدين والدنيا والآخرة بالتوفيق لأرشد الأمور.

(قال) أبو أمامة: (فكأنما) نحن معاشر الحاضرين (أحببنا) أي: رجونا وتمنينا (أن يزيدنا) في الدعاء لنا على ما دعاه لنا؛ وقال بعضنا: زد لنا يا رسول الله في الدعاء لنا (فقال): أتطلبون الزيادة على ما دعوت لكم (أوليس) الشأن (قد جمعت لكم) في الدعاء (الأمر) والشأن كله دينه ودنياه وأخراه؟ ! بل يكفيكم هذا الدعاء؛ لأنه من جوامع الكلم وبليغها.

قال السندي: قوله: (لا تفعلوا كما يفعل أهل فارس) يدل على كراهة القيام للداخل، قوله:(أوليس) أي: الشأن (قد جمعت) على صيغة المتكلم، ويحتمل أن يكون للمؤنث؛ أي: قد جمعت هذه الكلمات أو تلك المقالة.

قلت: وكيف لا تجمع وقد ذكر في آخر دعائه (وأصلح لنا شأننا كله) فما بقي بعد ذلك من شيء؟ ! انتهى منه.

وهذا الحديث انفرد به ابن ماجه، ولكن له شاهد من حديث أبي هريرة أخرجه مسلم ورفعه:"إذا قام أحدكم من مجلسه، ثم رجع إليه .. فهو أحق به" قالوا: فلما كان أحق به بعد رجوعه .. ثبت أنه حقه قبل أن يقوم، ويؤيد ذلك ما رواه نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم:(أنه نهى أن يقام الرجل من مجلسه ويجلس فيه آخر). أخرجه الشيخان.

وكان ابن عمر إذا قام له رجل من مجلسه .. لم يجلس فيه. أخرجه البخاري في الأدب بهذا اللفظ، وكذا أخرجه مسلم من رواية سالم عن أبيه.

قال الحافظ ابن القيم: رحمه الله تعالى وحديث ابن عمر هذا في

ص: 380

(136)

- 3780 - (8) حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ حَمَّادٍ الْمِصْرِيُّ، أَنْبَأَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْد، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ،

===

"الصحيحين"، ولفظه:(نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقام الرجل من مجلسه ويجلس فيه، ولكن تفسحوا وتوسعوا) وفي "صحيح مسلم" عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا يقيم أحدكم أخاه يوم الجمعة، ثم يخالفه إلى مقعده، ولكن ليقل: تفسحوا".

فدرجة هذا الحديث: أنه صحيح بغيره وإن كان سنده حسنًا، وغرضه: الاستشهاد به.

* * *

ثم استشهد المؤلف خامسًا لحديث ابن عباس بحديث آخر لأبي هريرة رضي الله تعالى عنهم، فقال:

(136)

- 3780 - (8)(حدثنا عيسى بن حماد) بن مسلم التجيبي أبو موسى الأنصاري، لقبه زغبة - بضم الزاي وسكون المعجمة بعدها موحدة - وهو لقب أبيه أيضًا (المصري) ثقة، من العاشرة، مات سنة ثمان وأربعين ومئتين (248 هـ)، وقد جاوز التسعين، وهو آخر من حدث عن الليث من الثقات. يروي عنه:(م د س ق).

(أنبأنا الليث بن سعد) بن عبد الرحمن الفهمي المصري، ثقة عالم مصر وفقيهها، من السابعة، مات سنة خمس وسبعين ومئة (175 هـ). يروي عنه:(ع).

(عن سعيد بن أبي سعيد) كيسان (المقبري) أبي سعد المدني، ثقة، من الثالثة تغير قبل موته بأربع سنين، مات في حدود العشرين ومئة (120 هـ)، وقيل قبلها، وقيل بعدها. يروي عنه:(ع)، وروايته عن عائشة وأم سلمة .. مرسلة.

ص: 381

عَنْ أَخِيهِ عَبَّادِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "اللَّهُمَّ؛ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْأَرْبَعِ: مِنْ عِلْمٍ لَا يَنْفَعُ، وَمِنْ قَلْبٍ لَا يَخْشَعُ، وَمِنْ نَفْسٍ لَا تَشْبَعُ، وَمِنْ دُعَاءٍ لَا يُسْمَعُ".

===

(عن أخيه عباد بن أبي سعيد) كيسان المقبري، مقبول، من الثالثة. يروي عنه:(د س ق).

(أنه) أي: عبادًا (سمع أبا هريرة) رضي الله تعالى عنه.

وهذا السند من خماسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات.

