المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(4) - (1477) - باب الزهد في الدنيا - شرح سنن ابن ماجه للهرري = مرشد ذوي الحجا والحاجة إلى سنن ابن ماجه - جـ ٢٥

[محمد الأمين الهرري]

فهرس الكتاب

- ‌تَتِمَّة كتاب الفتن (2)

- ‌(1) - (1474) - بَابُ خُرُوجِ الْمَهْدِيِّ

- ‌فائدة

- ‌(2) - (1475) - بَابُ الْمَلَاحِمِ

- ‌ملحقة

- ‌(3) - (1476) - بَابُ التُّرْكِ

- ‌كتاب الزهد

- ‌(4) - (1477) - بَابُ الزُّهْدِ فِي الدُّنْيَا

- ‌(5) - (1478) - بَابُ الْهَمِّ بِالدُّنْيَا

- ‌(6) - (1479) - بَابُ مَثَلِ الدُّنْيَا

- ‌(7) - (1480) - بَابُ مَنْ لَا يُؤْبَهُ لَهُ

- ‌(8) - (1481) - بَابُ فَضْلِ الْفُقَرَاءِ

- ‌(9) - (1482) - بَابُ مَنْزِلَةِ الْفُقَرَاءِ

- ‌(10) - (1483) - بَابُ مُجَالَسَةِ الْفُقَرَاءِ

- ‌(11) - (1484) - بَابٌ: فِي الْمُكْثِرِينَ

- ‌فائدة

- ‌بشارة عظيمة

- ‌(12) - (1485) - بَابُ الْقَنَاعَةِ

- ‌(13) - (1486) - بَابُ مَعِيشَةِ آلِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم

- ‌(14) - (1487) - بَابُ ضِجَاعِ آلِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم

- ‌(15) - (1488) - بَابُ مَعِيشَةِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم

- ‌(16) - (1489) - بَابٌ: فِي الْبِنَاءِ وَالْخَرَابِ

- ‌ملحقة

- ‌(17) - (1490) - بَابُ التَّوَكُّلِ وَالْيَقِينِ

- ‌(18) - (1491) - بَابُ الْحِكْمَةِ

- ‌ملحقة

- ‌(19) - (1492) - بَابُ الْبَرَاءَةِ مِنَ الْكِبْر، وَالتَّوَاضُعِ

- ‌(20) - (1493) - بَابُ الْحَيَاءِ

- ‌(21) - (1494) - بَابُ الْحِلْمِ

- ‌(22) - (1495) - بَابُ الْحُزْنِ وَالْبُكَاءِ

- ‌(23) - (1496) - بَابُ التَّوَقِّي عَلَى الْعَمَلِ

- ‌(24) - (1497) - بَابُ الرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ

- ‌(25) - (1498) - بَابُ الْحَسَدِ

الفصل: ‌(4) - (1477) - باب الزهد في الدنيا

(4) - (1477) - بَابُ الزُّهْدِ فِي الدُّنْيَا

(19)

- (4043) - (1) حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ،

===

تعالى أوثق منك بما في يديك، وأن تكون في ثواب المصيبة إذا أصبت بها أرغب منك فيها لو لم تصبك)، وهذا من أجمع كلام في الزهد وأحسنه، وقد روي مرفوعًا.

والحاصل: أن حقيقة الزهد ليست منافية لأسباب الدنيا، وإنما حقيقته ألا تتعلق أسباب الدنيا بقلب الإنسان بما يلهيه عن ذكر الله تعالى وذكر الآخرة، وأن يكون الإنسان دائمًا يؤثر نعيم الآخرة على نعيم الدنيا.

ومن ها هنا: يفترق الزهد عن الرهبانية التي ابتدعها النصارى؛ فإن الرهبانية أن تترك أسباب الدنيا من رأسها، والزهد لا يقتضي ذلك، وإنما يقتضي أن يكون الإنسان في رغبته في الآخرة أكثر من رغبته في الدنيا، وألا تشغله أسباب الدنيا عن سعيه للآخرة، والله تعالى أعلم. كذا في "التكملة".

هذا آخر كتب هذا السُّنَن، وقد ختم به هذا السنن؛ تنبيهًا على أنَّ نَتِيجَةَ العلم هو الزهد في الدنيا، والرغبة فيما عند الله تعالى.

كما أن ابتداءه هذا السنن بكتاب السنة .. كان تنبيهًا على وجوب اتباع السنة، ووجوب الاقتداء به صلى الله عليه وسلم في أقواله وأفعاله.

جزاه الله عنا أفضل ما جزى نبيًّا عن أمته، صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين.

* * *

(4)

- (1477) - (باب الزهد في الدنيا)

(19)

- 4043 - (1)(حدثنا هشام بن عمار) بن نصير - مصغرًا - السلمي

ص: 67

حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ وَاقِدٍ الْقُرَشِيُّ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ مَيْسَرَةَ بْنِ حَلْبَسٍ، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لَيْسَ الزَّهَادَةُ فِي الدُّنْيَا بِتَحْرِيمِ الْحَلَالِ

===

الكوفي، صدوق، من كبار العاشرة، مات سنة خمس وأربعين ومئتين (245 هـ) على الصحيح. يروي عنه:(خ عم).

(حدثنا عمرو بن واقد) الدمشقي أبو حفص (القرشي) مولاهم، متروك، من السادسة، مات بعد الثلاثين ومئة، وعدَّه في "تاريخ الإسلام" في طبقة من مات بين السبعين والثمانين ومئة. يروي عنه:(ت ق).

(حدثنا يونس بن ميسرة بن حلبس) - بمهملتين وموحدة بوزن جعفر - وقد ينسب لجده، ثقة عابد معمر، من الثالثة، مات سنة اثنتين وثلاثين ومئة (132 هـ). يروي عنه:(د ت ق).

