الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مصيبة الأمة ونقفور النصارى
(1)
الخطبةُ الأولى:
إنَّ الحمدَ للهِ نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه، ونعوذُ باللهِ منْ شرورِ أنفسِنا ومن سيئاتِ أعمالِنا، منْ يهدِهِ اللهُ فلا مضلَّ له، ومنْ يضللْ فلا هاديَ له، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحده لا شريكَ له وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُهُ ورسوُله.
اللهمَّ صلِّ وسلمْ عليه وعلى سائرِ الأنبياءِ والمرسلين، وارضَ اللهمَّ عن الصحابةِ أجمعين والتابعين وتابعيهم بإحسانٍ إلى يومِ الدينِ وسلِّمْ تسليمًا كثيرًا.
أيها المسلمون: أخرجَ الإمامُ أحمدُ والترمذيُّ والنسائيُّ منْ حديثِ خَبْابِ بنِ الأرتِّ رضي الله عنه قالَ: وافيتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم في ليلةٍ صلَّاها كلَّها حتى كانَ معَ الفجر، فسلَّمَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم منْ صلاته، فقلتُ: يا رسولَ الله، لقدْ صليتَ الليلةَ صلاةً ما رأيتُك صليتَ مثلَها، قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:«أجلْ، إنها صلاةُ رَغَبٍ ورَهَب، سألتُ ربي عز وجل فيها ثلاثَ خصالٍ، فأعطاني اثنتينِ ومَنَعَنِي واحدةً، سألتُ ربي عز وجل ألا يهلكَنا بما أهلكَ بهِ الأممَ قبلَنا فأَعْطَانِيها، وسألتُ ربي عز وجل ألّا يُظهرَ علينا عدوًا من غيرِنا فأَعْطَانِيها، وسألتُ ربي عز وجل ألا يُلبسَنا شِيَعًا ويُذِيقَ بعضَنا بأسَ بعضٍ فَمَنَعنِيها» .
إنَّ هذا الحديثَ وأمثالَه منْ مشكاةِ النبوةِ يُحددُ مَكْمنَ الخطرِ على هذهِ الأُمةِ، فهيَ لنْ تُهْلَكَ بسَنَةٍ بعامَّةٍ كما أُخذتِ الأممُ السابقةُ المكذِّبةُ، ولنْ تُهلكَ وتُجْتَثَّ منْ عدوٍّ خارجيٍّ -مهما كانتْ قوةُ هذا العدوِّ- حتى وإنْ ظفرَ عليها هذا العدوُّ فترةً، وانتصرَ عليها حقبةً من الزمن .. وإنما تؤتى الأمةُ المسلمةُ منْ قِبَلِ ذاتِها
(1) ألقيت هذهالخطبةُ يوم الجمعة الموافق 23/ 10/ 1423 هـ.
ومنْ داخل صفوفِها، ومنْ هنا فلا بدَّ للأمةِ أنْ تتقيَ اللهَ في ذاتِ نفسِها، وتصلحَ ذاتِ بينها.
قال العالمون: إنَّ هذهِ العقوباتِ التي تنزلُ بالمسلمين، وهذهِ الفتنَ التي تحلُّ بهمْ إنما هيَ منْ أنفسِهم وبذنوبِهم، واللهُ يقول:{وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ} (1).
ويقول جلَّ ذكرُه: {مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ} (2).
معاشرَ المسلمين: كمْ نغفلُ عنْ هذا الداء، وكمْ نقعُ فيهِ من أخطاء، ولربما أحالَ كلُّ واحدٍ منا المسئوليةَ على غيره، والتفتَ إلى كلِّ أحدٍ ولمْ يلتفتْ إلى نفسه، والخطأُ واردٌ والتقصيرُ حاصل، لا في العوامِّ بلْ وفي الخاصةِ والعلماء، وليس في الأشرارِ فقط بلْ وفي الأخيارِ وكلٌ بحَسَبهِ، نعمْ، خطأٌ وتقصيرٌ وغفلة على مستوى الرجالِ والنساءِ والأمراءِ والمأمورين، وفي الصغرِ وفي الكبار، وفي الأغنياءِ والفقراءِ وفي البرَّ والبحرِ ولا بدَّ لرفعِ العقوبةِ منْ توبتِنا جميعًا، ومن إنابتِنا جميعًا .. {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} (3).
