الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، له الحكم في الأولى والآخرة، وإليه ترجعون، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى إخوانه من النبيين، وعلى عباد الله الصالحين.
أما بعدُ، فمن الامتحان في الأخرى إلى الامتحان في الدنيا أذكركم، وفي هذه الأيام تطل الامتحانات برأسها على الطلبة والطالبات، وفي أجوائها أقف مذكرًا البيت والمعلم والطلاب بالأمور التالية، فأما البيت فأذكره بما يلي:
1 -
هناك إفراط أو تفريط في رعاية أبنائهم أيام الامتحانات، فبيتٌ لا يكترث بالامتحانات، ولا يهمه كثيرًا أنجح أولادهم أم رسبوا، وربما كان هذا شأنهم معهم في كثير من أمور حياتهم، وبيتٌ آخر يبلغ به الاهتمام حدَّ السرف، وربما أمَلَّ الأولاد، ونفَّرهم، حتى وإن تظاهروا بالدراسة أمامهم، وإن حملوا الكتب في حالة مراقبتهم. وإذا رُفض الأسلوب أو ذاك فالمتابعة واللين والحكمة في التربية والتوجيه هي الطريق لصلاح الأولاد، واستفادتهم بإذن الله.
2 -
وليس من سمات البيت المسلم أن يقتصر في متابعة البنين أو البنات في حال دون حال، أو يقصروا اهتمامهم وتوجيههم على الدراسة والامتحانات فحسب، بل ينبغي أن يكون الاهتمام مستمرًا، والمتابعة والتوجيه والنصح شاملاً.
3 -
والبيت رديف للمدرسة في مسألة التربية والتوجيه، ولذا ينبغي ألا يعيش الطالب والطالبة حالة تناقض، فما تبنيه المدرسة تهدمه البيوت
…
وما يأخذه الدارسون في المدارس من توجيهات تربوية تذهب أدراج الرياح في ضوء
ممارسات البيوت الخاطئة، .. وكذلك العكس بالنسبة للمدرسة إزاء ما تبنيه البيوت ..
أما بالنسبة للمدرسة والمعلم فينبغي أن تكون محضنًا يشاع فيها روح المحبة، وتحاصر فيها أساليب الرهبة التي ربما أفقدت بعض الدارسين معلوماتهم، ويكفي شبح الامتحان خوفًا، فلا نزيد عليه .. بل نعطي الطلاب من الهدوء والراحة النفسية ما يتجاوزون به الامتحان بسلام.
2 -
وليس ذلك يعني بحال، التسامح المخل، والذي ربما تسلل من خلال الضعفاء، فالغش حرام في شريعتنا .. ونتائجه لا تبني أمةً قادرةً على العطاء والذين يمارسون الغش في مكان العلم، ومحضن التربية، ستكون جرأتهم عليه في مناحي الحياة الأخرى من باب أولى، فلنحارب هذا الداء العضال قبل أن يستشري في مجتمعنا.
3 -
ويخطئ المعلم- أو البيت- الذي يرسِّخ في ذهن الطالب أو الطالبة منذ الأيام الأولى للدراسة أن الهدف من التعليم هو الامتحان في نهاية العام فقط، فتلك النظرة تنسحب بظلالها على الدارسين وتصرفهم عن الهدف الأسمى من أهمية طلب العلم، ورفع الجهل، وإعطائه الأدوات الأولى التي يسلك بها مسالك العلماء .. كما تحرمه من الاستفادة من هذه المعلومات، وأساليب التربية في حياته العملية، فيعبد على بصيرة، ويستطيع التعامل مع خلقه بأدب وحكمة.
