الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(6) - (1479) - بَابُ مَثَلِ الدُّنْيَا
(27)
- 4051 - (1) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِي وَمُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ قَالَا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ قَالَ: سَمِعْتُ الْمُسْتَوْرِدَ
===
(6)
- (1479) - (باب مثل الدنيا)
(27)
- 4051 - (1)(حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير) الهمداني الكوفي، ثقة، من العاشرة، مات سنة أربع وثلاثين ومئتين (234 هـ). يروي عنه:(ع).
(حدثنا أبي) عبد الله بن نمير الهمداني الكوفي، ثقة، من التاسعة، مات سنة تسع وتسعين ومئة (199 هـ). يروي عنه:(ع).
(ومحمد بن بشر) بن الفرافصة العبدي الكوفي، ثقة، من التاسعة، مات سنة ثلاث ومئتين (203 هـ). يروي عنه:(ع).
كلاهما (قالا) أي: كل من عبد الله بن نمير ومحمد بن بشر قالا: (حدثنا إسماعيل بن أبي خالد) الأحمسي مولاهم البجلي، ثقة ثبت، من الرابعة، مات سنة ست وأربعين ومئة (146 هـ). يروي عنه:(ع)، واسم أبي خالد سعيد، وقيل: هرمز، وقيل: كثير.
(عن قيس بن أبي حازم) واسم أبيه حصين بن عوف، وقيل: عوف بن عبد الحارث البجلي الأحمسي أبي عبد الله الكوفي، أحد كبار التابعين وأعيانهم، ثقة مخضرم، من الثانية، مات بعد التسعين، وقيل قبلها وقد جاوز المئة وهو الذي اجتمع له أن يروي عن العشرة المبشرين بالجنة. يروي عنه:(ع).
(قال) قيس: (سمعت المستورد) بن شداد بن عمرو بن حبيب بن عمرو بن
أَخَا بَنِي فِهْرٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَا مَثَلُ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَثَلُ مَا يَجْعَلُ أَحَدُكُمْ إِصْبَعَهُ فِي الْيَمِّ فَلْيَنْظُرْ بِمَ يَرْجِعُ".
===
شيبان بن محارب بن فهر القرشي الفهري الحجازي الصحابي، له ولأبيه صحبة رضي الله تعالى عنهما، مات سنة خمس وأربعين (45 هـ). يروي عنه:(م عم).
(أخا بني فهر يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول).
وهذا السند من خماسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله كلهم ثقات أثبات.
(والله) كما في "مسلم"(ما مثل) وشبه قدر (الدنيا في) قلة نعيمها ومدتها بالنظر إلى بقاء (الآخرة) ودوام نعيمها (إلا مثل ما) أي: شبه زمن (يجعل) فيه (أحدكم إصبعه في اليم) والبحر، وإلا قدر ما يأخذ أحدكم بإصبعه من البحر في قصر ذلك الزمن، وقلة ما يأخذ أحدكم بإصبعه من ماء البحر، فالزمن الذي يجعل فيه بإصبعه في البحر في غاية القصر، والماء الذي يعلق بإصبعه من ماء البحر في غاية القلة.
(فلينظر) أحدكم (بم يرجع) أي: في قدر زمن يرجع فيه بإصبعه من البحر؛ فإنه في غاية القصر، ولينظر أحدكم في قدر الماء الذي يأخذ بإصبعه؛ فإنه في غاية القلة بالنسبة إلى البحر، فكذلك نعيم الدنيا بالنسبة إلى نعيم الآخرة في غاية القلة.
فوجه الشبه اثنان: قصر زمن الجعل، وقلة ما يأخذ من ماء البحر.
فليتأمل؛ فإن فيه دقة لا تدرك إلا بالتأمل.
ولفظ "مسلم مع الكوكب": (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والله؛ ما الدنيا في الآخرة) أي: بالنسبة إلى الآخرة وبمقابلتها (إلا مثل ما يجعل أحدكم
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
إصبعه هذه - وأشار يحيى) القطان (بالسبابة - في اليم) متعلقٌ بـ (يَجْعَل) أي: إلا قدر ما يعلق بالإصبع من الماء إذا جعل أحدكم إصبعه في اليم؛ أي: في البحر (فلينظر) أحدكم (بم يرجع) أي: بم يأخذ بإصبعه من ماء البحر إذا رفع إصبعه من البحر؛ ومعناه: لا يعلق بها كثير من الماء.
قال النووي: ومعنى الحديث: ما الدنيا بالنسبة إلى الآخرة في قصر مدتها، وفناء لذتها، ودوام الآخرة، ودوام نعيمها ولذاتها .. إلا كنسبة الماء الذي يعلق بالإصبع إلى باقي البحر.
وهذا التشبيه للتقريب إلى الأفهام، وإلا فالآخرة .. أعظم وأجل من البحر؛ لأن البحر مهما كان واسعًا، فإنه فانٍ متناهٍ، ونعيم الآخرة باقٍ غير متناهٍ. انتهى منه.
قال النووي: ضبطوا: (بم يرجع) بالتاء المثناة؛ فضمير الفاعل يعود على (الإصبع)، وبالمثناة تحت؛ فالضمير يرجع إلى (أحدكم) والأول أظهر وأشهر.
ويحتمل أنه تمثيل لنسبة مساحة الدنيا من مساحة الآخرة، وبين ذلك حديث:(أدنى أهل الجنة منزلةً .. من له مثل الدنيا وعشرة أمثالها)، ويحتمل أنه تمثيل لقلة نعيم الدنيا، وكثرة نعيم الآخرة، أو تمثيل لانقطاع نعيم الدنيا، ودوام نعيم الآخرة، ونسبة أمر الدنيا في ذلك كنسبة ما تعلق بالإصبع من الماء إلى ما بقي في البحر. انتهى منه.
وهذا الحديث شرح وتفسير لقوله تعالى: {فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ} (1).
(1) سورة التوبة: (38).
(28)
- 4052 - (2) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَكِيمٍ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُودَ،
===
وقال علي القاري في "المرقاة": وحاصل معنى الحديث: أنَّ مِنَحَ الدنيا ومِحنَها في كسب الجاه والمال من الأمور الفانية السريعة الزوال، فلا ينبغي لأحد أن يفرح ويغتر بسعتها، ولا يجزع ولا يشكوَ من ضيقها، بل يقول في الحالتين:(لا عيش إلا عيش الآخرة) فإنه قاله صلى الله عليه وسلم مرةً في يوم الأحزاب، وأخرى في حجة الوداع وجمعة الأصحاب، ثم يعلم أن الدنيا مزرعة الآخرة وأن الدنيا ساعة، فيصرفها في الطاعة.
