الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مظاهرُ صيفية
(1)
الخطبةُ الأولى:
إنَّ الحمدَ للهِ نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه ونعوذ باللهِ من شرورِ أنفسِنا ومن سيئاتِ أعمالِنا، منْ يهدِهِ اللهُ فلا مضلَّ له، ومَنْ يضللْ فلا هاديَ له، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُهُ ورسولهُ، اللهمَّ صلِّ عليهِ وعلى سائرِ الأنبياءِ والمرسلين، وارضَ اللهمَّ عنْ الصحابةِ أجمعين، والتابعينَ وتابعيهمْ بإحسانٍ إلى يومِ الدين وسلِّمْ تسليمًا كثيرًا.
أيها الناسُ: في مواسمِ الإجازات تنشأُ ظواهرُ، وتطرأُ عوائدُ حرِيةٌ بالتنبيهِ والبيان، فالفراغُ نعمةٌ ولكنْ له ضريبة، والصحةُ نعمةٌ ولكن لها ضريبةٌ لمنْ لم يُقدرها حقَّ قدرِها .. ولهذا قالَ عليه الصلاة والسلام:
«نعمتانِ مغبونٌ فيهما كثيرٌ مِنَ الناس: الصحةُ والفراغ» (2).
وحينَ أتحدثُ إليكمْ عن بعضِ هذهِ الظواهرِ أخاطب نفسي وإياكُم وأتحدثُ إلى الوليِّ والشاب، والرجلِ والمرأة، إنهُ حديثٌ إلينا جميعًا ليصلِحَ كلُّ واحدٍ منا ما يوجد عنده من أخطاء.
عباد الله: وأولُ هذه الظواهرِ الصيفيةِ ظاهرةُ السهر إلى ساعاتٍ متأخرةٍ من الليل، وحين تسألُ عنِ الوقتِ الذي يُقضى فيه السهرُ لا ترى فائدةً تُذكر، بلْ غالبًا على القيلِ والقال، والأكلِ والشربِ والضحك .. وأسوءُ منْ ذلكَ إن كانَ السهرُ على مسلسلاتٍ هابطة، أو جولاتٍ في زُبالاتِ القنواتِ الفضائية، ومِنَ
(1) ألقيت هذهالخطبةُ يوم الجمعة الموافق 9/ 5/ 1423 هـ.
(2)
رواه البخاري والترمذي وغيرُهما. صحيح الجامع الصغير 6/ 32.
الناسِ مَنْ يقضي ليلَهُ كلَّه متنقلًا بين الحدائق، أو متسكِّعًا في الشوارعِ أو عابثًا في السيارةِ على الخطوطِ الدائريةِ والطرقِ السريعة!
إنَّ استدامةَ السهرِ ليلًا ضارٌّ بالصحةِ كما يعرفُ الأطباءُ، وقبلَ ذلكَ مقررٌ في شرعِ اللهِ أنَّ الليلَ سَكَنٌ، بلْ منْ رحمةِ اللهِ أنْ جعلَ لكمُ الليلَ لتسكنوا فيه، والنهارَ معاشًا، لتبتغوا مِنْ فضله، فهلْ تُعكسُ الصورة؟ ومهما طالَ نومُ النهارِ فلا يُعَوِّضُ عنْ نومِ الليل، وكمْ يفوّتُ النائمُ نهارًا على نفسِهِ من المصالح .. وكمْ يخسرُ المجتمعُ من طاقةٍ كان لها أن تعملَ وتنتِجَ في سحابةِ النهار .. أمّا إنْ فوَّت النائمُ نهارًا شيئًا من الصلواتِ المفروضةِ فتلك خسارةُ الدينِ والدنيا ..
أما السهرُ ليلًا فهوَ كذلكَ سببٌ لكثيرٍ مِنَ الحوادثِ والبلايا، إذْ إنَّ نفرًا مِنْ ضِعافِ النفوسِ ربما استغلوا سوادَ الليل وغفلة الناسِ فأفسدوا وجَنَوْا على أنفسهم وعلى مجتمعهم .. وسلُوا رجالَ الأمنِ والهيئاتِ عن نِسَب الجرائمِ ليلًا .. أما إنْ كان السهرُ سببًا في تركِ صلاةِ الفجرِ فالطامّةُ كبرى وأولئك أقوامٌ بالَ الشيطانُ في أفواهِهم وآذانهم.