(عن أبي إدريس الخولاني) عائذ الله بن عبد الله الشامي، ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم يوم حنين، وسمع من كبار الصحابة، ومات سنة ثمانين (80 هـ)، كان عالم أهل الشام بعد أبي الدرداء. يروي عنه:(ع).

(عن أبي ذر الغفاري) جندب بن جنادة المدني الربذي الصحابي المشهور رضي الله تعالى عنه، تقدم إسلامه وتأخرت هجرته، ولم يشهد بدرًا، مات سنة اثنتين وثلاثين (32 هـ). يروي عنه:(ع).

وهذا السند من خماسياته، وحكمه: الضعف؛ لأن فيه عمرو بن واقد، وهو متروك.

(قال) أبو ذر: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس الزهادة) بفتح الزاي (في الدنيا) أي: ليست الزهادة الشرعية الممدوحة حاصلة (بتحريم الحلال) أي: بترك الانتفاع بالحلال؛ أي: بترك الانتفاع بالطيبات، ولا بترك

ص: 68

وَلَا فِي إِضَاعَةِ الْمَالِ، وَلكِنِ الزَّهَادَةُ فِي الدُّنْيَا أَلَّا تَكُونَ بِمَا فِي يَدَيْكَ أَوْثَقَ مِنْكَ

===

تناولها؛ كما يفعله بعض الجهلة زعمًا منهم أن هذا من صفة الكمال، فيمتنع من أكل اللحم والحلواء والفواكه، ولبس الثوب الجديد، ومن التزوج، ونحو ذلك، وقد قال الله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} (1).

وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم فعل ذلك المذكور؛ من أكل اللحم والحلواء والفواكه ولبس الثوب الجديد، ولا أَكْملَ من حالةِ الكمال من الأفعال التي فعلَها الرسول صلى الله عليه وسلم.

(ولا في إضاعة المال) الجار والمجرور معطوف على الجار والمجرور قبله.

ولفظة (في) هنا بمعنى: الباء؛ أي: وليست الزهادة الشرعية الممدوحة حاصلةً بتضييع المال؛ أي: بتضييعه؛ بأن يرميه في البحر أو يَذُرَّهُ في الريح العاصفة؛ بأن كان نوطًا عصريًا، أو بصرفه في غير مصارفه؛ كأن يعطيه للناس من غير تمييز بين غني وفقير، وكأن يشرب به الخمر والدخان.

(ولكن) - بتخفيف النون ويجوز تشديدها - أي: ولكن (الزهادة) الكاملة الشرعية المعتبرة (في الدنيا) أي: في شؤونها وفي الإعراض عنها (ألّا تكون) أيها المؤمن، والجار والمجرور في قوله:(بما في يديك) متعلق بقوله: (أوثق) وكذا في قوله: (منك) متعلق بـ (أوثق) أيضًا؛ لأنها من المفاضلة، ولكنه على تقدير مضاف؛ والمعنى: ولكن الزهادة الكاملة الشرعية المعتبرة

(1) سورة المائدة: (87).

ص: 69

بِمَا فِي يَدِ الله، وَأَنْ تَكُونَ فِي ثَوَابِ الْمُصِيبَةِ إِذَا أُصِبْتَ بِهَا أَرْغَبَ مِنْكَ فِيهَا لَوْ أَنَّهَا أُبْقِيَتْ لَكَ"،

===

في شؤون الدنيا وفي الإعراض عنها .. ألا تكون أيها المؤمن أشد وثوقًا واعتمادًا على ما في يديك من المال، من وثوقك واعتمادك (بما في يد الله) وفضله وكرمه وجوده من الأرزاق.

وقوله: (وأن تكون) معطوف على (ألا تكون) الأولى، والجار والمجرور في قوله:(في ثواب المصيبة إذا أصبت بها) متعلق بقوله: (أرغب) الآتي، و (إذا) أيضًا مَتعلق بـ (أرغب) لأنها ظرفية مجردة عن معنى الشرط، و (منك) متعلق بـ (أرغب) أيضًا، ولكنه على تقدير مضاف، وقوله:(فيها) متعلق بمضاف مقدر، وجملة:(لو أنها أبقيت) حال من فاعل (أرغب)؛ والتقدير أيضًا كالجملة المعطوفة عليها: وألا تكون أيها المؤمن أشد رغبة في ثواب المصيبة التي أصبت بها في بعض مالك، وأبقت (لك) بعض المال من رغبتك في ثواب المصيبة التي لم تبق لك شيئًا من المال، و (لو) هنا بمعنى:(إذا) الظرفية المجردة.

والصواب: (لو أنها لم تبق لك شيئًا من المال) لأن المفضل والمفضل عليه يكون واحدًا على عبارته، مع أن الشرط اختلافُهما نفيًا وإثباتًا، لا اتحادُهما فيهما.

ولفظ الترمذي مع "تحفة الأحوذي" في هذا الحديث من أول السند إلى آخر الحديث: (عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الزهادة) بفتح الزاي؛ أي: ترك الرغبة (في الدنيا .. ليست بتحريم الحلال) كما يفعله بعض الجهلة؛ زعمًا منه أن هذا من الكمال، فيمتنع من أكل اللحم والحلواء والفواكه ولبس الثوب الجديد ومن التزوج وغير ذلك، وقد قال

ص: 70

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} (1).

وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم فعل هذه الأفعال، ولا أكمل منها من حالة الكمال.

(وليست) الزهادة أيضًا: بـ (إضاعة المال) أي: بتضييعه وصرفه في غير محله بأن يرميه في بحر، أو يعطيه للناس من غير تمييز بين غني وفقير.