قوله: "فلينظر بم يرجع" أي: فلينظر ماذا يكون على إصبعه من ماء البحر إذا أخرجها؛ والمراد: أنه لا يساوي شيئًا.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: مسلم في كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب فناء الدنيا وبيان الحشر يوم القيامة، والترمذي في كتاب الزهد، باب (15)، قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح.
فدرجة هذا الحديث: أنه حسن صحيح؛ لصحة سنده وللمشاركة فيه، وغرضه: الاستدلال به على الترجمة.
* * *
ثم استشهد المؤلف لحديث المستورد بحديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنهما، فقال:
(28)
- 4052 - (2)(حدثنا يحيى بن حكيم) المقوم - بتشديد الواو المكسورة - ويقال: المقومي، أبو سعيد البصري، ثقة حافظ عابد مصنف، من العاشرة، مات سنة ست وخمسين ومئتين (256 هـ). يروي عنه:(د س ق).
(حدثنا أبو داوود) الطيالسي سليمان بن داوود بن الجارود البصري، ثقة
حَدَّثَنَا الْمَسْعُودِيُّ، أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ
===
حافظ غلط في أحاديث، من التاسعة، مات سنة أربع ومئتين (204 هـ). يروي عنه:(م عم).
(حدثنا المسعودي) عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة بن عبد الله بن مسعود الكوفي المسعودي، قال ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث إلا أنه اختلط في آخر عمره، قال الحافظ: صدوق اختلط قبل موته، وضابطه: أن من سمع منه ببغداد .. فبعد الاختلاط، من السابعة، مات سنة ستين ومئة (160 هـ)، وقيل: سنة خمس وستين ومئة. يروي عنه: (عم).
(أخبرني عمرو بن مرة) بن عبد الله بن طارق الجملي - بفتح الجيم والميم - المرادي أبو عبد الله الكوفي الأعمى، ثقة عابد كان لا يدلس، ورمي بالإرجاء، من الخامسة، مات سنة ثماني عشرة ومئة (118 هـ)، وقيل قبلها. يروي عنه:(ع).
(عن إبراهيم) بن يزيد بن قيس بن الأسود النخعي أبي عمران الكوفي الفقيه، ثقة، إلا أنه يرسل كثيرًا، من الخامسة، مات دون المئة سنة ست وتسعين (96 هـ). وهو ابن خمسين سنة. يروي عنه:(ع).
(عن علقمة) بن قيس بن عبد الله النخعي الكوفي، ولد في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، هو ثقة ثبت فقيه عابد، من الثانية، مات بعد الستين، وقيل: بعد السبعين. يروي عنه: (ع).
(عن عبد الله) بن مسعود الهذلي الكوفي رضي الله تعالى عنه. يروي عنه: (ع).
وهذا السند من سباعياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله كلهم ثقات أثبات.
قَالَ: اضْطَجَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى حَصِيرٍ فَأَثَّرَ فِي جِلْدِه، فَقُلْتُ: بِأَبِي وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللهِ؛ لَوْ كُنْتَ آذَنْتَنَا فَفَرَشْنَا لَكَ عَلَيْهِ شَيْئًا يَقِيكَ مِنْهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَا أَنَا وَالدُّنْيَا، إِنَّمَا أَنَا وَالدُّنْيَا كَرَاكِبٍ
===
(قال) عبد الله: (اضطجع النبي صلى الله عليه وسلم على حصير) ليس عليه شيء من الساتر؛ أي: من الفراش؛ والحصير: هو شيء ينسج من خوص النخل (فأثر) خيوط الحصير (في جلده) الشريف وبشرته المباركة.
قال ابن مسعود: (فـ) لما رأيت أثر الحصير على جنبه صلى الله عليه وسلم (قلت) له صلى الله عليه وسلم: (بأبي وأمي) أنت مَفْدِيٌّ (يا رسول الله) من كل المكاره (لو كنت آذنتنا) من الإيذان بمعنى: الإعلام، أي: هلا كنت أعلمتنا بأن الحصير ليس عليه شيء من الساتر (ففرشنا) أي: فبسطنا الك عليه شيئًا) من الساتر (يقيك) أي: يحفظ ذلك الساتر (منه) أي: من تأثير الحصير في جنبك (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لابن مسعود في جواب كلامه: (ما أنا والدنيا) مصطحبان؛ لأنه لا علقة بيني وبينها.
قال القاري في "المرقاة"(9/ 42): فما نافية؛ أي: ليس لي إلفة وعلقة ومحبة بيني وبينها، ولا للدنيا ألفة ومحبة معي حتى أرغب إليها، وأنبسط عليها وأجمع ما فيها من لذائذها.
ويحتمل كونها استفهامية؛ أي: أي ألفة ومحبة لي مع الدنيا، أو أي شيء لي مع الميل إلى الدنيا أو ميلها إلي؛ فإني طالب الآخرة، وهي ضرتها المضادة المعاندة لها.
(إنما أنا والدنيا كراكب) دابة إلى مقصده، فأخذته القائلة قبل وصوله إلى مقصده، فوجد جنب الطريق شجرة ظليلة يقيل تحتها المارة، فنزل من دابته
اسْتَظَلَّ تَحْتَ شَجَرَةٍ ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا".
(29)
- 4053 - (3) حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ
===
فـ (استظل تحت) تلك الـ (شجرة) ليقيل تحتها ساعة من نهار (ثم) بعد قيلولته تحتها (راح) وذهب إلى مقصده، (و) قد (تركها) أي: والحال أنه ترك الاستظلال والاستراحة، لأنه إنما قال تحتها؛ للقيلولة من شدة الحر، لا للنزول والمبيت تحتها؛ لأنه مسافر إلى مقصده الذي هو دار الآخرة.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: الترمذي في كتاب الزهد، باب رقم (44)، قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، والحاكم في "المستدرك".
ودرجته: أنه صحيح؛ لصحة سنده وللمشاركة فيه، وغرضه: الاستشهاد به لحديث المستورد.
