الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، سن من الشرائع والأحكام ما فيه مصلحة للعباد في دينهم ودنياهم، وأشهد ألا إله إلا الله، يعلم ما يصلح الخلق في حاضرهم ومستقبل أيامهم، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، ما فتئ يحذر أمته من الخنا والفجور حتى وافاه اليقين. اللهم صل وسلم عليه وعلى سائر النبيين.
إخوة الإسلام، وإذا كان ما مضى جزءًا من شناعة عقوبة الزنا في الدنيا فأمر الآخرة أشد وأبقى.
ولو سلم الزناة من فضيحة الدنيا، فليتذكروا عظيم الفضيحة على رؤوس الأشهاد، هناك تبلى السرائر ويكشف المخبوء، وما للإنسان حينها من قوة ولا ناصر، بل إن أقرب الأشياء إليه تقام شهودًا عليه:{الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} (1).
وهل تغيب عن العاقل شهادة الجلود، وهل دون الله ستر يغيب عنه شيء وهو علام الغيوب {وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (21) وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصَارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلَكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِّمَّا تَعْمَلُونَ (22) وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُم مِّنْ الْخَاسِرِينَ} (2).
يا أمة الإسلام، ولا يقف الأمر عند حد الفضيحة على الملأ مع شناعته بل يتجاوز إلى العذاب وما أبشعه؟
جاء في صحيح البخاري وغيره عن سمرة بن جندب رضي الله عنه -في الحديث
(1) سورة يس، الآية:65.
(2)
سورة فصلت، الآيات: 21 - 23.
الطويل- في خبر منام النبي صلى الله عليه وسلم أن جبريل وميكائيل جاءاه قال: فانطلقا فأتينا على مثل التنور أعلاه ضيق وأسفله واسع فيه لغط وأصوات، قال: فاطلعنا فإذا فيه رجال ونساء عراة فإذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم، فإذا أتاهم ذلك اللهب ضوضوا- أي صاحوا من شدة الحر- فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الزناة والزواني فهذا عذابهم إلى يوم القيامة (1).
وروى الإمام أبو يعلى وابن حبان وصححه. عن أنس رضي الله عنه: (من مات مدمن الخمر سقاه الله جل وعلا من نهر الغوطة، قيل وما نهر الغوطة؟ قال: نهر يجري من فروج المومسات- يعني البغايا- يؤذي أهل النار ريح فروجهم).
فأهل النار يعذبون بنتن ريح الزناة (2)؟
أيها المسلم والمسلمة، وفي يوم عظيم أنتم في أشد حاجة إلى الظل تستظلون به من حر الشمس حين تدنو من الخليقة، والعرق يلجمهم على قدر أعمالهم- هل علمتم أن من أسباب ظل الله للعبد يوم لا ظل إلا ظله- البعد عن مقارنة الزنا، وتصور عظمة الله ورقابته. جاء في الحديث الصحيح أن أحد السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله .. رجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقالت إني أخاف الله.
أيها المسلمون، إن عذاب الله شديد وعقابه أليم. وهو يمهل ولا يهمل، فلا تؤخذوا بالاستدراج، ولا ينتهي تفكيركم عند حدود الحياة الدنيا فإن يومًا عند ربكم كألف سنة مما تعدون.
ولو عدنا مرة أخرى للدنيا لوجدنا من الزواجر والروادع، غير ما مضى، ما
(1) ابن حميد 1/ 27، وانظر صحيح الجامع 3/ 165.
(2)
ابن حميد 1/ 127.
يكفي للنهي عن هذه الفاحشة النكراء.
فالأمراض المدمرة يجلبها الزنا وقد جاء في الحديث، أن النبي صلى الله عليه وسلم أقبل على المهاجرين يومًا فقال: يا معشر المهاجرين، خمس إذا ابتليتم بهن وأعوذ الله أن تدركوهن فذكر منها:«ولم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيها الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم» (1).
وهنا نحن اليوم نشهد نبوة النبي صلى الله عليه وسلم في المجتمعات التي ينتشر فيها الزنا.
أيها المسلم والمسلمة وكل منا محتاج إلى كشف الكربات التي تصادفه في الدنيا وكشف كربات القيامة من باب أولى، وقد ورد أن البعد عن الزنا سبب لتفريج الكربات، كما في قصة الذين انطبق عليهم الغار فاستصرخ كل منهم ربه بعمل عمله، وكان من أعمال أحدهم أنه راود يومًا امرأة في الحرام فلما وقع منها موقع الرجل من امرأته قالت له: يا عبد الله اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه، فخاف الله وأقلع عنها، وكان هذا العمل سببًا لرفع جزء من الصخرة عنهم
…
وكذلك يفرج الله عن عباده العارفين به حال السراء إذا مسهم الضر وأصابهم البلاء ..
أيها المسلمون، هذه مقدمات وروادع لفاحشة الزنا، وبيان لبعض عقوباتها في الآخرة والأولى. أما الأسباب المؤدية للجريمة، وأما العوامل المساعدة على الخلاص منها فتلك لأهميتها أرجئ الحديث عنها لخطبة قادمة بإذن الله.
عصمني الله وإياكم من كل مكروه، وأخذ بأيدينا إلى الخير والفلاح هذا وصلوا على القائل:«ما من عبد يصلي علي إلا صلت عليه الملائكة ما دام يصلي علي فليقل العبد من ذلك أو ليكثر» (2).
(1) صحيح الجامع 6/ 306.
(2)
صحيح الجامع 5/ 174.