عبادَ الله: ظاهرةُ السهر- دون فائدة- مسئوليتُنا جميعًا، وتحتاجُ إلى تعاونٍ يقضي، أو على الأقلِّ يُخففُ من آثارِ هذهِ الظاهرةِ، فالجهاتُ الرسميةُ يمكنُ أن تنظمَ أوقاتَ فتحِ المحلاتِ في ساعةٍ معينةٍ مِنَ الليل، وإذا كانَ هذا معمولًا به في بلادِ لا تقيمُ للشرعِ وزْنًا، فهو أحرى وأولى بأهلِ الشريعةِ ومن يَرعون الأمنَ، ويوفِّرون العيشَ الهنيَّ، والأولياءُ لا بدَّ أنْ يُسهِموا- بحكم ولايَتهِم على بيوتهم بالقضاءِ على هذهِ العادةِ السيئة، والمربُّون والمعلمونَ لا بدَّ أنْ يتحدثوا عن مخاطرِ السهرِ، ووسائلُ الإعلامِ لا بدَّ أنْ تُعني في برامجِها وزواياها ومقابلاتها بدراسةِ هذه الظاهرةِ وعلاجِها.
والشبابُ والفتياتُ لا بد أنْ يَسألوا أنفسَهم عن حصادِ السهرِ، ماذا حققَّ
لهم، بل وماذا فوتّ عليهم
…
إنْ في مصالحِ الدينِ أو الدنيا، أو كليهما؟
إنها ظاهرةٌ تستشري وتؤذي، وتشكلُ خطرًا أمنيًا، وتخلِّفُ آثارًا في الصحةِ والأخلاق، والاقتصاد، والعوائدِ الاجتماعية، وهي سبيلٌ لفناءِ الأوقاتِ وإضاعةِ الزمن ومنْ وراء ذلك ضياعٌ الشباب .. فهل ننتبهُ ونسارعُ للعلاج؟
أيها المسلمون: وثاني هذهِ المظاهرِ ما ابتُليتْ به بعضُ العوائلِ من كثرةِ الترددِ على الحدائق، وبعضُ الأولياءِ يبلغُ بهِ التغفيلُ أو اللامبالاةُ بمصير عائلتِهِ، بحيثُ يرميهمْ في هذهِ الحديقةِ ويذهبُ لشأنه، وربما قَضى شطرًا من الليلِ ساهرًا مع شِلَلِه، أو نائمًا في فراشِه موكَّلًا لأحدِ أبنائه أو السائقِ بالمرور عليهم في ساعةٍ متأخرةٍ من الليل، وهناكَ في الحدائقِ تتجول الفتياتُ المراهقاتُ في طولِ الحديقة وعرضِها، وربما تعرَّضَ لها شبابٌ مستهترون فآذوهنُّ أو عقدوا صلاتٍ معهنَّ، وربما رموا بأرقامٍ هاتفيةٍ عليهنَّ فكانت البدايةُ لصلاتٍ مشبوهة، وعلى أقلِّ تقديرٍ ربما كانتِ الحديقةُ سببًا لعقدِ صِلاتٍ مع فتياتٍ مستهتراتٍ .. فكانت البداية للانحرافِ عبرَ هدايا للصورِ الخليعةِ، أو الأشرطةِ الماجنةِ أو التعريفِ على أصدقاءِ سوءٍ، أو نحوِ ذلك من أمورٍ لا تُحمدُ عقباها .. فأينَ أنتَ أيها الولي .. أبلَغَ بكَ الاهتمامُ بأسرتِكَ هذا المبلَغ؟ أم بلَغَ بك التغفيلُ والبساطةُ هذا المستوى؟ إنَّ الأسرةَ أمانةٌ في عنقِكَ، وكمْ تتحملُ منْ عارٍ- لا قدَّرَ الله- لو حصلَتْ في بيتك أو لأحدِ أفرادِ أسرتكَ كارثةٌ .. وأنتَ سببٌ فيها .. ألا إنَّ الوقايةَ خيرٌ من العلاج، والسلامةُ لا يعدِلُها شيءٌ، وكنْ فطِنًا حذِرًا، ومن يتقِ اللهَ يجعلْ لهُ مخرجًا.