قوله: "استظل تحت شجرة" أي: ومثله لا يتقيد بالفراش لتلك الساعة، فانظر؛ قد أمرنا باتباعه؛ إذ هذه السنن مخصوصة من بين ما ينبغي الاتباع فيه، أم كيف الحال؟ انتهى "سندي".
قال القاري: وجه التشبيه: سرعة الرحيل، وقلة المكث، ومن ثم خص الراكب.
"ثم راح وتركها" فشبه مقامه في الدنيا بمسافر اشتد عليه الحر، فرأى شجرة في الطريق، فأوى إلى ظلها، حتى ذهبت حمارة القيظ، ثم راح عنها وواصل سفره، وهذا مثل ضربه صلى الله عليه وسلم؛ لقصر إقامته فيها. انتهى منه.
* * *
ثم استشهد المؤلف ثانيًا لحديث المستورد بحديث سهل بن سعد رضي الله تعالى عنهم، فقال:
(29)
- 4053 - (3)(حدثنا هشام بن عمار) بن نصير السلمي الدمشقي، صدوق، من كبار العاشرة، خطيب مقرئ، مات سنة خمس وأربعين
وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ الْحِزَامِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو يَحْيَى زَكَرِيَّا بْنُ مَنْظُورٍ، حَدَّثَنَا أَبُو حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم
===
ومئتين (245 هـ) على الصحيح. يروي عنه: (خ عم).
(وإبراهيم بن المنذر) بن عبد الله بن المنذر بن المغيرة بن عبد الله بن خالد بن حزام الأسدي (الحزامي) - بالزاي - صدوق تكلم فيه أحمد؛ لأجل القرآن، من العاشرة، مات سنة ست وثلاثين ومئتين (236 هـ). يروي عنه:(خ ت س ق).
(ومحمد بن الصباح) بن سفيان الجرجرائي؛ نسبة إلى جرجرايا، بلدة بين بغداد وواسط، صدوق، من العاشرة، مات سنة أربعين ومئتين (240 هـ). يروي عنه:(د ق).
كلهم (قالوا: حدثنا أبو يحيى زكريا بن منظور) بن ثعلبة، ويقال: زكريا بن يحيى بن منظور، فنسب إلى جده القرظي المدني، ضعيف، من الثامنة. يروي عنه:(ق).
(حدثنا أبو حازم) الأعرج التمار سلمة بن دينار المدني القاضي، ثقة عابد، من الخامسة، مات في خلافة المنصور. يروي عنه:(ع).
(عن سهل بن سعد) بن مالك بن خالد الأنصاري الخزرجي الساعدي أبي العباس المدني، له ولأبيه صحبة رضي الله تعالى عنهما، مات سنة ثمان وثمانين (88 هـ)، وقيل بعدها. يروي عنه:(ع).
وهذا السند من رباعياته، وحكمه: الضعف؛ لأن فيه زكريا بن منظور، وهو مجمع على ضعفه.
(قال) سهل: (كنا) معاشر الصحابة (مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
بِذِي الْحُلَيْفَةِ؛ فَإِذَا هُوَ بِشَاةٍ مَيِّتَةٍ شَائِلَةٍ بِرِجْلِهَا، فَقَالَ:"أَتُرَوْنَ هَذِهِ هَيِّنَةً عَلَى صَاحِبِهَا؟ فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ؛ لَلدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللهِ مِنْ هَذِهِ عَلَى صَاحِبِهَا، وَلَوْ كَانَتِ الدُّنْيَا تَزِنُ عِنْدَ اللهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ .. مَا سَقَى كَافِرًا مِنْهَا قَطْرَةً أَبَدًا".
===
بذي الحليفة) أي: بموضع يسمى بذلك؛ وهو ميقات أهل المدينة (فإذا هو) أي: رسول الله صلى الله عليه وسلم راء (بشاة ميتة) أي: فاجأه رؤية شاة ميتة بلا ذكاة شرعية (شائلة برجلها) أي: رافعة برجلها؛ لانتفاخها (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن عنده: (أترون) - بضم المثناة الفوقية - على صورة المبني للمجهول، ولكنها في المعنى للفاعل؛ أي: أتظنون أيها الحاضرون (هذه) الشاة الميتة (هينة) - بتشديد الياء - من الهون؛ أي: حقيرةً لا قدر لها (على صاحبها؟ ) أي: عند مالكها في الأصل، وإنما عبر بالصاحب دون المالك؛ لأنها من الاختصاصات، قالوا: لا قدر لها عند صاحبها؛ لأنها ميتة.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (فوالذي) أي: فأقسمت لكم بالإله الذي (نفسي) وروحي (بيده) المقدسة (للدنيا) برمتها (أهون) أي: أحقر (على الله) أي: عند الله سبحانه؛ أي: أشد حقارة عند الله (من) حقارة (هذه) الشاة الميتة (على صاحبها) أي: عند صاحبها.
وهذه هي الجملة الأولى من الحديث.
وذكر الجملة الثانية بقوله: (ولو كانت الدنيا) برمتها (تزن عند الله) تعالى (جناح بعوضة) أي: تساويه في الوزن .. (ما سقى) الله عز وجل (كافرًا منها) أي: من ماء الدنيا (قطرة) ماء ونقطته (أبدًا) وهو ظرف مستغرق لما يستقبل من الزمان، وفي ذلك قال بعضهم:
ولو كانت الدنيا تدومُ لأهلها
…
لكان رسول الله حيًّا وباقيا
(30)
- 4054 - (4) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَبِيبِ بْنِ عَرَبِيٍّ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ،
===
وهذا الحديث انفرد به ابن ماجه، قال البوصيري: هذا إسناد ضعيف؛ لضعف زكريا، رواه الحاكم في "المستدرك" من طريق زكريا.
وروى الترمذي في "الجامع" الجملة الأخيرة عن قتيبة عن عبد الحميد بن سليمان عن أبي حازم به، وقال: هذا حديث صحيح غريب من هذا الوجه، وروى الجملة الأولى في "جامعه" أيضًا من حديث المستورد، وقال: هذا حديث حسن، قال أبو عيسى: وفي الباب حديث عن أبي هريرة وابن عمر وجابر.
وله أيضًا شواهد أخر، ذكرها الألباني في "الصحيحة".
