المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌من أحكام الحج وأخطاء الحجاج (1) ‌ ‌الخطبة الأولى الحمد لله رب العالمين، - شعاع من المحراب - جـ ٣

[سليمان بن حمد العودة]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الثالث

- ‌أبو موسى الأشعري رضي الله عنه وقصة التحكيم

- ‌الخطبة الأولى

- ‌الخطبة الثانية

- ‌المحاسبة، وقصر الأمل

- ‌الخطبة الأولى

- ‌الخطبة الثانية

- ‌قيمة العلم وأمية المتعلمين

- ‌الخطبة الأولى

- ‌الخطبة الثانية

- ‌من أحكام الحج وأخطاء الحجاج

- ‌الخطبة الأولى

- ‌الخطبة الثانية

- ‌بين هَمي الدنيا والآخرة

- ‌الخطبة الأولى:

- ‌الخطبة الثانية

- ‌الصلاة- بعض فضائلها وأحكامها

- ‌الخطبة الأولى

- ‌الخطبة الثانية

- ‌من أمراض القلوب

- ‌الخطبة الأولى

- ‌الخطبة الثانية

- ‌الرسل والرسالات

- ‌الخطبة الأولى

- ‌الخطبة الثانية

- ‌متاع الغرور

- ‌الخطبة الأولى

- ‌الخطبة الثانية

- ‌فريضة الحج في أعماق الزمن

- ‌الخطبة الأولى

- ‌(1) فاحشة الزنا، مقدمات وروادع

- ‌الخطبة الأولى

- ‌الخطبة الثانية

- ‌(2) فاحشة الزنا الأسباب والعلاج

- ‌الخطبة الأولى

- ‌الخطبة الثانية

- ‌من فقه النوازل وثمار السنن

- ‌الخطبة الأولى

- ‌الخطبة الثانية

- ‌(1) الثورة الغالية (نماذج ووقائع)

- ‌الخطبة الأولى

- ‌الخطبة الثانية

- ‌(2) الثروة الغالية أسباب المشكلة وطرق العلاج

- ‌الخطبة الأولى

- ‌الخطبة الثانية

- ‌(1) عبودية الضراء

- ‌الخطبة الأولىحاجتنا إلى الصبر

- ‌الخطبة الثانية

- ‌(2) عبودية الضراء

- ‌الخطبة الأولى

- ‌الخطبة الثانية

- ‌أمانة الكلمة ومسؤوليتها

- ‌الخطبة الأولى

- ‌الخطبة الثانية

- ‌وبالوالدين إحسانًا

- ‌الخطبة الأولى

- ‌الخطبة الثانية

- ‌محاسبة بين المتحانين

- ‌الخطبة الأولى

- ‌الخطبة الثانية

- ‌المسلمون بين تعظيم القرآن وهجره

- ‌الخطبة الأولى

- ‌الخطبة الثانية

- ‌تجربة صلاح الدين في تحرير فلسطين

- ‌الخطبة الأولى

- ‌الخطبة الثانية

- ‌الهجرة النبوية (الحدث والتاريخ)

- ‌الخطبة الأولى

- ‌الخطبة الثانية

- ‌الثبات في المحن ودروس من غزوة أحد

- ‌الخطبة الأولى

- ‌الخطبة الثانية

- ‌غرور الأماني وظاهرة الإرجاء

- ‌الخطبة الأولى

- ‌الخطبة الثانية

الفصل: ‌ ‌من أحكام الحج وأخطاء الحجاج (1) ‌ ‌الخطبة الأولى الحمد لله رب العالمين،

‌من أحكام الحج وأخطاء الحجاج

(1)

