الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(21) - (1494) - بَابُ الْحِلْمِ
(105)
- 4129 - (1) حَدَّثَنَا حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي مَرْحُومٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِيهِ
===
(21)
- (1494) - (باب الحلم)
(105)
- 4129 - (1)(حدثنا حرملة بن يحيى) بن حرملة بن عمران أبو حفص التجيبي المصري صاحب الشافعي، صدوق، من الحادية عشرة، مات سنة ثلاث أو أربع وأربعين ومئتين. يروي عنه:(م س ق).
(حدثنا عبد الله بن وهب) بن مسلم القرشي مولاهم المصري، ثقة، من التاسعة، مات سنة سبع وتسعين ومئة (197 هـ). يروي عنه:(ع).
(حدثني سعيد بن أبي أيوب) الخزاعي مولاهم المصري أبو يحيى بن مقلاص، ثقة حافظ ثبت، من السابعة، مات سنة إحدى وستين ومئة، وقيل غير ذلك. يروي عنه:(ع).
(عن أبي مرحوم) عبد الرحيم بن ميمون المدني نزيل مصر، صدوق زاهد، من السادسة، مات سنة ثلاث وأربعين ومئة (143 هـ)، وقيل: اسمه يحيى. يروي عنه: (عم).
(عن سهل بن معاذ بن أنس) الجهني نزيل مصر، لا بأس به إلا في رواياتِ زَبَّانِ بن فائدٍ عنه، من الرابعة. يروي عنه:(دت ق).
(عن أبيه) معاذ بن أنس الجهني الأنصاري الصحابي رضي الله تعالى عنه، نزل مصر وبقي إلى خلافة عبد الملك. يروي عنه:(دت ق).
وهذا السند من سداسياته، وحكمه: الحسن، لأن فيه سهل بن معاذ، وهو
أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ كَظَمَ غَيْظًا وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنْفِذَهُ .. دَعَاهُ اللهُ عَلَى رُؤُوسِ الْخَلَائِقِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُخَيِّرَهُ فِي أَيِّ الْحُورِ شَاءَ".
===
لا بأس به، وذكره ابن حبان في "الثقات" وقال العجلي: تابعي ثقة.
(أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من كظم) أي: من أخفى (غيظًا) أي: غضبًا وأخفاه عن غيره، وحبس نفسه عن إجراء مقتضاه؛ وهو الانتقام من المغضب له (وهو) أي: والحال أنه (قادر على أن ينفذه) من الإنفاذ؛ أي: قادر على أن يمضي مقتضاه ويتمه ويأتي به، قال في "النهاية": كظم الغيظ: اجترع غضبًا كامنًا فيه، (ينفذه) من التنفيذ أو الإنفاذ؛ أي: يمضيه.
وذكر جواب من الشرطية بقوله: (دعاه الله) عز وجل وناداه (على رؤوس الخلائق) ومجمع أعيانهم (يوم القيامة) أي: شهره بين الناس وأثنى عليه وتباهى به، ويقال في حقه: هذا الذي صدرت منه هذه الخصلة العظيمة (حتى يخيره) أي: يجعله مخيرًا (في أي الحور) العين (شاء) أي: في أخذ أيهن شاء، وهو كناية عن إدخاله الجنة المنيعة، وإيصاله إلى درجته الرفيعة. انتهى من "العون".
قال الطيبي في "شرح المشكاة": وإنما حمد الكظم؛ لأنه قهر للنفس الأمارة بالسوء، ولذلك مدح الله عز وجل الكاظمين الغيظ بقوله:{وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ} (1)، ومن نهى النفس عن هواه .. فإن الجنة مأواه، والحور العين جزاه. انتهى منه.
قال القاري: وهذا الثناء الجميل والجزاء الجزيل إذا ترتب على مجرد كظم الغيظ، فكيف إذا انضم إليه العفو، أو زاد بالإحسان عليه؟ ! انتهى.
(1) سورة آل عمران: (134).