فدرجة هذا الحديث: أنه صحيح المتن بغيره؛ لأن له شواهد ومتابعات، ضعيف السند؛ لأن في سند المؤلف: زكريا بن منظور، وهو مجمع على ضعفه، فهذا الحديث: صحيح المتن ضعيف السند، وغرضه: الاستشهاد به لحديث المستورد.
* * *
ثم استشهد المؤلف ثالثًا لحديث المستورد الأول بحديث آخر له رضي الله تعالى عنه، فقال:
(30)
- 4054 - (4)(حدثنا يحيى بن حبيب بن عربي) البصري، ثقة، من العاشرة، مات سنة ثمان وأربعين ومئتين (248 هـ)، وقيل بعدها. يروي عنه:(م عم).
(حدثنا حماد بن زيد) بن درهم الأزدي الجهضمي أبو إسماعيل البصري، ثقة ثبت فقيه، من كبار الثامنة، مات سنة تسع وسبعين ومئة (179 هـ). يروي عنه:(ع).
عَنْ مُجَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ الْهَمْدَانِيِّ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ الْهَمْدَانِيِّ قَالَ: حَدَّثَنَا الْمُسْتَوْرِدُ بْنُ شَدَّادٍ قَالَ: إِنِّي لَفِي الرَّكْبِ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذْ أَتَى عَلَى سَخْلَةٍ مَنْبُوذَةٍ قَالَ: فَقَالَ:
===
(عن مجالد) بضم أوله وتخفيف الجيم (ابن سعيد) بن عمير (الهمداني) - بسكون الميم - أبي عمرو الكوفي، ليس بالقوي، وقد تغير في آخر عمره، من صغار السادسة، مات سنة أربع وأربعين ومئة (144 هـ). يروي عنه:(م عم)، قال النسائي: ليس بالقوي، وقال مرة: ثقة، وقال يعقوب بن سفيان: تكلم فيه الناس وهو صدوق، وقال العجلي: جائز الحديث، وقال البخاري: صدوق، فهو مختلف فيه.
(عن قيس بن أبي حازم) حصين بن عوف (الهمداني) الأحمسي أبي عبد الله الكوفي، أحد كبار التابعين، ثقة مخضرم، من الثانية، مات بعد التسعين، أو قبلها. يروي عنه:(ع).
(قال) قيس: (حدثنا المستورد بن شداد) بن عمرو القرشي الفهري الحجازي، نزل الكوفة، له ولأبيه صحبة رضي الله تعالى عنهما، مات سنة خمس وأربعين (45 هـ). يروي عنه:(م عم).
وهذا السند من خماسياته، وحكمه: الحسن؛ لأن فيه مجالدًا، وهو مختلف فيه.
(قال) المستورد: (إني لفي الركب) اسم جمع لراكب؛ كصَحْبٍ وصاحبٍ لا جمع له؛ لأن فاعلًا لا يجمع على فَعْل؛ أي: إني لفي الجمع الراكبين الماشين (مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أتى) ومر رسول الله (على سخلة) ولد المعز أو الضأن ذكرًا أو أنثى؛ أي: على ولد شاة (منبوذة) أي: مطروحة في الصحراء؛ لكونها ميتة لا ينتفع بها (قال) المستورد: (فقال)
"أَتُرَوْنَ هَذِهِ هَانَتْ عَلَى أَهْلِهَا؟ "، قَالَ: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ؛ مِنْ هَوَانِهَا أَلْقَوْهَا أَوْ كَمَا قَالَ، قَالَ:"فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ؛ لَلدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللهِ مِنْ هَذِهِ عَلَى أَهْلِهَا".
===
رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن معه: (أترون هذه) السخلة (هانت) وحقرت (على أهلها) أي: عند أهلها وأصحابها؟ (قال) المستورد: (قيل) له صلى الله عليه وسلم؛ أي: قال له بعض من عنده من الصحابة، ولم أر من ذكر اسم هذا القائل:(يا رسول الله؛ من هوانها) أي: من هوان هذه السخلة وحقارتها عند أهلها (ألقوها) أي: ألقاها أهلها في الصحراء (أو) قال ذلك القائل للرسول صلى الله عليه وسلم (كما قال) أي: مثل ما قال له صلى الله عليه وسلم مثل أن يقول له: من حقارتها رموها.
والمقصود من هذا الكلام: التحرز عن التعبير بالكلام القبيح في حكاية كلامه صلى الله عليه وسلم.
فـ (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن عنده من الركب: (فوالذي نفسي) وروحي (بيده) المقدسة (للدنيا) بفتح اللام رابطة لجواب القسم (أهون) أي: أحقر (على الله) تعالى، أي: عند الله تعالى (من) حقارة (هذه) السخلة (على أهلها) أي: عند أهلها وأصحابها؛ أي: للدنيا أشد حقارة عند الله تعالى من حقارة هذه السخلة عند أهلها.
قال القرطبي: الدنيا: وزنها (فعلى) وألفها للتأنيث، وتمنع من الصرف؛ لألف التأنيث المقصورة، وهي من الدنو بمعنى القرب؛ لدنوها إلى الفناء والزوال، وهي صفة لموصوف محذوف؛ كما قال تعالى:{وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} (1).
(1) سورة آل عمران: (185).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
غير أنه قد كثر استعمالها استعمال الأسماء، فاستغني عن موصوفها؛ كما جاء في هذا الحديث؛ والمراد: الدار الدنيا أو الحياة الدنيا التي تقابلها الدار الأخرى أو الحياة الأخرى.
ومعنى (هوان الدنيا على الله تعالى): أن الله تعالى لم يجعلها مقصودة لذاتها، بل جعلها طريقًا موصلًا إلى ما هو المقصود لذاته، وأنه لم يجعلها دار إقامة ولا جزاء، وإنما جعلها دار رحلة وبلاء، وأنه ملكها في الغالب الكفرة والجهال، وحماها الأنبياء والأولياء، وقد أوضح النبي صلى الله عليه وسلم هذا المعنى، فقال:"لو كانت الدنيا تعدل عند الله تعالى جناح بعوضة .. ما سقى منها الكافر شربة ماء" رواه ابن ماجه (4053) وهو الحديث السابق قبل هذا الحديث.