أيها المعلمون، وأيتها المعلمات، أبناؤنا وبناتنا أمانة في أعناقكم وستُسألون عنها، فازرعوا ما شئتم اليوم، وستحصدون ما زرعتم غدًا، وإن غدًا لناظره قريب، وإننا إذ نذكِّركم بمسؤوليتكم لا يداخلنا شك في أمانتكم، لكنها الذكرى، والذكرى تنفع المؤمنين، بل ومن حقكم علينا أن ندفع التهم التي ربما
قيلت لكم جزافًا، وكم هو مؤلم لكم ولنا أن نطالع في إحدى زوايا الصحف مقالاً لإحدى الكاتبات تحت عنوان (الغرق تحت سطوة التعليب) وتبدأ الكاتبة مقالها بالقول:(أجدني، ومئات الآلاف من أفراد الأسر غرقى في مركب واحد أمام التناقضات الهائلة التي يواجهها صغارنا ومراهقونا بين ما يمارسهم معهم معلموهم داخل المدارس من أنماط سلوكية تسلطية مطلقة لأمور عامة لا تعكس في الحقيقة حرامًا أو حلالاً قدر ما يخضع تفسيرها لأساليب نيات وطبيعة ثقافة هؤلاء المعلمين، بحيث أضحى التلفزيون حرامًا، والدش حرامًا، والسائق حرامًا، والخادمة حرامًا، وقصَّة الشعر حرامًا، ولبس البنطلون حرامًا، ويعود الطفل إلى واقعه ليجد الخادمة وليجد السائق والدش، ويجد والده الذي يعمل في الجيش أو في المستشفى أو في الخطوط وقد ارتدى البنطلون كزي رسمي .. )(1) إلخ مقالها الذي تختمه بالقول: هل أنت راض عن تعامل المعلم مع ابنك؟
وأنا هنا لا أقف مناقشًا لهذه الطروحات والأفكار بالتفصيل فليس هذا موطنها، لكنني أتساءل، وربما تساءل غيري، أَيسوغ طرح هذه القضايا في المزاد العلني، وعلى رؤوس الأشهاد بهذا التعميم والتهويل؟ وهل أصبحت قضايا الحلال والحرام كلأً مباحًا يقول فيه غير أهله بغير علم؟ ولمصلحة من تُبلبل عقول الناس، ويداخلهم الشك في أمانة ومسؤولية معلمي أبنائهم؟ وهل يعني ذلك إعطاء الفرصة لنقد المؤسسات الأخرى، إن بحق أو بغير حق؟ أم يضمر هؤلاء الكتاب هدفًا مبيتًا للتعليم؟ فمرَّةً تتهم المناهج، وأخرى يتهم المعلمون، وهل التعليم إلا منهج ومعلم؟ .
(1) الجزيرة عدد 8644 في 12/ 1/ 1417 هـ.
أم هي دعوة لإغراق البيوت التي سلمت من بعض هذه الآفات، فينبغي أن تكون صريحةً، وليست على طبق اتهام المعلمين؟ أم تراها رفضًا مبطنًا لفتاوى أصحاب الفضيلة العلماء، وقد قالوا قولتهم- وهم أصحاب الشأن- في هذه القضايا وأمثالها.
إننا نستغرب هذه الجرأة، ونستغرب معها إتاحة الفرصة لمثل هذه الطروحات الفجة، والتهم التي تهدم ولا تبني، ولسنا بحاجة إلى فصام نكد بين البيت والمدرسة، وإنما حاجتنا إلى التفاهم والتعاون المثمر.
أما أنتم- معاشر الطلبة والطالبات- فنوصيكم بتقوى الله، والإخلاص في طلب العلم، واستثمار ما تعلمتموه في حياتكم العملية، وإياكم والسلوكيات الخاطئة داخل قاعة الدرس والامتحان أو خارجها
…
كونوا لوحة مشرقة للعلم النافع الذي تعلمتموه، ولا تكن الامتحانات نهاية المطاف في تعلمكم، فطلب العلم من المهد إلى اللحد، وهو من المحبرة إلى المقبرة، والعلم النافع سعادة في الحياة الدنيا، وطريق موصل إلى الله بأمان في الأخرى، ولتكن قاعات الدرس مؤهلة لكم لحضور حلق العلم، وثني الركب، والاستفادة من العلماء، وليكن رائدُكم في ذلك قولَ المصطفى صلى الله عليه وسلم «من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهَّل الله له طريقًا إلى الجنة» (1). لاسيما وأنتم مقبلون على إجازة يليق بكم استثمارها في كل عمل نافع.
وإياكم والأهواء المضللة، والنزغات الشيطانية، واحذروا رفقة السوء، وكلام الزور، وليكن خوفكم من خالقكم، وأدبكم مع والديكم ومعلميكم،
(1) حديث صحيح رواه الترمذي (صحيح الجامع 5/ 302).
وصلتكم بزملائكم والناس من حولكم، ليكن ذلك كلُّه وفق النصوص الشرعية التي حفظتموها.
اللهم ارحمنا أجمعين، أباءً وأمهاتٍ، وبنات وبنين، وعلمنا ما ينفعنا، وأنفعنا بما علمتنا
…
عالمين ومعلمين ومتعلمين
…
هذا وصلوا ..