الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(2) فاحشة الزنا الأسباب والعلاج
(1)
الخطبة الأولى
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ..
أيها المؤمنون والمؤمنات وقد سبق الحديث عن مقدمات وروادع فاحشة الزنا، تلك التي يكفي أن الله قال في شأنها:{وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً} (2).
وعدَّها العلماء من أكبر الكبائر الثلاث، الكفر، ثم قتل النفس بغير الحق، ثم الزنا كما رتبها الله في قوله:{وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَاّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ .. } (3).
وفي الصحيحين من حديث عبد الله بن مسعود، رضي الله عنه، قال: قُلتُ: «يا رسول الله، أي الذنب أعظم؟ قال: أن تجعل لله ندًا وهو خلقك، قلت: ثم أي؟ قال: أن تقتل ولدك خشية أن يطعم منك، قلت ثم أي؟ قال: أن تزني بحليلة جارك» . قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ولهذا الترتيب وجه معقول، وهو أن قوى الإنسان ثلاث: قوة العقل، وقوة الغضب، وقوة الشهوة (4).
هذه الفاحشة التي ترفضها الفطر والعقول السليمة، ويأنف منها غير الآدميين
(1) في 7/ 7/ 1415 هـ.
(2)
سورة الإسراء، الآية:32.
(3)
سورة الفرقان، الآية:68.
(4)
الفتاوى 15/ 428.
من الحيوان والطير، فقد ذكر البخاري في صحيحه عن أبي رجاء العطاردي أنه رأى في الجاهلية قردًا يزني بقردة فاجتمعت القرود عليه حتى رجمته، وقال ابن تيمية: وحدثني بعض الشيوخ الصادقين أنه رأى نوعًا من الطير قد باض، فأخذ الناس بيضه وجاؤوا ببيض جنس آخر من الطير، فلما انفقس البيض خرجت الفراخ من غير الجنس، فجعل الذكر يطلب جنسه حتى اجتمع منهن عدد، فما زالوا بالأنثى حتى قتلوها. قال الشيخ: مثل هذا معروف في عادة البهائم (1).
أختاه في الله، ولِعِظَم جرم الزنا كان النبي صلى الله عليه وسلم يبايع النساء على عدم مقارفته، كما يبايعهن على عدم الإشراك بالله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لَاّ يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ
…
} (2)
وكان العرب، وهم مشركون، يحرمون الفواحش، وربما قتل بعضهم البنات خشية العار، فنهى القرآن عن قتلهن بغير حق، ورتَّب العقوبة المناسبة للفاحشة، ولهذا استغربت هند بنت عتبة بن ربيعة، حين بايعها النبي صلى الله عليه وسلم، فيما بايعها على عدم الزنى وقالت: أوَ تزني الحرة؟ وكان الزنى معروفًا عندهم في الإماء (3).
أيها المسلمون والمسلمات، وليس شيءٌ يقع إلا وله أسباب، ومعرفتنا بالأسباب والعوامل المؤدية لفاحشة الزنى تضع أيدينا على الداء، والوقاية منها وسد الطرق الموصلة إليها يكمن فيها العلاج والدواء، والعاقل مَن وعى هذه الأسباب، وأبعد نفسه عن مخاطرها، وتأمل طرق العلاج وألزم نفسه فيها.
وأول الأسباب المؤدية للزنى وأحراها ضعف الإيمان واليقين، فإذا ضعف هذا العامل نسي المرء أو تناسى الوعد والوعيد، وأمن العقوبة، وتباعد
(1) الفتاوى 15/ 147.
(2)
سورة الممتحنة، الآية:12.
(3)
الفتاوى 15/ 146.
الفضيحة، وقل ما حسه ميزان الرقابة، وانحسر الخوف من الجليل، وقد سبق الحديث:«لا يزني الزاني حين يزني، وهو مؤمن» وفي الحديث الآخر «من زنى خرج منه الإيمان، فإن تاب تاب الله عليه» (1)، ومن صفات المؤمنين-كما جاء في القرآن الكريم- أنهم لا يزنون.