وحسبك بها هوانًا أن الله قد صغرها وحقرها وذمها وأبغضها وأبغض أهلها ومحبيها، ولم يرض لعاقل فيها إلا بالتزود منها، والتأهب للارتحال عنها، ويكفيك من ذلك ما رواه أبو عيسى الترمذي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"الدنيا ملعونة ملعون ما فيها، إلا ذكر الله وما والاه، أو عالم أو متعلم" رواه الترمذي من حديث أبي هريرة (2322)، وقال: حديث حسن غريب.
ولا يفهم من هذا الحديث إباحة لعن الدنيا وسبها مطلقًا؛ لما رويناه من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تسبوا الدنيا؛ فنعمت مطية المؤمن عليها يبلغ الخير، وبها ينجو من الشر، إنه إذا قال العبد: لعن الله الدنيا .. قالت الدنيا: لعن الله أعصانا لربه" رواه ابن عدي في "الكامل"(1/ 304) أخرجه الشريف أبو القاسم زيد بن
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
عبد الله بن مسعود الهاشمي، وهذا يقتضي المنع من سب الدنيا ولعنها.
ووجه الجمع بينهما: أن المباح لعنه من الدنيا ما كان منها مبعدًا من الله تعالى وشاغلًا عنه؛ كما قال بعض السلف: كل ما شغلك عن الله تعالى من مال وولد .. فهو عليك مشؤوم، وهو الذي نبه الله على ذمه بقوله:{اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ} (1).
وأما ما كان من الدنيا يقرب إلى الله تعالى ويعين على عبادة الله تعالى .. فهو المحمود بكل لسان، والمحبوب لكل إنسان، فمثل هذا لا يسب، بل يرغب فيه ويحب، وإليه الإشارة بالاستثناء حيث قال:"إلا ذكر الله وما والاه، أو عالمًا أو متعلمًا".
وهو المصرح به في قوله صلى الله عليه وسلم: "فإنها نعمت مطية المؤمن عليها يبلغ الخير، وبها ينجو من الشر"، وبهذا يرتفع التعارض بين الحديثين، والله أعلم. من "المفهم".
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: مسلم في كتاب "الزهد والرقائق"، والترمذي في كتاب الزهد، باب ما جاء في هوان الدنيا على الله عز وجل، وقال أبو عيسى: حديث المستورد حديث حسن؛ لأن في سنده راويًا مختلفًا فيه؛ وهو مجالد بن سعيد، ورواه أحمد وابن أبي شيبة في "مصنفه".
فدرجة هذا الحديث: أنه صحيح المتن بغيره؛ لأن له شواهد ومتابعات، حسن السند؛ لأن في سنده راويًا مختلفًا فيه، ولوروده من طرق أخرى، وغرضه: الاستشهاد به لحديث المستورد الأول.
* * *
(1) سورة الحديد: (20).
(31)
- 4055 - (5) حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مَيْمُونٍ الرَّقِّيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو خُلَيْدٍ عُتْبَةُ بْنُ حَمَّادٍ الدِّمَشْقِيُّ، عَنِ ابْنِ ثَوْبَانَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ قُرَّةَ،
===
ثم استشهد المؤلف رابعًا لحديث المستورد بحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنهما، فقال:
(31)
- 4055 - (5)(حدثنا علي بن ميمون الرقي) العطار، ثقة، من العاشرة، مات سنة ست وأربعين ومئتين (246 هـ). يروي عنه:(س ق).
(حدثنا أبو خليد) مصغرًا (عتبة بن حماد) بن خليد - مصغرًا أيضًا - الحكمي (الدمشقي) القارئ إمام الجامع، صدوق، من كبار العاشرة. يروي عنه:(ق). وثقه أبو علي النيسابوري والخطيب، وذكره ابن حبان في "الثقات"، له حديث واحد عند ابن ماجه عن عبد الله بن ضمرة عن أبي هريرة في ذم الدنيا، وهو هذا الحديث.
(عن) عبد الرحمن بن ثابت (بن ثوبان) العِنْسِيِّ - بكسر المهملة وسكون النون - أبي عبد الله الدمشقي الزاهد. روى عن: عطاء بن قرة السلولي، ويروي عنه: أبو خليد عتبة بن حماد، صدوق يخطئ ورمي بالقدر وتغير بأخرة، من السابعة، مات سنة خمس وستين ومئة (165 هـ). يروي عنه:(عم). قال عثمان الدارمي عن دحيم: ثقة يرمى بالقدر، وقال أبو حاتم: ثقة يشوبه شيء من القدر، وتغير عقله في آخر حياته، وهو مستقيم الحديث، وقال أبو داوود: كان فيه سلامة وليس به بأس، وكان مجاب الدعوة، وقال النسائي: ضعيف، وقال مرَّةً: ليس بالقوي، وقال مرة: ليس بثقة، وقال صالح بن محمد: شامي صدوق إلا أن مذهبه القدر، وذكره ابن حبان في "الثقات".
(عن عطاء بن قرة) السلولي - بفتح المهملة وضم اللام الخفيفة -
عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ ضَمْرَةَ السَّلُولِيِّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَقُولُ: "الدُّنْيَا مَلْعُونَةٌ مَلْعُونٌ مَا فِيهَا؛ إِلَّا ذِكْرَ اللهِ وَمَا وَالَاهُ أَوْ عَالِمًا أَوْ مُتَعَلِّمًا".
===
صدوق، من السادسة، مات سنة اثنتين وثلاثين ومئة (132 هـ). يروي عنه:(ت ق).
(عن عبد الله بن ضمرة السلولي) روى عن أبي هريرة، ويروي عنه: عطاء بن قرة السلولي، قال العجلي: كوفي تابعي ثقة، وذكره ابن حبان في "الثقات". يروي عنه:(ت ق).
(قال) عبد الله بن ضمرة: (حدثنا أبو هريرة) رضي الله تعالى عنه.
وهذا السند من سداسياته، وحكمه: الحسن؛ لأن فيه راويًا مختلفًا فيه؛ وهو عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان.
(قال) أبو هريرة: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو) أي: والحال أنه صلى الله عليه وسلم (يقول: الدنيا ملعونة) المراد بالدنيا هنا: كل ما يشغل عن الله ويبعد عنه؛ كالمنكرات (ملعون ما فيها) أي: ما وجد فيها؛ ولعنه: بعده عن نظره تعالى (إلا ذكر الله) تعالى (وما والاه) أي: وما أحبه الله تعالى (أو عالمًا) يعمل بعلمه (أو متعلمًا) يطلب العلم.
