الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، أحمده تعالى وأشكره، وأثني عليه الخير كله، وأشهد أن لا إله إلا إله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله اللهم صل وسلم عليه وعلى سائر المرسلين.
أما بعد، فإذا توصيف الداء أمكن مباشرة العلاج، وأول طرائق العلاج العناية بإزالة أسباب الانحراف.
فالبيت ينبغي أن يتحمل مسؤوليته كاملة في تربية الفتيان والفتيات، وذلك بالمتابعة والتعرف على أحوالهم، والمسارعة بحل مشكلاتهم، ولكُم أن تتصوروا حجم إهمال بعض البيوت من خلاله الدراسة الميدانية التي أُجريت على عينة من الشباب، وأظهرت النتائج التالية:
نسبة من يطلعون على أسرار أبنائهم دائمًا هي 3.2% وهي نسبة قليلة جدًا، في حين أن نسبة من لا يطلعون على أسرار أبنائهم الشباب 5. 64%، أما الذين يطلعون أحيانًا فهي 32.3%، وبالتالي تكون نسمة من لا يطلعون أصلاً أو يطلعون أحيانًا على مشكلات أبنائهم 96.8% وهي نسبة مذهلة، وهل يستطيع بيتٌ حل مشكلة وهو لا يدرك بها أصلاً، أو يعرف شيئًا ويجهل أشياء؟ (1).
وعلى المدرسة أن تتجاوز في مهمتها التربوية التلقين وحشد أكبر قدر من المعلومات، وأن تعنى بأخلاق الطلبة والطالبات، وتتعرف على مشكلاتهم وتساهم في حلها، وأن توفر لهم المناخ المناسب للتربية بجوانبها المختلفة.
ووسائل الإعلام، ورجالات الإعلام، عليهم كفلٌ من مسؤولية الشباب
(1) مشكلات الشباب والمنهج الإسلامي في علاجها/ شبير ص 334.
وعليهم ألا يثيروا غرائز الشباب بصورة فاتنة، أو ألحان حب وغرام محرمة، أو خبر مثير، وألا يستهلكوا أوقاتهم، ويبددوا طاقاتهم بما لا يخدمهم ولا ينفع أمتهم.
وشعور المجتمع كله بقيمة الشباب، وتلمس مشكلاتهم، والإسهام في حلها يقلل الانحراف، ويحصر المنحرفين. وإذا كان هذا يقال للشباب العاجزين عن حل مشكلاتهم، فيقال لمن بلي بشيء من الانحراف ولديه استعداد لسماع موعظة الناصحين.
إن الإيمان سبب للسعادة والأمان، وطلب العلم يفتح لصاحبه آفاقًا من المعرفة تصرفه عن مواطق الردى، ويسهل الله به طريقًا إلى الجنة، ورفقة الخير عون على الطاعة، والترفع عن السواقط من المروءة، والاعتبار بمن هلك منحرفًا كفيلٌ بالمراجعة والمحاسبة، وعلو الهمة سبب للمكرمات، وصارف بإذن الله عن الفضائح والموبقات، ولهذا يروى عن عمر، رضي الله عنه، أنه قال:
(لا تصغرنَّ همتكم، فإني لم أر أقعدَ عن المكرمات من صغر الهمم)(1).
أيها المسلمون، وثمة قنوات ووسائل لاستصلاح الشباب، وحفظ أوقاتهم، وبيوت الله أولى ما حفظ الشباب بها أوقاتهم تعلمًا لكتاب الله، وأداءً لفرائضه، وحضورًا لمجالس العلم، واستفادةً من العلماء، والنشاط المدرسي الموجه وسيلة لبناء شخصية الشباب، وحفظ أوقاتهم، وتنمية مهاراتهم، وكم هي خطوة رائدة لتعليم البنات حين استثمرت أوقات فراغ بعض الطالبات بإيجاد حلق لتحفيظ القرآن الكريم، والأندية الأدبية رافد من روافد المعرفة، فهي تستقطب الشباب بمسابقة القصة الهادفة، وتعليم الخطابة، وربط الشباب بهموم الأمة عبر
(1) أدب الدنيا والدين للماوردي ص 319، عن الهمة العالية/ الحمد/ 95.