السبب الثاني: النظرة المحرمة، إذ هي سهم من سهام الشياطين، تنقل صاحبها إلى موارد الهلكة، وإن لم يقصدها في البداية، ولذا قال تعالى:{قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ .. } (2).
وتأمل كيف ربط بين غض البصر وحفظ الفرج في الآيات، وكيف بدأ بالغض قبل حفظ الفرج لأن البصر رائد القلب، كما أن الحمى رائد الموت، كما قال الشاعر:
ألم تر أن العينَ للقلب رائدٌ
فما تألف العينان فالقلب آلف.
وفي السنة بيان لما أجمله القرآن في أثر النظرة الحرام، ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنى أدرك ذلك لا محالة، فالعينان تزنيان، وزناهما النظر
…
الحديث» فاتقوا زنى العينين، قال أهل العلم: لا يحل للرجل أن ينظر إلى المرأة- الأجنبية- ولا المرأة إلى الرجل- الأجنبي عنها- فإن علاقتها به كعلاقته بها، وقصدها منه كقصده منها (3).
(1) حديث حسن (صحيح الجامع الصغير 5/ 296).
(2)
سورة النور، الآيتان: 30، 31.
(3)
تفسير القرطبي 12/ 227.
إخوة الإيمان، وكم نظرةٍ محرَّمةٍ قادت إلى نظرات أخرى، وقادت النظرات إلى همسات، ثم مواعد فلقاء، ومعظم النار من مستصغر الشرر:
كم نظرةٍ فتكت في قلب صاحبها
…
فتك السهام بلا قوس ولا ترِ
والمرء ما دام ذا عين يُقَلِّبُها
…
في أعيُن الغيد موقوفٌ على الخطرِ
يسرُّ مُقلتَه ما ضرَّ مهجته
…
لا مرحبًا بسرورٍ جاء بالضرر
قال الإمام القرطبي رحمه الله: ولقد كره الشعبي أن يديم الرجل النظر إلى ابنته أو أمه أو أخته، وزمانه خير من زماننا هذا، وحرام على الرجل أن ينظر إلى ذات محرمه نظرة شهوة يرددها (1).
فإذا كان هذا في القرن السابع الهجري فماذا لو رأى القرطبي زماننا نحن، ماذا عساه يقول عن كلام الشعبي؟ وإذا كان هذا في النظر إلى المحارم فكيف يكون الحال في النظر إلى الأجنبيات أو إلى الصور الخليعة أو المسلسلات الهابطة التي يختلط فيه النساء بالرجال؟
ومن الأسباب الداعية للزنا أيتها المرأة المسلمة: كثرة خروج المرأة وتبرج النساء، وتكسرهن في المشية، وإلانتهن في القول، فهذه وتلك فواتح للشر تطمع الذي في قلبه مرض. وتفتن المستمسك إلا أن يعتصم بالله، وقد نهى الله نساء المؤمنين عن ذلك كله حماية لأعراضهن وصونًا لغيرهن من مواطن الريب، قال تعالى:{وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى} (2).
ويقول تعالى مخاطبًا نساء النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهن من باب أولى-: {فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً} (3).
(1) تفسير القرطبي 12/ 223.
(2)
سورة الأحزاب، الآية:33.
(3)
سورة الأحزاب، الآية:32.
إن مما يؤسف له أن تملأ نساء المسلمين الأسواق العامة، وأن تَظْهرَ المرأة بكامل زينتها، وأن يُنزع الحياءُ منها فتخاطب الأجانب وكأنما هم من محارمها، وربما ساءت الأحوال فكانت الممازحة والمداعبة، وتلك وربي من قواصم الظهر ومن أسباب إشاعة الفاحشة في الذين آمنوا!
