المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(10) - (1483) - باب مجالسة الفقراء - شرح سنن ابن ماجه للهرري = مرشد ذوي الحجا والحاجة إلى سنن ابن ماجه - جـ ٢٥

[محمد الأمين الهرري]

فهرس الكتاب

- ‌تَتِمَّة كتاب الفتن (2)

- ‌(1) - (1474) - بَابُ خُرُوجِ الْمَهْدِيِّ

- ‌فائدة

- ‌(2) - (1475) - بَابُ الْمَلَاحِمِ

- ‌ملحقة

- ‌(3) - (1476) - بَابُ التُّرْكِ

- ‌كتاب الزهد

- ‌(4) - (1477) - بَابُ الزُّهْدِ فِي الدُّنْيَا

- ‌(5) - (1478) - بَابُ الْهَمِّ بِالدُّنْيَا

- ‌(6) - (1479) - بَابُ مَثَلِ الدُّنْيَا

- ‌(7) - (1480) - بَابُ مَنْ لَا يُؤْبَهُ لَهُ

- ‌(8) - (1481) - بَابُ فَضْلِ الْفُقَرَاءِ

- ‌(9) - (1482) - بَابُ مَنْزِلَةِ الْفُقَرَاءِ

- ‌(10) - (1483) - بَابُ مُجَالَسَةِ الْفُقَرَاءِ

- ‌(11) - (1484) - بَابٌ: فِي الْمُكْثِرِينَ

- ‌فائدة

- ‌بشارة عظيمة

- ‌(12) - (1485) - بَابُ الْقَنَاعَةِ

- ‌(13) - (1486) - بَابُ مَعِيشَةِ آلِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم

- ‌(14) - (1487) - بَابُ ضِجَاعِ آلِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم

- ‌(15) - (1488) - بَابُ مَعِيشَةِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم

- ‌(16) - (1489) - بَابٌ: فِي الْبِنَاءِ وَالْخَرَابِ

- ‌ملحقة

- ‌(17) - (1490) - بَابُ التَّوَكُّلِ وَالْيَقِينِ

- ‌(18) - (1491) - بَابُ الْحِكْمَةِ

- ‌ملحقة

- ‌(19) - (1492) - بَابُ الْبَرَاءَةِ مِنَ الْكِبْر، وَالتَّوَاضُعِ

- ‌(20) - (1493) - بَابُ الْحَيَاءِ

- ‌(21) - (1494) - بَابُ الْحِلْمِ

- ‌(22) - (1495) - بَابُ الْحُزْنِ وَالْبُكَاءِ

- ‌(23) - (1496) - بَابُ التَّوَقِّي عَلَى الْعَمَلِ

- ‌(24) - (1497) - بَابُ الرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ

- ‌(25) - (1498) - بَابُ الْحَسَدِ

الفصل: ‌(10) - (1483) - باب مجالسة الفقراء

(10) - (1483) - بَابُ مُجَالَسَةِ الْفُقَرَاءِ

(44)

- 4068 - (1) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ الْكِنْدِيُّ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيُّ أَبُو يَحْيَى، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَخْزُومِيُّ، عَنِ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كَانَ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ يُحِبُّ الْمَسَاكِينَ وَيَجْلِسُ إِلَيْهِمْ

===

(10)

- (1483) - (باب مجالسة الفقراء)

(44)

- 4068 - (1)(حدثنا عبد الله بن سعيد) بن حصين (الكندي) أبو سعيد الأشج الكوفي، ثقة، من صغار العاشرة، مات سنة سبع وخمسين ومئتين (257 هـ). يروي عنه:(ع).

(حدثنا إسماعيل بن إبراهيم) الأحول (التيمي أبو يحيى) الكوفي، ضعيف، من الثامنة. يروي عنه:(ت ق). قال في "التهذيب": اتفقوا على ضعفه.

(حدثنا إبراهيم) بن الفضل (أبو إسحاق المخزومي) المدني، ويقال: ابن إسحاق، متروك، من الثامنة. يروي عنه:(ت ق).

(عن) أبي سعيد (المقبري) كيسان المدني الليثي مولاهم؛ مولى أم شريك، ثقة ثبت، من الثانية، مات سنة مئة (100 هـ). يروي عنه:(ع).

(عن أبي هريرة) رضي الله تعالى عنه.

وهذا السند من خماسياته، وحكمه: الضعف جدًّا؛ لأن فيه إسماعيل بن إبراهيم التيمي، وإبراهيم بن الفضل المخزومي، وهما ضعيفان متروكان.

(قال) أبو هريرة: (كان جعفر بن أبي طالب) ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم (يحب المساكين) فيطعمهم ويسقيهم (ويجلس إليهم) أي: معهم

ص: 154

وَيُحَدِّثُهُمْ وَيُحَدِّثُونَهُ، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَكْنِيهِ (أَبَا الْمَسَاكِينِ).