(106)
- 4130 - (2) حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ الْهَمْدَانِيُّ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ،
===
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: أبو داوود في كتاب الأدب، باب من كظم غيظًا، والترمذي في كتاب البر والصلة، باب كظم الغيظ، وفي كتاب صفة القيامة، باب الحكم، وقال: هذا حديث حسن غريب، وأخرجه أحمد في "مسنده"، وقال المنذري: وسهل بن معاذ بن أنس الجهني ضعيف، والذي روى عنه هذا الحديث أبو مرحوم عبد الرحيم بن ميمون الليثي المصري لا يحتج بحديثه.
قلت: قال ابن معين: سهل بن معاذ ضعيف، وذكره ابن حبان في "الثقات" إلا ما كان من رواية زبان بن فائد عنه؛ لأن زبان ليس بشيء، وقال العجلي: سهل بن معاذ مصري تابعي ثقة ثبت.
فدرجة هذا الحديث: أنه حسن؛ لأن سهلًا مختلف فيه، وغرضه: الاستدلال به على الترجمة.
ثم استأنس المؤلف للترجمة بحديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه، فقال:
(106)
- 4130 - (2)(حدثنا أبو كريب محمد بن العلاء الهمداني) الكوفي، ثقة، من العاشرة، مات سنة سبع وأربعين ومئتين (247 هـ). يروي عنه:(ع).
(حدثنا يونس بن بكير) بن واصل الشيباني أبو بكر الجمال الكوفي، صدوق يخطئ، من التاسعة، مات سنة تسع وتسعين ومئة (199 هـ). يروي عنه:(م دت ق).
حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ دِينَارٍ الشَّيْبَانِيُّ، عَنْ عُمَارَةَ الْعَبْدِيِّ، حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "أَتَتْكُمْ وُفُودُ عَبْدِ الْقَيْسِ"، وَمَا يُرَى أَحَدٌ،
===
(حدثنا خالد بن دينار) النِّيلي - بكسر النون بعدها تحتانية - نسبة إلى النيل؛ بلدة بين واسط والكوفة أبو الوليد (الشيباني) صدوق، من الخامسة. يروي عنه:(ق).
(عن عمارة) بن جوين - بجيم مصغرًا - أبو هارون (العبدي) مشهور بكنيته، متروك، ومنهم من كذبه، شيعي، من الرابعة، مات سنة أربع وثلاثين ومئة (134 هـ). يروي عنه:(ت ق)، كذا في "التقريب"، وقال في "التهذيب": أجمعوا على ضعفه وتركه وكذبه.
(حدثنا أبو سعيد الخدري) رضي الله تعالى عنه.
وهذا السند من خماسياته، وحكمه: الضعف؛ لأن فيه عمارة بن جوين، وهو متفق على ضعفه.
(قال) أبو سعيد: (كنا) معاشر الصحابة (جلوسًا) أي: جالسين (عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أتتكم) أي: جاءتكم أيها الحاضرون (وفود عبد القيس) من وفد فلان على الأمير أو السلطان؛ أي: ورد رسولًا، وبابه وعد، فهو وافد والجمع وفد؛ مثل صاحب وصحب، وجمع الوفد أوفاد ووفود، والاسم الوفادة - بالكسر - وأوفده إلى الأمير؛ إذا أرسله إليه. انتهى من "المختار"، فالوفود جمع الوفد، والوفد جمع وافد (و) الحال أنه (ما يرى) بالبناء للمفعول (أحد) من الوفد عندنا، وهو نائب فاعل ليرى، ويصح بناؤه للفاعل بنصب أحدًا؛ أي: ما يرى رسول الله أحدًا من الوفد.