إنَّ منَ الخطأ البيِّنِ أنْ تُعْزى المصائبُ الواقعةُ بالمسلمينَ اليوم -سواءً كانت أمنيةً أو سياسيةً أو اقتصاديةً أو نحوَها- إلى أسبابٍ ماديةٍ بحتة، وننسى أنَّ وراءَها أسبابًا شرعيةً هي أقوى وأمضى وأكثرُ أثرًا.
إنَّ منَ العقلِ تدبُّر الذاتِ وإصلاحَ النفوس، ومنْ أسبابِ رفعِ البلاءِ أنْ يُحدثَ
(1) سورة الشورى، الآية:30.
(2)
سورة النساء، الآية:79.
(3)
سورة الروم، الآية:41.
المذنبون لكلِّ عقوبةٍ توبةً، ولكلِّ ذنبٍ استغفارًا، ولكلِّ بليةٍ وبأسٍ رجوعًا إلى اللهِ وتضرعًا {فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ} (1) ومنَ السَّفهِ أن يتمادى المرءُ في المعاصي، واللهُ يمدُّهُ بالنعمِ ويُجزلُ له العطايا، ومنْ مكرِ اللهِ أن يُستدرجَ به وهو لا يعلم، قالَ بعضُ السلفِ: إذا رأيتَ اللهَ يُنعمُ على شخصٍ، ورأيتَ هذا الشخصِ متماديًا في معصيةِ الله، فاعلمْ أن هذا منْ مكرِ اللهِ به وإنهُ دخلَ في قولهِ تعالى:{سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ (44) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ} (2).
لقدْ قصَّرَ المسلمون في محاسبةِ أنفسِهم، وفي تعظيمِ شعائرِ ربَّهم، وتجاوزوا الحلالَ إلى الحرام، وغلبتهمْ الشهواتُ، وتورَّطوا في مستنقعِ الشُّبهاتِ -إلا منْ رحمَ ربُّك- فكانَ تسليطُ الأعداءِ عليهم جزءًا منْ قدرِ اللهِ في عقوبتهِم .. فهلْ يا تُرى يدركونَ مكمنَ الخطأ، وهل يُراجعون أنفسَهم ويرجعوا إلى بارئهم؟
إنَّ اللهَ بحكمتِهِ ورحمتِهِ لهذهِ الأمةِ جعلَ عقوبتَهم على ذنوبِهِمْ ومعاصيهمْ بأنْ يُسلطَ بعضَهم على بعضٍ فيُهلكَ بعضُهمْ بعضًا ويسبي بعضُهمْ بعضًا، كما قالَ تعالى:{قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ} (3).
روى البخاريُّ في «صحيحه» عنْ جابرٍ رضي الله عنهما قال: لما نزلتْ هذه الآية: {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ} قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «أعوذُ بوَجْهِك» {أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ} قال صلى الله عليه وسلم: «أعوذُ بوجهك» {أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ} قال صلى الله عليه وسلم: «هذه أهونُ وأَيسرُ» .
(1) سورة الأنعام، الآية:43.
(2)
سورة القلم، الآيتان: 44، 45.
(3)
سورة الأنعام، الآية:65.
أيها المؤمنون: لا بدَّ من التعرُّفِ على اللهِ في الرخاءِ وشكرِه في السَّرَّاء، حتى يعرفَنا في الشدةِ ويصبِّرَنا على البلاءِ ويدفعَ عنا الأذى.
إنَّ الذي يُنصتُ إلى خطابِ الفِطرةِ في نفسهِ يسمعُ نداءً عميقًا يترجمُ الرغبةَ في معرفةِ من أسدى إلى نعمةَ الوجود .. إنهُ اللهُ الذي خلقَ فسوَّى وقدَّر فهدى .. وحركةُ الخلقِ هذه تحدَّى بها الخالقُ سبحاَنه كلَّ العالمين أن يخلُقوا ولو ذبابًا، ولو اجتمعوا له، أجلْ تقدَّسَ اللهُ وتعاظمَ وتحدَّى بالخلقِ فقال:{أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لَاّ يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ} (1).
إنَّ تذكُّرَ العبدِ لقصةِ الوجودِ من عدم، والخلقِ بلا مثالٍ سابقٍ تدعوهُ للإيمانِ واليقينِ والشكرِ والاستقامةِ على الطريقِ المستقيم.
وقد قيل: إن الخلقَ مفهومٌ منْ أغربِ مفاهيمِ القرآنِ العظيم، ومنْ أكثرِها استعصاءً على الفهمِ والإدراكِ، وتأملْ أولَ الخليقةِ آدمَ عليه السلام وكيفَ خُلِق، ترى عجبًا ما بعدَهُ عجب .. فكيفَ صنعَ اللهُ منَ الطينِ بشرًا سوِّيًا يفيضُ جمالًا وحيوية، عجبًا عجبًا! !
