الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(17) - (1490) - بَابُ التَّوَكُّلِ وَالْيَقِينِ
(83)
- 4107 - (1) حَدَّثَنَا حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنِ ابْنِ هُبَيْرَةَ، عَنْ أَبِي تَمِيمٍ الْجَيْشَانِيِّ
===
(17)
- (1490) - (باب التوكل واليقين)
(83)
- 4107 - (1)(حدثنا حرملة بن يحيى) بن حرملة بن عمران أبو حفص التجيبي المصري، صاحب الشافعي، صدوق، من الحادية عشرة، مات سنة ثلاث أو أربع وأربعين ومئتين (244 هـ). يروي عنه:(م س ق).
(حدثنا عبد الله بن وهب) بن مسلم القرشي مولاهم، أبو محمد المصري، ثقة حافظ عابد، من التاسعة، مات سنة سبع وتسعين ومئة (197 هـ). يروي عنه:(ع).
(أخبرني) عبد الله (بن لهيعة) ابن عقبة الحضرمي أبو عبد الرحمن المصري القاضي، ثقة؛ لأنه روى عنه أحد العبادلة، من السابعة، خلط بعد احتراق كتبه، مات سنة أربع وسبعين ومئة (174 هـ). يروي عنه:(م د ت ق).
(عن) عبد الله (بن هبيرة) بن أسعد بن كهلان السبائي الحضرمي أبي هبيرة المصري، ثقة، من الثالثة، مات سنة ست وعشرين ومئة (126 هـ). يروي عنه:(م عم).
(عن) عبد الله بن مالك بن أبي الأسحم - بمهملتين - (أبي تميم الجيشاني) - بجيم وياء ساكنة بعدها معجمة - مشهور بكنيته المصري، ثقة مخضرم، من الثانية، مات سنة سبع وسبعين (77 هـ). يروي عنه:(خ م ت س ق).
قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "لَوْ أَنَّكُمْ تَوَكَّلْتُمْ عَلَى اللهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ .. لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ؛ تَغْدُو خِمَاصًا وَتَرُوحُ بِطَانًا".
===
(قال: سمعت عمر) بن الخطاب رضي الله تعالى عنه (يقول).
وهذا السند من سداسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات؛ لأن عبد الله بن لهيعة هنا ثقة؛ لأنه روى عنه أحد العبادلة.
أي: قال عمر: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لو أنكم) أيها المؤمنون كنتم (توكلتم) أي: اعتمدتم (على الله حق توكله) أي: حق التوكل عليه وكامله؛ بأن تعلموا يقينًا أن لا فاعل إلا الله وأن لا معطي ولا مانع إلا هو، ثم تسعوا في الطلب بوجه جميل وتوكلٍ .. (لرزقكم) الله تعالى؛ أي: لأعطاكم الرزق بسهولة لا كلفة فيها ولا تعب (كما يرزق الطير) أي: رزقًا كرزق الطير بسهولة.
قال السندي: قوله: (حق توكله) بألا يخطر ببالكم مداخلة لغيره تعالى في الرزق أصلًا (لرزقكم) كل يوم رزقًا جديدًا من غير أن تحتاجوا إلى حفظ المال، ولا يلزم منه ترك السعي في تحصيل ذلك الرزق بالخروج والحركة؛ فإن السعي معتاد في الطير. انتهى.
حالة كون الطير (تغدو) أي: تذهب أول النهار وتخرج صباحًا حالة كونها (خماصًا) - بكسر الخاء المعجمة - جمع خميص؛ أي: جياعًا (وتروح) أي: ترجع آخر النهار أوكارها، حالة كونها (بطانًا) - بكسر الباء الموحدة - جمع بطين؛ وهو عظيم البطن؛ والمراد: شباعًا ممتلئة البطون.
قال الهناوي: تغدو بكرةً وهي جياع، وتروح عشاءً وهي ممتلئة الأجواف، فالكسب ليس برازق، بل الرازق هو الله تعالى، فأشار بذلك إلى أن التوكل ليس
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
التبطل والتعطل، بل لا بد فيه من التوصل بنوع من السبب؛ لأن الطير ترزق بالسعي والطلب، ولهذا قال أحمد: ليس في الحديث ما يدل على ترك الكسب، بل فيه ما يدل على طلب الرزق، وإنما أراد: لو توكلوا على الله في ذهابهم ومجيئهم وتصرفهم، وعلموا أن الخير بيده .. لم ينصرفوا إلا غانمين سالمين؛ كالطير، لكن اعتمدوا على قوتهم وكسبهم، وذلك لا ينافي التوكل. انتهى.