فَبَيْنَا نَحْنُ كَذلِكَ .. إِذْ جَاؤُوا فَنَزَلُوا، فَأَتَوْا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَبَقِيَ الْأَشَجُّ الْعَصَرِيُّ، فَجَاءَ بَعْدُ فَنَزَلَ مَنْزِلًا فَأَنَاخَ رَاحِلَتَهُ وَوَضَعَ ثِيَابَهُ جَانِبًا، ثُمَّ جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"يَا أَشَجُّ؛ إِنَّ فِيكَ لَخَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللهُ: الْحِلْمَ وَالتُّؤَدَةَ"،
===
فكأنه صلى الله عليه وسلم رآهم بالمكاشفة (فبينا نحن) معاشر الصحابة كائنون (كذلك) أي: جالسون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أي: فبينا أوقات جلوسنا كذلك (إذ جاؤوا) أي: فاجأنا مجيء الوفد، فـ (إذ) فجائية رابطة لجواب (بينا)، (فنزلوا) أي: نزل الوفد في مكان قريب قرب المسجد لحط رواحلهم (فأتوا) أي: فبعدما حطوا رواحلهم أتوا (رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبقي الأشج) عند الرواحل؛ ليغتسل ويغير ثيابه، ولقب بالأشج؛ لشجة قديمة في وجهه، وقوله:(العصري) بالرفع صفة لـ (لأشج) ولعله نسبة إلى بطن منهم، والله أعلم.
(فجاء) الأشج (بعد) ما سبقه القوم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبناء على الضم - لقطعه عن المضاف إليه لفظًا وافتقاره إليه معنىً (فنزل) الأشج (منزلًا) جانب منزل القوم (فأناخ) أي: أبرك (راحلته) ليحط عنها رحلها (ووضع ثيابه) مجموعة في عيبته (جانبًا) أي: ناحيةً من راحلته أو منزله (ثم جاء) الأشج (إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أشج؛ إن فيك لخصلتين) أي: حالتين (يحبهما الله) تعالى: (الحلم) بالنصب بدل من ضمير المفعول؛ بدل مفصل من مجمل (والتؤدة) - بضم التاء الفوقية ثم بفتحتين - أي: عدم العجلة إلى الشيء، إنما قال له ذلك؛ لما رأى فيه وظهر منه من رفقه وترك عجلته، وقد
قَالَ: يَا رَسولَ اللهِ؛ أَشَيْءٌ جُبِلْتُ عَلَيْهِ أَمْ شَيءٌ حَدَثَ لِي؟ قَالَ رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "بَلَ شَيْءٌ جُبِلْتَ عَلَيْهِ".
===
روي في غير "كتاب أبي داوود": أنه لما بادر قومه إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم .. تأنى هو، أي: تأخر حتى جمع رحالهم، وعقل ناقته، ولبس ثيابًا جددًا، ثم أقبل إلى النبي صلى الله عليه وسلم على حال هدوء وسكينة، فأجلسه النبي صلى الله عليه وسلم إلى جانبه.
(قال) الأشج: (يا رسول الله؛ أ) هما (شيء جبلت) وخلقت (عليه، أم شيء حدث) ووقع (لي) بعدما خلقت بدونهما، فـ (قال) له (رسول الله صلى الله عليه وسلم: بل) هما (شيء جبلت) وخلقت (عليه) بل كانا فيك خلقيان لا مكتسبان حادثان فيك (فقال الأشج: الحمد لله الذي جبلني على خلقين يحبهما الله ورسوله) كما هو في رواية أبي داوود.
قوله: "أتتكم وَفْدُ عبد القيس" أي: جماعتُهم المختارة للوفود على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وهم أربعة عشر أو سبعة عشر رجلًا؛ أي: جاؤوكم لتعلم قواعد دينهم، والوفد الوافدون: وهم القادمون والزائرون؛ يقال: وفد يفد، من باب وعد فهو وافد والجمع وافدون ووفود والقوم وفد، فلما سألهم رسول الله صلى الله عليه وسلم .. قالوا: نحن وفد عبد القيس؛ أي: وفد من قبيلة عبد القيس؛ أي: وفد من قبيلة ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان بن إسماعيل؛ لأن عبد القيس من أولاده؛ أي: من أولاد ربيعة بن نزار؛ ومَسْكَنُهم: البحرين.
