الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين مستحق الحمد والثناء، وأشهد أن لا إله إلا الله ذي المجد والثناء، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وأنار الطريق للأمة وتركها على المحجة البيضاء فلا يزيغ عنها إلا هالك، اللهم صل وسلم عليه وعلى سائر الأنبياء والمرسلين وعلى آل محمد الطيبين الطاهرين، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أيها المسلمون والمسلمات، ويبقى سبب مهم من الأسباب الداعية لفاحشة الزنا ألا وهو سماع الغناء والخنا، والعكوف على مشاهدة المسلسلات الهابطة والنظر إلى الأفلام الخليعة تلك التي تبثها وسائل الإعلام بمختلف قنواتها، إن هذه المشاهد المؤذية تروض البنين والبنات على الفحش، وتذهب عنهم ماء الحياء وإذا نزع الحياء من أمة فقد تودع منها، وأنى لكلمات الآباء وتوجيهات الأمهات أن تصل إلى الأولاد وهم يستقبلون كل يوم عشرات المشاهد والكلمات التي تنسخ بالليل ما سمعوه منهم بالنهار، ويظل الشيطان بالإنسان يغريه ويغويه حتى ينتقل من مرحلة إلى أخرى وكأنما خلق للهو والعبث فلا يكفيه أن يشاهد من الداخل بل يطمع بمشاهدة كل جديد ولو كان فيه حتفه وينصب بعضهم أعمدة البث المباشر خفية أول الأمر حتى إذا أمن عقوبة الناس أو تخفف بعض الشيء من نقدهم أعلنها وأعلاها وكأن نقد الناس هو العائق عن المجاهرة
…
أما ما تحويه هذه (الدشوش) من بلاء وفتنة، وما تحمله من سموم مبطنة فتلك آخر ما يفكر فيها، وأما ما تحمله هذه المادة المبثوثة من غزو للأفكار مقصودة، ومن تدمير للأخلاق مبرمجة ومدروسة، فذلك ما تغيب عن باله في سبيل
اللذة .. الآنية، والنهم في معرفة ما لدى الآخرين، ومن عجب أنك لا تجد أحدًا- حين المناقشة- يخالفك الرأي في الأثر السيء لسماع الغناء والخنى، والنظر إلى المشاهد المثيرة للغرائز والعواطف، في أي وسيلة وعبر أي قناة
…
ومع ذلك تحس بالإصرار على الخطأ أحيانًا، وتحس بالتجاهل لنتائج الدراسات العلمية لهذه البرامج على النشء مستقبلاً، لا أعتقد أن البعض جاهل إلى هذه الدرجة، والمأساة لا تحل به وحده، بل تطبع جيلاً من أبنائه وأبناء غيره لا هم لهم إلا ضياع الأوقات في زبالات الأفكار الواردة، والاستجابة لتربية الغرباء بدلاً من تربية الأمهات والآباء، وإنما القضية ضعف في اتخاذ القرار وانشطار في القوامة على البيوت بين الرجال والنساء وهي تحتاج لنوع من التفاهم لما فيه الخير، ونوع من التعاون على البر والتقوى لما فيه الرشد والفلاح، وسيحس الأبوان حينها بإشراق البيوت بنور الله، وامتلاء القلوب بذكر الله، وستفر الشياطين كالحمر المستنفرة، وستحل محلها الملائكة تشهد الخير وتنزل معها السكينة والرحمة، والفرق بين الحالتين كبير، والتجربة أكبر برهان.
يا أمة القرآن، وليس يخفى أن من العوامل الخطيرة لإشاعة الفاحشة في الذين آمنوا صيحات المنافقين، ودعوات العلمانيين، ومن سار في ركبهم لتحرير المرأة من كل حشمة ووقار، ومطالبتها بالخروج والاختلاط بالرجال وهي دعوات مبطنة تتخذ أساليب عدة- ليس هذا موضع تفصيلها- لكني أنبه إليها بإجمال ليحذر المؤمنون والمؤمنات أولئك الذين يخرجون باسم التقدم والحضارة، وباسم حماة المرأة والمهتمين بقضاياها، والله أعلم بما يبطنون، ولقد بلغت المرأة في بلادنا بفضل الله مبلغًا من العلم والوعي لم تعد فيه تنخدع أو تستجيب لهذه الدعوات التي يُعْرَف أصحابُها في لَحْن قولهم: {أَمْ حَسِبَ
الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَن لَّن يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ (29) وَلَوْ نَشَاءُ لأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ} (1).