قوله: "الدنيا ملعونة" المراد بالدنيا: كل ما يشغل عن الله تعالى ويبعد عنه؛ ولعنه إياها: بعدها عن نظره تعالى، وقلة اعتنائه بها؛ لأنها ليست دار مقر، بل هي دار ممر.
والاستثناء في قوله: "إلا ذكر الله
…
" إلى آخره .. منقطع؛ لأن المراد بالاستثناء: المقبول عنده، وبالمستثنى منه: غير المقبول.
ويحتمل أن يراد بها: العالم السفلي كله، وكل ما له نصيب في القبول
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
عنده تعالى؛ فقد استثناه بقوله: "إلا ذكر الله
…
" إلى آخره؛ فيكون الاستثناء متصلًا. انتهى "س".
قال الغزالي: قوله: "الدنيا ملعونة
…
" إلى آخره؛ هي عبارة عن أعيان موجودة للإنسان فيها حظ، وله في إصلاحها شغل.
ويعني بـ (الأعيان): الأرضَ والنباتات والحيوان والمعادن، وبـ (الحظ): حبها؛ فيندرج فيه جميع المهلكات؛ كالرياء والحقد، وبـ (إصلاحها): أنه يصلحها لحظ له، أو لغيره، دنيوي أو أخروي، فيندرج فيه الحرف والصناعات من الدنيا؛ كأكل الخبز مثلًا للتقوِّي عليها، وإليه الإشارة بقوله:(الدنيا مزرعة الآخرة) وبقوله: (الدنيا ملعونة)، والله أعلم.
قوله: "وما والاه" الموالاة: المحبة؛ أي: إلا ذكر الله وما أحبه الله تعالى، مما يجري في الدنيا، أو بمعنى المتابعة.
فالمعنى: ما يجري على موافقة أمره تعالى، أو موافقة نهيه تعالى.
ويحتمل أن يُرادَ به: ما يُوافق ذكر الله؛ أي: يجانسه ويقاربه وطاعته تعالى واتباع أمره والاجتناب عن نهيه، كلها داخلة فيما يوافق ذكر الله. انتهى "س".
قوله: "أو عالمًا أو متعلمًا" تخصيص للعلم بعد تعميم؛ لشمول ما والاه جميع الخيرات .. تنبيه على أن جميع الناس سواهما همج، وعلى أن المراد بهما: العلماء بالله.
قال المناوي في "الفيض"(2/ 326): قوله: "ملعونة" أي: متروكة مبعدة، متروك ما فيها، أو متروكة الأنبياء والأصفياء؛ كما في خبر:(لهم الدنيا ولنا الآخرة)، وقال:"الدنيا ملعونة" لأنها غرت النفوس بزهرتها ولذتها عن العبودية إلى الهوى، وقال بعد ذكر قوله:"وعالمًا أو متعلمًا" أي: هي وما فيها
(32)
- 4056 - (6) حَدَّثَنَا أَبُو مَرْوَانَ مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ الْعُثْمَانِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ، عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَن، عَنْ أَبِيه،
===
مبعد عن الله تعالى إلا العلم النافع الدال على الله، فهو مقصود منها، فاللعن وقع على ما غرت الدنيا لا على نعيمها ولذتها؛ فإن ذلك تناوله الرسل والأنبياء.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: الترمذي في كتاب الزهد، باب رقم (14)
ودرجته: أنه حسن؛ لكون سنده حسنًا، وغرضه: الاستشهاد به لحديث المستورد بن شداد.
* * *
ثم استشهد المؤلف خامسًا لحديث المستورد بحديث آخر لأبي هريرة رضي الله تعالى عنهما، فقال:
(32)
- 4056 - (6)(حدثنا أبو مروان محمد بن عثمان) بن خالد الأموي (العثماني) المدني نزيل مكة، صدوق يخطئ، من العاشرة، مات سنة إحدى وأربعين ومئتين (241 هـ). يروي عنه:(ق).
(حدثنا عبد العزيز بن أبي حازم) سلمة بن دينار المدني، صدوق فقيه، من الثامنة، مات سنة أربع وثمانين ومئة (184 هـ)، وقيل قبل ذلك. يروي عنه:(ع).
(عن العلاء بن عبد الرحمن) بن يعقوب الحُرَقي - بضم المهملة وفتح الراء بعدها قاف - أبي شبل - بكسر المعجمة وسكون الموحدة - المدني، صدوق ربما وهم، من الخامسة، مات سنة بضع ومئة (133 هـ). يروي عنه:(م عم).
(عن أبيه) عبد الرحمن بن يعقوب الجهني المدني مولى الحرقة - بضم المهملة وفتح الراء بعدها قاف - ثقة، من الثالثة. يروي عنه:(م عم).
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "الدُّنْيَا سِجْنُ الْمُؤْمِنِ وَجَنَّةُ الْكَافِرِ".
===
(عن أبي هريرة) رضي الله تعالى عنه.
وهذا السند من خماسياته، وحكمه: الحسن؛ لأن فيه أبا مروان الأموي، وهو يخطئ كثيرًا.
(قال) أبو هريرة: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الدنيا سجن المؤمن) فإنه وإن كان في نعمة .. فالجنة خير له (وجنة الكافر) فإنه وإن كان في مَقِيتَةٍ؛ أي: في قلةِ قُوت وضيقِ عيش .. فالنار شر له منها. انتهى "س".
قال النووي: في "شرح مسلم": معناه: أن كل مؤمن مسجون ممنوع في الدنيا من الشهوات المحرمة والمكروهة .. مكلف بفعل الطاعات الشاقة، فإذا مات .. استراح من هذا، وانقلب إلى ما أعد الله تعالى له من النعيم الدائم والراحة الخالصة من النقصان، وأما الكافر .. فإنما له من ذلك ما حصل في الدنيا مع قلته وتكديره بالمنغصات، فإذا مات .. صار إلى العذاب الدائم، وشقاء الأبد.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: مسلم في كتاب الزهد، باب الدنيا سجن المؤمن، والترمذي في كتاب الزهد، باب ما جاء أن الدنيا سجن المؤمن، قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، وأحمد في "المسند"، والحاكم في "المستدرك"، وقال: هذا حديث غريب صحيح الإسناد.
ودرجته: أنه صحيح المتن بغيره؛ لأن له شواهد وإن كان حسن السند؛ كما مر آنفًا، وغرضه: الاستشهاد به لحديث المستورد الأول.