(45)

- 4069 - (2) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ،

===

فلا يأنف منهم (ويحدثهم) أي: يحدث هو معهم (و) هم (يحدثونه) أي: يحدثون معه (و) لكثرة حبه إياهم (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكنيه أبا المساكين) أي: يسميه بكنية أبي المساكين؛ كأنه لكثرة حبه إياهم كان كالأب الوالد لهم؛ أي: يحبهم محبةً زائدةً على محبة غيره إياهم؛ أي: يسميه محبهم وملازمهم.

وفي الحديث دلالة على أن حب الكبراء وأرباب الشرف المساكين وتواضعهم لهم يزيد في فضلهم، ويعد ذلك من مناقبهم.

وهذا الحديث انفرد به ابن ماجه ودرجته: أنه ضعيف جدًّا (9)(419)؛ لضعف سنده ولعدم المشاركة فيه، وغرضه بسوقه: الاستئناس به للترجمة.

* * *

ثم استأنس المؤلف للترجمة ثانيًا بحديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه، فقال:

(45)

- 4069 - (2)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (وعبد الله بن سعيد) بن حصين الكندي أبو سعيد الأشج الكوفي، ثقة، من صغار العاشرة، مات سنة سبع وخمسين ومئتين (257 هـ). يروي عنه:(ع).

كلاهما (قالا: حدثنا أبو خالد الأحمر) سليمان بن حيان الأزدي الكوفي، صدوق يخطئ، من الثامنة، مات سنة تسعين ومئة (190 هـ)، أو قبلها. يروي عنه:(ع).

ص: 155

عَنْ يَزِيدَ بْنِ سِنَانٍ، عَنْ أَبِي الْمُبَارَك، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: أَحِبُّوا الْمَسَاكِينَ؛ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ فِي دُعَائِهِ: "اللَّهُمَّ؛ أَحْيِنِي مِسْكِينًا، وَأَمِتْنِي مِسْكِينًا، وَاحْشُرْنِي فِي زُمْرَةِ الْمَسَاكِينِ".

===

(عن يزيد بن سنان) بن يزيد التميمي الجزري أبي فروة الرُّهاويِّ - بضم الراء المهملة - ضعيف، من كبار السابعة، مات سنة خمس وخمسين ومئة (155 هـ). يروي عنه:(ت ق).

(عن أبي المبارك) ضعيف لا يعرف اسمه، وهو مجهول، من السادسة، وروايته عن صهيب مرسلةٌ. يروي عنه:(ت ق).

(عن عطاء) بن أبي رباح، اسمه أسلم القرشي مولاهم المكي، ثقة فقيه، من الثالثة، مات سنة أربع عشرة ومئة (114 هـ). يروي عنه:(ع).

(عن أبي سعيد الخدري) رضي الله تعالى عنه.

وهذا السند من سداسياته، وحكمه: الضعف جدًّا؛ لأن فيه يزيد بن سنان وأبا المبارك، وهما مجهولان متروكان.

(قال) أبو سعيد: (أَحِبُّوا) أيها المسلمون (المساكين) وأكرموهم وأظهروا البشاشة لهم (فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في دعائه) لربه: (اللهم؛ أحيني مسكينًا) أي: اجعلني مدة حياتي مسكينًا (وأمتني مسكينًا واحشرني) أي: واجعلني يوم القيامة محشورًا (في زمرة) وجماعة (المساكين) أي: معهم.

وهذا الحديث انفرد به ابن ماجه، ودرجته: أنه ضعيف؛ لضعف سنده، وغرضه: الاستئناس به للترجمة، فهذا الحديث: ضعيف متنًا وسندًا (10)(420)؛ لضعف سنده.

ص: 156

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

قوله: "اللهم؛ أحيني مسكينًا

" إلى آخره، قال القاضي تاج الدين السبكي الصغير: سمعت الإمام الوالد يقول: لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيرًا من المال قط، ولا كان حالُه حالَ فقيرٍ، كان أغنى الناس بالله، قد كفى الله له دنياه في نفسه وعياله، وكان يقول في قوله: "اللهم؛ أحيني مسكينًا": إن المراد به: استكانة القلب لا المسكنة التي هي نوع من الفقر، وكان يشدد النكير على من يعتقد خلاف ذلك.

وقال البيهقي في "سننه": الذي يدل عليه حاله صلى الله عليه وسلم عند وفاته أنه لم يسأل المسكنة التي يرجع معناها إلى القلة؛ فقد مات مكفيًّا بما أفاء الله عليه، وإنما سأل المسكنة التي يرجع معناها إلى الإخبات والتواضع، وكأنه صلى الله عليه وسلم سأل الله تعالى ألا يجعله من الجبارين والمتكبرين وألا يحشره في زمرة الأغنياء المترفهين.

قال القتيبي: المسكنة: حرف مأخوذ من السكون، يقال: تمسكن؛ أي: تخشع وتواضع لله.