قوله: (وبقي الأشج العصري) وسماه النبي صلى الله عليه وسلم بالأشج، لما في وجهه من أثر شجة وجراحة قديمة؛ واسم ذلك الأشج: المنذر بن عائذ - بالذال المعجمة - العصري - بفتح العين والصاد المهملتين - على الصحيح المشهور الذي قاله ابن عبد البر والأكثرون أو الكثيرون، وقال ابن الكلبي:
(107)
- 4131 - (3) حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَرَوِيُّ،
===
اسمه: المنذر بن الحارث بن عصر بن عوف؛ وقيل: اسمه: المنذر بن عامر؛ وقيل: المنذر بن عبيد؛ وقوله: العصري نسبة إلى جده المذكور آنفًا.
وقوله: (إن فيك لخصلتين يحبهما الله) تعالى (الحلم): بكسر المهملة وسكون اللام - العقل الكامل الثاقب لما يجهله غيره من عاقبة الأمور.
(والتؤدة): - بضم التاء المثناة وفتحتين بعدها - وكذا الأناة: الرفق والتثبت في الأمور وترك العجلة.
ووفود هذا الوفد على النبي صلى الله عليه وسلم كان عام الفتح سنة ثمان، قبل خروجه إلى مكة، وكانوا أربعة عشر راكبًا، وقيل: سبعة عشر، الأشج العصري كان رئيسهم، ومزيدة بن مالك المحاربي، وعبيدة بن همام المحاربي، وصحار بن العباس المري، وعمرو بن مرحوم العصري، والحارث بن شعيب العصري، والحارث بن جندب من بني عايش، ولم نعثر بعد طول التتبع والبحث على أكثر من أسماء هؤلاء الوافدين.
وهذا الحديث انفرد به المؤلف، فهو ضعيف متنًا وسندًا؛ لمخالفته رواية "الصحيحين" وغيرهما من رواية ابن عباس وأبي سعيد الخدري وغيرهما، فهو مخالف لرواية غيره سياقًا وترتيبًا، وغرضه: الاستئناس به للترجمة، وأصل الحديث صحيح؛ لذكره في "الصحيحين" وغيرهما، فالحديث: ضعيف متنًا وسندًا (19)(429).
ثم استشهد المؤلف لحديث معاذ بن أنس الجهني بحديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهم، فقال:
(107)
- 4131 - (3)(حدثنا أبو إسحاق الهروي) إبراهيم بن عبد الله بن
حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ الْفَضْلِ الْأَنْصَارِيُّ، حَدَّثَنَا قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو جَمْرَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ
===
حاتم نزيل بغداد، صدوق حافظ تكلم فيه بسبب القرآن، من العاشرة، مات سنة أربع وأربعين ومئتين (244 هـ). يروي عنه:(ت ق).
(حدثنا العباس بن الفضل) بن عمرو بن عبيد بن حنظلة بن رافع (الأنصاري) الواقفي - بقاف ثم فاء - البصري نزيل الموصل وقاضيها في زمن الرشيد، متروك، واتهمه أبو زرعة، وقال ابن حبان: حديثه عن البصريين أرجى من حديثه عن الكوفيين، من التاسعة، مات سنة ست وثمانين ومئة (186 هـ). يروي عنه:(ق).
لكن لم ينفرد به العباس بن الفضل عن قرة بن خالد؛ فقد تابعه عليه بشر بن المفضل، كما رواه الترمذي في "الجامع" عن محمد بن عبد الله بن بزيع عن بشر بن المفضل عن قرة بن خالد به بلفظ: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأشج عبد القيس: "إن فيك خصلتين يحبهما الله: الحلم والأناة". انتهى.
(حدثنا قرة بن خالد) السدوسي البصري، ثقة ضابط، من السادسة، مات سنة خمس وخمسين ومئة (155 هـ). يروي عنه:(ع).
(حدثنا أبو جمرة) - بالجيم - نصر بن عمران بن عصام الضُّبَعي - بضم المعجمة وفتح الموحدة بعدها مهملة - البصري نزيل خراسان، مشهور بكنيته، ثقة ثبت، من الثالثة مات سنة ثمان وعشرين ومئة (128 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن ابن عباس) رضي الله تعالى عنهما.