(ولكن الزهادة) المعتبرة الكاملة (في الدنيا) أي: في شأنها (ألا تكون بما في يديك) من الأموال أو من الصنائع والأعمال (أوثق) أي: أرجى منك (مما في يد الله).

وفي رواية ابن ماجه: (أوثق منك بما في يد الله) أي: بخزائنه الظاهرة والباطنة، وفيه نوع من المشاكلة.

والمعنى: ليكن اعتمادك بوعد الله لك من إيصال الرزق إليك، ومن إنعامه عليك، من حيث لا تحتسب، ومن وجه لا تكتسب .. أقوى وأشد مما في يديك من الجاه والكمال والعقار وأنواع الصنائع؛ فإن ما في يديك يمكن تلفه وفناؤه، بخلاف ما في خزائنه؛ فإنه محقق بقاؤه؛ كما قال تعالى:{مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ} (2).

(وأن تكون) عطف على (ألا تكون).

(إذا أنت أصبت بها) بصيغة المجهول (أرغب فيها) أي: في حصول

(1) سورة المائدة: (87).

(2)

سورة النحل: (96).

ص: 71

قَالَ هِشَامٌ: كَانَ أَبُو إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيُّ يَقُولُ: مِثْلُ هَذَا الْحَدِيثِ فِي الْأَحَادِيثِ

===

المصيبة (لو أنها) أي: لو فرض أن تلك المصيبة (أبقيت لك) أي: منعت لأجلك وصرفت عنك وأخرت.

فوضع (أبقيت) موضع (لم تصب) وجواب (لو) ما دل عليه ما قبلها.

وخلاصته: أن تكون رغبتك في وجود المصيبة لأجل ثوابها .. أكثر من رغبتك في عدمها، فهذان الأمران شاهدان عدلان على أن زهدك في الدنيا، وميلك في العقبى، قاله القاري.

وقال الطيبي: (لو أنها أبقيت لك) حال من فاعل (أرغب) وجواب (لو) محذوف، و (إذا) ظرف مجرد من معنى الشرط.

والمعنى: أن تكون في حال المصيبة وقت إصابتها .. أرغب من نفسك في المصيبة حال كونك غير مصاب بها؛ لأنك تثاب بها بوصولها إليك، ويفوتك الثواب إذا لم تصل إليك. انتهى من "تحفة الأحوذي" مع المتن.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: الترمذي في كتاب الزهد، باب ما جاء في الزهادة في الدنيا، وقال أبو عيسى: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه.

ودرجته: أنه ضعيف (5)(415)؛ لضعف سنده؛ كما مر آنفًا، وغرضه: الاستئناس به للترجمة.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: (قال) لنا شيخنا (هشام) بن عمار بالسند السابق: (كان أبو إدريس الخولاني يقول) في بيان وضوح معنى هذا الحديث وصحته معنىً لا سندًا؛ أي: في بيان صحة معناه وصدقه بالتشبيه؛ أي: يقول فيه: (مثل هذا الحديث) المروي عن أبي ذر الغفاري (في الأحاديث) أي:

ص: 72

كَمِثْلِ الْإِبْرِيزِ فِي الذَّهَبِ.

(20)

- 4044 - (2) حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ هِشَامٍ،

===

من بين الأحاديث (كمثل الإبريز) - بكسر الهمزة وسكون الموحدة وكسر الراء ثم تحتانية ساكنة ثم زاي - أي: نظيره من حيث صحة المعنى وصدقه وشرفه وفوقانه على غيره من الأحاديث من حيث المعنى (كـ) فضل، ولفظ:(مثل) مقحم؛ أي: فضلُه وشرفُه من بين الأحاديث .. كفَضْلِ الإبريز (في الذهب) أي: كشرف الإبريز من بين الذهب.

ففيه تشبيهُ معقولٍ بمحسوس، فهو من التشبيه المؤكد؛ حيث شبهه بمحسوس، فكأن فضله محسوس بحاسة البصر لا خفاء فيه.

قال ابن جني: (الإبريز): على وزن (إفعيل) من (بَرزَ) فـ (الهمزة والياء) زائدتان، وقال ابن الأعرابي: الإبريز: هو الحلي الصافي من الذهب؛ وهو الإبريزي، قال النابغة:

مُزَيَّنَةٌ بالإبْرزيِّ وحَشْوُهَا

رَضِيعُ النَّدَى والمُرْشِقاتُ الحَوَاضِنُ

وقال شمر: الإِبْرِيزُ من الذهب: الخالص؛ وهو الإِبْرِزِيّ والعِقْيَانُ والعسجدُ. انتهى من "تاج العروس على القاموس".

* * *

ثم استأنس المؤلف للترجمة ثانيًا بحديث أبي خلاد رضي الله تعالى عنه، فقال:

(20)

- 4044 - (2)(حدثنا هشام بن عمار) بن نصير السلمي الدمشقي، صدوق، من كبار العاشرة، مات سنة خمس وأربعين ومئة (145 هـ) على الصحيح. يروي عنه:(خ عم).

(حدثنا الحكم بن هشام) بن عبد الرحمن الثقفي مولاهم، أبو محمد

ص: 73

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي فَرْوَةَ، عَنْ أَبِي خَلَّادٍ وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ

===

الكوفي، نزيل دمشق، صدوق، من السابعة. يروي عنه:(س ق)، ويروي عن يحيى بن سعيد وهو من أقرانه، ووثَّقه ابن معين والعجلي وأبو داوود، وقال أبو زرعة: لا بأس به، وقال أبو حاتم: يُكْتَب حديثُه ولا يُحتجُّ به.