وقال الحافظ ابن حجر: أسرف ابن الجوزي بذكر هذا الحديث في "الموضوعات" وكأنه أقدم عليه؛ لما رآه مباينًا للحال التي مات عليها النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه كان مكفيًّا، ثم نقل في ترجمة الحديث عن البيهقي ما تقدم.

قلت: الذي يتتبع أحاديث معيشته صلى الله عليه وسلم في "البخاري" و"الشمائل" و"جامع الترمذي" و"سنن ابن ماجه" وغيرها؛ كحديث عمر في دخوله رضي الله عنه على النبي صلى الله عليه وسلم في المشربة حين اشتهر أنه طلق الأزواج .. لا يستبعد حمل الحديث على ظاهره، كيف وقد حمله الراوي

ص: 157

(46)

- 4070 - (3) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَنْقَزِيُّ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطُ بْنُ نَصْرٍ، عَنِ السُّدِّيِّ،

===

أبو سعيد على ظاهره؟ ! والتعجب من قولهم: (إن الحديث ينافي حال الموت) وقد جاء وصح: (أنه مات ودرعه مرهونة عند يهودي في قوت العيال)، والله أعلم.

* * *

ثم استدل المؤلف على الترجمة بحديث خباب بن الأرت رضي الله تعالى عنه، فقال:

(46)

- 4070 - (3)(حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى بن سعيد) بن فروخ (القطان) أبو سعيد البصري التميمي، صدوق، من الحادية عشرة، مات سنة ثمان وخمسين ومئتين (258 هـ). يروي عنه:(ق).

(حدثنا عمرو بن محمد العَنْقَزِيُّ) - بفتح المهملة والقاف بينهما نون ساكنة وبالزاي - أبو سعيد الكوفي، ثقة، من التاسعة، مات سنة تسع وتسعين ومئة (199 هـ). يروي عنه:(م عم).

(حدثنا أسباطُ بن نصر) الهَمَذَانِيُّ - بالذال المعجمة وفتح أوله وثانيه - نسبة إلى مدينة في الجبال تُسمى همذان. انتهى من "خلاصةِ القول" نقلًا عن "الكاشف"، أبو يوسف، أو أبو نصر الكوفي، وَثَّقه ابنُ معين، وذكَرهُ ابنُ حبان في "الثقات"، وقال النسائي: ليس بالقويّ، وقال في "التقريب": صدوق كثيرُ الخطأ يُغْرب، من الثامنة. يروي عنه:(م عم).

(عن) إسماعيل بن عبد الرحمن بن أبي كريمة (السُّدِّي) - بضم المهملة وتشديد الدال - أبي محمد الكوفي، صدوق يهم ورُمي بالتشيع، من الرابعة،

ص: 158

عَنْ أَبِي سَعْدٍ الْأَزْدِيِّ وَكَانَ قَارِئَ الْأَزْد، عَنْ أَبِي الْكَنُود، عَنْ خَبَّابٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:{وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ. . .} إِلَى قَوْلِهِ: {فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ} قَالَ: جَاءَ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ التَّمِيمِيُّ وَعُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ الْفَزَارِيُّ

===

مات سنة سبع وعشرين ومئة (127 هـ). يروي عنه: (م عم).

(عن أبي سَعْدٍ الأزدي) الكوفي (وكان قارئ الأزد) ويقال له: أبو سعيد، مقبولٌ، من الثالثة. يروي عنه:(ت ق). وذكره ابن حبان في "الثقات".

(عن أبي الكنود) الأزدي الكوفي، اسمه عبد الله بن عامر، أو ابن عمران، أو ابن عويمر، وقيل: ابن سعيد، وقيل: عمرو بن حُبْشِيٍّ، قال ابن سعد: كان ثقة، وله أحاديث كثيرة، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال الحافظ: مقبول، من الثانية. يروي عنه:(ق).

(عن خباب) - بتشديد الباء الأولى - ابن الأرت التميمي أَبِي عبد الله، من السابقين إلى الإسلام رضي الله تعالى عنه، وكان يعذب في الله، وشهد بدرًا، ثم نزل الكوفة، ومات بها سنة سبع وثلاثين (37 هـ).

وهذا السند من سباعياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات.

(في قوله تعالى: {وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ. . .} إلى قوله: {فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ})(1).

(قال) خباب: (جاء الأقرع بن حابس التميمي) صحابي جاء ذكره في "الصحيحين" دون رواية له (وعيينة بن حصن الفزاري) صحابي ليست له رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم وهما من مسلمة الفتح، كانا في الجاهلية من

(1) سورة الأنعام: (52).