وهذا السند من خماسياته، وحكمه: الضعف؛ لأن فيه العباس بن الفضل الأنصاري، وهو متروك، ولكن له متابع في الرواية عن قرة بن خالد، وهو بشر بن المفضل، وهو ثقة مشهور، فنقول: حكم هذا السند: الصحة؛ لأن له متابعًا؛ وهو بشر بن المفضل.
أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِلْأَشَجِّ الْعَصَرِيِّ: "إِنَّ فِيكَ خَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللهُ: الْحِلْمَ وَالْحَيَاءَ".
===
(أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للأشج العصري) نسبة إلى جده عَصَرٍ؛ لأن الأشج اسمه المنذر بن عائذ بن العصر - بفتحتين - ابن عوف (إن فيك خصلتين يحبهما الله: الحلم والحياء) قال العلماء: فيه دلالة على جواز الثناء على الإنسان في وجهه إذا أمن عليه الفتنة.
وقال النووي في "شرح مسلم"(1/ 189): وسبب قول النبي صلى الله عليه وسلم ذلك له ما جاء في حديث الوفد أنهم لما وصلوا المدينة .. بادروا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأقام الأشج عند رحالهم، فجمعها وعقل ناقته، ولبس أحسن ثيابه، ثم أقبل على النبي صلى الله عليه وسلم، فقربه النبي صلى الله عليه وسلم وأجلسه إلى جانبه، ثم قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم:"تبايعون على أنفسكم وقومكم؟ " فقال القوم: نعم، فقال الأشج: يا رسول الله؛ إنك لم تزاول الرجل عن شيء أشد عليه من دينه، نبايعك على أنفسنا، وترسل من يدعوهم؛ فمن اتبعنا .. كان منا، ومن أبى .. قتلناه، قال: "صدقت؛ إن فيك خصلتين
…
" الحديث.
قال القاضي عياض: قدموا عام الفتح سنة ثمان قبل خروجه صلى الله عليه وسلم إلى مكة.
قال النووي: وكان سبب وفادتهم أن منقذ بن حيان أحد بني غنم بن وديعة كان متجره إلى يثرب في الجاهلية فشخص؛ أي: قدم إلى يثرب بملاحف وتمر من هجر بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم، فبينا منقذ بن حيان قاعد .. إذ مر به النبي صلى الله عليه وسلم فنهض إليه منقذ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"أمنقذ بن حيان؛ كيف قومك؟ " ثم سأله عن أشرافهم رجلًا رجلًا يسمي كلًّا باسمه، فأسلم منقذ، وتعلم الفاتحة و (اقرأ باسم ربك)،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
ثم قفل منقذ إلى هجر، وكتب معه النبي صلى الله عليه وسلم إلى قومه، فكتم الكتاب أيامًا، وكان يصلي، فقالت زوجته لأبيها المنذر بن عائذ - بالذال المعجمة - ابن الحارث؛ والمنذر هو الملقب بالأشج، سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم به؛ لأثر كان في وجهه: يا أبي؛ إني أنكرت فعل بعلي منذ قدم من يثرب؛ إنه ليغسل أطرافه، ثم يستقبل الجهة؛ تعني: القبلة فيحني ظهره مرة، ويقع إلى الأرض أخرى، ذلك ديدنه منذ قدم، فاجتمعا فتجاريا ذلك، فوقع الإسلام في قلبه، فنهض بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قومه عَصَرٍ ومحارب، فقرأه عليهم فأسلموا، وأجمعوا على المسير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما دنوا من المدينة .. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لجلسائه:"أتاكم وفد عبد القيس، خير أهل المشرق، وفيهم: الأشج العصري، غير ناكثين ولا مبدلين ولا مرتابين؛ إذ لم يسلم قوم حتى وتروا".