الحوار الهادف، والأمسية، والمقال، وقراءة الكتاب، ولئن شكت من روادها أثناء الدراسة فهل تجدد نشاطها في الإجازة، وتضع الجوائز الحافزة؟
والأندية الرياضية تدرك أن الرياضة وسيلة لا غاية، ولها رسالة ثقافية، وعليها مسؤولية اجتماعية، وينبغي أن تعي دورها في استصلاح الشباب، وتقويم سلوكياتهم، وأن تكون يقظة لعلاقات الشباب، واختلاط الصغار مع الكبار.
أما الجمعيات الخيرية فلها رسالة جليلة حين تعنى بتعليم كتاب الله، وتقيم الدورات والمسابقات للبنين والبنات، وحين تهتم بالخدمات الاجتماعية فتعين الأسر المحتاجة، وتقيم الدورات النافعة والمؤهلة للشباب، أو تساهم في إعانة المتزوجين، أو تعنى باليتامى والمعاقين، أو تتلمس حاجات المجتمع هنا وهناك فتسدها، ولا ننسى جهود مساعدة الراغبين في الزواج، وجهودها مشكورة في مساعدة الشباب على الزواج، وتجاوز مرحلة العزوبة الخطرة.
ألا وإن من حق هذه الجماعات والجمعيات واللجان الخيرية علينا الدعم والمساندة والدعاء، وتحيةً وسلامًا للعاملين المخلصين المتطوعين فيها.
وتشكر مكاتبُ التوظيف والعمل حين تتيح فرصًا وظيفية للشباب في الصيف يقضون بها أوقاتهم، ويسددون بمخصصاتها المالية حاجاتهم أو حاجات أهليهم.
ومن علائم الخير أن تسهم مؤسسة التعليم الفني والتدريب المهني -مشكورة- في افتتاح مراكز صيفية، أو دورات تدريبية للشباب في الصيف، فتسهم مع الجامعات وقطاعات التعليم في توفير فرص صالحة لاستثمار فراغ الشباب في الصيف، وتدريبهم على المهارات المفيدة.
وتشكر وزارة المعارف حيت تفتتح المراكز الصيفية وتنشرها في عدد من
المدن في بلادنا الحبيبة.
والقطاعات العسكرية كذلك تشكر حين تتبنى دورات نافعة للشباب، فيعنى الدفاع المدني بدورات في السلامة، وأنسب الطرق لإطفاء الحريق- لا قدر الله- ويعنى المرور بإقامة دورات مستديمة لأصول القيادة وفنها، والتحذير من مخاطر التهور والسرعة، وعرض نماذج لآثارها، وإحصاءات تبين مخاطرها. وتعنى مكافحة المخدرات بتحذير الشباب من مخاطر المخدرات على الدوام، وليس في الأيام العالمية لمكافحة المخدرات فحساب، وتتخذ من الوسائل الحديثة أداة لإيصال رسالتها، فتستخدم الشريط والمطوية والمحاضرة والندوة، وتصل إلى الذكر والأنثى، والغني والفقير، والصغير والكبير، فشبح المخدرات مخيف، والعصابات فيه عالمية، والحرب فيه مدمرة، ولابد من توعية كاملة ومقنعة للأمة، وبخاصة الشباب والشابات عن المخاطر وطرق الوقاية.
إخوة الإسلام، ليس ذلك إحصاءً لجهود الجهات المشاركة في توعية الشباب، وليس حصرًا للقطاعات المساهمة بقدر ما هي إشارة إلى أهمية تكاتف الجهود للمؤسسات والجمعيات لاستصلاح الشباب واستثمار أوقاتهم والعناية بهم، وعلى الشباب أن يُثَمِّنوا هذه الجهود، وأن يستفيدوا منها لحاضرهم ومستقبلهم، وأن يحفظوا أوقاتهم ويقدروا محياهم ومماتهم، وأن يتصوروا قول الشاعر:
ومن عجب الأيام أنك جالس
…
على الأرض في الدنيا وأنت تسيرُ
فسيرك يا هذا كسير سفينةٍ
…
بقوم جلوس والضلوع تطيرُ (1)
(1) الوقت/ 33.