ص: 159

فَوَجَدَا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَعَ صُهَيْبٍ وَبِلَالٍ وَعَمَّارٍ وَخَبَّابٍ قَاعِدًا فِي نَاسٍ مِنَ الضُّعَفَاءِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، فَلَمَّا رَأَوْهُمْ حَوْلَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم .. حَقَرُوهُمْ، فَأَتَوْهُ فَخَلَوْا بِهِ وَقَالُوا: إِنَّا نُرِيدُ أَنْ تَجْعَلَ لَنَا مِنْكَ مَجْلِسًا تَعْرِفُ لَنَا بِهِ الْعَرَبُ فَضْلَنَا، فَإِنَّ وُفُودَ الْعَرَبِ

===

رؤساء المشركين (فوجدا) أي: فوجد الأقرع وعيينة (رسول الله صلى الله عليه وسلم مع صهيب) الرومي (وبلال) بن رباح الحبشي (وعمار) بن ياسر (و) مع (خباب) بن الأرت، حالة كون رسول الله صلى الله عليه وسلم (قاعدًا في ناس من الضعفاء) وقوله:(من المؤمنين) بيان للضعفاء، وفي رواية:(فوجدوا) بضمير الجمع؛ أي: فوجد المشركون رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعدًا مع هؤلاء الضعفاء من المؤمنين.

(فلما رأوهم) أي: فلما رأى المشركون هؤلاء الضعفاء من المؤمنين قاعدين (حول النبي صلى الله عليه وسلم .. حَقرُوهُم) من باب ضرب؛ أي: حَقَر المشركون هؤلاء الضعفاء من المؤمنين؛ أي: نَظرُوا إليهم بعين الحقارة والإهانة (فأتوه) أي: فأتى المشركون رسول الله صلى الله عليه وسلم (فخَلَوْا به) أي: فخلا المشركون وانفردوا برسول الله صلى الله عليه وسلم عن المؤمنين، فكلموه صلى الله عليه وسلم (وقالوا) أي: قال المشركون لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنا نريد) ونطلب منك (أن تجعل) وتُعيِّن (لنا منك مجلسًا) أي: مكان جلوس عندك خاصًّا بنا لا يختلِطُ بنا فيه هؤلاء الفقراءُ الملازِمُون لك.

وقوله: (تعرف لنا به العربُ) صفةُ (مجلسًا)؛ أي: أن تجعل لنا مجلسًا خاصًّا بنا تعرف (به) أي: بذلك المجلس سائرُ العرب (فَضْلَنا) أي: قَدْرنا وكرامتنا وشرفنا عندك، فيقدِّرُوننا عندهم؛ (فإِنَّ وُفود) قبائل (العرب) وجماعتَهم.

ص: 160

تَأْتِيكَ فَنَسْتَحْيِي أَنْ تَرَانَا الْعَرَبُ مَعَ هَذِهِ الْأَعْبُد، فَإِذَا نَحْنُ جِئْنَاكَ .. فَأَقِمْهُمْ عَنْكَ، فَإِذَا نَحْنُ فَرَغْنَا .. فَاقْعُدْ مَعَهُمْ إِنْ شِئْتَ، قَالَ:"نَعَمْ"، قَالُوا: فَاكْتُبْ لَنَا عَلَيْكَ كِتَابًا، قَالَ: فَدَعَا بِصَحِيفَةٍ

===

قوله: (فإن وفود العرب) قال في "النهاية": الوفد: قوم يجتمعون يرِدون البِلادَ، واحدهم وافد، وكذلك الذين يقصدون الأمراء لزيارة واسترفاد وانتجاع وغير ذلك، يقال: وفد يفد فهو وافد؛ من باب وعد، وأَوْفَدْتُه فوفد، وأوفد على الشيء، فهو موفد؛ إذا أَشْرفَ. انتهى منه.

(تأتيك) للزيارة وأخذ الدين منك؛ أي: يكثر حضورهم إليك (فنستحيي) نحن (أن ترانا العرب) أي: أشرافهم جالسين عندك (مع هذه الأعبد) الذين آمنوا بك ولازموك ليلًا ونهارًا (فإذا نحن جئناك) يا محمد .. (فأقمهم عنك) أي: فَأْمُرْ هؤلاء الأعبدَ بالقيام من عندك؛ لئلا يرانا الناس جالسين معهم مع كوننا سادة العرب، فتسقُط مروءتُنا عندهم (فإذا نحن فرغنا) وقضينا حاجتنا معك .. (فاقعد) أنت يا محمد بنفسك (معهم) أي: مع هؤلاء الأعبد (إن شئت) القعود معهم.

فـ (قال) النبي صلى الله عليه وسلم لأولئك المشركين؛ إجابة إلى طلباتهم: (نعم) أَفْعَلُ ذلك الذي أَمَرْتُموني به من إقامتهم عن مجلسي حين جِئْتمُوني، فـ (قالوا) أي: قال المشركون للنبي صلى الله عليه وسلم: لا نكتفي بالعهد اللِّسانيِّ منك على ذلك المذكور من الإقامةِ لهم عن مجلسك، بل (فاكتب لنا عليك كتابًا) أي: بل اكتب لنا كتابًا مُشْتَمِلًا على عهدك لنا على ذلك المذكور من الإقامة لهم من مجلسك.