(حدثنا يحيى بن سعيد) بن أبان بن سعيد بن العاص بن أمية الأموي، أبو أيوب الكوفي الحافظ، نَزيلُ بغداد، لقبه جَمَلٌ، صدوق يُغرب، من كبار التاسعة، مات سنة أربع وتسعين ومئة (194 هـ). يروي عنه:(ع).

(عن أبي فروة) يزيد بن سنان بن يزيد التميمي الجزري أبي فروة الرهاوي، ضعيف، من كبار السابعة، مات سنة خمس وخمسين ومئة (155 هـ). يروي عنه:(ت ق).

قال أحمد بن حنبل: ضعيف، وقال ابن معين: ليس حديثه بشيء، وقال ابن المديني: ضعيف، وقال النسائي: ضعيف متروك، وبالجملة: اتفقوا على ضعفه.

(عن أبي خلاد وكانت له صحبة) رضي الله تعالى عنه لم أقف على اسمه، ولا على نَسَبِه، كذا في "الاستيعاب" لابن عبدِ البرّ، وقال الحافظ: صحابي، يقال: اسمه: عبد الرحمن بن زهير، مشهور بكُنْيَتِه، ذكره ابن منده وغيره في الصحابة، كذا في "الإصابة". يروي عنه:(ق) (عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثَ: (إذا رأيتم الرجل قد أعطي زهدًا في الدنيا

) الحديث؛ أي: وهو هذا الحديث.

وقيل: عن أبي فروة الجزري عن أبي مريم عن أبي خلاد رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وهذا السند من خماسياته، وحكمه: الضعف؛ لأن فيه أبا فروة الرهاوي، وهو مجمع على أنه ضعيف، متروك عند الكل.

ص: 74

قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا رَأَيْتُمُ الرَّجُلَ قَدْ أُعْطِيَ زُهْدًا فِي الدُّنْيَا وَقِلَّةَ مَنْطِقٍ .. فَاقْتَرِبُوا مِنْهُ؛ فَإِنَّهُ يُلْقِي الْحِكْمَةَ".

===

(قال) أبو خلاد: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا رأيتم الرجل) من المسلمين (قد أعطي) - بالبناء للمفعول - أي: قد أعطاه الله عز وجل (زهدًا في الدنيا) أي: استصغارًا لها واحتقارًا لشأنها وأهلها (و) رأيتم له (قلة منطق) أي: قلة كلام لا فائدة فيه.

و(المنطق) على وزن (محمل)؛ أي: عدم كلام في غير طاعة الله إلا بقدر الحاجة، قال في "الكشاف": والمنطق: كل ما يُصوَّت به من مفرد ومركب مفيد أو غيره.

(فاقتربوا) أي: تقربوا (منه) وأصغوا إليه واستمعوا منه ما يقول (فإنه) أي: فإن ذلك الرجل (يُلقي الحكمةَ) - بالبناء للفاعل - أي: يظهرها في كلامه؛ من الإلقاء، أو بالبناء للمفعول؛ والمعنى حينئذ: أي: فإن الحكمة تلقى في قلبه.

قال البوصيري: لم يخرج ابن ماجه حديثًا لأبي خلاد سوى هذا الحديث، وليس له رواية في شيء من الأصول الخمسة.

فهذا الحديث انفرد به ابن ماجه، لكن رواه البخاري في "التاريخ"، والطبراني في "الكبير"، وابن عساكر وأبو بكر الكلاباذي في "مفتاح المعاني"، وابن منده في "معرفة الصحابة"، وأبو نعيم في "الحلية"، وابن أبي حاتم في "العلل".

فدرجته: أنه ضعيف (6)(416)؛ لضعف سنده، وغرضه: الاستئناس به للترجمة، والله أعلم.

ص: 75

(21)

- 4045 - (3) حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ أَبِي السَّفَر، حَدَّثَنَا شِهَابُ بْنُ عَبَّادٍ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَمْرٍو الْقُرَشِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيّ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ،

===

ثم استأنس المؤلف للترجمة ثالثًا بحديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله تعالى عنهما، فقال:

(21)

- 4045 - (3)(حدثنا أبو عبيدة) أحمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الله (بن أبي السفر) سعيد بن يحمد - بضم التحتانية وسكون المهملة وكسر الميم - الهمداني الكوفي، نسب إلى أحد أجداده، قال النسائي: ليس بالقوي، وذكره ابن حبان في "الثقات".

فهو مختلف فيه.

وقال الحافظ: صدوق يهم، من الحادية عشرة، مات سنة ثمان وخمسين ومئتين (258 هـ). يروي عنه:(ت س ق).

(حدثنا شهاب بن عباد) العبدي أبو عمر الكوفي، ثقة، من العاشرة، مات سنة أربع وعشرين ومئتين (224 هـ). يروي عنه:(خ م ت ق).

(حدثنا خالد بن عمرو) بن محمد بن عبد الله بن سعيد بن العاص (القرشي) الأموي أبو سعيد الكوفي، قال البخاري والساجي وأبو زرعة: منكر الحديث، وقال أبو حاتم: متروك الحديث ضعيف، وقال أبو داوود: ليس بشيء، وقال النسائي: ليس بثقة، ورماه ابن معين بالكذب، ونَسبَه صالحُ جَزْرَةَ وغيرُه إلى الوضع، من التاسعة. يروي عنه:(د ق).

(عن سفيان) بن سعيد (الثوري) ثقة إمام حجة، من السابعة، مات سنة إحدى وستين ومئة (161 هـ). يروي عنه:(ع).

(عن أبي حازم) الأعرج سلمة بن دينار التمار المدني القاص، ثقة عابد، من الخامسة، مات في خلافة المنصور. يروي عنه:(ع).