وقال الشيخ أبو حامد: وقد يظن أن معنى التوكل: ترك الكسب بالبدن وترك التدبير بالقلب، والسقوط على الأرض؛ كالخِرْقَةِ المُلْقاة، أو كلحم على وضم، وهذا ظن الجهال؛ فإن ذلك حرام في الشرع، والشرع قد أثنى على المتوكلين، فكيف ينال مقامٌ من مقامات الدين بمحظور من محظورات الدين؟ ! بل نَكْشِفُ عن الحق فيه، فنقول: إنما يظهر تأثير التوكل في حركة العبد وسعيه بعمله إلى مقاصده.
وقال الإمام أبو القاسم القشيري: اعلم: أن التوكل محله القلب، وأما الحركة بالظاهر .. فلا تنافي التوكل بالقلب بعدما يُحقِّقُ العبد أن الرزق من قبل الله تعالى، فإن تعسر شيء .. فبتقديره تعالى، وإن تيسر شيء .. فبتيسيره. انتهى من "تحفة الأحوذي".
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: الترمذي في كتاب الزهد، باب التوكل على الله، وقال: هذا حديث حسن صحيح، وأخرجه أحمد في "المسند"، والحاكم في "المستدرك"، وقال: هذا حديث حسن صحيح ولم يخرجاه. ودرجته: أنه صحيح؛ لصحة سنده وللمشاركة فيه، وغرضه: الاستدلال به على الترجمة.
(84)
- 4108 - (2) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَش، عَنْ سَلَّامِ بْنِ شُرَحْبِيلَ أَبِي شُرَحْبِيلَ، عَنْ حَبَّةَ وَسَوَاءٍ ابْنَيْ خَالِدٍ
===
ثم استشهد المؤلف لحديد عمر بحديث ابني خالد رضي الله تعالى عنهم، فقال:
(84)
- 4108 - (2)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي، ثقة، من العاشرة، مات سنة خمس وثلاثين ومئتين (235 هـ). يروي عنه:(خ م د س ق).
(حدثنا أبو معاوية) محمد بن خازم الضرير التميمي الكوفي، ثقة، من التاسعة، مات سنة خمس وتسعين ومئة (195 هـ). يروي عنه (ع).
(عن الأعمش) القارئ، ثقة، من الخامسة، مات سنة سبع أو ثمان وأربعين ومئة. يروي عنه:(ع).
(عن سلام) بتشديد اللام (ابن شرحبيل أبي شرحبيل) مقبول، من الرابعة. يروي عنه:(ق).
(عن حبة) بفتح المهملة ثم بموحدة ثقيلة (وسواء) بفتح السين والمد في آخره (ابني خالد) هما أخوان صحابيان، ابنا خالد الأسدي رضي الله تعالى عنهما، ويقال: العامري، وقيل: الخزاعي، نزلا الكوفة لهما حديث واحد، وهو هذا الحديث. يروي عنهما:(ق).
قال البوصيري: ليس لحبة وسواء ابني خالد عند ابن ماجه سوى هذا الحديث، وليس لهما رواية في شيء من الكتب الخمسة، وإسناد حديثهما صحيح، رجاله ثقات، رواه أبو بكر بن أبي شيبة في "مسنده" بهذا الإسناد.
وهذا السند من خماسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات.
قَالَا: دَخَلْنَا عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يُعَالِجُ شَيْئًا فَأَعَنَّاهُ عَلَيْه، فَقَالَ:"لَا تَيْئَسَا مِنَ الرِّزْقِ مَا تَهَزَّزَتْ رُؤُوسُكُمَا؛ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ تَلِدُهُ أُمُّهُ أَحْمَرَ لَيْسَ عَلَيْهِ قِشْرٌ، ثُمَّ يَرْزُقُهُ اللهُ عز وجل".
===
(قالا: دخلنا على النبي صلى الله عليه وسلم وهو) أي: والحال أنه صلى الله عليه وسلم (يعالج) أي: يصلح (شيئًا) لعله من البناء (فأعناه) صلى الله عليه وسلم من الإعانة مصدر و (أعان) المسند إلى ضمير جماعة المتكلمين (عليه)، أي: على إصلاح ذلك الشيء (فقال) لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تيئسا) ولا تقنطا؛ من اليأس؛ وهو القنوط (من) طلب (الرزق ما تهززت) وتحركت (رؤوسكما) وهو كناية عن الحياة؛ أي: ما حييتما (فإن الإنسان تلده أمه) حالة كونه (أحمر ليس عليه قشر) أي: جلد قوي؛ أي: ليس معه رزق (ثم يرزقه الله عز وجل بحسب ما قدره له أزلًا من التوسعة والتضييق عليه.