‌الخطبة الأولى

الحمد لله رب العالمين، منَّ على عباده بمواسم الخيرات ليغفر لهم الذنوب، ويجزل لهم الهبات، أشكره تعالى وقد خص بالفضيلة أيامًا معدودة. وأماكن محدودة، الموَفَّق من اغتنمها بطاعة الله، والمغبون من فرط فيها مع قدرته عليها، وأشهد أن لا إله إلا الله أكمل لنا الدين، وأتم علينا النعمة. ورضي لنا الإسلام دينًا، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، علم الأمة ما ينفعهما، ووجهها للعبادة، وفق ما شرع الله وهو القائل:«صلوا كما رأيتموني أصلي» . وقال: «خذوا عني مناسمكم» . اللهم صل وسلم عليه وعلى سائر الأنبياء والمرسلين، وعلى آله الطاهرين، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين، وعن التابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد، فأوصي نفسي وإياكم معاشر المسلمين بتقوى الله، فهي وصية الله للأولين والآخرين. قال تعالى:{ .. وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ} (2).

إخوة الإيمان، وحديثي إليكم عن شيءٍ من أحكام الحج وأخطاء الحجاج. وأبدأ الحديث مذكرًا بأهم أمر ينبغي أن يتذكره المسلم ويتمثله في كل عبادة لله - ومنها الحج- ألا وهو إخلاص العمل لله، والمتابعة لرسوله صلى الله عليه وسلم، وعبادة الله

(1) 28/ «/ 1415 هـ.

(2)

سورة النساء، الآية:131.

ص: 33

وفق ما شرع الله، فلا رياء، ولا سمعة، ولا جهل، ولا إخلال بالسنَّة، أولئك هم الذين يرجون لقاء ربهم، وأولئك هم الذين يتقبل الله أعمالهم. قال تعالى:{فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً} (1). {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} (2).

وحرىٌّ بمن عزم على السفر للحج أن يوصي أهله بتقوى الله، وأن يكتب وصيته، وماله وما عليه، وأن يبادر بالتوبة النصوح، ورد المظالم وقضاء الديون، لأنه لا يدري ما يعرض له، كما أن عليه اختيار الرفقة الصالحة، ومعرفة أحكام السفر والحج.

فإذا وصل الميقات سنَّ له أن يغتسل ويتنظف، ويتخذ من شعره وأظافره ما يحتاج إلى أخذ، وليس هذا من خصائص الإحرام، ولكنه مطلوب عند الحاجة، وهو سنة، ولذا قال بعض أهل العلم إن من كانت له أضحية وعزم على الحج فإنه لا يأخذ من شعره وأظافره إذا أراد الإحرام، لأن هذا سنة، فيرجح جانب الترك المنهي عنه، على جانب الأخذ المسنون، وهذا بخلاف التقصير أو الحلق للعمرة أو للحج فإن ذلك نسك فلا بد منه (3).

فإذا اغتسل، وتنظف، وتطيب في جسده- دون إحرامه- ولبس ثياب الإحرام استحب له أن يحرم عقيب صلاة مفروضة إن كانت، وإلا فليس للإحرام صلاة تخصه كما رجح ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية يرحمه الله (4).

(1) سورة الكهف، الآية:110.

(2)

سورة المائدة، الآية:27.

(3)

مجالس عشر ذي الحجة للفوزان / 17، 37، وأحال إلى الشيخ العثيمين في مفيد الأيام 1/ 319.

(4)

الفتاوى 26/ 108.

ص: 34

واستحب له كذلك قبل الدخول في الإحرام أن يحمد الله، ويسبحه، ويكبره، لحديث أنس رضي الله عنه، وفيه:(ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى استوت به راحلته على البيداء، حمد الله، وسبح، وكبر، ثم أَهَل بحج وعمرة)(1). وهذا من السنن التي قلَّ من يتفطن لها، ولذا قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:(وهذا الحكم وهو استحباب التسبيح، وما ذكر معه قبل الإهلال، قلّ من تعرض لذكره مع ثبوته)(2).

ثم ينوي بقلبه الدخول في النسك الذي يريد، فإن كان قارنًا قال: لبيك عمرةً وحجًا، وإن كان متمتعًا قال: لبيك عمرةً متمتعًا بها إلى الحج، وإن كان مفردًا قال: لبيك حجة (3).