ص: 76

عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ قَالَ: أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ؛ دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ إِذَا أَنَا عَمِلْتُهُ أَحَبَّنِيَ اللهُ وَأَحَبَّنِيَ النَّاسُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "ازْهَدْ فِي الدُّنْيَا يُحِبَّكَ اللهُ،

===

(عن سهل بن سعد) بن مالك بن خالد الأنصاري الخزرجي (الساعدي) أبي العباس، له ولأبيه صحبة، رضي الله عنهما، مات سنة ثمان وثمانين (88 هـ)، وقيل بعدها. يروي عنه:(ع).

وهذا السند من سداسياته، وحكمه: الضعف؛ لأن فيه خالد بن عمرو القرشي، وهو كذاب وضَّاع متروك الحديث.

(قال) سهل: (أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل) من المسلمين ولم أر من ذكر اسمه (فقال) ذلك الرجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا رسول الله؛ دلني) أي: أرشدني (على عمل إذا أنا عملته) أي: عملت ذلك العمل .. (أحبني الله) عز وجل (وأحبني الناس) أيضًا.

(فقال) له (رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أردت بيان ذلك العمل الذي يوجب لك محبة الله سبحانه ومحبة الناس أجمعين .. أقل لك في بيانه لك: ذلك العمل: (ازهد في الدنيا) أي: أعرض عن طلبها والرغبة فيها؛ من الزهد؛ وهو لغةً: الإعراض عن الشيء احتقارًا له، وشرعًا: الاقتصار على قدر الضرورة مما يُتَيقَّنُ حِلُّه.

وقيل: ألا يطلب المفقود حتى يفقد الموجود في الدنيا؛ باستصغار جملتها واحتقار جميع شأنها؛ لتحذير الله تعالى منها، واحتقاره لها؛ فإنك إن فعلت ذلك .. (يحبك الله) عز وجل؛ لكونك أعرضت عما أعرض عنه ولم ينظر إليه منذ خلقه.

ومفهومه: أنك إذا أحببتها .. أبغضك؛ فمحبته مع عدم محبتها، ولأنه

ص: 77

وَازْهَدْ فِيمَا فِي أَيْدِي النَّاسِ يُحِبُّوكَ".

===

سبحانه وتعالى يحب من أطاعه، ومحبته مع محبة الدنيا لا يجتمعان؛ وذلك لأن القلب بيت الرب، فلا يحب أن يُشْرِكَ في بَيْتِه غَيْرَهُ.

ومحبتها الممنوعة هي إيثارها بنيل الشهوات، لا لفعل الخير، والتقرب بها؛ والمراد بمحبته: غايتها من إرادة الثواب، فهي صفة ذاتية، أو الإثابة، فهي صفة فعلية.

(وازهد فيما في أيدي الناس) أي: أعرض عما في أيدي الناس منها بترك طلبه منهم .. (يحبوك) أي: يحبك الناس؛ لأن قلوبهم مجبولة على حبها، مطبوعة عليها، ومن نازع إنسانًا في محبوبه .. كرهه وقلاه، ومن لم يعارضه فيه .. أحبه واصطفاه.

ولهذا قال الحسن البصري: (لا يزال الرجل كريمًا على الناس حتى يطمع في دنياهم، فيستخفون به، ويكرهون حديثه).

وقيل لبعض أهل البصرة: من سيدكم؟ قال: الحسن، قال: بم سادكم؟ قال: احتجنا لعلمه، واستغنى عن دنيانا، كذا في "فيض القدير على الجامع الصغير".

قال السندي: قوله: "وازهد فيما في أيدي الناس .. يحبوك" فإن الدنيا محبوبة عندهم، فمن يزاحمهم فيها .. يصير مبغوضًا عندهم بقدر ذلك، فمن تركهم ومحبوبهم .. يكون محبوبًا عندهم بقدر ذلك. انتهى منه.

وهذا الحديث انفرد به ابن ماجه، ودرجته: أنه ضعيف (7)(417)؛ لضعف سنده، وغرضه: الاستئناس به للترجمة.

* * *

ثم استدل المؤلف على الترجمة بحديث أبي هاشم رضي الله تعالى عنه، فقال:

ص: 78

(22)

- 4046 - (4) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاح، أَنْبَأَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ سَمُرَةَ بْنِ سَهْمٍ رَجُلٍ مِنْ قَوْمِهِ

===

(22)

- 4046 - (4)(حدثنا محمد بن الصباح) بن سفيان الجرجرائي - بجيمين مفتوحتين بينهما راء ساكنة ثم راء مفتوحة خفيفة - أبو جعفر التاجر، صدوق، من العاشرة، مات سنة أربعين ومئتين (240 هـ). يروي عنه:(د ق).

(أنبأنا جرير) بن عبد الحميد بن قرط - بضم القاف وسكون الراء بعدها طاء مهملة - الضبي الكوفي، نزيل الري وقاضيها، ثقة صحيح الكتاب، من الثامنة، مات سنة ثمان وثمانين ومئة (188 هـ). يروي عنه:(ع).

(عن منصور) بن المعتمر بن عبد الله السلمي أبي عَتَّاب - بمثناة فوقية مشددة ثم موحدة - الكوفي، ثقة ثبت وكان لا يدلس، من الخامسة، مات سنة اثنتين وثلاثين ومئة (132 هـ). يروي عنه:(ع).

(عن أبي وائل) شقيق بن سلمة الأسدي الكوفي، ثقة، من الثانية، مخضرم، مات في خلافة عمر بن عبد العزيز، وله مئة سنة. يروي عنه:(ع).