قوله: (أحمر) أي: كاللحم الذي لا قشر عليه؛ لضعف جلده، ثم يقوي الله تعالى قشره؛ أي: جلده.
ويحتمل أن المراد بالقشر: الثوب؛ أي: يخرج عريانًا بلا ثوب، ثم يعطيه الله الثوب. انتهى "س".
وهذا الحديث انفرد به ابن ماجه، ولكن رواه البخاري في "الأدب المفرد"، وابن حبان في "صحيحه"، وأحمد في "المسند"، والطبراني في "الكبير".
ودرجته: أنه صحيح؛ لصحة سنده، وغرضه: الاستشهاد به لحديث عمر بن الخطاب.
(85)
- 4109 - (3) حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصورٍ، أَنْبَأَنَا أَبُو شُعَيْبٍ صَالِحُ بْنُ رُزَيْقٍ الْعَطَّارُ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمنِ الْجُمَحِيُّ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُلَيِّ بْنِ رَبَاحٍ،
===
ثم استأنس المؤلف للترجمة بحديث عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه، فقال:
(85)
- 4109 - (3)(حدثنا إسحاق بن منصور) بن بهرام الكوسج أبو يعقوب التميمي المروزي، ثقة ثبت، من الحادية عشرة، مات سنة إحدى وخمسين ومئتين (251 هـ). يروي عنه:(خ م ت س ق).
(أنبأنا أبو شعيب صالح بن رزيق) بتقديم الراء على الزاي (العطار) مجهول، من العاشرة. يروي عنه:(ق). روى عن سعيد بن عبد الرحمن الجمحي، ويروي عنه: إسحاق بن منصور الكوسج. روى له ابن ماجه حديثًا واحدًا وهو هذا الحديث قال الحافظ: لا أعرف له حديثًا غيره. انتهى من "التهذيب".
(حدثنا سعيد بن عبد الرحمن) بن عبد الله من ولدِ عامر بن حِذْيَمٍ - بكسر الحاء وسكون الذال وفتح الياء - ابن سلامان (الجمحي) أبو عبد الله المدني قاضي بغداد، صدوق له أوهام، من الثامنة، وأفرط ابن حبان في تضعيفه، ووثقه ابن نمير وموسى بن هارون والعجلي والحاكم أبو عبد الله، مات سنة ست وسبعين ومئة (176 هـ) فهو مختلف فيه. يروي عنه:(م د س ق). انتهى منه.
(عن موسى بن عُلَيٍّ) مصغرًا (ابن رباح) - بموحدة - اللخمي أبي عبد الرحمن المصري، صدوق ربما أخطأ، من السابعة، مات سنة ثلاث وستين ومئة (163 هـ). يروي عنه:(م عم).
عَنْ أَبِيه، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ مِنْ قَلْبِ ابْنِ آدَمَ بِكُلِّ وَادٍ شُعْبَة؛ فَمَنْ أتْبَعَ قَلْبَهُ الشُّعَبَ كُلَّهَا
===
(عن أبيه) علي بن رباح بن قصير - ضد الطويل - اللخمي أبي عبد الله المصري، ثقة، والمشهور: عُلَيّ - بالتصغير - وكان يغضب منها، من كبار الثالثة، مات سنة بضع عشرة ومئة (113 هـ). يروي عنه:(م عم).
(عن عمرو بن العاص) بن وائل السهمي الصحابي المشهور رضي الله تعالى عنهما، أسلم عام الحديبية، وولي إمارة مصر مرتين، مات بمصر سنة نيف وأربعين (43 هـ)، وقيل: بعد الخمسين. يروي عنه: (ع).
وهذا السند من سداسياته، وحكمه: الضعف؛ لأن فيه أبا شعيب صالح بن رزيق، وهو مجهول.
(قال) عمرو بن العاص: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن من قلب) أي: إن لقلب (ابن آدم بكل واد) من أودية الهموم (شعبة) أي: في كل واد من أودية الهموم والغموم شُعْبةً وقطعةً من أجزاء القلب؛ أي: إن لقلبه قطعةً في أودية الهموم وأنواعها؛ والمعنى: بعض توجه من القلب في جميع أنواع الهموم؛ لأن القلب واحد، وأودية الهموم متعددة، وما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه.