واعلم: أن هذا الباب قد وردت فيه أحاديث كثيرة في ذم الدنيا ومتاعها، ولذلك ورد ذمها في آيات كثيرة من القرآن الكريم، ولكن ليس المقصود
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
منها: أن يترك الإنسان أسباب الدنيا رأسًا، وإنما المقصود منها: ألا يؤثرها على الآخرة، وأن يكون شوقه ورغبته إلى الله تعالى أكثر؛ أي: إلى ما أعد لعباده في الآخرة من النعيم المقيم أكثر وأقوى من رغبته إلى متاع الدنيا الفانية.
وقد تكلم العلماء على حقيقة الدنيا ومعرفة المذموم منها والمحمود قديمًا وحديثًا، وفذلكة الكلام ما ذكره العلامة ابن قدامة المقدسي في "مختصر منهاج القاصدين" لابن الجوزي، وأصله للإمام الغزالي رحمه الله تعالى.
قال رحمه الله تعالى: قد سمع خلق كثير ذم الدنيا مطلقًا، فاعتقدوا أن الإشارة إلى هذه الموجودات التي خلقت للمنافع، فأعرضوا عما يصلحهم من المطاعم والمشارب، وقد وضع الله في الطباع توقان النفس إلى ما يصلحها، فكل ما تاقت .. منعوها؛ ظنًّا منهم أن هذا هو الزهد المراد؛ جهلًا بحقوق النفس، وعلى هذا أكثر المتزهدين، وإنما فعلوا ذلك؛ لقلة علمهم، ونحن نصدع بالحق من غير محاباة، فنقول:
اعلم: أن الدنيا عبارة عن أعيان موجودة للإنسان، فيها حظ، وكل ذلك علف الراحة لبدنه السائر إلى الله عز وجل، وأنه لا يبقى إلا بهذه المصالح؛ كما لا تبقى الناقة في طريق الحج إلا بما يصلحها، فمن تناول منها ما يصلحه على الوجه المأمور به .. مُدِح، ومن أخذ منها فوق الحاجة على وجه الشره .. وقع في الذم؛ فإنه ليس للشره في تناول الدنيا وجه؛ لأنه يخرج عن النفع إلى الأذى، ويشغل عن طلب الآخرة، فيفوت المقصود، ويصير بمنزلة من أقبل يعلف الناقة، ويرد لها الماء، ويغير عليها أنواع الثياب وينسى أن الرفقة قد سارت؛ فإنه يبقى في البادية فريسةً للسباع هو وناقته.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
ولا وجه أيضًا للتقصير في تناول الحاجة؛ لأن الناقة لا تقوى على السير إلا بتناول ما يصلحها، فالطريق السليم هي الطريق الوسطى؛ وهي أن يأخذ من الدنيا قدر ما يحتاج إليه من الزاد للسلوك وإن كان مشتهىً؛ فإن إعطاء النفس قدر ما تشتهيه .. عون لها، وقضاء لحقها.
وقد كان سفيان الثوري يأكل في أوقات من طيب الطعام، ويحمل معه في السفر الفالوذج، وكان إبراهيم بن أدهم يأكل من الطيبات في بعض الأوقات، ويقول: إذا وجدنا .. أكلنا أكل الرجال، وإذا فقدنا .. صبرنا صبر الرجال.
ولينظر في سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته؛ فإنهم ما كان لهم إفراط في تناول الدنيا ولا تفريط في حقوق النفس.
وينبغي أن يتلمح حظ النفس في المشتهى؛ فإن كان في حظها حفظها وما يقيمها ويصلحها وينشطها للخير .. فلا يمنعها منه، وإن كان حظها مجرد شهوة ليست متعلقة بمصالحها المذكورة .. فذلك حظ مذموم، والزهد فيه يكون مذمومًا. راجع مختصر "منهاج القاصدين" لابن قدامة (194).
وفي "سراج الملوك": أن يهوديًّا رث الهيئة رأى فقيهًا وعليه لباس حسن، فقال: ألستم تروون عن نبيكم: (أن الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر) فأين ذلك من حالك وحالي؟ !
وأجابه عن ذلك بأنه إذا متَّ، وصرتَ إلى ما أعد الله لك من العذاب .. علمت أن الدنيا جنة لك، وإذا متُّ أنا، وصرتُ إلى ما أعد الله لي من النعيم .. علمت أن الدنيا كانت سجنًا لي، كذا في "الأبي على مسلم"(7/ 285) انتهى من "الإنجاز".
قال القرطبي: وإنما كانت الدنيا كذلك؛ لأن المؤمن فيها مقيد بقيود
(33)
- 4057 - (7) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَبِيبِ بْنِ عَرَبِيٍّ،
===
التكاليف، فلا يقدر على حركة ولا سكون إلا أن يفسح له الشرع، فيفك قيده، ويمكنه من الفعل أو الترك مع ما هو فيه من توالي أنواع البلاء والمحن والمكابدات من الهموم والغموم والأسقام والآلام، ومكابدة الأنداد والأضداد والعيال والأولاد، وعلى الجملة: فقد جاء الخبر: "أشد الناس بلاءً الأنبياء، ثم الأولياء، ثم الأمثل فالأمثل؛ يبتلى الرجل بحسب دينه" رواه الحاكم (3/ 343) كما قاله صلى الله عليه وسلم.
وأي سجن أعظم من هذا، ثم هو في السجن على غاية الخوف والوجل؛ إذ لا يدري بماذا يختم له من عمل، كيف وهو يتوقع أمرًا لا شيء أعظم منه، ويخاف هلاكًا لا هلاك فوقه؟ ! فلولا أنه يرتجي الخلاص من هذا السجن .. لهلك مكانه، لكنه لطف به فهون عليه ذلك كله، بما وعد على صبره، وبما كشف له من حميد عاقبة أمره.
والكافر منفك عن تلك القيود الحاصلة بالتكاليف، آمن من تلك المخاويف، مقبل على لذاته، منهمك في شهواته، معتز بمساعدة الأيام، ويأكل ويتمتع كما تأكل الأنعام، وعن قريب يستيقظ من هذه الأحلام، ويحصل في السجن الذي لا يرام، فنسأل الله السلامة، من أهوال يوم القيامة. انتهى من "المفهم".