(قال) خبَّابُ بن الأرت: (فدعا) أي: طلب رسول الله صلى الله عليه وسلم (بصحيفةٍ) أي: بورقة يكتبُ لهم فيها ذلك العَهْدَ الذي طلبوه؛ أي: طَلبَها من

ص: 161

وَدَعَا عَلِيًّا لِيَكْتُبَ وَنَحْنُ قُعُودٌ فِي نَاحِيَةٍ، فَنَزَلَ جِبْرَائِيلُ عليه السلام فَقَالَ:{وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ} ثُمَّ ذَكَرَ الْأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ وَعُيَيْنَةَ بْنَ حِصْنٍ فَقَالَ: {وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ

===

عند الحاضرين عنده صلى الله عليه وسلم فوجَدهَا؛ أي: فوجد تلك الصحيفة من بعض الحاضرين (ودَعا عليًّا) أي: ثم طلب علي بن أبي طالب (لِيَكْتب) للمشركين ذلك العهد، قال خباب: فكتب النبي صلى الله عليه وسلم ذلك العهد للمشركين (ونحن) أي: والحال أننا معاشر فقراء المسلمين (قعود) أي: قاعدون (في ناحية) أي: في مكان بعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم (فـ) بسبب ذلك المذكور من طرد النبي صلى الله عليه وسلم الفقراء من عنده (نزل جبرائيل عليه السلام بالوحي من عند الله تعالى (فقال) جبرائيل في بيان ذلك: ({وَلَا تَطْرُدِ}) يا محمد المؤمنين ({الَّذِينَ يَدْعُونَ}) أي: يذكرون ({رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ}) أي: في أول النهار ({وَ}) في ({الْعَشِيِّ}) أي: في آخر النهار، والحال أنهم ({يُرِيدُونَ}) بذكره في هذين الوقتين ({وَجْهَهُ}) تعالى ورضاه عنهم ({مَا عَلَيْكَ}) يا محمد ({مِنْ حِسَابِهِمْ}) أي: حساب أعمالهم ({مِنْ شَيْءٍ}) قليل ولا كثير ({وَمَا مِنْ حِسَابِكَ}) أي: من حساب عملك ({عَلَيْهِمْ}) أي: على هؤلاء الفقراء ({مِنْ شَيْءٍ}) قليل ولا كثير ({فَتَطْرُدَهُمْ}) من مجلسك ({فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ})(1).

(ثم ذكر) جبرائيل (الأقرع بن حابس وعيينة بن حصن) أي: شؤونهما (فقال) في شؤونهما: ({وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ}) أي: الأغنياء ({بِبَعْضٍ})

(1) سورة الأنعام: (52).

ص: 162

لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ (53) وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ}، قَالَ: فَدَنَوْنَا مِنْهُ حَتَّى وَضَعْنَا رُكَبَنَا عَلَى رُكْبَتِه، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَجْلِسُ مَعَنَا، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَقُومَ .. قَامَ وَتَرَكَنَا، فَأَنْزَلَ اللهُ:{وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ} وَلَا تُجَالِسِ الْأَشْرَافَ، {تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا} يَعْنِي: عُيَيْنَةَ وَالْأَقْرَعَ، {وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا}

===

أي: بالفقراء ({لِيَقُولُوا}) أي: ليقول الأغنياء: ({أَهَؤُلَاءِ}) الفقراء ({مَنَّ اللَّهُ}) عز وجل وأنعم ({عَلَيْهِمْ}) أي: على هؤلاء الفقراء ({مِنْ بَيْنِنَا}) أي: من دوننا، قل لهم:({أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ}) بلى، يعلم بهم.

ثم قال جبريل في بيان الوحي أيضًا: ({وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ})(1).

(قال) خباب: (فدنونا) أي: قربنا (منه) صلى الله عليه وسلم (حتى وضعنا ركبنا) جمع ركبة (على ركبته) صلى الله عليه وسلم (وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلس معنا، فإذا أراد أن يقوم) من عندنا لأي حاجة .. (قام وتركنا) في مجلسه (فأنزل الله) عز وجل: ({وَاصْبِرْ نَفْسَكَ}) يا محمد ({مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ} ولا تجالس الأشراف) أي: الأغنياء ({تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا}) فيما طلبوا منك (يعني: عيينة والأقرع) قوله: ({وَاتَّبَعَ هَوَاهُ}) أي: شهواته ({وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا})(2).

(1) سورة الأنعام: (53 - 54).

(2)

سورة الكهف: (28).

ص: 163

قَالَ: هَلَاكًا، قَالَ: أَمْرُ عُيَيْنَةَ وَالْأَقْرَع، ثُمَّ ضَرَبَ لَهُمْ مَثَلَ الرَّجُلَيْنِ وَمَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، قَالَ خَبَّابٌ: فَكُنَّا نَقْعُدُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَإِذَا بَلَغْنَا السَّاعَةَ الَّتِي يَقُومُ فِيهَا .. قُمْنَا وَتَرَكْنَاهُ حَتَّى يَقُومَ.