وكيفَ كانتْ كُتَلُ الطينِ في جسمِ آدمَ تتحولُ إلى شرايينَ وشعيراتٍ دمويةٍ وعظامٍ ولحمٍ طري، عجبًا عجبًا! !
كيفَ تحوَّل الصَّلصالُ في مَحَاجرهِ عليه السلام بصرًا يَبْرُقُ ويشعُّ بنورِ الحياةِ ويرى الألوانَ والأشياءَ، ويسيلُ بالدموعِ فرحًا وحزنًا، عجبًا عجبًا! !
كيفَ تخلّقَ الترابُ في جمجمتهِ دماغًا مائعًا متكوِّنًا منْ ملايينِ الخلايا اللطيفةِ الحساسة، تجري شعيراتُها بالدم الدَّافِقِ، وتختزنُ ملايينَ المعلوماتِ والذكريات، وتتأهَّبُ للتفكيرِ في أدقِّ الخطراتِ والنظرات؟ !
(1) سورة النحل، الآية:17.
ثمَّ تأملْ في مشهدِ الخلقِ الآخرِ في النبات، وكيفَ جعلَ من الطينِ والماءِ نباتًا جميلًا، فصارتْ له أزهارٌ تملأُ الأنوفَ عبيرًا أخَّاذًا، وثمارًا تملأُ القلوبَ بهجةً وجمالًا، ذلكَ هو الخلقُ العجيبُ وذلكَ هو الخلاقُ العليم، ومن هنا استحقَّ العبوديةَ والطاعة {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلّهِ أَندَادًا وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ} (1).
إنّ معرفةَ اللهِ تبدأُ بالشعورِ بالفرحِ بهِ تعالى ربًا خالقًا، والأُنسِ بهِ سبحانه إلهًا رحيمًا، فيمتلئُ القلبُ شوقًا إليه، ثمَّ تنشطُ الجوارحُ للسيرِ إلى بابهِ الكريم، والعروجِ إلى رضاه، عبرَ مدارجِ السالكين ومنازلِ السائرين، وكلما ازدادتْ معرفتهُ باللهِ زادَ أُنسهُ به، وكلَّما تعرفَ عليهِ زادَ في محبَّتهِ وطاعتهِ، وويلٌ لمن جهلَ ربَّه أو نسيَ ذكرَه، أو بارزَهُ بالمعصية، فذاكَ الذي يسيرُ في أرضٍ فلاةٍ مهلكةٍ، ولنْ يبالِ اللهُ به في أيِّ وادٍ هَلَكَ.
إخوةَ الإسلام: فإنْ قيل: فما السبيلُ للخروجِ من المأزقِ الذي تعيشُه الأمةُ؟
1 -
لا بدَّ أنْ تتنادى الأمةُ عمومًا، وأخيارُها على الخصوصِ للنظرِ في هذهِ الأزمةِ والتشاورِ في المخرجِ منها، ومؤلمٌ أنْ يستنفرَ الأعداءُ قواهمْ والمسلمونَ غارقونَ في لهوهِمْ، غافلونَ عما يُرادُ بهم.
2 -
لا بدَّ منَ التعلُّق بأسبابِ النجاةِ منَ الإيمانِ واليقينِ والتوكلِ، فاللهُ يقول:{وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} (2) ويقول: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا} (3)،
(1) سورة البقرة، الآيتان: 21، 22.
(2)
سورة الطلاق، الآية:3.
(3)
سورة الطلاق، الآية:2.
فالتقوى والتوكلُ على اللهِ وصيَّتانِ منَ اللهِ، وهما مخرجٌ منَ الأزمات.
3 -
ولا بدَّ أنْ نعتقدَ بأنَّ الإيمانَ سببٌ للأمن، وأنَّ الشركَ سببٌ للرُّعْب، تجدونَ ذلك في الكتاب العزيز {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ} (1) وعن الأخرى {سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا} (2).
4 -
والاجتهاداتُ في العبادةِ سببٌ لتثبيتِ العبدِ وتوفيقِه على كلِّ حال، ولا سيَّما في أوقاتِ الفتنِ، ووصيةُ الرسولِ الكريمِ صلى الله عليه وسلم لنا:«بادِروا بالأعمالَ فِتَنًا كقطعِ الليلِ المُظلمِ، يُصبحُ الرجلُ مؤمنًا ويُمسي كافرًا .. » الحديث.