ومعنى التمتع أن يحرم بالعمرة ثم يفرغ منها، ثم يحرم بالحج في عامه، وعليه هدي كما أن عليه طوافًا وسعيًا للعمرة، وطوافًا وسعيًا آخر للحج، ولكثرة أعماله، ولأمر النبي صلى الله عليه وسلم به أصحابه، اعتبره عدد من العلماء أفضل أنواع النسك (4).

أما القران فمعناه أن يحرم بالحج والعمرة جميعًا، وعليه هدي كالمتمتع، وليس عليه إلا سعي واحد بين الصفا والمروة فإن سعى مع طواف القدوم كفاه عن سعي الحج أيام التشريق، أما طواف القدوم فلا يكفيه عن طواف الحج أيام التشريق، لأن هذا الطواف ركن في الحج لجميع الحجاج لا يبدأ إلا في يوم العيد.

(1) أخرجه البخاري في صحيحه/ ح 1551.

(2)

الفتح 3/ 412.

(3)

الفتاوى 26/ 154.

(4)

الفتاوى 26/ 34، 54، مجالس عشر ذي الحجة/ 41، 42.

ص: 35

أما الإفراد فهو أن يحرم بالحج وحده، وليس عليه هدي، أما في الطواف والسعي فهو مثل القارن ليس عليه إلا سعي واحد، أما الطواف فيلزمه طواف الحج في أيام التشريق، ولو طاف للقدوم (1).

ومن الأخطاء التي يقع فيها بعض الحجاج إعلانهم النية، كأن يقول: اللهم إني نويت الإحرام بالحج متمتعًا أو قارنًا أو مفردًا، فهذا لا ينبغي لأن النية محلها القلب والتلفظ بها بدعة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: تنازع العلماء هل يستحب أن يتكلم بذلك، كما تنازعوا هل يستحب التلفظ بالنية في الصلاة؟ والصواب المقطوع به أنه لا يستحب شيء من ذلك، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشرع للمسلمين شيئًا من ذلك، ولا كان يتكلم قبل التكبير بشيءٍ من ألفاظ النية، لا هو ولا أصحابه (2). وهذا التلفظ بالنية المنهي عنه غير رفع الصوت بالتلبية في النسك الذي يريد- كما تقدم- فهذا مطلوب، فيكتفي الحاج المتمتع بالقول لبيك عمرة متمتعًا بها إلى الحج، والقارن لبيك عمرة وحجًا، والمفرد لبيك حجًا، ويسن رفع الصوت بالتلبية للرجال، وتخفيها النساء وهي من شعائر الحج، وفي فضلها قال عليه الصلاة والسلام:«ما من ملبٍ يلي إلا لبى ما عن يمينه وعن يساره من شجر، وحجر حتى تنقطع الأرض من هنا وهناك» (3).

قال عليه الصلاة والسلام: «أمرني جبريل برفع الصوت في الإهلال فإنه من شعائر الحج» (4).

فإذا وصل الحاج إلى البيت قدم رجله اليمنى، وقال ما ورد عند دخول

(1) مجالس عشر ذي الحجة ص 55.

(2)

الفتاوى 26/ 105.

(3)

رواه ابن خزيمة والبيهقي بسند صحيح، مناسك الحج للألباني/ 17، مجالس الفوزان/ 41.

(4)

رواه أحمد وابن خزيمة وسنده صحيح، الفوزان/ 40.

ص: 36

المسجد، ثم قصد الحجر إن تيسر له ذلك دون مزاحمة، وإيذاء الآخرين، وقبَّله وإلا استلمه بيده اليمني، فإن لم يتيسر أشار إليه، ثم يبدأ الطواف قائلاً:(بسم الله والله أكبر) اللهم إيمانًا بك وتصديقًا بكتابك، ووفاءً بعهدك، واتباعًا لسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، ويكثر من الدعاء والذكر وتلاوة القرآن، بقلب خاشع متأمل، وليس للطواف أدعية مخصوصة بكل شوط، ومن أخطاء الحجاج أنهم يصطحبون معهم حال الطواف أدعية مكتوبة قد لا يفقهون معناها، بل ولا يحسنون نطقها، ولو أنهم دعوا بما عرفوا ويفقهون لكان أولى لهم وأحرى باستجابة دعائهم، فإذا وصل إلى الركن اليماني استلمه من غير تقبيل إن تيسر، ويقول بين الركنين. {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} ، وكلما مر بالحجر الأسود كبّر مرةً واحدة، وأشار إليه بيده اليمنى إن لم يتيسر تقبيله ولا استلامه.