(عن سمرة بن سهم) القرشي الأسدي (رجل) بالجر بدل من (سمرة) بدل كل من كل (من قومه) أي: من قوم أبي وائل وعشيرته؛ يعني: هو قرشي أسدي؛ كأبي وائل. روى سمرة عن: أبي هاشم بن عتبة، وابن مسعود، ومعاوية بن أبي سفيان، ويروي عنه: أبو وائل شقيق بن سلمة، قال ابن المديني: مجهول لا أعلم هل روى غير أبي وائل عنه، وذكره ابن حبان في "الثقات". يروي عنه:(ت س ق). انتهى "تهذيب".

قال الحافظ في "التقريب": هو مجهول، من الثانية، ولكن هذا المجهول

ص: 79

قَالَ: نَزَلْتُ عَلَى أَبِي هَاشِمِ بْنِ عُتْبَةَ وَهُوَ طَعِينٌ، فَأَتَاهُ مُعَاوِيَةُ يَعُودُهُ فَبَكَى أَبُو هَاشِمٍ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: مَا يُبْكِيكَ؟ أَيْ خَالِ؛

===

لا يضر السند؛ لأن له متابعًا وشاهدًا، قال الترمذي: وقد روى هذا الحديث بلفظه: زائدة وعبيدة بن حميد عن منصور عن أبي وائل عن سمرة بن سهم، قال: دخل معاوية على أبي هاشم، فذكر نحوه، وفي الباب عن بريدة الأسلمي عن النبي صلى الله عليه وسلم.

(قال) سمرة بن سهم: (نزلت) ضيفًا (على أبي هاشم بن عتبة) بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف القرشي العبشمي، قيل: اسمه خالد، وقيل: شيبة، وقيل: هشيم، وقيل: هاشم، وقيل: مُهشِّم، أسلم يوم الفتح، فهو صحابي، وسكن الشام، وكان خال معاوية بن أبي سفيان، روى من حديثه أبو وائل شقيق بن سلمة عن سمرة بن سهم رجل من قومه عنه، وقيل: عن أبي وائل عن أبي هاشم ليس بينهما أحد، روى عنه أبو هريرة، وكان إذا ذكره .. قال: ذلك الرجل الصالح.

قلت: قال ابن عبد البر: توفي أبو هاشم في أيام عثمان رضي الله تعالى عنه. انتهى من "التهذيب".

(وهو) أي: والحال أن أبا هاشم (طعين) أي: مطعون بسهام العدو في الجهاد (فأتاه) أي: فأتى أبا هاشم (معاوية) بن أبي سفيان، حالة كون معاوية بن أبي سفيان (يعوده) أي: يزور أبا هاشم؛ لوجعه ومرضه الذي هو طعن العدو له، وكان أبو هاشم خالًا لمعاوية (فبكى أبو هاشم) أي: فلما رأى أبو هاشم معاوية .. بكى أبو هَاشِمٍ؛ لأنه خاله (فقال معاوية) له: (ما يُبْكِيك؟ ) من الإبكاء؛ أي: أي سبب يبكيك (أَيْ خال) أي: يا خالي؟

ص: 80

أَوَجَعٌ يُشْئِزُكَ، أَمْ عَلَى الدُّنْيَا فَقَدْ ذَهَبَ صَفْوُهَا؟ قَالَ: عَلَى كُلٍّ لَا، وَلكِنْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَهِدَ إِلَيَّ عَهْدًا وَدِدْتُ أَنِّي كُنْتُ تَبِعْتُهُ

===

فـ (أَيْ) حرف نداء؛ لنداء القريب، حذف منه ياء الإضافة؛ اجتزاءً عنها بالكسرة.

(أ) يبكيك (وجعُ) موضع الطعن به، و (يُشْئِزُك) أي: يُقْلِقُكَ ويجعلك تضطرب (أم) يبكيك الحزن (على) فراقِ (الدنيا) فإن كنت تبكي على فراق الدنيا .. (فـ) اصبر على فِراقها؛ فإنه (قد ذهب صفوها) ولذيذها، فما بقي منها إلا كدرُها؛ أي: مكدراتها بالفتن، فلا ينبغي لك التأسُّفُ على فراقها؛ لأنها تكدَّرَتْ على أهلها بموت رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال السندي: قوله: (يُشْئِزُكَ) من الإشئاز - بضم أوله وسكون ثانيه ثم همزة مكسورة وزاي - أي: أيُّ شيءٍ يُقلقلُك؛ من باب زلزل، ويُزْعِجك ويُؤلمك، فهو نظير يقلقُكَ وزنًا ومعنىً.

وسند هذا الحديث إن نظرنا سياق المؤلف .. فمن سداسياته؛ لأنه زاد فيه سمرة بن سهم، وحكمه: الحسن؛ لأن فيه سمرة بن سهم، وهو مختلف فيه؛ لأنه وثقه ابن حبان، وقال فيه الحافظ وابن المديني: مجهول.

وأما إن نظرنا إلى سياق غير المؤلف؛ وهو مَنْ جَعلَ رواية أبي وائل عن أبي هاشم .. فرجاله من خماسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله كلهم ثقات.

(قال) أبو هاشم لمعاوية في جواب سؤاله: (على كل) من هذين الأمرين (لا) أبكي؛ أي: لا يبكيني واحد من هذين الأمرين، بل يبكيني أمر آخر، فَبيَّنَهُ بقوله:(ولكن) يُبكيني عدمُ وفاء ما أوصى إليَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم؛ فإن (رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد) وأوصى (إلي عهدًا) أي: وصية (وددت) أي: أحببت بـ (أني كنت تبعته) ووافقته بوفاء ما عهد

ص: 81

قَالَ: "إِنَّكَ لَعَلَّكَ تُدْرِكُ أَمْوَالًا تُقْسَمُ بَيْنَ أَقْوَامٍ، وَإِنَّمَا يَكْفِيكَ مِنْ ذَلِكَ خَادِمٌ وَمَرْكَبٌ فِي سَبِيلِ اللهِ"، فَأَدْرَكْتُ فَجَمَعْتُ.