أيها المسلمون وثمة أسباب أخرى لا تقل أهمية، فالسفر للبلاد الإباحية دونما حاجة، والتردد كثيرًا على البلاد التي ينتشر فيها الفساد وتعلن الرذيلة أسباب جالبة لوقوع الزائر في الشراك، وإن لم يقصدها أول مرة، وضعف رقابة الآباء والأمهات على البنين والبنات، وغلاء المهور، وضعف التوعية في مدارس البنين والبنات عن مخاطر جريمة الزنا- كل هذه وتلك إذا وجدت فهي أسباب من الأسباب المؤدية إلى الزنا- نسأل الله السلامة لنا ولسائر المسلمين.
أيها الإخوة والأخوات، وتبقى طرق العلاج رهينة معرفة الأسباب ومرتبطة بعلاجها، فمعرفة السبب وإزالة الداعي إلى الفتنة، أول طريق للعلاج، وبالتالي فإن تقوية الإيمان في النفوس، وصرف الأبصار عن الحرام (وإنما لك الأولى وليس لك الثانية). ولزوم الحجاب الشرعي للمرأة، وعدم اختلاطها بالرجال أو خلوتها بهم، والوعي بمخاطر سفر المرأة دون محرم، وعدم التهاون بذلك، والتنبه لمخاطر الهاتف والإعراض عن السفهاء، وعدم استقدام السائقين والخدم إلا لضرورة وبالمواصفات الشرعية، فالسائق مع زوجته، والخادمة مع زوجها، والاقتصار على المسلمين دون غيرهم، والحذر من وسائل الإعلام وما تبثه من برامج ساقطة وعدم الانخداع بدعوات المغرضين، أو الاستجابة لأصوات المنافقين، وتيسير المهور، ومراقبة البيوت، والإشراف ومزيد الاهتمام بالبنين والبنات، والاقتصاد في السفر للخارج- كل هذه إذا وضعها المسلم نصيب عينه، وأولاها من العناية ما تستحق فستكون بإذن الله عوامل ناجحة في العلاج وطرقًا مهمة لقطع دابر الفتنة.
(1) سورة محمد، الآيتان: 29 - 30.
ويبقى بعد ذلك دور الجهات المسؤولة في تنفيذ الأحكام، فلا يأخذ المسؤول لومة لائم في تطبيق الحدود وإقامة شرع الله كما أمر، (فالله تعالى يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن)، وبعض الناس يخيفه عذاب الدنيا ويخشى العار من الخلق أكثر من خوفه من عذاب الله، وخشيته من الفضيحة الكبرى، وهؤلاء لا تردعهم إلا القوة، ولا يصلح معهم الضعف والمسامحة، والله تعالى وهو أرحم الراحمين يقوله في تطبيق الحدود على الزناة:{وَلا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ} (1).
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في هذا المعنى كلامًا جميلاً ومما قاله: وبهذا يتبين لك أن العقوبات الشرعية كلها أدوية نافعة يصلح الله بها مرض القلوب وهي من رحمة الله بعباده ورأفته بهم الداخلة في قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَاّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} (2). فمن ترك هذه الرحمة النافعة كرأفة يجدها بالمريض، فهو الذي أعان على عذابه وهلاكه، وإن كان لا يريد إلا الخير إذ هو في ذلك جاهل أحمق .. إلى أن يقول: ومن الناس من تأخذه الرأفة بهم لمشاركته لهم في ذلك المرض وذوقه ما ذاقوا من قوة الشهوة وبرودة القلب والديانة، فيترك ما أمر الله به من العقوبة وهو في ذلك أظلم الناس وأريثهم في حق نفسه ونظائره، وهو بمنزلة جماعة من المرضى قد وصف لهم الطبيب ما ينفعهم فوجد كبيرهم مرراته فترك شربه ونهى عن سقيه للباقين) (3).
نعوذ بالله من الخذلان، ونسألك اللهم البعد عن الفواحش، والدياثة وسيء الأخلاق.
(1) سورة النور، الآية:2.
(2)
سورة الأنبياء، الآية:157.
(3)
الفتاوى 15/ 290/ 291.
اللهم طهر قلوبنا من الآثام والأمراض، واحفظ جوارحنا عن الفواحش وسيء الأخلاق، اللهم احفظنا واحفظ لنا وطهرنا وطهر لنا، اللهم كما حفظت أنبياءك وأولياءك فاحفظنا .. اللهم ألهمنا رشدنا وبصرنا بمواطن الضعف في نفوسنا، اللهم اهد ضال المسلمين.