===

(قال) الراوي: يعني الله عز وجل في تفسير (فرطًا) أي: (هلاكًا) في الدين (قال) الراوي في تفسير ضمير (أمره): أي: (أمر عيينة والأقرع، ثم ضرب) الله؛ أي: ذكر (لهم) أي: لهؤلاء الأغنياء والفقراء (مثل الرجلين) بقوله: عز وجل: {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا} (1).

(و) ضرب لهم أيضًا (مثل الحياة الدنيا) بقوله عز وجل: {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ. . .} الآية (2).

(قال خباب) بالسند السابق: (فكنا) معشر الفقراء بعد نزول تلك الآيات (نقعد مع النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا بلَغْنَا) ووصَلْنا بسكون آخر الفعل؛ لأنه ماض متصل بضمير الفاعل (الساعة التي يقوم فيها) من عندنا .. (قُمْنَا) نَحْنُ مِن عنده (وتركناه) صلى الله عليه وسلم في ذلك الموضع (حتى يقوم) هو باختياره عن ذلك الموضع.

قوله: ({وَاصْبِرْ نَفْسَكَ}) أي: احْبسْها وثَبِّتْهَا مصاحبةً {مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ} ويذكرونه {بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ} ؛ أي: في أوله وآخره؛ والمراد: الدوام؛ أي: مداومين في جميع الأوقات، حالة كونهم {يُرِيدُونَ} بدعائهم في تلك الأوقات {وَجْهَهُ} (3) تعالى ورضاه، لا شيئًا آخر من أعراض الدنيا.

والمعنى: أي: احبس نفسك وثبتها مع فقراء الصحابة؛ كعمار بن ياسر

(1) سورة الكهف: (32).

(2)

سورة الكهف: (45).

(3)

سورة الكهف: (28).

ص: 164

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

وصهيب الرومي وبلال الحبشي وابن مسعود وأضرابهم، ممن يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون بالتسبيح والتهليل وصالح الأعمال ابتغاء مرضاة الله، لا يريدون غرضًا من أغراض الدنيا، ولا شيئًا من لذاتها ونعيمها.

روي: (أن عيينة بن حصن الفزاري أتى النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يسلم، وعنده صلى الله عليه وسلم جماعة من فقراء أصحابه؛ منهم: سلمان الفارسي، وعليه شملة - أي: فوطة - قد عرق فيها، وبيده خوص يشقه، ثم ينسجه، فقال عيينة بن حصن لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أما يؤذيك يا محمد ريح هؤلاء الفقراء، ونحن سادات من أهل مضر وأشرافها، فإن أسلمنا .. أسلم الناس، وما يمنعنا من اتباعك إلا هؤلاء الفقراء، فنحهم عنك حتى نتبعك، أو اجعل لهم مجلسًا خاصًّا، فنزلت هذه الآية: {وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} (1).

ومقالُ هؤلاء شَبيهٌ بمقالةِ قوم نوح عليه السلام: {أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ} (2).

ثم أمره سبحانه بمراقبة أحوالهم فقال: ({وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ} أي: ولا تلتفت عيناك ولا تنصرف ولا تمل ({عَنْهُمْ}) إلى غيرهم من ذوي الهيئات والزينة، وهذا نهي للعَيْنَيْنِ؛ والمراد: صاحبُهما؛ يعني: نهيه عليه السلام من الازدراء بفقراء المسلمين لرثاثة زيِّهم؛ طموحًا إلى زي الأغنياء.

وقيل: معناه: لا تحتقرهم عيناك، حالة كونك يا محمد ({تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}) أي: تطلب مجالسة الأغنياء والأشراف وصحبة أهل الدنيا، وفي إضافة

(1) سورة الأنعام: (52).

(2)

سورة الشعراء: (111).

ص: 165

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

(الزينة) إلى (الحياة الدنيا) تحقير لشأنها، وتنفير عنها.

{وَلَا تُطِعْ} يا محمد {مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا} أي: من جعلنا قلبه غافلًا عن ذكرنا؛ كعيينة بن حصن، وقيل: أمية بن خلف؛ والغفلة: معنىً يمنع الإنسان من الوقوف على حقيقة الأمور؛ أي: جعلنا قلبه في فطرته الأولى غافلًا عن الذكر، ومختومًا عن التوحيد؛ كرؤساء قريش؛ أي: ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا؛ أي: عن توحيدنا.

{وَاتَّبَعَ هَوَاهُ} أي: شهوته في عبادة الأصنام {وَكَانَ أَمْرُهُ} وشأنه وعمله {فُرُطًا} (1) أي: ضياعًا لا ينتفع به في الدنيا والآخرة.