وروى المؤلف هذا الحديث مختصرًا بسند ضعيف؛ كما مر آنفًا.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث بطوله: البخاري في كتاب التوحيد باب قوله تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ (96)} (1)، ومسلم في كتاب الإيمان، باب الأمر بالإيمان بالله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم وشرائع الدين والدعاء إليه، والترمذي في كتاب البر والصلة، باب ما جاء في التأني والعجلة، وأبو داوود في كتاب الأدب، باب في قبلة الرجل، والبيهقي في "الكبرى"، وأحمد في "المسند".
فهذا الحديث في أعلى درجات الصحة؛ لأنه من المتفق عليه، وغرضه: الاستشهاد به لحديث معاذ بن أنس الجهني.
(1) سورة الصافات: (96).
(108)
- 4132 - (4) حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ أَخْزَمَ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنِ الْحَسَن، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَا مِنْ جُرْعَةٍ
===
ثم استشهد المؤلف ثانيًا لحديث معاذ بن أنس بحديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهم، فقال:
(108)
- 4132 - (4)(حدثنا زيد بن أخزم) - بمعجمتين - الطائي النبهاني أبو طالب البصري، ثقة حافظ، من الحادية عشرة، استشهد في فتنة الزنج بالبصرة سنة سبع وخمسين ومئتين (257 هـ). يروي عنه:(خ عم).
(حدثنا بشر بن عمر) بن الحكم الزَّهراني - بفتح الزاي - الأزدي أبو محمد البصري، ثقة، من التاسعة، مات سنة سبع، وقيل: تسع ومئتين (209 هـ). يروي عنه: (ع).
(حدثنا حماد بن سلمة) بن دينار الربعي أو التميمي أو القرشي مولاهم أبو سلمة البصري، ثقة عابد، من كبار الثامنة، مات سنة سبع وستين ومئة (167 هـ). يروي عنه:(م عم).
(عن يونس بن عبيد) بن دينار العبدي أبي عبيد البصري، ثقة ثبت فاضل ورع، من الخامسة، مات سنة تسع وثلاثين ومئة (139 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن الحسن) بن أبي الحسن البصري، واسم أبيه: يسار الأنصاري مولاهم، ثقة فقيه فاضل مشهور، من الثالثة، مات سنة عشر ومئة (110 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن ابن عمر) رضي الله تعالى عنهما.
وهذا السند من سداسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات أثبات.
(قال) ابن عمر: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من جرعة) أي:
أَعْظَمُ أَجْرًا عِنْدَ اللهِ مِنْ جُرْعَةِ غَيْظٍ كَظَمَهَا عَبْدٌ؛ ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللهِ".
===
شيء يُبْلَعُ إلى الجوف (أعظم) وأكثر (أجرًا عند الله) عز وجل (من جرعة غيظ) وغضب (كظمها) وأخفاها في جوفه (عبد) من عباد الله الصالحين لأجل (ابتغاء) وطلب (وجه الله) تعالى ورضاه؛ أي: لم يظهره للناس.
قوله: "ما من جرعة" - بضم الجيم - اسم مصدر؛ من جرع الماء جرعًا؛ من باب سمع؛ إذا بلعه.
وفي "القاموس": الجرعة - مثلثة الجيم - من الماء: حسوه، أو بالضم، والظاهر أنه المراد ها هنا.
(كظمها) قال في "الأساس": كظم القربة: ملؤها ماءً، وسد رأسها، وكظم الباب: سده، ومن المجاز: كظم الغيظ وعلى الغيظ. انتهى.
قال الطيبي: يريد: أنه استعارة من كظم القربة، وقوله:"من جرعة غيظ" استعارة أخرى كالترشيح لها، كذا في "فيض القدير".
وهذا الحديث انفرد به ابن ماجه، قال البوصيري: هذا إسناد صحيح، رجاله ثقات، رواه الإمام أحمد في "مسنده" من حديث ابن عمر أيضًا.
ودرجته: أنه صحيح؛ لكون سنده صحيحًا، وغرضه: الاستشهاد به لحديث معاذ بن أنس.
* * *
وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب: أربعة أحاديث:
الأول للاستدلال، والثاني للاستئناس، والأخيران للاستشهاد.
والله سبحانه وتعالى أعلم