أي: سمع عباد أبا هريرة حالة كونه (يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: اللهم؛ إني أعوذ بك من الأربع) وهو إجمال، وتفصيله قوله الآتي:(من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع، ومن دعاء لا يسمع).

قال الطيبي: اعلم: أن في كل من القرائن الأربع ما يشعر بأن وجوده مبني على غايته، وأن الغرض منه تلك الغاية؛ وذلك أن تحصيل العلوم إنما هو للانتفاع بها، فإذا لم ينتفع به .. لم يَخْلُص منه كفافًا، بل يكون وبالًا، ولذلك استعاذ منه.

وأن القلب إنما خلق؛ لأن يتخشَّع لبارئه، وينشرح لذلك الصدرُ، ويُقذف النور فيه؛ فإذا لم يكن كذلك .. كان قاسيًا، فيجب أن يستعاذ منه، قال تعالى:{فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ} (1).

وأن النفس يعتد بها إذا تجافت عن دار الغرور، وأنابت إلى دار الخلود، وهي إذا كانت منهومة لا تشبع، حريصة على الدنيا .. كانت أعدى عدو المرء، فأولى الشيء الذي يستعاذ منه هي؛ أي: النفس.

(1) سورة الزمر: (22).

ص: 382

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

وعدم استجابة الدعاء دليل على أن الداعي لم ينتفع بعلمه وعمله، ولم يخشع قلبه، ولم تشبع نفسه، ذكره علي القاري. انتهى من "العون"(4/ 285) في كتاب الصلاة، باب الاستعاذة.

والمعنى التفصيلي لهذا الدعاء: (اللهم؛ إني أعوذ بك من علم لا ينفع) أي: من علمٍ لا أعَملُ به، ولا أُعْلم به الناسَ، ولا يهذبُ الأخلاقَ والأقوالَ والأفعال، أو من علم لا يحتاج إليه، أو علم لم يرد في تعلمه إذن شرعي. انتهى "تحفة".

والحاصل: أن العلم الذي لا ينفع هو العلم الذي لا يعمل به - أعاذنا الله تعالى منه - وعدم النفع عام، سواء كان مصحوبًا بالضرر؛ كما في مخالفة أوامر الشرع بعد علمها، أو لم يكن مصحوبًا به؛ كترك المندوبات بعد علمها؛ فإنه لا إثم فيه، ولكنه خال عن النفع، وفي الحديث:(العلم الذي لا يعمل به كالكنز الذي لا ينفق منه؛ أتعب صاحبه بنفسه في جمعه، ثم لم يصل إلى نفعه) رواه ابن خير الناس في "فهرسته"(ص 5).

(ومن قلب لا يخشع) أي: لا يَسْكُنُ ولا يطْمَئِنُّ بذكر الله تعالى (ومن نفس لا تشبع) أي: بما آتاها الله تعالى، ولا تقنع بما رزقها، ولا تَفْتَرُ عن جَمْعِ المالِ؛ لما فيها من شدة الحرص، أو من نفس تأكل كثيرًا، قال ابن الملك: أي: من نفس حريصة على جمع المال وتحصيل المناصب.

(ومن دعاء لا يسمع) بصيغة المبني للمجهول؛ أي: لا يستجاب.

قال النووي: هذا الحديث وغيره من الأدعية المسجوعة دليل على ما قاله العلماء: إن السجع المذموم في الدعاء هو المتكلف به؛ فإنه يذهب الخشوع والخضوع والإخلاص، ويلهي عن الضراعة والافتقار وفراغ القلب، فأما ما حصل

ص: 383

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

بلا تكلف ولا إعمال فكر؛ لكمال الفصاحة ونحو ذلك، أو كان محفوظًا .. فلا بأس به، بل هو حسن. انتهى.

وقال أبو طالب المكي: قد استعاذ النبي صلى الله عليه وسلم من نوع من العلوم؛ كما استعاذ من الشرك والنفاق وسوء الأخلاق، والعلم الذي لم يقترن به التقوى فهو باب من أبواب الدنيا، ونوع من أنواع الهوى. انتهى من "الدهني".

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: مسلم في كتاب الدعاء والذكر، باب التعوذ من شر ما عمل عن زيد بن أرقم مطولًا، وأبو داوود في كتاب الصلاة، باب في الاستعاذة، والترمذي في كتاب الدعوات، باب رقم (69)، قال: وفي الباب عن جابر وأبي هريرة وابن مسعود، قال: وهذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه.

فدرجته: أنه صحيح؛ لصحة سنده وللمشاركة فيه، وغرضه: الاسشهاد به.

* * *

وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب: ثمانية أحاديث:

الأول للاستدلال، واثنان للاستئناس، وخمسة للاستشهاد.

والله سبحانه وتعالى أعلم

ص: 384