(23)

- 4047 - (5) حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَبِي الرَّبِيعِ،

===

إلي وأوصاه لي؛ فإنه (قال) لي في حال حياته: (إنك) يا أبا هاشم (لعلك تدرك) وتَملِكُ (أموالًا) كثيرة في حياتك (تُقْسَمُ) تلك الأموالُ (بين أقوام) من ورثتك (وإنما يَكْفِيك) ويغنيك (من ذلك) أي: عن تلك الأموال الكثيرة التي تقسم بين ورثتك (خادم) يخدمك (ومركب) تركبه في الجهاد (في سبيل الله) تعالى؛ أي: في طاعته (فـ) كنت أنا الآن (أدركت) وملكت تلك الأموال الكثيرة (فجمعت) ـها وادخرتها إلى هذا الوقت الذي أنا فيه الآن، ولم أنفق تلك الأموال في سبيل الله وطاعته، فندامتي على ترك ما أوصاني رسول الله صلى الله عليه وسلم .. أبكاني هذا البكاء الشديد، لا ما قلت لي يا بن أختي.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: الترمذي في كتاب الزهد، باب رقم (19)، والنسائي في كتاب الزينة، باب اتخاذ الخادم والمركب.

فدرجة هذا الحديث على سياق المؤلف: أنه صحيح بغيره، وإن كان سنده حسنًا؛ لأن له شاهدًا من حديث بريدة بن الحصيب الأسلمي، وأنه صحيح بنفسه؛ على رواية غير المؤلف؛ لأن رجاله كلهم ثقات، وغرضه: الاستدلال به على الترجمة.

* * *

ثم استشهد المؤلف لحديث أبي هاشم بحديث سلمان الفارسي رضي الله تعالى عنهما، فقال:

(23)

- 4047 - (5)(حدثنا الحسن بن أبي الربيع) يحيى بن الجعد

ص: 82

حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاق، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: اشْتَكَى سَلْمَانُ، فَعَادَهُ سَعْدٌ

===

العبدي أبو علي الجُرْجاني - بالضم فالسكون - نسبة إلى جرجان؛ مدينة بين طبرستان وخراسان، نزيل بغداد، صدوق، من الحادية عشرة، وذكره ابن حبان في "الثقات"، مات سنة ثلاث وستين ومئتين (263 هـ). يروي عنه:(ق).

(حدثنا عبد الرزاق) بن همام الصنعاني الحميري، ثقة، من التاسعة، مات سنة إحدى عشرة ومئتين (211 هـ). يروي عنه:(ع).

(حدثنا جعفر بن سليمان) الضُّبَعي - بضم الضاد المعجمة وفتح الموحدة - أبو سليمان البصري، صدوق زاهد، لكنه كان يتشيع، من الثامنة، مات سنة ثمان وسبعين ومئة (178 هـ). يروي عنه:(م عم). وثقه ابن معين وعلي بن المديني، وقال ابن حبان: كان يبغض أبا بكر وعمر، وباقي رجال الإسناد ثقات، لكن لم ينفرد به جعفر بن سليمان، فلا يضر في السند.

(عن ثابت) بن أسلم البناني - بضم الموحدة ونونين - أبي محمد البصري، ثقة عابد، من الرابعة، مات سنة بضع وعشرين ومئة (123 هـ). يروي عنه:(ع).

(عن أنس) بن مالك رضي الله تعالى عنه.

(قال) أنس: (اشتكى) ومرض (سلمان) الفارسي أبو عبد الله، ويقال له: سلمان الخير، سابق الفُرْس، أصله من أصبهان، أول مشاهده الخندق، مات سنة أربع وثلاثين (34 هـ) رضي الله تعالى عنه، بلغ عمره ثلاث مئة سنة (300). يروي عنه:(ع).

(فعاده) أي: عاد سَلْمَان وزاره لمرضه (سعد) بن أبي وقاص مالك بن وهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب الزهري أبو إسحاق أحد العشرة المبشرة،

ص: 83

فَرَآهُ يَبْكِي، فَقَالَ لَهُ سَعْدٌ: مَا يُبْكِيكَ يَا أَخِي؟ أَلَيْسَ قَدْ صَحِبْتَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ ! أَلَيْسَ أَلَيْسَ؟ ! قَالَ سَلْمَانُ: مَا أَبْكِي وَاحِدَةً مِنِ اثْنَتَيْن، مَا أَبْكِي ضِنًّا لِلدُّنْيَا وَلَا كَرَاهِيَةً لِلْآخِرَة، وَلكِنْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَهِدَ إِلَيَّ عَهْدًا فَمَا أُرَانِي إِلَّا قَدْ تَعَدَّيْتُ،

===

مات بالعقيق سنة خمس وخمسين (55 هـ) على المشهور، وهو آخر العشرة وفاةً رضي الله تعالى عنه.

(فرآه) أي: فرأى سعد سلمان، حالة كون سلمان (يبكي، فقال له سعد: ما يبكيك يا أخي) في الدين؟ من الإبكاء؛ أي: أي شيء تسبب في بكائك؟ فكيف تبكي (أليس) الشأن (قد صحبت) ولازمت (رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ! أليس) قد جاهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم (أليس) قد سابقت فارس إلى الإسلام، أليست هذه الخصال التي قدمتها لآخرتك تكفيك أجرًا عند الله تعالى، فكيف تبكي خوفًا من الموت؟ !