قوله: (وضربَ لهم مثلَ الرجلين) والمعنى: أنه لما أمر الله سبحانه نبيه صلى الله عليه وسلم بصبر نفسه مع فقراء المؤمنين، وعدم طاعة أولئك الأغنياء من المشركين الذين طلبوا منه صلى الله عليه وسلم طرد أولئك الصَّعَالِيكِ من مجلسه، وأن يُعَيِّن لهم مجلسًا، وللسادة مجلسًا آخر حتى لا يؤذوهم بمناظرهم وروائحهم المستقذرة، وحتى لا يقال:(إن السادة ومواليهم يجتمعون في صعيد واحد، ويتحدَّثون وإياهم حديث النِّدِّ مع الند) وفي ذلك امتهانٌ لكبريائهم، وخَفْضٌ من عِزَّتِهم.

أردف ذلك بمثل يستبين منه أن المال لا ينبغي أن يكون موضع فخار؛ لأنه ظل زائل، وأنه كثيرًا ما يصير الفقير غنيًّا، والغني فقيرًا، وإنما الذي يجب أن يكون أساس التفاخر، وعمدة التفاضل .. هو طاعة الله تعالى، وعبادته والعمل على ما يرضيه في دار الكرامة، {يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} (2).

(1) سورة الكهف: (28).

(2)

سورة الشعراء: (88 - 89).

ص: 166

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

فقال: {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ} (1) أي: واجعل يا محمد رجلين موصوفين بالصفات المذكورة فيما بعد من القرآن مثلًا وشبهًا لهؤلاء المشركين بالله الذين سألوك أن تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي، وللمؤمنين المكابدين لمشاقِّ الفَقْرِ؛ أي: مثل حال هؤلاء الكافرين، وحال المؤمنين الذين يدعون ربهم بالغداء والعشي، أي: مَثِّل حال هؤلاء الكافرين والمؤمنين بحال رجلين شريكين في بني إسرائيل؛ أحدهما كافر، اسمه قُطْرُوسُ، والآخر مؤمن اسمه يهوذا، لهما ثمانيةُ آلاف دينار، فاقتسماها، فاشترى أحدهما أرضًا بألف دينار، فقال صاحبه: اللهم؛ إن فلانًا قد اشترى أرضًا بألف دينار، وإني أشتري منك أرضًا في الجنة بألف دينار، فتصدق بها

إلى آخر القصة التي ذكرناها في "الحدائق" فراجعه.

ثم بعد أن أمر الله سبحانه نبيه صلى الله عليه وسلم بضرب مثل الرجلين .. أمره بأن ضرب لهم مثل الحياة الدنيا عامةً بقوله: {وَاضْرِبْ لَهُمْ} أي: واذكر يا محمد لقومك المشركين {مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} أي: صفتها العجيبة في فنائها، وبيِّنْ لهم ما يشبهها في زهرتها ونضارتها وسرعة زوالها؛ لئلا يَطْمَئِنُّوا إليها، ويُعرضوا عن الآخرة بقوله: هي؛ أي: مثل الحياة وشبهها {كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ. . .} إلى آخر الآية (2).

وقول خباب: (فإذا أراد أن يقوم .. قام وتركنا) أي: أنه بعد نزول قوله تعالى: {وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ. . .} الآية (3). . قد يتقدم علينا في القيام،

(1) سورة الكهف: (32).

(2)

سورة الكهف: (45).

(3)

سورة الأنعام: (52).

ص: 167

(47)

- 4071 - (4) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَكِيمٍ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُودَ، حَدَّثَنَا قَيْسُ بْنُ الرَّبِيع، عَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ شُرَيْحٍ، عَنْ أَبِيه،

===

حتى نزل قوله تعالى: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ. . .} الآية (1)، فجعل يتأخر عنهم في القيام صلى الله عليه وسلم. انتهى من "الإنجاز".

وهذا الحديث انفرد به ابن ماجه، وأصله في مسلم من حديث سعد وغيره.

ودرجته: أنه صحيح؛ لصحة سنده، وغرضه: الاستدلال به على الترجمة.

* * *

ثم استشهد المؤلف لحديث خباب بحديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنهما، فقال:

(47)

- 4071 - (4)(حدثنا يحيى بن حكيم) المُقوِّمي - بتشديد الواو المكسورة - ويقال: المقوم - بلا ياء - أبو سعيد البصري، ثقة حافظ عابد مصنف، من العاشرة، مات سنة ست وخمسين ومئتين (256 هـ). يروي عنه:(د س ق).

(حدثنا أبو داوود) الطيالسي سليمان بن داوود بن الجارود البصري، ثقة، من التاسعة، مات سنة أربع ومئتين (204 هـ). يروي عنه:(م عم).

(حدثنا قيس بن الربيع) الأسدي أبو محمد الكوفي صدوق تغير حفظه لما كبر، وأدخل عليه ابنه ما ليس من حديثه فحدث به، من السابعة، مات سنة بضع وستين ومئة (163 هـ). يروي عنه:(د ت ق).

(عن المقدام بن شريح) بن هانئ بن يزيد الحارثي الكوفي، ثقة، من السادسة. يروي عنه:(م عم).