إخوة الإيمان، ويستهين فريق من الناس بالخلوة بالنساء الأجنبيات ولو كن من ذوات الأقارب، ويتسامح آخرون في سفر المرأة دون محرم وهذه وتلك طرائق أخرى للجريمة العظمى، وما فتئ المصطفى صلى الله عليه وسلم يحذر الأمة ويبعدها عن مناطق الخطر ويقول:«إياكم والدخول على النساء، فقال رجل من الأنصار: أرأيت الحمو؟ قال: الحمو الموت- والحمو قريب الزوج-» (1).
وفي الحديث الآخر قال عليه الصلاة والسلام: «لا يخلون أحدكم بامرأة إلا مع ذي محرم» و «ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما» .
كما حرم الإسلام الخلوة بالمرأة الأجنبية في أي موضع وأي حال فقد حرم سفرها بدون محرم ومهما كانت الظروف والأحوال، فقد جاء في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم وليلة إلا مع ذي محرم عليها» .
إذا كان هذا منطق الإسلام وهدي سيد الأنام فما بال أقوام يتعللون بالثقة أحيانًا ويتذرعون بالحاجة أحيانًا أخرى، والثقة شيء وسد الذرائع الموصلة إلى الحرام شيء آخر، والمعرفة المجردة بالأحكام شيء، والانصياع والتطبيق والرضا والتسليم لشرع الله شيء آخر: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ
(1) الحديث أخرجه البخاري وسلم والترمذي.
وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُّبِيناً} (1).
أمة الإسلام، ومن أعظم دواعي الفاحشة استقدام الخدم والسائقين تلك، المصيبة التي عمت وطمت، وامتلأت بها البيوت لحاجة ولغير حاجة، واعتاد الرجال على الدخول مع النساء المستخدمات وكأنهن من ذوات المحارم وربما تطور الأمر عند آخرين فجعلها تستقبل الزائرين وتقدم الخدمة للآخرين؟
وليس أقل من ذلك إتاحة الفرصة للسائقين الأجانب بدخول البيوت دون رقيب، والذهاب بالنساء وحدهن دون حسيب، وليت شعري أُنزعت الغيرةُ من الرجال إلى حد يستأمنون فيه الذئاب على الشياه، ويودعون ماء الوجوه لأقوام لا خلاق لهم ولا حياء، وقد يكون بعضهم فاسقًا أو كافرًا بالله فلا ذمة ولا دين له؟ وإذا كان الإسلام حرم على قريب الزوج أن يدخل على زوجته دون محرم، وقد يكون ذا غيرة عليها، وعلى فراش قريبه، فكيف نسمح للأجنبي عنها وعن زوجها ونعطيه من الثقة ما ليس أهلاً لها؟
إن أحداث الزمن وواقع الناس يشهد بكثير من الجرائم والفواحش من وراء استقدام السائقين والخدم
…
ولكن التقليد الأبله، والثقة العمياء ربما حجبت الرؤية عند قوم وأصمت آذان آخرين، ومصيبة أن يستيقظ المرء على الجريمة تقع في بيته، وليس من العقل أن يتأخر المرء حتى يصبح عبرة للآخرين فالعاقل من وعظ بغيره، والموفق من استبرأ لدينه وعرضه.
أمة الإسلام مصيبة عظمى أن نسعى بأنفسنا لتهيئة أسباب الفاحشة لنسائنا وأزواجنا وأخواتنا في قعر بيوتنا، ونحن نسمح للسائقين بالخلوة بهن والذهاب
(1) سورة الأحزاب، الآية:36.
والمجيء معهن، وأن نهيج غرائز أبنائنا وإخواننا بتوفير الخادمات اللاتي يستعرضن أنواع الزينة، ويلبسن ما شف أو وصف ولم يغط الذراعين والساقين أو كليهما، ثم نطلب من هؤلاء المراهقين أن يكونوا بررة أتقياء؟ أو نتصور الأمور طهرًا ونقاء والله أعلم بما يجري في الخفاء.
اتقوا الله معاشر الرجال في قوامتكم ومسؤوليتكم، واتقين الله معاشر النساء في رعايتكن للبيوت ولا تطلبن من الأزواج ما خالف الشرع أو كان سببًا للفحش، ومن يتق الله يجعل له مخرجًا.