* * *
ثم استشهد المؤلف سادسًا لحديث المستورد الأول بحديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهم، فقال:
(33)
- 4057 - (7)(حدثنا يحيى بن حبيب بن عربي) البصري، ثقة، من العاشرة، مات سنة ثمان وأربعين ومئتين (248 هـ)، وقيل بعدها. يروي عنه:(م عم).
حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: أَخَذَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِبَعْضِ جَسَدِي فَقَالَ: "يَا عَبْدَ الله، كُنْ
===
(حدثنا حماد بن زيد) بن درهم الأزدي البصري، ثقة ثبت فقيه، من كبار الثامنة، مات سنة تسع وسبعين ومئة (179 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن ليث) بن أبي سليم بن زنيم القرشي مولاهم، أبي بكر الكوفي، واسم أبي سليم: أيمن. روى عن: مجاهد بن جبر، ويروي عنه: حماد بن زيد، قال ابن سعد: كان رجلًا صالحًا عابدًا، وكان ضعيف الحديث، صدوق اختلط جدًّا ولم يتميز فترك، من السادسة، مات سنة ثمان وأربعين ومئة (148 هـ). يروي عنه:(م عم).
(عن مجاهد) بن جبر أبي الحجاج المخزومي مولاهم المكي، ثقة ثبت إمام في التفسير وفي العلم، من الثالثة، مات سنة إحدى أو اثنتين أو ثلاث أو أربع ومئة (104 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن ابن عمر) رضي الله تعالى عنهما.
وهذا السند من خماسياته، وحكمه: الضعف؛ لأن فيه ليث بن أبي سليم، وهو متروك، قال أبو عيسى: وهذا الحديث رواه الأعمش عن مجاهد عن ابن عمر، فهذا السند وإن كان ضعيفًا في نفسه .. فهو صحيح بغيره؛ لأن الأعمش تابع ليثًا في رواية هذا الحديث عن مجاهد، فهو صحيح بغيره.
(قال) ابن عمر: (أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم أي: أمسك بيده الشريفة (ببعض جسدي) وفي رواية البخاري: (بمنكبي) وهو ما بين العنق ورأس العضد، وفي هذه الرواية تعيين ما أبهم في رواية ابن ماجه، ونكتة الأخذ: تقريبه إليه، وتوجهه عليه؛ ليتمكن في ذهنه ما يلقى إليه.
(فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا عبد الله) بن عمر (كن
فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَوْ كَأَنَّكَ عَابِرُ سَبِيلٍ، وَعُدَّ نَفْسَكَ مِنْ أَهْلِ الْقُبُورِ".
===
في الدنيا كأنك غريب) في انقطاع التعلق إلا ما يتعلق بسفره من مركب وزاد.
(أو كأنك عابر سبيل) أي: مار في الطريق، لا يحصل منه التفات إلى يمنة أو يسرة (وعد نفسك) - بضم المهملة - أمر من عد يعد؛ من باب شد (من أهل القبور) الذين لا أنيس لهم إلا عملهم.
قال مجاهد: قال لي ابن عمر في تفسير هذا الحديث: (إذا أصبحت .. فلا تحدث نفسك بالمساء) أي: بمجيء المساء عليك (وإذا أمسيت .. فلا تحدث نفسك بالصباح، وخذ من صحتك قبل سقمك، ومن حياتك قبل موتك؛ فإنك لا تدري) ولا تعلم (يا عبد الله ما اسمك غدًا) عند لقاء ربك يوم القيامة؛ أي: لا تعلم هل اسمك شقي أوسعيد؟
قوله: "أو عابر سبيل" قال الطيبي: ليست (أو) للشك، بل للتخيير أو الإباحة، والأحسن: أن تكون بمعنى بل الإضرابية.
فشبه السالك بـ: (الغريب) الذي ليس له مسكن يأويه، ولا مسكن يسكنه، ثم ترقى وأضرب عنه إلى (عابر السبيل) لأن الغريب قد يسكن في بلد الغربة، بخلاف عابر السبيل القاصد لبلد شاسع، بينهما أودية مردية، ومفاوز مهلكة وقطاع طريق؛ فإن من شأنه ألا يقيم لحظةً، ولا يسكن لمحةً، ومن ثم عقبه بقوله:(وعد نفسك من أهل القبور) والمعنى: استمر سائرًا ولا تفتر؛ فإنك إن قصرت .. انقطعت وهلكت في الأودية، وهذا معنى المشبه به.
وأما المشبه .. فهو قوله: (وخذ من صحتك لمرضك) أي: إن العمر لا يخلو عن صحة ومرض، فإذا كنت صحيحًا .. فسر سير القصد، وزد عليه بقدر قوتك ما دامت فيك قوة، بحيث يكون ما بك من تلك الزيادة قائمًا مقام ما لعله يفوت حالة المرض والضعف، ذكره الحافظ في "الفتح"(11/ 234).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
قال النووي: معنى الحديث: لا تركن إلى الدنيا ولا تتخذها وطنًا، ولا تحدث نفسك بطول البقاء فيها، ولا تتعلق منها بما لا يتعلق به الغريب في غير وطنه (وعد نفسك) - بضم العين المهملة وفتح الدال المشددة - أي: اجعلها معدودة (من أهل القبور) أي: من جماعتهم؛ أي: واحدة من جماعتهم.
ففيه إشارة إلى ما قيل: (موتوا قبل أن تموتوا، وحاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا).
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: البخاري في كتاب الرقائق، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم:"كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل"، والترمذي في كتاب الزهد، باب ما جاء في قصر الأمل، قال أبو عيسى: وقد روى هذا الحديث: الأعمش عن مجاهد عن ابن عمر بنحوه.
ودرجة هذا الحديث: أنه صحيح، وإن كان سنده ضعيفًا؛ لأنه قد روي بطريق صحيحة؛ وهي رواية الأعمش عن مجاهد، فهي شاهدة لطريق المؤلف، فرواية المؤلف: هي صحيحة بغيرها، وغرضه: الاستشهاد به لحديث المستورد الأول.
قلت: فهذا الحديث: ضعيف السند، صحيح المتن بغيره؛ لأن له شواهد ومتابعات.
* * *
وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب: سبعة أحاديث:
الأول للاستدلال، والبواقي للاستشهاد.
والله سبحانه وتعالى أعلم