وفي "النهاية": الشعبة: الطائفة من كل شيء والقطعة منه؛ والمراد بقطعة القلب: توجهه إلى كل نوع من أنواع الهموم وقصده وعلقته به.
قال الطيبي: ولا بد فيه من تقدير؛ أي: في كل واد له شعبة وعلقة وقصد؛ والمعنى: إن لقلب ابن آدم لشعبةً وعلقةً وقصدًا بكل وادٍ من أودية الهموم.
(فمن أتبع قَلْبَه الشُّعَبَ كلَّها) من الإتباع؛ أي: من جعل قلبه تابعًا لشعب الهموم كلها وأوديتها؛ أي: جعله قاصدًا لها.
لَمْ يُبَالِ اللهُ بِأَيِّ وَادٍ أَهْلَكَهُ، وَمَنْ تَوَكَّلَ عَلَى اللهِ .. كَفَاهُ التَّشَعُّبَ".
(86)
- 4110 - (4) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ طَرِيفٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ،
===
قال السندي: قوله: (بكل واد) أي: في كل أمرٍ يُرْغَب فيه ويُقصد إليه؛ من مال أو جاه أو علم أو غيرها (شعبة) - بضم شين فسكون العين - أي: قطعةً وعلقة أي: إن للقلب تعلقًا بكل أمر مرغوب فيه، وميلًا إليه. انتهى منه.
(لم يبال الله بأي واد أهلكه، ومن توكل على الله) واعتمد عليه في قضائها .. (كفاه) الله ذلك (التشعب) والتفرق؛ أي: كفاه الله مؤن قضاء حاجاته المتشعبة المختلفة المتفرقة في كل واد من أودية الهموم، وفي معناه: ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: "من جعل الهموم همًا واحدًا؛ هم الدين .. كفاه هم الدنيا والآخرة " كذا في "المرقاة"(9/ 171).
قال السندي: (شعبة) قطعة؛ أي: إن للقلب تعلقًا بكل أمر مرغوب فيه وميلًا إليه (التشعب) التفرق. انتهى.
وهذا الحديث انفرد به ابن ماجه، فدرجته: أنه ضعيف؛ لضعف سنده؛ لما مر آنفًا، وغرضه: الاستئناس به للترجمة، فهو: ضعيف متنًا وسندًا (14)(424).
ثم استشهد المؤلف ثانيًا لحديث عمر بحديث جابر رضي الله تعالى عنهما، فقال:
(86)
- 4110 - (4)(حدثنا محمد بن طريف) بن خليفة البجلي أبو جعفر الكوفي، من صغار العاشرة، صدوق، مات سنة اثنتين وأربعين ومئتين (242 هـ)، وقيل قبل ذلك. يروي عنه:(م د ت ق).
(حدثنا أبو معاوية) محمد بن خازم الضرير التميمي الكوفي، ثقة، من
عَنِ الْأَعْمَش، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "لَا يَمُوتَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ إِلَّا وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ بِاللهِ".
===
التاسعة، مات سنة خمس وتسعين ومئة (195 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن) سليمان بن مهران (الأعمش) الكاهلي، ثقة، من الخامسة، مات سنة سبع أو ثمان وأربعين ومئة. يروي عنه:(ع).
(عن أبي سفيان) طلحة بن نافع الواسطي الإسكاف نزيل مكة، صدوق، من الرابعة. يروي عنه:(ع).
(عن جابر) بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما.
وهذا السند من خماسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات.
(قال) جابر: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم) قبل وفاته بثلاث ليال؛ كما هو مصرح به في "مسلم"(يقول: لا يموتن أحد منكم إلا وهو يحسن) من الإحسان (الظن بالله) تعالى، قال العلماء: هذا تحذير من القنوط، وحث على الرجاء عند الخاتمة، وفي الحديث الآخر:(أنا عند ظن عبدي بي).
قال العلماء: معنى: (حسن الظن بالله تعالى): أن يظن أنه يرحمه ويعفو عنه، قالوا: وفي حالة الصحة يكون خائفًا راجيًا، ويكونان سواء.
وقيل: يكون الخوف أرجح، فإذا دنت أمارات الموت .. غلَّب الرجاءَ أو مَحَّضَه؛ لأن مقصود الخوف: الانكفاف عن المعاصي والقبائح، والحرص على الإكثار من الطاعات والأعمال الصالحة، وقد تعذر ذلك أو معظمه في هذا الحال، فاستحب إحسان الظن المتضمن للافتقار إلى الله تعالى والإذعان له.