أيها الناس: أما الظاهرةُ الثالثةُ فهيَ كثرةُ ترددِ النساءِ على الخياطينَ، سواءً كانت وحدَها، أو بصحبةِ وليِّها- الذي يكتفي أحيانًا بإيصالها، ثم يمكثُ في سيارتِهِ تاركًا المرأةَ تتحدثُ وتتفاوضُ معَ الرجلِ، دونَ أنْ يُشاركَها في الوقوفِ
والحديث .. وبحجةِ أنَّ هذهِ أمورٌ تخصُّ المرأة، وينسى هذا الرجلُ أنَّ وقوفَهُ مع زوجتهِ شرفٌ له وكرامة، وحفظٌ لمحرَمِهِ، لا سيما أنَّ بعضَ النساءِ تتسامحُ في المزاحِ معَ الخياط .. ولربما أظهرتْ مِنْ مفاتِنِها عندَه ما يكفي لشيوعِ المنكرِ وإثارةِ الغرائز! فكيفَ الحالُ إذا أعطتهُ المرأةُ رقمًا خاصًا- هاتفًا أوجوالًا- يُكلمُها عليهِ للاستفسارِ عنْ أيِّ شيء! أو أعطاها هو رقمًا خاصًا تكلمُهُ عليهِ للاستفسارِ عنْ أيِّ شيء! أو أعطاها «البُردات» والصورَ الخاصةَ بالموديلات لتطلعَ عليها ثم تُكلمهُ وحدَها منْ بيتها .. إنها وسائلُ تفضي للفساد وتدعو للفتنةِ، ومهما كانت الثقةُ بالمرأة- وهي أهلٌ لذلك- فقطْعُ دابرِ الفتنةِ أولى، والتحوّطُ لحمايةِ الفضيلةِ وحراستِها أحرى، وإذا قيلَ هذا عنْ مشاغلِ الرجالِ قيلَ كذلكَ في الاحتياطِ منْ مشاغلِ النساء، لا سيما تلكَ التي تتوفرُ بها نساءٌ كافراتٌ .. أو مسلماتٌ مستهترات.
إنها أمورٌ بُلينا بها جميعًا .. فلا أقلَّ مِنْ أنْ نحتاطَ وننتبهَ ونفعلَ الأسبابَ.
أيها المسلمون: أما الظاهرةُ الرابعةُ فهي ترددُ بعضِ النساءِ- هداهنَّ اللهُ- على الأسواقِ والمحلات، وفي ساعاتِ الليلِ والنهار، وهناكَ لا تسأَلْ عن ابتزازِ الأموال، وعنِ التسامحِ بالحجاب، وتبادل الضحكاتِ والمزاحِ، ولربما انفردَ البائعُ بالمرأةِ وحدَها في المعرض؟ وما خلا رجلٌ بامرأةِ إلا كانَ الشيطانُ ثالثهُما، وثمَّةَ ذئابٌ تتسلقُ وبمهارةٍ أبوابَ الفضيلة، وتهتكُ الحياءَ، وتتطاولُ على القِيَم، فهلْ ترضي أيها الوليُّ لأحدٍ منْ أهلِك أن تُسرق أخلاقُه معَ سرقةِ ماله؟ هلْ يكفيكَ أنْ تُوصلَ أهلَك إلى السوقِ ثم تتفقُ معهمْ على موعدٍ للعودة؟ وهلْ تدري ما يجري لهم؟ ومهما بلغتْ مشاغلُك وحرصُك على وقتِكَ، أفيكونُ ذلك عندكَ أهمَّ منْ حرصكَ على جاهِكَ وشرفِك؟
إنَّ أمورًا نسمعُها منْ بعضِ النساءِ وبعضِ الباعةِ في الأسواق، تُدمي القلبَ
فهلِ اتعظتَ بغيرك؟ وهلْ أشعرتَ أهلكَ بمخاطرِ الترددِ على الأسواقِ بشكلِ عام، وضرورةِ مصاحبتكَ أو أحدِ أبنائِكَ لهم عندَ الاقتضاء؟ إنّ بعضَ الأولياء- هداهمُ الله- يُعطي المرأةَ مِنَ المالِ ما تحتاجُهُ وما لا تحتاجه، وبالتالي فهيَ تشتري مِنَ السوقِ ما تحتاجُ وما لا تحتاج، وهذهِ الأموالُ الواردةُ للمرأةِ دونَ تعب، يستغلها بعضُ الباعةٍ أبشعَ استغلالٍ؛ فيزيدُ في ثمنِ السلعةِ، ولكن الأسوءَ منْ ذلكَ حينَ يُدغدغُ باعةٌ مستهترون مشاعرَ المرأةِ، فتنشأُ علاقاتٌ ربما تطورتْ إلى الأسوءِ مستقبلًا، والوليُّ عنْ كلِّ هذا غافلٌ حتى تحصلَ فواجعُ ومشاكلُ، وحينها يكونُ الندمُ والتحسُّر.