وهذا السند من خماسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات.

فـ (قال سلمان) في جواب استفهام سعد: (ما أبكي) أنا (واحدة) أي: ضنًّا وبخلًا بواحدة (من اثنتين) أي: بخصلة واحدة من الخصلتين اللتين ذكرتهما بقولي: (ما أبكي ضنًا للدنيا ولا كراهية للآخرة).

والضِّنُّ - بكسر الضاد المعجمة وتشديد النون -: البخلُ بالشيء؛ أي: ما أبكى بخلًا لِذَهابِ الدنيا، ولا خوفًا من فراقها، ولا كراهية للانتقال إلى الآخرة (ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد) وأوصى (إلي عهدًا) أي: وصيةً (فما أراني) - بضم الهمزة - أي: فيما أظن نفسي (إلا قد تعديت) وفرطت في تنفيذ تلك الوصية ولمخافة تفريطي في تنفيذ تلك الوصية أبكي.

ص: 84

قَالَ: وَمَا عَهِدَ إِلَيْكَ؟ قَالَ: عَهِدَ إِلَيَّ أَنَّهُ يَكْفِي أَحَدَكُمْ مِثْلُ زَادِ الرَّاكِب، فَمَا أُرَانِي إِلَّا قَدْ تَعَدَّيْتُ، وَأَمَّا أَنْتَ يَا سَعْدُ .. فَاتَّقِ اللهَ عِنْدَ حُكْمِكَ إِذَا حَكَمْتَ، وَعِنْدَ قَسْمِكَ إِذَا قَسَمْتَ، وَعِنْدَ هَمِّكَ إِذَا هَمَمْتَ،

===

(قال) سعد: (وما عهد إليك) رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ (قال) سلمان: (عهد إلي) رسول الله صلى الله عليه وسلم (أنه) أي: أن الشأن والحال (يكفي أحدكم) أيها المؤمنون (مثل زاد الراكب) المسافر؛ من خادم ومركب، كما مر في حديث أبي هاشم (فما أراني إلا قد تعديت، وأما أنت يا سعد .. فاتق الله) واحذر من الجور (عند حكمك) بين الخصوم (إذا حكمت) بينهم (و) اتق الله (عند قسمك إذا قسمت) المال المشترك بين الناس (و) اتق الله (عند همك) وقصدك (إذا هممت) وقصدت فعل أمر من أمور الدين.

قوله: (ما أبكي ضنًا) - بكسر الضاد المعجمة ثم النون المشددة - أي: ما أبكي بخلًا لذهابه، وخوفًا من فراقها.

قوله: (مثل زاد الراكب) يعني: شيئًا قليلًا على قدر الحاجة؛ لأن المسافر لا يتزود لسفره إلا بقدر الحاجة.

وفيه إشارة إلى أن الإنسان في الدنيا كالمسافر؛ لسرعة زوالها، وعدم بقائها، وإنما يتزود منها لدار البقاء بالتقوى والعمل الصالح، قال تعالى:{وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} (1).

قوله: (ولا أراني) - بضم الهمزة - لأنها ظنية لا يقينية؛ أي: ما أظنني (إلا قد تعديت) أي: تجاوزت العهد، ولم أوف به.

(1) سورة البقرة: (197).

ص: 85

قَالَ ثَابِتٌ: فَبَلَغَنِي أَنَّهُ مَا تَرَكَ إِلَّا بِضْعَةً وَعِشْرِينَ دِرْهَمًا مِنْ نَفَقَةٍ كَانَتْ عِنْدَهُ.

===

يستفاد من هذا أن سلمان رضي الله تعالى عنه كان شديد الورع والزهد في الدنيا، ومع هذا فهو يبكي خوفًا من أن يكون ترك شيئًا عما عهد إليه النبي صلى الله عليه وسلم، فما بالك بمن كنز الآلاف، ولم يخطر بباله الموت، ولم يؤد زكاتها؟ ! نسأل الله السلامة والتوفيق.

قوله: (فاتق الله) أي: راقبه، واعلم أنه مطلع عليك خلوةً وجلوةً.

قوله: (عند حكمك إذا حكمت) أي: إذا كنت حاكمًا على الناس، أو قاضيًا بين اثنين في خصومة .. فاتق الله حتى لا تجور في حكمك.

(وعند قسمك إذا قسمت) والقسم - بفتح القاف وسكون السين -: هو القسمة وتمييز الأنصباء؛ يعني: إذا وكل إليك قسمة شيء .. فاتق الله عند ذلك؛ لتتحرى العدل في قسمتك.

(وعند همك إذا هممت) يعني: إذا هممت بفعل شيء وتوجهت إليه إرادتك .. فاتق الله عند ذلك، فإن كان في رضى الله .. فامض فيه.

(قال ثابت) بن أسلم بالسند السابق: (فبلغني) عن بعض من صاحب سلمان (أنه) أي: أن سلمان (ما ترك) من أمواله الكثيرة لأهله (إلا بضعة وعشرين درهمًا) تركها (من نفقة) أي: لأجل نفقة (كانت) ناجزة حالة مستقرة (عنده) قبل وفاته؛ والبضعة: الزيادة بين العقدين من ثلاثة إلى تسعة، والله أعلم.

وهذا الحديث مما انفرد به ابن ماجه، ودرجته: أنه صحيح؛ لصحة سنده، وغرضه: الاستشهاد به لحديث أبي هاشم.

ص: 86

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب: خمسة أحاديث:

الثلاثة الأولى منها للاستئناس، والرابع للاستدلال، والخامس للاستشهاد.

والله سبحانه وتعالى أعلم

ص: 87