ويؤيده: حديث: "يبعث كل أحد على ما مات عليه"، قال العلماء: معناه: يبعث على الحال التي مات عليها، ومثله: حديث: "ثم بُعثوا على نياتهم". انتهى "نووي".
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
وقال القاري في "المرقاة"(8/ 14): قوله: "لا يموتن أحدكم .. " إلى آخره، أي: لا يموتن أحدكم في حال من الأحوال إلا في هذه الحالة؛ وهي حسن الظن بالله تعالى بأن يغفر له، فالنهي وإن كان في الظاهر عن الموت، وليس إليه ذلك حتى ينتهي، لكن في الحقيقة عن حالة ينقطع عندها الرجاء لسوء العمل؛ كيلا يصادفه الموت عليها.
وفي الحديث حث على الأعمال الصالحة المقتضية لحسن الظن بالله من ناحية الرجاء، وتأميل العفو من الله عز وجل. انتهى.
قوله: "لا يموتن أحد منكم إلا وهو
…
" إلى آخره .. معناه: دوموا على حسن الظن بالله واثبتوا عليه حتى يجيئكم الموت وأنتم عليه، قيل: الأمر بحسن الظن يستلزم الأمر بحسن العمل؛ إذ لا يحسن الظن إلا عند حسن العمل.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: مسلم في كتاب الجنة ونعيمها، باب الأمر بحسن الظن بالله تعالى عند الموت، وأخرجه أبو داوود في كتاب الجنائز، باب ما يستحب من حسن الظن بالله تعالى عند الموت، وابن حبان في "صحيحه"، والبغوي في "شرح السنة"، والبيهقي في "الكبرى"، وأحمد في "المسند".
ودرجته: أنه صحيح؛ لصحة سنده وللمشاركة فيه، وغرضه: الاستشهاد به لحديث عمر بن الخطاب.
ثم استشهد المؤلف ثالثًا لحديث عمر بحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنهما، فقال:
(87)
- 4111 - (5) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاح، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ عَجْلَانَ، عَنِ الْأَعْرَج، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ
===
(87)
- 4111 - (5)(حدثنا محمد بن الصباح) بن سفيان الجرجرائي أبو جعفر التاجر، صدوق، من العاشرة، مات سنة أربعين ومئتين (240 هـ). يروي عنه:(د ق).
(أخبرنا سفيان بن عيينة) الكوفي ثم المكي، ثقة، من الثامنة، مات سنة ثمان وتسعين ومئة (198 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن) محمد (بن عجلان) المدني، صدوق إلا أنه اختلطت عليه أحاديث أبي هريرة، من الخامسة، مات سنة ثمان وأربعين ومئة (148 هـ). يروي عنه:(م عم).
(عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز الهاشمي مولاهم المدني، ثقة، من الثالثة، مات سنة سبع عشرة ومئة (117 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن أبي هريرة) رضي الله تعالى عنه.
وهذا السند من خماسياته، وحكمه: الحسن؛ لأن فيه محمد بن عجلان، وهو مختلط في أحاديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه.
حالة كون أبي هريرة (يبلغ به) أي: يرفع هذا الحديث إلى (النبي صلى الله عليه وسلم قال): أي: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (المؤمن القوي) أي: على أعمال البر ومشاق الطاعة، والصبور على تحمل ما يصيبه من البلاء، والمتيقظ في الأمور، المهتدي إلى التدبير والمصلحة بالنظر إلى الأسباب، واستعمال الفكر في العاقبة.
(خير) أي: أكثر أجرًا (وأحب) أي: أشد محبوبية (إلى الله) تعالى؛
مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيف، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ، احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ وَلَا تَعْجِزْ؛ فَإِنْ غَلَبَكَ أَمْر .. فَقُلْ: قَدَّرَ اللهُ وَمَا شَاءَ فَعَلَ،
===
أي: عند الله سبحانه وتعالى (من المؤمن الضعيف) أي: المتصف بالضعف فيما ذكر.
قال النووي: والمراد بالقوة هنا: عزيمة النفس والقريحة في أمور الآخرة، فيكون صاحب هذا الوصف أكثر إقدامًا على العدو في الجهاد، وأسرع خروجًا إليه، وذهابًا في طلبه، وأشد عزيمةً في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والصبر على الأذى في كل ذلك، واحتمال المشاق في ذات الله تعالى، وأرغب في الصلاة والصوم والأذكار وسائر العبادات، وأنشط طلبًا لها، ومحافظة عليها، ونحو ذلك.