5 -
للنصر أسبابٌ؛ منها:
أ- نصرُ دينِ الله {وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ} (3).
ب- الصبرُ، قال صلى الله عليه وسلم:«واعلمْ أنَّ النصرَ معَ الصَّبرِ» .
ج- العدلُ، فاللهُ يقيمُ الدولةَ العادلةَ وإنْ كانتْ كافرةً، ولا يقيمُ الظالمةَ وإنْ كانتْ مسلمةً، كذا قررَ العلماءُ.
د- ومنها اجتماعُ الكلمةِ وتوحيدُ الصفِّ: {وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} (4).
6 -
ولتسليطِ الأعداءِ أسبابٌ:
ومنها: معاداةُ أولياءِ الله، قالَ اللهُ عز وجل في الحديثِ القدسيِّ: «مَنْ عادى لي
(1) سورة الأنعام، الآية:82.
(2)
سورة آل عمران، الآية:151.
(3)
سورة الحج، الآية:40.
(4)
سورة الأنفال، الآية:46.
وليًّا فقدْ آذَنْتُ بالحربِ» رواهُ البخاري.
ومنها: أكلُ الربا {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (278) فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} (1).
والذنوبُ عمومًا سببٌ للبلاءِ وتسلطِ الأعداء، والاشتغالُ بتوافهِ الأمورِ وضعف الهممِ عن المعالي سببٌ لضياعِ الأمةِ وتسليطِ العدو، وفي هذا يقولُ ابنُ القيم في «مدارج السالكين» -والذي شاهدناهُ نحنُ وغيرُنا وعرفناهُ بالتجاربِ-: أنهُ ما ظهرتِ المعازفُ وآلاتُ اللهوِ في قومٍ، وفشتْ فيهمْ واشتغلوا بها، إلا سلّطَ اللهُ العدوَّ، وبُلوا بالقحطِ والجدبِ وولاةِ السوءِ» (2).
مؤلمٌ يا عبادَ الله، حين يشتغلُ المسلمونَ بالكأسِ والغانيةِ، وما يُسمى بالفنِّ والرياضة، ويشتغلُ غيرُهمْ بتصنيعِ السلاحِ والتدريبِ على حربِ المسلمين بأنواع الأسلحةِ الفتَّاكةِ.
7 -
لا بدَّ من تقويةِ شعيرةِ الأمرِ بالمعروفِ والنهيِ عنِ المنكر، ولا بدَّ منْ تعميقِ الاحتسابِ في الأمة، والتجديدِ في أساليبِ الدعوةِ إلى اللهِ حتى يعمَّ الخيرُ ويتقلَّصُ المنكرُ، ولا بدَّ لكلِّ مسلمٍ ومسلمةٍ أنْ يقومَ بواجبِهِ في هذا الميدان.
8 -
والدعاءُ سلاحٌ يصلُنا بربِّنا ويُرهبُ أعداءنا، وهوَ سهلُ الكلفةِ عظيمُ الأثر، بلْ طريقُ النصر؛ «هلْ تُنصرونَ وتُرزقونَ إلا بضعفائِكم؟ ! » (3).
وكمْ نحنُ بحاجةٍ للدعاءِ في كلِّ حين .. ولا سيَّما في وقتِ الشدائدِ والأزمات، فهوَ الذي يجيبُ المضطرَّ إذا دعاهُ ويكشفُ السوءَ ويجعلكمْ خلفاءَ الأرضِ.
(1) سورة البقرة، الآيتان: 278، 279.
(2)
1/ 500.
(3)
رواه البخاري.
اللهمَّ فارجَ الهمِّ كاشفَ الغمِّ سميعَ الدعاء، اللهمَّ إنا نستغفركَ منْ ذنوبِنا فاغفرْ لنا، ونستنصرُكَ على عدوِّنا فانصرْنا، ونسألكَ كشفَ الغُّمةِ عنْ أمتِنا وإخوانِنا، ونسألك أنْ تحبطَ كيدَ الكافرين وأنْ تكشفَ خَبَثَ المنافقين، وأنْ تجعلَ الدائرةَ على الكافرين، والعاقبةَ للمؤمنين {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَآ أَنتَ مَوْلَانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} (1).
أقولُ قولي هذا، وأستغفرُ اللهَ لي ولكمْ ولسائرِ المسلمين، فاستغفروهُ وتوبوا إليهِ يغفرْ لكم.
(1) سورة البقرة، الآية:286.