(عن أبيه) شريح بن هانئ بن يزيد الحارثي المذحجي أبي المقدام الكوفي

(1) سورة الكهف: (28).

ص: 168

عَنْ سَعْدٍ قَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِينَا سِتَّةٍ؛ فِيَّ وَفِي ابْنِ مَسْعُودٍ وَصُهَيْبٍ

===

مخضرم، ثقة، من الثانية، قتل مع ابن أبي بكرة بسجستان. يروي عنه:(م عم).

(عن سعد) بن أبي وقاص مالك بن وهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب القرشي الزهري أبي إسحاق، أحد العشرة، وأول من رمى في سبيل الله بسهم، ومناقبه كثيرة رضي الله تعالى عنه، مات بالعقيق سنة خمس وخمسين (55 هـ) على المشهور. يروي عنه:(ع).

وهذا السند من سداسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات.

(قال) سعد بن أبي وقاص: (نزلت هذه الآية) يعني: قوله تعالى: {وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ} (1)، (فينا) يعني: معاشر الفقراء من المسلمين.

وقوله: (ستة) - بالجر - بدل كل من كل من ضمير المتكلمين في قوله: (فينا) أي: نزلت في ستة من فقراء المسلمين.

وقوله: (فيَّ) - بتشديد ياء المتكلِّم - بدل من الجار والمجرور في قوله: (فينا) بدل تفصيل من مجمل.

(وفي) عبد الله (بن مسعود) الهذلي الكوفي رضي الله عنه معطوف على قوله: (في) على كونه بدلًا من الجار والمجرور في قوله: (فينا).

وقوله: (وصهيب) بن سنان الرومي معطوف على ابن مسعود، اسمه عبد الملك بن سنان، وصهيب لقبه، الصحابي المشهور رضي الله تعالى

(1) سورة الأنعام: (52).

ص: 169

وَعَمَّار وَالْمِقْدَادِ وَبِلَالٍ قَالَ: قَالَتْ قُرَيْشٌ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّا لَا نَرْضَى أَنْ نَكُونَ أَتْبَاعًا لَهُمْ فَاطْرُدْهُمْ عَنْكَ، قَالَ: فَدَخَلَ قَلْبَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ ذَلِكَ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَدْخُلَ،

===

عنه، مات بالمدينة سنة ثمان وثلاثين (38 هـ) في خلافة علي رضي الله تعالى عنه (وعمار) بن ياسر بن عامر العنسي أبي اليقظان المخزومي مولاهم الصحابي المشهور رضي الله تعالى عنه، من السابقين، قتل مع علي رضي الله تعالى عنه بصفين سنة سبع وثلاثين (37 هـ).

(والمقداد) بن عمرو بن ثعلبة بن مالك بن ربيعة البهراني ثم الكندي ثم الزهري حلفًا؛ لأنه تبناه الأسود بن عبد يغوث الزهري، الصحابي المشهور من السابقين رضي الله تعالى عنه، مات سنة ثلاث وثلاثين (33 هـ).

(وبلال) بن رباح الحبشي، مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله تعالى عنه.

(قال) سعد: (قالت قريش) أي: كفارهم (لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إنا لا نرضى أن نكون أتباعًا لهم) أي: لهؤلاء الفقراء الستة؛ لأنهم آمنوا من قبل قريش (فاطردهم) أي: فأبعدهم (عنك) أي: عن مجلسك؛ فإنه لا يليق بنا أن نجلس مع هؤلاء الفقراء؛ لأن العرب تعيبنا بذلك (قال) سعد: (فدخل قلب) بالنصب على الظرفية المكانية؛ لأن (دخل) لازم لا يتعدى إلى المفعول به إلا بواسطة حرف جر؛ أي: دخل في قلب (رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك) الذي طلبوه من طرد هؤلاء عن مجلسه.

وقوله: (ما شاء الله) عز وجل (ما) فيه موصولة في محل الرفع فاعل، وقوله (من ذلك) بيان مقدم على المبين.

وقوله: (أن يدخل) مفعول المشيئة.

ص: 170

فَأَنْزَلَ اللهُ عز وجل: {وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ. . .} الْآيَةَ.

===

وقوله: (فأنزل الله عز وجل معطوف على (فدخل).

وقوله: ({وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ. . .})(1) مفعول به محكي لـ (أنزل).

(الآية) أي: اقرأ الآية إلى آخرها.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: الإمام مسلم في كتاب فضائل الصحابة، باب في فضل سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنهم أجمعين.

ودرجته: أنه صحيح؛ لصحة سنده وللمشاركة فيه، وغرضه: الاستشهاد به لحديث خباب.

* * *

وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب: أربعة أحاديث:

الأول والثاني للاستئناس، والثالث للاستدلال، والرابع للاستشهاد.

والله سبحانه وتعالى أعلم

(1) سورة الأنعام: (52).

ص: 171