(وفي كل) من القوي والضعيف (خير) لاشتراكهما في الإيمان، مع ما يأتي به الضعيف من العبادات (احرص) أيها المؤمن - بكسر الراء وفتحها - من بابي ضرب وعلم؛ أي: كن شديد الحرص والإقبال (على) تحصيل (ما ينفعك) في الدنيا والآخرة؛ أي: احرص على طاعة الله تعالى والرغبة فيما عنده (واستعن بالله) أي: واطلب الإعانة من الله تعالى على تحصيل ما ينفعك (ولا تعجز) - بكسر الجيم وفتحها - من بابي ضرب وعلم أيضًا؛ أي: لا تكسل عن طلب الطاعة ولا عن طلب الإعانة عليها.
(فإن غلبك) وأصابك ووقع بك ونزل (أمر) أي: شيء مما لا يوافقك ويشق تحمله عليك .. (فقل): هذا الأمر (قدر الله) أي: ما قدره الله عَليَّ في سابق علمه وقضائه (وما شاء) الله سبحانه من أوامره (فعل) أي: أَوْجَد خيرًا كان أو شرًّا، لا يُسأل عما يفعلُ وهم يسألون، وفي رواية:(ولا تقل: لو أني فعلتُ كذا وكذا) من الأسباب التي تعارضه
…
(لما أصابني) هذا الأمر،
وَإيَّاكَ وَاللَّوْ؛ فَإِنَّ اللَّوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ".
===
(ولكن قل): هذا الأمر (قدر الله) سبحانه وتعالى؛ أي: هذا الشيء ما قدره علي في سابق علمه وكتبه علي، فلا بد من وقوعه، ولا ترده الأسباب والحيل (وما شاء فعل، وإياك واللَّوَّ؛ فإِنَّ اللوَّ تَفْتَحُ عملَ الشيطان).
(وما شاء الله) سبحانه وتعالى، وحكم في سابق علمه .. (فعل) في مخلوقاته لا معقب لحكمه ولا راد لقضائه (وإياك واللو) أي: باعد نفسك عن قول: اللو؛ أي: عن قولك: لو أني فعلت كذا وكذا؛ وقاية عن ذلك الأمر .. ما أصابني كذا وكذا؛ من ذلك الأمر المكروه (فإن اللو) أي: فإن قولك: لو فعلت كذا ما أصابني كذا .. ، (تفتح عمل الشيطان) وَوَسْوَستَه.
و(لو) هنا كلمة: مفيدة لِلتمنِّي، وعمل المشيطان: هو اعتقاد أن الأمر منوط بتدبير العبد، وأن تدبيره هو المؤثر.
قال القاضي عياض: فالذي عندي في معنى هذا الحديث: أن النهي على ظاهره وعمومه، لكنه نَهْي تَنزيه لا تحريم، ويدل عليه قولُه صلى الله عليه وسلم:(فإِنَّ لو تفتح عملَ الشيطان) أي: يُلْقِي في القَلْبِ معارضة القَدَرِ ويُوَسْوِسُ به.
قال النووي: والظاهر أن النهي إنما هو عن إطلاق ذلك فيما لا فائدة فيه؛ فيكون نهي تنزيه لا تحريم، فأما ما قاله تأسفًا على ما فاته من طاعة الله تعالى أو ما هو متعذر عليه منها، ونحو ذلك .. فلا بأس به، وعليه يحمل أكثر الاستعمال الموجود في الأحاديث؛ كحديث:"لو استقبلت من أمري ما استدبرت .. ما سقت الهدي".
وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته: الإمام مسلم في كتاب الإيمان، باب القدر، وسبق للمؤلف تخريجه هناك - أي: في كتاب الإيمان، باب القدر،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
أول الكتاب - بسند صحيح غير هذا السند الذي ذكره هنا، ولهذا الحديث أسانيد صحيحة من طرق كثيرة.
فدرجة هذا الحديث: أنه صحيح؛ لأن له أسانيد صحيحة من طرق كثيرة، وغرضه: الاستشهاد به لحديث عمر، فهذا الحديث: متنه صحيح؛ لأن له متابعات كثيرة؛ كما ذكرها أول الكتاب، وإن كان سنده هنا حسنًا.
* * *
وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب: خمسة أحاديث:
الأول منها للاستدلال به على الترجمة، والثالث للاستئناس، والبواقي للاستشهاد.
والله سبحانه وتعالى أعلم