وهنا خطأ يقع فيه كثير من الحجاج وهم يقبِّلون أو يستلمون أو يتمسحون بجوانب من البيت أو المقام، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ولا يستلم من الأركان إلا الركنين اليمانيين دون الشاميين فإن النبي صلى الله عليه وسلم استلمهما خاصة لأنهما على قواعد إبراهيم، والآخرين هما في داخل البيت .. وأما سائر جوانب البيت ومقام إبراهيم، وسائر ما في الأرض من المساجد وحيطانها، ومقابر الأنبياء والصالحين كحجرة نبينا صلى الله عليه وسلم، ومغارة إبراهيم .. وصخرة بيت المقدس فلا تستلم ولا تقبل باتفاق الأئمة (1).

ويستحب في طواف القدوم الاضطباع والرمل، والاضطباع أن يجعل وسط ردائه تحت إبطه الأيمن وطرفه على عاتقه الأيسر، فيكون المنكب الأيمن،

(1) الفتاوى 26/ 121.

ص: 37

مكشوفًا إظهارًا للجلادة في مقام العبادة، ويظن البعض أن الاضطباع من حين يحرم إلى أن يخلع ثياب الإحرام، وإنما محله الطواف فقط، قال ابن عابدين:(والمسنون الاضطباع قبيل الطواف إلى انتهائه لا غير)(1).

أما الرمل فهو إسراع المشي مع تقارب الخطا من غير وثب، وهو في الأشواط الثلاثة الأولى فقط إن تيسر، فإذا فرغ من الطواف سوى رداءه وصلى ركعتي الطواف خلف المقام، أو في أي مكان من البيت إن لم يتيسر، يقرأ في الأولى (الكافرون) وفي الثانية (قل هو الله أحد) ثم يذهب إلى الصفا والمروة ليسعى بينهما مبتدئًا بما بدأ به (الصفا) ويرقى عليه، ويستقبل القبلة ويوحد الله ويكبره ويقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيءٍ قدير، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده- يكرر هذا ثلاث مرات، ويدعو بين ذلك رافعًا يديه- كما ثبت ذلك من حديث جابر رضي الله عنه في صحيح مسلم رقم (1218). وهذا الذكر والدعاء قلَّ من يتمسك به مع ثبوته، ثم يسعى إلى المروة، ويسرع بين العلمين الأخضرين، ويدعو ويذكر الله بما شاء، أو يتلو القرآن، ومن الأدعية الثابتة في السعي، عن ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهما:(رب اغفر وارحم إنك أنت الأعز الأكرم)(2). وعلى الحاج أن يتذكر بشكل عام عظمة هذه المشاعر وهو يؤديها، فلا يتحرك جسمه، وقلبه سارح عن الهدف والحكمة منها، وفي السعي مثلاً، قال أهل العلم في حكمته:

1 -

أن يشعر الساعي بأن حاجته إلى الله وفقره إلى خالقه كحاجة وفقر أم إسماعيل عليه السلام في ذلك الوقت الضيق والكرب العظيم.

(1) الفوزان ص 51.

(2)

صححه الألباني، كما نقل الفوزان/ 54.

ص: 38

2 -

وليتذكر أن من كان يطيع الله كإبراهيم عليه السلام، لا يضيعه، ولا يخيب دعاءه، وهذه حكمة بالغة ظاهرة دلَّ عليها حديث صحيح- كما قال الشنقيطي رحمه الله (1) -

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ} (2).

(1) أضواء البيان 5/ 318.

(2)

سورة البقرة، الآية:197.

ص: 39